الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر مفاريد الأسماء في هذا الحرف
[867]
ناصح بن سعد بن ظفر، ابو الشرف الكاتب المنشئ الأديب الكاواني.
وكاوان قرية من قرى جرباذقان (1).
كان يكتب الإنشاء لطغرل السلجقي - صاحب عراق العجم وبلاد أذربيجان وغيرها- وكان الغاية في علم الآداب وفنونها، حائزا فضيلتي المنظوم والمنثور بالعربية والفارسية، علامة زمانه، وواحد وقته في الفضائل، بلاغة وتقدما وتبريزا وفهما، وديوان أشعاره ورسائله موجودان صارا إلي، وعلقت منهما ما هو غرض كتابي هذا من النظم والنثر.
أنشدني القاضي شمي الدين أبو حامد محمد بن احمد بن ابي بكر الفقيه الشافعي الجربذقاني بالموصل بالمدرسة البدرية المطّلة على دجلة من لفظه وحفظه، قال: انشدني أبو الشرف ناصع بن سعد بن /56 ب/ظفر الكاتب المنشئ الأديب الكاواني لنفسه: [من الكامل]
قل للعذيب إذا رأيت الضّالا
…
يهنز من مر النسيم شمالا
رواك من ماء الغمام سلافه
…
وسقاك نوء المرزمين سجالا
ومنها في المديح ووصف المعسكر:
جن على جنّ إذا ارتهج الوغى
…
نحو العدو يبارز الأبطالا
شوس إذا ركبوا ليوم كريهة
…
تركوا ديار عدوهم اطلالا
وأنشدني أيضا، أنشدني أبو الشرف الكاواني قوله من قصيدة مبدأها:
[من الوافر]
جيوش الحب تعزوني سرابا
…
وتجعل مهجتي بعض السبايا
وغابت يوم بانوا شمس عيشي
…
وقدما كان طلعتها منايا
رمتنا من لواحظها بسهم
…
فصار ظهورنا مثل الحنايا
سرى بحمولها ركب هواهم
…
يمانيّ فراقهم هوايا
ألا يا حادي الأظغان مهلا
…
بهن هنيهة وقف المطايا
/57 أ/ لعلي أشتفي منها بلحظ
…
يسوغ ما شرقت به شجايا
فتلك ضعائن رحلت ولكن
…
هوى قلبي حملن على الحوايا
تفرّقنا وقلبي في انصداع
…
لدى الجرعاء ما بين الشظايا
أشارت للوداع بكسر جفن
…
له وقع المناصل في حشايا
وهزّت للتثني رمح قدّ
…
قلوب العاشقين له درايا
ومدّت والرقيب على تناء
…
يدا عضّت بأطراف الثنايا
دهشت تحيرا ودعوت سرّا
…
ألا يا ربّنا احفظها الايا
وأنشدني أيضا، قال: أنشدني أبو االشرف لنفسه: [من مجزوء الرجز]
هب النسيم الصّبا
…
يفتق نور الرّبى
يا صاحبي أشربا
…
كأسا تعيد الصّبا
بعد دواعي الهرم
***
غرّد فوق الأراك
…
حمامة الأيك هاك
من يد ساق سقاك
…
راحا تريك السماك
تحت مواكي القدم
***
نمنم نوء السحاب
…
فوق متون الهضاب
/57 ب/ وشيا كلون الثياب
…
وكان صحن التّراب
تذكرة من إرم
***
الغيم مما سرى
…
يمنح وجه الثرى
سيلا حكى إن جرى
…
كفّ إمام الورى
فصدر صدور العجم
***
مهذّب الدين من
…
قلّد اهل الزّمن
بالجود طوق المنن
…
هنّئت يا ابن الحسن
إنّك مولى الأمم
***
قد شاع في العالم
…
أن أبا القاسم
أربى على حاتم
…
بالكرم الدّائم
لا زال طود الكرم
***
وقال وهو ما نقلته من ديوان شعره: [من الطويل]
أيا فرختي عشّي ونوري كريمتي
…
ويا مقلتي عيني ويا فلذتي كبدي
لقد زدتما يوم الفراق كآبتي
…
واجريتما دمعي على سحنتي خدّي (1)
وأرثتما في القلب نار صبابة
…
يضيق بها صدري ويعلوا بها وجدي
"فياليت شعري هل أبيتّن ليلة"
…
وبينكما بيتي ومغناكما عندي
وهل ينظرّني الدّهر حتى أراكما
…
وأصبح من بعد الدّيار على بعد
/58 أ/ وقال ايضا: [من البسيط]
يا ربّة الخدر إن تنسون صباحكم
…
فنحن والله ر ننساكم أبدا
ولو رأيتم غداة الجزع إذا رقّلت
…
بنا المطيّى إلى ناديكم بددا
حيث التقينا إلى بطحائكم عرضا
…
ولم نجد ثمّ من أحبابنا أحدا
فيالها عبرات أذرفت صببا
…
ويالها زفرات أرسلت صعدا
وقال أيضا: [من البسيط]
يا جيرتي بالعذيب العذب موردهم
…
لا أوحش الله منكم آخر الأبد
إذا تنسّمت من أرواحكم أحدا
…
فقد سفكت دمي في هجركم بيدي
لا جدّد الله في الأيام يوم غد
…
إن لم أسرّ بلقياكم غداة غد
وقوله: [من الطويل]
أقول لورقائين في جنح ليلة
…
تنو حان فوق البان تصطحبان
خذ بنصيب العيش ما دمتما معا
…
ولا تأمنا من أعين الحدثان
فغنّ مسرات القلوب على الفتى
…
قواض وساعات السرور فواني
وقال أيضا: [من الطويل]
/58 ب/ نسيم الصّبا إن جئت ارض أحبتي
…
بسقط اللّوى حشيت طرق المهالك
بحيث قلوب العاشقين تزاحمت
…
فضاق على الغادين نهج المسالك
فقل لفتاة التّيم إنّ فتاكم
…
يقول: وحقّ الودّ يا ابنة مالك
على شاطئ الوادي بمنعرج اللّوى
…
تركت فؤادي فاطلبيه هنالك
وقال أيضا: [من بسيط]
من ذا الذي بك مشغوف من الناس
…
نجا ورأسك من عينيك بالرّاس
ومن تجرع كأسا في هواك فلم
…
يغتصّ بعد التذاذ الكأس بالكاس
ومن شفته أحاديث المنى عللا
…
لم ينصرف من كلا خدّيك بالياس
جالت لحاظك يون البين في جلدي
…
يد الصّبا طال في ذكراك وسواسي
أهدي النّعامى وكان البين يوحشني
…
ريّاك لي فأعادت بعض إيناسي
أغيض من زفرات كلما نسمت
…
حذار أن يتأذّى حر أنفاسي
وقال أيضا: [من الكامل]
كثرت همومي في الهوى وتمادت
…
ورضيت كفّي في الفراق وسادتي
/59 أ/ واشتد بي برح السّقام فما عليه لو أتى متجشّما لعيادتي
أعطيته لين المقاد ولم أكن
…
أعطي [له] لولاه لين مقادتي
هجروا لم اجرع كؤوس فراقهم
…
لو كان يسعف في الزمان إرادتي
يا سادتي كم تهجرون متيّما
…
قاد الغرام بنفسه فانقادت
وقال أيضا: [من الرمل]
إنّ أحبابي يوم افترقوا
…
بالحمى لم يعرفوا وجه الصّواب
أصبح العمر قصيرا بهم
…
ضيّعوه بين عتب وعتاب
وقال أيضا: [من الكامل]
وبمنهجي من جاءني متعتّبا
…
يشكو النّوى مغرورق الأجفان
والدّمع في خديه ينظم عقده
…
كالطل فوق شقائق النعمان
وله أيضا: [من البسيط]
إني لمهد على أيدي الصّبا سحرا
…
من التحايا كأنفاس الرّياحين
وكامن طول ليلي في مراصدها
…
لعلها بنسيم منك تشفيني
/59 ب/ وقال في مهذب الدين أبي القاسم بن الحسن وقد ىب من غيبته
[من السريع]
أهلا بهذا القمر القادم
…
ومرحبا بالمطر السّاجم
قرت عيون الناس من مقدم الص
…
در الكبير العادل العالم
مولى الموالي السيد المرتجي
…
مهذّب الدين أبي القاسم
من يده عند احتباس الندى
…
تختلف صوب المطر الدّائم
وبأسه عند احتدام الوغى
…
يهشم أنف الأسد الهاشم
ووجهه عند ارتكام الدجى
…
يكفي ارتطام الكوكب الناجم
ووجوده ظلّ بلا منّنة يسعى إلى القاعدة والقائم
وعدله بين الورى حارس
…
وكّل باليقظان والنّائم
لو لم يلاحظني إقباله
…
كنت صريع الزّمن العارم
أكرم قدري حين صادفته
…
تكرمة المخدوم للخادم
وهزّ عطف الفضل لما رأى
…
لفظي يجري درر الناظم
/60 أ/ جرباذقان اليوم مذ حلّها
…
أبلج مثل الذّكر الصّارم
طار عقاب العدل في جوّه
…
يفقأ عين الحدأ الظالم
يا سيدا في بحر إحسانه
…
ماء يروّي كبد الهائم
يقذف للوافد درا ولا
…
يخشى عليه خطر العائم
ليس اعتصامي بك إلا [لما]
…
أعلم ما غيرك من عاصم
صاحبك الإقبال ما صيحة
…
تسمع للصادح والباغم
وقال في غلام معذر: [من الكامل]
كتب الجمال على صحيفة خدّه
…
خطا فلقّبه الوشاة عذرا
خط يروق المقلتين كأنّه
…
خطّ أبن مقلتة يونق الأبصارا
وقوله في وصف الخمر: [من المتقارب]
إذا ما مزجت بماء الغمام
…
مداما مفرّقة للهموم
/60 ب/ فسقها إليّ فليست حراما
…
على بن الكرام بنات الكروم
وقال أيضا: [من المنسرح]
قد طال سقمي وملّ عوّادي
…
واكثر القول في حسّادي
فقائل قد خبت بوائره
…
وقائل لهف زينة النادي
وكلّهم عارف بمرتبتي
…
بينهم في رؤوس أشهاد
لا بأس أقضي حقوقهم كملا
…
إن كان في الأرض باقيا زادي
وقوله أيضا: [من الوافر]
سقى أطلاا عزّة باكرات
…
من النواء تضحك ثم تبكي
فثمّ رواجح الأكفال رود
…
خلعت لأجلهنّ ثياب نسكي
إذا نشرت ذوائبهن غابت
…
إياه الشمس تحت ختام مسك (1)
وقال وقد جاءه كتاب: [من الوافر [
نشرت كتابكم فوجدت نشرا
…
يجدد ريحه للروح نشرا
ولمّا أن فضفضت له ختاما
…
تضوّع يملأ الآفاق عطرا
/61 أ/ وحاك بنان شمس الدين فيه
…
رياضا أطلعت زهرا وزهرا
وأدرك ضمنها لفظا ومعنى
…
لآلئ فصلت نظما ونثرا
فأولينا بها بشرى وبشرا
…
ووفّينا لها حمدا وشكرا
وقال في غلام معذر: [من السريع]
قالوا: بدا في خدّه خضرة
…
قلت ضياء النجم في غاسق
الآن اختص به إذ غدا
…
يقصر عنه نظر الفاسق
وقال: [من الطويل]
وقالوا: هجرت الشّعر قلت لأنّني
…
إذا قلت مدحا كنت في القول كاذبا
ويقبّح بي بعد المشيب تذكّري
…
ذوائب أسراب المها والترائبا
وليس بذي هجر ينال لسانه
…
من الناس أو يحصى لعرض معائبا
فأولى بحالي أن يقال: شويعر
…
هذي ما هذي دهر فاصبح تائبا
وقال: [من الطويل]
أأقبل ضيما بعدما طاب في الورى
…
بزهرة آدابي رياض المشاهد
/61 ب/ إذا لا رأت عيني وجوه ماربي
…
ولا سمعت أذني غناء المحامد
وقال: [من الكامل]
لا تحسبوا هجر المساكن غربة
…
ولا محنة أن يشتكي الرجل الفقرا
فإن افتقاد المرء أقرن عصره
…
هي الغربة العظمى هي المحنة الكبرى
وقوله يمدح: [من المنسرح]
يا حاتم العصر في سماحته
…
لو كنت تدري مواضع النعم
إنك فيما تنيل في نعيم
…
لأحول الجود أعور الكرم
وقال: [من وافر]
أحبّ الأبطحيّ وصاحبيه
…
وحافده ويعجبني عليّ
ولكني بحب الآل مغري
…
كما يغري بمولاه الوليّ
فإن يك ناصبيّ رافضيا
…
فإنيّ الناصبيّ الرافضيّ
وقال: [من الوافر]
يمنني أحرمت شلّت يميني
…
فقد
…
ترجمة اليميني (2)
قمين أن ألام على عذاري
…
زففت بها غير القمين
/62 أ/ فوا أسفي على زهر اللآلئ
…
ووا أسفي على الدرّ الثّمين
وقال: [من البسيط]
قل للكرام وقيتم صرف دهركم
…
فالدّهر يمثل في الدنيا بأمثلها
وكان يجعل عاليها كسافلها
…
فصار يجعل اعلاها كأسفلها
وقال: [من الرمل]
ربّ ورقاء على الأيك تغنّي
…
سحرت غنّتها قلبا معنّى
طارحتني بعد هدء شجونها
…
كحزين وهي لا تضمر حزنا
ما بكاها كبكائي إننّي
…
خضل الجفن ولا تخضل جفنا
كلما حنّت على أيكتها
…
حنّة جاوبها أورق حنّا
لا عفا الرحمان عنها ما جنت
…
إنها هاجت فؤادا مطمئنا
إن للعاشق قلبا مستهاما
…
كلّما أقلقه الوجد أزنّا
وقال: [من البسيط]
استودع الله ذاك العارض الهطلا
…
واكتفى كل مكروه به نزلا
فقد بلوت به الدنيا بأجمعهم
…
وأوفاهم ذمة ازكاهم عملا
ما زاره زائر إلاّ وأوسعه
…
جودا ولم يبق من آماله أملا
لما نزلت ذراه الرّحب اكرمني
…
فزاده الله إكراما بما فعلا
وهذه نبذ من كلامه المنثور، نقلتها من ديوان رسائله، فمن ذلك ما كتبه إلى قاضي القضاة ركن الدين صاعد:[من الوافر]
جنابك للورى أعلى جناب
…
وبابك للمؤمل خير باب
اتيت ذراك يا مولاي عمدا
…
لأّنني ليس غيرك في حسابي
وإني وإن كبا زند الّليالي
…
عليّ فإنّ زندك غير كابي
وإن جناب أرضي إن نبا بي
…
فإنّ جناب عزك غير نابي
وما فعلت صروف الدهر مهما
…
تخف إليك إخفاف الرّكاب
خادم مولانا – أدام الله ظله – بالباب متشرفا، بلثم التراب، ومقيما
مراسيم الثناء، ولوازم الدعاء، منهيا /63 أ/ إلى الرأي العالي – أعلاه الله – أنه طالما كانت تناجيه نفسه بالاستسعاد بخدمة هذه السدّة العلية، والانحصار في خادمي هذه الحضرة الزكيّة، لكنه كلما أقامه الأمل، أقعده الكسل، وإذا حرّكته الدواعي الشّائقة، قيدته الأسباب العائقة، فحرمه عن البحر الطامي، والغيث الهامي، ما كان يعتكف عليه من ثمد ركيّ، ويمتريه من ضرع بكى، ويحترثه من زرع زكي، حتى أزعجه عند تراكم الفتن المائرة، ونغصه عليه المحن الثائرة التي صيّرت الضياع نهزّة الضّياع، والأملاك نهبة الهلاك، والأموال عرضة الزوال.
وصار الكلام في الرؤوس، ووقع الخطب في النفوس، ترك ما ملك سدّى، ونفض عما جمع يدا، ونجا بحشاشة نفسه وولده، واحتضن أفلاذ كبده، موائلا إلى الباب الرفيع، الذي هو كعبة الزوّار، ووجهة الحرار، يتبوأ ظلال نعمه، ويرتدي أذيال كرمه. قدر /63 ب/ ما تفثأ قدور الأقدار، وريثما يؤول القول إلى الفرار، فإنّ منّ المولى – حرس الله ظله_ عليه بسؤاله، واسعفه بمأموله. كانت يداّ واقعة في نصابها، ومنه مفرغة في مصابها، مشكورة إلى آخر العمر، موفورة الحمد مدى الدهر، والرأي أعلى وأجل".
ومما كتبه إلى بعض الصدور:
"نحن – أطال الله بقاء فلان – في زمن الحرّ في أهله غريب، في قومه قريب. لاسيما غربتان هما كربتان، غربة الفضل والبعد عن الوطن والأهل، والمجلس العالي – أدام الله علاه - وإن كان من آدابه بين ندامى وجلّاس، ومن خدّامه بين مراع ومواس، ولكن إذا هدرت حمامة فضله لم يطارحها هديل، وإذا غرّدت صنّاجة طبعه لم يعاونها رسيل، فإن اراد أن يضمّ إلى خفيف أوزانه ثقيلا، وإلى علا شأنه عقيلا، /64 أ/ لزمته مساء صباح، وخدمته كما تخدم الأجسام الأرواح، ولي في ذلك الشرف الأعلى، والسعادة العظمى، وللرأي مزيد العلو والرفعة:[من المنسرح]
لا جعل الله لي منك بديلا
…
إنك من كل فائت بدل
ولا عراني بمهجة ظلّ بها
…
يراعي ويجبر الخلل
لا يوحش الجوّ فقد كوكبه
…
ما دامت الشّمس فيه تشتعل
وكتب جواب رقعة وصلت إليه عند بعض الكبراء:
"وصلت اللّمعة الفلانيّة، كالروض رقّح واشية، فرقّ حواشيه، والحزن صبّ غواديه، مغترفا من اليم الخضّم نطفه، ومخترقا من سحوق الفضل لطفه، فتدرع الخادم بها حبر الفخر، وتدرّع بيمنها إلى ما يتمنّاه، على الدهر غير واقف في جوابها موقف المباراة، ولا ذاهبا /64 ب/ بنفسه في حلبة المباهاة.
بيد انه علق تميمة على نحرها، حين ضاق ذرعه عن مهرها، وهو أبدا رهين برّها، رافل في حلل فخرها، والرأي العالي في إرخاء السّترةالسّاترة، على هذه التحفة الظاهرة، على الداعي لأيامه، المنخرط في سلك خدامه أعلى".
وقال فيه هذا الدوبيت:
قد أخصب من فضلك وادي الشّرف .... وازداد هواك في فؤاد الشرف
نادى بلسانه منادي الشّرف
…
يا ربّ أطل عمر عماد الشّرف
ومما كتبه إلى مهذّب الدين أبي القاسم:
" خادم مولانا مولانا حرس الله ظلاله، وأدام إقباله – يقبّل تراب الخدمة، ويقيم صالح الدعوة، ويحمد الله – تعالى- على ما سنّي له من جميل الهمم، ووالى إليه من جزيل النعيم، ويتضرع /65 أ/ إليه في إمهاء طول العمر، إلى أن يمنّ عليه بالمثول بين يدي الصدر، مقبّلا أنامله التي هي مفاتيح الأرزاق، ومتأمّلا شمائله التي هي مفاتيح الكرم على الإطلاق، ومطفئا بلقياه نارا تتلهب بين الضلوع، ووجدا تنسكب به سوافح الدموع، فقد طالما يقيمه الشوق ويقعده، ويزعجه الأمل ويكمده، وهو عما يريد ممنوع، وبما يتمناه مفجوع، وإنه على ما به من ارتياح باب الأمنية، في الاستسعاد بتلك الطلعة البهية. يواظب على عقد كلل الدعاء حول مخيم ناديه، ويداوم على نسج حلل الثناء مقطوعة على قدر معاليه، فاحسن الخدمة موقعا ما تشيه الأقلام، وتعيه الأيام، وتداوله الألسنة، وتتناقله الأزمنة، فيكون حياة بعد الحياة، ووقتا بحسب إنقضاء الأوقات، ويعرف إلى النّاس أنّ سوق الأدب بعد رائجة، ولجة الكرم وعلو الهمم هائجة مائجة. ما دام مولانا – أعز الله أنصاره – في مسند الإقبال، ومنصب الجلال، عامرا ربع /65 ب/ الآداب، وآخذا بضبع الكتابة والكتّاب، يؤتى من كل صوب، ويقصد من كل أوب، لتوضع منه الممادح موضعها، وتقع عنه المحامد موقعها فيجلب إلى حضرته العلية بضاعات النظم فيغالي في استيامها، ويجعل إليه بلاغات النثر فيهزّ عطفيه لاغتنامها، ضاحكا في وجه الوافد ثناياه، ومتهللا بطلوع الزائر محياه:[من الكامل]
كذب بن فاعلة يقول بجهله
…
مات الكرام وانت حي ترزق
وإلى الله تعالى الرغبة في إطالة بقاء الكرام بإطاله بقائه، وإدالة أهل الفضل بدوام دولته وعلائه، وما جاء بالماء سحاب، وعاد إلى السماء شهاب، إنه ولي الإجابة، ولما عرف الخادم أنّ الهمّة العلية ترتاح لمطالعة الآداب وتعتلق من فنون العلم بأقوى الأسباب، عض إبهامه أسفا على ما كان عنده من أعلاق الكتب. أتى الدّهر على طارفها وتليدها، وغارت الأيام على ما كان من عتيدها.
/66 أ/ حتى لم يبق إلا الرتج القليل، الذي لو خدم تلك الحضرة العالية، بجميع اعدادها كان كالنملة حملت إلى سليمان رجل (1) جرادها، لكنه رأي الضّنّة بالموجود أشدّ الضّنن، وسخاء الرجل بما ملك من أسدّ السّنن، فخدم الحضرة أعلاها الله بهذه المجلدات، وهي كذا وكذا، فالعالي العالي في إسبال ذيل العفو على ما يتجاسر به الخادم، ويرتكبه من الاسترسال إلى ما يليق بالخدم إلّا إلى ذوي الكرم، قرين العلو والرفعة".وكتب إلى بعض الأفاضل جوابا عن كتاب ورد عليه منه:
"سلام الله – تعالى – وهو خير ما يتعلق على هوادج الرياح، ويفتق بنسيمه نوافج الأرواح، ويحي به محيا الأحباب، ويضمن هداياه طي الكتاب، على فلان ولا زالت مجامر أنفاسه تفغم المنافس، وترغم المنافس. وجواهر ألفاظه /66 ب/ تعمر المجالس، وتغمر المجالس، ورياض الأدب بأزاهير نطقه مونقة، وحياض الكرم بنمير خلقه متدفّقة، ما طرّ شارب فرع، ودرّ حالب ضرع ن ورقرق بالماء سحاب، واشرق في السماء شهاب، وفرّق بالصياح غراب، ورق للصباح جلباب بمحمد وعترته.
وبعد: فقد وصل كتابه الذي كان برجا يطلع نيّري النظم والنثر، ودرجا يجمع جوهري الخطب والشعر، كلا علّقيه ثمين، وكلتا يديه يمين، وكلاهما بالثناء قمين، إن اغترست فرند وعرار، وإن اقتبست فمرخ وعفار، سعدان كلاهما في المراعي سعدان ووردان، هما للصادي صداوان وعينان تجريان كدجلة والفرات، وقينتان يغنيانبما يحيي الأموات، ويجمع بين العظام والرفات. لم أر قطّ مثله فظّا جلّه فوائد، بل كله فرائد. حروفه ظروف الظّرف، وسطوره جلاء الطّرف وصلي (1) العرف كالعقل كله / 67 أ/ نور والعلم لا يحله زور فتاة لها صباحه، ومشكاة فيها نور مصباحه. يرتكض فيها بحر نشيط في بحر بسيط، ونثر يعترض منه نور عريض في روض أريض، فياله من سفر سافر، من بحر الأدب وبرّه، واسفر عن شمس الكرم وبدره، وصرصر فيها باز يبيض في العيّوقن ويفرّخ ببيض الأنوق، بل حاكه بحر من البحار، وحبر من الأحبار، وصدر من المصطفين الأخيار، يغترف من بحر أسخى من حاتم، ابائي (2) من حنيف الحناتف، وينطق بلسان أجرى من السيل تحت الليل، وامضى من الترك فوق الخيل، وأحلى من الخمرة بزلال، وأصلى من الخمر في الاشتعال:[من الكامل]
وحديثها كارعد يسمعه
…
راعي سنين تتابعت جدبا
فيصيخ مستمعا لدرّته
…
ويقول من طرب هيا ربّا
وكان موقعه مني موقع عود الولد النّدب، بعد الغيبة، والجود إلى البلد الجدب عقيب الخيبة، وحل محل النّور في الأحداق، /67 ب/ والشهدفي الأشداق، والنوم في الآماق، والوصل إثر الفراق.
بيد أنّي لما هززت بخطابه في قرن جوابه، كدت أتخذ الليل جملا، والباطل دغلا، وأستر تحت الظلام، والوذ إلى الانهزام، وقلت: يا فلان هذا أجل من الحرش، وأين الوبل من الرّش؟ لا تتعرّض لارتجاله فلست من رجاله، تبين رويدا ما أمامه من هند هو ساط بأسوا، سابق بأشواط، وأنت عاط بغير أنواط، فالله في الاحتياط. [من البسيط]
فأبن اللّبون إذا ما لزّفي قرن
…
لم يستطع صولة البزل القناعيس
ثم تجلّدت بعدما تبلّدت وصرت: [من الوافر]
أقول لها وقد طارت شعاعا
…
من الأبطال ويحك لن تراعي
ما جمح حرونها، ولان قيادها بعد ما بان عنادها، وقالت: الآن وقد غشاني الضنّى، فقلت:[من المنسرح]
قد كنت قبل البكاء عابسة
لكن الفحل يحمي /68 أ/ شوله معقولا، والمرء يحمل سيفه وإن لم يكن مصقولا، إذ ليس كلّ بحر مّواج، ولا كلّ غيم ثجّاج، ولا كل طرف هملاج، ولا كل خطيب سراج. إن لم تجد لي صافية ممزوجة، وإن لم تسلكي فمخلوجة، ليس عليك إلا مالك، والسخي بمالك هذا هذا.
ثم يا مولاي! كيف انت وحالك؟ وفي أي ربع مجالك. سمعت أنك تنظر في أمر القضاء، فهل بيعين الرضاء، وتزكّى فهل تجد من يزكى من غير أن تلكا، وأنت في أشغر بلد، وقوم ما زكا منهم احد.
أما انا فعندي الجلوس في بيت المجوس، بل القعود في حش اليهود، بل لبوس أثواب المحن بالجلوس على أبواب الشجن، أهون من الإغضاء على فضائح القضاء، والهجوع على الجوع، أو القناعة بالقنوع، أو الزراعة بالدموع خير من ضروب الرّشا وإن هي ثروب، وكثبا فالدّرّة في في نحر الأمة ضائعة، والحرة لا تأكل بثدييها وإن هي جائعة، لاسيما حيث درهم الوقاحة أروج من دينار الفصاحة، وهراش الوكلاء أرجح وأنجح من قماش / 68 ب/ الفضلاء والكلاب جياع، والضّياع إلى ضياع، وسحاب الحق خلّب، وغلب الباطل غلّب، وتدمي الأنداء بأنامل الحلب، والمحب يشقى بكل حوّل قلّب، وسوق العالم إلى الكساد، وأساس الأمر على الفساد، وأملاك المسلمين على المزاد، وأموال اليتامى نهب، وحقوق الأيامى سلب، والحمير تمعر، والجحيم تستعر:[من خفيف]
في قضاة من الصواب قضاة
…
وعدول عن الصلاح عدول
فوقاك الله شر ذلك اليوم، وضرّ ذلك القوم، وجعل لك مخرجا من حيث لا تحتسب، وأعاذنا وإياك من القرار مع الأشرار، وضم الأزرار على الأوزار، وكشف الإزار عن العوار، وجعلنا من الأتقياء الأبرار بمحمد النبي وآله الأخيار".
ورسائله كثيرة، والذي اورنا منها كفاية وغنى.
[868]
ناهض بن إدريس الوادشّي.
ينسب إلى واداش من اعمال غرناطة.
كان شاعر قطره، أشعر من ذكر عصره، يقول في السيد أبي يحيى:[من الطويل]
ألا حبذا القصر الذي ارتفعت به
…
على الماء من تحت الحجارة أقواس
هو المصنع الأعلى الّذي أنف الثرى
…
ورفّعه عن لثمه المجد والباس
فأركب متن النهر عزا ورفعة
…
وفي موضع الأقدام لا يوجد الرّاس
فلا زال معمور الجناب وبابه
…
يغضّ وحافي أفقه الدّعر أعراس
[869]
نبأ ابن أبي غانم بن حسين بن عبد السيد، أبو المعالي، المعروف بأبي الزعفراني اليهودي.
من اهل حلب، ومن اربابها المتصرّفينفي الأعمال السلطانيّة. وقد خدم متصرفا في ديوان حلب سنين متعددة. وكان أعرف أه لملته بالتصرّف وعلم القوانين الديوانية، ورسوم القواعد الحسابية، والاطلاع على غوامضها.
وكانت وفاته في يوم الإثنين خامس رجب سنة خمس وثلاثين وستمائة. وكان مولده في سنة تسع وسبعين /69 ب/ وخمسمائة.
وكان حسن الخط، شاعر متوسط القول، ينظم أشعارا كثيرةفي فنون متعددة. وكانت به لكنة في لسانه، وإذا أراد أن يعبر عن ما في ضميره عجز ولم يستطع إداء ما فيه، وله أرجوزة طبّية سماها "تذكرة اللبيب وتبصرة الطبيب"، وعمل أرجوزة نحويّة لقبها "سنن الإعراب في سنن الأعراب". وامتدح الملك الظاهر غياث الدين غاري بن يوسف بن أيوب – رحمه الله تعالى -.
أنشدني أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد المولى الحلبي بها الكاتب المنشئ من لفظه، قال أنشدني أبو المعالي نبأ بن ابي غانم بن حسين بن عبد السيد بن الزعفراني لنفسه:[من الخفيف]
رق قلب العدو ممّا أقاسي
…
ورثى لي وأنت قلبك قاسي
يا بديع الصّفات غير بديع
…
هل تجازي مودّتي أو تواسي
ما على من تملّك الناس رقّا
…
لو رعى في الهوى قلوب النّاس
رشا لو رآه يوسف أضحى
…
لهجا بالغرام والوسواس
/70 أ/ لا تقس حسنه إلى يوسف الحس
…
ن يمينا ما بينهم من قياس
حبذا حبذا زمان تقضّى
…
في هوى نجل قيصر البانياسي
بلحاظ كأنها أسد غاب
…
خدرت في جفون ظبي كناس
وجبين كالصّبح تحت دجى الشّعر
…
وخّد كالورد بين الآس
ورضاب كأنه نطف الرّا
…
ح وثغر حكى حباب الكاس
ناحل الخصر قد حكى بنحولي
…
في هواه فليت لي منه أسي
هو ناري وجنّتي ونعيمي
…
وشقائي وصحّتي وانتكاسي
لو تهيّأ بأن يبيت نديمي
…
فزت في خلوتي به واختلاسي
وقال أيضا يستدعي صديقا له: [من البسيط]
أما ترى اليوم بادي الظل والدّمق
…
ومطرف الدّجن قد غشّى سنى الأفق
فقم بنا نجتليها في زجاجتها
…
صفراء كالشمس أو حمراء كالشفق
فنحن في مجلس زاره عبهره
…
ساه وساقيه مثل الشّادن الخرق
محمر نارجه يحكي الخدود وفي
…
تحديق نرجسه معنى من الحدق
/70 ب/ وقهوة عتّقت حتى أضّر بها
…
مر السنين فما أبقى سوى رمق
يذكي لها الماء نشرا بالمزاج كما
…
يذكى لظى النار نشر المندل العبق
فخلت كفي خضيبا حين لامسها
…
وخلتها نار عيسى ليلة الصّدق
وقال في المعنى: [من الوافر]
بعيشك قم إلى حثّ الكؤوس
…
فإن العيش شرب الخندريس
ولا تطع اللواحي في مدام
…
تدوم بها مسرات النفوس
وقوله في يوم ثلج يحث على الشرب: [من مجزوء الكامل]
قم واقترع بكر الطّلا
…
واستجل كاسات العقار
فاليوم يوم أبيض
…
يدعو إلى خلع العذار
ومباسم الإطراب فيـ
…
هـ لطشّه ذات افترار (1)
والثّلج قد غطّى الرّوبى
…
والجو مبيض الأزار
وتخاله متساقطا
…
كالنور أرسع في انتشار
فذر الوقار فتركه
…
في شربها عين الوقار
/71 أ/ لا عيش إلا في اجتما
…
ع الشمل بالكأس المدار
وقال يستدعي صديقا في زمن الربيع إلى روضة: [من الكامل]
يا صاح قم واستجل بكر امة
…
نهدي إليك غرائب الأفراح
واجمع بها شمل السرور فيومنا
…
يوم به قد طاب شرب الرّاح
والروضّ قد رقّم الربيع بساطه
…
بوشائع من سوسن وأقاح
ومديرها قمر منير قدّ زهت
…
وجناته بالآس والتفاح
وكأنّ طيب مذاقها من ريقه
…
وحبابها من ثغره الوضّاح
وقال في مثله: [من الوافر]
بعيشك قم لنستجلي العقار
…
ففي ذا اليوم حق بأن تدارا
وصل عجلا فيومك يوم ثلج
…
به وجه البسيطة قد توارى
كأنّ سقوطه نوّار دوح
…
تثير يد الرياح له نثارا
وقال في المعنى: [من الوافر]
لمثل اليوم تدّخر العقار
…
فدونك شرب كاسات تدار
/142/وبادر بالمسرّة غير وان
…
فما أوقاتها إلا قصار
وقال أيضا: [من الوافر]
أدر يا صاحبي كأس المدام
…
فشرب الرّاح من شيم الكرام
ولا تحبس كؤوسك عن مشوق
…
إلى لقياك صبّ مستهام
فقم واستجلها في يوم ثلج
…
حباك بدرّه در الغمام
وقال يصف الخرف: [من الوافر]
وزائرة لها أرج ذكيّ
…
تزورك برهة في كل عام
تبشر بالربيع وقّد تراها
…
تهادي عند كاسات المدام
ولها وبر على جسم ضئيل
…
بلا لحم يحس ولا عظام
ويوق أيضا مما عمله بأسعرد: [من الطويل]
بعيشك صف لي غير وإن فيومنا
…
كبهجته يدعو إلى اللهو والقصف
/72 أ/ ومجلسنا زاه أنيق وخمرنا
…
عتيق كلون التبر في غاية اللطف
وندماننا أخوان صدق كأنهم
…
نجوم سماء قد جبلن على الظرف
وقد حرك الشادي المثاني وقد شدا
…
فمن طرب يحيي النفوس ومن عزف
وطاف بشمس الراح ساق مترك
…
كبدر الدجى حسنا يحل عن الوصف
فإن زرتنا تم السرور وإن تغب
…
يعد صفو هذا العيش رنقا بلا خلف
ومما عمله في صدر كتاب: [من البسيط]
يا أبعد الله أيام البعاد لقد
…
جرعت منها كؤوس العلقم الصبر
يحارب الشوق قلبي ثم ينجده
…
جيش الأسى وكمين الهم والفكر
يا شوق حسبك ما أبقيت لي جلدًا
…
ويا حنين لقد افنضيت مصطبري
وقال عتبا في صدر كتاب: [من الطويل]
أخلاي غبنا عنكم فنسيتم
…
مودتنا ما هكذا سنة الود
وأشبهتم أهل السفينة في الوفا
…
فمنذ افترقنا ما أقمتم على عهد
وكم رمت مذق الود غيظا عليكم
…
فلم أر عن صدق المودة من بد
/72 ب/ أما وصفاء الود لا حلت عنكم
…
ولا خنتكم ما عشت في القرب والبعد
وقال أيضا يستهدي نبيذًا: [من مجزوء الكامل]
ذهب الشباب فلست أطـ
…
ـمع في مراجعة الشباب
والشيخ لا يلهيه عن
…
عصر الشباب سوى الشباب
والراح أنفع للمشا
…
يخ في الشتاء من الجباب
تغنى بضوء الكأس إن
…
مزجت بليل عن شهاب
وتريك تبرًا في لجيـ
…
ـن تحت در من حباب
فعسرك تحييني بها
…
فتميت هي واكتئابي
وقال أيضًا: [من المجتث]
ما للهموم دواء
…
سوى كؤوس المدام
كم قد نفت من هموم
…
وكم شفت من سقام
إن حرّموها فشرب الدّ
…
ماء غير حرام
وله يستهدي نبيذا: [من الكامل]
/73 أ/ خلت الدنّان من المدامفلا تسل
…
عن حال عبدك بعد عدم الرّاح
كانت بها أفراحه موصولة
…
واليوم موقوف على الأتراح
كانت مجالس أنسه مأهولة
…
فاستوحشت وخلت من الأفراح
كانت تضيئ بها الكؤوس فأصبحت
…
مثل المحابر ظلمة الأقداح
قد مسّه ظمأ فهل من نافع
…
بالرّاح غلّة حائم ملتاح
ومما عمله في المعنى: [من الكامل]
لو كان أصحب بعد طول شماس
…
أملي حظيت بعشرة الأكياس
عزّ المدام أكرم صاحب
…
يهدي السّرور إلى قلوب النّاس
يقضي بجمع الشّمل بعد شتاته
…
ويكاد يعطف كلّ قلب قاسي
لله ما أحلى مجالس لهونا
…
فيه بحسن تآلف الجلاّس
غن الرضيع ينال عند فطامه ألما
…
ولاسيما رضيع الكاس
وله في المعنى: [من البسيط]
/73 ب/ هلا صرفت بصرف الرّاح يا صاح
…
هموم صبّ إليها جدّ مرتاح
قد أعوزته وهل عيش لمكتئب
…
يعتاض بالدمع عن مشمولة الراّح
دنانه خاويات كالصدّور نأت
…
عنها القلب فما تعبأ بملتاح
لو تاب عنها دم أجريت من شغف
…
دمي ودارت به للشرب اقداحي
ومما عمله في صدر كتاب: [من الطويل]
تمنيت أن اجلو برؤياك ناظري
…
وأن يشتفى قلبي من البعد بالقرب
فما بلغت نفسي المنى فتعللت
…
شوقي بإنفاذ الرّسائل والكتب
وإني إذا حالت يد البعد بيننا
…
سأهدي تحياتي إليك مع الرّكب
تحن إلى لقياك نفسي صبابة
…
كما حنّ ظمآن إلى البارد العذب
وقال أيضا: [من الحفيف]
ما تعشّقته لإفراط حسن
…
لا ولا أنه أتم الملاح
إنما للقلوب في الحب أسرار
…
خفايا خفيّة الإيضاح
كم قبيح عند المحب مليح
…
ومليح في عينيه كالقباح
/ 74 أ/ وقال أيضا: [من الطويل]
خليلي ما بالي أرى كل غيهب
…
تجلّى وحظّي ما تجلت غياهبه
فلا صبغة المسود يرجى نصوله
…
ولا ليله الدّاجي تضيء كواكبه
توالت على قلب هموم كأنها
…
فيما تنقضي أهواله وعجائبه
وقال في غلام جميل بوجهه كلف: [من الكامل]
قالوا: كلفت بحب من في وجهه
…
كلف فقلت: كذلك البدر
لو لم يحز كل الملاحة ما بدا
…
للحسن في وجناته أثر
وعذلت قبل اليوم فيه فقد بدا
…
آس العذار أقيم لي العذر
وله معاتبة: [من الكامل]
مالي أميل إلى حفاظ مضّيع
…
سفها وأرغب في محبّبة قالي
صعب المراس وكلّما لاطفته
…
يزداد فرط تبرّم وملال
وعلا عليّ فهان عندي تركه
…
والتّرك يرخص كل شيء غالي
/74 ب/ وقال على وزنين وقافيتين:
لم أنسه مذ زارني
…
متخّلسا من غير وعد
…
معجبا بدلاله
جذلان سهّله الرّضا
…
فأتى على غرضي وقصدي
…
بعد طول ملاله
في ليلة نامت بها الر
…
قباء لاستيقاظ وجدي
…
خاضعا لجلاله
قبّلت منه مقّبلا
…
يفتر عن برد وشهد
…
ميث في جرياله
ورتعت في وجناته
…
ما بين ريحان وورد
…
بل خلوت بخاله
وجنيت رمان النهو
…
د مهنّأ من غضّ وقدّ
…
عزّ نيل مثاله
وحللت عقد نطاقه
…
بيدي في هزل وجدّ
…
مع تلطّف حاله
لله منها ليلة
…
طلعت بها أقمار سعدي
…
مذ سخا بوصاله
لو سامني في مثلها
…
بذل الحياة لهان عندي
…
في بديع جماله
او بيع منها ساعة
…
لشريتها بالعمر وحدي
…
فائزا بكماله
سمح الزمان بوصله
…
من بعد إعراض وصدّ
…
وامتناع خياله
وسخا بما عجزت قوى
…
شكري له وفؤاد أحمدي
…
في جميل ضلاله
/75 أ/ وقال متغزلا: [من الكامل]
يا من حياة المستهام وموته
…
بيديه في حالي رضاه وسخطه
ما بال قلبك لا يني متقلّلبا
…
يصبو إلى خفض المحب وحطّه
أسهرتني ثم رقدت ثم شغلتني
…
وخلوت من كمد الغرام وفرطه
أمن المروءة أن في لك في الهوى
…
وتخون في عهد الوفاء وشرطه
لو فتّشوا قلبي رأوك به وقد
…
كتب الغرام أهواك فيه بخطّه
أفديك من رشأ تعزز إذ غدا
…
يعزى إلى موسى الكليم وسبطه
ومهفهف كتب العذار بخدّه
…
سطرا يروقك شكله مع نقطه
لا غرو إن حاز الجمال فيوسف
…
من قومه وأبوه والد رهطه
لم أنس إذ صلّى لدى محرابه
…
متطيلسا قد طاح جانب مرطه
ودعا ببسط ذراعه فكأنما
…
قبض القلوب بأسرها في بسطه
وقال أيضا: [من الوافر]
إذا ما كان هجرك لي جحيما
…
وصدك جنّة فعلام تجفو
فصلني منعما ليزول همي
…
فعيشي بعد بعدك ليس يصفو
/75 ب/ وقال في المعنى: [من المتقارب]
إذا كان وصلك لي جنة
…
فهجرك لا شك نار الجحيم
فصلني ولا تبخلن بالوصال
…
على مغرم بك نضو سقيم
ودع عنك ذا السخط وأبغ الرضا
…
فإنّ الرّضا من خلال الكريم
وقوله في اللقاء: [من الطويل]
لعيني متى فازت برؤياك قرّة
…
وقلبي سرور مفرط وحبور
فيا حبذا ذاك اللقاء فإنني
…
عليه لربّي حامد وشكور
وقال أيضا: [من الخفيف]
بعد الخلّ والرّقيب قريب
…
وجفا السّقم حين صدّ الحبيب
وجفاني الكرى وواصلني الشوق
…
فخالي بين الأنام عجيب
بأبي شادن غرير نصير
…
في هواه يستعذب التّعذيب
أهيف مترف ظريف لطيف
…
أبدا نحوه تميل القلوب
بدر تمّ ينير فوق قضيب
…
ناضر تحته يموج الكئيب
قاطن في الفؤاد لم ينأ عنه
…
وهوفي حسنه البديع غريب
/76 أ/ غاب في سفرة الصدود ولكن
…
هو في القلب حاضر ما يغيب
أنبوني على هواه فقد لذّّ
…
لسمعي مع ذكره التّأنيب
طاب فيه عتبي وكل حديث
…
مرّ ذكر الحبيب فيه يطيب
وقال: [من المجتث]
بدّلت بالهجر رفعي
…
خفضا فقد ضاق ذرعي
وصرت تعرض عنّي
…
بعد اتحاد وجمع
قضيت بالغدر ظلما
…
بغير عدل وشرع
صددتني عن دلال
…
وعن ملال ومنع
وملت نحو أناس
…
طباعهم غير طبعي
وأنت أكرم عندي
…
من ناظري وسمعي
إن زرتني تمّ أنسي
…
وبان نجحي ونجعي
ففي يديك بأمر الإ
…
له له ضرّي ونفعي
وقال: [من الوافر]
سقاني الرّاح في جنح الظلام
…
كحيل الطرف معتدل القوام
/76 ب/ وحياتي محياه بورد
…
من الخدّين من غير احتشام
وقبّل راحتي فلثمت فاه
…
فراجعني بضمّ والتزام
فيالك ليلة أمسى أنيسي
…
بها ومنادمي بدر التمام
فمن يده ومقلته وفيه
…
مدام في مدام في مدام
وقال: [من الوافر]
أتاني زائرا بعد ازورار
…
رخيم الدلّ أهيف ذو احورار
وقد نامت عيون مراقبيه
…
وجنح الليل منسدل الإزار
وأقبل ثم قابلني بوجه
…
كسا الظّلماء أردية النهاري
يرنّح عطفه الميّاس سكر الصـ
…
با فتخاله سكر العقار
فقمت لأجله وسجدت شكرا
…
لخالقه على قرب المزار
وبتّبه قرير العين أجلو
…
محاسنه العذاب بلا حذار
سقاني راح ريقته وحيّا
…
بورد الخدّ مع آس العذار
فيالك ليلة في الدّهر جاءت
…
على قّدر اقتراحي واختياري
/77 أ/ وقال: [من الطويل]
أخلّاي طاب العيش لما حضرتم
…
وراق فاضحي نير السّعد مبدرا
وهبّ نسيم عاطر من دياركم
…
فجدد لي عهد التّداني وأذكر
وما طاب هذا الطّيب إلّا لّإنّه
…
سرى نشركم في ضمنه فتعطّرا
فلله منكم ما أصحّ وفاكم
…
وأعظمكم في النّاس قدرا وأكبر
سقى الله أياما مضت باجتماعنا
…
بلا كدر صوبا من المزن ممطرا
وقال: [من الخفيف]
أرج الجو بالنسيم المهدي
…
نفحات العبير من نشر هند
مر في حيّها النسيم سحيرا
…
فحبته بنشر مسك وند
فاعترتني لطيبه هزّة السكـ
…
ـر على أنني نزيف الوجد
وأهاج النسيم للقلب شوقا
…
وهياما ولوعة ذات وقد
يا خليلي عرّضا بحديثي
…
عندها علّة يفيد ويجدي
وأذكر أني لها فإن سألت عنـ
…
ـي فقولا قتيل هجر وصدّ
واسعداني على هواي فإنّي
…
في جهاد مع الغرام وجهد
/77 ب/ فقفا لي حيال جوشن ما بيـ
…
ـن قباب الأحباب من كلّ بدّ
وأنشدا لي قلبي الذي ضاع منّي
…
فعساهم أن يسمحوا لي برد
وإذا عجتما على ساكن الخيـ
…
ـف سلاه بمن تبدّل بعدي
حبذا سفح جوشن فهو أزهى
…
من تلاع الحمى وأعلام نجد
وقويق فماؤه العذب من ريـ
…
ـق ماء العذيب اعذب ورد
يا رعى الله عصر عصر لهو تقضّى
…
لم تروّع فيه الأماني ببعد
وقال: [من الخفيف]
لك في القلب منزل ومحل
…
أبدا منك أهل ليس يخلو
يا منى النفس إن منيت بهجر
…
فمناي وبغيتي منك وصل
أمن العدل أن تملّ محبا
…
لك في كل حالة لا يمل
حاش لله أن تحرّم وصلي وهو مرّ في مذهب الحبّ حلّ
أو تبيحن قتلي بتجافي
…
ك وقل البريّ في الشّرع بسل
لا تكلني إلى السلو فهذا
…
مستحيل بأنني لك اسلو
/78 أ/ أنت لاه عني بغيري مشغو
…
ل ومالي سواك في النّاس شغل
وقال: [من الكامل]
يا ويل من أضحت منازلهم
…
أجداثهم قد بادهم فقر
تركوا أحبّتهم وأهلهم
…
قبروا وافاهم الدّهر
واستبدلوا بالترب منزلتة
…
بعد القصور فعزز الأمر
كم حاز من ضاقّت لهمّته
…
سعة الفضاء بضيقه القبر
والهف نفسي بعد فقدهم .... عز العزاء وأعوز الصبر
وقال في ذم الزمانوأهله: [من البسيط]
لمّا تنوّع دهري في معاندتي
…
ورام عكس الذي اختاره القدر
حجبت نفسي عن بدو وعن حضر
…
كي لا يرى نقص حالي في الورى بشر
أبدى العدا لي عيوبا لست أعرفها
…
وربّما عيب مع إشراقه القمر
"إذا محاسني الّاتي أدلّ بها
…
صارت ذنوبا فقل كيف أعتذر"
هذا البيت مضمّن.
/78 ب/ وقال في مثله: [من الخفيف]
قاتل الله ذا الزّمان فما يس
…
مح يوما بما يسّر فؤادي
كلما رمت من زماني إسعا
…
دا قضّى لي من دونه بالعناد
يا لقومي! كيف احتيالي وقد صا
…
ر زماني من جملة الأضداد
ينفق الجاهلون فيه مع الجهـ
…
ل ويمنى ذوو النّهى بالكساد
ليت شعري ترى أبلّغ فيه
…
غرضي أو أنال بعض مرادي
وله في مطرب: [من الوافر]
ومعسول الشمائل والتّثنّي
…
رخيم الدلّ معتدل القوام
إذا غنّى ترنّح سامعوه
…
له طربا كشراب المدام
وماجوا بالسرور فدبّ فيهم
…
دبيب البرء في إثر السّقام
وقد سحر العقول فلست أدري
…
بسحر اللّحظ أم سحر الكلام
وقال في الغزل: [من الوافر]
بنفسي من بني التراك ظبي
…
يغير بحسنه بدر التمام
/79 أ/ أغنّ مهفهف أحوى غدير
…
رشيق القدّ ممشوق القوام
كحيل المقلتينيكاد يفري
…
بصارم لحظه حدّ الحسام
كأنّ جبينه قمر منير
…
وحالك شعره جنح الظلام
إذا دبّ الحياء بوجنتيه
…
عجبت لكون ماء في ضرام
ويبسم ثغره عن أقحوان
…
تبدى في رضاب من مدام
ثقيل الرّدف ذو خصر نحيل
…
كساني سقمه حلل السقام
وقال: [من الطويل]
ولما بدا سطر العذار بخده
…
وحاولت أن اسلوه زدت تتيما
وكنت به صب الفؤاد فزادني
…
هوى لبسه ثوب الملاحة معلما
وقد رقمت أيدي النّضارة والصّبا
…
بديباجتي خدّيه وشيا منمنما
وقال في الاستعطاف: [من الطويل]
أتحسب قلبي عن ملال تصبّرا
…
أبى الله لي في الحب أن أتغيرا
فوالله لا أسلوك عمري ولو جرى
…
عليّ من الهجر المبرّح ما جرى
/79 ب/ دع الصبّ يقضي نحبه فيك حسرة
…
إذا كنت تبغي أن يموت محسّرا
يمينا لقد اضرمت في القلب بالجفا
…
جحيما وقد اجريت للدمع أبحرا
ثنى ودّك الواشي فأصبحت هاجرا
…
وما كان ظني أن تصدّ وتهجرا
أيجمل بالوجه الجميل إساءة
…
وذي الحسن أن يولي قبيحا ويغدرا
بعيششك شم رعي الوفاء فإنّني
…
رأيت الوفا بالحرّ أحرى وأجدرا
تجافيت حتّى صّرت اغضي على الجفا
…
وارضى بما ترضى من الهجر مجبرا
وقال في الاستدعاء إلى مجلس الشراب: [من البسيط]
قم للصبوح فحبل اللهو قد وصلا
…
واليوم ظلّ بجمع الشّمل محتفلا
أما ترى الغيم قد ورات مطارفه
…
وجه الفضاء ودمع الغيث قد هطلا
ما إن بكى الغيث إلا قهقهت طربا
…
له الأباريق حتّى أنشأت جذلا
فبادر الرّاح لا تبغي بها بدلا
…
ولا تطع من لحا فيها ومن عذلا
فصل صبوحك عمدا بالغبوق بلا
…
مطل وصلنا سريعا واحذر الكسلا
وله في تغير الصديق: [من الطويل]
/80 أ/ وقال في نهر قويق: [من الكامل]
ما بال نهركم قويق كأنه
…
عبرات عين جفنها مقروح
يظما فتغشاه المدود فيرتوي
…
منها ويبقى وحلها وتروح
وقال في لبس الفرو: [من المتقارب]
إذا ما أتى القرّ قرّت به
…
عيون الزجاة للبس الفرا
ومن كان فيه بلا فروة
…
فرى جلده البرد مع من فرى
ومما [عمله] وسيره إلى من يعز عليه مكانه: [من الطويل]
ترى مقلتي تحظى بأيسر نظرة
…
إليك بما تجلو القذّى عن جفونها
/80 ب/ وهل يشفى من لاعج الشوق والأسى
…
فؤادي بقرب الدّار بعد شطونها
تحنّ إليك النّفس طبعا وكلما
…
أنست التداني زاد فرط حنينها
وأصعب ما تلقى العطاش من الظمأ
…
إذا منعت والماء نصب عيونها
وقال في لقاء الأحباب: [من الكامل]
يا حبذا يوم اللقاء فإنه
…
يوم تكاملت المسّرة فيه
عانقت من أهواه عند لقائه
…
فيه وفزت بقبلة في فيه
وقال في غلام مليح الصورة اسمه خليل: [من مجزوء الكامل]
ما شفرة السيف الصّقيل
…
أمضى من الطّرف الكحيل
كلّا ولا للرمح حس
…
ن ترنّح القدّ النّبيل
ومهفهف عبل الرّوا
…
دف محقر الخصر النحيل
حلو المراشف والمعا
…
طف والمقبّل والقبول
مستغرب من أسرة الأ
…
تراك معتز القبيل
/81 أ/ هاروت في لحظاته
…
بالسّحر يلعب بالعقول
سفكت دمي فمسيله
…
في صفحة الخدّ الأسيل
كم من أسير في هوا
…
هـ لمقلتيه وكم قتيل
حاز الجمال فليت يش
…
فعه بإيلاء الجميل
أوليته بالوصل جاد
…
لمغرم بادي النّحول
عليّ أعل رضابه
…
فبرشفه برء العليل
أشكوه شكوى خصره ال
…
مضني من الردف الثقيل
يا عاذلي فيه أتتب
…
اسرفت في قال وقيل
كم قد أطعت الحبّ في
…
هـ وكم عصيت به عذولي
ما يوسف في حسنه
…
تالله احسن من خليل
وإن كنت أسلو حبه
…
لا نلت يوما منه سلولي
وقال في استعطاف: [من الكامل]
يا مولعا بالصدّ عنا
…
كم ذا تجور على المعنّى
/81 ب/ هلا رفقت بمستها
…
م في الهوى حيران مضنى
حمّلته ما لا يطي
…
ق من الجفا فبكى وأنّا
ووعدته وصلا فملت
…
إلى الملال فما تهنّنى
أمن المروءة أن يفي
…
وتخونه من غير معنى
يسخو بمهجته ويب
…
خل بالسّلام عليه ضنّا
وا رحمتاه لمغرم
…
قد مات بالهجران غبنا
وله في السيب: [من البسيط]
لهفي على زمن من ولّت نضارته
…
فلست أرجو له بعد الصّبا خلفا
كانت بدور سروري فيه مشرقة
…
إذ ليل فودي داج يشبه السّدفا
ومذ تجلى نهار الشيب عوّضني
…
من المسّرة همّا والمنى أسفا
وقال فيه أيضا: [من الخفيف]
راعني الشّيب حيث حلّ بفود
…
ي فلا مرحبا به حيث حلّا
ليته لم يكن وياليته استب
…
دل عن كل شعرة منه نصلا
وله فيمن اهدى إلى محبوبه سفرجلا: [من مجزوء الخفيف]
/82 أ/ كيف يهدي إلى الحبي
…
ب محبّ سفرجلا
أترى مذ رأى اسمه
…
مزعجا ما تفالا
سفر أول اسمه
…
ثم باقي اسمه جلا
وقال: [من خفيف]
أذكر الموت حيث تمكنك الخل
…
وة واحذر عذاب حر الجحيم
وتحامى الخطا وكل الخطايا
…
ليس تخفى على السميع العليم
ما يفي للفتى نعيم حقير
…
بشفاء بعد الممات عظيم
إنما هذه الحياة غرور
…
فارغب الآن في النّعيم المقيم
أي خير ولذّة تكسب الإث
…
م وتفضي إلى العذاب الأليم
وقال في الزهد ما كتبه على مقبرة لبعض أصدقائه: [من البسيط]
دنياك فانية فاعمل لآخرة
…
تبقى فيومك هذا منذر بغد
فلا بقاء لما يفنى مركبه
…
ولا فناء لما يبقى على أحد
/82 ب/ كم قصّر الجل المحتوم من أمل
…
يسيره لم ينل في أطول المدد
وقال في الزهد والاستغفار: [من الوافر]
إلهي قدّ تكاثرت الذنوب
…
وقلّ لشقوتي العمل المثيب
وقد اسرفت في خطأي وجرمي
…
وأنت عليّ مطّلع رقيب
فويلي من لقاك ومن فوقي
…
لديك وليس غيرك لي حبيب
وواحزني الطّويل فلا مفر
…
لنا مما قضيت ولا هروب
أذقني برد عفوك قبل أصلي
…
بحر ّ لظى ويحرقني اللهيب
إلهي نجّني وقني عذاب ال
…
جحيم وتب على عبد يتوب
إلهي قد دعوتك فاعف عني
…
بلطفك يا سميع ويا مجيب
إلهي فيك قد أحسنت ظنّي
…
وحسن الظّن عندك لا يخيب
إلهي عفوك المرجو فارحم
…
مسيئا فاته الرّأي المصيب
إلهي حوض منّك مستفيض
…
عليه كل ظمآن يلوب
إلهي إن أسأت فلي اعتصام
…
بتوحيد إليك به أنيب
/83 أ/ إلهي إن تباعدني الخطايا فحسبي عفوك الدّاني القريب
لإلهي قّلّ في الدنيا نصيبي فهل من حسن صنعك لي نصيب
إلهي ضاق بي أمري ولكن
…
رجائي منك غفران رحيب
إلهي قد تزايد داء قلبي
…
وليس سوى رضاك له طبيب
إلهي حاق بي حزني وبثّي
…
وحقّ الرّعب بل وجب الوجيب
إلهي عظم عفوك بالبرايا
…
رؤوف إن تعظمت الذّنوب
إلهي قد خجلت من المعاصي
…
يمرّ يزيد لي ذنب وحوب
إلهي ليس بعزب عنك امر
…
ولا يخفي عليك ولا يغيب
فويلي من شقاوة ذي ضلال
…
غويّ ليس يردعه المشيب
فويلي يوم تنقطع الأواخي
…
من الدّنيا وتتصل الكروب
وويلي يوم يؤخذ بالنواصي
…
بما جنت النواظر والقلوب
ولا يجدي سوى عمل المزكّي
…
إذا حضر المطالب والطليب
وقال: [من البسيط]
/83 ب/ للصّبر عنك اجترعت الصّاب والصّبرا
…
وللرضا بك رضيت الهم والفكرا
أمائل العطف عطفا لا ترم مللا
…
فمذ هجرت لذيذ النوم قد هجرا
أنازح الدّار والأحشاء مسكنه
…
وداره القلب أنّى غاب أو حضرا
ويا منى النفس هل تحنو على دنف
…
بالغدر غادرته بين الورا سمرا
ناشدتك الله عد جفني الهجوع عسى
…
يعودني إن حرمت الوصل طيف كرى
أما وحبّك قّلبي ما ابتغى بدلا
…
عنكم ولا رام طرفي غيركم نظرا
مذ غبت ما راق لي مرأى ومستمع
…
وكيف ذاك وكنت السّمع والبصر
استودع الله قلبا بعد بعدكم
…
ولّى ضياعا فلم اسمع له خبرا
جرى بي الشوق في ميدان حبّكم طلق العنان وطرف الصّبر قد عثرا
واستعبرت عبراتي للفراق دما
…
غدا بحر زفيري قطره شررا
يا هاجري عد غلى وصلي فهجرك لي
…
ما دار في خاطري يوما ولا خطرا
ها قد قدرت على هجري فصل كرما
…
غن الكريم الّذي يعفوا إذا قدرا
وقال: [من الكامل]
لو كان يسمح بالتواصل أو يفي
…
ما كان في عهده الوصال بمختلف
/84 أ/ مذق الوداد وخان عهد محبة
…
وجفا وجاهر بالصدود المتلف
واهاله قد غادر متحيف
…
جان على الخلّ الوفيّ المنصف
أبدا يميل إلى الملال فكلما
…
لاطفته يجفو ولم يتلطّف
أشكو قساوته إليه لعلّه
…
يجفو فلم يحنن ولم يتعطّف
وأبثه ولهي فيعرض لاهيا
…
عن فرط بليالي وطول تاسفي
لله ما أقساه قلبا في الهوى
…
أفما يرقّ لواله متلهّف
حكم الغرام على المحبّ بجوره
…
فأطاع سلطان الغرام المجحف
وابتزّه سلوانه فلو ابتغى
…
إسعافه بتصبّر لم يسعف
جهلا تقول عواذلي دع حبه
…
وتسلّ عنه لعلّ نارك تنطفي
أنّى ورؤيته ألذّ إليّ من
…
نيل المنى والأمن بعد تحوّف
رشا من الأسباط قد فاق الورى
…
حسنا تداول إرثة من يوسف
كدمي الكنائس بل كظبي كناسة
…
يرنو كطرف كالحسّام المرهف
ظامي النطاق يكاد يرجع لي الصبا
…
ضمّني لذّياك القوام الأهيف
يا صاح داو بذكره داء الهوى
…
فهو الشّفاء لمستهام مدنف
/84 ب/ وانفع بريقته الغليل فرشفها
…
أشهى إليّ من السلاف القرقف
إنيّ ليطربني الملام بذكره
…
فليكثرن لومي عليه معنّفي
ومما كتبه إلى الملك العزيز غياث الدين أبي المظفر محمد بن غازي بن يوسف بن أيوب – رحمه الله تعالى -: [من الكامل]
بالله ياريح الشّمال تحملي
…
قصصي إلى الملك العزيز المجمل
وصفي له ما قد لقيت من العدا
…
وسليه كشف قضيتي وترسّلي
واها لمن اخنى عليه زمانه
…
وكساه بعد العز ثوب تذّلّل
وسقاه نكث المعتدين وسعيهم
…
كأسا مذاقتها كطعم الحنظل
يا مالك الشّهباء يا من جوده ذخر الفتى العافي وكنز المرمل
يا طود حلم راسخا هضباته
…
تسموعلى هام السّماك العزل
يا دوحة النّعم التي الّتي كلّ الورى
…
يتفيّأون بظلّها المستكمل
يا أبن الّذي أسدى إليّ صنائعا
…
جلّت فلم تحصر ولم تتقلّل
يا أبن الّذي ما زالت تحت ظلاله
…
في نعمة جلبابها لم يسمل
لهفي على زمن مضى في ظله
…
لو دام لم امقت ولم أستبدل
فلأبكينّ على زمان سعادة
…
كانت به فمضت ولم تستقبل
لهفي عليه فلو يدوم صفاؤه
…
ما كنت عن نيل المراد بمعزل
أتى أضاموأنت ذخري في الدنّى
…
أو أن أهان وفي حماك تقيلي
أضحى وظّلك سابغ ويمسن
…
ظمأ وجودك كالغيوث الهطّل
أيجوز أن آتى إليك مجمّلا
…
واعود عنك بحالة لم تجمل
وتروح غلماني وأرجع خائبا
…
منكم وكان على نداك معولي
وأبيع موجودي وأرحل عنكم
…
صفر اليدين مشتّتا عن منزلي
فلقد حرمت لديك ما أمّلته
…
دون الأنام وأنت خير مؤمّل
إن كان حظي ناقصا منكم كما
…
شاء العدا وبغوا فكيف تحيّلي
أو كنت عندكم مضاعا مهملا
…
نسيا فعند سواكم لم أهمل
/85 ب/ فعساك تسمح لي برد أخيذتي
…
كرما برغم الناكث المتقوّل
أنا راحل فإذا سئلت عن الّذي
…
لاقيت في حلب وما قد تمّ لي
ماذا أقول لهم أيجمل بي سوى
…
حسن الثناء إذا حضرت بمحفل
فلأثنينّ على الذّي توليه من فعل الجميل سئلت او لم أسئل
[870]
نبهان بن محمود بن عثمان بن نبهان بن بهّاج بن الحسين بن عليّ، ابو اليقظان الإربلي.
أخبرني أنّه ولد سحرة يوم الإثنين عاشر محرّم سنة ثمان وثمانين وخمسمائة. وأصله من الدّور (1)، من أبناء التجار المياسير بإربل، وأكبر بيت بها في الثروة وكثرة المال والعقار.
وهو رجل حسن الدعابة طيب الخلق ذو كياسة ودماثة، ونظم أشعارا كثيرة، له في عملها بديهة حاضرة، ولما تغلّب التتار على إربل في سنة أربع وثلاثين وستمائة، سافر غلى مدينة السلام، وخدم لبعض أمرائها متصرفا، وهو بها مقيم. ورأيته بها في سنة تسع وثلاثين وستمائة، وتركته حيا.
أنشدني لنفسه بإربل/86 أ/ في سنة خمس وعشرين وستمائة، يمدح مالكها الفقير إلى الله تعالى ابا سعيد كوكبوري بن عليّ بن بكتكين – رحمه الله تعالى – ويهنيه
بعافية من مرض ألمّ به: [من البسيط]
يا مالكا فاق اهل الأرض قاطبة
…
وساد كل ملوك العجم والعرب
ومن له الملك إرثا عن أب فأب
…
ومن له المجد حقا غير مكتسب
حاشاك من عارض يطرا عليك ومن
…
بؤس ينالك في الأزمان والحقب
ويا مليكا وكلّ النّاس ترهبه
…
وليث غاب إذا ما جدّ في الطّلب
لك الهناء بأن عوفيت يا ملكا
…
وللعدا منك ضرب الهام بالقضب
تفديك كل ملوك الأرض قاطبة
…
وآل نبهان بالأرواح والنّشب
على الخصوص أنا افديك مجتهدا
…
بمهجتي وبمالي دونهم وأبي
خذها مقالة صدق لا يمازحها
…
دعوى مكدّرة بالمين والكذب
عش على رغم من يشناك في دعة
…
مبلّغا كل ما ترجوه من أرب
يسعى بأمرك صرف الدهر ممتثلا
…
لما تروم بلا خوف ولا رهب
/86 ب/ ونقلت من خطه شعره، ما كتبه إلى الأمير الكبير العالم الأصفهسلار ركن الدين أبي شجاع أحمد بن قرطايا بن عبد الله الإربلي – أسعده الله تعالى- (1):[من الوافر]
أركن الدّين يا مولاي يا من
…
غدا في الفضل والإحسان آية
رحلت فكنت ادعو كل يوم
…
لمجدك بالحراسة والكلاية
اصلها الكلاءة وهو خطأ.
وأبت فزادني فرحا بأّني
…
رأيتك بالإحاطة والرعاية
ومن حسن الثناء بكلّ مغنى
…
أقمت لمجدك المحروس راية
وبي شوق إليك وفرط وجد
…
تجاوز وصفه حدّ النهاية
وما أنا من يغيّره احتشام
…
ولا أنا من تبطره الولاية
ولا كنت الوضيع فرفّعتني
…
ولآيات أتتني بالعناية
فأنت رأيتني وسمعت أيضا
…
بحالي في البداية والنهاية
/87 أ/ ولو أعطيت ملك الأرض طرا
…
اراني في الزراعة والتناية
وما أنا طامع في أرمغان
…
ومن يهدي إلى سبل الهداية
ولكن أنت من ملل وهجر
…
مدى الأيام تعمل ل يحماية
وما نعى التألم عن وصولي
…
وبي مرض تعدى كل غاية
إلى من اشتكى دهري وماذا
…
ترى يجدي التألم والشكاية
فلا برحت سعودك في ابتداء
…
وأنت من الحوادث في وقاية
[871]
نجم بن يوسف بن احمد بن نجم بن عبد الوهاب بن عبد الواحد بن أبي الفرج بن علّي [بن] الحسن، أبو العلاء بن الحنبلي.
من أهل دمشق ومن بيت مشهور بها.
شاهدته بإربل شابا جميلا وسيما، يتعلق بخدمة الملكة ربيعة خاتون بنت أيوب بن شاذي، ويتصرف لها في أملاكها المختصة بها بإربل. وله شعر يسير فيه ضعف، وربما أخذ لشاعر نصف بيت من الشعر، فيبني عليه أبياتا قريبة.
ومما أنشدني لنفسه ما كتبه إلى بعض الوجوه الرؤساء واملاه على من لفظه وحفظه: [من الطويل]
/87 ب/ امولاي عز الدين يا من بجوده
…
بنى المجد من دون البرايا وشيّدا
وفاق على أهل الزمان بعلمه
…
فأصبح في جمع الفضائل أوحدا
إليك اشتياقي لا يزال مبّرحا
…
عظيما على مرّ الزّمان مجددا
فهل تجمع الأيام شملي وشملكم
…
على رغم آناف الحواسد والعدا
فتجمع منه ما تفرق أولا
…
وأصبح من بعد التداني مبددا
عليك سلامي من شدا فوق أيكة
…
حمام وما لاح الصباح وما بدا
ومن شعره أيضا ما كتبه إلى عمّ أبيه الناصح بن أبي الفرج عبد الرحمن بن نجم بن عبد الوهاب الواعظ بن الحنبلي: [من البسيط]
هب النسيم فأهدى نشركم سحرا
…
للصب حقا وسيف الصبح ما شهرا
سري على الروض رقراقا فتاه به
…
وأصبح الروض من أنفاسه عطرا
أهاج للصب أشواقا مبرحة
…
فبان للخلق ما أخفى وما سترا
إن تنكروا فرط وجدي في محبتكم
…
فاسئلوا طيفكم عني إذا حضرا
/88 أ/ يا ناصح الدين يا بحر العلوم ومن
…
ربى له قبل أن يبديه قد غفرا
لولا نداك وأنوار خصصت بها
…
ما كان مذهبنا في الأفق قد ظهرا
أحييت بيتا في كل ما وطن
…
بالجود والعلم ما عاداك قد كفرا
لولاك ما جلّق تاهت على بلد
…
ومبصر لشعاع الشمس ما نكرا
[872]
ندى بن عبد الغني بن علي المصري (1)
أنشدني الصاحب الإمام أبو القاسم عمر أحمد بن هبة الله بن أبي جرادة الفقيه الحنفي بحلب _ أيده الله تعالى – قال: أنشدني بن أبو عبد الله محمد بن يوسف بن الخضر
الحلبي الفقيه الحنفي، قال: أنشدني ندى بن عبد الغني بن علي بمصر لنفسه:
[من الطويل]
على أي وجه أبتغي شكر فاضل
…
جميع نهايات المكارم حائز
إذا ما شكرت الفضل منه يقول لي
…
فضائل لم أشعر بها أنت عاجز
[873]
نعمة بن يوسف بن بركات أبو الفضل الأنصاري الدمشقي، المعروف بالباقعة.
أنشدني /88 ب/ الشيخ أبو الحجاج يوسف بن خليل بن عبد الله الدمشقي الآدمي بحلب، قال: أنشدني الباقعة لنفسه: [من الكامل]
ومريضة الجفان تفعل في الحشا
…
ما لي سيفعل مثله السحر
حسنت خلائقها وخلقتها
…
فعنا لبهجة وجهها البدر
عثر الصباح بصدغ ليلتها
…
وأتى على شفق لها الفجر
[874]
نما بن الخوجستاني.
من اهل دنيسر
كان فيه أدب، ويقول شعرا صالحا. وكان معلم الصبيان بماردين.
أنشدني من شعره الأمير شرف الدين أبو حفص عمر بن اسعد بن عمار الموصلي بها، وكتبه لي بخط يده – أيده الله تعالى -:[من مجزوء الكامل]
يا عبرتي فيضي ويا
…
نفسي من العبرات فيظي (1)
اضحى الزمان معاندي
…
وغدا تصرفه مغيظي
لو قيل من هذل الذي
…
أعربت عن قلب حفيظ
من ليس بالنكس الدن
…
ي وليس بالفظ الغليظ
من خطه فو قالخطو
…
ط وحظه تحت الحظوظ
[875]
نوح بن أبي الفضل الدمشقي.
كان والده رجلا يهوديا متصرفا في خدمة ميمون القصري، فانعم الله عليه بالإسلام – وكانت ولادة نوح سنة سبع وثمانين وخمسمائة بدمشق، ونشأ وتأدب وخدم في الأعمال الديوانية بحلب، متصرفا للأمراء.
وكان من أسمح الناس أخلاقا، واطيبهم معاشرة، والطفهم حاشية، وأقدرهم على قول الشعر، وأسرعهم في نظمه بديهة، وكان يقول الشعر طبعا، ولم يكن خبيرا بصناعته ومعانيه ومعرفته، ولمحت في أشعاره لحنا واضطرابا، ولم يزل مقيما بحلب إلى أن توفى بها في سنة خمس وثلاثين وستمائة، ودفن بمقابر الخليل إبراهيم – صلوات الله عليه – في تربةمعروفة بناصر الدين أبي بكر بن ميمون القصري – رحمه الله تعالى-.
أنشدني أبو الفوارس جهبل بم محمد بن طاهر بن نصر الله بن جهبل القريظي الكلابي الحلبي بها في رمضان سنة تسع وأربعين وستمائة، قال /89 ب/ أنشدني نوح بن أبي الفضل الدمشقي لنفسه، في غلام كان يهواه – يعتريه الصرع-:[من الطويل]
بنفسي من أضحى من الجن خائفا
…
وقد كان من ريب الحوادث في أمن
ألم يكف ما في حبه من مشارك
…
من الأنس حتى ازددت قوما من الجن
وما ذاك إلا سلطان حسنه
…
دعاهم فلبوا خائفين من السجن
جننت به عمدا وأعديتهم بما
…
جننت فأصبحنا شريكين في فنّ
وقال من قصيدة طويلة اولها: [من الكامل]
قدم الربيع ففاح طيبا نشره
…
لما تأرج في رياض عطره
ووشت على انهاره ريح الصبا
…
سحرا فهمتك بعد ستر ستره غنت
بلابله لرقص غصونه
…
طربا وصفق بالتدفّق نهره
فاشرب على زهر الربيع فإنه
…
زمن يقوم به لكلّ غدره
لا حاجة لى في الربّيع وقد بدى
…
في وجنة الرّشا المفدّى زهره
فالورد من وجناته وعذاره
…
آس ونور الأقحوانة ثغره
/90 أ/ والكأس ثغر قد ادار مدامةّ
…
فينا ولكن من رضاب خمره
في مجلس جناته قد زخرفت
…
ولدانه فيها وفيها حوره
وملحّن لو كان عاصر معيدا
…
في دهره ما شاع فينا ذكره
مازال يضرب عوده فيئنّ من
…
ألم فيندبه بسحر زمره
يا أيها الرّشا الذى في شعره
…
ليل ولكن من جبين بدره
نقّص كؤوسك قد سكرت صبابةّ
…
يكفى محبّك من غرام سكره
واعطف على صبّ بحبّك لم يزل
…
طوع الغرام وقّد عصاه صبره
وقال من أخرى: [من الطويل]
لحاظك انكى في فؤادى من النّبل
…
وما انت من قتلى بهجرك في حلّ
وإنى وإن واش إليك بزوره
…
امالك عنّى لا اميل إلى عدل
وقد لذّ لى الهجران منك لأنّنى
…
اراك به ترضى فدعنى من الوصل
وكن راحما لى من وقوفى بذلّه
…
عليك عسى ان تكتفى وقّفة الذّل
فاقسم انّى لو رأيتك عاقدا
…
لبند قباء عاد صبرى في حلّ
ومعتقل رمح القوام سنانه
…
لحاظ لها النّجلاء بالأعين النجل
/90 ب/ عدمت بوجدى فيه كل مماثل
…
كذلك بدر الدّين عار من المثل
وقال من قصيدة أخرى مبدأها: [من الطويل]
اهل بعد إقرار المدامع جاحد
…
وهل ينفع الإنكار والسّقم شاهد
وبى رشا إن رمتوصلايصدّنى
…
وإن رمت قربا منه فهو مباعد
يعاندنى طول المدى وأحبّه
…
وأعجب شيئ أن يحبّ معاند
تصّيد قلبى باللّحاظ وفى الهوى الا
…
سود لألحاظ الظّباء مصايد
نفور ولكن ذاك في الظّبى عادة
…
ومستأنس لكن عن الصّب شارد
وما زلت في حرب مع الدّهر تارة
…
تطاردنى آفاته وأطارد
ولم الق فيه غير خل ممالق
…
غبىّ وإمّا ناصح هو حاسد
فتّى إن منعت الّرفد عنه يسبّنى اعتـ .. ـسافّا وإن واسيته فهو جاحد
صبرت على حمل الشّدائد مكرها
…
ومثلى من هانت عليه الشّدائد
وقال أيضا من قصيدة أخرى: [من الخفيف]
/91 أ/ اسكرتنا شمائل لا شمول .. طاف فينا بها الغزال الكحيل
رشا سلّ من لحاظ سيوفنا
…
انا دون الورى بها مقتول
منكر قتلتى وفى صحن خدّيه
…
شهيد بها دمى المطلول
شرعه لا يقاد في الحب صب
…
وله من جمال وجه دليل
إن بدا طالعا فبدر تبدّى
…
او تثّنى فغصن بان يميل
رشا خصره ضعيف ولكن
…
حمله ردفه الكثيب المهيل
خنت فيه من بعد عهد عذولى
…
ومن الحزم ان يخان العذول
لا يملّ الغرام قلبى لأنّى
…
كاره ان يقال: قلب ملول
يا زمانى إن كان قصدك منّى
…
في عناد فإنّ قلبى حمول
كلّما رمت في المعالى نهوضا
…
ردّنى حاسد وضدّ جهول
قد قتلت الزّمان خبرا إلى ان
…
صحّ عندى عاداته التّبديل
فيعزّ الذّليل بعد انكسار
…
ويريك العزيز وهو ذليل
ولفد سقت في الفيافى قلّوصا
…
سيرها في الفلاة سير ذميل
اقطع البيدّ بالمسير لعلمى
…
انّ قطع الفلا بسعد وصول
/91 ب/ ما ترى العود إن جفا فيه طيب
…
في مقام اذاله التبذيل
وقال أيضا من قصيدة أولها: [من البسيط]
إيه حديثك عن سكّان نعمان
…
فمن حديثك قد هيّجت اشجانى
كرر علىّ احاديثا تذكّرنى
…
امام من لم يزل في القرب ينانى
نجل النّصارى إلى التّوحيد يرشدنى
…
لأنّه ماله في الحسن من ثانى
فاعجب لمن دينه التوحيد كيف غدا
…
يضلّ لولا هداه حبّ نصرانى
دقيق خصر فليس الطّرف يدركه
…
من رقّه قد حكى دينىوإيمانى
لم انسه إذ اتانى لابسا حلل السّ
…
ـواد حامل إنجيل وصلبان
يتلو زبورا فلو داوود يسمعها
…
ملحّنا، قال: هذا بعض الحانى
غدا يقرّب قربانا، فقلت له:
…
ما كنت بائع تقريب بقربان
وقّام يسعى بكأس الخمر في يده .. على النّدامى فحيّاهم وحيّانى
فقلت: دعنىفإنى قد سكرت هوى
…
حاشاك يجمع لى ما بين سكران
والله إن لم تكن لى راحما وتدع
…
عنك التّمادى في صدّى وهجرانى
/92 أ/لأشكونّ الّذى القاه من كمد
…
إلى امير له اخلاق سلطان
وقال يمدح الأمير بدر الدين أيدمر بن عبد الله الوالى: [من الكامل]
في مثل حبّك تهتك الأستار
…
وبمثل صدّك تظهر الأسرار
كم جهد قلب ساتر اسر الهوى
…
ابدا وفى سقمى له إضمار
يا عاذلى قلّ الملام فإنّ لى
…
في عشقه بعذاره اعذار
ظبى يرى أنّ الصّدود مثابه
…
والوصل يعقبه به اوزار
نجل النّصارى ليس لى في حبه
…
ابدا عليه في الورىنصار
قد حلّ صبرى في هواه صبابهّ .. مذ شدّ في وسط له زنّار
ابدا أوحّد حبّه واراه في
…
تثليث اضدادى به فأغار
لا أرتضى في حبه بمشارك
…
والشرك في دين الصّبابة عار
ضبى نفور لا يميل لعاشق
…
والظّبى عادته قلى ونفار
مالى مجير من عقوبة صدّه
…
إلا الأمير وفى حماه اجار
مولاى بدر الدّين من دانت له
…
من خوفه الأعداء والكفّار
/92 ب/ ندب به للدهر اعظم رونق
…
وعلى الزّمان جلاله ووقّار
للشعر فيك طلاوة وملاحة
…
وبمثل وصفك تحسن الأشعار
يا أيها البحر الّذى في كفّه
…
غيث على آمالنا مدرار
لمّا قدمت اللاّذقيّه اشرقت
…
بضياء وجهك في الدّجى انوار
نسخ الظّلام ضياء وجهك في الدّجى
…
طول الزّمان مع النّهار نهار
اثّرت في وجه الزّمان محاسنا
…
وبمثل فعلك تحسن الآثار
اخبار جودك دائم بين الورى
…
ابدا بها تستصغر الأخبار
والغيث انت فمذ حللت تدافقت
…
بالآّذقيّة دائما امطار
فتهنّ صوما انت فيه عيدنا
…
لمّا قدمت فحلّل الإفطار
ومنها يمدح الملك العزيز محمد بن غازى بن يوسف: [من الكامل]
حصلت علىّ من العزيز محمّد
…
نعم فسحب نوالهنّ غزار
والله لولا انتّ لم يك سيدىّ
…
للعبد عند مليكنا تذكار
فكسوتنى خلع الفخار تكرّما
…
عند الملوك وحبّذاك فخار
لازالت الأفلاك طوعك دائما
…
تجرى بما تختاره الآقدار