المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الفصل: ‌ ‌باب الوصايا

‌باب الوصايا

ص: 163

1 -

عن ابن عمر رضى اللَّه عنهما أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "ما حق امرئ مسلم له شئ يريد أن يوصى فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده" متفق عليه.

[المفردات]

الوصايا: جمع وصية قال الحافظ فى الفتح: والوصايا جمع وصية كالهدايا وتطلق على فعل الموصى وعلى ما يوصى به من مال أو غيره من عهد ونحوه فتكون بمعنى المصدر وهو الإيصاء وتكون بمعنى المفعول وهو الاسم. وفى الشرع: عهد خاص مضاف إلى ما بعد الموت، وقد يصحبه التبرع، قال الأزهرى: الوصية من وصيت الشئ بالتخفيف أوصيه إذا وصلته. وسميت وصية لأن الميت يصل بها ما كان فى حياته بعد مماته اهـ.

ما حق امرئ مسلم: ما الحزم والاحتياط للشخص المسلم.

له شئ يريد أن يوصى فيه: أى له مال يرغب ويحب أن يعهد بأن يجعل منه مبرة بعد موته يصل إليه ثوابها إذا انقطع عمله بالموت.

يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده: أى يمضى عليه زمان ولو

ص: 163

كان قليلا إلا وقد حرر وصيته لأنه قد يفاجأ بالموت فيفوته تحرير وصيته ويحرم من هذا الخير.

[البحث]

قوله صلى الله عليه وسلم فى الحديث: "يبيت ليلتين" ليس المراد به التحديد بل التقريب. ولذلك ورد بلفظ "ليلتين" وبلفظ "ثلاث ليال" فقد روى مسلم من طريق سالم عن أبيه أنه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "ما حق امرئ مسلم له شئ يوصى فيه يبيت ثلاث ليال إلا ووصيته عنده مكتوبة" قال عبد اللَّه بن عمر: ما مرت علىَّ ليلة منذ سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال ذلك إلا وعندى وصيتى" وقوله فى الرواية التى ساقها المصنف هنا "يريد أن يوصى فيه" يشعر بأن المقصود الاستحباب لا الإيجاب لأنه علقه بإرادة الشخص ورغبته فى الوصية. على أن قول المصنف بعد إيراد هذا الحديث "متفق عليه" فيه تسامح فإن البخارى رحمه الله لم يخرج هذه اللفظة بل اللفظ المتفق عليه هو: "له شئ يوصى فيه" وإنما الذى أخرج هذه اللفظة هو مسلم رحمه الله. على أن المسلم إذا كان عليه دَيْن أو حق للَّه تعالى وأولياوه لا يعرفون ذلك فإنه يجب عليه أن يكتب وصية بذلك مخافة أن يبادره الموت قبل أداء ما عليه من الحق وقد يؤدى عدم تحرير وصية به إلى ضياعه وعدم الوفاء به فيعَرِّضُ نفسه لعقوبة اللَّه يوم القيامة.

[ما يفيده الحديث]

1 -

استحباب الوصية بشئ من المال لأعمال البر.

2 -

استحباب التعجيل بكتابة الوصية.

3 -

يجب على من تعلقت ذمته بحق لا يعرفه أولياؤه أن يحرر وصية بذلك.

ص: 164

2 -

وعن سعد بن أبى وقاص رضى اللَّه عنه قال: قلت يا رسول اللَّه أنا ذو مال، ولا يرثنى إلا ابنة لى واحدة" أفأتصدق بِثُلُثَىْ مالى؟ قال:"لا" قلت: أفأتصدق بِشَطرهِ؟ قال: "لا" قلت: أفأتصدق بِثُلُثِهِ؟ قال: "الثُّلُثُ. والثلث كثير، إنك أن تَذَرَ ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالةً يَتَكَفَّفُونَ الناسَ" متفق عليه.

[المفردات]

سعد بن أبى وقاص: هو سعد بن مالك أبى وقاص بن وُهَيْب ابن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤى بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر الزهرى القرشى أبو إسحاق أحد السابقين الأولين ابن عم آمنة بنت وهب أم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وكان يقال له: خال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو أول من رمى بسهم فى سبيل اللَّه، وقال له النبى صلى الله عليه وسلم يوم أحد: ارم فداك أبى وأمى. وقد روى البخارى ومسلم من طريق سعيد بن المسيب قال: سمعت سعدا يقول: جمع لى النبى صلى الله عليه وسلم أبويه يوم أحد. وقد اختلف فى تاريخ وفاته

ص: 165

فقيل سنة خمسين وقيل سنة خمس وخمسين. وكانت وفاته بقصره بالعقيق فحمل إلى المدينة على رقاب الرجال. وقد رغبت عائشة وبعض أزواج النبى صلى الله عليه وسلم أن يمروا بجنازته فى المسجد فيصلين عليه ففعلوا فوقفوا به على حجرهن يصلين عليه، وقد ترك مائتى ألف وخمسين ألف درهم. وترك أكثر من عشرة أولاد وعشر بنات وقد سمى له ابن سعد فى الطبقات ثمانية عشر من الأولاد الذكور مات قبله منهم إسحاق الأكبر وعمير الأكبر، وثمانى عشرة من البنات رضى اللَّه عنه.

أنا ذو مال: أى صاحب مال.

ولا يرثنى إلا ابنة لى واحدة: أى وليس ورائى من الولد سوى بنت واحدة والمراد بها عائشة بنت سعد رضى اللَّه عنها.

أفأتصدق بثلثى مالى: يحتمل أنه أراد بالصدقة الوصية بمعنى هل أوصى بثلثى مالى فى عمل البر بعد موتى. ويحتمل أنه أراد الصدقة المنجزة.

قال: "لا": أى لا تتصدق بثلثى مالك.

أفأتصدق بشطره: أى هل أتصدق بنصفه فالمراد بالشطر هنا النصف.

ص: 166

قال "لا": أى لا تتصدق بنصف مالك.

أفأتصدق بثلثه: أى هل أتصدق بثلث مالى وأبقى لورثتى الثلثين.

قال: "الثلث": يجوز نصبه على الإغراء أو على تقدير فعل أى أعط الثلث ويجوز رفعه على أنه فاعل أى يكفيك الثلث أو أنه مبتدأ حذف خبره أو خبر محذوف المبتدأ.

والثلث كثير: وفى رواية "والثلث كبير" أى إن التصدق بالثلث ليس بشئ قليل يسر.

أن تذر ورثتك أغنياء: أى تركك ورثتك وذريتك مستغنين عن الناس.

خير من أن تذرهم عالة: أى أفضل من أن تتركهم بعد موتك فقراء محتاجين. والعالة جمع عائل وهو الفقير.

يتكففون الناس: أى يسألونهم بمد الأكف إليهم.

[البحث]

روى البخارى ومسلم فى صحيحيهما من حديث ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: لو غض الناس إلى الربع؟ لأن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "الثلث والثلث كثير أو كبير" وقد ساق البخارى رحمه الله حديث سعد رضى اللَّه عنه بلفظ قال: جاء النبى صلى الله عليه وسلم يعودنى وأنا بمكة وهو يكره أن يموت بالأرض التى هاجر منها، قال "يرحم اللَّه ابن عفراء" قلت: يا رسول اللَّه أوصى بمالى

ص: 167

كله؟ قال: "لا" قلت: فالشطر؟ قال: "لا" قلت: الثلث؟ قال: "فالثلث، والثلث كثير، إنك أن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس فى أيديهم، وإنك مهما أنفقت من نفقة فإنها صدقة حتى اللقمة التى ترفعها إلى فى امرأتك، وعسى اللَّه أن يرفعك فينتفع بك ناس، وَيُضَر بك آخرون" ولم يكن له يومئذ إلا ابنة. وفى لفظ للبخارى من حديث سعد رضى اللَّه عنه قال: مرضت فعادنى النبى صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ادع اللَّه أن لا يردنى على عَقِبى، قال:"لعل اللَّه يرفعك، وينفع بك ناسا" قلت: أريد أن أوصى، وإنما لى ابنة، قلت أوصى بالنصف؟ قال:"النصف كثير" قلت: فالثلث؟ قال: "الثلث والثلث كثير أو كبير" قال: فأوصى الناس بالثلث وجاز ذلك لهم. أما مسلم رحمه الله فقد ساق حديث سعد رضى اللَّه عنه بعدة ألفاظ منها قال: عادنى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فى حجة. الوداع من وجع أشْفَيْتُ منه على الموت. فقلت: يا رسول اللَّه بلغنى ما ترى من الوجع وأنا ذو مال، ولا يرثنى إلا ابنة لى واحدة أفأتصدق بثلثى مالى؟ قال:"لا" قال: قلت أفأتصدق بشطره؟ قال: "لا، الثُّلُث والثلث كثير، إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس، ولست تنفق نفقة تبتغى بها وجه اللَّه إلا أُجِرْت بها حتى اللقمة تجعلها فى فى امرأتك" قال: قلت: يا رسول اللَّه أُخَلَّف بعد أصحابى قال: "إنك لن تُخَلَّفَ فتعمل عملا تبتغى به وجه اللَّه

ص: 168

إلا ازددت به درجةً ورِفْعَةً، ولعلك تُخَلَّفُ حتى يُنْفَعَ بك أقوام، ويُضَرَّ بك آخرون. اللهم أمض لأصحابى هجرتهم، ولا تَرُدَّهُمْ على أعقابهم، لَكِنِ البائسُ سعد بن خولة" قال: رثى له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من أن توفى بمكة. وفى لفظ: ولم يذكر قول النبى صلى الله عليه وسلم فى سعد بن خولة غير أنه قال: وكان يكره أن يموت بالأرض التى هاجر منها. وفى لفظ له عن سعد رضى اللَّه عنه قال: مرضت فأرسلت إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقلت: دعنى أقْسِم مالى حيث شئت فأبى، قلت: فالنصف، فأبى قلت: فالثلث، قال: فسكت بعد الثلث قال: فكان بعدُ الثُّلُثُ جائزا" وفى لفظ له، قال: عادنى النبى صلى الله عليه وسلم فقلت: أوصى بمالى كله؟ قال: "لا" قلت: فالنصف؟ قال: "لا" فقلت: أبالثلث؟ فقال: "نعم، والثلث كثير" وفى لفظ: أن النبى صلى الله عليه وسلم دخل على سعد يعوده بمكة فبكى. قال: "ما يبكيكَ؟ " فقال: قد خشيت أن أموت بالأرض التى هاجرت منها كما مات سعد بن خولة، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: اللهم اشف سعدًا اللهم اشف سعدًا، ثلاث مِرَارٍ قال: يا رسول اللَّه إن لى مالا كثيرا. وإنما يرثنى ابنتى أفأوصى بمالى كله؟ قال: "لا" قال: فبالثلثين؟ قال: "لا" قال: فالنصف؟ قال: "لا" قال: فالثلث؟ قال: "الثلث والثلث كثير، إن صدقتك من مالك صدقة، وإن نفقتك على عيالك صدقة، وإن ما تأكل امرأتك من مالك صدقة، وإنك أن تدع أهلك بخير "أو قال بعيشٍ" خير من أن تدعهم يتكففون الناس،

ص: 169

وقال بيده اهـ وفى قوله فى بعض ألفاظ الحديث: وعسى اللَّه أن يرفعك فينتفع بك ناس ويُضَرَّبِكَ آخرون" وفى بعض ألفاظه: ولعلك تُخَلَّفُ حتى يُنْفَعَ بك أقوام، ويُضَرَّ بك آخرون" معجزة من معجزات رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بما أطلعه اللَّه عليه من غيب، فإن سعدا لم يمت حتى فتح اللَّه على يديه العراق وبلادا من فارس فرفع اللَّه به أقواما دخلوا فى الإسلام على يديه، وضَرَّ به آخرين قتلهم على الكفر واستولى على بلادهم، وطال عمره وبقى بعد جماعات كثيرة من أصحابه، فكان كما أخبر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.

[ما يفيده الحديث]

1 -

لا يجوز لمن أراد الوصية بشئ من ماله أن يزيد على الثلث.

2 -

يستحب لمن أراد أن يوصى بشئ من ماله أن ينقص عن الثلث.

3 -

استحباب العمل على ترك الذرية أغنياء.

4 -

أن النفقة على الأقارب من أحسن الصدقات والقربات.

ص: 170

3 -

وعن عائشة رضى اللَّه عنها أن رجلا أتى النبى صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول اللَّه إن أمى افْتُلِتَتْ نَفْسُهَا ولم توص، وأظنها لو تكلمت تصدقت. أفَلَهَا أجر إن تصدقت عنها؟ قال:"نعم" متفق عليه واللفظ لمسلم.

[المفردات]

أن رجلا: قيل هو سعد بن عبادة رضى اللَّه عنه.

ص: 170

افْتُلِتَتْ نفسُها: أى ماتت فجأة وأخذت فلتة وتوفيت بغتة.

ولم توص: أى ولم تعهد بشئ من مالها فى وجوه الخير والبر.

لو تكلمت تصدقت: أى لو استطاعت الكلام عند نزول الموت بها تصدقت أى أوصت بشئ من مالها فى وجوه الخير والبر.

أفلها أجر إن تصدقت عنها: أى أيصلها ثواب بعد موتها إن جعلت لها من مالى بعض المبرات.

[البحث]

أورد البخارى رحمه الله فى "باب ما يستحب لمن يُتَوَفَّى فَجْأةً أن يتصدقوا عنه وقضاء النذور عن الميت" من حديث عائشة رضى اللَّه عنها أن رجلا قال للنبى صلى الله عليه وسلم: إن أمى افتلتت نفسها وأراها لو تكلمت تصدقت أفأتصدق عنها. قال نعم: تصدق عنها، ثم ساق من حديث ابن عباس رضى اللَّه عنهما أن سعد بن عبادة رضى اللَّه عنه استفتى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: إن أمى ماتت وعليها نذر فقال: "اقضه عنها" ثم قال البخارى: باب الإشهاد فى الوقف والصدقة ثم ساق من حديث ابن عباس أن سعد بن عبادة رضى اللَّه عنهم أخا بنى ساعدة توفيت أمه وهو غائب فأتى النبىَّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إن أمى توفيت وأنا غائب عنها فهل ينفعها شئ إن تصدقت به عنها؟ قال: "نعم" قال: فإنى أشهدك أن حائطى المخراف صدقة عليها. أما مسلم فقد أخرج اللفظ الذى ساقه المصنف، وفى لفظ له من حديث عائشة رضى اللَّه عنها أن

ص: 171

رجلا قال للنبى صلى الله عليه وسلم إن أمى افتلتت نفسها وإنى أظنها لو تكلمت تصدقت فلى أجر أن أتَصَدَّقَ عنها؟ قال: "نعم" وأورد مسلم من حديث أبى هريرة أن رجلا قال للنبى صلى الله عليه وسلم: إن أبى مات وترك مالا ولم يوص فهل يُكَفِّرُ عنه أن أتصدق عنه؟ قال: "نعم".

[ما يفيده الحديث]

1 -

أن من عرف عنه الحرض على الوصية ومات فجأة ولم يوص يجوز لولده أن يوصى عنه وينتفع الميت بهذه الوصية.

2 -

يجوز للولد أن يجعل صدقة جارية لوالده الميت.

ص: 172

4 -

وعن أبى أمامة الباهلى رضى اللَّه عنه قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "إن اللَّه قد أعطى كل ذى حق حقه فلا وصية لوارث" رواه أحمد والأربعة إلا النسائى وحسنه أحمد والترمذى وقواه ابن خزيمة وابن الجارود. ورواه الدارقطنى من حديث ابن عباس وزاد فى آخره "إلا أن يشاء الورثةُ" وإسناده حسن.

[المفردات]

أعطى كل ذى حق حقه: أى قسم التركة على الوارثين المستحقين فى كتابه الكريم فى آيات المواريث.

فلا وصية لوارث: أى لا يجوز للميت أن يوصى ببعض تركته لبعض ورثته لأنها تصير بمنزلة الزيادة على الحقوق التى قررها اللَّه تبارك وتعالى.

ص: 172

وزاد فى آخره: أى زاد الدارقطنى فى آخر هذا الحديث من روايته عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما.

[البحث]

كانت الوصية للوالدين والأقربين من الحقوق التى شرعها اللَّه تبارك وتعالى قبل نزول آية المواريث وفى ذلك يقول اللَّه عز وجل {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (180) فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (181) فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أو إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} فلما أنزل اللَّه آيات المواريث أعطى فيها كل ذى حق حقه. وحديث أبى أمامة الذى ساقه المصنف هو من رواية إسماعيل بن عياش عن شرحبيل بن مسلم الخولانى وإسماعيل بن عياش صدوق فى روايته عن الشاميين مخلط فى غيرهم. وشيخه شرحبيل بن مسلم بن حامد الخولانى الشامى قال فى التقريب: صدوق فيه لين. وقال فى تلخيص الحبير: حديث: لا وصية لوارث، وأعاده بزيادة: إن اللَّه قد أعطى كل ذى حق حقه، أحمد وأبو داود والترمذى وابن ماجه من حديث أبى أمامة باللفظ التام، وهو حسن الإسناد وكذا رواه أحمد والترمذى والنسائى وابن ماجه من حديث عمرو بن خارجة ورواه ابن ماجه من حديث سعيد بن أبى سعيد عن أنس ورواه البيهقى من طريق الشافعى عن ابن عيينة عن سليمان الأحول عن مجاهد: أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:

ص: 173

"لا وصية لوارث" قال الشافعى: وروى بعض الشاميين حديثا. ليس بما يثبته أهل الحديث فإن بعض رجاله مجهولون، فاعتمدنا على المنقطع مع ما انضم إليه من حديث المغازى، وإجماع العلماء على القول به، وكأنه أشار إلى حديث أبى أمامة المتقدم، ورواه الدارقطنى من حديث جابر وصوب إرساله من هذا الوجه، ومن حديث على وإسناده ضعيف ومن طريق ابن عباس بسند حسن وفى الباب عن معقل بن يسار عند ابن عدى اهـ أما ما أشار إليه المصنف من حديث ابن عباس عند الدارقطنى بزيادة "إلا أن يشاء الورثة" فقد قال المصنف هنا: وإسناده حسن ولكنه قال فى تلخيص الحبير: حديث ابن عباس: "لا تجوز الوصية لوارث إلا أن يشاء الورثة" ويروى: إلا أن يجيزها لموزنة. الدارقطنى من حديث ابن عباس باللفظ الأول. وأبو داود فى المراسيل من مرسل عطاء الخراسانى به. ووصله يونس بن راشد فقال: عن عكرمة عن ابن عباس. أخرجه الدارقطنى والمعروف المرسل. ورواه الدارقطنى من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وإسناده واهى اهـ. قلت: قال ابن ماجه: حدثنا هشام بن عمار ثنا محمد ابن شعيب بن شابور ثنا عبد الرحمن ابن يزيد بن جابر عن سعيد بن أبى سعيد أنه حدثه عن أنس بن مالك قال: إنى لتحت ناقة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يسيل علىَّ لعابُها. فسمعته يقول: "إن اللَّه قد أعطى كل ذى حق حقه، ألا لا وصية لوارث. قال فى الزوائد: إسناده صحيح وهشام بن عمار من رجال البخارى ومحمد بن شعيب بن شابور قد وثقه أبو داود وغيره. وقال فى التقريب: صدوق

ص: 174

صحيح الكتاب. وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر من رجال الجماعة وسعيد ابن أبى سعيد هو المقبرى من رجال الجماعة أيضا. وبهذا يكون قد ثبت لمنع الوصية للوارث أصلان صحيحان أحدهما الإجماع الذى نقله الشافعى رحمه الله وثانيهما حديث أنس عند ابن ماجه. والعلم عند اللَّه عز وجل. أما إذا وصى لوارث وأجاز الورثة هذه الوصية فإنهم يكونون قد أسقطوا حقا من حقوقهم برضاهم وذلك أمر مشروع.

[ما يفيده الحديث]

1 -

أنه لا وصية لوارث.

2 -

أنه إذا وصَّى لوارث فأجازها الورثة فإن ذلك يجوز.

ص: 175

5 -

وعن معاذ بن جبل رضى اللَّه عنه قال: قال النبى صلى الله عليه وسلم: إن اللَّه تصدق عليكم بثلث أموالكم عند وفاتكم زيادة فى حسناتكم" رواه الدارقطنى، وأخرجه أحمد والبزار من حديث أبى الدرداء وابن ماجه من حديث أبى هريرة، كلها ضعيفة لكن قد يُقَوِّى بَعْضُهَا بعضا. واللَّه أعلم.

[المفردات]

إن اللَّه تصدق عليكم: أى أجاز لكم أن توصوا وتتصرفوا.

بثلث أموالكم: أى بثلث ما تخلفونه وراءكم من مال.

عند وفاتكم: أى فى مرضكم موتكم.

زيادة فى حسناتكم: أى لتكون لكم فرصة اكتساب زيادة الثواب

ص: 175

أبو الدرداء: هو عُوَيْمر بن زيد بن قيس بن عائشة بن أمَيَّة بن مالك ين عامر بن عدى بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج قيل كان اسمه عامرا وعويمر لقبه. وكان رضى اللَّه عنه آخر أهل داره إسلاما، فجاء عبد اللَّه بن رواحة فأخذ قَدُوما فجعل يضرب صنم أبى الدرداء وهو يقول:

تَبرَّأ مِنَ اسْماء الشياطين كلها

ألا كلُّ ما يُدْعَى مع اللَّه باطل

فلما جاء أبو الدرداء أخبرته امرأته بما صنع عبد اللَّه ابن رواحة ففكر فى نفسه فقال: لو كان عند هذا خير لدفع عن نفسه. فانطق حتى أتى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ومعه عبد اللَّه بن رواحة فأسلم. وكان من عِلْيَة أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. قال ابن سعد: أخبرنا عفان بن مسلم وسليمان بن حرب قالا: حدثنا أبو هلال قال: حدثنا معاوية بن قرة أن أبا الدرداء اشتكى فدخل عليه أصحابه فقالوا يا أبا الدرداء ما تشتكى؟ قال: أشتكى ذنوبى. قالوا فما تشتهى؟ قال: أشتهى الجنة. قالوا: أفلا ندعو لك طبيبا؟ قال: هو الذى أضجعني! وقد نزل أبو الدرداء بالشام واستقر بها إلى أن توفى

ص: 176

بدمشق سنة اثنتين وثلاثين أو إحدى وثلاثين. وقيل بعد ذلك. والعجيب أن بالاسكندرية من أرض مصر قبرا يقال له: قبر أبى الدرداء.

وكلها ضعيفة: يعنى حديث معاذ عند الدارقطنى وحديث أبى الدرداء عند أحمد والبزار وحديث أبى هريرة عند ابن ماجه.

[البحث]

حديث معاذ بن جبل أخرجه الدارقطنى من طريق الحسين بن إسماعيل نا محمد بن عبد اللَّه بن منصور الفقيه نا سليمان بن بنت شرحبيل نا إسماعيل بن عياش نا عتبة بن حميد عن القاسم عن أبى أمامة عن معاذ بن جبل عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "إن اللَّه عز وجل قد تصدق عليكم بثلث أموالكم عند وفاتكم، ليجعلها لكم زكاة فى أعمالكم" قال الحافظ فى تلخيص الحبير: وفيه إسماعيل بن عياش وشيخه عتبة بن حميد وهما ضعيفان، ورواه أحمد من حديث أبى الدرداء ولفظه: إن اللَّه تصدق عليكم بثلث أموالكم عند وفاتكم" ورواه ابن ماجه والبزار والبيهقى من حديث أبى هريرة بلفظ: إن اللَّه تصدق عليكم عند وفاتكم بثلث أموالكم زيادة لكم فى أعمالكم. وإسناده ضعيف، وفى الباب عن أبى بكر الصديق رواه العقيلى فى تاريخ الضعفاء من طريق حفص بن عمر بن ميمون وهو متروك عن خالد بن عبد اللَّه السلمى وهو مختلف فى صحبته، رواه عنه ابنه

ص: 177

الحارث وهو مجهول اهـ وحديث أبى الدرداء عند أحمد والبزار قد أخرجه الطبرانى أيضا وفى إسناده عندهم جميعا أبو بكر بن أبى مريم قال الهيثمى: قد اختلط اهـ وقد قال البزار: حدثنا إبراهيم ثنا أبو اليمان ثنا أبو بكر بن أبى مريم عن ضمرة بن حبيب عن أبى الدرداء عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إن اللَّه عز وجل: تصدق عليكم بثلث أموالكم عند وفاتكم. قال البزار: وهذا قد روى من غير وجه، وأعلى من روى فى ذلك أبو الدرداء. ولا نعلم له طريقا غير هذا، وضمرة وابن أبى مريم معروفان بالنقل للعلم، واحتمل عنهما الحديث اهـ وحديث أبى هريرة عند ابن ماجه من طريق على بن محمد ثنا وكيع عن طلحة بن عمرو عن عطاء عن أبى هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم "إن اللَّه تصدق عليكم عند وفاتكم بثلث أموالكم زيادة لكم فى أعمالكم" قال فى الزوائد: فى إسناده طلحة بن عمرو الحضرمى ضعفه غير واحد. وقال الزيلعى: وروى عن أبى هريرة أيضا أخرجه ابن ماجه من طريق طلحة بن عمرو المكى عن عطاء بن أبى رباح عن أبى هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إن اللَّه تصدق عليكم عند وفاتكم بثلث أموالكم زيادة لكم فى أعمالكم" ورواه البزار فى مسنده وقال: لا يعلم رواه عن عطاء إلا طلحة بن عمرو، وهو وإن روى عنه جماعة فليس بالقوى اهـ

ص: 178