المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌القاعدة الثامنة المخالفون لأهل السنة ليسوا على درجة واحدة - فقه الخلاف وأثره في القضاء على الإرهاب

[يوسف الشبيلي]

الفصل: ‌القاعدة الثامنة المخالفون لأهل السنة ليسوا على درجة واحدة

‌القاعدة الثامنة المخالفون لأهل السنة ليسوا على درجة واحدة

فمنهم المجتهد المخطئ، والجاهل المعذور، والمتعدي الظالم، والكافر الضال. وفيما يأتي تفصيل كل منهم:

1-

المجتهد المخطئ:

يقول ابن تيمية: مجموع الفتاوى ج: 3 ص: 179: " ليس كل من خالف في شيء من اعتقاد الفرقة الناجية يجب أن يكون هالكا؛ فإن المنازع قد يكون مجتهدا مخطئا يغفر الله خطأه وقد لا يكون بلغه في ذلك من العلم ما تقوم به عليه الحجة، وقد يكون له من الحسنات ما يمحو الله به سيئاته وإذا كانت ألفاظ الوعيد المتناولة له لا يجب أن يدخل فيها المتأول والقانت وذو الحسنات الماحية والمغفور له وغير ذلك فهذا أولى، بل موجب هذا الكلام أن من اعتقد ذلك نجا في هذا الاعتقاد ومن اعتقد ضده فقد يكون ناجيا وقد لا يكون ناجيا كما يقال من صمت نجا.

واستدل رحمه الله على أن المجتهد المخطئ في المسائل الاعتقادية معفو عنه بعدة أدلة:

الدليل الأول: أنه ثبت بالكتاب المفسر بالسنة أن الله قد غفر لهذه الأمة الخطأ والنسيان فهذا عام عموما محفوظا وليس في الدلالة الشرعية ما يوجب أن الله يعذب من هذه الأمة مخطئا على خطئه.

ص: 35

الدليل الثاني: ما ثبت في الصحيح من حديث أبى هريرة أن رسول الله قال: «إن رجلا لم يعمل خيرا قط فقال لأهله إذا مات فأحرقوه ثم أذروا نصفه في البر ونصفه في البحر فوالله لئن قدر الله عليه ليعذبنه عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين فلما مات الرجل فعلوا به كما أمرهم فأمر الله البر فجمع ما فيه وأمر البحر فجمع ما فيه فإذا هو قائم بين يديه ثم قال لم فعلت هذا قال من خشيتك يا رب وأنت أعلم فغفر الله له» وقد تقدم تخريجه.

فهذا الرجل كان قد وقع له الشك والجهل في قدرة الله - تعالى - على إعادة ابن آدم بعد ما أحرق وذري وعلى أنه يعيد الميت ويحشره إذا فعل به ذلك وهذان أصلان عظيمان:

أحدهما: متعلق بالله تعالى، وهو الإيمان بأنه على كل شيء قدير.

والثاني: متعلق باليوم الآخر وهو الإيمان بأن الله يعيد هذا الميت ويجزيه على أعماله.

ومع هذا فلما كان مؤمنا بالله في الجملة ومؤمنا باليوم الآخر في الجملة وهو أن الله يثيب ويعاقب بعد الموت وقد عمل عملا صالحا وهو خوفه من الله أن يعاقبه على ذنوبه غفر الله له بما كان منه من الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح.

ص: 36

الدليل الثالث: أن السلف أخطأ كثير منهم في كثير من هذه المسائل واتفقوا على عدم التكفير بذلك مثل ما أنكر بعض الصحابة أن يكون الميت يسمع نداء الحي، وأنكر بعضهم أن يكون المعراج يقظة، وأنكر بعضهم رؤية محمد ربه، ولبعضهم في الخلافة والتفضيل كلام معروف، وكذلك لبعضهم في قتال بعض ولعن بعض وإطلاق تكفير بعض أقوال معروفة، وكان القاضي شريح ينكر قراءة من قرأ " بل عجبتُ - بضم التاء - "ويقول: إن الله لا يعجب، فبلغ ذلك إبراهيم النخعي، فقال: إنما شريح شاعر يعجبه علمه، كان عبد الله أفقه منه فكان يقول: بل عجبتُ، فهذا قد أنكر قراءة ثابتة وأنكر صفة دل عليها الكتاب والسنة واتفقت الأمة على أنه إمام من الأئمة، وكذلك بعض السلف أنكر بعضهم حروف القرآن مثل إنكار بعضهم قوله:{أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا} وقال: إنما هي أولم يتبين الذين آمنوا، وهذا خطأ معلوم بالإجماع والنقل المتواتر ومع هذا فلما لم يكن قد تواتر النقل عندهم بذلك لم يكفروا وإن كان يكفر بذلك من قامت عليه الحجة بالنقل المتواتر.

ثانيًا - الجاهل المعذور:

فهذا يعذر لجهله، حيث لم تقم عليه الحجة.

ص: 37

يقول ابن تيمية: " لا ريب أن الخطأ في دقيق العلم مغفور للأمة وإن كان ذلك في المسائل العلمية، ولولا ذلك لهلك أكثر فضلاء الأمة، وإذا كان الله يغفر لمن جهل تحريم الخمر لكونه نشأ بأرض جهل مع كونه لم يطلب العلم فالفاضل المجتهد في طلب العلم بحسب ما أدركه في زمانه ومكانه إذا كان مقصوده متابعة الرسول بحسب إمكانه هو أحق بأن يتقبل الله حسناته ويثيبه على اجتهاداته ولا يؤاخذه بما أخطأ تحقيقا لقوله ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ". (1)

ثالثًا - المتعدي الظالم:

وهو من يأثم ببدعته، ولا يصل به الأمر إلى الكفر.

وضابط هؤلاء كما يقول ابن تيمية:"أن من كان خطؤه لتفريطه فيما يجب عليه من اتباع القرآن والإيمان مثلا أو لتعديه حدود الله بسلوك السبل التي نهى عنها أو لاتباع هواه بغير هدى من الله فهو الظالم لنفسه وهو من أهل الوعيد بخلاف المجتهد في طاعة الله ورسوله باطنا وظاهرا الذي يطلب الحق باجتهاده كما أمره الله ورسوله فهذا مغفور له خطؤه ". (2)

رابعًا - الكافر الضال:

(1) مجموع الفتاوى ج: 20 ص: 166.

(2)

ج: 3 ص: 354.

ص: 38

كحال كثير من الغلاة الذين يغلون في مشايخهم ويرفعونهم فوق مقام النبوة، أو يضفون عليهم خصائص الألوهية، أو الذين يقولون بوحدة الوجود أو بالحلول والاتحاد، فكل هؤلاء مشركون كفار.

ص: 39