المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌القاعدة الحادية عشرة الاختلاف قد يكون اختلاف تنوع أو اختلاف تضاد - فقه الخلاف وأثره في القضاء على الإرهاب

[يوسف الشبيلي]

الفصل: ‌القاعدة الحادية عشرة الاختلاف قد يكون اختلاف تنوع أو اختلاف تضاد

‌القاعدة الحادية عشرة الاختلاف قد يكون اختلاف تنوع أو اختلاف تضاد

فحتى نحصر الخلاف في دائرته الضيقة، ينبغي أن يفرق بين اختلاف التنوع، واختلاف التضاد، ففي كثير من الأحيان ينصب الخلاف بين العالمين أو الفرقتين أو المذهبين، وعند التأمل نجد أن الاختلاف بينهم إنما هو اختلاف صوري، لا حقيقة له، وإنما اختلفت عبارة كل منهما عن الآخر، فظُن هذا الاختلاف نزاعًا.

ويقول أهل العلم: إن اختلاف التنوع سببه أحد أمرين:

الأول: أن يعبر كل واحد منهم عن المراد بعبارة غير عبارة صاحبه تدل على معنى في المسمى غير المعنى الآخر مع اتحاد المسمى، ومن ذلك: اختلاف المفسرين في معنى الصراط المستقيم، فقيل: هو القرآن، وقيل الإسلام وقيل: السنة، وكل هذه المعاني صحيحة إذ لا تعارض بينها فهي من اختلاف التنوع.

والثاني: أن يذكر كل منهم من الاسم العام بعض أنواعه على سبيل التمثيل، ومن أمثلة ذلك: الاختلاف في صيغ الأذان والتشهد وأدعية الاستفتاح ونحو ذلك، فمثل هذه المسائل لا ينبغي أن تكون سببًا للنزاع والفرقة والمنابذة، لأن السنة قد جاءت بها جميعًا، فلا تثريب على المسلم فيما لو أخذ بأي صفة وردت.

ص: 44

ومن العجب ما نشاهده في بعض البلدان الإسلامية من وقوع المنازعات وفي بعض الأحيان يتطور الأمر إلى المصادمات والمشادات الكلامية والتراشق بالاتهامات والتبديع والتكفير بسبب مسائل فرعية لا ينبغي أن تكون مثارًا للنزاع، ومنبعًا للفتنة، كرفع اليدين في الصلاة، والجهر بالتأمين، والقنوت في صلاة الفجر، ونحو ذلك من المسائل، ومرد ذلك والله أعلم هو الجهل بفقه الخلاف، وما ينبغي على المسلم عمله تجاه من يخالفه في الرأي، وها قد عدنا إلى حيث ما بدأنا به، وهو التأكيد على أهمية هذا الموضوع الذي تسبب إغفاله وإهماله من قبل المربين إلى الحالة التي لا تحسد عليها أمتنا الإسلامية من الضعف والتمزق والافتراق.

ص: 45

ولعلي أختم بحثي هذا بعددٍ من التوصيات:

1-

ضرورة تدريس موضوع فقه الخلاف في المؤسسات التعليمية في العالم الإسلامي، حتى يتحلى المسلم بهذه الضوابط مع من يخالفه الرأي.

2-

على المصلحين والمربين والعلماء والدعاة أن يكونوا قدوة في هذا الباب حتى ينعكس أثر ذلك في من يقلدونهم.

3-

ينبغي طرح هذه الموضوعات عبر وسائل الإعلام المختلفة، ولا سيما القنوات الفضائية، حيث أصبح المشاهد - بعد انتشار هذه القنوات - في حيرة من أمره، إذ كان معتادًا على سماع فتوى واحدة من شيخ بلدته، وأصبح الآن يستمع إلى عشرات الفتاوى في الموضوع الواحد من علماء من أقطارٍ شتى.

4-

ينبغي تعريف الناس بمؤسسات الاجتهاد الجماعي، وأن تكون قراراتها بمتناول أيدي الناس.

5-

إن الجهل بفقه الخلاف هو الحوض الذي تنمو فيه بذرة التعصب، تلك البذرة التي تخرج منها نبتة الإرهاب الخبيثة، فلن يقضى على الإرهاب ما لم يقض أولًا على التعصب للرأي، ولن يقضى على التعصب ما لم يفقه الناس بآداب الاختلاف وضوابطه.

والحمد لله أولًا وآخرًا، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

ص: 46