المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌القاعدة الثانية الافتراق سنة كونية ودفعه فريضة شرعية - فقه الخلاف وأثره في القضاء على الإرهاب

[يوسف الشبيلي]

الفصل: ‌القاعدة الثانية الافتراق سنة كونية ودفعه فريضة شرعية

‌القاعدة الثانية الافتراق سنة كونية ودفعه فريضة شرعية

فمما كتبه الله - تعالى - على الأمة الإسلامية أنها ستفترق وتختلف كما اختلفت الأمم من قبلها، وهذا الافتراق هو حكم كوني يقول تعالى:{وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} ، {إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} (هود: 118- 119)

وقد اختلف المفسرون إلى أي شيء يعود اسم الإشارة في قوله: {وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} ، فمنهم من قال: إنه يعود إلى الاختلاف أي: خلقهم ليختلفوا وذهب إلى هذا الحسن البصري، وذهب بعض المفسرين ومنهم عطاء إلى أن اسم الإشارة يعود إلى الرحمة أي خلقهم ليرحمهم، وبعضهم قال: اسم الإشارة يعود إلى الاثنين معًا، أي خلقهم ليختلفوا وليرحم من سلك الصراط المستقيم وممن ذهب إلى هذا القول ابن جرير الطبري وابن كثير والشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله.

ص: 13

يقول ابن سعدي:" يُخبر الله - تعالى - أنه لو شاء لجعل الناس أُمة واحدة على الدين الإسلامي فإن مشيئته غير قاصرة ولا يمتنع عليه شيء ولكنه اقتضت حكمته ألا يزالوا مختلفين مخالفين للصراط المستقيم متّبعين للسبل الموصلة إلى النار كلٌّ يرى الحق فيما قاله والضلالة في قول غيره، وقوله سبحانه: {إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ} ، فهداهم إلى العلم بالحق والعمل به والاتفاق عليه، فهؤلاء سبقت لهم سابقة السعادة وتداركتهم العناية الربانية والتوفيق الإلهي، وأما من عداهم فهم مخذولون موْكولون إلى أنفسهم، وقوله سبحانه: {وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} ، قال: أي اقتضت حكمته أنه خلقهم ليكون منهم السعداء والأشقياء والمتفقون والمختلفون والفريق الذي هدى الله والفريق الذي حقت عليهم الضلالة ليتبين للعباد عدله وحكمته وليظهر ما كمن من الطباع البشرية من الخير والشر ولتقوم سوق الجهاد والعبادات التي لا تتم ولا تستقيم إلا بالامتحان والابتلاء "(1) .

(1) تفسير ابن سعدي 2 / 125.

ص: 14

وبعضهم يتكئ على هذه السنة الكونية لرد أي محاولة لجمع الكلمة وتوحيد صف المسلمين، بحجة أن الاختلاف سنة كونية لا يمكن ردها، وهذا من الخطأ في فهم النصوص فإنه لا تعارض بين حكم الله الكوني وحكمه الشرعي، فهو قد قدر الاختلاف بحكمه الكوني، وذمه ونهى عنه بحكمه الشرعي، يقول تعالى:{وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (آل عمران: 105) .

ص: 15