المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب الإيلاء والظهار والكفارة - فقه الإسلام = شرح بلوغ المرام - جـ ٧

[عبد القادر شيبة الحمد]

الفصل: ‌باب الإيلاء والظهار والكفارة

‌باب الإِيلاء والظِّهار والكفَّارة

ص: 234

1 -

عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: الى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من نسائه وحرَّم، فَجَعَلَ الحرام حلالا، وجعل لليمين كفارة. رواه الترمذى ورواته ثقات.

[المفردات]

الإِيلاء: هو فى اللغة مشتق من الأليَّة بالتشديد وهى اليمين والجمع أَلَايَا بالتخفيف على وزن عطايا. قال الشاعر

قليل الْألَايَا حافظ ليمينه

فإن سبقت منه الألية برت

ومنه الحديث آلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من نسائه شهرا أى حلف على اعتزالهن وعدم الدخول عليهن لمدة شهر أما فى الاصطلاح فالإِيلاء هو الحلف على ترك جماع الزوجة وقد كان الإِيلاء فى الجاهلية لونا من ألوان الأذى والإِضرار بالمرأة حيث يحلف عليها الزوج كذلك لمدة قد تصل السنة والسنتين فرفع الإسلام عن المرأة هذا الأذى إذ ضرب للرجل المُولِى أجلا هو أربعة أشهر إن جمع فى أثنائها وأتى زوجته فليس عليه سوى كفارة يمين ويستغفر اللَّه وإن لم يقربها حتى مضت

ص: 234

أربعة أشهر اعتبر عازما على الطلاق وألزم به.

والظهار: بكسر الظاء هو فى اللغة مشتق من الظهر، وفى الاصطلاح هو قول الرجل لزوجته: أنتِ علىَّ كظهر أمى. قال الحافظ فى الفتح: وإنما خص الظهر بذلك دون سائر الأعضاء لأنه محل الركوب غالبا. ولذلك سمى الركوب ظهرا فشبهت الزوجة بذلك لأنها مركوب الرجل اهـ وقد يكون الراد بالظهر كناية عما يستهجن ذكره، وإضافته إلى الأم لأنها أم المحرمات. وقد كان الظهار طلاقا فى الجاهلية تحرم به المرأة، فوصفه الإسلام بأنه منكر من القول وزور. وجعل على المظاهر كفارة عظيمة بيَّنها القرآن العظيم.

والكفارة: هى فى اللغة مأخوذة من التكفير وهو التغطية وفى الاصطلاح هى ما يوجبه اللَّه تعالى على من يحنث فى يمينه أو يظاهر من زوجته ثم يرغب فى العودة إليها، أو يتسبب فى قتل نفس معصومة خطأ وهى أنواع منها كفارة اليمين، وكفارة الظهار وكفارة قتل المؤمن خطأ.

آلى: أى حلف صلى الله عليه وسلم.

من نسائه: أى أن لا يدخل على زوجاته رضى اللَّه عنهن.

ص: 235

وَحَرَّمَ: أى حلف أن لا يشرب العسل وامتنع منه.

فجعل الحرام حلالا: أى استباح شرب العسل بعد ما كان حرَّمه على نفسه.

وجعل لليمين كفارة: أى كفَّر عن يمينه.

[البحث]

ذكر الحافظ هنا أن رواة هذا الحديث ثقات، وقد رجح الترمذى إرساله على وصله. وقد قال البخارى فى صحيحه: باب قول اللَّه تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} -إلى قوله- {سَمِيعٌ عَلِيمٌ} فإن فاءوا: رجعوا ثم ساق من حديث أنس بن مالك رضى اللَّه عنه قال: "آلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من نسائه، وكانت انفكت رجله، فأقام فى مَشْرُبَةٍ له تسعا وعشرين ثم نزل، فقالوا: يا رسول اللَّه آليت شهرا؟ فقال: "الشهر تسع وعشرون" ثم ساق من طريق نافع أن ابن عمر رضى اللَّه عنهما كان يقول فى الإِيلاء الذى سمى اللَّه تعالى: لا يحل لأحد بَعْدَ الأجل إلا أن يمسك بالمعروف أو يعزم بالطلاق كما أمر اللَّه عز وجل. ثم ساق من طريق نافع أيضا عن ابن عمر "إذا مضت أربعة أشهر يُوقَفُ حتى يُطَلِّقَ، ولا يقع عليه الطلاق حتى يطلق. ثم قال البخارى: ويذكر ذلك عن عثمان وعلى وأبى الدرداء وعائشة واثنى عشر رجلا من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم اهـ وقوله فى حديث أنس: وقد انفكت رجله. أى بسبب سقوطه صلى اللَّه

ص: 236

عليه وسلم عن الفرس وقد صلى بأصحابه جالسا. وإيراد المصنف حديث عائشة فى باب الإِيلاء عجيب لأن الإِيلاء المعقود له الباب ليس من الأمور المستحبة فى الشرع، ولم يكن يمين رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بعدم الدخول على نسائه شهرا من هذا القبيل ومن العجيب أيضا إيراد البخارى رحمه الله حديث أنس تحت قوله تعالى:{لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} لأن حديث أنس ليس من قبيل الإِيلاء الاصطلاحى كذلك، وقد قال الحافظ نفسه رحمه الله فى فتح البارى: وأنكر شيخنا فى "التدريب" إدخال هذا الحديث فى هذا الباب فقال: الإِيلاء المعقود له الباب حرام يأثم به من علم بحاله فلا تجوز نسبته للنبى صلى الله عليه وسلم اهـ بل الراد بالإِيلاء فى قول عائشة رضى اللَّه عنها فى حديث الترمذى: "آلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من نسائه" وكذلك قول أنس فى حديث البخارى: "آلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من نسائه" هو الإِيلاء اللغوى أى الحلف مطلقا. وقد جاء فى حديث للبخارى ومسلم قصة اعتزال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم نساءه لمدة شهر وأن ذلك كان لموجدة عليهن بسبب تحزبهن وتظاهر بعضهن على سائر نساء رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وإكثارهن من سؤاله النفقة، وقد بينت فى بحث الحديث التاسع من أحاديث كتاب الطلاق أن الصحيح هو أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حرَّم العسل على نفسه بسبب قول بعض نسائه له: أكلت مغافير، وذكرت أن قصة تحريم مارية ليست بصحيحة. وقد وهم الصنعانى فى سبل السلام فنسب إلى الشيخين تخرج قصة تحريم مارية إذا قال: وفسر فى رواية أخرجها الشيخان بأنه تحريمه لمارية وأنه أسره إلى حفصة فأخبرت به عائشة اهـ

ص: 237

2 -

وعن ابن عمر رضى اللَّه عنهما قال: إذا مضت أربعة أشهر وقف المُولِى حتى يطلق، ولا يقع عليه الطلاق حتى يطلق" أخرجه البخارى.

[المفردات]

إذا مضت أربعة أشهر: أى إذا انقضت مدة أربعة أشهر على ابتداء تاريخ إيلاء الرجل من زوجته.

وقف: لفظ البخارى فى الصحيح: يوقف. أى يحبس.

المُولِى: أى الذى حلف أن لا يقرب زوجته، والمراد هنا هو الحلف باللَّه تعالى.

حتى يطلق: المراد حتى يفئ إلى زوجته أو يطلقها والمراد بالفئ إلى الزوجة هو مباشرتها.

ولا يقع عليه الطلاق حتى يطلق: أى ولا يعتبر مضى الأربعة الأشهر طلاقا.

[البحث]

قد سقت فى بحث الحديث السابق لفظ هذا الحديث عند البخارى رحمه الله. قال الحافظ فى الفتح: كذا وقع من هذا الوجه مختصرا، وهو فى الموطأ عن مالك أخصر منه، وأخرجه الإِسماعيلى من طريق معن بن عيسى عن مالك بلفظ: أنه كان يقول: أيما رجل آلى من امرأته، فإذا مضت أربعة أشهر يوقف حتى يطلق أو يفئ، ولا يقع عليه طلاق إذا مضت حتى يوقف. وكذا أخرجه الشافعى عن مالك وزاد: فإما أن يطلق وإما أن يفئ. وهذا

ص: 238

تفسير للآية من ابن عمر، وتفسير "الصحابة فى مثل هذا له حكم الرفع عند الشيخين البخارى ومسلم كما نقله الحاكم اهـ والظاهر من قوله تعالى:{لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} أن من حلف على أن لا يقرب زوجته مدة دون الأربعة أشهر أنه لا حرج عليه فى ذلك. وأنه إن باشرها فليس عليه إلا كفارة اليمين. والأولى لمثله أن يباشرها ويكفر عن يمينه لقول رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذى هو خير وليكفر عن يمينه. كما أخرجه مسلم من حديث أبى هريرة رضى اللَّه عنه. وقد روى البخارى ومسلم من حديث أبى موسى الأشعرى رضى اللَّه عنه بلفظ: "لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا أتيت الذى هو خير وتحللت عن يمينى" فإذا كان حلف أن لا يقرب زوجته أربعة أشهر أو أكثر نُظِر وتُرُبِّصَ به أربعة أشهر، فإن رجع وباشرها فى مدة الأربعة الأشهر فليس عليه إلا كفارة اليمين وإن مضت الأربعة الأشهر دون أن يرجع إليها اعتبر عازما على الطلاق فيحبس حتى يرجع إليها أو يطلق. والرجوع يكون بالجماع للقادر عليه أو بالعزم على ذلك وإخبارها بالرجوع للعاجز عنه. واللَّه أعلم.

[ما يفيده الحديث]

1 -

أنه لا يجوز للرجل أن يحلف على ترك جماع زوجته أكثر من أربعة أشهر.

2 -

أنه إذا مضت أربعة أشهر ولم يرجع إليها أُوقِفَ حتى يرجع أو يطلق.

3 -

أن الإسلام عمل على رفع الأذى عن المرأة.

ص: 239

3 -

وعن سليمان بن يسار رضى اللَّه عنه قال: أدركت بِضْعَةَ عشر رجلا من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كلهم يَقِفُونَ المُولِى. رواه الشافعى.

[المفردات]

بضعة عشر رجلا: أى ما بين اثنى عشر إلى تسعة عشر رجلا.

يقفون المولى: أصله يوقفون المولى أى يطالبونه إما بالرجوع إلى مباشرة زوجته أو طلاقها.

[البحث]

قال الشافعى: أنا ابن عيينة عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار قال: أدركت بضعة عشر من الصحابة أى من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كلهم يقول: يوقف المُولِى. قال الشافعى رحمه الله: فأقل بضعة عشر أن يكونوا ثلاثة عشر اهـ وقد تقدم فى بحث الحديث الأول من أحاديث هذا الباب ما رواه البخارى فى صحيحه من طريق نافع عن ابن عمر: إذا مضت أربعة أشهر يوقف حتى يطلق. كما تقدم قول البخارى بعد أن ساق أثر ابن عمر هذا قال: ويذكر ذلك عن عثمان وعلى وأبى الدرداء وعائشة واثنى عشر رجلا من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم. وقد أشار الحافظ فى الفتح إلى أن قول على قد وصله الشافعى وأبو بكر بن أبى شيبة من طريق عمرو بن سلمة أن عليا وقف المُولِى. وسنده صحيح. قال: وأخرج سعيد بن منصور من طريق عبد الرحمن بن أبى ليلى: شهدت عليا أوقف رجلا عند الأربعة بالرحبة إما أن يفئ وإما أن يطلق. وسنده صحيح

ص: 240

أيضا. قال الحافظ: وأما قول أبى الدرداء فوصله ابن أبى شيبة وإسماعيل القاضى من طريق سعيد بن المسيب أن أبا الدرداء قال: يوقف فى الإِيلاء عند انقضاء الأربعة فإما أن يطلق وإما أن يفئ. وسنده صحيح إن ثبت سماع سعيد بن المسيب من أبى الدرداء. كما أشار الحافظ إلى أن سعيد بن منصور أخرج بسند صحيح عن عائشة بلفظ: إنها كانت لا ترى الإِيلاء شيئا حتى يوقف. ثم قال الحافظ: وللشافعى عنها نحوه وسنده صحيح أيضا. ثم قال الحافظ: وأخرج إسماعيل القاضى من طريق يحيى بن سعيد الأنصارى عن سليمان بن يسار قال: أدركت بضعة عشر رجلا من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قالوا: الإِيلاء لا يكون طلاقا حتى يوقف. ثم قال: وأخرج إسماعيل من وجه آخر عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار قال: أدركنا الناس يقفون الإِيلاء إذا مضت الأربعة.

[ما يفيده الحديث]

1 -

أن من حلف على ترك جماع زوجته يوقف إذا مضت أربعة أشهر حتى يفئ أو يطلق.

2 -

أنه قبل مضى الأربعة الأشهر لا سبيل لأحد على المُولِى.

ص: 241

4 -

وعن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: كان إيلاء الجاهلية السنة والسنتين فَوَقَّتَ اللَّه أربعة أشهر، فإن كان أقل من أربعة أشهر فليس بإيلاء. أخرجه البيهقى.

ص: 241

[المفردات]

إيلاء الجاهلية السنة والسنتين: أى كان الرجل فى الجاهلية قبل الإسلام إذا أراد أن يلحق الأذى بزوجته حلف أن لا يقربها مدة طويلة قد يصل بها اهـ سنة وقد يصل بها إلى سنتين.

فوقت اللَّه أربعة أشهر: أى فجعل اللَّه تبارك وتعالى للمُولِى وقتا محددا هو أربعة أشهر يوقف بعدها حتى يفئ إلى زوجته أو يطلقها. وقد جاء ذلك التوقيت فى قوله تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} .

فإن كان أقل من أربعة أشهر فليس بإيلاء: أى فإن كان حلف أن لا يقرب زوجته مدة تقل عن أربعة أشهر فلا سبيل لأحد عليه. لأن المرأة قد تتحمل ذلك بلا كبير ضرر، فلا يعتبر ذلك إيلاء بالمعنى الذى أشارت إليه الآية الكريمة.

[البحث]

قال البيهقى: أخبرنا أبو الحسين بن بشران ببغداد، أنا أبو جعفر محمد بن عمرو الرزاز، نا محمد بن عبيد اللَّه بن المنادى، نا يونس ابن محمد، نا الحارث بن عبيد، نا عامر، عن عطاء بن أبى رباح، عن عبد اللَّه بن عباس رضى اللَّه عنهما ح وأخبرنا أبو الحسين بن

ص: 242

الفضل القطان ببغداد، نا أبو عبد اللَّه محمد بن عبد اللَّه بن عمرويه الصفار، نا محمد بن إسحاق الصغانى، نا موسى بن إسماعيل، نا الحارث (بن عبيد) أبو قدامة، حدثنى عامر الأحول، حدثنى عطاء عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: كان إيلاء أهل الجاهلية السنة والسنتين وأكثر من ذلك، فوقت اللَّه عز وجل لهم أربعة أشهر، فإن كان إيلاؤه (وفى رواية يونس: فمن كان إيلاؤه) أقل من أربعة أشهر فليس بإيلاء. اهـ

ص: 243

5 -

وعنه رضى اللَّه عنه أن رجلا ظاهر من امرأته ثم وقع عليها فأتى النبى صلى الله عليه وسلم فقال: إنى وقعت عليها قبل أن أُكَفِّرَ؟ قال: "فلا تقْرَبْهَا حتى تفعل ما أمرك اللَّه به" رواه الأربعة وصححه الترمذى، ورجح النسائى إرساله، ورواه البزار من وجه آخر عن ابن عباس وزاد فيه:"كَفِّرْ ولا تَعُدْ".

[المفردات]

وعنه: أى وعن ابن عباس رضى اللَّه عنهما.

ظاهر من امرأته: أى قال لها: أنت علىَّ كظهر أمى.

ثم وقع عليها: أى جامعها.

قبل أن أُكَفِّر: أى قبل أن أعمل كفارة الظهار وهى تحرير رقبة من قبل أن يتماسا فإن لم يجد صام شهرين

ص: 243

متتابعين من قبل أن يتماسا فإن لم يستطع أطعم ستين مسكينا.

قال: أى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.

فلا تقربها حتى تفعل ما أمرك اللَّه به: أى فلا تباشرها حتى تؤدى كفارة الظهار التى ألزمك اللَّه تبارك وتعالى بها.

من وجه آخر: أى من طريق آخر وهو طريق خصيف عن عطاء عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما.

وزاد فيه: أى وزاد البزار فى هذا الحديث عنده.

كَفِّرْ ولا تَعُدْ: أى يجب أن تفعل الكفارة قبل المسيس فإن كنت كفَّرت بعد المسيس فإنها لا تعتبر كفارة فعليك أن تفعل الكفارة ولا تقربها حتى تكفر.

[البحث]

قال النسائى: (باب الظهار) أخبرنا الحسين بن حريث قال: حدثنا الفضل بن موسى عن معمر عن الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس أن رجلا أتى النبى صلى الله عليه وسلم، قد ظاهر من امرأته فوقع عليها، فقال يا رسول اللَّه، إنى ظاهرت من امرأتى فوقعت قبل أن أكفر. قال:"وما حملك على ذلك يرحمك اللَّه؟ " قال: رأيت خَلْخَالَهَا فى ضوء القمر، فقال:"لا تقربها حتى تفعل ما أمر اللَّه عز وجل" أخبرنا محمد بن رافع قال: حدثنا عبد الرزاق قال: حدثنا معمر عن الحكم بن أبان عن عكرمة قال: تظاهر رجل من امرأته، فأصابها قبل أن يكفر، فذكر ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم فقال له النبى صلى الله عليه وسلم:

ص: 244

"ما حملك على ذلك؟ " قال: رحمك اللَّه يا رسول اللَّه، رأيت خلخالها أو ساقيها فى ضوء القمر. فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"فاعتزلها حتى تفعل ما أمرك اللَّه عز وجل". أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: أنبأنا المعتمر ح وأنبأنا محمد بن عبد الأعلى، قال حدثنا المعتمر قال: سمعت الحكم بن أبان قال: سمعت عكرمة: قال: أتى رجل نبىَّ اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال يانبى اللَّه، إنه ظَاهَرَ من امرأته ثم غشيها قبل أن يفعل ماعليه. قال:"ما حملك على ذلك؟ " قال: يا نبى اللَّه رأيت بياض ساقيها فى القمر. قَال نبى اللَّه صلى الله عليه وسلم: "فاعتزل حتى تقضى ما عليك" وقال إسحاق فى حديثه: "فاعتزلها حتى تقضى ما عليك" واللفظ لمحمد. قال أبو عبد الرحمن: المرسل أولى بالصواب من المسند. واللَّه سبحانه وتعالى أعلم اهـ قال الحافظ فى تلخيص الحبير: حديث أنه صلى الله عليه وسلم قال لرجل ظاهر من امرأته وواقعها: "لا تقربها حتى تكفر" ويروى: اعتزلها حتى تكفر. أصحاب السنن وصححه الترمذى والحاكم من حديث ابن عباس أن رجلا ظاهر من امرأته فوقع عليها قبل أن يكفر، فقال:"لا تقربها حتى تفعل ما أمرك اللَّه" لفظ النسائى، وفى رواية له:"اعتزلها حتى تقضى ما عليك" وفى رواية لأبى داود قال: فاعتزلها حتى تكفر عنك. ورجاله ثقات، لكن أعله أبو حاتم والنسائى بالإِرسال، وقال ابن حزم: رواته ثقات ولا يضره إرسال من أرسله، وفى مسند البزار طريق أخرى شاهدة لهذه الرواية من طريق خصيف عن عطاء عن ابن

ص: 245

عباس: أن رجلا قال: يا رسول اللَّه إنى ظاهرت من امرأتى: رأيت ساقها فى القمر فواقعتها قبل أن اكفر، قال:"كَفِّر ولا تَعُدْ" اهـ وقال فى فتح البارى: ولأبى داود والترمذى من حديث ابن عباس أن رجلا ظاهر من امرأته فوقع عليها قبل أن يكفر فقال له النبى صلى الله عليه وسلم: فاعتزلها حتى تكفر عنك. وفى رواية أبى داود: فلا تقربها حتى تفعل ما أمرك اللَّه" وأسانيد هذه الأحاديث حسان اهـ.

ص: 246

6 -

وعن سلمة بن صخر رضى اللَّه عنه قال: دخل رمضان فخفت أن أصيب امرأتى فظاهرت منها، فانكشف لى منها شئ ليلة فوقعت عليها، فقال لى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"حَرِّر رقبةً" فقلت: ما أملك إلا رقبتى، قال:"فصم شهرين متتابعين" قلت: وهل أصبت الذى أصبت إلا من الصيام؟ قال: "أطْعِمْ فَرَقًا من تمر ستين مسكينا" أخرجه أحمد والأربعة إلا النسائى وصححه ابن خزيمة وابن الجارود.

[المفردات]

سلمة بن صخر: هو سلمة بن صخر بن سلمان بن الصِّمة بن حارثة بن الحارث بن زيد مناة بن حبيب بن عبد حارثة ابن مالك بن عضب بن جشم بن الخزرج الأنصارى الخزرجى، له حلف فى بنى بياضة فقيل له البياضى، ويجتمع وبياضة فى عبد حارثة بن مالك

ص: 246

ابن عضب. وقيل اسمه سلمان وهذا أصح وأكثر. وقال فى التقريب: سلمة بن صخر بن سليمان بن الصمة الأنصارى الخزرجى ويقال سلمان ويقال له البياضى، صحابى ظَاهَرَ من امرأته قال البغوى: لا أعلم له مسندا غيره اهـ وقد ذكر ابن سعد فى الطبقات أنه أحد الذين أتوا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لحملهم يوم تبوك فقال: لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا أن لا يجدوا ما ينفقون. قال ابن الأثير فى أسد الغابة: روى حديثه ابن المسيب وأبو سلمة وسليمان بن يسار اهـ وقيل: لم يسمع سليمان بن يسار منه. رضى اللَّه عنه.

دخل رمضان: أى جاء شهر رمضان.

فخفت أن أصيب امرأتى: أى فخشيت أن أواقع زوجتى فى نهار رمضان.

فظاهرت منها: أى قلت لها: أنت علىَّ كظهر أمى.

فانكشف لى منها شئ ليلة فوقعت عليها: أى فظهر منها لى بعض مفاتنها بالليل فباشرتها.

فقال لى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حرر رقبة: أى فأمرنى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بعتق رقبة.

ص: 247

فقلت: ما أملك إلا رقبتى: أى لا أقدر على عتق رقبة لأنى لا أملك رقبة ولا أستطيع شراء رقبة لأعتقها.

فصم شهرين متتابعين: أى فصم شهرين متتاليين لا تفطر فى نهارهما حتى ينتهيا.

وهل أصبت الذى أصبت إلا من الصيام: أى لا أستطع صيام شهرين متتابعين لأنى لا أصبر على عدم قربان الزوجة هذه المدة فإنى ما وقعت فى الذى وقعت فيه إلا بسبب علمى أنى لا أطيق حبس نفسى عن قربان الزوجة مدة شهر واحد فكيف أطيق شهرين.

فرقا من تمر: الفرق بفتح الفاء والراء هو مكيال يسع خمسة عشر صاعا ويكفى لإِطعام ستين مسكينا. وفى بعض نسخ البلوغ "عرقا" والعرق بفتح العين والراء وقد تسكن الراء وهو الزنبيل ويقال له القفة ويقال له المكتل وهو يسع خمسة عشر صاعا ويكفى لإِطعام ستين مسكينا.

[البحث]

قال فى تلخيص الحبير: حديث أن سلمة بن صخر جعل امرأته على نفسه كظهر أمه إن غشيها حتى ينصرف رمضان فذكر ذلك لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: اعتق رقبة. ثم أعاده فى موضع آخر بلفظ: ظاهر من امرأته حتى ينسلخ رمضان ثم وطئها فى المدة فأمره النبى صلى الله عليه وسلم-

ص: 248

بتحرير رقبة. أما اللفظ الأول فرواه الحاكم والبيهقى من طريق محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان وأبى سلمة بن عبد الرحمن أن سلمة بن صخر البياضى جعل امرأته عليه كظهر أمه إن غشيها حتى يمضى رمضان. الحديث. وأما اللفظ الثانى فرواه أحمد والحاكم وأصحاب السنن إلا النسائى، من حديث سليمان بن يسار عن سلمة بن صخر قال: كنت امرأ أصيب من النساء ما لا يصيب غيرى، فلما دخل شهر رمضان خفت أن أصيب من امرأتى شيئا فظاهرت منها حتى ينسلخ شهر رمضان، فبينا هى تخدمنى ذات ليلة فكشف لى منها شئ، فما لبثت أن نزوت عليها، فذكر الحديث، وأعله عبد الحق بالانقطاع، وأن سليمان لم يدرك سلمة، قلت: حكى ذلك الترمذى عن البخارى. (تنبيه) نص الترمذى على أن سلمة بن صخر يقال له سلمان بن صخر أيضا اهـ وقد قال الترمذى: حدثنا إسحاق بن منصور أخبرنا هارون بن إسماعيل الخزاز أخبرنا على بن المبارك أخبرنا يحيى بن أبى كثير أخبرنا أبو سلمة ومحمد بن عبد الرحمن أن سلمة بن صخر البياضى جعل امرأته عليه كظهر أمه. الحديث اهـ وهذا سند صحيح فإسحاق بن منصور من رجال البخارى ومسلم وهارون بن إسماعيل الخزاز من رجال البخارى ومسلم أيضا. وعلى بن المبارك من رجال الجماعة ويحيى بن أبى كثير من رجال الجماعة أيضا وأبو سلمة بن عبد الرحمن من رجال الجماعة كذلك ومحمد بن عبد الرحمن ابن ثوبان من رجال الجماعة أيضا، وقد دل هذا الحديث

ص: 249

على ما دلت عليه الآية الكريمة فى ترتيب كفارة الظهار وهى قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ.} وقد بين اللَّه تبارك وتعالى فى سورة المجادلة أن الظهار منكر من القول وزور حيث قال: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ} . وقال البخارى: باب الظهار وقول اللَّه تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} إلى قوله: {فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} ثم قال البخارى: وفى العربية (لما قالوا) أى فيما قالوا وفى بعض ما قالوا وهذا أولى لأن اللَّه تعالى لم يدل على المنكر وقول الزور اهـ هذا وفى بعض نسخ البخارى: وفى نقض ما قالوا. قال الحافظ فى الفتح: (قوله وفى نقض ما قالوا) كذا للأكثر بنون وقاف وفى رواية الأصيلى والكشميهنى (بعض) بموحدة ثم مهملة والأول أصح والمعنى أنه يأتى بفعل ينقض قوله الأول اهـ وقال الحافظ فى الفتح أيضا: "قوله: وهذا أولى. لأن اللَّه تعالى لم يدل على المنكر وقول الزور" هذا كلام البخارى ومراده الرد على من عم أن شرط العود هنا أن يقع بالقول وهو إعادة لفظ الظهار فأشار إلى هذا

ص: 250

القول وجزم بأنه مرجوح وإن كان هو ظاهر الآية وهو قول أهل الظاهر اهـ وقد روى البخارى فى كتاب التوحيد من صحيحه فى باب قول اللَّه تعالى: {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} قال: وقال الأعمش عن تميم عن عروة عن عائشة قالت: الحمد اللَّه الذى وسع سمعه الأصوات، فأنزل تعالى على النبى صلى الله عليه وسلم:{قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} قال الحافظ فى الفتح: ووصل حديثه المذكور أحمد والنسائى وابن ماجه باللفظ المذكور هنا، وأخرجه ابن ماجه أيضا من رواية أبى عبيدة بن معن عن الأعمش بلفظ: تبارك، وسياقه أتم اهـ ثم قال الحافظ بعد أن ساق لفظ البخارى المتقدم هنا: هكذا أخرجه، وتمامه عند أحمد وغيره ممن ذكرت بعد قوله الأصوات: لقد جاءت المُجَادِلَةُ إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم تكلمه فى جانب البيت ما أسمع ما تقول، فأنزل اللَّه الآية. ومرادها بهذا مجموع القول، لأن فى رواية أبى عُبَيْدَةَ بن معن: إنى لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة، ويخفى علىَّ بعضه، وهى تشتكى زوجها وهى تقول: أكل شبابى، ونثرت له بطنى، حتى إذا كبرت سنى، وانقطع ولدى، ظَاهَرَ منى. الحديث. فما برحت حتى نزل جبريل بهذه الآيات {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ} وهذا أصح ما ورد فى قصة المجادلة وتسميتها، وقد أخرج أبو داود وصححه ابن حبان من طريق يوسف بن عبد اللَّه ابن سلام عن خويلة بنت مالك بن ثعلبة قالت: ظاهر منى زوجى أوس ابن الصامت. الحديث. وهذا يحمل على أن اسمها ربما كان

ص: 251

صغر، وإن كان محفوظا فتكون نسبت فى الرواية الأخرى لجدها. وقد تظاهرت الروايات بالأول. اهـ وفى هذا دلالة على أن أول ظهار كان فى الإسلام هو ظهار أوس بن الصامت من خولة بنت ثعلبة. وأن ظهار سلمة بن صخر كان بعد ذلك. واللَّه أعلم.

[ما يفيده الحديث]

1 -

وجوب كفارة الظهار على من ظاهر من زوجته.

2 -

وجوب الترتيب بين خصال هذه الكفارة فلا ينتقل من العتق إلى الصوم إلا عند العجز عن العتق ولا ينتقل من الصوم إلى الإِطعام إلا بعد العجز عن الصوم.

3 -

وجوب التكفير قبل المسيس.

ص: 252