المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌القاعدة السادسة الفرق بين الحكم المطلق والحكم المعين - فقه الخلاف وأثره في القضاء على الإرهاب

[يوسف الشبيلي]

الفصل: ‌القاعدة السادسة الفرق بين الحكم المطلق والحكم المعين

‌القاعدة السادسة الفرق بين الحكم المطلق والحكم المعين

وهذه من أهم قواعد الخلاف، والتي نشأ بسبب الجهل بها خلط ولبس كبير، جعل من بعض الجهلة يكفرون المخالف لهم، أو يبدعونه بمجرد ارتكابه للبدعة أو وقوعه فيما يعده أهل السنة كفرًا، وإن من سمات أهل السنة أتباع الفرقة الناجية العدل في الحكم على المخالفين، فهم وسط بين الوعيدية الذين يكفرون بارتكاب الكبيرة، والمرجئة الذين يقولون: لا يضر مع الإيمان ذنب كما لا ينفع مع الكفر طاعة.

فيفرق أهل السنة بين الحكم المطلق على المخالفين بالمعصية أو الفسق أو الكفر، وبين الحكم على شخص معين، ممن ثبت إسلامه بيقين، ثم صدرت منه هذه البدع فلا يحكمون عليه بأنه فاسق أو عاص أو كافر حتى تقوم عليه الحجة، وتزول عنه الشبهة، كما يفرقون بين نصوص الوعيد المطلقة وبين استحقاق شخص بعينه لهذا الوعيد في أحكام الآخرة.

ص: 29

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: " نصوص القرآن في الوعيد مطلقة كقوله: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا} الآية (النساء: 10) وكذلك سائر ما ورد من فعل كذا فله كذا فإن هذه مطلقة عامة وهي بمنزلة قول من قال من السلف: من قال كذا فهو كذا ثم الشخص المعين ينتفي حكم الوعيد فيه بتوبة أو حسنات ماحية أو مصائب مكفرة أو شفاعة مقبولة والتكفير هو من الوعيد فانه وإن كان القول تكذيبا لما قاله الرسول لكن قد يكون الرجل حديث عهد بإسلام أو نشأ ببادية بعيدة ومثل هذا لا يكفر بجحد ما يجحده حتى تقوم عليه الحجة وقد يكون الرجل لم يسمع تلك النصوص أو سمعها ولم تثبت عنده أو عارضها عنده معارض آخر أوجب تأويلها.

وفي الحديث الذي في الصحيحين: في الرجل الذي قال: «إذا أنا مت فأحرقوني ثم اسحقوني ثم ذروني في اليم فوالله لإن قدر الله علي ليعذبني عذابا ما عذبه أحدا من العالمين ففعلوا به ذلك فقال الله له: ما حملك على ما فعلت؟ قال: خشيتك، فغفر له» . (1)

(1) متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 30

فهذا رجل شك في قدرة الله وفي إعادته إذا ذرى، بل اعتقد أنه لا يعاد وهذا كفر باتفاق المسلمين لكن كان جاهلا لا يعلم ذلك وكان مؤمنا يخاف الله أن يعاقبه فغفر له بذلك.

والمتأول من أهل الاجتهاد الحريص على متابعة الرسول أولى بالمغفرة من مثل هذا ". (1) اهـ.

(1) مجموع الفتاوى 3 / 226.

ص: 31