المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[ذكر من اسمه نصر] - قلائد الجمان في فرائد شعراء هذا الزمان - جـ ٧

[ابن الشعار]

الفصل: ‌[ذكر من اسمه نصر]

بسم الله الرحمن الرحيم

ربِّ سهّل ووفق

[تتمة حرف النون]

[ذكر من اسمه نصر]

نصر بن يوسف بن نصر بن عبد الرَّزاق بن عبد الوهًّاب بن الخضر بن عبد الوهاب بن الخضر بن عجلان بن عبد الله بن ربيعة بن المقدم بن لبيد بن النابغة وهو قيس بن عبد الله بن عدس بن ربيعة بن جعدةً بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعةً بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن

خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، أبو السعد البالسيُّ، المعروف بابن قاضي بالس:

ويعرف بالجعبريِّ، لأنَّه سكن قلعة جعبر- وهي قلعة حصينة على طرف الفرات من البلاد الجزيرية

من أبناء القضاة، وبيت كبير ببالس مشهور. وكان يلبس العمامة اقتداءً بسلفه، ثم تجنّد وتزيَّا بزي الأجناد في الملبوس، وخوطب بالإمرة بعد أن كان يدعى بالقاضي، ولبس القباء وصار واليا بدمشق من قبل الملك العادل سيف الدين /2 أ/ أبي بكر محمد بن أيوب، وبعده لولده الملك المعظم أبي الفتح عيسى- رحمهم الله

ص: 9

تعالى- ولم يزل على ولايته إلى أن توفي بدمشق بقلعتها في ذي القعدة سنة ثلاث وعشرين وستمائة. وكان قد توفي له ولدان قبله فحملوا جميعهم إلى بالس فدفنوا بها.

وكان شاعراً مطيلاً جيد الشعر فيه ذكاء وفهم، ولديه أدب وفضل.

أنشدني الشيخ الأجل نجم الدين أبو محمد القاسم بن محمد بن سراج البزاز الحلبي بها، قال: أنشدني أبو سعد بقلعة دمشق في سنة أربع عشرة وستمائة لنفسه: [من الخفيف]

طال ما بيننا النَّوى والتَّجافي

والَّذي بي من الجوى غير خافي

فنهاري أعلِّل النفس بالوصـ

ـل وليلي بالقرب والإئتلاف

طمعَّا كاذبا وتسويف نفسٍ

ولو .... قبل التَّلافي

ما كذا كانت العود استقرَّت

ببقاء قليلة الإنصاف

طول دهري أصفي الوداد وارعى

عهد من عاهدت بأن لا تصافي

/2 ب/ تخلف الوعد لا الوعيد لوافٍ

لا تراه مع غدرها غير وافي

أضرمت في حشاي نار اشتياقٍ

كن لها منه يا إلهي كافي

أتراه الزَّمان فيها بصاف

أم ترى لي من الصَّبابة شافي

أنت أمرضت بالصدود محُّبا

فصليه تسري إليه العوافي

إن أكن إقترفت ذنبًا فقد جئـ

ـت مقرُّا إليك بالاقتراف

فاغفري الذَّنب باعترافي فلا تثـ

ـريب بعد الإقرار والإعتراف

وقال أيضًا: [من البسيط]

أمسي وأصبح مرتاحًا بلا أمل

من وصل خود كعوب أيَّ مرتاح

لا أسمع اللَّوم من لاح يعنِّفني

على هواها وماذا يزعم اللاحي

أسلو فتاةً إذا جنح الظَّلام دجا

وأسفرت خلت فيه ضوء مصباح

للورد وجنتها للدر مبسمها

للمسك ريقتها للشهد للراح

تريد بالعدل إرشادي لتصلحه

دع عنك يا صاح إرشادي وإصلاحي

فمنتهى الرُّشد غيِّي فيَّ مجتهدا

فلا أرى كل لاح غير نبَّاح

سقى منازلها مثعنجر غدق

بصيِّب من غوادي السُّحب سحَّاح

ص: 10

/3 أ/ ما كان أطيب أيامًا لنا سلفت

... بقربها حال إمسائي وإصباحي

والدَّار مشرقة من نور غرَّتها

... ومن جبين كضوء الصُّبح وضَّاح

أشكو إليها صباباتي فتطمعني

... بالوصل منها بلفظ يسكر الصَّاحي

من لحظها نرجسي من خمر ريقتها

... راحي ومن [حمرة] الخدَّين تفَّاحي

إن عدت يا دهر أدنيت الدِّيار بها

فقد تكفَّلت اسعادي وإنجاحي

فسوف أمدح نعماك التي شملت

مدحًا يقصِّر عنه كلُّ مدَّاح

وقال أيضًا: [من مجزوء الرجز]

أحبابنا بجلِّق

آن لنا أن نلتقي

ما أنتم بلعلع

ولستم بالأبرق

ما هجركم وداركم

دانية بليِّق

قد راعني شيب بدا

لهجركم في مفرقي

يصدقني وعيدكم

ووعدكم لم يصدق

حتى الخيال هاجري

تأجَّجي يا حرقي

تقطَّعي يا كبدي

يا أعيني ترفقي

/3 ب/ وللرُّقاد فاهجري

وبالدُّموع فاغرقي

على فتاة حيِّهم

لمياء ذات القرطق

حسنًا يحكي قدُّها

قدَّ القضيب المورق

يرقُّ لي من أرقي

وللإله يتَّقي

فما بقي فيَّ كما

ترون غير الرَّمق

فليتها لا خلقت

وليتني لم أخلق

وقال أيضًا: [من مخلّع البسيط]

تناست الوَّد والعهودا

وأبدت الهجر والصُّدودا

فدمع عيني من التَّجافي

يا خود قد خدَّد الخدودا

مثعنجر ودقه هتون

من مقلة عاقت الرُّقودا

لو لم يكن من دمٍ أتته

خوامًش تبتغي الورودا

أمرضني البين والتَّنائي

عساك يا قرب أن تعودا

ص: 11

ففي فؤادي لهيب نار

... للبين لا تعرف الخمودا

كم ذا التجني على محب

أنضر كل الآنام عودا

/4 أ/ أعرب كل الورى لسانا

أكرم كل الورى جدودا

جعدة أكرم به أبوه

أدرك بالسؤدد السعودا

والجد قيس فتى المعالي

رام إلى ربه الصعودا

قوم إذا قاتلوا رجالا

خطوا لأعدائهم لحودا

أو ركبوا خيلهم تراهم

فوارسًا تفرس الأسودا

أعناق من سامهم قتالاً

تضحي لأسيافهم غمودا

وأنت من معشر لدينا

تظل أعناقهم سجودا

تحوي لأحسابنا عقوداً

لله كم قد حوت عقودا

لا كان يوم به بلينا

بحب من تنكث العهودا

تنجز إن أوعدت محبا

لكنها تخلف الوعودا

فلا دنو ولا سلو

إلا هوًى أضمر الخلودا

وقال أيضًا: [من الخفيف]

أتراها ترق للعشاق

رحمة من لواعج الأشواق

وترى ودها على ما عهدنا

قبل أن يحدث التفرق باقي

/4 ب/ كل يوم أرى بقلبي أشوا

قا إلى قربها ووشك التلاقي

لم أجدها بالأمس فيه فحسبي

... ضرة البدر في الهوى ما ألاقي

قد حرمنا منك الوصال فجودي

بخيال من طيفك الطراق

إن وهبت الكرى وأقلعت العيـ

ـن بعوني عن دمعها المهراق

فلعل الخيال ينظر سقمي

فيكون الشفيع لي بالتلاقي

وقال أيضًا: [من البسيط]

ما بال كتبك لا تأتي لعادتها

تسر قلبًا إليك الدهر مشتاقا

أعاقها غضب أم صدها ملك

أم قد فقدت فدتك النفس أوراقا

ما راق بعدك لي عيش ولا نعمت

حياة عبدك لا لاقيت ما لاقى

ص: 12

وقال أيضًا: [من الطويل]

أتذكرني ليلى كما أنا ذاكر

لها كل وقت أم تناست وداديا

لئن نسيت عهدي فإني لذاكر

عهوداً لها ترعى وأرعى لياليا

فما أنا يا ليلى قطوعًا لقاطعٍ

ملول ولا مستقصر الود جافيا

فيا حبها زدني جوًى واعتبر به

على غفلةٍ يا حب ليلى فؤاديا

/5 أ/ فإن نر فيه سلوة أو تناسيًا

فقل يا ملولا لا بلغت الأمانيا

أأسلو هوى ليلى وليلى حبيبة

إليَّ لقد خابت ظنون الأعاديا

وقال أيضًا: [من المنسرح]

دانية الدَّار والمزار بها

نأي فما الإنتفاع بالقرب

والوصل لا يرتجى أصوره

لبعده في خواطر القلب

فالوجد ينمي وما أكابده

من لاعج الشوق والأسى حسبي

غدارة تخلف الوعود ولا

عطفًا يرجى لها على الصب

نأت فزدنا أسى لفرقتها

إذ كان وشك النوى على عتب

ولم يكن لي على تعسفها

ذنب ولو كان تبت من ذنبي

بس فرط شوق إلى مقبلها

ورشف سلسال ريقها العذب

وضم ذاك القوام معتنقًا

كأنَّه غصن بانة رطب

صبا إليها الفؤاد في طرب

من الصبا وهو دائما يصبي

وما قضينا من حبها أربًا

فليتني قاضيا بها نحبي

فما حياة المحب مع غضب

محمودةً عنده من الحبِّ

/5 ب/ وقال أيضًا: [من الخفيف]

أترجَّى دنو دارك سعدى

والتنائي يزيد دارك بعدا

وصروف الأيام تحدث بينًا

كل يوم لشقوتي مستجدَّا

ما ثناني عن الوداد صدود

ولا ولا خنت بالتنائي عهدا

فارحمي لوعتي وفرط غرامي

وارثي لي من جوانح ليس تدا

لك مني بدوما إن أرى منـ

ـك [أ] يا ضرَّة الغزالة بدَّا

ص: 13

شبهوها بالبدر والغصن جهلأ

هي أسنى وجهاً وأحسن قدَّا

علَّ دهري يعيد ما استقرض البيـ

ـن فشرط القروض أن تستردَّا

ويعود الزمان يجمع شملي

وأرى في جوانب الحي سعدى

وتريني من قدِّها خوط بانٍ

ومن الخدِّ جلَّناراً ووردا

وأرى من لحاظها أعين الرِّيـ

ـم ولكنَّها تصيد الأسدا

ولعمري لقد رشفت زمانًا

من جنى ريقها سلافًا وشهدا

وقال أيضًا: [من الطويل]

لئن أصبحت عنِّي سليمي غنيَّةً

... فإنِّي إليها ما حييت فقير

/6 أ/ وإن قطعت حبلي وصلت حبالها

وكنت صبوراً والمحب صبور

عسى يعقب الله اصطباري راحةً

فقد قيل عقبى الصابرين حبور

وقال أيضًا، وقد رحل إلى حمص رسولاً إلى الملك المجاهد أسد الدين أبي الحارث شيركوه بن محمد بن شيركوه بن شاذي صاحبها في العشر الأول من جمادى سنة ثلاث وعشرين وستمائة، يتشوق إلى أخوته وأهل بالس:[من البسيط]

تنمي إليكم صباباتي إذا قربت

خيامكم ودنت من داركم داري

فلا بعدتم ولا شطَّ المزار بكم

ولا خلت منكم أبكار أفكاري

أنتم نجوم سما قلبي وشمس ضحًى

فيه وفي ظلمة الأحشاء أقماري

ثم عاد مرّة ثانية في العشر/6 ب/ الأخيرة من الشهر المذكور، فكتب إليهم أيضًا بهذه الأبيات:[من الوافر]

ترى يقضى لنا من بعد بعد

بأحبابي لقاء واجتماع

وتجمعنا الدِّيار كما عهدناً

وأسرار لدينا لا تذاع

ونصبح لا يروِّعنا لبينٍ

عن الأحباب ما عشنا وداع

وقال أيضًا وقد وصله كتاب ولد أخيه وختنه القاضي شهاب الدين من بالس يطلب منه أن يعمل له على وزن هذا البيت الذي من الثلاثة الأبيات التي أنفذها إليهم من حمص:

أنتم نجوم سما قلبي وشمس ضحًى

فيه وفي ظلم الأحشاء أقماري

فعمل هذه الأبيات: [من البسيط]

ص: 14

/7 أ/ سقى بلادكم مثعنجر غدق

ينهل من ديمة وطفاء معطار

طال اشتياقي لكوني لم أزر لكم

داراً ولا أنتم في الدَّهر زوَّاري

شوق تجاوز حدَّ الوصف أيسره

وزاد مقداره عن كلِّ مقدار

مضى زماني وما أدركت مألكتي

من اللِّقاء ولا قضَّيت أوطاري

أحبُّكم يا بني عجلان لا برحت

دياركم آهلاتٍ حبَّ مختار

ما شوقكم مثل أشواقي ولا بكم

وجدكو جدي وتذكار كتذكاري

فلا خلوتم مدى الأيَّام ما طلعت

عليكم الشمس من يسرٍ وإيسار

وحيِّي يا ربِّ عبد الله إنَّ له

جوداً يعمُّ مقيم الحي ِّ والسَّاري

وحيِّي والده القاضي وزيد فتًى

يقري الضُّيوف ويرعى حرمة الجار

وفي الوغي تحذر الأقران صولته

يسعى إليه بقلب الضَّيغم الضَّاري

قوام صوَّام مصداق حليف تقًى

مذ كان من عمره لم يسخط الباري

فالشَّيخ منكم ومن شبَّانكم أبداً

يسود في مهده عارٍ من العار

وقال أيضًا من أبيات: [من الرجز]

/7 ب/ كلُّ الورى قد فتنوا بحبِّه

فلا يرى إلَاّ فتى مفتونه

فضِّل بالحسن فقل

إنَّك مع فرط الجمال دونه

فيه فنون للأنام جمَّة

تسبي العقول منهم فنونه

أبيت طول اللَّيل لا أنامه

وبالكرى قد ملئت جفونه

أسهر فيه وينام وادعًا

غالت فؤادي ما جنت عيونه

وقال أيضًا: [من المنسرح]

كم من حنين إليك مجلوبٍ

وأنت دون الأنام محبوبي

إن كان وجهي وليس ذا

عن وجهك اليوسفيِّ محجوب

فأنت ذخري إن تزل بي قدم

وخان دهر فأنت مطلوبي

فابسط لي العذر عشت في رغد

من غير عتب وغير تثريب

ص: 15

لست إلى غير سؤددٍ أبداً

وغير ما تبتغي بمنسوب

عماد دين الإله عش رغداً

ما سقي الرَّوض بالشَّابيب

وأسلم ودم للزمان ما قرئت

طاها وياسين في المحاريبٍ

وقال أيضًا: [من مجزوء الرمل]

/8 أ/ زارني من غير وعد

زائر جدَّد وجدي

يخجل الغصن إذا ما

بأعطاف وقدِّ

بأبي أفديه واف

لم يخن مذ كان عهدي

ريقه الخمرة طعماً

في فمي من غير دردي

وإذا ما رمت نقلاً

قال لي: دونك خدِّي

وإن اخترت عناقًا

للردينيِّ فقدِّي

وسوى هذا فكلَاّ

ليس للعشَّاق عندي

يا عذولي خلِّ عذلي

فهو فيه غير مجدي

إن غيِّي في هواه

منتهى غاية رشدي

عدِّ إن حاولت سلوا

نًا فذا عين التَّعدِّي

وقال أيضًا: [من مجزوء الكامل]

خلع العذار أخو الوساوس

فيمن لثوب الحسن لابس

ظبيُّ يصيد بطرفه

غلب الضَّراغم والقناعس

رشا كغصن أراكة

ريان لا ينفك مائس

/8 ب/ في اللَّيل يخرج في العروً

س وحين يصبح في الفوارس

ما لاح في غسق الدُّجى

إلا َّ وأشرقت الحنادس

طلق المحيَّا باسم

لكن على العشَّاق عابس

في القلب من سطواته

وصدوده جذوات قابس

كم زارني متخفِّيًا

في خلوة واللَّيل دامس

عانقت غصن قوامه

ورقدت بالإلمام آنس

وغطست في بحر العنا

ق فلتني لا كنت غاطس

ورشفت من خمر الرُّضا

ب سلافةً والجفن ناعس

ص: 16

إن كان قد شطَّ المزا

ر فلست من عود بايس

وتعود تجمع بيننا

تلك المنازل والمجالس

مرغومة بالوصل من

حسادنا فيها المعاطس

إرغام نور الدِّين من

يشنا سجاياه النَّفائس

رسلان شاه غضنفر

غلب الأسود له فرائس

حاز المكارم فاغتديـ

ـن على معاليه حبائس

/17/ ليث إذا حمي الوطيـ

ـس وبدر تمِّ في المجالس

متهلِّلاً للمعتفيـ

ـن فلا تراه الدَّهر عابس

فلجوده ولبأسه

تتقاعس الصِّيد الأشاوس

عش آمنا فلك الإلـ

ـه ونم قرير العين حارس

أمسيت للأ شواق والأ

تواق من كلف أمارس

فأحبُّ قلعة جعبر

لمليكها وأحبُّ بالس

لأخيوةٍ سكنوا بها

فهم بوحشتها أوانس

لا زال يمرع مرجها

مغدودق السحب الرواجس

وقال أيضًا: [من السريع]

زاد جمالاً حين دار العذار

فليخلع العشَّاق فيه العذار

وزدت وجداً وغرامًا به

وأقلع السُّلوان والإصطبار

مهفهف القامة ميَّاسها

عليه مع فرط انخلاع وقار

ينتسب الورد إلى خدِّه

لونا كما ينتسب الجلَّنار

فقدت صبري مذ نأت داره

فهل ترى من جلد يستعار

/9 ب/ قولوا له: يرحم ذا لوعة

كم حيد عنه وكم ازورار

ريقته القر قف لكنَّهاً

لا يشتكي شاربها من خمار

وقال أيضًا: [من الخفيف]

حجبوها وما الحجاب بمجدي

برقاقٍ بيضٍ مواضي الحدِّ

وبسمر القنا وكلَِ كميِّ

عنده سطوة الهزبر الورد

لا يفيد الحجاب إذ أنت في قلـ

ـبي ولا والفؤاد مليك نجد

ص: 17

أترى عندك إليَّ غرام

... سالب للكرى كمالك عندي

وحنين مبرِّح واشتياق

لا ولا وجدك يقارب وجدي

بل لعمري لقد ثناك التَّنائي

عن ودادي وقد تناسيت عهدي

كم تمالوا على الملامة لوَّا

م تصدَّوا للَّوم بئس التَّصدِّي

ينسبوني جهلاً إلى الغيِّ في الحـ

ـ ـبّش وغيِّي في حبِّ مثلك رشدي

وقال أيضًا ابتداء قصيدة: [من الخفيف]

ما بكم من صبابتي واكتئابي

فاقصروا من ملامتي مثل ما بي

/10 أ/ واتركوا اللَّوم عذَّلي فهو لا يجلـ

ـب نفعًا لكم وخلُّوا عتابي

أنا مغرًى بحبِّ ميَّاسة الأعـ

ـطاف تختال في ثياب التَّصابي

تخجل البدر إن تراءت بليلٍ

بابتسام عن الثَّنايا العذاب

إن تكن عاملت ذنوبي وودَّي

ووصالي بالصَّدِّ والإجتناب

وأنا الساَّمع المطيع وهل يعـ

ـصي محبُّ أوامر الأحباب

ليس فيها عتب سوى أنَّها الدَّهـ

ـر عن العين من وراء حجاب

وقال أيضًا: [من الخفيف]

إن يصدُّوك بي عن الإجتماع

فودادي لديك غير مضاع

وغرامي ذاك الغرام وشوقي

ونزاعي كما عهدت نزاعي

لست أنساك بالبعاد وهيها

ت سلوِّي وماله من دواعي

ليس عندي إلَاّ الأسى ودموع

سحها مقلع عن الإقلاع

وسقام عسى يرقَّ له الدَّهـ

ـر ووجد تجنُّه أضلاعي

وعساه يجود لي منك بالوصـ

ـل وأحظى به وبالإرتجاع

وتعود الدِّيار تجمع شملي

بك يا منيتي وبالأطماع

/10 ب/ وأراني معانقًا للتلاقي

منك قدَّ القضيب لا للوداع

راشفَا من رضاب فيك سلافًا

سلسبيلاً يشفي من الأوجاع

هذه الحلُّ ليس ما تطبخ النَّا

ر وقدمًا أحلَّها الأوزاعي

أنت بدر الدجى ووجهك فينا

هو شمس النَّهار ذات الشُّعاع

عشت لا ترتقي إليك المنايا

وبخطب من الرَّدي لا تراعي

ص: 18

وقال أيضًا: [من الخفيف]

من مجيري من الغرام الَّذي بي

والَّتي بي قد صيَّيرته نصيبي

ظبية الأنس لا الكوانس ترعى

في ذمام الغرام حبَّ القلوب

ثغرها للأقاح بل للآلي

يتلالا وريقها للضريب

فهي بدر الظَّلام عند التَّجلِّي

وهي شمس النَّار عند الغروب

إن تثنَّت يهزُّ من لين قدَّ

غصن بأن مرَّكبًا في كثيب

لست أخلو إذا تراءت لعيني

يا لقومي من كاشح أو رقيب

يعتريني الحنين نحوك إن هبَّـ

ـت رياح من شمال لا جنوب

يا ليالي الوصال أوبي فقدآ

ن ليالي وصالنا أن تؤوبي

/11 أ/ وتعود الدِّيار تجمع شملي

عن قريبٍ بالحاجب المحجوب

وقال أيضًا: [من الطويل]

لعلَّلك جفن العين للنَّون تسرق

عسى طيفها في آخر اللَّيل يطرق

وأشكو إليه ما أجنُّ من الجوى

وفرط صباباتٍ خباها التَّفرُّق

مهفهفة الأعطاف أفنى تجلُّدي

وفلَّ شبا صبري إليك التَّشوُّق

وأصعب ما ألقاه في الحبِّ أنَّني

أخاف انتهاك السِّر فيه وأفرق

إذا رمت كتمان الغرام سعت به

على الرُّغم منَّي عبرة تترقرق

ونمَّ به سقمي وفرط صبابتي

فلا ينفع الكتمان والحال تنطق

فإن قلت لا والله لست بعاشق

وقد جزت سبعينًا من العمر أعشق

يقل من لسان الحال يكذب قائل

وربِّ الصَّفا والمروتين وأصدق

وقوله: [من السريع]

منيت بالوصل وعفت الفراق

فكمِّلي إحسانك بالعناق

وسامحي الصَّبِّب ولا تبخلي

فعنده فرط جوًى واشتياق

بقبلة تحيا بها روحه

وإنَّها من حرق في السَّياق

/11 ب/ أو رشف ريق راق ترويقه

يضوع كالمندل عذب المذاق

ماذا على قومك لورقَّ لي

قلبك يا لمياء مما ألاق

ص: 19

هل سمت إلَاّ قبلةً سنَّها

مشايخ العشَّاق عند التَّلاق

إن يغضبوا منها وإن يعتبوا

فالقوم حقًا ما لهم من خلاق

وقال: [من الطويل]

أتتنا خيول بالبشارة تسبق

وأنت إلى شأو المعالي أسبق

وكان بنا نحو البشير تشوُّق

رقيق الحواشي حين طال التَّفرُّق

وقوله من أول أبيات: [من الخفيف]

عاود القلب وجده والخفوق

حين لا حت من الغوير البروق

وتراءت للعين أعلام سلع

وبدا حاجر ولاح العقيق

وبرأس الجرعاء بانَّ فريق

وتوارى بالأبرقين فريق

أذكرته الأحباب فارتاح شوقًا

وحنينا منه الفؤاد المشوق

وكذا كلُّ مغرم القلب يشتا

ق ومن لا يشوقه المعشوق

/12 أ/ غادة للقضيب منها التثنِّي

ولظبي الفلاة جيد وموق

ريقها للمحبِّ في آخر اللَّيـ

ـيل مدام وثغرها الرَّاووق

أنا سكران حبِّها ليت أنِّي

دائم السُّكر في الهوى لا أفيق

لا يرجِّي العذول منِّي سلوُّاً

ما إلى القلب للسلوِّ طريق

وقال: [من الوافر]

سلاها لم تجنَّبت الوصالا

وآثرت القطيعة والملالا

وأظهرت التَّجنب لا لجرم

أهجرانا أرادت أم دلالا

فيا شبه القضيب إذا تثنَّت

تحاكيه قوامًا واعتدالا

حكيت لنا الغزالة حين تبدو

وأشبهت الغزالة والغزالا

هواك هدًى وكلُّ هدًى سواه

فلا أعتدُّه إلَاّ ضلالا

لقد حلَّلت إبعادي وهجري

وحرِّمت التدَّاني والوصالا

فكنت كمن أحلَّ دمًا حرامًا

وحرَّم من جهالته الحلالا

وقال أيضًا وقد وصله كتاب من /12 ب/ أخيه جمال الدين أبي الحسين في المحرم سنة ثلاث وعشرين وستمائة، وفيه أبيات شعر فكتب إليه أبو سعد هذه الأبيات

ص: 20

في الوزن والروي وهي: [من الوافر]

لثمت كتابك المحبوب عشراً

وبات معانقًا سحري ونحري

فبلَّ غليل وجد واشتياق

قليلهما يقلُّ لديه صبري

إذا ما مرَّ يوم لا أراكم

فليس أعدُّه من بعض عمري

فكيف إذا انقضى شهر وشهر

بفرقتكم وشهر بعد شهر

وقد ملا الأسى والشوق قلبي

كما أن الصبابة حشو صدري

فما عذري إلى إخلاص ودِّي

وفرط محبَّتي يا ليت شعري

هي الأقدار لا تجري بحكمي

يجود ويجمع شملي علَّ دهري

فتورق بالدُّنو غصون وصلي

ويسفر بالتَّلاقي وجه بشري

/13 أ/ وعد من بالشَّباب يعود حتما

إذا اشتملت علينا الدَّار مثري

فعن كثب تبلغني اللَّيالي

مرادي تستديم دوام شكري

واستغني أخيَّ إذا التقينا

عشيَّية جمع شملكم بنصر

أخي ودِّ محبِّ غير جاف

وفيِّ ير ملتحفِّ بغدر

ولا والله ما جنحت بصدِّ

له نفس ولا سمحت بهجر

عليكم أخوتي منِّي سلام

... سلامًا لا يزول بمستمرِّ

وله أشعار كثيرة في الأزجال والدوبيت وقوله في الدوبيت: [من الدوبيت]

كم يأمر بالكتمان في زيِّ نصوح

والحبُّ دليله على الوجه يلوح

بسي بسِّي أريد يا صاح أبوح

قد ضَّربي الكتمان في شره يوح

وقال أيضًا في المعنى: [من الدوبيت]

/13 ب/ كانت بكم تلذُّ لي أوقاتي

في الجلوة تارة وفي الخلوات

يا مشبهة الهلال يا مولاتي

لولا حذري لكنت من حاجاتي

[856]

نصر بن أبي النجاة، أبو الفتح الأخميميُّ

من أهل الديار المصرية.

ص: 21

كان فقيهًا على مذهب الإمام الشافعي- رضي الله عنه عالمًا فاضلاً شاعراً جيداً مطبوعًا في الشعر، يمدح ويسترفد الكبراء والأعيان بقوله، نحويًا أديبا يحفظ كثيراً من الكتب الأدبية من جملتها كتاب "المفصل" لأبي القاسم محمود بن عمر الزمخشري، وكتاب "المقامات" لأبي محمد القاسم بن علي الحريري، وغير ذلك من الكتب والأشعار مع أخذه بأوفر نصيب من الأدب وعلم العربية.

أقام بدمشق زمانًا طويلاً ثم خرج منها ونزل الموصل فسكنها ثم عاد إلى دمش فاستوطن الإقامة بها في المدرسة الأمينيّة وسكنها برهة من الزمان. ثم انتقل إلى بيت المقدس- حمى الله حوزته- ولم يزل بها مقيمًا إلى /14/ أن توفي- رحمه الله تعالى-.

أنشدني من شعره الشيخ أبو محمد عبد العزيز بن عمر بن مقبل بن الفقاعي الموصلي بها في سنة اثنتين وثلاثين وستمائة بمنزله- رحمه الله تعالى- قال: أنشدني أبو الفتح نصر بن أبي النجاة الأخميميّ لنفسه في ربيع الآخر سنة أربع عشرة وستمائة بالموصل يمدح معين الدين أبا علي الحسن ابن شيخ الشيوخ بمصر: [من الرمل]

هاجع المقلة هب جفني الوسن

... فغرامي سرُّه فيك علن

وسوى حبِّك في قلبي ما

حلَّ والله ولا فيه سكن

أنت يا صارف وقتي شغلاً

عوض لي عن خليل وسكن

لان قولي لك عتبًا مثلما

لنت أعطافًا ولمسًا وبدن

وجزاني بعد ليت وعسى

منك يا مسقم جسمي لم ولن

أحلال لك تجفو مغرمًا

... بهواه وجواه مرتهن

وبداريك ولا تسأم من

جور صدَّ وإثارات الفتن

سيف أجفانك ما أقتله

أترى أستلَّ شباه ذو يزن

/14 ب/ عقد أيمانك كم تنقضه

وتلاشيه بضعف ووهن

وعذول فيك أزريت به

فانثني مغضب قلب ممتهن

قالوا: تفوه وتغترُّ به

وهو يغري بك في الحبِّ المحن

قلت أهواه وأهواه ولا

يلج الجنَّة إلَاّ ممتحن

ص: 22

العذاب العذب التذَبه

... ولو أني مودع طيَّ كفن

وامتداحي وولائي مخلصًا

لمعين الدِّين ذي المجد حسن

الجواد الباسط الكفَّ الذي

بالأيأدي فرض البذل وسن

واستوى فوق علاه جالسًا

فروى الرِّفعة فيه عن وعن

فهو من أصبح يعلو شرفًا

وأبوه وأخوه من ومن

والذي أوضح للسالك في

سبل الخير طريقًا وسنن

لا يساويه مساو مثلما

لا تساوى دار عدن بعدن

الحياء المحض والعفّضة والـ

ـعلم والحلم وتقليد المنن

والسخاء الهامر الهامي النَّدى

الَّذى ينبت غبراء الدَّمن

طاب أصلاً وزكا فرعًا وهل

حسن يوصف إلَاّ بحسن

/15 أ/ كأبيه طاهر الجيب فما

ينطوي فيه على خبث درن

وجهه انور من شمس الضحى

لا يرى فيه عبوس بغضن

لو رآه يوح يبدو ساطعًا

... نوره خر سجوداً للذقن

أو أتى في زمن صحبته

... توجب الذم كما ذم الزمن

يا معين الدين يا أشرف من

قرَّ في مهد علاه واستكن

ما الرُّبي ضاحكة أزهارها

حاكيًا ملبسها عصب اليمن

مطربات بالغنا أطيارها

باعثات كلَّ صوت من فنن

كلما مر بسمعي سامع

هاج للقلب حنينًا وشجن

مثل أوصافك نبلاً ونهَّى

وبهاءً وذكاءً وفطنً

فالتزم سعدك يرجى ثابتًا

والق أعداءك منه بجنن وأبق ما حنَّ غريب وثنى

طرفه الشوق إلى نحو وطن وقال أيضًا في الفلك أبي القاسم عبد الرحمن بن هبه الله بن المسيري /15 ب/ المصري حين خلع عليه ببغداد الخليفة أمير المؤمنين المستنصر بالله أبو جعفر المنصور بن محمد بن أحمد- رضي الله عنه وجاء إلى دمشق ولازم التخرق بدروبها.

ص: 23

والخلعة عليه والإعلام خلفه: [من المنسرح]

جاء رسول من عند محتسب الـ

ـبلدة في خفية إلى الفلك

وقال: هذا الذي أتيت به

يلزمني منه غاية الدَّرك

تمشي بأعلامك المشومة في السُّـ

ـوق ولا غازيان في السِّك

ما عازك اليوم غير دبدبة

وتغتدي ضحكة من الضَّحك

يضرب من حولك الصِّغار بها

وضحكهم نصفه على الملك

وأنت تدري بأنَّني رجل

آخذ أمري بالدِّين والنسك

ولا أغش السُّلطان في عمل

وذاك من شرِّ ما روي وحكي

فالجحش والقنبريس قد حضر

ودرَّتي في يدي وأنت ذكي

[857]

أبو نصر بن اللعُّبيَّة الهمامُّي

والهمّامية قرية من قرى واسط.

أنشدني الأمير شرف الدين أبو حفص عمر بن أسعد بن عمّار الموصلي بها، قال: أنشدني إبراهيم بن يوسف الحرُّاني، قال: أنشدني أبو نصر اللُّعبيَّة الهمّامي لنفسه: [من الطويل]

كتبت ومالي من خليل أودُّه

سوى صاحب يختار مصر مقامه

ترنِّحني رياَّه إن هبَّت الصَّبا

ويذكرني لمع البروق أبتسامه

وأنشدني، قال: أنشدني إبراهيم، قال: أنشدني أبو نصر الهمّامي لنفسه:

[من البسيط]

يا من يكلِّفني ما ليس في سعتي

ومخلفي لشقائي فيه ما وعدا

تخاف منك الرَّدى نفسي فواعجبا

أنت المخوف ففيما تحمل العددا

لحاظ عينيك تصميني بأسهمها

فما لخدَّيك دوني تلبس الزَّردا/16 ب/

ص: 24