الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب عشرة النساء
1 -
عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "ملعون من أتى امرأة فى دبرها" رواه أبو داود والنسائى واللفظ له ورجاله ثقات لكن أعل بالإِرسال.
[المفردات]
عشرة النساء: أى ما يعامل الرجل به زوجته من المداراة وحسن المعاملة. وما تعامل به الزوجة زوجها، وطرق المباشرة بينهما وما يحق لكل واحد منهما على الآخر ليعيشا عيشة طيبة.
ملعون: أى مطرود من رحمة اللَّه.
من أتى امرأة فى دبرها: أى وطئها فى دبرها.
[البحث]
قال الحافظ فى تلخيص الحبير: قوله: وعن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: ملعون من أتى امرأة فى دبرها، أحمد وأبو داود وبقية أصحاب السنن من طريق سهيل بن أبى صالح عن الحارث بن مخلد عن أبى هريرة مرفوعا، لفظ أبى داود والنسائى وابن ماجه: لا ينظر اللَّه يوم القيامة إلى رجل أتى امرأته فى دبرها، وأخرجه البزار وقال: الحارث بن مخلد ليس مشهور، وقال ابن القطان: لا يعرف
حاله وقد اختلف فيه على سهيل فرواه إسماعيل بن عياش عنه عن محمد بن المنكدر عن جابر، أخرجه الدارقطنى وابن شاهين، ورواه عمر مولى غفرة عن سهيل عن أبيه عن جابر أخرجه ابن عدى وإسناده ضعيف، ولحديث أبى هريرة طريق أخرى أخرجها أحمد والترمذى من طريق حماد بن سلمة عن حكيم الأثرم عن أبى تميمة عن أبى هريرة بلفظ: من أتى حائضا، أو امرأة فى دبرها، أو كاهنا فصدقه فيما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد. قال الترمذى: غريب لا نعرفه إلا من حديث حكيم وقال البخارى: لا يعرف لأبى تميمة سماع من أبى هريرة وقال البزار: هذا حديث منكر، وحكيم لا يحتج به وما انفرد به فليس بشئ، وله طريق ثالث أخرجها النسائى من رواية الزهرى عن أبى سلمة عن أبى هريرة، قال حمزة الكنانى الراوى عن النسائى: هذا منكر، ولعل عبد الملك بن محمد الصنعانى سمعه من سعيد بن عبد العزيز بعد اختلاطه، قال: وهو باطل من حديث الزهرى والمحفوظ عن الزهرى عن أبى سلمة أنه كان ينهى عن ذلك. انتهى. وعبد الملك قد تكلم فيه دحيم وأبو حاتم وغيرهما، وله طريق رابعة أخرجها النسائى أيضا من طريق بكر بن خنيس عن ليث عن مجاهد عن أبى هريرة بلفظ: من أتى شيئا من الرجال أو النساء فى الأدبار فقد كفر، وبكر وليث ضعيفان وقد رواه الثورى عن ليث بهذا السند موقوفا، ولفظه: اتيان الرجال والنساء فى أدبارهم كفر، وكذا أخرجه أحمد عن إسماعيل عن ليث اهـ قال البزار: لا أعلم فى
هذا الباب حديثا صحيحا لا فى الحظر ولا فى الإِطلاق. قال الحافظ فى التلخيص: وكذا روى الحاكم عن الحافظ أبى على النيسابورى، ومثله عن النسائى، وقاله قبلهما البخارى. اهـ وحكى ابن عبد الحكم عن الشافعى أنه قال: لم يصح عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فى تحريمه ولا فى تحليله شئ اهـ. هذا وقد حاول بعض الناس أن يستدل بقوله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} على استباحة ذلك، ويرده ما رواه البخارى ومسلم فى سبب نزول الآية إذ هو المبين لتفسيرها فقد روى البخارى ومسلم واللفظ لمسلم من حديث جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه عنهما قال: كانت اليهود تقول: إذا أتى الرجل امرأته من دبرها فى قبلها كان الولد أحول، فنزل:{نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} ولفظ البخارى من حديث جابر رضى اللَّه عنه قال: كانت اليهود تقول: إذا جامعها من ورائها جاء الولد أحول فنزلت: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} قال الحافظ فى تلخيص الحبير: ورواية آدم عن شعبة عن محمد بن المنكدر سمعت جابر ابن عبد اللَّه يقول فى قول اللَّه عز وجل {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} يقول كيف شئتم فى الفرج يريد بذلك موضع الولد للحرث، يقول: ائت الحرث كيف شئت اهـ وسيأتى مزيد بحث لهذا فى بحث الحديث السابع من أحاديث هذا الباب إن شاء اللَّه تعالى.
2 -
وعن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال قال: رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:
"لا ينظر اللَّه إلى رجل أتى رجلا أو امرأة فى دبرها" رواه الترمذى والنسائى وابن حبان وأعل بالوقف.
[المفردات]
أتى رجلا: أى فعل به الفاحشة.
وأعل بالوقف: أى على ابن عباس رضى اللَّه عنهما.
[البحث]
قال الحافظ فى التلخيص فى أثناء كلامه على الحديث السابق: وفى الباب عن ابن عباس أخرجه الترمذى والنسائى وابن حبان وأحمد والبزار من طريق كريب عن ابن عباس قال البزار: لا نعلمه يروى عن ابن عباس بإسناد أحسن من هذا تفرد به أبو خالد الأحمر عن الضحاك ابن عثمان عن مخرمة بن سليمان عن كريب وكذا قال ابن عدى ورواه النسائى عن هناد عن وكيع عن الضحاك موقوفا وهو أصح عندهم من المرفوع. وعن ابن عباس طريق أخرى موقوفة رواها عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه أن رجلا سأل ابن عباس عن إتيان المرأة فى دبرها فقال: تسألنى عن الكفر؟ وأخرجه النسائى من رواية ابن المبارك عن معمر وإسناده قوى اهـ.
3 -
وعن أبى هريرة رضى اللَّه عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من كان يؤمن باللَّه واليوم الآخر فلا يؤذى جاره، واستوصوا بالنساء خيرا، فإنهن خُلِقْنَ من ضِلَع، وإن أعوج شئ فى الضلع أعلاه، فإن ذهبتَ
تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيرا" متفق عليه واللفظ للبخارى، ولمسلم: "فإن استمتعت بها استمتعت بها وبها عِوَجٌ، وإن ذهبتَ تقيمها كسرتها، وكسرها طلاقها".
[المفردات]
فلا يؤذى جاره: أى فليحسن معاملة جاره وليدفع عنه أذاه، وليبتعد عما يضره. وجار الإنسان يطلق على زوجته، كما يطلق على من قربت داره من داره.
واستوصوا بالنساء خيرا: أى أشيعوا بينكم الوصاة بالإحسان إلى النساء، وليوص بعضكم بعضا بمعاملتهن بالحسنى، وأنا أوصيكم بذلك.
خُلِقْنَ من ضِلَع: أى أنشأهن اللَّه تعالى من ضِلَع، والضلع بكسر الضاد وفتح اللام وقد تسكن واحد الأضلاع وهو الذى يتركب منه القفص الصدرى.
أعوج شئ فى الضلع أعلاه: أى إن طبيعة الضلع أن يكون أعوج فلا يوجد ضلع مستقيم وأظهر ما يكون من الاعوجاج فى الضلع إنما هو فى أعلاه. والعوج قال الحافظ فى الفتح: بكسر العين وفتح الواو بعدها جيم للأكثر وبالفتح لبعضهم، وقال أهل اللغة: العَوَج بالفتح فى كل منتصب كالحائط والعود وشبهه
وبالكسر ما كان فى بساط أو أرض أو معاش أو دِين. ونقل ابن قرقول عن أهل اللغة أن الفتح فى الشخص المرئى والكسر فيما ليس بمرئى وقال القرطبى: بالفتح فى الأجسام وبالكسر فى المعانى. وهو نحو الذى قبله وانفرد أبو عمرو الشيبانى فقال: كلاهما بالكسر مصدرهما بالفتح. اهـ
تقيمه: أى تنصبه نصبا مستقيما وتُعَدِّلُهُ.
كسرته: أى أفسدت تركيبه وفصمته.
وإن تركته لم يزل أعوج: أى وإن لم تقم الضلع لم يفارق طبيعته بل يستمر على اعوجاجه ولكنه مع ذلك يؤدى وظيفته التى خلق عليها.
فإن استمتعت بها استمتعت بها وبها عوج: أى فإن أردت الانتفاع منها انتفعت بها على طبيعتها.
وإن ذهبت تقيمها كسرتها: أى وإن أردت أن تعاملها على أساس كمال اعتدالها لم تحصل منها على ما تريد لأنه ضد طبيعتها ويؤدى ذلك إلى إتلافها والحرمان من الانتفاع بها كلية.
وكسرها طلاقها: أى ومعاملتها على أساس كمال اعتدالها وهو سبيل فراقها وطلاقها.
[البحث]
المقرر عند علماء المسلمين أن المرأة خلقت من ضلع آدم فكما أن
آدم خلق من تراب من غير أب ولا أم فقد خلقت حواء من ضلعه، من غير أم. كما خلق اللَّه تعالى عيسى بالنفخ فى أمه مريم من غير أب وقد أغرب النووى فقال فى قوله:"إن المرأة خلقت من ضلع": فيه دليل لما يقوله الفقهاء أو بعضهم أن حواء خلقت من ضلع آدم قال اللَّه تعالى: {خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} وبين النبى صلى الله عليه وسلم أنها خلقت من ضلع" وقد جعل الحافظ فى الفتح هذا القول من غرائب النووى إذ قال الحافظ رحمه الله فى قوله: فإنهن خلقن من ضلع": وكأن فيه إشارة إلى ما أخرجه ابن إسحاق فى "المبتدأ" عن ابن عباس أن حواء خلقت من ضلع آدم الأقصر الأيسر وهو نائم وكذا أخرجه ابن أبى حازم وغيره من حديث مجاهد، وأغرب النووى فعزاه للفقهاء أو بعضهم" اهـ.
وليس لقائل أن يقول: إن المراد تشبيه المرأة فى اعوجاج طبيعتها بالضلع الأعوج بدليل ما رواه البخارى ومسلم فى صحيحيهما من حديث أبى هريرة رضى اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "المرأة كالضلع" أقول: إنه لا معارضة بين حديث: خلقن من ضلع. وحديث: المرأة كالضلع لأن تشبيه الشئ بأصله أمر شائع ذائع فى اللغة العربية فإنك تقول للرجل: أنت من أبيك وتقول له: أنت كأبيك. وقال الحافظ فى الفتح فى قوله "خلقن من ضلع" وهذا لا يخالف الحديث الماضي من تشبيه المرأة بالضلع بل يستفاد من هذا نكتة التشبيه وأنها عوجاء مثله لكون أصلها منه اهـ هذا والمقصود من هذا الحديث العظيم هو حث الأزواج على حسن معاملة الزوجات
والصبر على ما قد يقع منهن من الأذى فى غير عفافهن، وهو عامل مهم من عوامل تثبيت أركان الأسرة فى الإسلام وصيانة الحياة الزوجية من أسباب الانهيار لما جُرِّبَ من شدة انسياق المرأة وراء عواطفها، بخلاف الرجل الذى هو المسئول الأول فى البيت وله القوامة فيه، وعليه تبعات هذه القوامة وقد أشار رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى أن المرأة المؤمنة لا تخلوا من خير فإن كره الرجل منها خلقا رضى منها خلقا آخر ففى لفظ لمسلم من حديث أبى هريرة رضى اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضى منها آخر أو قال: غيره. وقوله فى أول هذا الحديث: من كان يؤمن باللَّه واليوم الآخر فلا يؤذى جاره" ثم قوله: "واستوصوا بالنساء خيرا" قال الحافظ فى الفتح: هما حديثان يأتى شرح الأول منهما فى كتاب الأدب، وقد أخرجه مسلم عن أبى بكر بن أبى شيبة عن حسين بن على الجعفى شيخ شيخ البخارى فيه فلم يذكر الحديث الأول، وذكر بدله: "من كان يؤمن باللَّه واليوم الآخر فإذا شهد امرؤ فليتكلم بخير أو ليسكت" والذى يظهر أنها أحاديث كانت عند حسين الجعفى عن زائدة بهذا الإسناد فربما جمع وربما أفرد، وربما استوعب وربما اقتصر اهـ هذا وقد روى البخارى رحمه الله هذا الحديث فى باب المداراة مع النساء" من طريق الأعرج عن أبى هريرة بلفظ: أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "المرأة كالضِّلْعِ إن أقمتَها كسرتَها وإن استمتعتَ بها استمتعتَ بها وفيها عِوَجٌ. وساقه فى باب الوصاة بالنساء من طريق أبى حازم عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه
عن النبى صلى الله عليه وسلم باللفظ الذى ساقه المصنف. أما مسلم رحمه الله فقد ساقه بعدة ألفاظ فرواه من طريق ابن المسيب عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه بلفظ قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إن المرأة كالضلع، إذا ذهبت تقيمها كسرتها وإن تركتها استمتعت بها وفيها عوج" وأخرجه من طريق الأعرج عن أبى هريرة بلفظ قال: "قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إن المرأة خلقت من ضلع، لن تستقيم لك على طريقة، فإن استمتعت بها استمتعت بها وبها عوج، وإن ذهبت تقيمها كسرتها وكسرها طلاقها" وأخرجه من طريق أبى حازم عن أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم بلفظ: "من كان يؤمن باللَّه واليوم الآخر فإذا شهد أمرا فليتكلم بخير أو ليسكت، واستوصوا بالنساء، فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج شئ فى الضلع أعلاه. إن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، استوصوا بالنساء خيرا" اهـ
[ما يفيده الحديث]
1 -
تحريم أذى الجار ولا سيما الزوجة.
2 -
وجوب الإحسان إلى الزوجات.
3 -
ينبغى للزوج أن يصبر على ما قد يبدر من زوجته من أذى ما دام لم يتصل بعفافها.
4 -
أن المرأة قد يسبق لسانها بأذى لزوجها رغما عنها وهى لا تريد أن تؤذيه.
5 -
حرص الإسلام على صيانة الأسرة من أسباب الانهيار.
6 -
قوامة الرجل على المرأة.
4 -
وعن جابر رضى اللَّه عنه قال: كنا مع النبى صلى الله عليه وسلم فى غزاة فلما قدمنا المدينة ذهبنا لندخل، فقال:"أَمْهِلُوا حتى تدخلوا ليلا (يعنى عِشَاءً) لكى تمتشط الشَّعِثَةُ، وتستحد المُغِيبَةُ" متفق عليه. وفى رواية للبخارى: إذا أطال أحدكم الغَيْبَةَ فلا يَطْرُقْ أهله ليلا".
[المفردات]
كنا: يريد جابر رضى اللَّه عنه أنه كان فى جملة من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ورضى اللَّه عنهم.
فى غزاة: أى فى غزوة والمراد بها هنا غزوة تبوك.
فلما قدمنا المدينة: أى اقتربنا من المدينة المنورة قافلين.
ذهبنا لندخل: أى تهيأنا لدخول المدينة المنورة.
أمهلوا: أى تريثوا ولا تَتَعَجَّلُوا فى الدخول على زوجاتكم.
حتى تدخلوا ليلا: أى حتى يكون وصولكم إلى أهلكم عِشَاء كما جاء مفسرا فى الحديث فالمراد من الليل هنا أوله فى وقت العشاء.
تمتشط: أى ترتب الشعر بالمشط وتجعله على هيئة حسنة فالامتشاط هو استعمال المشط.
الشَّعِثَةُ: بفتح الشين كسر العين بعدها ثاء هى التى لم تدهن
شعرها ولم تمشطه فاغبر وتلبد وتوسخ. وكان من عادات النساء أن تتشعث المرأة إذا سافر زوجها فتترك شعرها دون تمشيط أو دهان.
وتستحد المُغِيبَةُ: أصل الاستحداد هو استعمال الحديدة فى شعر العانة وهو إزالته بالموسى والمراد هنا إزالته بأى مزيل كان. والمُغِيبَةُ بضم الميم كسر الغين وإسكان الياء هى التى غاب عنها زوجها. ويقال للتى حضر زوجها مُشْهِد بلا هاء.
وفى رواية للبخارى: أى من حديث جابر رضى اللَّه عنه.
الغَيْبَة: بفتح الغين هى الغياب فى السفر. بخلاف الغيبة بكسر الغين فهى ذكرك أخاك بالعيب فى ظهر الغيب وليست مرادة هنا. بل المراد الأول.
يطرق: قال الحافظ فى الفتح: قال أهل اللغة: الطُّروق بالضم المجئ بالليل من سفر أو من غيره على غفلة. ويقال لكل آت بالليل طارق اهـ ثم قال فى موضع آخر: وقال بعض أهل اللغة: أصل الطروق الدفع والضرب وبذلك سميت الطريق لأن المارة تدقها بأرجلها، وسمى الآتى بالليل طارقا لأنه يحتاج غالبا إلى دق الباب، وقيل أصل الطروق: السكون ومنه أطرق رأسه، فلما كان
الليل يُسكن فيه سمى الآتى فيه طارقا اهـ ويظهر أن هذا الاستعمال هو الغالب وقد يقال لمن يأتى على غفلة ولو كان بالنهار طارقا، ولذلك يقال فى الاستعاذة: ونعوذ بك من شر كل طارق يطرق بليل أو نهار إلا طارقا يطرق بخير يارحمن. ولذلك جاء فى لفظ حديث البخارى: "فلا يطرق أهله ليلا" مما يشعر باستعمالها للقادم المفاجئ بليل أو نهار.
[البحث]
هذا الحديث أيضا من وصايا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فى الحرص على الإِحسان إلى الزوجات وحسن معاشرتهن، والعمل على صيانة الحياة الزوجية من أسباب الانهيار، وهو من أمثلة رفق الإسلام بالمرأة ومراعاة شعورها مما لا نظير له فى غير دين الإسلام، هذا الدين العظيم الذى رفع المرأة من الحضيض التى كانت فيه فى الجاهلية الأولى، والتى لا تزال فيه فى الجاهلية الأخيرة كذلك. وفى كل مجتمع لا يستمسك بدين الإسلام، وهو رد على هؤلاء الببغاوات من مقلدة أعداء الإسلام الداعين إلى ما يسمونه بتحرير المرأة وهم لا يريدون سوى تحريرها من كل خلق كريم ووقوعها فى كل رجس أثيم. وقد أورد البخارى رحمه الله هذا الحديث عن جابر رضى اللَّه عنه بلفظ قال: كان النبى صلى الله عليه وسلم يكره أن يأتى الرجل أهله طروقا. وباللفظ الذى ساقه المصنف فى الرواية الأخرى عنه وساقه أيضا من طريق مسدد عن هشيم
عن سيَّار عن الشعبى عن جابر قال: كنت مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فى غزوة، فلما قفلنا تَعَجَّلْتُ على بعير قَطُوفٍ، فلحقنى راكب من خلفى، فالتفت، فإذا أنا برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:"ما يُعْجِلُكَ؟ " قلت: إنى حديث عهد بعرس، قال:"فبكرا تزوجت أم ثيبا؟ " قلت: بلى ثيبا. قال: "فهلا جارية تلاعبها وتلاعبك" قال: فلما قدمنا ذهبنا لندخل، فقال:"أمهلوا حتى تدخلوا ليلا -أى عشاء- لكى تمتشط الشعثة وتستحد المُغِيبَة" قال: وحدثنى الثقة أنه قال فى هذا الحديث "الكَيْسَ الكيس يا جابر" يعنى الولد اهـ وقوله هنا: حدثنى الثقة المراد بالثقة هنا هو هشيم شيخ مسدد، ثم ساقه البخارى أيضا من حديث جابر رضى اللَّه عنه بلفظ: أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "إذا دخلت ليلا فلا تدخل على أهلك حتى تستحد المغيبة وتمتشط الشعثة" قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "فعليك بالكيس الكيس" وساقه أيضا بلفظ عن جابر رضى اللَّه عنه قال: كنا مع النبى صلى الله عليه وسلم فى غزوة فلما قفلنا كنا قريبا من المدينة، تعجلت على بعير لى قَطوف، فلحقنى راكب من خلفى، فنخس بعيرى بعنزة كانت معه، فسار بعيرى كأحسن ما أنت راءٍ من الإِبل، فالتفت فإذا أنا برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول اللَّه إنى حديث عهد بعرس قال: "أتزوجت؟ " قلت نعم. قال: "أبكرا أم ثيبا؟ قال: قلت بل ثيبا. قال: "فهلا بكرا تلاعبها وتلاعبك؟ " قال: فلما قدمنا ذهبنا لندخل، فقال: "أمهلوا حتى تدخلوا ليلا -
أى عشاء- لكى تمتشط الشعثة، وتستحد المغيبة" وقد تقدمت بعض ألفاظ حديث البخارى أيضا فى بحث الحديث الخامس من أحاديث البيوع. أما مسلم رحمه الله فساقه من طريق يحيى بن يحيى عن هشيم عن سيار عن الشعبى عن جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه عنهما قال: كنا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فى غزاة فلما أقبلنا تعجلت على بعير لى قطوف فلحقنى راكب خلفى فنخس بعيرى بِعَنَزَةَ كانت معه، فانطلق بعيرى كأجود ما أنت راء من الإِبل، فالتفتُّ فإذا أنا برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال:"ما يعجلك يا جابر؟ " قلت: يا رسول اللَّه إنى حديث عهد بعرس فقال: "أبكرا تزوجتها أم ثيبا؟ " قال: قلت: بل ثيبا. قال: "هلا جارية تلاعبها وتلاعبك" قال فلما قدمنا المدينة ذهبنا لندخل، فقال:"أمهلوا حتى ندخل ليلا -أى عِشاء- كى تمتشط الشعثة، وتستحد المغيبة" قال: وقال: "إذا قدمت فالكيسَ الكيس" وفى لفظ لمسلم قال: قال: "أما إنك قادم، فإذا قدمت. فالكيسَ الكيس" وفى لفظ له عن جابر رضى اللَّه عنه قال قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إذا قدم أحدكم ليلا فلا يأتين أهله طروقا حتى تستحد المغيبة وتمتشط الشعثة" وفى لفظ له من حديث جابر قال: نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا أطال الرجل الغيبة أن يأتى أهله طروقا. وفى لفظ له من حديث جابر رضى اللَّه عنه قال: نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن يطرق الرجل أهله ليلا يتخونهم أو يلتمس عثراتهم. قال سفيان: لا أدرى هذا فى الحديث
أم لا يعنى أن يتخونهم أو يلتمس عثراتهم. وقوله فى الحديث "على بعير لى قطوف" القطوف بفتح القاف هو البطئ فى المشى. هذا ولا معارضة بين قوله فى الحديث: "أمهلوا حتى تدخلوا ليلا" وبين رواية البخارى: "فلا يطرق أهله ليلا" فإن المراد بالليل فى الحديث الأول هو أوله وهو وقت العشاء كما جاء مفسرا فى نفس الخبر. والمراد بالليل المنهى عن الدخول على الأهل فيه هو ما كان بعد ذلك مما تكون المرأة فيه قد نامت غالبا وقد بين رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الحكمة فى النهى عن الطروق ليلا وهو عدم مفاجأة المرأة حتى تتهيأ لزوجها بإزالة شعثها والاستعداد له حتى لا تقع عينه منها على شئ قد ينفره منها. وعلى هذا فإذا أخبر الزوج زوجته بوقت وصوله قبل أن يصل بوقت كاف تتمكن فيه من التهيؤ له جاز له أن يدخل عليها بلا حرج فى ليل أو نهار قال فى الفتح وقد صرح بذلك ابن خزيمة فى صحيحه ثم ساق من حديث ابن عمر قال قدم النبى صلى الله عليه وسلم من غزوة فقال: لا تطرقوا النساء وأرسل من يؤذن الناس أنهم قادمون اهـ كما أنه لا ينبغى له أن يفاجئها بوصوله حتى ولو كان بالنهار لنفس الحكمة التى أشار إليها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. وقد أورد مسلم من حديث أنس رضى اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان لا يطرق أهله ليلا وكان يأتيهم غدوة أو عشية.
[ما يفيده الحديث]
1 -
استحباب أن تتزين المرأة لزوجها.
2 -
كراهة مفاجأة الرجل المسافر زوجته بالحضور عندها دون علم سابق لها بوقت وصوله.
3 -
استحباب التلطف فى معاملة النساء.
4 -
الحض على ما يجلب التحابب بين الزوجين.
5 -
تكريم الإسلام للمرأة.
6 -
الحض على قضاء حاجة الزوج من زوجته.
7 -
الحض على قضاء حاجة الزوجة من زوجها.
8 -
حض الزوجين على طلب الولد.
9 -
الحظر من تحديد النسل.
10 -
الاحتراز من تتبع عورات المسلمين.
12 -
كراهية مباشرة المرأة فى حالة لا تكون متهيئة فيها لزوجها.
13 -
أن ما أمرت به الشريعة من إزالة الشعر من بعض مواضع الجسم ليس داخلا فى النهى عن تغيير خلق اللَّه.
14 -
الحض على الابتعاد عما يسئ الظن بالمسلم.
15 -
لا ينبغى للزوج أن يعمل مع زوجته عملا تظن منه أنه ينسبها للخيانة.
5 -
وعن أبى سعيد الخدرى رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إن شر الناس عند اللَّه منزلةً يوم القيامة الرجلُ يُفْضِى إلى امرأته وتُفْضِى إليه ثم يَنْشُرُ سرَّها" أخرجه مسلم.
[المفردات]
شر الناس عند اللَّه منزلة يوم القيامة: أى أسوأ بنى آدم مكانة عند اللَّه فى الدار الآخرة.
يفضى إلى امرأته وتفضى إليه: أشار فى القاموس إلى أن قولهم: أفضى إلى امرأته بمعنى واقعها أو خلابها. وظاهر قوله: يفضى إليها وتفضى إليه يفيد أن المراد أنه يُوقفها من سره وتوقفه من سرها على ما لا يطلع عليه عادة سواهما مما يحصل بين الزوج وزوجته.
ثم ينشر سِرَّها: أى ثم يفضحها ويذيع ما من حقه أن يبقى مستورا بينهما.
[البحث]
هذا الحديث العظيم مثلٌ آخر من أمثلة تربية الزوجين على صيانة أسرارهما ومحافظة الزوج على ما قد يقع عليه من مستور زوجته، ومحافظة الزوجة على ما قد تقع عليه من مستور زوجها، وفيه تنمية للمروءة بينهما مما يعمل على صيانة البيوت الإِسلامية من أسباب الانهيار وأنه لا يحل لأحد الزوجين أن يذكر لأحد ما يكون بينه وبين زوجه ولا سيما فيما يتصل بحالة الاستمتاع بينهما، وما يتصل بذلك، وقد ساق المصنف هذا الحديث فى البلوغ هنا بلفظ "إن شر الناس" ولكن الذى فى مسلم هو:"إن من أشر الناس" ولعل المصنف ذكر الرواية بالمعنى. ولعل الذى حمله على ذلك هو ما يدعيه أهل النحو
من أنه لا يجوز أن يقال: أشر، وأخير وإنما يقال: هو خير منه كما يقال: هو شر منه. قال النووى نقلا عن القاضى: وقد جاءت الأحاديث الصحيحة باللغتين جميعا وهى حجة فى جوازهما جميعا وأنهما لغتان اهـ وقد روى مسلم رحمه الله عقب هذا الحديث فى صحيحه من حديث أبى سعيد الخدرى رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إن من أعظم الأمانة عند اللَّه يوم القيامة الرجل يفضى إلى امرأته وتفضى إليه ثم ينشر سرها" وفى لفظ: إن أعظم الأمانة. وهو إشعار بأن ما يفضى به الرجل إلى امرأته وتفضى به إليه هو أمانة فى أعناقهما لا يحل لهما بحال أن يخونا فيها بإفشاء هذا السر الذى يكون بينهما. هذا. أما ما قد يضطر إليه الرجل أو تضطر إليه المرأة من وصف ما يكون بينهما عند الحاكم فإن ذلك يجوز بقدر الضرورة، كما مر فى بحث الحديث رقم 30 من كتاب النكاح من قصة المرأة التى طلقها زوجها ثلاثا فتزوجت بعده ولم تجد عنده شيئا فوصفته لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بأنه ليس معه إلا مثل هدبة الثوب ولم ينكر عليها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. هذا وقد حرمت الشريعة الإسلامية كذلك على المرأة أن ترى امرأة أجنبية فتصفها لزوجها أو لغيره دون قصد شرعى لما فى ذلك من المفاسد، فقد روى البخارى فى صحيحه من حديث عبد اللَّه بن مسعود رضى اللَّه عنه قال: قال النبى صلى الله عليه وسلم: "لا تباشر المرأة المرأة فَتَنْعَتَهَا لزوجها كأنه ينظر إليها" وإذا كانت الشريعة تحرم على المرأة أن تنعت امرأة أجنبية لزوجها
كأنه ينظر إليها فإنها تحرم عليها أن تنعتها لغير زوجها من باب أولى إلا لقصد شرعى كما أشرت. واللَّه أعلم.
[ما يفيده الحديث]
1 -
تحريم إفشاء المرأة سر زوجها وما يكون بينهما لغير قصد شرعى.
2 -
تحريم إفشاء الرجل سر زوجته وما يكون بينهما لغير قصد شرعى.
3 -
أن إفشاء هذا السر من الكبائر.
4 -
حرص الإسلام على صيانة البيوت الإِسلامية من أسباب الانهيار.
5 -
الحض على حسن العشرة بين الزوجين.
6 -
وعن حكيم بن معاوية عن أبيه رضى اللَّه عنه قال: قلت: يا رسول اللَّه ما حق زوج أحدنا عليه؟ قال: "تُطْعِمُهَا إذا أكلتَ، وتكسوها إذا اكتسيتَ، ولا تضربِ الوجهَ، ولا تُقَبِّحْ، ولا تَهْجُرْ إلا فى البيت" رواه أحمد وأبو داود والنسائى وابن ماجه وعلق البخارى بعضه، وصححه ابن حبان والحاكم.
[المفردات]
حكيم بن معاوية: هو حكيم بن معاوية بن حيدة بن معاوية بن قشير ابن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة القشيرى أبو بهز من الثالثة، وقد تقدمت ترجمة بهز فى الحديث السادس من كتاب الزكاة. وقد علق البخارى له ولأبيه
فى غير موضع من صحيحه وقال فى كتاب الغسل فى باب من اغتسل عريانا وقال بهز عن أبيه عن جده عن النبى صلى الله عليه وسلم: اللَّه أحق أن يستحيا منه من الناس اهـ.
عن أبيه: هو معاوية بن حيدة القشيرى أحد أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ورضى اللَّه عنهم.
ما حق زوج أحدنا عليه: أى ماذا يثبت للزوجة على زوجها من الحق.
تُطْعِمُهَا إذا أكلت: أى تطعمها من طعامك وتعطيها حاجتها من الأكل الذى يتيسر لك بالمعروف.
وتكسوها إذا اكتسيت: أى وتقدم لها من الكسوة التى تتيسر لك ما تحتاجها بالمعروف.
ولا تضرب الوجه: أى وإذا ضربتها تأديبا فاجتنب أن تصيب وجهها.
ولا تقبح: أى ولا تسمعها كلاما تكرهه ولا تقل لها: قَبَّحَكِ اللَّه، ولا تعب حديثها، ومنه قوله فى حديث أم زرع:"فعنده أقول فلا أقبح".
ولا تهجر إلا فى البيت: أى لا يكن هجرك لامرأتك إلا فى المنزل إن أردت تأديبها بالهجران، امتثالا لقوله تعالى:{وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} قال الحافظ فى الفتح: واختلف أهل التفسير فى المراد بالهجران، فالجمهور على أنه ترك الدخول عليهن والإِقامة عندهن على ظاهر الآية وهو من الهجران وهو
البعد، وظاهره أنه لا يضاجعها وقيل: المعنى يضاجعها ويوليها ظهره، وقيل يمتنع عن جماعها، وقيل يجامعها ولا يكلمها، وقيل "اهجروهن" مشتق من الهُجر بضم الهاء وهو الكلام القبيح، أى أغلظوا لهن فى القول. وقيل مشتق من الهجار وهو الحبل الذى يشد به البعير يقال: هجر البعير إذا ربطه، فالمعنى أوثقوهن فى البيوت واضربوهن قاله الطبرى وقواه واستدل له، ووهاه ابن العربى فأجاد اهـ وأضم رأيى إلى رأى ابن العربى والحافظ ابن حجر فى توهين هذا التفسير الأخير لمعنى الهجران الذى قواه الطبرى، وهو قمن بالرد والهجر.
وعلق البخارى بعضه: أى قال البخارى فى صحيحه فى باب هجرة النبى صلى الله عليه وسلم نساءه فى غير بيوتهن. قال: ويُذكر عنَ معاوية بن حيدة رفعه: "غير أن لا تهجر إلا فى البيت" والأول أصح اهـ ويعنى بقوله: والأول أصح هو حديث أنس الذى قبل هذا الباب عند البخارى أن النبى صلى الله عليه وسلم آلى من نسائه شهرا وقعد فى مشرُبة له" إذ هو دليل على جواز الهجر فى غير البيت. وهو أصح سندا من حديث معاوية ابن حكيم القشيرى عن أبيه رضى اللَّه عنه.
[البحث]
قال الحافظ فى الفتح فى قوله "رفعه ولا تهجر إلا فى البيت": فى رواية الكشميهنى "غير أن لا تهجر إلا فى البيت" وهذا طرف من حديث طويل أخرجه أحمد أبو داود والخرائطى فى "مكارم الأخلاق" وابن منده فى "غرائب شعبة" كلهم من رواية أبى قزعة سويد عن حكيم بن معاوية عن أبيه وفيه: "ما حق المرأة على الزوج؟ قال: "يطعمها إذا طعم، ويكسوها إذا اكتسى، ولا يضرب الوجه، ولا يقبح، ولا يهجر إلا فى البيت" اهـ وأبو قزعة سويد هو سويد بن حجير -بضم الحاء وفتح الجيم على التصغير- الباهلى البصرى قال الحافظ فى التقريب: ثقة من الرابعة وأشار إلى أنه من رجال مسلم. ولا شك أن حديث حكيم بن معاوية عن أبيه أقرب إلى ظاهر قوله تعالى: {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} وأما ما أشار إليه البخارى بقوله: والأول أصح يعنى حديث أنس الذى أشرت إليه فى مفردات هذا الحديث فإن حديث أنس أصح إسنادا من حديث حكيم بن معاوية عن أبيه لكن هذا لا يدل على أن حديث معاوية القشيرى ليس بصحيح. وحديث أنس يدل على جواز الهجران فى غير البيت وحديث معاوية القشيرى يدل على أولوية الهجران فى البيت. وقد أشار بعض أهل العلم إلى أن هذا الأمر قد يختلف باختلاف أحوال النساء فبعضهن يربيه ويؤدبه الهجران فى البيت وبعضهن يربيه الهجران فى غير البيت. والحكيم من الرجال هو من يراعى المصلحة وما يتأتى به
التأديب. قال الحافظ فى الفتح: قال المهلب: هذا الذى أشار إليه البخارى كأنه أراد أن يستن الناس بما فعله النبى صلى الله عليه وسلم من الهجر فى غير البيوت رفقا بالنساء، لأن هجرانهن مع الإِقامة معهن فى البيوت آلم لأنفسهن وأوجع لقلوبهن، بما يقع من الإِعراض فى تلك الحال، ولما فى الغيبة عن الأعين من التسلية عن الرجال، قال: وليس ذلك بواجب لأن اللَّه قد أمر بهجرانهن فى المضاجع فضلا عن البيوت، وتعقبه ابن المنير بأن البخارى لم يرد ما فهمه، وإنما أراد أن الهجران يكون فى البيوت وفى غير البيوت وأن الحصر المذكور فى حديث معاوية بن حيدة غير معمول به بل يجوز الهجر فى غير البيوت كما فعل النبى صلى الله عليه وسلم اهـ ثم قال الحافظ: والحق أن ذلك يختلف باختلاف الأحوال فربما كان الهجران فى البيوت أشد من الهجران فى غيرهما، وبالعكس اهـ وقال البخارى فى صحيحه: باب ما يكره من ضرب النساء وقول اللَّه تعالى {وَاضْرِبُوهُنَّ} أى ضربا غير مُبَرِّح. وأراد رحمه الله أن قوله تعالى {وَاضْرِبُوهُنَّ} ليس لاستحباب ضرب النساء بل إنما هو للجواز عند الضرورة بل فيه ما يكره كراهة تنزيه أو يكره كراهة تحريم. وقد جاء فى حديث عمرو بن الأحوص أنه شهد حجة الوداع مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فذكر حديثا طويلا وفيه: "فإن فعلن فاهجروهن فى المضاجع واضربوهن ضربا غير مبرح" الحديث قال الحافظ فى الفتح: أخرجه أصحاب السنن وصححه الترمذى واللفظ له اهـ. وقد روى مسلم فى صحيحه من حديث جابر رضى اللَّه عنه الذى وصف فيه حجة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فذكر فى خطبته فى عرفة أنه صلى الله عليه وسلم قال: "فاتقوا
اللَّه فى النساء فإنكم أخذتموهن بأمان اللَّه، واستحللتم فروجهن بكلمة اللَّه، ولكم عليهن أن لا يوطئن فُرُشكم أحدا تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مُبَرِّح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف".
[ما يفيده الحديث]
1 -
وجوب نفقة الزوجة وكسوتها على زوجها.
2 -
وأن نفقة الزوجة على زوجها بقدر سعته.
3 -
جواز تأديب المرأة.
4 -
لا ينبغى للرجل تقبيح زوجته.
5 -
لا ينبغى للرجل أن يضرب وجه زوجته.
6 -
يجوز للزوج أن يهجر زوجته بالقدر الذى يراه مناسبا لتأديبها.
7 -
وعن جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه عنهما قال: كانت اليهود تقول: إذا أتى الرجل امرأته من دُبُرها فى قُبُلها كان الولد أحول فنزلت: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} متفق عليه واللفظ لمسلم.
[المفردات]
إذا أتى الرجل امرأته: أى واقعها.
من دبرها: أى وهى باركة.
فى قبلها: أى فى فرجها.
كان الولد أحول: أى جاء الولد الذى يثمره هذا الوطء أحول أى به ميلان فى بياض العين وسوادها والحَوَل عيب بخلاف الحَوَر وهو اتساع بياض العين مع اتساع سوادها وقد وصف اللَّه تبارك وتعالى نساء الجنة بالحور حيث يقول: "حور عين".
نساؤكم: أى زوجاتكم.
حرث لكم: الحرث محل الإِنبات والمراد به فى المرأة موضع النسل وهو الفرج إذ الموضع الآخر لا ينبت إلا الغائط ونحوه. وموضع الحرث معروف فى الأنثى بالفطرة التى فطر اللَّه خلقه عليها حتى الحيوانات العجماوات والوحوش المفترسة لا تعرف غيره فى هذا السبيل، ولذلك استمرت الخليقة الحيوانية وتكاثرت فى الأرض.
فأتوا حرثكم: أى واقعوا زوجاتكم فى موضع الحرث وهو الفرج.
أنّى شئتم: أى على أى جهة كانت المرأة سواء كانت مقبلة أو مدبرة أو باركة أو مستلقية أو مضطجعة أو واقفة أو على جنب ما دام الإِتيان فى موضع الحرث وهو الفرج.
[البحث]
قد سقت فى بحث الحديث الأول من أحاديث هذا الباب لفظ هذا الحديث عند الشيخين رحمهما اللَّه وذكرت هناك ما نقله الحافظ رحمه الله فى تلخيص الحبير من رواية آدم عن شعبة عن محمد بن المنكدر سمعت جابر بن عبد اللَّه يقول فى قول اللَّه عز وجل: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} يقول كيف شئتم فى الفرج يريد بذلك موضع الولد للحرث، يقول: ائت الحرث كيف شئت اهـ وقال الإمام أحمد: نا عفان نا وهيب نا عبد اللَّه بن عثمان بن خثيم عن عبد الرحمن بن سابط قال: دخلت على حفصة ابنة عبد الرحمن فقلت: إنى سائلك عن أمر وأنا أستحى أن أسألك، قالت: فلا تستحى يا ابن أخى، قال: عن اتيان النساء وكانت اليهود تقول: إنه من جَبَى امرأته كان ولده أحول، فلما قدم المهاجرون المدينة نكحوا فى نساء الأنصار فجبوهن، فأبت امرأة أن تطيع زوجها، وقالت: لن نفعل ذلك، حتى آتى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فدخلت على أم سلمة فذكرت لها ذلك، فقالت: اجلسى حتى يأتى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فلما جاء رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم استحيت الأنصارية أن تسأله، فخرجت، فحدثت أمُّ سلمة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال:"ادع الأنصارية" فدعيت، فتلا عليها هذه الآية {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} صماما واحدا اهـ وقد أورد مسلم حديث الباب أيضا عن جابر رضى اللَّه عنه بلفظ: أن يهود كانت تقول إذا أوتيت
المرأة من دبرها فى قبلها ثم حملت كان ولدها أحول قال: فأنزلت: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} وزاد فى لفظ: إن شاء مُجَبِّيَةً وإن شاء غير مجبية غير أن ذلك فى صمام واحد اهـ والمجبية بضم الميم وفتح الجيم وتشديد الباء المكسورة هى المكبوبة على وجهها والصمام الثقب والمراد به هنا القُبُل.
[ما يفيده الحديث]
1 -
يجوز للرجل وقاع زوجته مقبلة ومدبرة ومستلقية وعلى جنب وعلى أى جهة ما دام الوقاع فى الفرج.
2 -
بطلان عقيدة اليهود فى زعمهم أن الرجل إذا واقع امرأته فى فرجها وهى باركة جاء الولد أحول.
3 -
أن الإسلام يوجه البشر للاعتقاد الصحيح ويباعدهم عن الخرافات.
8 -
وعن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتى أهله قال: بسم اللَّه، اللهم جَنِّبنا الشيطان، وجَنِّبِ الشيطان ما رزقتنا فإنه إن يُقَدَّرْ بينهما ولد فى ذلك لم يَضُرَّهُ الشيطانُ أبدا" متفق عليه.
[المفردات]
إذا أراد أن يأتى أهله: أى إذا رغب أحدكم فى وقاع زوجته.
قال: أى قبل الشروع فى الوقاع.
جنبنا الشيطان: أى اجعل الشيطان بعيدا عنا مجانبا لنا، فالجنيب البعيد على حد قول الشاعر:
هواى مع الركب اليمانين مصعد
…
جنيب وجثمانى بمكة مُوثَق
والشيطان يطلق على المتمرد من الإِنس والجن والدواب والمراد به هنا شيطان الجن وهو إبليس لعنه اللَّه، وأصله من شاط بمعنى احترق أو من شطن بمعنى ابتعد ومنه قول الشاعر:
نأت بسعاد عنك نوى شطون
…
فبانت والفؤاد بها رهين
فالشطون البعيدة ويقال شطنت دارى عن دارك أى بعدت والشيطان بعيد عن كل خلال البر والخير والإِحسان.
وجَنِّب الشيطان ما رزقتنا: أى وباعد بين الشيطان وبين ما تتفضل به علينا من الولد فى هذا الوقاع حتى لا يكون للشيطان عليه سبيل.
فإنه: أى فإن الحال والشأن.
إن يُقَدَّرْ بينهما ولد فى ذلك: أى إن يقض اللَّه تبارك وتعالى
بإيجاد ولد من هذا الجماع.
لم يضره الشيطان أبدا: أى لم يكن للشيطان عليه سلطان حتى يموت على الفطرة.
[البحث]
ليس معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "لم يضره الشيطان أبدا" أنه يسلم من حميع وساوس الشيطان فقد نقل النووى وغيره عن القاضى عياض أنه قال: ولم يحمله أحد على العموم فى جمع الضرر والوسوسة والإِغواء اهـ بل معنى: "لم يضره الشيطان أبدا" أنه لا يتسلط عليه تسلطا يخرجه به عن الإسلام والفطرة، بل قد يمسه الشيطان لكنه سرعان ما يتفطن ويتنبه لذلك فيرجع إلى ربه ويتذكر مقامه بين يديه على حد قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} . هذا وقد روى البخارى هذا الحديث فى كتاب بدء الخلق من صحيحه من حديث ابن عباس رضى اللَّه عنهما عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "أما إن أحدكم إذا أتى أهله وقال: بسم اللَّه اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، فَرُزِقَا ولدا لم يضره الشيطان" وأخرجه فى كتاب النكاح فى باب ما يقول الرجل إذا أتى أهله" عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما بلفظ قال: قال النبى صلى الله عليه وسلم: "أما لو أن أحدهم يقول حين يأتى أهله: بسم اللَّه، اللهم جنبنى الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا ثم قُدِّرَ بينهما فى ذلك أو قُضِىَ ولد لم يضره شيطان أبدا". أما مسلم فقد ساقه
باللفظ الذى ساقه المصنف غير أنه قال: "لو أن أحدهم" بدل قوله فيما ساقه المصنف "لو أن أحدكم" كما أن لفظ مسلم: "لم يضره شيطان أبدا" بدل قوله فيما ساقه المصنف "لم يضره الشيطان أبدا".
[ما يفيده الحديث]
1 -
استحباب التسمية قبل الجماع.
2 -
استحباب الدعاء بهذا الذكر الذى ذكره رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قبل المباشرة.
3 -
أن من وفقه اللَّه تعالى لهذا الذكر قبل المباشرة فإنه يُقدِّم خيرا كثيرا لنسله.
4 -
أنه ينبغى للآباء أن يسعوا إلى ما يدفع تسلط الشياطين على أبنائهم.
9 -
وعن أبى هريرة رضى اللَّه عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجئ فبات غضبان لعنتها الملائكة حتى تُصبِحَ" متفق عليه واللفظ للبخارى، ولمسلم "كان الذى فى السماء ساخطا عليها حتى يرضى عنها".
[المفردات]
إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه: أى طلبها للجماع.
فأبت أن تجئ: أى فامتنعت عن طاعته فى قضاء شهوته.
فبات غضبان: أى فاستمر ليلته وهو ساخط متكدر الخاطر من أجل امتناعها.
لعنتها الملائكة: أى دعت عليها الملائكة باللعنة وطلبت من اللَّه أن يطردها من رحمته. والملائكة أجسام لطيفة مخلوقة من النور، شأنها الطاعة ومسكنها، الأصلى السموات، لا يعصون اللَّه ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، لهم أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد فى الخلق ما يشاء، منهم جبريل رآه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم له ستمائة جناح يسد الأفق. ولهم قدرة على التشكل الجميل، يصطفى اللَّه منهم رسلا، ومنهم الكرام الكاتبون، ومنهم حفظة موكلون بالإِنسان معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه بسبب أمر اللَّه عز وجل لهم بذلك. ومنهم ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فى وظائف لهم لا يحيط بها إلا اللَّه عز وجل.
حتى تصبح: أى يستمر دعاء الملائكة عليها باللعنة حتى يطلع النهار.
ولمسلم: أى من حديث أبى هريرة رضى اللَّه عنه.
كان الذى فى السماء: المراد بالذى فى السماء هو اللَّه عز وجل والمراد بالسماء جهة العلو أى كان العلى الأعلى، فالسماء قد تطلق ويراد بها السموات السبع المبنية وقد تطلق ويراد بها جهة العلو. وهذا هو المراد هنا لأن اللَّه تبارك وتعالى فوق عرشه، وعرشه
فوق السموات العُلَى. هذا ويحتمل أن المراد بالذى فى السماء هنا هو سكانها من الملائكة فيكون بدل قوله فى الرواية الأخرى: لعنتها الملائكة.
ساخطا عليها: أى غاضبا عليها غير راض عنها.
حتى يرضى عنها: أى إلى أن يسمح زوجها عنها ويعفو عن خطيئتها هذه، ويترك حقه.
[البحث]
هذا الحديث رواه البخارى بعدة ألفاظ فرواه فى كتاب بدء الخلق عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه بلفظ: قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت، فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح" وأررده فى كتاب النكاح فى باب (إذا باتت المرأة مهاجرة فراش زوجها) عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه بلفظ: "إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجئ لعنتها الملائكة حتى تصبح" ثم ساقه بلفظ: "إذا باتت المرأة مهاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى ترجع" وقد أورده مسلم رحمه الله بعدة ألفاظ كذلك فرواه من طريق زرارة بن أوفى عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى تصبح" وفى لفظ: "حتى ترجع". ورواه من طريق أبى حازم عن أبى هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "والذى نفسى بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشها فتأبى عليه إلا كان الذى فى السماء
ساخطا عليها حتى يرضى عنها" وفى لفظ له: "إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فلم تأته فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح" قال الحافظ فى الفتح: قال ابن أبى جمرة: الظاهر أن الفراش كناية عن الجماع. ويقويه قوله: "الولد للفراش" أى لمن يطأ فى الفراش" والكناية عن الأشياء التى يستحى منها كثيرة فى القرآن والسنة، قال: وظاهر الحديث اختصاص اللعن بما إذا وقع منها ذلك ليلا لقوله: "حتى تصبح" وكأن السر تأكد ذلك الشأن فى الليل، وقوة الباعث عليه، ولا يلزم من ذلك أنه يجوز لها الامتناع فى النهار، وإنما خص الليل بالذكر لأنه المظنة لذلك اهـ. وفى قوله فى الحديث:"بات غضبان" إشعار بأنه إذا طلبها إلى فراشه فأبت فلم يغضب فلا وزر عليها. هذا وإذا كان امتناعها لعذر كمرض لا تتمكن معه من طاعته فإنه لا شئ عليها"، أما إذا كان العذر غير شرعى كالحيض مثلا فإنها لا يجوز لها أن تمتنع عنه لأن له الحق فى الاستمتاع بما فوق الإِزار، قال النووى رحمه الله فى كلامه على هذا الحديث: هذا دليل على تحريم امتناعها من فراشه لغير عذر شرعى وليس الحيض بعذر فى الامتناع لأن له حقا فى الاستمتاع بها فوق الإِزار، ومعنى الحديث أن اللعنة تستمر عليها حتى تزول المعصية بطلوع الفجر والاستغناء عنها أو بتوبتها ورجوعها إلى الفراش اهـ
[ما يفيده الحديث]
1 -
تحريم امتناع المرأة من فراش زوجها.
2 -
أن امتناعها عن فراشه لغير عذر شرعى كبيرة من الكبائر.
3 -
تعظيم حق الزوج على زوجته.
4 -
أنه لا يجوز للمرأة أن تتسبب فى التشويش على زوجها.
10 -
وعن ابن عمر رضى اللَّه عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم لعن الواصلة والمستوصلة. والواشمة والمستوشمة" متفق عليه.
[المفردات]
الواصلة: هى المرأة التى تصل شعرها بشعر غيرها سواء فعلته لنفسها أو لغيرها.
المستوصلة: هى التى تطلب فعل ذلك.
والواشمة: هى فاعلة الوشم وهو أن تغرز إبرة ونحوها فى بدن المستوشمة حتى يسيل الدم فتحشوه بالكحل أو النيل أو النورة فيخضر.
والمستوشمة: هى التى تطلب ذلك.
[البحث]
قال البخارى فى صحيحه: باب المتفلجات للحُسن ثم ساق من طريق علقمة عن عبد اللَّه: لعن اللَّه الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المُغَيِّرَاتِ خلق اللَّه، ما لى لا ألعن من لعن النبىُّ صلى الله عليه وسلم وهو فى كتاب اللَّه {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ}
ثم قال البخارى: باب الوَصْل فى الشَّعَر ثم ساق من طريق حُمَيْد ابن عبد الرحمن بن عوف أنه سمع معاوية بن أبى سفيان عَامَ حج وهو على المنبر وهو يقول -وتناول قُصَّةً من شعر كانت بيد حَرَسِىٍّ: - أين علماءكم؟ سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ينهى عن مثْل هذه ويقول: "إنما هلكت بنو إسرائيل حين اتخذ هذه نساؤهم" ثم ساق البخارى من حديث أبى هريرة رضى اللَّه عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "لعن اللَّه الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة. ثم ساق من حديث عائشة رضى اللَّه عنها أن جارية من الأنصار تزوجت وأنها مرضت، فتمعَّط شعرها، فأراد أن يصلوها، فسألوا النبى صلى الله عليه وسلم فقال: "لعن اللَّه الواصلة والمستوصلة" وفى لفظ عن عائشة رضى اللَّه عنها أن امرأة من الأنصار زوجت ابنتها فتمعَّط شعر رأسها فجاءت إلى النبى صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقالت: إن زوجها أمرني أن أصل فى شعرها فقال: "لا، إنه قد لُعِنَ الموصِّلات" وساق البخارى من حديث أسماء بنت أبى بكر رضى اللَّه عنهما أن امرأة جاءت إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقالت: إنى أنكحت ابنتى ثم أصابها شَكْوَى فَتَمَرَّقَ رأسها، وزوجها يستحثنى بها، أفأصل رأسها؟ فَسَبَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الواصلة والمستوصلة. ثم ساق من حديث ابن عمر رضى اللَّه عنهما باللفظ الذى ساقه المصنف إلا أنه قال فى آخره: قال نافع: الوشم فى اللِّثَة. ثم ساق من حديث سعيد بن المسيب قال: قدِم معاوية المدينة آخر قَدْمَةٍ قَدِمَهَا، فخطبنا فأخرج كُبَّةً من شَعَر قال: ما كنت أرى
أحدا يفعل هذا غير اليهود، إن النبى صلى الله عليه وسلم سمَّاه الزُّور -يعنى الواصلة فى الشعر. ثم قال البخارى: باب المتنمصات وساق من طريق علقمة قال: لعن عبدُ اللَّه الواشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن، المغيرات خلق اللَّه، فقالت أم يعقوب: ما هذا؟ قال عبد اللَّه: وما لى لا ألعن من لعن رسولُ اللَّه، وفى كتاب اللَّه. قالت: واللَّه لقد قرأت ما بين اللوحين فما وجدته قال: واللَّه لئن قرأتيه لقد وَجَدْتِيهِ: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} ثم قال البخارى: "باب الموصلة" وساق من حديث ابن عمر باللفظ الذى ساقه المصنف. ثم قال البخارى: باب الواشمة وساق من حديث أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "العين حق" ونهى عن الوشم. أما مسلم رحمه الله فقد أخرج من حديث أسماء بنت أبى بكر رضى اللَّه عنهما قالت: جاءت امرأة إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول اللَّه إن لى ابنة عُرَيِّسًا، أصابتها حَصْبَةٌ فَتَمَرَّقَ شعرها أفأصله؟ فقال: لعن اللَّه الواصلة والمستوصلة. وفى لفظ لها رضى اللَّه عنها: فَتَمَرَّطَ شعرُها. ثم ساق من حديث عائشة رضى اللَّه عنها نحو الحديث الذى ساقه البخارى عنها إلا أنه جاء فى لفظها عند مسلم "فَتَمَرَّطَ شعرها" بدل قولها عند البخارى: "فتمعط شعرها" وفى لفظ لها عند مسلم: "فاشتكت فتساقط شعرها" ثم ساق مسلم من حديث ابن عمر رضى اللَّه عنهما باللفظ الذى ساقه المصنف. ثم ساق من
طريق علقمة عن عبد اللَّه قال: لعن اللَّه الواشمات والمستوشمات والنامصات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق اللَّه. قال: فبلغ ذلك امرأة من بنى أسد يقال لها أم يعقوب وكانت تقرأ القرآن فأتته فقالت: ما حديث بلغنى عنك أنك لعنت الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق اللَّه؟ فقال عبد اللَّه: وما لى لا ألعن من لعن رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو فى كتاب اللَّه؟ فقالت المرأة: لقد قرأت ما بين لَوْحَى المصحف فما وجدته، فقال: لئن كنتِ قرأتِيه لقد وجدتيه قال اللَّه عز وجل: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} فقالت المرأة: فإنى أرى شيئا من هذا على امرأتك الآن. قال: اذهبى فانظرى. قال: فدخلت على امرأة عبد اللَّه فلم تر شيئا. فجاءت إليه، فقالت: ما رأيت شيئا. فقال: أَمَا لو كان ذلكِ لم نجامعها. ثم روى مسلم من حديث جابر رضى اللَّه عنه يقول: زجر النبى صلى الله عليه وسلم أن تصل المرأة برأسها شيئا. ثم ساق مسلم ما رواه حميد بن عبد الرحمن بن عوف من حديث معاوية رضى اللَّه عنه إلا أنه قال فيه: يا أهل المدينة أين علماؤكم؟ ثم ساق مسلم من طريق سعيد بن المسيب من حديث معاوية رضى اللَّه عنه بقريب من اللفظ الذى ساقه البخارى عنه إلا أنه لم يذكر فيه قوله: "آخر قَدْمَةٍ قدمها" وقال فى آخره: "إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بلغه فسماه الزور" وفى لفظ له من طريق قتادة عن سعيد بن المسيب أن معاوية قال ذات يوم: إنكم قد أحدثتم زِىَّ سَوْءٍ، وإن
نبى اللَّه صلى الله عليه وسلم نهى عن الزور قال: وجاء رجل بعصا على رأسها خرقة قال معاوية: ألا وهذا الزُّور. قال قتادة يعنى ما يُكَثِّرُ به النساء أشعارهن من الخرق. اهـ
[ما يفيده الحديث]
1 -
يحرم على المرأة أن تطلب من أحد أن يصل شعرها بشعر آخر للتجمل ولو لزوجها.
2 -
يحرم على المرأة أن تصل شعرها بشعر آخر للتجمل ولو لزوجها.
3 -
يحرم الوشم.
4 -
يحرم على المرأة أن تكون واشمة أو مستوشمة.
5 -
أن وصل الشعر من الزور والباطل.
6 -
أن الوصل والوشم من تغيير خلق اللَّه الذى حرمه الإسلام.
11 -
وعن جُدَامةَ بنت وهب رضى اللَّه عنها قالت: حضرتُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فى أُنَاسٍ وهو يقول: "لقد هممتُ أن أنهى عن الغِيلَةِ، فنظرت فى الروم وفارس فإذا هم يُغِيلُونَ أولادهم فلا يضر ذلك أولادهم شيئا" ثم سألوه عن العزل فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم "ذلك الوَأْدُ الْخَفِىُّ" رواه مسلم.
[المفردات]
جدامة بنت وهب: اختلف فى ضبط اسمها كما اختلف فى اسم
أبيها هل هى بالذال المعجمة أو بالدال المهملة وهل هى بنت وهب أو بنت جندل فقال ابن سعد فى الطبقات: جذامة بنت جندل الأسدية أسلمت قديما بمكة وبايعت وهاجرت إلى المدينة مع أهلها وأشار إلى أنها من بنى غنم بن دودان بن أسد وهم حلفاء حرب بن أمية، أهل إسلام، أسلموا بمكة وأوعبوا فى الهجرة رجالهم ونساؤهم حتى غلقت أبوابهم فخرج من النساء فى الهجرة زينب وحبيبة وحمنة بنات جحش وجذامة بنت جندل وأم قيس بنت محصن وآمنة بنت رقيش وأم حبيبة بنت نباتة. ثم قال ابن سعد: أخبرنا معن بن عيسى قال حدثنا مالك بن أنس عن محمد بن عبد الرحمن بن نوفل عن عروة عن عائشة زوج النبى صلى الله عليه وسلم عن جذامة الأسدية قالت: أخبرتنى أنها سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: لقد هممت أن أنهى عن الغيلة حتى ذكرت أن الروم وفارس يصنعون ذلك فلا يضر أولادهم. قال مالك بن أنس: الغيلة أن يمس الرجل امرأته وهى ترضع اهـ.
وقال الحافظ ابن حجر فى التقريب: جدامة بنت وهب ويقال جندل الأسدية أخت عكاشة بن محصن
لأمه، صحابية، لها سابقة وهجرة، قال الدارقطنى من قالها بالذال المعجمة صحف اهـ وقد أشار الحافظ إلى تخريج أصحاب السنن الأربعة حديثها. وفاته أن مسلما رحمه الله قد خرج حديثها كذلك. وقال النووى فى شرح مسلم: ذكر مسلم اختلاف الرواة فيها هل هى بالدال المهملة أم بالذال المعجمة قال: والصحيح أنها بالدال يعنى المهملة وهكذا قال جمهور العلماء أن الصحيح أنها بالمهملة والجيم مضمومة بلا خلاف، وقوله جدامة بنت وهب وفى الرواية الأخرى جدامة بنت وهب أخت عكاشة قال القاضى عياض: قال بعضهم إنها أخت عكاشة على قول من قال إنها جدامة بنت وهب بن محصن وقال آخرون: هى أخت رجل آخر يقال له عكاشة بن وهب ليس بعكاشة بن محصن المشهور وقال الطبرى: هى جدامة بنت جندل هاجرت قال: والمحدثون قالوا فيها جدامة بنت وهب، هذا ما ذكره القاضى، والمختار أنها جدامة بنت وهب الأسدية أخت عكاشة بن محصن المشهور الأسدى وتكون أخته من أمه اهـ وقد روى حديثها مسلم من طريق خلف بن هشام عن مالك بن أنس ومن طريق يحيى
ابن يحيى عن مالك بن أنس بلفظ: جدامة ثم قال مسلم: وأما خلف فقال: عن جذامة الأسدية والصحيح ما قاله يحيى بالدال اهـ وقد انقلب الأمر على الصنعانى فى سبل السلام فقال: بضم الجيم وذال معجمة ويروى بالدال المهملة قيل وهو تصحيف اهـ.
فى أناس: أى فى جماعة من أصحابه صلى الله عليه وسلم ورضى اللَّه عنهم.
لقد هممت أن أنهى عن الغيلة: أى لقد أردت أن أمنع الناس عن الغيلة. والغيلة بكسر الغين ويقال لها الغَيَل بفتح الغين والياء والغيال بكسر الغين والمراد بها مجامعة الرجل زوجته وهى ترضع كما قال مالك والأصمعى وغيرهما وقيل هى أن ترضع المرأة وهى حامل وكان العرب يرون أن ذلك داء وقد يشاهد أثر ذلك على الطفل بما يحدث منه من اسهال وضعف جسم، والظاهر أن الأطفال ليسوا فيه سواء، فكثير منهم لا يضره ذلك.
وقد قال النووى: وقال جماعة من أهل اللغة: الغيلة بالفتح المرة الواحدة وأما بالكسر فهى الاسم من الغيل وقيل إن أريد بها وطء المرضع جاز الغيلة والغيلة بالكسر والفتح واختلف العلماء فى المراد بالغيلة فى هذا الحديث فقال مالك فى الموطأ
والأصمعى وغيره من أهل اللغة: أن يجامع امرأته وهى مرضع يقال منه أغال الرجل وأغيل إذا فعل وقال ابن السكيت: هو أن ترضع المرأة وهى حامل يقال منه غالت وأغيلت، قال العلماء: سبب همه صلى الله عليه وسلم بالنهى عنها أنه يخاف منه ضرر الولد الرضيع قالوا والأطباء يقولون: إن ذلك اللبن داء والعرب تكرهه وتتقيه اهـ
ثم نظرت فى الروم وفارس الخ: أى ثم تفكرت فى الأمتين المشهورتين المعروفتين بالقوة فى أجسامهم وهم سكان أروبا وسكان بلاد فارس من العجم فإذا هم يفعلون ذلك ولا يضر أولادهم.
ثم سألوه عن العزل: أى ثم سأل أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم عن العزل وهو الجماع مع النزع عند الإنزال حتى لا تحمل المرأة. أو لا يستضر رضيعها.
ذلك: أى العزل.
هو الوأد الخفى: أى هو شبيه بالوأد إلا أنه ليس وَأْدًا حقيقيا. والوأد الحقيقى هو ما كان يفعله أهل الجاهلية من دفن البنت وهى حية وقد أعظم الإسلام ذلك الجرم ونهى عنه أشد النهى حيث قال اللَّه تعالى
"وإذا الموءودة سئلت بأى ذنب قتلت" قال النووى: تسميته الوأد الخفى لأنه قطع طريق الولادة كما يقتل المولود بالوأد اهـ.
[البحث]
روى مسلم رحمه الله فى صحيحه هذا الحديث بعدة ألفاظ فقال: حدثنا خلف بن هشام حدثنا مالك بن أنس ح وحدثنا يحيى ابن يحيى واللفظ له قال: قرأت على مالك عن محمد بن عبد الرحمن ابن نوفل عن عروة عن عائشة عن جدامة بنت وهب الأسدية أنها سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "لقد هممت أن أنهى عن الغيلة حتى ذكرت أن الروم وفارس يصنعون ذلك فلا يضر أولادهم". قال مسلم: وأما خلف فقال عن جذامة الأسدية والصحيح ما قاله يحيى بالدال. حدثنا عبيد اللَّه بن سعيد ومحمد بن أبى عمر قالا: حدثنا المقرئ حدثنا سعيد بن أبى أيوب، حدثنى أبو الأسود عن عروة عن عائشة عن جدامة بنت وهب أخت عكاشة قالت: حضرت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الحديث باللفظ الذى ساقه المصنف إلا أنه قال فى آخره: زاد عبيد اللَّه فى حديثه عن المقرئ وهى "وإذا الموءودة سئلت" ثم قال مسلم: وحدثناه أبو بكر بن أبى شيبة حدثنا يحيى بن إسحاق حدثنا يحيى بن أيوب عن محمد بن عبد الرحمن بن نوفل القرشى عن عروة عن عائشة عن جدامة بنت وهب الأسدية أنها قالت: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فذكر بمثل حديث سعيد بن أبى
أيوب فى العزل والغيلة غير أنه قال: الغيال. حدثنى محمد بن عبد اللَّه بن نمير وزهير بن حرب واللفظ لابن نمير قالا: حدثنا عبد اللَّه ابن يزيد المقبرى حثنا حَيْوَةُ حدثنى عياش بن عباس أن أبا النضر حدثه عن عامر بن سعد أن أسامة بن زيد أخبر وَالِدَه سعدَ بن أبى وقاص أن رجلا جاء إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: إنى أعزل عن امرأتى فقال له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لِمَ تفعلُ ذلك؟ " فقال الرجل: أشفق على ولدها أو على أولادها فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لو كان ذلك ضارا ضَرَّ فارس والروم" قال زهير فى روايته: إن كان لذلك فلا. ما ضار ذلك فارس ولا الروم. قال النووى فى قوله: ما ضار ذلك الخ هو بتخفيف الراء أى ما ضارهم يقال ضاره يضيره ضيرا، وضره يضره ضرا واللَّه أعلم اهـ وقال البخارى فى صحيحه: باب العزل ثم ساق عن جابر رضى اللَّه عنه قال: كنا نعزل على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وفى لفظ له عن جابر رضى اللَّه عنه: "كنا نعزل والقرآن ينزل" وفى لفظ له عن جابر رضى اللَّه عنه قال: "كنا نعزل على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم والقرآن ينزل" ثم ساق البخارى من حديث أبى سعيد الخدرى رضى اللَّه عنه قال: أصبنا سَيْبًا، فكنا نعزل، فسألنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: "أوَ إنكم لتفعلون؟ -قالها ثلاثا- ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا هى كائنة" وفى لفظ لمسلم من طريق ابن محيريز قال: دخلت أنا وأبو صِرمة على أبى سعيد الخدرى فسأله أبو صرمة فقال: يا أبا سعيد هل سمعَت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه
وسلم يذكر العزل؟ فقال: نعم غزونا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم غزوة بَلْمُصطلق فسبينا كرائم العرب فطالت علينا العُزْبَةُ ورغبنا فى الفداء فأردنا أن نستمتع ونعزل فقلنا: نفعل ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بين أظْهُرِنا لا نسأله؟ فسألنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: "لا عليكم أن لا تفعلوا، ما كتب اللَّه خلق نَسَمة هى كائنة إلى يوم القيامة إلا ستكون، وفى لفظ لمسلم: "فإن اللَّه كتب من هو خالق إلى يوم القيامة" وفى لفظ، فقال لنا: "وإنكم لتفعلون. وإنكم لتفعلون، وإنكم لتفعلون. ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا هى كائنة". وفى لفظ له قال:"لا عليكم أن لا تفعلوا فإنما هو القَدرُ" وفى لفظ عن أبى سعيد قال: ذُكِرَ العزل عند النبى صلى الله عليه وسلم فقال: "وما ذاكم؟ " قالوا: الرجل تكون له المرأة ترضع فيصيب منها ويكره أن تحمل منه، والرجل تكون له الأمة فيصيب منها ويكره أن تحمل منه قال:"فلا عليكم أن لا تفعلوا ذاكم، فإنما هو القدر" وفى لفظ له قال: ذكر العزل عند رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: وَلِمَ يفعلُ ذلك أحدكم" ولم يقل: "فَلَا يفْعَلْ ذلك أحدكم، فإنه ليست نفسٌ مخلوقةٌ إلا اللَّه خالقها" وفى لفظ له قال: سئل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن العزل فقال: "ما من كل الماء يكون الولد، وإذا أراد اللَّه خلق شئ لم يمنعه شئ" ثم ساق مسلم من حديث جابر رضى اللَّه عنه أن رجلا أتى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: إن لى جارية هى خادمنا وسانيتنا وأنا أطوف عليها وأنا أكره أن تحمل، فقال:"اعزل عنها إن شئت فإنه سيأتيها ما قدر لها" فلبث الرجل ثم
أتاه فقال: إن الجارية قد حبلت فقال: "قد أخبرتك أنه سيأتيها ما قُدِّرَ لها" وفى لفظ له: إن الجارية التى كنت ذكرتها لك حملت فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "أنا عبد اللَّه ورسوله" ثم ساق مسلم من حديث جابر بالألفاظ التى ساقها عنه البخارى فيما تقدم من هذا البحث وفى لفظ لمسلم عن جابر رضى اللَّه عنه: "كنا نعزل على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فبلغ ذلك نبىَّ اللَّه صلى الله عليه وسلم فلم ينهنا" وفى لفظ لمسلم من طريق أبى بكر بن أبى شيبة وإسحاق بن إبراهيم عن سفيان عن عمرو عن عطاء عن جابر قال: كنا نعزل والقرآن ينزل زاد إسحاق قال سفيان: "لو كان شئ يُنهى عنه لنهانا عنه القرآن" هذا ولما كان العزل إنما يحدث إما بسبب دفع ضرر عن المرأة كالتى يضرها الحمل، وإما بسبب كراهية الإِنجاب فإذا كان من أجل كراهية الإِنجاب ففيه شبه من الوأد الجاهلى وإن كان صاحبه لم يباشر وَأْدا. ولذلك سمى الوأْد الخفى. هذا وسيأتى مزيد بحث لذلك عند الكلام على الحديثين اللذين يليان هذا الحديث إن شاء اللَّه تعالى.
[ما يفيده الحديث]
1 -
جواز العزل إذا كان لدفع ضرر عن المرأة.
2 -
كراهية العزل إذا كان بسبب كراهية الإِنجاب.
3 -
يجوز للرجل أن يطأ زوجته الحامل ولا ضرر فى ذلك.
4 -
يجوز للرجل أن يطأ زوجته المرضع ولا ضرر على الطفل فى ذلك.
12 -
وعن أبى سعيد الخدرى رضى اللَّه عنه أن رجلا قال: يا رسول اللَّه إن لى جارية وأنا أعزل عنها وأنا أكره أن تحمل، وأنا أريد ما يريد الرجال، وإن اليهود تَحَدَّثُ أن العزل الموءودة الصغرى؟ قال:"كذبت اليهود لو أراد اللَّه أن يخلقه ما استطعت أن تصرفه" رواه أحمد وأبو داود واللفظ له، والنسائى والطحاوى ورجاله ثقات.
[المفردات]
جارية: المراد بها هنا الأمة.
أعزل عنها: أى أمنع وصول المنى إليها عند الوطء.
أكره أن تحمل: أى لا أحب أن تنجب.
أريد ما يريد الرجال: أى أرغب فى وقاعها.
تَحَدَّثُ: أى تتحدث وتزعم.
أن العزل الموءودة الصغرى: أى أن العزل هو شبيه بدفن البنت وهى حية وإن كان أصغر إثما من دفنها وهى حية.
ما استطعتَ أن تَصْرِفَه: أى لم تقدر على رد قضاء اللَّه إذا كان قد قضى ولدا من هذا الوقاع لأنه يسبقه الماء فلا يقدر على دفعه ولا ينفعه الحرص على عدم الإِنجاب، وينعدم الشعور عند العازل ليتم ما قدره اللَّه.
[البحث]
قال ابن القيم رحمه الله: الذى كذبت فيه اليهود زعمهم أن
العزل لا يتصور معه الحمل أصلا وجعلوه بمنزلة قطع النسل بالوأد فأكذبهم وأخبر أنه لا يمنع الحمل إذا شاء اللَّه خلقه، وإذا لم يرد خلقه لم يكن وأدًا حقيقة، وإنما سماه وأدا خفيا فى حديث جدامة لأن الرجل إنما يعزل هربا من الحمل فأجرى قصده لذلك مجرى الوأد. لكن الفرق بينهما أن الوأد ظاهر بالمباشرة اجتمع فيه القصد والفعل، والعزل يتعلق بالقصد صِرْفًا فلذلك صفه بكونه خفيا اهـ. وقال الحافظ فى تلخيص الحبير: حديث: العزل هو الوأد الخفى" مسلم من رواية جدامة بنت وهب فى حديث. والظاهر أنه منسوخ فقد روى أصحاب السنن من حديث أبى سعيد قال: قيل لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إن اليهود زعموا أن العزل الموءودة الصغرى فقال: "كذبت يهود، لو أراد اللَّه أن يخلقه لم يستطع أن يصرفه" ونحوه للنسائى عن جابر وعن أبى هريرة اهـ
13 -
وعن جابر رضى اللَّه عنه قال: "كنا نعزل على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم والقرآن ينزل، ولو كان شيئا يُنْهَى عنه لنهانا عنه القرآن" متفق عليه، ولمسلم:"فبلغ ذلك نبىَّ اللَّه صلى الله عليه وسلم فلم ينهنا عنه".
[المفردات]
كنا نعزل: أى نواقع ونمنع المنى من الانصباب فى الفرج.
على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم والقرآن ينزل: أى فى وقت تقرير الأحكام ونزول الأوامر والنواهى فأقرنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ولم يحرم القرآن ذلك.
فبلغ ذلك نبىَّ اللَّه صلى الله عليه وسلم فلم يَنْهَنا عنه: أى ولم يكن عملنا فى العزل خافيا على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بل علم به فأقره ولو كان محرما ما أقرنا عليه صلى الله عليه وسلم.
[البحث]
قد تقدم فى بحث الحديث الحادى عشر من أحاديث هذا الباب ألفاظ حديث جابر رضى اللَّه عنه عند البخارى ومسلم، كما تقدم تحقيق الكلام فيما يفيده هذا الحديث وغيره من الأحاديث التى وردت فى شأن العزل.
[ما يفيده الحديث]
1 -
أن العزل لم يرد عنه نهى فى كتاب اللَّه ولا فى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
2 -
أن العزل قررته الشريعة الإسلامية ما دام لم يقصد منه تحديد النسل أو كراهية الإِنجاب كما تقدم.
14 -
وعن أنس بن مالك رضى اللَّه عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يطوف على نسائه بغسل واحد" أخرجاه واللفظ لمسلم.
[المفردات]
يطوف على نسائه: أى يدور على نسائه ويجامعهن.
بغسل واحد: أى ويؤخر الغسل حتى ينتهى منهن جميعا فلا يغتسل من جماعه لكل واحدة، بل يغتسل غسلا واحدا بعد فراغه من جماعهن حميعًا.
[البحث]
قال الحافظ فى تلخيص الحبير: حديث "كان يطوف على نسائه بغسل واحد وهن تسع" متفق عليه من حديث أنس. اهـ وقال البخارى فى صحيحه: "باب إذا جامع ثم عاد ومن دار على نسائه بغسل واحد" ثم ساق البخارى من طريق هشام عن قتادة من حديث أنس رضى اللَّه عنه قال: كان النبى صلى الله عليه وسلم يدور على نسائه فى الساعة الواحدة من الليل والنهار، وهن إحدى عشرة قال: قلت لأنس: أوَ كان يُطيقُه؟ قال: كنا نتحدث أنه أُعْطِىَ قوةَ ثلاثين، وقال سعيد عن قتادة:"إن أنسا حدثهم: تِسْعُ نسوة" وساقه البخارى فى "باب الجنب يخرجْ ويمشى فى السوق وغيره" من حديث سعيد عن قتادة عن أنس بن مالك حدثهم أن نبى اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يطوف على نسائه فى الليلة الواحدة، وله يومئذ تسع نسوة" وساقه بهذا اللفظ فى كتاب النكاح فى أكثر من باب فأورده فى باب كثرة النساء وفى باب من طاف على نسائه فى غسل واحد. اهـ هذا وقد اجتمع عند رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم تسع نسوة وتوفى عنهن وهن عائشة وحفصة وسودة، وزينب، وأم سلمة، وأم حبيبة، وميمونة، وجويرية، وصفية
رضى اللَّه عنهن. وهن اللاتى كان يقسم لهن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أما لفظ البخارى عن أنس رضى اللَّه عنه: وهن إحدى عشرة فالمراد مارية القبطية وريحانة رضى اللَّه عنهما مع الزوجات التسع وقد تدخل الأمَة فى النساء على سبيل التغليب، ولا معارضة بين القسم بين الزوجات المتعددات وبين الطواف عليهن فى ليلة، لأنه يفعل ذلك مع جميعهن فلا ظلم على واحدة منهن ما دام يطيق ذلك وسيأتى مزيد بحث لهذا فى باب القسم إن شاء اللَّه تعالى.
[ما يفيده الحديث]
1 -
أنه يجوز لمن كان له أكثر من زوجة أن يطوف على نسائه فى ليلة واحدة ولا يعتر ذلك مَيلا عن العدل ما دام قادرا على ذلك وموفيا لصاحبة الليلة.
2 -
أن الحب وكثرة الجماع لإِحدى الزوجات لا ينافى العدل بين الزوجات ما دام لا يحبس نفسه عن واحدة دون الأخرى.