المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الفصل: ‌ ‌باب الخُلْع

‌باب الخُلْع

ص: 181

1 -

عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبى صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول اللَّه ثابتُ بن قيس ما أعيب عليه فى خُلُق ولا دِين، ولكنى أكره الكفر فى الإسلام، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"أتردين عليه حديقته" فقالت: نعم. فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "اقبل الحديقة وطلقها تطليقة" رواه البخارى، وفى رواية له:"وأمره بطلاقها" ولأبى داود والترمذى وحسَّنه "أن امرأة ثابت بن قيس اختلعت منه فجعل النبى صلى الله عليه وسلم عدتها حيضة" وفى رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عند ابن ماجه "أن ثابت بن قيس كان دميما وأن امرأته قالت: لولا مخافة اللَّه إذا دخلى علىَّ لبصقت فى وجهه" ولأحمد من حديث سهل بن أبى حثمة "وكان ذلك أول خلع فى الإسلام".

[المفردات]

الخلع: بضم الخاء وسكون اللام هو فى اللغة فراق الزوجة على مال مأخوذ من خلع الثوب لأن المرأة لباس الرجل معنى وإنما ضم مصدره للتفرقة بين الحسى وهو خَلْع الثوب والمعنوى وهو خُلْع المرأة. أما فى الاصطلاح فهو فراق الرجل زوجته بعوض يحصل

ص: 181

لجهة الزوج. وهو مشروع بحديث الباب وبقوله تعالى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} ويؤيده قوله تعالى: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} وقوله تعالى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْالِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا} على قراءة أكثر القراء.

امرأة ثابت بن قيس: هى جميلة أو زينب بنت عدُوِّ اللَّه رأس المنافقين عبد اللَّه بن أبىّ بن سلول أو أخته. أسلمت رضى اللَّه عنها وبايعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وكانت تحت حنظلة بن أبى عامر غسيل الملائكة فقتل عنها بأحد وهى حامل فولدت له عبد اللَّه بن حنظلة ثم تزوجها ثابت بن قيس فولدت له ابنه محمدا ثم اختلعت منه فتزوجها مالك بن الدخشم ثم حُبيب بن إساف أو يساف. وقيل: إن اسم امرأة ثابت بن قيس حبيبة بنت سهل بن ثعلبة ابن الحارث بن ريد بن ثعلبة بن غنم بن مالك ابن النجار. قال الحافظ فى الفتح: قال ابن عبد البر: اختلف فى امرأة ثابت بن قيس فذكر البصريون أنها جميلة بنت أبىّ وذكر المدنيون أنها حبيبة بنت سهل، قلت والذى يظهر أنهما قصتان وقعتا لامرأتين لشهرة الخبرين وصحة الطريقين

ص: 182

واختلاف السياقين بخلاف ما وقع من الاختلاف فى تسمية حميلة ونسبها فإن سياق قصتها متقارب اهـ.

ثابت بن قيس: هو ثابت بن قيس بن شَمَّاس بن مالك بن امرئ القيس بن مالك بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج ابن الحارث بن الخزرج الأنصارى الخزرجى خطيب الأنصار من كبار الصحابة وقد بشره رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالجنّة. واستشهد باليمامة، قال فى التقريب فنفذت وصيته بمنام رآه خالد بن الوليد اهـ وقد أشار الحافظ بهذا إلى ما أثر أنه لما استشهد يوم اليمامة رآه بعض الناس وعليه درع فأخذها وأخفاها فى قدر له وغطاها بالسرج. وكان أمير القوم إذ ذاك خالد بن الوليد رضى اللَّه عنه فرأى خالد رضى اللَّه عنه ثابتا فى منامه وأخبره ثابت بمكان الدرع وأوصاه أن يأخذه وأن يسلمه لأبى بكر وأن يطلب منه عتق عبيده عنه وأن يبيع الدرع والأثاث ليؤدى بذلك دَينه فأنفذ أبو بكر رضى اللَّه عنه وصيته.

ما أعيب عليه فى خلق ولا دين: أى لا أطعن عليه فى سلوكه وأخلاقه فسلوكه حسن وأخلاقه مرضية. كذلك دينه واستقامته على شرع اللَّه.

ص: 183

ولكنى أكره الكفر فى الإسلام: أى ولكنى أخشى إن بقيت معه أن أسئ إليه وأن اكفر بالعشير وأن أقصر فيما يجب علىَّ القيام به من حقه.

أتَرُدِّينَ عليه حديقته: أى أترجعين إليه بستانه الذى كان دفعه لك صداقا.

فقالت: نعم: أى أرد عليه بستانه الذى كان دفعه صداقا لى.

فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أى لزوجها ثابت بن قيس.

اقبل الحديقة: أى خذ البستان لك.

وطلقها تطليقة: أى وأوقع عليها تطليقة واحدة.

وفى رواية له: أى وفى رواية للبخارى.

وأمره بطلاقها: أى وأمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم زوجها ثابت بن قيس بفراقها.

ولأبى داود والترمذى: أى من حديث ابن عباس رضى اللَّه عنهما.

اختلعت منه: أى دفعت له عوضا فى مقابلة تطليقها، فطلقها على العوض.

عدتها حيضة: أى اعتبر عدة طلاق المختلعة حيضة واحدة.

وكان دميما: أى كان غير جميل.

كان ذلك أول خلع فى الإسلام: أى وكان الخلع الذى حدث من ثابت بن قيس لزوجته هو أول خلع فى تاريخ الشريعة الإِسلامية.

ص: 184

[البحث]

قال البخارى فى صحيحه: باب الخُلْع، كيف الطلاق فيه، وقول اللَّه تعالى:{وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا} -إلى قوله- {الظَّالِمُونَ} وأجاز عمرُ الخلع دون السلطان، وأجاز عثمان الخلع دون عقاص رأسها، وقال طاوس: إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود اللَّه فيما افترض لكل واحد منهما على صاحبه فى العِشْرة والصحبة، ولم يقل قول السفهاء: لا يحل حتى تقول: لا أغتسل لك من جنابة. حدثنا أزهر بن جميل حدثنا عبد الوهاب الثقفى حدثنا خالد عن عكرمة عن ابن عباس أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبى صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول اللَّه ثابت بن قيس ما أعتب عليه فى خُلُق ولا دين، ولكنى أكره الكفر فى الإسلام فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"أتردين عليه حديقته؟ " قالت: نعم. قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "اقبل الحديقة وطلقها تطليقة. قال أبو عبد اللَّه: لا يُتَابَعُ فيه عن ابن عباس. حدثنى إسحاق الواسطى حدثنا خالد عن خالد الحذاء عن عكرمة أن أخت عبد اللَّه بن أُبَيِّ بهذا. وَقال: "تردين حديقته؟ " قالت: نعم. فَرَدَّتْها، وأمره يطلقها، وقال إبراهيم بن طهمان عن خالد عن عكرمة عن النبى صلى الله عليه وسلم (وطلِّقْها) وعن أيوب ابن أبى تميمة عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال: جاءت امرأة ثابت بن قيس إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إنى لا أعتب على ثابت فى دين ولا خُلق، ولكن لا أطيقه، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "فتردين

ص: 185

عليه حديقته؟ " قالت: نعم. حدثنا محمد بن عبد اللَّه بن المبارك المُخَرِّمِىُّ حدثنا قُرَادٌ أبو نوح حدثنا جرير بن حازم عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: جاءت امرأة ثابت بن قيس بن شماس إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول اللَّه ما أنقم على ثابت فى دين ولا خُلُق إلا أنى أخاف الكفر، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "فتردين عليه حديقته؟ " فقالت: نعم. فردَّتْ عليه، وأمره بفراقها" وعلى هذا فقول المصنف: وفى رواية له "وأمره بطلاقها" إنما أورده المصنف بالمعنى فليس هذا اللفظ من ألفاظ البخارى بل لفظ البخارى فى رواية عكرمة المرسلة: "وأمره يطلقها" وفى حديث ابن عباس الأخير هنا: "وأمره بفراقها". وقول البخارى: وقال طاوس إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود اللَّه فيما افترض لكل واحد منهما على صاحبه فى العشرة والصحبة، ولم يقل قول السفهاء "لا يحل حتى تقول لا أغتسل لك من جنابة" قال الحافظ فى الفتح: هذا التعليق اختصره البخارى من أثر وصله عبد الرزاق قال: أنبأنا ابن جريج أخبرنى ابن طاوس وقلت له: ما كان أبوك يقول فى الفداء؟ قال: كان يقول ما قال اللَّه تعالى {إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} ولم يكن يقول قول السفهاء: لا يحل حتى تقول: لا أغتسل لك من جنابة. ولكنه يقول: إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود اللَّه فيما افترض لكل واحد منهما على صاحبه فى العِشرة والصحبة اهـ وهو يشير بهذا إلى رد ما زعمه بعض الناس من

ص: 186

أن الخلع لا يحل حتى تعصى المرأة الرجل فى جميع ما يطلبه منها حتى تقول: لا أغتسل لك من جنابة. ولا أبَرُّ لك قسما ولا أطيع لك أمرا. وقول البخارى: قال أبو عبد اللَّه: "لا يتابع فيه عن ابن عباس" قال الحافظ فى الفتح: أى لا يُتَابَعُ أزهر بن جميل على ذكر ابن عباس فى هذا الحديث بل أرسله غيره، ومراده بذلك خصوص طريق خالد الحذاء عن عكرمة، ولهذا عقبه برواية خالد وهو ابن عبد اللَّه الطحان عن خالد وهو الحذاء عن عكرمة مرسلا ثم برواية إبراهيم بن طهمان عن خالد الحذاء مرسلا وعن أيوب موصولا ورواية إبراهيم بن طهمان عن أيوب الموصولة وصلها الإِسماعيلى اهـ وأما الحديث الذى أشار إليه المصنف عند أبو داود والترمذى فهو من رواية هشام بن يوسف عن معمر عن عمرو بن مسلم عن عكرمة عن ابن عباس. وعمرو بن مسلم هو الجندى قال الحافظ فى التقريب: صدوق له أوهام اهـ وقد روى له مسلم ووثقه ابن حبان وقال ابن حزم ليس بشئ ورد هذا الحديث من أجله. ورواية مسلم له لا تدل -كما أشرت سابقا- على أن كل ما يرويه صحيح فقد روى له مسلم فى مقام ولا يروى ده فى مقام آخر. ولا شك أن قول رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فى رواية البخارى "وطلقها تطليقة" يفيد أن عدتها هى عدة المطلقة والمطلقة تعتد بثلاث حيض لا بحيضة واحدة. وأما حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عند ابن ماجه الذى أشار إليه المصنف فقد قال ابن ماجه: حدثنا أبو غريب ثنا أبو خالد الأحمر عن

ص: 187

حجاج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: كانت حبيبة بنت سهل تحت ثابت بن قيس بن شماس، وكان رجلا دميما، فقالت يا رسول واللَّه، واللَّه لولا مخافة اللَّه، إذا دخل علىَّ لبصقت فى وجهه، فقال: رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "أتردين عليه حديقته؟ " قالت: نعم. قال: فردت عليه حديقته، قال: ففرق بينهما رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم اهـ وفى إسناد هذا الحديث حجاج وهو ابن أرطأة وهو مدلس وقد عنعنه، وفيه أيضا عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وقد تقدم الكلام على سنده هذا كثيرا. أما حديث سهل ابن أبى حثمة عند أحمد فهو من طريق سفيان عن عبد القدوس بن بكر بن خُنَيس قال أخبرنا حجاج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد اللَّه بن عمرو، والحجاج عن محمد بن سليمان بن أبى حثمة عن عمه سهل بن أبى حثمة قال: كانت حبيبة ابنة سهل تحت ثابت بن قيس بن شماس الأنصارى فكرهته، وكان رجلا دميما فجاءت إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول اللَّه إنى لأراه فلولا مخافة اللَّه لبزقت فى وجهه، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"أتردين عليه حديقته التى أصدقك؟ " قالت: نعم. فأرسل إليه فردت عليه حديقته، وفرق بينهما. قال: فكان ذلك أول خلع كان فى الإسلام اهـ.

ص: 188