المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب الشرط في الطلاق - كفاية النبيه في شرح التنبيه - جـ ١٤

[ابن الرفعة]

الفصل: ‌باب الشرط في الطلاق

‌باب الشرط في الطلاق

من صح منه الطلاق- أي: بطريق الاستقلال- صح منه أن يعلق الطلاق- أي: الذي يملكه- على شرط، ومن لم يصح منه الطلاق، لم يصح أن يعلق الطلاق على شرط، وإذا علق الطلاق على شرط، وقع عند وجود الشرط- أي: واستمرار الزوجية- ولا يقع قبل وجوده وإن كان الشرط متحقق الوجود، واستأنس الأصحاب في ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم:"الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ"، وقاسوه على العتق؛ فإن الشرع ورد بالتدبير، وهو تعليق العتق بالموت، والطلاق والعتاق متقاربان في كثير من الأحكام.

قالوا: والمعنى فيه أن المرأة قد تخالف زوجها في بعض مقاصده؛ فتفعل ما يكرهه، وتمتنع عما يرغب، ويكره الرجل طلاقها من حيث إنه أبغض المباحات، ومن حيث إنه يرجو موافقتها؛ فيحصل غرضه؛ فيحتاج إلى تعليق [الطلاق بفعل ما يكرهه، وترك ما يريده، فإما أن تمتنع، وتفعل فيحصل] غرضه أو تخالف؛ فتكون هي المختارة للطلاق، هكذا قاله الرافعي، وفيما قاله مباحثات:

أحدها: أن ما ذكره من المعنى يقتضي جواز التعليق عند وجوده، أما عند عدمه فلا، ولا قائل بالفرق.

الثاني: أن كونه يكره طلاقها من حيث إنه أبغض المباحات فيه نظر؛ لأن الطلاق في مثل هذه الصورة ليس بمكروه على ما بيناه من قبل، بل قد يكون ما تفعله وتتركه من حقوق الله تعالى؛ فيكون طلاقها في هذه الصورة مستحباً، اللهم إلا أن يريد بذلك الجنس.

الثالث: أن قوله: إذا خالفت تكون هي المختارة للطلاق مبني على ما ذكره أولاً من كونه [مكروهاً]، وقد تقدم الكلام عليه.

وعلى تقدير أن يكون مكروهاً، فهو الذي سلطها عليه، فإذا فعلته قد ينسب إليه

ص: 47

الكراهة، ومما يؤيده أنه لو قال لزوجته: إذا قدم زيد فأنت طالق، فقدم في حالة الحيض، فإن الطلاق يكون بدعيّاً؛ لتعليقه.

وكذلك التعليق عند القفال.

وأما القياس على العتق، ففيه نظر من حيث إن العتق محبوب والطلاق مبغوض [من] الرب؛ وقد دل على ذلك ما أورده إسحاق في [مسند، معاذ] بن جبل أنه- عليه السلام قال: "يَا مُعَاذُ، مَا خَلَقَ اللهُ- عز وجل عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنَ الْعَتَاقِ، وَمَا خَلَقَ اللهُ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ [أَبْغَضَ إِلَيْهِ] مِنَ الطَّلاقِ"، وإذا كان كذلك، فتعليق العتق تُوسع [فيه] لكونه محبوب الرب، والطلاق ضده، ولا يحسن أن يقاس الشيء على ضده، ومثل هذا السؤال يرد على كل من يبغض الطلاق؛ إن كان مأخذه القياس على العتق.

ثم لتعلم أن التقييد بالاستقلال يحترز به عن الوكيل [إذا فوض إليه الزوج أن يطلق زوجته، وأن يعلق طلاقها على شرط، فإن الوكيل] يصح منه الطلاق، وهل يجوز أن يعلقه؟ فيه ثلاثة أوجه، تقدم ذكرها في كتاب الطلاق.

و [احترز] بالذي يملكه، عن العبد [إذا علق] الطلاق الثلاث على [صفة، ثم وجدت الصفة بعد عتقه؛ فإن الثلاثة تقع على] أحد الوجهين.

وقد يورد الوجه المقابل [له]، وهو عند بعضهم أصح على كلام الشيخ من حيث إنه لا يصح من العبد أن يوقعها في الحال، ويصح تعليقها.

وألحق المحاملي بهذه الصورة ما إذا كانت المرأة حائضاً؛ فإنه يقدر أن يعلق طلاقها على وجود السنة، ولا يقدر على إيقاعه في الحال سنياً.

و [احترز] باستمرار الزوجية، عما إذا وجد الشرط في حال البينونة؛ فإن الطلاق غير واقع.

وعما إذا أبانها، ثم جدد نكاحها، ثم [وجد الشرط] في النكاح الثاني؛

ص: 48

فإن فيه خلافاً سيأتي.

و [احترز] بالوقوع عند وجود الشرط [وإن كان متحقق الوجود؛ للتنبيه على مذهب الإمام مالك، فإن عنده أن الطلاق] المعلق [على] متحقق الوجود يقع في الحال.

وفي النهاية: أن ما يتحقق وجوده إذا ربط وقوع الطلاق به- تأقيتٌ وليس بشرط؛ فإن الشرط هو الذي [لا] يقطع بوقوعه، كذا حكاه عند الكلام في الطلاق السني والبدعي؛ فإن كان الشيخ يوافقه على هذا الاصطلاح؛ فلا يكون في قوله: عند وجود الشرط ما يفهم الاحتراز عن [مذهب] الإمام مالك، والظاهر خلافه.

تنبيه: قال في "التتمة": الشرط في تعليق الطلاق أن تكون الصفة مقرونة بكلمة الطلاق نطقاً لا يتخللهما شيء، فإن تخلل بينهما شيء، لم يتعلق به، ويحكم بوقوعه في الحال؛ ولذلك يشترط أن يكون قد عزم أن يصل كلمة الشرط بكلمة الطلاق قبل أن يتلفظ بهما، فإن لم يوجد ذلك لا يحكم بوقوع الطلاق في الظاهر، ويقع في الباطن.

وإن أحدث النية في أثناء الكلمة، فعلى وجهين. انتهى.

وقد حكينا في الباب الذي قبل هذا الباب عن مجلي ما يخالف ذلك؛ فليتأمل.

قاعدة: قال المحاملي: لا يوجد طلاق معلق بصفة دون وجود الصفة إلا في خمس صور:

أن يقول [لها]: إذا رأيت الهلال، فأنت طالق، طلقت برؤية غيرها.

وأن يقول لها: أنت طالق أمس، أو الشهر الماضي؛ [فإنها تطلق] في الحال؛ على الأصح.

وأن يقول لها: أنت طالق لرضا فلان، [فإنها تطلق] في الحال.

وأن يقول لمن لا سنة لها ولا بدعة: أنت طالق للسنة أو للبدعة.

ص: 49

وأن يقول: أنت طالق طلقة حسنة قبيحة فإنه يقع في الحال.

وفيما قاله نظر لا يخفى على متأمل.

قال: وإن قال لامرأته ولها سنة وبدعة في الطلاق: أنت طالق للسنة، طلقت في حال السنة، فإن كانت في الحال متصفة بذلك طلقت، وإلا فحتى تتصف بها، وحينئذ يقع.

وإن قال: أنت طالق للبدعة، أو: طلاق الحرج، طلقت في حال البدعة، فإن كانت في الحال متصفة بذلك طلقت، وإن لم تكن متصفة بذلك فلا تطلق في الحال، ولكن تطلق برؤية الدم، فإن انقطع قبل أن تبلغ أقل الحيض بان أنه لم يقع؛ قاله في "التتمة".

قال الرافعي: ويشبه أن يجيء فيه الخلاف المذكور فيما إذا قال: إن حضت فأنت طالق.

وتطلق- أيضاً- بالجماع قبل الحيض، ويجب عليه النزع، وسيأتي مثل ذلك والتفريع عليه في كتاب الإيلاء، إن شاء الله تعالى.

وإنما انتظرنا حال السنة، وحال البدعة إذا لم تكن متصفة بهما عند صدور اللفظ؛ لأن اللام فيما ينتظر للتأقيت، دليله قوله تعالى:{فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1]، وحالة السنة والبدعة حالتان منتظرتان يتعاقبان على المرأة تعاقب الأيام والليالي، وتتكرران [بتكرار] الأسابيع والشهور؛ فأشبه ما إذا قال: أنت طالق لرمضان، ومعناه ومفهومه: إذا جاء رمضان فأنت طالق.

وطلاق الحرج: ما خالف السنة، وأثم به، وذلك هو طلاق البدعة، والحرج: بفتح الحاء والراء.

فرع: لو قال: أنت طالق ثلاثاً للسنة، وأراد توزيع الثلاث على ثلاثة أقراء، ففي التهذيب: أنه لا يقبل في الحكم، ويدين.

وقد تقدمت حكاية وجهين عن الشيخ أبي علي في أنه هل يقبل في الحكم؟

قال الإمام: وقول القبول بعيد، [و] يخالف المذهب.

وقال في هذا الموضع: الظاهر إلحاق هذا بما لو أضمر تأقيتاً، أو تعليقاً.

ص: 50

قلت: والأقيس عنده أنه لا يدين فيهما؛ فيكون ها هنا كذلك؛ فتلخص من مجموع ذلك ثلاثة أوجه:

الثالث: يدين، ولا يقبل في الظاهر، وهو الأصح.

وفي "التتمة": أنه إذا قال ذلك من يعتقد تحريم جميع الطلقات في قرء واحد، قبل قوله في الظاهر؛ لأن تفسيره يستمر على اعتقاده.

قال: وإن قال: أنت طالق أحسن الطلاق، وأعدله، وأتمه، طلقت للسنة، وكذا إذا وصفه بصفات المدح؛ لأنه المتصف بهذه الصفات إلا أن ينوي ما فيه تغليظ عليه؛ بأن تكون في حال البدعة، وأراد به الوقوع في الحال، ووصفه بالحسن، لسوء خلقها وعشرتها، أما لو كانت في حال السنة، وأراد إيقاعه في حال البدعة؛ لما ذكر من التفسير، فلا يقبل في الحكم على الأصح، ويدين.

قال: وإن قال: أنت طالق أسمج الطلاق وأقبحه، طلقت للبدعة، وكذا كل صفة من صفات الذم؛ لأنه المتصف بهذه الصفات.

وأسمج: بالجيم، وهو القبيح.

[قال الجوهري:] سمج- بضم الميم- سماجة فهو سمج؛ كضخم فهو ضخم.

قال: إلا أن ينوي ما فيه تغليظ عليه، [أي:] بأن يكون في حال السنة، وأراد به [الوقوع] في الحال، ووصفه بالقبح؛ لأن طلاق مثلها مستقبح؛ لحسن خلقها وعشرتها.

ولو قال: أنت طالق لا للسنة، فهو كقوله: للبدعة.

ولو قال: لا للبدعة فهو كقوله: للسنة والبدعة، ولو قال: إن دخلت الدار فأنت طالق للسنة، أو: إذا جاء رأس الشهر فأنت طالق للسنة، فإن وجد الشرط وهي في حالة السنة طلقت، وإلا فحتى تنتهي إليها وحينئذ تطلق.

فرع: لو قال لها في زمان البدعة: أنت طالق طلاقاً سنيّاً، أو في زمان السنة: (أنت

ص: 51

طالق طلاقاً بدعيّاً، ونوى الوقوع في الحال- قال الرافعي:[عن التتمة] لا يقع الطلاق؛ لأن النية [إنما تعمل] فيما يحتمله اللفظ لا فيما يخالفه صريحاً، وإذا تنافيا تلغى النية، ويعمل باللفظ؛ لأنه أقوى.

قلت: ويظهر من مقتضى هذا أنه لا يقع الطلاق في الحال فيما إذا قال لزوجته: أنت طالق إن دخلت الدار، وأراد في الحال، والنقل فيها أنه يقع.

ويمكن أن يجاب عن ذلك بأن الشيخ في المهذب والرافعي صورا المسألة الثانية بما إذا قال: أردت الإيقاع في الحال، وسبق لساني إلى ذكر الدخول، وإذا كان كذلك فما قاله محتمل، وفيه تغليظ عليه، فيقبل، وهو وزان ما قرر في المسألة.

فرع آخر: لو قال: أنت طالق كالثلج، أو كالنار، فهذه الصفة لغو؛ فيقع الطلاق في الحال، [قاله في التتمة].

قال: وإن قال: أنت طالق ثلاثاً بعضهن للسنة، وبعضهن للبدعة، طلقت طلقتين في الحال، فإذا حصلت في الحالة الأخرى، وقعت الثالثة؛ لأن الشيء إذا أضيف إلى جهتين بلفظ البعض، لزمت التسوية.

قال الرافعي: ألا ترى أنه لو قال: هذه الدار بعضها لزيد، وبعضها [لعمرو، يحمل إقراره على التشطير] إذا لم تكن نية.

قلت: وها هنا أولى؛ لأن قوله: هذه الدار بعضها لزيد وبعضها لعمرو يحتمل أن يكون قد بقي منها شيء لخالد مع صدق ما أقر به، فإذا حمل على التشطير مع ما أبديناه من الاحتمال، [فلأن يحمل على التشطير هنا واللفظ ينفي هذا الاحتمال] كان أولى، وإذا حمل على التشطير كمل المبعض؛ فيقع طلقتان.

وقال المزني: تقع طلقة في الحال، وتتأخر طلقتان إلى الاستقبال؛ لأن لفظ البعض يقع على القليل والكثير، فالمستيقن وقوع الواحدة.

وجعل الحناطي والإمام وغيرهما هذا وجهاً في المذهب.

قال الرافعي: ومن صار إليه لا يكاد يسلم مسألة الإقرار، ويقول بأنه مجمل يرجع

ص: 52

فيه إليه، وكذلك أبداه الإمام.

ونقل الحناطي وجهاً ثالثاً: أنه يقع الثلاث في الحال؛ حملاً على إيقاع بعض من كل طلقة.

قال: فإن ادعى: [أنه] أراد طلقة في الحال، وطلقتين في الثاني، فالمذهب أنه يقبل؛ لأن البعض يقع على القليل والكثير حقيقة.

قال ابن يونس: ولهذا لو قال: هذه الدار بعضها لزيد، وبعضها لعمرو، ثم فسر البعض بأقل من النصف قبل.

قال: وقيل: لا يقبل في الحكم- أي: ويدين- وينسب هذا إلى ابن أبي هريرة؛ لأنه يؤخر طلقة يقتضي الإطلاق تعجيلها؛ فلا يقبل؛ كما لو قال: أنت طالق، ثم قال: أردت إن دخلت الدار.

قال الرافعي: وربما علل بأن تسمية الثنتين بعضاً من الثلاث بعيدٌ؛ لأن معظم الشيء لا يكاد يعبر عنه بالبعض، لكنه موجود فيما إذا قال: أردت طلقتين في الحال، وواحدة في الاستقبال، ومع هذا يقبل قولاً واحداً، إلا أن هناك هو مقر على نفسه بالأغلظ؛ فله يتهم.

وتظهر فائدة الخلاف فيما إذا ندم على ما فعل، وأراد أن يخالعها حتى تصير إلى الأخرى، وهي بائن؛ فتنحل اليمين ثم يعود، ويتزوجها، وقلنا: إن الخلع طلاق، فإن قلنا: الواقع في الحال طلقة أمكنه ذلك، وإلا فلا.

فروع:

لو قال: أنت طالق ثلاثاً، بعضهن للسنة، واقتصر [على ذلك] وكانت في حال السنة، قال في الشامل: يجيء على الوجه الأصح، وهو القبول فيما إذا قال: أردت طلقة في الحال، وثنتين في الاستقبال [للسنة]- أنه لا يقع في الحال إلا طلقة؛ لأن البعض ليس عبارة عن النصف، وإنما حملناه في المسألة الأولى على الشطر؛ لأنه أضاف البعض إلى الحالتين جميعاً؛ فسوينا بينهما، وها هنا لم يضف إلى الحالتين.

ص: 53

ولو قال: أنت طالق خمساً: بعضهن للسنة، وبعضهن للبدعة، ولم ينو شيئاً؛ فيتخرج على الخلاف [السابق] في أن الزيادة على المملوك من الطلاق تنصرف إلى المملوك، أو لا يتبع اللفظ؟ إن قلنا بالأول يقع في الحال طلقتان، وفي الثاني طلقة؛ تفريعاً على المذهب.

وإن قلنا بالثاني- وهو الأصح- يقع الثلاث؛ أخذاً بالتشطير والتكميل.

ولو قال: [طلقة للسنة والبدعة، أو طلقة] حسنة قبيحة، وقعت في الحال.

ولو قال: أنت طالق طلقتين: طلقة للسنة، وطلقة للبدعة، يقع في الحال طلقة، وأخرى في [الحالة] الثانية.

ولو قال: طلقتين للسنة والبدعة، فوجهان:

أصحهما [على] ما حكاه في التهذيب: أنه يقع الطلقتان في الحال؛ لأن قوله: للسنة والبدعة وصف للطلقتين في الظاهر، والصفتان متناقضتان؛ فتساقطتا، وبقيت الطلقتان، وهذا كما لو قال: ثلاثاً للسنة والبدعة؛ فإنه يقع الثلاث [في الحال] ولو قال: أنت طالق لا للسنة ولا للبدعة، وقع الطلاق في الحال.

قال: [وإن قال لامرأة لا سنة لها ولا بدعة: أنت طالق للسنة، أو: أنت طالق للبدعة، طلقت]، طلقت في الحال؛ لأن اللام وضعها للتعليل، وإنما تستعمل [في] الوقت إذا قرنت بذكر الوقت، أو قرنت بما يمر ويجري جريان الوقت، ولم يوجد واحد منهما، فحملت على التعليل، وسيأتي نظير ذلك، إن شاء الله تعالى.

ووجه بعض الأصحاب المسألة الأولى بأن السني هو الذي لا تحريم فيه، وأنه كذلك؛ وهذا مبني على تفسير السني بالجائز، والأول مبني على غيره من التفاسير.

وعلى الأول لو قال: أردت التأقيت، قال الرافعي: هو كما لو قال: لرضا فلان، والحكم فيه: أنه يدين، ولا يقبل منه في الظاهر؛ على [الأصح].

وفي النهاية: أنه يدين، ولا يقبل منه في الظاهر، وإن حكى في مسألة رضا فلان الوجهين.

ص: 54

وعن حكاية الشيخ أبي علي في المسألة الثانية: أنه يحمل الأمر على التأقيت، وينتظر مجيء حالة التحريم بأن تحيض الصغيرة، ويدخل بغير الممسوسة.

وفي شرح مختصر الجويني، والرقم للعبادي: أن ابن القطان حكى عن ابن الوكيل أن الطلاق لا يقع؛ لتعلقه بصفة لا توجد؛ فأشبه ما لو قال: أنت طالق إن صعدت السماء.

قال الرافعي: وهذا يطرد في قوله: للسنة.

فرعان:

أحدهما: لو صرح بالوقت، فقال: أنت طالق لوقت السنة، أو: لوقت البدعة، قال في البسيط: إن لم ينو شيئاً، فالظاهر وقوع الطلاق في الحال، وإن قال: أردت التأقيت المنتظر، فيحتمل أن يقبل؛ لأن تصريحه بالوقت يكاد يلحقه بالمواقيت؛ فيتأمله الناظر فلا يقبل فيه.

قال مجلي: ويحتمل أن يقال: إن كانت ممن لا يتأتى في حقها ذلك كالآيسة، فتصريحه بالوقت كعدمه؛ [إذ لا] يتأتى [في] حقها ذلك؛ فيقع في الحال، وتكون اللام للتعليل.

وإن كانت ممن ينتظر ذلك في حقها: كالصغيرة، والحامل، وغير المدخول بها إن كانت ممن تحيض [أو] ينتظر حيضها، فإن قصد التعليل وقع في الحال، وإن قصد التأقيت حمل عليه.

ومن أصحابنا من قال: لا يقبل منه حكماً، ويدين فيه؛ حكاه ابن الصباغ.

وإن لم يكن له قصد، فيحتمل إجراء قولين؛ كمن كرر لفظ الطلاق من غير قصد.

ووجه التردد أن اللفظ يقتضي التأقيت، وحكم المخاطبة بذلك يدفعه، ويقتضي التعليل؛ فلذلك وقع التردد.

الثاني: إذا قال لها: أنت طالق للسنة، إن كنت في هذا الحين ممن يقع عليك طلاق السنة، أو: للبدعة إن كنت ممن يقع عليك طلاق البدعة، فقد قال الشافعي في

ص: 55

الأم: وقع عليها الطلاق في الحال؛ لأنه وصفها بصفة محال فلغت.

قال القاضي: وفيه نظر.

وقال الشيخ أبو حامد: فيما علق عنه: [إنه] لا يقع [الطلاق]؛ لأن الشرط ليس بموجود كقوله: إن كنت علوية فأنت طالق، ولم تكن علوية [وتخالف الصفة؛ لأن الصفة تلغو إذا لم تتصف بها].

قال الشيخ أبو نصر: ولما قاله الشافعي عندي وجه، وهو أن قوله: أنت طالق إن كان يقع طلاق السنة يقتضي طلاقاً مضافاً إلى السنة، وهو يقع عليها، وقوله: وصفها بصفة محال، يريد: أنه إذا قال [لها]: أنت طالق للسنة، فإنه يقع وتلغو الصفة.

قال: وإن قال: أنت طالق في كل قرء طلقة- أي: وهي مدخول بها من أهل الأقراء- طلقت في كل طهر طلقة- أي: ولا تطلق في الحيض وإن كان يسمى قرءاً لغة- لأن الأقراء الوارد بها الشرع عندنا هي الأطهار؛ على ما سيأتي بيانه في العدد [إن شاء الله تعالى، وإذا كان كذلك، وجب حمل اليمين عليها؛ وهذا] بخلاف ما لو قال [لها]: إن رأيت عيناً فأنت طالق، فإنها تطلق على رأي بأي عين رأتها؛ لأن الشرع لم يستعمل العين في شيء بعينه وترك ما عداه؛ حتى ينزل اليمين عليه؛ وهذا ما رجحه الإمام في مسألة العين في كتاب التدبير بعد حكاية التردد في الوقوع.

ومقابل الوقوع: أنها لا تطلق مالم تر جميع ما يطلق عليه مسمى العين، ومن جملة ذلك أحد الأخوين من أب وأم؛ كما حكاه الإمام ثَمَّ.

أما إذا كانت غير مدخول بها؛ فإنه يقع عليها في الحال طلقة، وتبين بها سواء كانت طاهراً أو حائضاً؛ هكذا قاله الشيخ أبو حامد.

وقال القاضي أبو الطيب: إن كنت حائضاً، لم تطلق حتى تطهر؛ وهذا ما حكاه القاضي الحسين والإمام ومن تابعه، وفي "التتمة" والرافعي: أنه المشهور.

وإذا وقع الطلاق، ولم يتزوجها حتى مضى قرءان آخران، ثم تزوجها، لم يلحقها طلاق على الأصح؛ خلافاً للإصطخري.

ص: 56

وإن تزوجها قبل ذلك، انبنى على عود الحنث، وسيأتي [إن شاء الله تعالى].

وأما إذا كانت صغيرة، أو آيسة لم تحض قط، فينبني حكم الطلاق على أن القرء طهر يحتوشه دمان، أو هو الانتقال من الطهر إلى الحيض؛ وفيه خلاف سيأتي.

فإن قلنا بالأول، فلا تطلق حتى تحيض، [ثم تطهر].

وإن قلنا بالثاني، فالذي أطلقه العراقيون، وصاحب التهذيب، وغيرهم: أنه يقع في الحال طلقة.

وفي "التتمة": أنه يؤمر الزوج باجتنابها؛ لأن الظاهر أنها ترى الدم، فإن رأته بان وقوع الطلاق، وإن ماتت ولم تره؛ ماتت على النكاح، هذا ما حكاه الرافعي.

وفي النهاية: أن الذي عليه الأصحاب: أنه لا يقع في الحال، ولكن إذا حاضت هل يتبين وقوع الطلاق عليها باللفظ السابق؟ فعلى وجهين، فينبني على أن القرء ماذا؟ فإن قلنا: إنه الانتقال من الطهر إلى الحيض، بان وقوع الطلاق، وغلا فلا.

وحكى القاضي الحسين في التعليق بعد أن قال: يقع الطلاق في الحال: أنه قال في متن الكتاب: لا يختلف المذهب في أنه لا يقع عليها شيء قبل أن تحيض، وساق ما ذكره الإمام.

وإذا قلنا بوقوع الطلاق في الحال، فلو لم تحض، ولم يراجعها حتى مضت ثلاثة أشهر، بانت بطلقة.

وعن صاحب التقريب حكاية وجه غريب: أن الأقراء في [حق] الصغيرة محمولة على الأشهر؛ لأنها بدل الأقراء في حقها؛ فعلى هذا تطلق في كل شهر طلقة.

وحكم الآيسة حكم الصغيرة في وقوع الطلاق.

وإن قلنا: [إن] القرء: عبارة عن الانتقال تقع في الحال طلقة.

وإن قلنا: عبارة عن طهر يحتوشه دمان فلا يقع؛ هكذا حكاه الرافعي عن أبي الفرج.

ص: 57

قلت: وفيه نظر؛ لأن من قال: إن القرء: عبارة عن الانتقال، أراد الانتقال من الطهر إلى الحيض [وها هنا لم يوجد ذلك، بل وجد عكسه.

نعم: هذا يعضده ما أبداه الرافعي احتمالاً من عند نفسه: أنه يقتضي الاشتقاق وقوع الاسم على الانتقال من الحيض إلى الطهر؛ كوقوعه على الانتقال من الطهر إلى الحيض]؛ على ما حكاه في العدد.

ثم الوجه الذي حكاه صاحب التقريب في الصغيرة جار في الآيسة- أيضاً- صرح به في الذخائر.

وإذا قلنا بعدم وقوع الطلاق عليها في الحال، وهو ما حكاه في "التتمة"، فلو حاضت من بعد ذلك على ندور، تبين وقوع الطلاق- قال الإمام-: بلا خلاف.

قال في "التتمة": [و] على الزوج أن يجتنبها بعد اليمين وقبل رؤية الدم؛ لأن من الجائز أن يعود الدم؛ فيتبين أنها كانت مطلقة من وقت اللفظ.

قلت: وما قاله فيه نظر؛ من حيث إن الظاهر عدم العود، والأحكام تناط بالظاهر، وليس كما حكيناه عنه في [حق] الصغيرة؛ لأن الظاهر [ثم]: أنها ترى الدم؛ فرتب الحكم على الظاهر، ولا يقال: الأصل في الأبضاع التحريم، فإذا طرأ ما يتوقع به التحريم، رجع إلى الأصل؛ لما سيأتي- إن شاء الله تعالى- فيما إذا قال: أنت طالق قبل قدوم زيد بشهر؛ فإن الزوج لا يمنع من وطئها وإن مضى شهر من وقت اليمين وإن كان ما من زمن بعد مضي شهر إلا ويحتمل أن يقدم زيد فيه، ويتبين أنها كانت مطلقة في وقت الوطء.

ثم لتعلم: أن الظاهر عند الأئمة- على ما حكاه الرافعي- وقوع الطلاق على الصغيرة والآيسة في الحال، لكن يلزم على مقتضى البناء المتقدم أن يكون الظاهر: أن القرء: عبارة عن الانتقال، والأصح خلافه، وقد نبه على ذلك الرافعي في العدد.

قال: وإن كانت حاملاً، لم تطلق في حال الحمل أكثر من طلقة حاضت [على الحمل] أو لم تحض.

أما إذا رأته، وقلنا: إنه ليس بحيض [أو لم] تره؛ فلأنه لم يوجد سوى

ص: 58

مسمى قرء واحد.

وأما إذا رأت الدم، وقلنا: إنه حيض، ووضعت قبل وجود الطهر؛ فلما قدمناه أيضاً.

وأما إذا وجد الطهر بعد الحيض؛ فلأن الظاهر من قوله: في كل قروء: أنه يريد الأقراء التي تنقض بها العدة، وليس هذه كذلك.

وحكى المراوزة وجهاً: أن الطلاق يتكرر بتكرر الأطهار إذا قلنا: إن الدم الذي تراه [الحامل] حيض، كما لو قال لمن تحيض: أنت طالق في كل شهر طلقة.

وفي النهاية: أنه الأقيس، والمذهب الأول، لكن متى تطلق؟ ينظر:

إن كانت طاهراً، ولم تحض قط، ففي الحال.

وفي "التتمة" حكاية قول في التي لم تحض قط، وكان بلوغها بالحمل: أنها [لا تطلق في حال الحمل، وإنما تطلق عند الطهر من النفاس، وهو مبني على أن القرء: عبارة عن طهر محتوش بدمين.

وإن كانت حائضاً فعند الشيخ أبي حامد: أنه يقع الطلاق في الحال- أيضاً- لأن زمان الحمل كالقرء الواحد.

وقال القاضي أبو الطيب: لا يقع حتى تطهر من الحيض، وهذا هو الأشبه عند الحناطي والصحيح في "التتمة"، وبه جزم في النهاية.

وفي الذخائر: أن أصحابنا قالوا: إنه ليس [بشيء].

وقال ابن الصباغ: إن الأول أقيس، واستدل على فساد كلام القاضي.

وحكى الحناطي وجهاً: أنا وإن لم نجعله حيضاً فلا تطلق إذا رأته حتى تطهر منه.

فرع: لو قال: أنت طالق في كل طهر طلقة، فإن قلنا: إن الدم الذي تراه الحامل حيضاً، فإن كانت في الحال طاهرة، طلقت طلقة، ثم تتكرر في كل [طهر] طلقة.

ص: 59

وإن قلنا: [إنها] لا تحيض، وقع في الحال طلقة، ولا يقع ما سواها.

قال: وإن قال: إن حضت فأنت طالق، طلقت برؤية الدم- أي: في زمن إمكان الحيض- لأن الظاهر أنه دم حيض؛ ولذلك أمرت بترك الصلاة، والصوم، ومنع الزوج من الوطء، لكن إن انقطع قبل أن تبلغ أقل الحيض، ولم يتعد إلى خمسة عشر يوماً، فيتبين أن الطلاق لم يقع.

وقيل: لا يحكم بوقوعه بأول رؤية الدم؛ لأنه قد يكون دم فساد، فإذا بلغ أقل الحيض تبين وقوع الطلاق من أول الطروء؛ وهذا ما رجحه الإمام، ولم يحك القاضي الحسين في التعليق سواه، وفرع الإمام عليه فقال: إذا رأت الدم، فهل يجب التحرز عن الاستمتاع بها ناجزاً؟ هو كما لو قال: إن لم تكوني حاملاً فأنت طالق، وسيأتي حكم ذلك- إن شاء الله تعالى.

والأول هو الأظهر، ولم يورد الجمهور سواه.

فإن قيل: من جملة شرائط الحيض ألا يزيد الدم على خمسة عشر يوماً كما أن من شرطه ألا ينقص عن يوم وليلة، وقد اعتبرتم على قول تحقق الشرط الثاني، بخلاف الأول؟

قلنا: إنما اعتبرنا تحقق [الشرط الثاني] لجواز أن ينقطع لدون اليوم أو اليوم والليلة؛ فلا يكون شيء منه حيضاً، وأما الزيادة على [الخمسة عشر يوماً فهي لا] تخرج الدم بجملته عن أن يكون حيضاً، بل قد تحقق أن لها من جملته حيض، فلا جرم أنا لم نعتبره.

نعم، قد يتجه السؤال فيما إذا بدأ بها دم ضعيف، فإنه يحتمل أن يطرأ عليه دم قوي، ويجاوز الخمسة عشر؛ فلا يكون الدم الضعيف حيضاً، وحينئذ فيصير كانقطاعه لدون يوم وليلة، والله أعلم.

فرع: لو قال لها في أثناء حيضها: إن حضت فأنت طالق، منقول المذهب أنها لا تطلق حتى تطهر، ثم تحيض كما لو قال لها والثمار مدركة: إذا أدركت الثمار فأنت

ص: 60

طالق، فإن هذا يقتضي تعليق الطلاق بإدراك لاحق.

وقال ابن الصباغ: الذي يقتضيه قياس [المذهب] أن الدم إذا استمر بها بعد التعليق ساعة يقع الطلاق، ويكون دوام الحيض حيضاً.

وفي الرافعي: أن صاحب "التتمة" حكاه وجهاً، ويؤيده ما سنذكره- إن شاء الله تعالى- في الأيمان: أن استدامة الركوب واللبس ركوب ولبس؛ لأجل [أنه يقال ركبته ولبسته] عشراً، بخلاف الطيب؛ وهذا المعنى موجود ها هنا؛ لأنه يقال: حاضت عشراً والله أعلم.

قال: وإن قال: إن حضت حيضة فأنتِ طالق لم تطلق حتى تحيض، وتطهر؛ لأنه علقة بتمام الحيض؛ وهكذا علله الرافعي، وزاد عليه فقال: وحينئذ يقع سنيّاً، فإن صح ما وقفت عليه من النسخ هكذا، ففيه نظر؛ من حيث إن الطلاق إنما يقع بعد وجود الشرط أو معه، والشرط هنا وجود الحيضة بكمالها.

فلو وقع بطريق التبين، لوقع قبل وجود شرطه، فلعل هذا من الناسخ، ومما يؤيد ذلك أنه قال من بعد: لو قال: كلما حضت حيضة فأنتِ طالق، طلقت ثلاثاً في انتهاء ثلاث حيض مستقبلة، وتكون الطلقات سنية، فلو كان الطلاق يقع بطريق التبين لم تكن الطلقات سنية.

ص: 61

قال: فإن قالت: حضت، وكذبها- فالقول قولها مع يمينها؛ لأنها أعرف بحيضها، ويتعذر [عليها] إقامة البينة عليه، فإن الدم وإن شوهد لا يعرف أنه حيض، بل يجوز أن يكون استحاضة؛ هكذا قاله الرافعي، وفيه نظر؛ من حيث إن [دم] الحيض له صفات يتميز بها عن غيره كما [هي مذكورة] في كتاب الحيض، وإذا كان كذلك فلا تتعذر إقامة البينة عليه، وقد صرح بذلك ابن الصباغ كما [سيأتي] حكايته في الباب- إن شاء الله-[و] في كلام الإمام في كتاب اللعان عند الكلام في النزاع في بلوغ المقذوفة وصغرها إشارة إلى شيء من ذلك؛ فإنه قال: ليس يبعد إقامة البينة على الحيض؛ فإن نسوة لو رأت نفوذ الدم في أول وقت إمكان البلوغ، [ثم تمادى] الدم إلى انقضاء أقل الحيض- فيمكن اللعان لكن على عسر.

والمذكور في "التتمة" من التعليل: أن الزوج لما علق طلاقها بحيضها مع علمه بأنه لا يعرف إلا من جهتها كان راضياً بأمانتها، وقول الأمين إذا عري عن التهمة يقبل وها هنا لا تهمة، لأنها تسقط [بما] تدعيه حقوقها عن الزوج.

قال الرافعي: وكذلك الحكم فيما لا يعرف إلا من جهتها كما إذا قال: إن أضمرت بغضي فأنت طالق، فقالت أضمرته، تصدق بيمينها، ويحكم بوقوع الطلاق.

قلت: ووراءه أمران:

أحدهما: قد تقدم فيما إذا اختلف الزوجان في النية عند تفويض الطلاق إليها بالكناية، فقالت: نويت، وقال الزوج: ما نويت- حكاية قول أن القول قول الزوج، وإن كانت النية لا يطلع عليها؛ استبقاء للنكاح مع أن الأصل عدم النية؛ فكان يتجه أن

ص: 62

يجري مثله هنا.

الثاني: سيأتي- إن شاء الله تعالى- في باب الاستبراء أن السيد إذا ادعى استبراء الأمة بالحيض، وأنكرت الأمة وجود الحيض: أن القول قول السيد مع أنه لا يطلع على ذلك إلا من جهتها؛ فكان يتجه أن يكون القول قولها؛ لما ذكرناه أولاً، ولأنه يعتضد بالأصل.

أو يكون القول قول الزوج هنا كما هو ثم، والله أعلم.

فرع: لو قال لها: إن ولدت فأنت طالق، ثم قالت:[ولدت، فقال:] ما ولدت، وهذا الولد مستعار، ففيه وجهان:

أحدهما: يحكي عن أبي حامد أنها تصدق بيمينها كما في الحيض، وبه قال ابن الحداد.

وأصحهما: المنع، وتطالب بالبينة؛ كما في سائر الصفات؛ هكذا حكاه الرافعي والإمام في كتاب اللعان [عند الكلام] في إنكار الزوج الولادة.

وفي الشامل نسبة الوجه الأول إلى رواية القاضي أبي الطيب عن الأصحاب، ونسبة الثاني إلى الشيخ أبي حامد.

وأجرى [الغزالي] الخلاف فيما لو قال لها: إن زنيت فأنت طالق، فقالت: زنيت، لكن الأصح أنه لابد من إقامة البينة على الزنا؛ وإن كان في "الوسيط" أن الظاهر خلافه.

قال: وإن قال: إن حضت فضرتك طالق، فقالت: حضت، فكذبها، فالقول قوله، ولا تطلق الضرة؛ لأنه لا سبيل إلى قبول قولها من غير يمين، وإن حلفناها كان التحليف لغيرها؛ فإنه لا تعلق للخصومة بها، والحكم للإنسان بحلف غيره محال.

وإن صدقها طلقت الضرة.

ولو قال: أنا أجوز أن تكون صادقة، وأجوز أن تكون كاذبة، ويغلب على ظني صدقها- لم يحكم بوقوع الطلاق [ولا مستند لتصديقه إلا إخبارها وغلبه الظن

ص: 63

بصدقها، فهلا] حكمتم بوقوع الطلاق هنا ولم تحكموا بوقوعه عند التصديق.

قلنا: قد حكى الإمام في الفروع: أنه سمع أكابر [علماء] العراق يحكون عن القاضي أبي الطيب: أنه حكى عن الشيخ أبي حامد تردداً في الحكم بوقوعه عند التصديق.

فإن قلنا بعدم الوقوع، فقد استوت المسألتان.

وإن قلنا بالوقوع وهو ما أطبق الأصحاب عليه، وادعى الإمام: أنه تتبع طرقاً منقولة عن الشيخ أبي حامد فلم يجد سواه، فالفرق أن من الأشياء ما يعلم أن المستند في الإخبار به أمين، وإذا أخبر [به] قبل، ولو أخبر بمستنده لم يقبل، ومثاله الشهادة بالملك تسمع من غير بيان السبب، ولو شهد بالمستند دون الملك، لم يسمع [وكذلك] الرضاع: لو شهد بما شاهده من غير تعرض لكون أن [ما] بينهما رضاع محرم لم يثبت، بخلاف ما لو شهد بالرضاع؛ وهذا من هذا القبيل؛ فاندفع السؤال.

ولأن الإقرار حجة شرعية كاليمين، واليمين قد تستند إلى قرائن تفيد الظن القوي كما تحلف المرأة على نية الرجل في كنايات الطلاق؛ فكذلك لا يبعد أن يستند الإقرار إليها فيحكم به، والله أعلم.

ولا فرق فيما ذكرناه بين أن تصدقها الضرة أو تكذبها.

وكذلك الحكم فيما لو علق طلاق زوجته بحيض أجنبية، فقالت: حضت، وكذبها الزوج في عدم وقوع الطلاق، وقد صرح به مجلي والإمام وغيرهما، وبه يندفع وهم من يعتقد أنا إنما لم نحكم [بوقوع الطلاق] في مسألة الفصل؛ لأن الضرة متهمة.

ولو قال: إذا حضت فأنت وضرتك طالقتان، فقالت: حضت، وكذبها [الزوج]

ص: 64

فتصدق بيمينها، ونوقع الطلاق عليها، ولا نوقعه على الضرة؛ كما لو ادعى أحد الوارثين بدين انتقل إليه بالإرث، وحلف مع شاهد أقامه، فإنه يثبت حقه بيمينه، ولا يثبت نصيب الوارث الآخر.

وعن صاحب التقريب [رواية وجه]: أنه يقع على الضرة أيضاً.

قال: وإن قال لامرأتين: إن حضتما فأنتما طالقتان، لم تطلق واحدة منهما حتى تحيضا؛ لأن طلاق [كل] واحدة منهما معلق بحيضهما جميعاً، ولا فرق في ذلك بين أن تقع الحيضتان معاً، أو إحداهما بعد الأخرى.

فإن قالتا: حضنا، فصدقهما، طلقتا؛ لاعترافه بتحقق الشرط، وهذا هو المشهور، وفيه التردد المنقول عن الشيخ أبي حامد.

قال: وإن كذبهما، لم تطلق واحدة منهما؛ لأن طلاق كل واحدة [منهما] معلق على وجود شرطين، ولم يوجد أحدهما.

قال في الشامل ها هنا: إلا أن تقيم البينة بحيضها فيقع عليهما الطلاق.

وقال- أيضاً- في الخلع: إذا كذبهما، فأقامت كل واحدة منهما على حيضها أربع نسوة، ثبت، وطلقتا، وهذا مخالف لما حكيناه عن الرافعي من قبل.

وعلى تقدير [تسليم] جواز إثبات الحيض بالنسوة ينبغي ألا يقع الطلاق المعلق [عليه]؛ لأن الطلاق لا يثبت بشهادتهن، [وليس] كما إذا [شهدت النسوة بالولادة؛ فإن النسب والميراث يثبتان وإن لم يثبتا بشهادة النسوة ابتداءً]؛ لأنهما من توابع الولادة وضروراتها بخلاف الطلاق مع الحيض، وقد صرح بمثل ذلك الرافعي والغزالي في كتاب الشهادات فيما إذا قال: إن ولدت فأنت طالق، وثبتت ولادتها بأربع نسوة، فإنه لا يقع الطلاق، وإن ثبت النسب، والفرق ما ذكرناه.

نعم: ما ذكره ابن الصباغ يوافق وجهاً حكاه الإمام عند الكلام في الجنايا من كتاب الجنايات فيما إذا قال: إن كنت غصبت فأنت طالق، فأقامت [بينة] على الغصب شاهداً وامرأتين- أنه يقع الطلاق، والأظهر فيها عدم الوقوع.

ص: 65

قال: وإن صدق إحداهما، وكذب الأخرى، طلقت المكذبة [ولم تطلق المصدقة] لثبوت الشرطين في حقها، أما ثبوت حيض ضرتها فبتصديقه، وأما حيضها فبيمينها.

قال: ولم تطلق المصدقة إذا لم يثبت حيض صاحبتها في حقها؛ لتكذيبه، ويجيء [على] ما نقل عن صاحب التقريب أنها تطلق أيضاً.

قال: وإن قال: إن حضتما حيضة، فأنتما طالقتان، لم يتعلق بهما طلاق- أي: وإن حاضتا- لأنهما إذا حاضتا حصلت حيضتان، ويستحيل أن يحيضا حيضة واحدة.

قال: وقيل: إذا حاضتا طلقتا؛ لأن الاستحالة نشأت من قوله: حيضة فيلغى، ويبقى التعليق بمجرد حيضهما؛ فيقع عند وجوده؛ وهذا هو الأظهر في الرافعي، والمذهب في تعليق البندنيجي.

ويجيء عليه الخلاف المتقدم في أنهما تطلقان برؤية الدم، أو لابد من [مضي] يوم وليلة.

وقال الإمام في تعليل هذا القول: يحتمل أن يراد به إذا حاضت كل واحدة منهما حيضة، وهو السابق إلى الفهم من مثل هذا القول؛ فينزل عليه؛ تصحيحاً للكلام.

قال الرافعي: وقضية هذا الكلام وقوع الطلاق عند تمام الحيضتين.

وفي ابن يونس أن الشيخ أبا حامد قال في التعليق: يقع الطلاق عليهما في الحال، كما لو قال لمن لا سنة لها ولا بدعة: أنت طالق للسنة، أو للبدعة.

ويتلخص من مجموع ما ذكرناه خمسة أوجه:

أحدها: عدم وقوع الطلاق حالاً ومآلاً.

والثاني: الوقوع في الحال، وهو يشابه وجهاً سيأتي فيما إذا قال [لزوجته]: إن طرت، أو صعدت السماء فأنت طالق.

ص: 66

والثالث: يقع الطلاق عليهما برؤية الدم.

والرابع: بعد مضي يوم وليلة [تَبَيُّناً].

والخامس باستكمال الحيضتين، ولو قال لهما: إن ولدتما [ولداً][فأنتما طالقتان] فعند صاحب التلخيص: أنه يلغو، ولا يقع الطلاق بحال.

وعن غيره: أنه كما لو قال: إن ولدتما، [ويحمل قوله: ولداً على ذكر الجنس.

قال أبو عبد الله الحناطي: فأما إذا قال: إن ولدتما] ولداً واحداً فأنتما طالقتان، فإنه محال، ولا يقع الطلاق.

وعلى الوجه الذي يقول: إذا علق الطلاق بمحال يقع في الحال، يقع ها هنا: وَلَدتا أَوَ لمْ تَلِدَا؛ هكذا حكاه الرافعي.

قلت: [ويتجه] أن يجري هذا الوجه فيما إذا قال: إن ولدتما ولداً؛ كما حكيناه عن الشيخ أبي حامد في قوله إن حضتما [حيضة].

قال: وإن قال لأربع نسوة: أيتكن حاضت فصواحباتها طوالق، فقلن: حضن؛ وكذا لو قال: كلما حاضت واحدة منكن فصواحباتها طوالق، فقلن: حِضنا؛ فإن صدقهن، طلقت [كل] واحدة منهن ثلاثاً؛ لأنه جعل حيض كل واحدة منهن صفة لطلاق البواقي، ولكل واحدة ثلاث صواحب، وقد حضن؛ فتطلق ثلاث طلقات.

وإن كذبهن لم تطلق واحدة منهن؛ لأن كل واحدة منهن لا يقبل قولها في حق غيرها؛ لما قدمناه.

وإن صدق واحدة طلقت المكذبات طلقة [طلقة]؛ لأن لكل واحدة منهن صاحبة ثبت حيضها، ولم تطلق المصدقة؛ لأنه ليس لها صاحبة ثبت حيضها.

وإن صدَّق اثنتين طلقت كل واحدة من المكذبتين طلقتين؛ لأن لكل واحدة منهما صاحبتين، ثبت حيضهما، [وطلقت كل واحدة من المصدقتين طلقة؛ لأن

ص: 67

لكل واحدة منهما صاحبة واحدة ثبتت حيضتها] وإن كذب واحدة، طلقت المكذبة ثلاثاً؛ لأن لها ثلاث صواحب ثبت حيضهن، وطلقت كل واحدة من المصدقات طلقتين؛ لأن لكل واحدة منهن صاحبتين ثبت حيضهما.

ويجيء على ما نقل عن صاحب التقريب: أن يطلقن ثلاثاً ثلاثاً.

ولو قال لأربع نسوة إن حضتن فأنتن طوالق، فقلن: حضنا، فإن صدقهن، طلقن واحدة [واحدة].

وإن كذبهن لم يطلقن.

وإن كذب واحدة، طلقت طلقة دون الباقيات.

وإن كذب أكثر من واحدة، لم تطلق واحدة منهن.

تنبيه: النسخ كلها: [فصواحباتها] بالألف وتاء، وهي لغة، [والجيد صواحبها بحذفهما]: كضاربة، وضوارب.

قال: وإن قال: إن كنت حاملاً فأنت طالق، أي: وهي ممن يمكن أن تحمل، ولم يكن استبرأها قبل ذلك، حرم وطؤها حتى يستبرئها؛ لأن الأصل عدم الحمل.

ويروي عن القفال: أنه لا يحرم؛ لأن الأصل بقاء النكاح، والطلاق [المحرم] مشكوك فيه.

قال: بثلاثة أقراء- أي: إذا كانت حرة- لأنه تربص في حق حرة منكوحة؛ فأشبه العدة.

وقيل: يطهر؛ لأن القصد معرفة براءة الرحم؛ فلا يزاد على قرء واحد، واستبراء الحرة لا يجوز إلا بالطهر؛ فوجب أن يكون بطهر.

وقيل: بحيضة؛ لأن القصد من هذا الاستبراء معرفة براءة الرحم، والذي يعرف به براءة الرحم هو الحيض، ويخالف العدة؛ لأنه لابد وأن يتخللها الحيض.

وفي المهذب [حكاية] طريقة أخرى: أنها لا تستبرأ إلا بثلاثة أقراء، وإن جرى الخلاف في المسألة التي تليها؛ لأنه استبراء حرة؛ لأجل الطلاق؛ فلا يجوز بما

ص: 68

دون ثلاثة أقراء، كالاستبراء في سائر المطلقات، وفي المسألة التي تأتي الاستبراء لاستباحة الوطء؛ فأشبه الأمة.

وبعض الأصحاب جعل الخلاف المتقدم ذكره في أنها تستبرأ بطهر أو بحيضة؟ مأخذه الاختلاف في استبراء الأمة.

والصحيح فيه عند الإمام أن استبراء الأمة يكون بالحيض، وسيأتي الكلام فيه، وكذلك في أن بقية الطهر أو الحيض هل يكتفي به؟

أما لو كانت الزوجة ممن لا يمكن [أن] تحمل كالصغيرة التي لم تراهق، فلا استبراء في حقها، ولكن يحكم بوقوع الطلاق في الحال؛ لتحقق الحيال.

ولو كانت مراهقة؛ فيمكن أن تحمل، ولابد من الاستبراء، ولكن بماذا؟ قال الرافعي: يشبه أن يقال: إن قلنا: إن الاستبراء بثلاثة أقراء، [فالاستبراء بثلاثة] أشهر في حقها.

وإن قلنا: بقرء، فاستبراؤها بشهر واحد أو أشهر؟ فيه خلاف؛ كما في استبراء الأمة.

والأظهر من الخلاف هناك: أنها تستبرأ بشهر واحد.

والموجود في التهذيب ها هنا حكاية عن القفال: أنه ينتظر مضي ثلاثة أشهر: حرة كانت أو أمة؛ لأن الحمل لا يظهر في أقل منها.

قال: فإن بان أنها حامل- أي: بالاستبراء بما ذكرناه-[طلقت]؛ لوجود لاشرط.

وفي النهاية: أن الذي ذهب إليه المحققون: أنا نحكم بوقوع الطلاق عند مضي ثلاثة أقراء تبيُّناً.

وإذا مضى قرء واحد، فهل يحكم بوقوع الطلاق؟ فعلى وجهين.

ثم قال: وكان من الممكن أن نأمرها بالتربص إلى انقضاء مدة أكثر الحمل، ولا يقع الطلاق بمضي ثلاثة أقراء؛ لأنه لا يفيد إلا الظن.

وقد وجدت لشيخنا ما يدل على ذلك، وعلله بأن الصفات المعلق عليها يعتبر فيها اليقين، ألا ترى أنه [لا فرق] بين أن يقول: إن [قدم زيد فأنت طالق، وبين أن

ص: 69

يقول: إن] استيقنت قدوم [زيد]؟

ولو علق على تحقق براءة الرحم، لم يقع بمض الأقراء؛ فكذلك إذا أطلق.

وفي الذخائر: أن الطلاق يقع، وحكاية وجهين عن الحلية في أنها هل تحل للأزواج بمضي الأقراء أو لا تحل حتى تمضي أكثر مدة الحمل؟

وأجاب عما أورده الإمام بأن مطلق الألفاظ يحمل على ما تقرر في الشرع، والمتقرر في الشرع ها هنا: أن السبيل إلى معرفة ذلك وعدم معرفته هو وجود الحيض وعدمه، والمتحصل عن ذلك غلبة الظن لا غير؛ فحمل مطلق اللفظ عليه، يؤكده أنه لا سبيل إلى التحقق في مثل هذا المقام في غالب الأمر؛ فتعين الصرف إلى الوجه الممكن، وصار معنى قوله: إن كنت حائلاً فأنت طالق، كقوله: إن برئت رحمك فأنت طالق، وقد حصل؛ بخلاف قدوم زيد ونحوه؛ فإن اليقين ممكن الوصول إليه، ولا عرف لمثله في الشرع؛ فحمل الحكم على مقتضى اللفظ.

قال: واحتسب ما مضى من الأقراء من العدة؛ لأن الطلاق يقع عند التعليق بطريق التبين؛ فكان ما بعده محسوباً من العدة.

تنبيه: إطلاق الشيخ- رضي الله عنه هذا الكلام يعرفك: أنه لا فرق بين مضي ثلاثة أقراء أو دونها في وقوع الطلاق؛ إذ لو كان عنده لا يقع إلا بمضي ثلاثة أقراء، لقال: انقضت العدة، وقد تقدم ما قيل فيه.

قال: وإن بان أنها [كانت حاملاً]- أي: بوضع الحمل على النعت الذي سنذكره- حل وطؤها؛ لأنه تحقق أن الطلاق لم يقع؛ لتحقق عدم الشرط، وصورته أن تأتي بولد لدون ستة أشهر من وقت الحلف، ولو أتت به لأكثر من أربع سنين من وقت اليمين، فالطلاق واقع.

وإن أتت به لأكثر من ستة أشهر، وأقل من أربع سنين، فإن لم يكن وطئها فالطلاق غير واقع؛ [لأنا حكمنا بوجود الولد حالة اليمين، وإن كان قد وطئها بعد اليمين: إما بأن استبرأها، وحكمنا بوقوع الطلاق،] ثم راجعها، ووطئها، أو من

ص: 70

غير استبراء، وجوزنا له ذلك، فإن كان بين الوضع والوطء دون ستة أشهر، فهو كما لم يطأها، وإن كان بينهما ستة أشهر فأكثر، ففي وقوع الطلاق وجهان:

أظهرهما: الوقوع.

ومقابله يروي عن أبي علي الطبري، وفي المهذب روايته [عن ابن] أبي هريرة.

أما لو ظهر أنها كانت حاملاً بأن مر بها ثلاثة أشهر، ولم ترد الدم، وهي من ذوات الأقراء، وظهرت أمارات الحمل، وصارت مرتابة- لم يحكم بوقوع الطلاق، وهل يحل له الوطء؟

فيه وجهان.

قال: فإن كان قد استبرأها، حل وطؤها في الحال.

وقيل: لا يحل حتى يستأنف الاستبراء.

اعلم أن النسخ في هذا الموضع مضطربة: فالذي رأيته في نسخة عتيقة ذكر هذه المسألة الثانية التالية لهذه المسألة، [و] توجيه الخلاف فيها يأتي في موضعه، ولا اعتراض على ذلك، ومما يؤيد ذلك أن النووي لم يتعرض للتنبيه على ذلك وإن كان من شأنه أنه لا يهمل مثله.

والموجود في أكثر النسخ ذكرها هنا؛ وعلى هذا تكلم ابن يونس، وأورد عليه أنه قد جزم- رضي الله عنه بعدم حل الوطء قبل الاستبراء، وهذا الحكم بثبوته بعد الاستبراء يكون بطريق الأولى؛ فكيف يجري فيه الخلاف؟ وتقرير كلام الشيخ على هذا التقرير يحتاج إلى مقدمتين:

إحداهما: أن أمارات الحمل إذا ظهرت، هل يجوز الوطء؟ فيه الخلاف المتقدم.

الثانية: أن الاستبراء [المتقدم] على التعليق هل يكتفي به؟ فيه وجهان:

أحدهما- ويحكى عن أبي إسحاق-: أنه لا يكتفي به؛ لأن الاستبراء تقدم سببه؛ فلا يغني؛ كما إذا مضت مدة العدة قبل الطلاق أو الاستبراء قبل حصول الملك في الأمة.

ص: 71

وأصحهما عند صاحب التهذيب وغيره، وبه قال ابن أبي هريرة: أنه يكتفي به؛ بخلاف العدة، فإن الطلاق سببها، وكذلك الملك سبب وجوب الاستبراء؛ فلا يعتد بما تقدم على وقت الوجوب، وها هنا الاستبراء ليس بواجب في نفسه، وإنما علق الطلاق بصفة، والمقصود معرفة أن الصفة حاصلة أو غير حاصلة، ولا يختلف طريق المعرفة بين أن تتقدم أو تتأخر.

وفي المجرد للقاضي أبي الطيب نسبة الثاني إلى أبي إسحاق.

إذا تقرر ذلك، فنقول: إن لم نجوز الوطء عند ظهور أمارات الحمل بعد الحلف، فلا نجوزه هنا من طريق الأولى؛ وإن جوزناه عند الظهور بعد الحلف فهل يجوز إذا وجد هذا الظهور قبل الحلف؟ فيه وجهان ينبنيان على أن الاستبراء السابق، هل هو معتبر أم لا. وعلى هذا يحمل كلام الشيخ، رضي الله عنه.

وأظهر القاضي الحسين في التعليق للخلاف في أن الاستبراء السابق هل يعتبر ثمرة أخرى، وهي أن مدة الأربع سنين [في] أي وقت تعتبر؟ إن قلنا:[إنه] لا يعتد به، اعتبرت من وقت التعليق؛ وإلا فمن وقت الاستبراء.

فرع: إذا قال للآيسة: إن كنت حائلاً فأنت طالق، فهل تطلق في الحال؟

قال في الخذائر: الذي ذكره الشيخ أبو نصر: أنه يقع الطلاق عليها من غير استبراء.

وقال بعضهم: يحتمل أن يقال: لابد من الاستبراء.

ويحتمل أن يقال: يكتفي بما بان من اليأس في حقها؛ بناءً على الخلاف في الاكتفاء بالاستبراء السابق.

قال: والذي ذكره الشيخ أبو نصر أصح؛ لأنا تحققنا عدم الحمل في حقها؛ فوجب أن يقع الطلاق، كما لو قال ذلك لصغيرة؛ بخلاف الاستبراء قبل التعليق؛ فإنا لسنا على يقين من عدم الحمل، والله أعلم.

قال: وإن قال: إن كنت حاملاً فأنت طالق، حرم وطؤها حتى يستبرئها.

قال الرافعي: وهذا ما يوجد للشيخ أبي حامد، والقاضي أبي الطيب، وحكاه الإمام عن المراوزة.

ص: 72

ووجهه: أنه يجوز أن تكون [حاملاً؛ فيحرم وطؤها، ويجوز أن تكون] حائلاً فلا يحرم؛ فغلب التحريم؛ احتياطاً للأبضاع.

وقيل: يكره.

قال الرافعي: وهو المحكي عن نصه في الإملاء، وبه أجاب الحناطي، وهو الأظهر.

وفي الشامل: أن الشيخ أبا حامد حكى عن الشافعي أنه ذكر في مسألة مثلها في الإملاء: أن الوطء يكره، ولا يحرم.

ووجهه: أن الحمل عارض، والأصل عدمه، مع أن الأصل [بقاء] النكاح، والمحرم مشكوك فيه؛ فأشبه ما لو قال: إن كان هذا الطائر غراباً فامرأتي طالق، فطار، ولم يعلم.

وعلى هذا فلو أتت بولد لدون ستة أشهر من وقت التعليق، تبين وقوع الطلاق، وكان وطؤه- إن جرى- وطء شبهة، يجب به المهر، ولا يجب به الحد.

وإن أتت به لستة أشهر فأكثر، أو لأربع سنين فما دونها، نظر:

إن كان الزوج يطؤها وكان بين الوطء والوضع ستة أشهر فأكثر، لم يقع الطلاق- قال في المهذب-: وجهاً واحداً.

وإن لم يطأها بعد التعليق، أو كان بين الوطء والوضع دون ستة أشهر، فوجهان:

أحدهما- حكاه في الشامل عن رواية الشيخ أبي حامد-: أنه لا يقع [الطلاق].

وأظهرهما: الوقوع، وهو ما حكاه في المهذب.

والقول فيما به الاستبراء، وفي أن الاستبراء السابق على التعليق هل يكتفي به؟ على ما مر في المسألة الأولى.

وإذا اكتفينا بالاستبراء السابق حل الوطء، وإلا فلا [يحل].

واعلم أن في كلام الغزالي ما يشعر بأن صورة الاستبراء السابق أن يكون قد تقدمه تعليق، واستبرئت لأجله، ثم أعقبه بتعليق آخر؛ حيث قال: إذا استبرأها، ثم قال مرة أخرى قبل [أن يطأها]: إن كنت حاملاً فأنت طالق، وما قاله وإن كان حسناً،

ص: 73

لكني لم أقف عليه لغيره.

فرع: لو قالت: أنا حامل، وصدقها الزوج، حكم بوقوع الطلاق في الحال، وإن كذبها، لم تطلق حتى تلد؛ كما ذكرناه.

ولو شهد أربع نسوة بأنها حامل، لم تطلق؛ لأن الطلاق لا يقع بقول النسوة، وكان يتجه أن يجيء فيه ما قاله ابن الصباغ: أن يثبت الحمل.

قال: وإن قال: إن كان في جوفك ذكر فأنت طالق طلقة، وإن كان أنثى فأنت طالق طلقتين، فولدت ذكراً وأنثى-[أي: وليس بينهما ستة أشهر- طلقت ثلاثاً؛ لاجتماع الصفتين، وذلك بطريق التبين، وتنقضي العدة بولادة الثاني منهما.

قال: وإن قال: إن كان ما في جوفك ذكر، فأنت طالق طلقة، وإن كان أنثى فأنت طالق طلقتين، فولدت ذكراً وأنثى] لم تطلق، وكذا إن قال:[حملك، وكذا لو قال:] إن كان حملك؛ لأن ذلك يقتضي أن يكون جميع ما في جوفها، أو جميع حملها- ذكراً، أو أنثى، فإذا كان البعض ذكراً والبعض أنثى، لم توجد الصفة في الوصفين جميعاً؛ فلم يقع.

ولو كانت المسألة بحالها، فأتت بذكرين ولا أنثى معهما، أو أنثيين ولا ذكر معهما، فقد قال القاضي: يقع الطلاق.

وقوله: إن كان حملك ذكراً محمول على [جنس الذكور]، وكذا إن كان حملك أنثى محمول على جنس الإناث.

قال الإمام: وهذا ليس على وجهه عندنا، وكان شيخنا يقول: لا يقع شيء.

فإن [كان] حملها زائداً على ذكر، فهو كما لو أتت بذكر وأنثى.

قال: وإن قال لها: إذا طلقتك فأنت طالق، ثم قال لها: أنت طالق، وهي مدخول بها- أي: ولم يكن الطلاق بعوض- طلقت طلقتين: إحداهما بالإنشاء، والثانية بوجود الصفة.

ولو طلقها وكيله، لم يقع المعلق.

ولو قال: لم أرد التعليق، وإنما أردت أني إذا طلقتها تكون مطلقة، لم يقبل في

ص: 74

الظاهر، ولكن يدين.

وأبدى القاضي الحسين في القبول احتمال وجهين حكاهما في التعليق.

قال: وإن كانت غير مدخول بها، طلقت طلقة- أي: بالإنشاء- ولا تطلق بوقوع الصفة؛ لبينونتها.

وحكم المختلعة حكم غير المدخول بها.

وفيهما وجه حكاه في المجرد للحناطي: أنه يقع عليها طلقتان، وهو غريب، ويمكن أن تكون مادته [مركبة] من قاعدتين:

إحداهما: أن البينونة تحصل عند إجراء اللفظ أو لا؟

والثانية: أن المشروط يقع مع [شرطه أم] لا؟ وعلى الأول إذا جدد النكاح، ودخل بها، ثم طلقها، لم تقع الطلقة المعلقة على التطليق، ولا تتخرج على عود الحنث إلا إذا قلنا:[إن] الخلع ليس بطلاق؛ فحينئذ يكون في وقوعه على المختلعة الخلاف في عود الحنث.

قال: وإن قال: إن دخلت الدار فأنت طالق، ثم قال: إذا طلقتك فأنت طالق، فدخلت الدار، وقعت طلقة- أي: المعلقة بالدخول- لوجود شرطها ولا تطلق لأجل التعليق الثاني؛ لأن صفته الإيقاع، ولم يوجد بعد التعليق سوى الوقوع.

ولو طلقها وكيله، لم يقع- أيضاً- سوى المنجز؛ لأن الشرط قوله: إن طلقتك ولم يطلق.

ولو قال: إذا طلقتك فأنت طالق ثم قال: إن دخلت الدار فأنت طالق، فدخلت [الدار] وقعت طلقتان: طلقة بالدخول، وأخرى بالتطليق؛ لأن التعليق مع وجود الصفة تطليق، وقد وجدا بعد التعليق الأول.

وفي "الوسيط" حكاية وجه عن العراقيين: أن التعليق مع الصفة ليس بتطليق، قال: وهو بعيد.

قال: وإن قال: إذا وقع عليك طلاقي فأنت طالق، ثم قال: إن دخلت الدار فأنت طالق، فدخلت الدار، وقعت طلقتان: إحداهما بالدخول، والأخرى بوقوع

ص: 75

الطلاق؛ إذ هو صفة التعليق، وهكذا الحكم فيما لو قال: إن دخلت الدار فأنت طالق، ثم قال: إذا وقع عليك طلاقي فأنت طالق، فدخلت الدار؛ فإنه يقع عليها طلقتان؛ لما ذكرناه.

ولو كانت المسألة بحالها، ووكل بعد هذا [العقد] وكيلاً في طلاقها، فطلقها الوكيل، ففيما يقعوجهان:

أحدهما: الطلقة المنجزة.

والثاني: طلقتان: المنجزة من الوكيل، والمعلقة من الموكل؛ حكاه في المهذب.

ولو قال: إن أوقعت عليك طلاقي فأنت طالق، ثم قال: إن دخلت الدار فأنت طالق، ودخلت- ففي المهذب: أن بعض أصحابنا قال: لا يقع عليها سوى الطلاق المعلق بالدخول.

وعندي: أنه يقع طلقتان: إحداهما بالدخول، والأخرى بالصفة.

[وفي الرافعي] أنه الصحيح، وأن الأول هو المذكور في تعليق الشيخ أبي حامد.

قال: وإن قال: كلما طلقتك فأنت طالق، ثم قال: أنت طالق وقع طلقتان: إحداهما بالإنشاء، والأخرى لوجود الصفة، ولا تقع طلقة ثالثة؛ لوقوع الثانية؛ لأن الصفة هي الإيقاع، ولم يتكرر.

وحكى القاضي ابن كج عن القاضي أبي حامد وغيره: أنه يقع طلقة ثالثة؛ لأن الثانية الواقعة بوجود التطليق هو الموقع لها بالتعليق السابق؛ فكأنه طلق مرة أخرى.

وجعل الحناطي هذا قولاً؛ ونسبه إلى البويطي، والأول أصح.

قال: إن قال: كلما وقع عليك طلاقي فأنت طالق، ثم قال [لها] أنت طالق)، طلقت ثلاثاً- أي: واحدة بالإنشاء، واثنتان بالتعليق- أو بالطلقة الأولى توجد صفة الثانية، وبالثانية توجد صفة الثالثة.

ص: 76

قال: وإن قال لأربع نسوة: أيتكن وقع عليها طلاقي فصواحباتها طوالق، ثم قال لإحداهن: أنت طالق، [طلقن ثلاثاً ثلاثاً] أي: إذا كن مدخولاً بهن؛ لأن [طلاق الواحدة يوقع على] كل واحدة منهن [طلقة، ووقوع هذه الطلقة على كل واحدة منهن] يوقع الطلاق على صواحباتها، وهن ثلاث؛ فتطلق كل واحدة منهن ثلاثاً.

قال: وإن قال: إذا حلفت بطلاقك فأنت طالق، ثم قال [لها]: إن خرجت من الدار، أو إن لم تخرجي، أو إن لم يكن هذا كما قلت، فأنت طالق، طلقت- أي: الطلقة المعلقة على الحلف- لأنه حلف بطلاقها، ثم إذا وجدت الصفة الثانية، وقعت طلقة أخرى إن بقيت العدة، أو راجعها.

قال: إن قال: إذا طلعت الشمس، أو جاء الحاج فأنت طالق- أي: قال ذلك بعد قوله: إذا حلفت بطلاقك فأنت طالق- لم تطلق حتى تطلق الشمس، أو يجيء الحاج- أي: فتقع الطلقة المعلقة على وجود الصفة، لوجود الصفة، ولا تقع الطلقة المعلقة على الحلف؛ لعدم الصفة؛ لأن الحلف بالطلاق فرع [عن] الحلف بالله، والحلف بالله إنما يكون على منع من فعل كقوله: إن خرجت أو حث على فعل كقوله: إن لم تخرجي، أو تصديق كقوله: إن [أو] لم يكن هذا كما قلت، وما عدا ذلك لا يكون حلفاً.

قال في الشامل: ألا ترى أنه لا يصح أن يقول: والله لا دخل الشهر، ولا قدم الحاج، وإذا لم يكن حلفاً في الأصل، [لم يكن] حلفاً في الفرع.

وحكى الفوراني وجهاً: أنه يكون يميناً.

وحكي وجه [آخر] أن كل تعليق [كان] بحرف إن فهو حلف، وكل تعليق كان بحرف إذا فليس بحلف؛ لأنه لا يستعمل في اليمين غالباً؛ فعلى هذا إذا قال: إذا دخلت الدار فأنت طالق، لم يكن حلفاً، ولو قال: إن [دخلت الدار] فأنت طالق [كان حلفاً].

ص: 77

فروع:

[أحدها]: لو قال: إن قدم زيد فأنت طالق وهو يمتنع بمنعه، وقصد منعه [من القدوم]، فهو كما لو قال: إن دخلت الدار فأنت طالق.

وإن كان ممن لا يمتنع بمنعه، أو قصد التأقيت، فهو كما لو قال: إن طلعت الشمس فأنت طالق.

[الثاني:] لو قال الزوج: طلعت الشمس، فقالت المرأة: لم تطلع، فقال: إن لم تطلع فأنت طالق، طلقت في الحال؛ لأن غرضه ها هنا التحقيق، وحملها على التصديق، فهو حلف.

[الثالث:] لو قال للمدخول بها: إن حلفت بطلاقك فأنت طالق، ثم أعاد هذا القول ثانياً، وثالثاً، ورابعاً- وقع بالمرة الثانية طلقة؛ لأنه حلف بطلاقها، وتنحل اليمين الأولى، ويقع بالمرة الثالثة طلقة بحكم اليمين الثانية، وتنحل الثانية، وتقع بالرابعة طلقة بحكم [اليمين] الثالثة وتنحل الثالثة، وتكون الرابعة منعقدة؛ [حتى يقع بها الطلاق إذا حلف بطلاقها في نكاح آخر، إن قلنا بعود الحنث] في الطلقات الثلاث؛ هذا هو المشهور ها هنا.

وفي الجيلي: أنه إذا كرر ذلك [في مجلس واحد، وأطلق فقولان:

أصحهما: أنه يقع- كما ذكرناه- وإن قال: أردت به التكرار، قبل، وعزاه إلى البحر.

وإن قال ذلك] في مجالس مختلفة، فالحكم كما ذكرناه، ولا يقبل قوله: إنه أراد به التكرار؛ على الأصح. انتهى.

وقضية ما حكيناه عن الإمام في الباب قبله: أنه حكاه في آخر كتاب الإيلاء: ألا يفصل بين [أن يطول] الفصل أو لا يطول مع تصريحه بإرادة التأكيد على المذهب، بل يقبل قوله مطلقاً.

ولو كانت غير مدخول بها فيقع بالمرة الثانية طلقة، وتبين، وتنحل الأولى، والثانية

ص: 78

يمين منعقدة، وفي ظهور أثرها في النكاح المجدد الخلاف في عود الحنث، والثالثة والرابعة واقعتان في [حال البينونة]، [ولا ينعقدان، ولا تنحل منهما شيء].

قال: وإن كان له عبيد ونساء، فقال: كلما طلقت امرأة فعبد حر، وإن طلقت امرأتين فعبدان حران، وإن طلقت ثلاثاً فثلاثة أعبد أحرار، وإن طلقت أربعاً فأربعة أعبد أحرار، فطلق أربع نسوة، عتق خمسة عشر عبداً على ظاهر المذهب.

وقيل: عشرة.

وقيل: سبعة عشر؛ هذا آخر كلامه.

[وما قاله]رضي الله عنه إنما يجيء إذا كان المأتي به [صيغة]"كلما" في كل مرة؛ فإنها تقتضي التكرار، وليس لغيرها هذا الوصف إلَّا "متى"، و"مهما"؛ على وجه غريب حكاه الحناطي على ما حكاه الرافعي في التعليق بالتطليق.

ووجه من قال: يعتق خمسة عشر عبداً إذا كان المأتي به لفظ "كلما"- وهو ظاهر المذهب-: أنه إذا طلق واحدة، حصلت صفة- وهي تطليق واحدة- فيعتق عبد.

وإذا طلق ثانية، حصلت صفتان: طلاق واحدة مرة أخرى، وهي الثانية، وطلاق اثنتين؛ فيعتق بالثانية ثلاثة أعبد.

وإذا طلق ثالثة، حصلت صفتان: طلاق واحدة مرة- وهي الثالثة- وطلاق ثلاث؛

ص: 79

فيعتق أربعة أعبد.

وإذا طلق الرابعة، حصلت ثلاث صفات: طلاق واحدة، وهي الرابعة، وطلاق اثنتين، هما: الثالثة، والرابعة، وطلاق أربع؛ فيعتق سبعة.

والمجموع خمسة عشر.

ووجه من قال: عشرة، وهو ما قاله ابن القطان: أن الواحدة والاثنتين والثلاث والأربع- عشرة.

ووجه من قال: سبعة عشر: أنه جعل في الثالثة وراء الصفتين المذكورتين صفة أخرى، وهي طلاق اثنتين: الثانية، والثالثة؛ فيعتق بها عبدان- أيضاً- فيكمل عتق سبعة عشر.

وضعف هذا بإلزام أن يجعل في الرابعة صفة رابعة، وهي طلاق ثلاث: الثانية، والثالثة، والرابعة؛ فيعتق بها ثلاثة أعبد، تكملة عشرين، ولم يلتزمه هذا القائل.

وفي المهذب: أن بعض أصحابنا قال به، والمذهب الأول، وما عداه ضعيف باتفاق الأصحاب.

أما الثاني؛ فلأنه إسقاط لمقتضى كلما.

وأما الأخيران؛ فلأن الثانية معدودة مع التي قبلها في يمين الاثنتين، والثالثة معدودة مع اللتين قبلها في يمين الاثنتين، والثالثة معدودة مع اللتين قبلها في يمين الثلاث؛ فلا يعدان مع ما بعدهما في اليمين؛ لأن ما عُدَّ في عدد مرة لا يعد فيه مرة أخرى.

واستشهد له ابن الصباغ بأنه لو قال: كلما أكلت نصف رمانة فعبد من عبيدي حر، ثم أكل رمانة؛ فإنه يعتق عبدان؛ لأنه أكل نصفي رمانة، ولا يقال: يعتق ثلاثة أعبد؛ لأن الربع الثاني والثالث نصف رمانة؛ لأنه عد مرة مع الأول؛ فلا يعد مرة أخرى.

وفي المجرد للقاضي أبي الطيب: أنه يعتق ثلاثة عشر عبداً: واحد بتطليق واحدة، وثلاثة بتطليق الثانية، وأربعة بتطليق الثالثة، وخمسة بتطليق الرابعة، ولم يكرر هذا القائل بالرابعة يمين الاثنتين.

هذا كله إذا كان المأتي به صيغة [كلما في كل مرة، فأما إذا كان المأتي به صيغة] إن في كل مرة، فلا يعتق إلا عشرة أعبد قولاً واحداً.

ص: 80

وإذا كان المأتي به صيغة كلما في أول مرة، وصيغة إن فيما بعدها- كما يوجد في نسخ التنبيه- فلا يوجد في المسألة إلا وجهان:

المذهب منهما: أنه يعتق ثلاثة عشر عبداً؛ لأنه تكرر طلاق واحدة أربع مرات؛ فيعتق أربعة أعبد، ويعتق بطلاق الثانية عبدان، وبطلاق الثالثة ثلاثة، وبطلاق الرابعة أربعة؛ فيصير المجموع ما ذكرناه.

والوجه الآخر: أنه يعتق عشرة أعبد؛ لأن من صار إلى ذلك مع وجود صيغة كلما المقتضية للتكرار، ففي كلمة إن أولى.

ولا فرق في جميع ما ذكرناه بين أن يوقع الطلاق على الترتيب، وبين أن يوقعه على الأربع دفعة واحدة؛ وهذا يناظر ما لو قال لزوجته: كلما كلمت رجلاً فأنت طالق، فكلمت رجلين بكلمة واحدة؛ فإنها تطلق طلقتين على المذهب.

وفيه وجه حكاه الرافعي في فروع الطلاق: أنها لا تطلق إلا واحدة، وكان يتجه أن يجيء مثله هنا، ويبقى بعد ذلك النظر في أنه هل يعتق عبد واحد أو أربعة أعبد، والله أعلم.

فرع: قال القاضي الحسين في التعليق: لو قال: كلما طلقت واحدة منكن فعبد من عبيدي حر، فطلق واحدة مراراً، لم يعتق سوى عبد واحد.

[فرع] آخر: دخيل هنا: إذا قال لأربع نسوة حوامل: كلما ولدت واحدة منكن فصواحباتها طوالق، فولد الأربع: واحدة بعد واحدة- وقع على الأولى ثلاث طلقات، وعلى الثانية طلقة، وعلى الثالثة طلقتان، وعلى الرابعة ثلاث طلقات؛ ذكره ابن الحداد، واختاره.

وقال ابن القاص: يقع على كل واحدة طلقة إلا الأولة؛ فإنه لا يقع عليها شيء، واختاره [القاضي] أبو الطيب.

ولو ولدن دفعة [واحدة]، طلقت كل واحدة منهن ثلاثاً، لا خلاف فيه.

وقال الماوردي: الأصح عندي أنه يرجع إلى إرادته؛ فإن أراد الشرط فالصحيح ما قاله ابن القاص، وإن أراد التعريف فالصحيح ما قاله ابن الحداد، وإن لم تكن له

ص: 81

إرادة، أو لم تعرف إرادته؛ حمل على التعريف دون الشرط.

ولا يخفى مما ذكرناه إذا ولد بعضهن على الترتيب، وبعضهن معاً.

قال: وإن قال: متى وقع عليك طلاقي فأنت طالق قبله ثلاثاً، ثم قال لها: أنت طالق، لم تطلق، أي: المنجز، ولا المعلق.

أما المنجز؛ فلأنه لو وقع، لوقع ثلاث قبله؛ لوجود الشرط، ولو وقع الثلاث قبله، لما وقع هذا؛ إذ لا يزيد الطلاق على الثلاث؛ فيلزم من وقوعه عدم وقوعه، وما أدى ثبوته إلى نفيه لا يثبت، وهذا كما لو باع العبد من زوجته الحرة قبل الدخول بصداقها الذي ضمنه السيد، فإن الشافعي- رضي الله عنه نص على أنه لا يصح البيع؛ لأنه لو صح لملكته، ولو ملكته لانفسخ النكاح، وإذا انفسخ النكاح، سقط الصداق، وإذا سقط، بطل البيع؛ لأنه العوض.

وأما المعلق؛ فلأنه إذا لم يقع المنجز، لم يحصل الشرط؛ فلا يقع المشروط؛ وهذا ما ذهب إليه ابن الحداد المصري، والقفال، والشيخ أبو حامد [والقاضي أبو الطيب، وابن سريج- على ما حكاه في التهذيب وغيره- والشيخ أبو علي]، والمزني، وبه أجاب في المنثور، وادعى الإمام أن معظم الأصحاب ذهب إليه.

وفي "الوسيط": أنه الصحيح، كما حكاه في آخر الفصل.

وقال الرافعي: رأيت في بعض التعاليق أن صاحب الإفصاح حكاه عن نص الشافعي.

قال: وقيل: تطلق- أي: المنجزة- ولا يقع شيء من المعلق؛ لأنه لو وقع المعلق، لمنع وقوع المنجز، وإذا لم يقع المنجز، بطل شرط المعلق؛ فاستحال وقوع المعلق.

أما المنجز فلا استحالة في إيقاعه؛ فيقع، وقد يتخلف الجزاء عن الشرط بأسباب، وشبه هذا بما إذا أقر الأخ بابن للميت، ثبت النسب دون الميراث، وبما إذا قال في مرض موته: إن أعتقت سالماً فغانم حر، ثم أعتق سالماً، ولا يخرج من الثلث إلا أحدهما، [فإنه لا] يقرع بينهما، ويعتق سالم.

ص: 82

وفي "التتمة": إنما لم يقع المعلق؛ لأن التعليق مستحيل لفظاً ومعنى:

أما استحالة اللفظ، فهو أن قوله: متى وقع عليك طلاقي شرط، وقوله: فأنت طالق قبله جزاء، والجزاء يجب أن يكون مرتباً على الشرط حتى يصح النظم، فأما إذا كان سابقاً عليه، فلا [يكون الكلام منتظماً].

بيانه: [أنه] لو قال: إن جئتني أكرمتك، [كان صحيحاً]، ولو قال: أكرمتك قبل أن تجيء، لم يكن كلاماً صحيحاً.

وأما من حيث المعنى؛ فهو أن المشروط لا يثبت قبل شرطه، فإذا أوقعنا الذي قبله، فقد قدمنا المشروط على الشرط.

وأيضاً: فإن ما قبل الزمان الذي يتلفظ فيه بالطلاق زمان ماض، والزوج ليس يملك إيقاع الطلاق في الزمان الماضي حتى لو قال: أنت طالق أمس، يقع في الحال على ظاهر المذهب؛ وهذا ما ذهب إليه أبو العباس بن القاص صاحب التلخيص، وأبو زيد المروزي، ونقل عن ابن سريج مثله في نظير المسألة، وصححه الغزالي في آخر عمره.

قال الرافعي: ويشبه أن تكون الفتوى به. [انتهى].

وكان شيخنا الشريف عماد الدين يختار هذا القول، ويوجهه بأن الشرط والجزاء ها هنا لا يجتمعان؛ فيكونان كالمتضادين؛ فلا يوجدان؛ فلا يرتبط أحدهما بالآخر، وإذا انتفى الربط فهو المغني من بطلان التعليق ضرورة أن شرطه ها هنا لا يجامع جزاءه؛ فيصير وجوده كعدمه، وكأنه لم يقع فيقع المنجز.

ووجهه أبو الفتح العجلي بأنه لو صح هذا التعليق، لزم منه محال، وهو تمليك أربع طلقات؛ [لأنه علق ثلاث طلقات] على وجود طلقة، والثلاث غير تلك الواحدة؛ فإن الشرط غير الجزاء، ولابد وأن يكون ذلك مملوكاً له؛ ليصح التعليق؛ ألا ترى أنه لا يصح تعليق طلاق امرأة سينكحها؛ لأنه لا يملك طلاقها؛ فظهر أنه يلزم من [تصحيح] هذا التعليل تمليك أربع طلقات، وهو محال؛ فيلغو.

ص: 83

ووجهه ابن الصباغ بأن وقوع المنجز شرط في وقوع الثلاث، ولا يجوز تقديم المشروط على الشرط، ولو كان كذلك لبطل كونه شرطاً [فيه].

وقد ذكر أصحابنا ما يدل على ما قلته، وهو إذا قال لها: أنت طالق اليوم إذا جاء غد؛ فإنه لا يقع عليها الطلاق؛ لأنه أوقعه في اليوم، ولا يصح وقوعه قبل حصول الشرط، وإذا حصل الشرط فقد فات اليوم؛ فلا يصح أن يقع، وفي مسألتنا مثل هذا؛ لأنه إذا وقع عليها طلاقه، وجب أن يقع قبله، وقبله قد فات لوجود زمان وقوع الطلاق.

فإن قيل: صورة التعليق في باب الطلاق ليس تعليقاً محققاً، وإنما هو إضافة طلاق إلى زمان، لكن لا يعرف ذلك الزمان إلا بوجود الشرط، فكأنه قال: أنت طالق في زمان، ذلك الزمان هو زمن دخولك الدار، ثم يعرف ذلك الزمان بدخولها الدار.

والدليل على أن الأمر كذلك هو قوله: إن دخلت الدار فأنت طالق قبله بيوم مثلاً، فإذا مضى يوم، ودخلت الدار، وقع الطلاق قبل دخول الدار بيوم، ومن المحال تقدم المشروط على الشرط، لكنه محمول على هذا المعنى، وكأنه قال: أنت طالق في زمان، ذلك الزمان هو الزمان الواقع قبل دخولك الدار بيوم، ونحن لا نعرف ذلك الزمان إلا بدخول الدار.

وإذا كان كذلك، لم نوقع الطلاق قبل [وجود شرطه].

قلنا: قال الشريف عماد الدين في جوابه: سلمنا ما [قلتموه من] أن ذلك ليس تعليقاً محققاً، لكن المحال لازم-[أيضاً]- وبيان أنه في مسألتنا يكون مضيفاً للطلاق إلى زمان لا يوجد أصلاً.

بيانه: هو أن يكون مضيفاً وقوع الطلاق إلى زمان، ذلك الزمان هو زمان وقوع ثلاث طلقات سابقاً على طلقة، ووقوع ثلاث طلقات سابقة على طلقة لا يوجد، فالزمان الذي يقدر إضافته لتلك الطلقات الثلاثة السابقة على طلاق لا يوجد؛ فكيفما قدر من المأخذين يلزم المحال المستحيل معه هذا التعليق، وهذه

ص: 84

الإضافة إلى مثل ذلك الزمان المخصوص.

قال: وقيل: تطلق ثلاثاً- أي: المنجزة، وطلقتين من المعلق- إذا كانت الزوجة مدخولاً بها:

أما وقوع المنجز؛ فلما ذكرناه.

وأما وقوع الطلقتين من المعلق؛ فلأن المنجزة إذا وقعت، حصل شرط وقوع الثلاث، إلا أن الطلاق لا يزيد على الثلاث؛ فيقع من المعلق تمام الثلاث، ويصير كما لو قال: متى وقع عليك طلاقي فأنت طالق ثلاثاً، ويطرح قوله: قبله، فإن الاستحالة تجيء منه، وإلى هذا ذهب أبو عبد الله خَتَنُ الإسماعيلي [وغيره من أصحابنا.

وفي التهذيب نسبته إلى أبي بكر الإسماعيلي].

وذهب ابن الصباغ إلى أن المنجز يقع، والطلاق المعلق يصير كأنه أوقعه عند وجود الشرط مضافاً إلى حاله [قبل] الإيقاع.

وقد قال الشافعي فيما إذا قال: أنت طالق الشهر الماضي: إنه يقع الطلاق في الحال.

وذكر الربيع فيه قولاً: أنه لا يقع؛ فيجب أن يبنى على هذا، [ويكون على] القول المنصوص عليه المشهود [أنه] يقع تمام الثلاث، ومن قال: لا يقع ها هنا، لا يقع المعلق بالشرط.

وذهب بعض أصحابنا- على ما حكاه الإمام عن رواية الشيخ أبي علي- أن الثلاث الواقعة هي المعلقة، ولا تقع الطلقة التي أنشأها، وكأنه قال: متى تلفظت بإنشاء طلقة، فأنت طالق قبلها ثلاثاً؛ فوقوع الثلاث موقوف على لفظه، وإن كان لا يقع بلفظه طلاق منجز.

قال الإمام: وهذا رديء لا خروج له إلا على مذهب من يحمل اللفظ المطلق [على] الفاسد والصحيح جميعاً؛ وهذا بعيد [و] لا تفريع على مثله.

أما إذا كانت الزوجة غير مدخول بها فهذا القول لا يجيء إلا على رأي من قال:

ص: 85

إن الواقع الثلاث المعلقة.

واعلم أن الشيخ مجلي ممن اختار عدم وقوع الطلاق أصلاً؛ كما اختاره الشيخ في المهذب بعد أن حكى عن ابن الصباغ أن من قال به فقد أخطأ [خطأ] بيناً، وأن ذلك ليس بمذهب [للشافعي، وأجاب] عما أورده ابن الصباغ- أن المشروط لا يقع قبل وجود الشرط-: بأنا نسلم ذلك، ونقول: إن الطلاق لا يقع إلا بعد وقوع الطلقة الواحدة، فإذا وقعت وقع الثلاث بعد وقوعها، وإنما يستند الوقوع إلى الوقت المتقدم على مقتضى شرطه؛ كقوله: إذا قدم زيد فأنت طالق قبل القدوم بشهر، ثم قدم بعد شهر؛ فإن الطلاق يقع حين قدومه؛ لوجود الشرط، ووقت الوقوع بشهر قبل القدوم؛ ومن هذا الوجه فيقع التنافي.

وأجاب عن قوله: أنت طالق اليوم إذا جاء غد بأنه حجة لنا؛ فإنه إنما لم يقع؛ لأن الوقت المشروط استناد إيقاعه إليه قد عدم، وفي مسألتنا بخلافه.

وأجاب عن قوله: يصير طلاقاً موقعاً في زمان قبل حالة الإيقاع، والبناء على قوله: أنت طالق في الشهر الماضي- بأن وقوع الطلاق هنا إنما كان بعد الإيقاع؛ لأنه عقد الصفة، وعقد الصفة إيقاع للطلاق، فإذا وجدت الصفة، وقع الطلاق بذلك الإيقاع المتقدم؛ بدليل قوله: أنت طالق قبل موتي بشهر؛ بخلاف قوله: أنت طالق [في] الشهر الماضي؛ فإن ذلك إيقاع في زمان متقدم.

وأجاب- أيضاً- عن قول من قال: يقع المنجز واثنتان من المعلق بأن الجزاء وقوع الثلاث؛ فلا يتبعض، وقولهم: إن التبعيض هنا لأجل أنه لم يبق من الطلاق ما يوقع [ثلاثاً.

قلنا: بل زمن وقوع الطلاق الثلاث جميعاً باق؛ إذ هي تقع قبل وقوع] الطلقة المنجزة على مقتضى الشرط، فكيف لا تقع؟

وما قاله- رضي الله عنه لا يخلو بعضه عن احتمال.

فروع:

أحدها: إذا علق الطلاق على صفة، ثم قال: إذا وقع عليك طلاقي فأنت طالق

ص: 86

قبله ثلاثاً، ثم وجدت الصفة، فهل يقع الطلاق عند من يرى بصحة الدور؟ فيه وجهان:

الصحيح منهما: أنه لا يقع، وبه قال القاضيان: أبو الطيب، والروياني، وهو ما حكاه البندنيجي- في مذهبه؛ لما ذكرناه من معنى الدور.

وعلى هذا الوجه يكون هذا طريقاً لدفع الطلاق الثلاث، وهو أسهل من الخلع، وإيقاع الصفة في حال البينونة، ويجيء في موضع لا يفيد فيه الخلع؛ كما إذا حلف بالطلاق الثلاث منها: أنه لا يطأها.

الثاني: إذا قال لامرأته: إذا انفسخ نكاحك، فأنت طالق قبله ثلاثاً، ثم ارتدت، أو كانت أمة فملكها، قال ابن الصباغ: التزم من ذهب إلى خلاف ما نصرته أن الفسخ يحصل، وأن إثباته يؤدي إلى نفيه؛ كما لو قال لأمته: إن صليت مكشوفة الرأس فأنت حرة قبل الصلاة، [فإن الصلاة تصح؛ لأنه لا يملك إبطال الفسخ، ولا إبطال الصلاة؛] لعدم ملكه لهما، بخلاف الطلاق؛ فإنه مالك لإيقاعه وترك إيقاعه.

الثالث: لو قال: إذا فسخت نكاحك فأنت طالق قبله ثلاثاً، فوجد منه الفسخ بعيبها، ففي نفوذ الطلاق الخلاف السابق، وهذا بخلاف ما لو قال: إن فسخت النكاح بعيب، أو بغرورك فأنت طالق قبله ثلاثاً، أو قال: إن استحققت الفسخ بذلك، أو بالإعسار، أو إن استقر مهرك بالوطء، أو استحققت النفقة، أو القسم، أو طلب الطلاق في الإيلاء، فأنت طالق قبله ثلاثاً، ثم فسخت، أو وجدت الأسباب المثبتة لهذه الاستحقاقات-[فإنه ينفذ الفسخ، ويثبت الاستحقاق].

قال الرافعي: ولا نقول بإلغائها، وإبطالها؛ للتعليق الدائر، وإن [قلنا بإلغاء الطلاق المنجز للدور].

والفرق أن هذه فسوخ وحقوق تثبت عليه قهراً، ولا تتعلق بمباشرته، واختياره؛ [فلا يصلح تصرفه دافعاً لها، ومبطلاً لحق الغير، والطلاق يتعلق بمباشرته

ص: 87

واختياره]، فجاز أن يندفع بالتعليق الذي يتعلق باختياره.

وأيضاً: فليس من ضرورة النكاح أن ينفذ فيه الطلاق، ومن ضرورة ثبوت الأحكام المذكورة ثبوت هذه الأحكام.

الرابع: إذا قال: [إن] آليت عنك أو ظاهرت، فأنت طالق قبله ثلاثاً، فإذا آلى أو ظاهر؛ لم يقع الثلاث قبله، وإلَّا فتكون مبتوتة ويلغو الإيلاء والظهار، وهل يصح الإيلاء والظهار؟

فيه الوجهان:

إن صحَّحنا الدَّور، لم يصحّا.

وإن أوقعنا الطلاق المنجز، صحَّا، وكذا الحكم فيما لو قال: إن لاعنت عنك، أو قال للرجعية: إن راجعتك، فأنت طالق قبله طلقتين.

وقال الغزالي [في غاية] الدور: الذي أراه أنه إذا قال: إن آليت عنك فأنت طالق قبله ثلاثاً، ثمَّ آلى، يصح الإيلاء، وكذا في اللعان.

وإذا قلنا: بأن التعليق الدائر يمنع وقوع الطلاق.

والفرق: أن الإيلاء يمين على الامتناع من الوطء، وذلك ينعقد في حق الأجنبية، واللعان يمين على نفي النسب، وقد يؤتى به في الموطوءة بشبهة، وبعد الطلقات الثلاث؛ لنفي النسب؛ فهما مستقلان منعقدان، وإن لم يكن نكاح.

[لكن إذا أضيف الإيلاء إلى النكاح، ثبتت المطالبة بالفيئة، أو الطلاق، وإذا صادف اللعان النكاح، أوجب الفرقة، فهما كالشراء المستقل بالانعقاد.

وإن لم يكن نكاح]، فكما إذا اشترى زوجته، يحكم بصحته وإفادة الملك، ولا يحكم بوقوع الطلاق، كذلك الإيلاء واللعان ينبغي أن ينعقدا انعقادَهما في حق الأجنبية.

ثم إذا تعرض لوجوب الكفارة لو وطئ، سلطها ذلك على المطالبة بالفيئة أو الطلاق كما [تسلطها عنته] على الفسخ، وإذا انعقد اللعان، ترتبت الفرقة عليه

ص: 88

ترتبها [على] الشراء.

الخامس: لو قال: إن وطئتك وطئاً مباحاً، فأنت طالق قبله، ثم وطئها، لم تطلق قبله.

قال الإمام وغيره: [ولا يجيء] في هذه الصورة خلاف؛ لأن موضع الخلاف ما إذا انحسم بتصحيح اليمين الدائرة، باب الطلاق أو غيره من التصرفات الشرعية، ولم يوجد.

السادس: إذا قال: إذا طلقتك طلقة أملك فيها الرجعة، فأنت طالق قبلها طلقتين [ثم طلقها وهي مدخول بها، ففيه وجهان:

أحدهما: لا يقع للدور.

ومنهم من قال: لا دور؛ فيقع الثاني.

ولو قال: إذا طلقتك فأنت طالق قبله طلقتين]، ثم قال لها: أنت طالق، فالذي يقتضيه إيراد ابن الصَّباغ-[على ما حكيته] عنه في مسألة الدور عند الكلام في القول الثالث-: أن الطلقة المنجزة تقع، وفي وقوع [الطلقتين الأخيرتين] القولان في قوله: أنت طالق أمس، وعليه من الكلام ما أبداه مجلي.

والذي يقتضيه إيراد غيره: أن الطلقتين المعلقتين تقعان من غير خلاف قبل الطلقة المنجزة بطريق التبين، كما إذا قال: إذا قدم زيد، فأنت طالق قبل قدومه بشهر، فقدم بعد شهر.

قلت: والذي يظهر لي في المسألة: أنه إذا قيل بوقوع الطلقتين المعلقتين قبل المنجزة بطريق التبين، ينبغي أن ينظر:

إن كان بين التعليق، وبين الطلاق المنجز زمان لا يسع العدة، فالحكم كذلك.

وإن كان بينهما زمان يسع انقضاء العدة، وقد وجدت فيه صورة الأقراء، أو وضع حمل تنقضي بمثله العدة، أو ثلاثة شهور، والزوجة صغيرة، أو آيسة [وتكون] هذه الصورة من صور الدور أيضاً.

ص: 89

وبيانه: أن [نوقع المنجزتين] وقوع المعلق عند التعليق، كما إذا قال: إن قدم زيد، فأنت طالق قبل قدومه، فإنا نتبين بقدومه وقوع الطلاق عند اللفظ؛ كما صرح به الرافعي، وهو مستمد مما إذا قال:"أنت طالق قبل موتي"، فإنها تطلق في الحال؛ كما حكاه القاضي الحسين في التعليق، وغيره مع ما في ذلك من بحث، سأذكره إن شاء الله تعالى في الباب.

وإذا كان كذلك، فيلزم من وقوع الطلقتين من حين الطلاق ألا تقع الطلقة المنجزة؛ لكونها بعد انقضاء العدة، وإذا لم تقع، لم تقع الطلقتان، وقد دارت المسألة.

ومثل هذا البحث يحسن في القول الثالث من مسألة الكتاب على رأي من أوقع طلقتين قبل المنجز، وجعل الاستحالة في إيقاع الثلاث، فألغى ما يحصل به الاستحالة، وهو الطلقة الزائدة، والله أعلم.

قال: وإن قال: أي وقت لم أطلقك فيه فأنت طالق، فمضى زمان يمكنه أن يطلق [فيه] فلم يطلق، طلقت؛ لأن ذلك متناول لكل زمان، فإذا لم يطلق في الزمان الأول، فقد وجدت الصفة فرتب عليها الطلاق.

وهكذا الحكم في الحروف السبعة التي يتعلق بها الطلاق إلَّا إن، وإذا على ما سيأتي فيما إذا قال: متى، أو متى ما، أو مهما، أو أي زمان، أو أي حين لم أطلقك فيه فأنت طالق، فمضى زمان يمكنه أن يطلق فيه فلم يطلق؛ طلقت.

قال في الشامل: بلا خلاف، وتوجيهه ما ذكرناه.

وفي الرافعي أن الحناطي أشار إلى طرد الخلاف الآتي في إن وإذا فيها، وفي كلما أيضاً.

ولو قال: كلما لم أطلقك، فأنت طالق، فمضى زمان يمكن أن يطلق فيه ثلاث تطليقات- واحدة بعد واحدة- ولم يطلق، وهي مدخول بها، طلقت ثلاثاً: واحدة بعد واحدة.

وهكذا الحكم فيما لو قال: كلما سكت عن طلاقك، فأنت طالق؛ لأن "ما" في

ص: 90

لفظة "كلما" ظرف زمان؛ أجمع على ذلك أهل العربية؛ على ما حكاه الإمام في الفروع آخر الطلاق، فكانت بمنزلة: أي زمان.

وإن لم تكن مدخولاً بها، وقعت طلقة.

[وإن جدد نكاحها، خرج وقوع الطلاق ثانياً وثالثاً على عود الحنث، وكذا فيما إذا كانت مدخولاً بها] وطلقها عقيب التعليق طلقة بعوض، ثم جدد نكاحها.

فرع: لو قال: أيما امرأة لم أحلف بطلاقها فصاحبتها طالق وله امرأتان، وسكت ساعة يمكنه أن يحلف فيها، فلم يحلف.

قال صاحب التلخيص: طلقتا.

وقال الشيخ أبو علي: القياس عندي: أنه لا يحكم بوقوع الطلاق على واحدة منهما إلى أن يتحقق اليأس عن الحلف؛ لأن الذي يقتضي الفور هو الذي ينطوي على ذكر وقت مع التعليق بالنفي؛ وهذا ليس فيه تعرض لذكر الأوقات أصلاً.

قال الإمام في الفروع آخر الطلاق: ولست أدري لما قاله الأول وجهاً.

قال: وإن قال: [إن] لم أطلقك فأنت طالق، فالمنصوص [أنها لا تطلق إلا في آخر العمر.

وإن قال: إذا لم أطلقك فأنت طالق]: أنه إذا مضى زمان يمكنه أن يطلق فيه، فلم يطلق طلقت.

وقيل: فيهما قولان، أي: بالنقل والتخريج.

أحدهما: أنهما يقتضيان الفور؛ اعتباراً بما لو استعملها في تعليق الطلاق بذكر المال.

والثاني: أنهما على التراخي؛ لأنه [حرف إذا] يستعمل في الشرط.

فيقال: إذا رأيت كذا فافعل [كذا]، وإن- أيضاً- كذلك؛ فاستويا، وإن تقتضي التراخي فكذلك إذا، والصحيح تقرير النصين.

والفرق: أن حرف إن يدل على مجرد الاشتراط ولا إشعار له بالزمان، وإذا

ص: 91

ظرف زمان نازل منزلة متى في الدلالة على الأوقات.

ألا ترى أن القائل إذا قال: متى ألقاك؟ حسن [منك] أن تقول في الجواب: [إذا شئت]، كما يحسن أن تقول: متى شئت، ولا يحسن أن تقول: إن شئت؟ وإذا كان كذلك، فقوله: إن لم أطلقك معناه: إن فاتني طلاقك، [والفوات لا يتحقق إلا بالموت.

وقوله: إذا لم أطلقك، معناه: أي وقت فاتني طلاقك] ومدة ذلك إذا مضى زمان يسع التطليق، ولم يطلق، فإذا مضى زمان هذا حاله، وجب أن يقع طلاقه.

والحكم فيما إذا قال: ما لم أطلقك فأنت طالق حكم ما إذا قال: إذا لم أطلقك فأنت طالق، قاله الإمام في فروع الحلف [بالطلاق].

وحكم التعليق بنفي الضرب، والدخول، وسائر الأفعال حكم الطلاق.

تنبيه:

قول الشيخ: (لا تطلق [إلا] في آخر العمر) يريد به: عمر الزوج أو الزوجة؛ إذ به يتحقق فوات الطلاق، فإن ماتت الزوجة أولاً، حكمنا بوقوع الطلاق قبيل موتها.

وإن مات الزوج، أولاً، حكمنا بوقوعه قبل موته.

قال الإمام: ولم يصر أحد من الأصحاب إلى استناد الطلاق إلى وقت اللفظ إذا تحقق اليأس، وهو محتمل من جهة أن المذهب الأصح: أن المستطيع للحج إذا لم يحج، وقد تمادت عليه سنون في الاستطاعة، يحكم بأنه يموت عاصياً.

ومن الأصحاب من يبسط المعصية على أول وقت الاستطاعة، فليتنبه الناظر لما نُبه له.

ولم أذكر هذا ليكون وجهاً؛ فإن الأصحاب مجمعون على أن الطلاق لا يستند إلى وقت اللفظ، والزوج متسلط على الوطء إجماعاً.

قلت: ويؤيد ما أبداه الإمام خلاف سيأتي فيما إذا حلف: ليشربن ماء [هذه] الإداوة غداً فمات في يومه، وقلنا بأنه يحنث، هل يحكم بالحنث في آخر الغد، أو بمجيء الغد فمن يقول: إنه يحنث بمجيء الغد، يلزمه أن يقول ها هنا بأنا

ص: 92

نتبين الحنث من حين اليمين؛ لأن العمر جعل ظرفاً للطلاق كما جعل اليوم ظرفاً للشرب.

ومن يقول: إنه لا يحنث إلا بمضي اليوم موافق للمذهب هنا.

وقال الغزالي: إنه لم يصر إليه؛ لأن قوله: إن لم أفعل كذا فأنت طالق يحتمل أن يريد به [إيقاع الطلاق في الحال، إن لم يتحقق المعلق في العمر.

ويحتمل أن يريد به] عند خلو العمر عنه؛ فأخذنا باليقين.

واعلم أن قول الإمام: "ولم أذكر هذا ليكون وجهاً" يعرفك أن اختياره أن الاحتمالات التي يذكرها تكون وجوهاً في المذهب، وإلا [لم يكن] لهذا الكلام معنى؛ وحينئذٍ فينبسط عذر الغزالي في عدة احتمالات الإمام وجوهاً.

ثم هذا كله فيما إذا لم يطرأ على الزوج ما يمنع نفوذ طلاقه، فإن طرأ عليه جنون، لم يحكم بوقوع الطلاق عليه في الحال؛ لاحتمال أن يفيق ويطلق، فإن مات قبل [حصول] الإفاقة، تبينا أن اليأس حصل من وقت الجنون، وإن كان المعلق الطلاق، فيحكم بوقوعه قبل الجنون.

قال الغزالي في البسيط: وفي الاستناد إلى ما قبل الجنون إشكال، وكان يجوز أن يقال: يقع قبل الموت أيضاً ولا يستند إذا لم [تحصل الإفاقة المتوقعة إلى ما قبل زمان التوقف؛ كما لم يستند إذا لم] يقع التطليق المتوقع إلى أول زمان التوقف.

وأبدى الرافعي وجهاً حكاه في كتاب الظهار موافقاً لهذا الاحتمال مأخوذاً من وجه حكاه عن رواية الشيخ أبي علي [فيما إذا] قال: إن لم أتزوج عليك فأنت علي كظهر أمي ثم جُنَّ، واتصل جنونه بالموت، فإنا لا نحكم بصيرورته مظاهراً إلَّا قبيل الموت.

وإن كان المعلق نفي الضرب، وسائر الأفعال، فالجنون لا يوجب اليأس وإن اتصل بالموت.

قال في "الوسيط": لأن ضرب المجنون في تحقيق الصفة ونفيها كضرب

ص: 93

العاقل على الصحيح.

فروع:

لو قال: إذا لم أطلقك اليوم فأنت طالق، فإذا مضى اليوم، ولم يطلق، قال الرافعي: يحكم تفريعاً على الصحيح- بوقوع الطلاق قبيل غروب الشمس؛ لحصول اليأس حينئذ.

قلت: وكأنه يشير إلى أنه لما قيد باليوم، صار اليوم كالعمر، فإذا تحقق اليأس من التطليق؛ [تبين وقوع] الطلاق قبيل الغروب؛ كما في الموت.

فإن قيل: في مسألة الموت لا يمكن أن يحكم بوقوع الطلاق بعد وجود الشرط، وهو خلو العمر عن التطليق؛ فلأجل ذلك قدرنا الوقوع قبيل الموت، وها هنا يمكن أن يقع الطلاق بعد وجود الشرط، وهو انقضاء اليوم خالياً عن التطليق؛ لبقاء الزوجية؛ فلا ضرورة في الإيقاع قبيل الغروب.

فالجواب: أن [الشرط ليس] مضي اليوم وانقضاء العمر، وإنما الشرط عدم التطليق في اليوم والعمر، [فإذا لم يبق في اليوم والعمر ما يسع التطليق، تحقق الشرط؛ فوقع الطلاق في ذلك الزمن الذي مضى من اليوم والعمر]؛ لأن الزمن المخصوص إنما يعتبر في الإنشاءات، أما في الوقوع فلا؛ لأنه حكم شرعي.

ويجري مثل هذا [الحكم] فيما إذا قال: إن لم أطلقك اليوم فأنت طالق اليوم على ما حكاه الشيخ أبو حامد، وخالفه فيه ابن سريج، وقال: لا يقع [الطلاق]؛ لأنه لا يتحقق ما جعله شرطاً للطلاق إلا بمضي اليوم، وإذا مضى اليوم لم يبق وقت للوقوع؛ فلا يقع.

قال في "الوسيط": وهذا يرد على قوله: إن لم أطلقك فأنت طالق، فإنا نتبين عند موته وقوع الطلاق في آخر العمر، [والعمر] في هذا المعنى كاليوم؛ إذ فيه يتحقق الطلاق والصفة جميعاً؛ فلا فرق بين المسألتين.

ص: 94

قلت: [ويرجع أصل] مادة الخلاف إلى أن الطلاق إذا علق على فعل شيء في زمن، فهل الشرط في الحنث تحقق اليأس من فعل المحلوف عليه، أو لابد مع ذلك من مضي الزمن الذي قيد الفعل به؟ وهو جارٍ في مسائل:

منها: إذا حلف ليشربن ماء هذه الإداوة غداً، فتلف في يومه، فهل يحنث بمجيء الغد، أو لا يحنث حتى يمضي الغد؟

ومنها: ما إذا قال لعبده: إن لم أبعك اليوم فزوجتي طالق، ثم أعتقه، وقع عليها الطلاق، لكن متى يقع؟ فيه وجهان:

أحدهما: عقيب الإعتاق.

والثاني: [أنها] لا تطلق حتى تغيب الشمس؛ كذا صرح به المتولي، والقاضي الحسين، ولفظه: أنها تطلق على الوجه الثاني بعد مضي المدة.

ولو قال: إن تركت طلاقك، فأنت طالق، فإذا مضى زمان يمكنه أن يطلق فيه، فلم يطلق- طلقت، وإن طلقها في الحال، ثم سكت، لا تقع طلقة أخرى.

ولو قال: إن سكت عن طلاقك، فأنت طالق، فلم يطلقها في الحال- طلقت، وإن طلقها في الحال، ثم سكت طلقت أخرى بالسكوت، ولا تطلق بعد ذلك؛ لانحلال اليمين.

فرع: على قولنا: إنَّ إذا تقتضي الفورية إذا قال: إذا لم أطلقك؛ فأنت طالق، وقال: أردت بذلك: إن فاتني طلاقك، فأنت طالق، فهل يقبل [منه] أم لا؟

ذكر صاحب التقريب فيه وجهين، أصحهما في الرافعي: القبول.

قال الإمام: وهذا الذي قاله صاحب التقريب حسن ملتحق بالمذهب.

قال: وإن قال: أنت طالق إلى شهر، لم تطلق إلا بعد شهر؛ هذا نصه في البويطي.

ووجهه: ما روي عن عبد الله بن عباس أنه قال في الرجل يقول لامرأته: أنت طالق إلى سنة: هي امرأته إلى سنة، ولا مخالف له من الصحابة.

ص: 95

فإن قيل: الزوج أوقع الطلاق بقوله: أنت طالق، وقوله: إلى سنة تأقيت له، والطلاق لا يتأقت؛ فيبطل التأقيت، ويبقى الإيقاع.

قلنا: اللفظ يحتمل ذلك، ويحتمل أن يكون تأقيتاً للإيقاع لا للرفع، ومثله ورد في اللسان في قولهم: فلان خرج إلى شهر، أي: بعد شهر، فلا نوقع الطلاق في الحال بالشك.

نعم، لو قال: أردت به التأقيت في الوقوع بالشهر؛ وقع في الحال وبانت.

ولو قال: أنت طالق إلى رمضان، أو إلى حين أو دهر أو زمان أو حقب- طلقت عند دخول رمضان بأول جزء منه، وبعد مضي لحظة فيما عداه؛ لأن التسمية صدقت.

وفي الرافعي: أن البوشنجي أبدى في المسألة الأولى وجهاً احتمالاً أه يقع في الحال.

قال: وإن قال: أنت طالق في شهر رمضان، طلقت في أول جزء منه، وهو عقيب غروب شمس اليوم الأخير من شعبان؛ لأن الشهر اسم يتناول من حين طلوع الهلال وإلى آخر جزء من اليوم الأخير من أيامه، وقد جعله ظرفاً للطلاق [فإذا وجد وقع الطلاق بأول جزء منه، كما لو قال: أنت طالق إن دخلت الدار]، فدخلت جزءاً منها.

وحكى الحناطي قولاً: أنها إنما تطلق في [آخر] الشهر.

والمشهور نسبة هذا القول إلى أبي ثور.

وهكذا الحكم فيما لو قال: أنت طالق في يوم كذا؛ فإنها تطلق عند طلوع فجر ذلك اليوم على الأصح.

وفي "التتمة" ما يدل على أنها تطلق في الحال، إلا أن يقول: أردت به تعليق الطلاق بمجيء ذلك الشهر، كما إذا قال: أنت طالق في الدار، وفي بلد كذا، فإنه يقع الطلاق في الحال، وإذا قال: أردت به حصولها في ذلك الموضع، قبل.

قال: وإن قال: أردتُ به الجزء الأخير؛ لم يُقبل في الحكم، وكذا لو قال: في وسط الشهر، أو [في] النهار دون الليل؛ لأنه يؤخر الطلاق عن الوقت الذي يقتضيه.

ص: 96

نعم: يدين فيما بينه وبين الله تعالى؛ لأن اللفظ يحتمل ما قاله.

وفي كتاب ابن كج وغيره حكاية وجه: أنه يقبل في الحكم.

ولو قال: أنت طالق في غرة شهر رمضان، طلقت في أول جزء منه.

فلو قال: أردت الثاني، أو الثالث منه، فعلى ما ذكرناه في الشهر؛ لأن اسم الغرة يقع على الثلاثة.

أما لو قال: أردت به النصف، لم يدن.

فرع: لو قال: أنت طالق في شهر [قبل ما بعده] رمضان، فقد قيل: تطلق في رجب.

وقيل: في شعبان، واختاره القاضي.

وقيل: في رمضان؛ حكاه في "التتمة".

وقيل: في شوال، وهو الأظهر عند ابن الصباغ؛ لأن ما بعد قبل الشهر هو الشهر نفسه، وما قبله رمضان شوال.

ولو قال: أنت طالق قبل ما بعده رمضان، ففي فتاوى القاضي: أنه إن أراد الشهر، طلقت في آخر جزء من رجب، وإن أراد اليوم بليلته، ففي آخر [جزء من] اليوم التاسع والعشرين [من شعبان]، وإن أراد [مجرد] اليوم، فقبل الفجر من اليوم الثلاثين من شعبان.

قلت: وما قاله من وقوع الطلاق في آخر جزء من رجب، أو من التاسع والعشرين من شعبان، أو قبل الفجر من اليوم الثلاثين من شعبان- فيه نظر؛ لأنا قد حكينا عنه فيما تقدم: أنه إذا قال: أنت طالق قبل موتي: أن الطلاق يقع في الحال، ومقتضاه هنا: أنه يقع عند التلفظ على كل حال، كما إذا قال: قبل موتي، أو يكون ما ذكر، ثمَّ نقل المذهب، وهذا اختيار له.

فينبغي أن يجيء مثله- أيضاً- هناك.

وأما الفرع الذي قبل هذا، فلا يرد [عليه] ما قلناه؛ لأنه قيد الوقوع في الشهر بقوله: أنت طالق في شهر وهو وزان: قبل قدوم زيد بشهر.

ص: 97

ولو قال: أنت طالق بعد ما قبله رمضان.

قال القاضي: إن أراد الشهود فيقع عند استهلال ذي الحجة، وإن أراد الأيام ففي [اليوم] الثاني من شوال.

قال: وإن قال: أنت طالق في أول آخر رمضان، فقد قيل: تطلق في أول [ليلة] السادس عشر [من رمضان]، وهو قول ابن سريج؛ لأن الشهر نصفان: أول، وآخر، [و] هذه أول النصف الأخير.

وقيل: في أول اليوم الأخير من الشهر؛ وهو ما ذهب إليه أكثر الأصحاب على ما حكاه ابن الصباغ وغيره؛ لأن آخر الشهر هو اليوم الأخير؛ فوجب أن تطلق في أوله.

وحكى ابن كج عن أبي بكر الصيمري [أو غيره]: أنها تطلق في أول اليوم السادس عشر؛ لأنه أول يوم من النصف الأخير.

والوجهان الأولان يجريان فيما إذا قال: أنت طالق في آخر الشهر، لكن الثاني منهما منقول عن التهذيب، وإيراده يقتضي ترجيحه، وهو ما جزم به في التهذيب سواء كان الشهر ناقصاً أو تامّاً؛ لأنه متى صدق أن اليوم الأخير آخر الشهر، وقع الطلاق في أول جزء منه؛ لما قررناه في رمضان.

وفي المسألة وجه آخر: أنها تطلق مع آخر جزء من الشهر.

وعلى هذا القياس لو قال: أنت طالق في آخر طهر، تطلق على الوجه الأول أول النصف الثاني منه.

وعلى الوجه الثالث: في آخر جزء منه.

ولو قال: أنت طالق [آخر أول] رمضان، حكى الإمام عن العراقيين، [وغيرهم في المسألة] ثلاثة أوجه:

أحدها: أنها تطلق مع آخر جزء من [الخامس عشر، وهو ما قاله ابن سريج، على ما صرح به غيره.

والثاني: أنه يقع مع آخر جزء من] اليوم الأول.

ص: 98

قال الرافعي: وهو الذي قال به أكثرهم.

والثالث: أنه يقع في آخر جزء من الليلة الأولى [من الشهر]، وهو ما حكاه في "التتمة" بدلاً عن الوجه الثاني.

ووجهه الإمام بأن هذا أقرب زمان يضاف إليه الأخير إلى الأول.

ولو قال: أنت طالق آخر أول آخر رمضان.

قال الرافعي: من جعل آخر الشهر اليوم الأخير قال: يقع الطلاق عند غروب الشمس في اليوم الأخير؛ لأن ذلك اليوم هو آخر الشهر، ووله طلوع الفجر، وآخره غروب الشمس.

ومن حمل الأخير على النصف الثاني، فأوله ليلة السادس عشر فيقع الطلاق في آخر جزء من هذه الليلة، وكذا قاله القاضي الحسين في التعليق، ثم قال: وعلى قول الأصحاب، يقع قبيلا لغروب من اليوم السادس عشر.

ولو قال: أنت طالق في أول آخر أول رمضان، فقد قيل: تطلق بطلوع فجر اليوم الخامس عشر؛ لأن آخر أوله عند غروب الشمس من اليوم الخامس عشر؛ فكان أوله طلوع فجره، هكذا قاله الشيخ في المهذب، وهذا ظاهر في أن الذي قال به هو الذي قال بأن آخر [اليوم] الأول آخر الخامس عشر.

وقال الرافعي، والقاضي الحسين في التعليق: إن جعلنا الأول النصف الأول، فآخره غروب شمس اليوم الخامس عشر، وأول هذا الأخير استهلاله؛ فيقع عند الاستهلال.

وهذا يظهر أنه مخالف لما نقلاه فيما إذا قال: أنت طالق [في] آخر أول آخر الشهر، فإنهما ذكرا: أن من حمل الأخير على النصف الثاني فأوله السادس عشر؛ فيقع الطلاق في آخر جزء من ليلته.

ومقتضى ما ذكراه ها هنا: أنه لا يقع إلا في آخر جزء من الشهر؛ لأنه آخر النصف الأخير؛ فليتأمل، [والله أعلم].

ص: 99

وقيل: تطلق بطلوع فجر أول يوم من الشهر.

قال ابن يونس: قال بعضهم: هذا غلط، بل ينبغي أن تطلق [بطلوع فجر أول يوم من الشهر] في أول الليلة، التي رُئي فيها الهلال.

قلت: والذي يظهر لي: أنه ليس بغلط، بل هو مقتضى التفريع على الوجه الذي ذهب إليه أكثر الأصحاب في أن آخر أول الشهر هو آخر جزء من اليوم الأول؛ فيكون أوله عند طلوع فجره.

وأما كونها تطلق في أول ليلة رُئي فيها الهلال، فذلك صحيح إذا قلنا: إن آخر الأول آخر جزء من الليلة الأولى من الشهر، وحينئذٍ يكون مجموع ما قيل في المسألة ثلاثة أوجه.

ولو قال: أنت طالق في سلخ رمضان، ففيه أربعة أوجه:

أحدها: أنه يقع في آخر جزء من الشهر، وهذا ما أجاب به الشيخ أبو حامد، وهو المذكور في المهذب والشامل.

والثاني- وهو المذكور في "التهذيب" و"التتمة"-: أنه يقع في أول اليوم الأخير من الشهر.

والثالث- عن رواية صاحب التقريب-: أنه يقع بمضي أول جزء من الشهر، وهو أبعدها.

وقال الإمام: اسم السلخ يقع على الثلاثة الأخيرة من الشهر، كما يقع [اسم]

ص: 100

الغرة على الثلاثة الأول [من الشهر]، فيحتمل أن يقع [في] أول جزء من الأيام الثلاثة؛ وهذا ما ذكره القاضي الحسين في التعليق مصدراً به كلامه، وقال: إنه أصح المذاهب.

ولو قال: أنت طالق عند انسلاخ [شهر] رمضان، قال الإمام: لم يتجه إلا القطع بالوقوع، مع آخر جزء من الشهر.

ولو قال: (أنت طالق عند انتصاف الشهر، ففي "التتمة": أنه يقع عند غروب الشمس من اليوم الخامس عشر، وإن كان الشهر ناقصاً؛ لأنه المفهوم من إطلاق النصف.

قال الرافعي: ولك أن تقول: يحتمل أن يقع في أول اليوم الخامس عشر؛ لأنه يُسمَّى النصف، [والمنتصف]؛ فيتعلق [الإطلاق] بأوله.

ويوضحه: أن ليلة [البراءة] تسمى: ليلة النصف من شعبان.

ولو قال: أنت طالق نصف النصف الأول من رمضان، وقع الطلاق عند طلوع فجر اليوم الثامن؛ لأن نصف النصف سبع ليالٍ ونصف، وسبعة أيام ونصف، والليل سابق على النهار، فيقابل نصف ليلة بنصف يوم؛ فيجعل ثماني ليال، وسبعة أيام نصفاً، وسبع ليالٍ وثمانية أيام نصفاً.

ولو قال: أنت طالق [نصف يوم كذا، طلقت عند الزوال].

فرع: لو قال: أنت طالق بين الليل، والنهار، طلقت بعد الغروب، أو قبل طلوع الفجر، [على ما] حكاه القاضي الحسين في كتاب العدد عند الكلام فيما إذا طلق الرجعية قبل الدخول، وعلله بأن بين الليل، والنهار جزءاً ليس منهما لا من حيث الإشارة، لكن من حيث الحكم.

وحكى الرافعي عند الكلام فيما إذا قال: إن ولدت ولداً، فأنت طالق رواية عن الإمام؛ حكاية عن القفال: أن الطلاق يقع لا في جزء من النهار، ولا في جزء من الليل.

ص: 101

قال الإمام: وهذا القول محال، لكن يقع الطلاق في آخر جزء من النهار.

وذكر الشيخ أبو علي: أنها تطلق إذا جاء أول الليل، فتحصّل لنا من مجموع كلامهم ثلاثة مذاهب، والله أعلم.

قال: وإن قال: إذا مضت سنة فأنت طالق، اعتبرت سنة بالأهلة، أي: إذا انطبق التعليق على أول جزء من الشهر؛ فيعتبر مضي اثني عشر شهراً بالأهلة؛ لأنها المعهودة في الشرع، قال الله تعالى:{يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة: 189].

قال: فإن كان في أثناء الشهر، اعتبر شهراً بالعدد، أي ثلاثين يوماً وإن كان الشهر الذي علق فيه ناقصاً، ويكمل من الشهر الأخير، وإنما اعتبرنا ذلك؛ للضرورة، ويعتبر الباقي بالأهلة؛ لما سبق.

قال في الشامل: ولا فرق بين أن يكون ما مضى من الشهر- يعني: الذي علق فيه الطلاق- قليلاً أو كثيراً، إلَّا أن يكون جزءاً يسيراً لا يمنع من وقوع اسم الشهر عليه؛ فلا يمنع احتسابه شهراً.

وقال الإمام: لا يتصور ألا ينكسر الشهر الأول إلّا بأن يعلق الطلاق، مثل أن يقول: إذا مضت سنة من أول رمضان، فأنت طالق؛ فيتأتى [اعتبار الأشهر].

أما إذا أنشأ وقال: إذا مضت سنة، فأنت طالق، فقد تعسر عدم انكسار الشهر الأول، فإن قوله يقع في شهر.

وفي المسألة وجه عن بعض أصحابنا: أنه متى انكسر الشهر [الأول]، انكسر ما بعده؛ فتكون الشهور كلها عددية.

قال الإمام: وهو مطرد في العدد، والآجال الشرعية، والأيمان.

فروع:

[أحدها]: لو شك فيما كان قد بقي من شهر التعليق بعدما انقضى أحد عشر

ص: 102

شهراً؛ لم يقع الطلاق إلا باليقين.

وذكر الحناطي وجهين في حل الوطء في حالة التردد.

ولو قال: أردت سنة بالعدد، وهي ثلاثمائة وستون يوماً، أو سنة شمسية، وهي ثلاثمائة [وخمسة] وستون يوماً- لم يقبل في الحكم؛ لأنه يدعي ما يتأخر به الطلاق عن الوقت الذي يقتضيه؛ لأن السنة الهلالية ثلاثمائة وأربعة وخمسون يوماً، وخمس يوم، وسدس يوم.

نعم: يدين؛ لأنه يحتمل ما يدعيه.

وحكى الحناطي وجهاً: أنه يقبل منه في الظاهر، وهو الذي أورده القاضي ابن كج، والأول هو المذكور في المهذب بتوجيهه.

قال مجلي: ولم يتبين لي وجه زيادة الخمس والسدس، ولا رأيته لغيره من الأصحاب، [ولقد] رأيت) في كتاب وقع لي منسوباً إلى الفرعاني نعته بأصول الحركات السماوية تحرير شهور العرب: شهر تام، وشهر ناقص؛ تكون السنة ثلاثمائة وأربعة وخمسين يوماً، ولكنها تزيد في كل ثلاثين سنة [أحد عشر يوماً، فإذا قسطت هذه الزيادة على السنين- خص كل سنة] خمس وسدس يوم، ثم قال: وهذا من الحساب المصحح باجتماع الشمس والقمر، وأما برؤية الأهلة؛ فإنه يختلف بزيادته ونقصانه، ويمكن أن تتوالى شهور تامة، وشهور ناقصة.

قال مجلي، وهذا يناقض ما حكاه في المهذب.

وفي الجيلي: أن الصحيح أن السنة الهلالية ثلاثمائة [و] خمسة وخمسون يوماً.

ولو قال: إذا مضت السنة فأنت طالق، [طلقت] إذا انقضت بقية سنة التاريخ، وهو انسلاخ ذي الحجة، قَلَّت المدة أو كثرت؛ لأن التعريف بالألف واللام يقتضي ذلك، فلو قال:[أردت] سنة كاملة، لم يقبل في الحكم، ويدين.

وحكم الشهر حكم السنة.

الفرع الثاني: لو قال: إذا مضي الشهر فأنت طالق، فوجهان:

أصحهما: أنه يحمل على [مضي] شهور تلك السنة التي هو فيها؛ لقوله تعالى:

ص: 103

{إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ} [التوبة: 36].

والثاني: [أنه] إذا مضى ثلاثة أشهر طلقت، [كذا] حكاه القاضي الحسين.

وهذا الخلاف يشابه ما حكاه الرافعي في الفروع آخر الطلاق، فيما إذا قال: إن رأيت الدم فأنت طالق، فالظاهر أنه يحمل على دم الحيض.

وقيل: يحمل على كل دم.

الفرع الثالث: لو قال: إذا مضى يوم فأنت طالق، وكان في الليل، طلقت بغروب شمس اليوم الذي يليه.

وإن كان في النهار فحتى يأتي مثل ذلك الوقت [الذي هو فيه] من اليوم الذي يليه.

قال: وإن قال: أنت طالق اليوم إذا جاء غد، لم تطلق- أي: لا في اليوم، ولا في الغد- وإليه ذهب ابن سريج، وصاحب التقريب؛ لأنه علق وقوع الطلاق في اليوم [على مجيء] الغد؛ فلا يقع الطلاق قبل مجيء الغد؛ لعدم الشرط، ثم إذا جاء الغد، فقد مضى اليوم، ولا يمكن أن يقع [الطلاق] في الزمان الماضي.

قال الإمام: [ولا يبعد أن] يقال: يقع الطلاق إذا جاء الغد، مستنداً إلى اليوم؛ كما لو قال: إذا قدم زيد فأنت طالق قبل قدومه [بيوم]، وفرق المحاملي في المجموع بينهما بأنه لم يجعل قدوم زيد شرطاً في وقوع الطلاق قبله حتى يقع [الطلاق] قبل الشرط، إنما أخبر أنه إذا وجد القدوم طلقت قبل ذلك، فمثاله في مسألتنا أن يقول: أنت طالق اليوم إذا جاء غد، وأنت من أهل الطلاق؛ فلا يخرج ذلك مخرج الشرط، ويطلق اليوم.

وقال القاضي الحسين في التعليق: ذكر العراقيون من أصحابنا في هذه المسألة وجهين، وعندي أن الطلاق يقع، ويلغو [قوله: إذا جاء الغد، وكذا إذا قال: أنت

ص: 104

طالق في هذا اليوم إذا جاء الغد، وإنما قلنا: يقع الطلاق] في اليوم؛ تغليباً للإشارة على العبارة، وهذا كما لو قال لامرأته الحائض: أنت طالق في هذا الوقت للسنة- طلقت في ظاهر المذهب في الحال؛ تغليباً للإشارة.

قلت: ويمكن أن تكون مادة هذا مادة وقوع الطلاق المعلق بالمستحيل.

فروع:

لو قال: أنت طالق اليوم غداً، طلقت في الحال، ولا تطلق في الغد، إلّا أن يقول: أردت طلقة في اليوم، وطلقة في الغد، [فتطلق] كذلك إذا لم تبن بالأولى.

وفي الذخائر: أن من [أصحابنا من] قال: تطلق في الغد طلقة أخرى.

فلو قال: أردت نصف طلقة اليوم، ونصف طلقة غداً [طلقت طلقتين].

ولو قال: [أردت] نصف طلقة اليوم، والنصف الباقي غداً، ففيه وجهان:

أحدهما- ما حكاه في "التتمة"-: أنه لا يقع إلا طلقة واحدة في الحال.

والثاني: أنه يقع طلقة أخرى في الثاني.

ولو قال: أنت طالق اليوم أو غداً، فوجهان:

أصحهما في الرافعي: الوقوع في الغد.

ولو قال: أنت طالق غداً اليوم، فوجهان:

[أصحهما] عند العبادي، وهو اختيار القاضي أبي حامد: أنه لا يقع في الحال [شيء]، وتقع طلقة في الغد.

والثاني: أنه يقع في الحال، وهو المذكور في التهذيب.

ولو قال: أنت طالق اليوم، وغداً، وبعد غدٍ، [وقعت طلقة] في الحال، ولا يقع بعدها شيء؛ لأن المطلقة في وقت، مطلقة فيما بعده.

ويقرب من هذا [الخلاف] ما حكاه العبادي في الزيادات، وهو [ما] إذا قال: أنت طالق أول النهار وآخره؛ فإنها تطلق [طلقة؛ بخلاف ما لو قال: آخر النهار

ص: 105

وأوله؛ فإنها تطلق] طلقتين، ووجهه ما قلناه.

ولو قال: أنت طالق اليوم [و] في غدٍ، وفيما بعد غدٍ، فيقع عليها في الحال طلقة، وفي الغد طلقة، وفي اليوم الثالث طلقة؛ قاله في "التتمة".

قال: وإن قال: أنت طالق قبل موتي، أو قبل قدوم زيد [بشهر]، فمات أو قدم [زيد] بعد شهر- طلقت قبل ذلك بشهر؛ لوجود الصفة، وهذا ما يوجد في أكثر الكتب.

ولو مات أو قدم زيد قبل شهر، لم تطلق.

وألحق به في الشامل ما إذا قدم بعد شهر ليس إلّا، وكذلك المحاملي في المجموع والبندنيجي في [مذهبه، وصوروا] المسألة الأولى بأن مضى مع الشهر لحظة بقدر زمان الوقوع، وهو المذكور في المهذب في مسألة الموت، و [إن] لم يذكره في مسألة القدوم، ولا فرق بينهما.

وفي مسألة القدوم قبل الشهر وجه حكاه في المهذب: أن ذلك بمنزلة قوله: أنت طالق أمس.

والصحيح المعروف: أنه لا يقع وجهاً واحداً.

والفرق أن القدوم يمكن أن يتأخر عن شهر، ويمكن أن يتقدم، والطلاق في الحقيقة تعلق بزمان [يكون] بينه وبين القدوم شهر، فوجب اعتبار الصفة، وهناك لا تعليق، وإيقاع الطلاق في الزمان الماضي محال؛ فيلغو وحكم التعليق بالضرب والدخول وغيرهما من الأفعال قبل الشهر- حكم التعليق بالقدوم.

وإذا وجد الضرب قبل الشهر، وقلنا بالصحيح [فتنحل اليمين] حتى لو ضربها بعد ذلك، وقد مضى شهر فأكثر؛ لا يقع الطلاق.

وأبدى الإمام فيه احتمالاً من مسألة [فعل] المحلوف عليه في حال البينونة، كما ذهب إليه الإصطخري [فيها].

ص: 106

فروع:

لو قال: أنت طالق قبل موتي طلقت في الحال؛ لأنه قبل موته، كذا قاله القاضي في التعليق والمتولي، [والقاضي أبو الطيب في آخر تعليق].

وفي الشامل نسبته إلى ابن الحَدّاد، وهذا بخلاف ما لو قال:[قَبِيل] موتي أو قُبَيْل موتي بضم القاف- فإنها لا تطلق إلّا في آخر العمر؛ على ما حكاه الرافعي، [والقاضي أبو الطيب]، ولو قال: بعد قبل موتي، يقع في الحال.

قال الرافعي: ويحتمل ألا يقع؛ لأن جميع عمره قبل الموت.

ولو قال: أنت طالق قبل أن أضربك، أو: تدخلي الدار، أو ما لا يتحقق وجوده، قال إسماعيل البوشنجي: هذا يحتمل وجهين:

أحدهما: أنه يقع في الحال، كما لو قال: قبل موتي.

وأصحهما: أنه لا يقع حتى يوجد ذلك الفعل؛ فحينئذ يقع مستنداً إلى أول اللفظ؛ وهذا لأن قولنا: هذا قبل هذا يستدعي وجودهما، وربما لا يكون لذلك الفعل وجود.

ولو قال: أنت طالق قبل أن أطلقك، فعلى وجه يقع الطلاق في الحال، كما لو قال: قبل موتي.

وعلى آخر لا يقع؛ لأنه لا حالة بعد هذا الحلف تكون هي قبل الطلاق؛ هكذا حكاه الرافعي في الفروع، وفي الشامل ذكره في مسألة الدور، وقال: إن الكلام فيه كالكلام في مسألة الدور.

ومقتضاه مجيء الأوجه الثلاثة، وأنه لا يقع شيء في الحال، وهو مخالف لأحد الوجهين السابقين فيجتمع فيه أربعة أوجه، ويجيء فيه ما أبديناه من التفصيل من قبل.

ولو قال: أنت طالق قبل يوم الأضحى، وأراد: الآتي، فلا تطلق حتى ينقضي.

وإن أراد الذي مضى، فيقع في الحال.

ولو قال: أنت طالق قبل موت فلان، وفلان بشهر، فإن مات أحدهما قبل شهر لم يقع.

وإن مات أحدهما بعد مضي شهر فأكثر، فوجهان:

ص: 107

أحدهما: أنه يقع الطلاق قبل موته بشهر.

والثاني: لا يقع أصلاً؛ لأن الصفة لا تتحقق؛ لأنه إذا وقع قبل موت الأول بشهر، يكون قبل موت الآخر بأكثر من شهر، وهذا الثاني خرجه البوشنجي، [والله أعلم].

قال: وإن قال: (أنت طالق أمس) طلقت في الحال؛ لأنه وصف الطلاق بما لا يتصف به، فلغت الصفة، ووقع الطلاق، كما لو قال لمن لا سنة لها، ولا بدعة: أنت طالق للسنة.

ولا فرق في وقوع الطلاق في الحال بين أن يقول: أردت إيقاع الطلاق أمس، [وأن حكمه يستمر إلى الآن، أو يقول: أردت إيقاعه الآن، وأن حكمه ينعطف إلى أمس،] أو يقول: لم أرد شيئاً.

ولا [فرق] بين أن تكون زوجة له بالأمس، أو لا تكون.

وحكي عن رواية الرّبيع قول أن الطلاق لا يقع.

واختلف نقل المصنفين في محله:

ففي الشامل: أنه فيما إذا قال: أردت إيقاعه بالأمس، أو لم تكن لي نية.

وفي الرافعي، والتهذيب أنه فيما إذا أراد إيقاعه بالأمس، ولم يرد إيقاعه في الحال، وهذه صورة مسألة الكتاب.

وفي النهاية وتعليق القاضي الحسين و"التتمة": أنه فيما إذا أراد الإيقاع الآن، وانعطاف حكمه إلى أمس، وهو ما دل عليه كلام البندنيجي.

أما إذا أراد الإيقاع [بالأمس]، ففي النهاية حكاية وجهين عن رواية شيخه، وادعى اشتهارهما.

والأقيس منهما في "الوسيط": أنه لا يقع.

وأظهرهما في الرافعي: أنه يقع، وذكر أنه الذي ذكره في التهذيب.

وفي ابن يونس أنه يقع في هذه الصورة بلا خلاف.

وفي الجيلي: أن الخلاف في أصل المسألة يبنى على أن الطلاق يقع بالقول معه أو

ص: 108

عقيبه؟ وفيه خلاف بين الأصحاب:

فمنهم من قال: يقع معه؛ فعلى هذا يقع الطلاق هنا، ولا تأثير لقوله: أمس.

ومنهم من قال: يقع عقيبه؛ لأن تعليق الطلاق [به]، كتعليق الملك بالبيع، فكما يقع الملك عقيب البيع كذلك الطلاق؛ فعلى هذا يكون لقوله: أمس أثر.

ويجري مثل هذا الخلاف فيما إذا نوى التعليق متصلاً باللفظ، أو نية [الكناية] متصلة باللفظ، وجميع الأحكام المشابهة لهذه المسألة؛ هذا آخر كلامه.

وفي كلام الغزالي في كتاب الظهار عند قوله: أعتق عبدك عني دليل عليه.

وحكمه فيما إذا مات، أو جن، أو خرس، ولم تفهم إشارته حكم ما إذا قال: لم أرد شيئاً.

وحكى الحناطي وجهاً آخر: أنا لا نحكم بوقوع الطلاق إذا لم نقف على تفسير.

ولو قال: لم أرد بهذا الكلام إنشاءاً في الحال، ولا فيما مضى، وإنما أردت أني طلقتها أمس في هذا النكاح، وهي في عدة الرجعية، أو بائن [الآن] فيصدق بيمينه، وإن كذبته حتى تسقط نفقتها إن كان الطلاق بائناً، ويتنصف الصداق إن كان الطلاق قبل الدخول؛ على ما حكاه في "التتمة" من غير تفصيل.

وقال القاضي الحسين: إن كان الزوج غائباً عنها، وعن البلد، أو كان مفارقاً لها عن دارها، ولا يدخل عليها- كان القول قوله في إسقاط النفقة مع يمينه؛ لأن الظاهر معه.

وإن كان معها في دارها، فالقول قولها؛ لأن الظاهر معها.

وهكذا الحكم عنده فيما لو ادعى الزوج أنه طلق امرأته من سنة، وقالت: إنما طلقني اليوم.

وفي الإشراف: أنه لا يقبل قوله في إسقاط النفقة، وكذا في إسقاط الشطر؛ إن كان قد دخل بها قبل الإقرار.

ص: 109

وأما العدة، فتكون من الوقت الذي ذكره إن صدقته، وإن كذبته فالعدة من وقت الإقرار؛ [قاله ابن الصبّاغ والبغوي وغيرهما ها هنا، وأشار إليه المتولي في كتاب الفرائض في طلاق المريض].

وفي البندنيجي وغيره حكاية عن الشافعي في الأم في باب طلاق المريض فيما إذا أقر في المرض: انه طلق في الصحة: أن إقراره يثبت من يوم إيقاع الطلاق، والعدة من يوم إقراره به، ولا ترثه قولاً واحداً؛ لأنه طلاق وقع في حال الصحة.

فإن أجري هذا النص على ظاهره، وجب أن تكون العدة في هذه المسألة- أيضاً- من وقت الإقرار.

وإن حمل على حالة التكذيب، لم يكن فرق بين الموضعين.

وفي النهاية في أصل المسألة عن القاضي الحسين: أنها إن صدقته قبل، ولا يقع سوى طلقة، وإلّا فالقول قولها في إنشاء الطلاق، وحينئذ فيحكم عليه بطلقتين: طلقة بالإقرار، وطلقة بالإنشاء، وهو بعيد.

ولو قال: أردت أني طلقتها أمس، وبانت مني، ثم نكحتها أو طلقها غيري ثم نكحتها، فإن صدقته قُبل.

وإن أقام على ذلك بينة، وصدقته في إرادته، قبل أيضاً.

وإن كذبته، وقالت: لم ترد ذلك، وإنما أردت إنشاء الطلاق الآن، فيحلف [الرجل]، هكذا حكاه في الشامل، ويخالف ما إذا قال: طلقتها في هذا النكاح؛ حيث يصدق، ولا يطالب بالبينة؛ لأنه [ثَمَّ] معترف بطلاق في هذا النكاح، وها هنا يريد صرف الطلاق عن هذا النكاح.

فروع:

لو قال: أنت طالق الشهر الماضي، أو في الشهر الماضي، فالحكم كما لو قال: أمس.

ص: 110

ولو قال: للشهر الماضي، ففي المجرّد للقاضي أبي الطيب: أنا نحكم بوقوع الطلاق في الحال قولاً واحداً كما لو قال: [أنت طالق] لرضا فلان).

قال الرافعي: لكن الكلام في مثل هذا يستعمل للتأريخ، واللفظ محتمل للمعاني المذكورة فيما إذا قال: في الشهر الماضي.

ولو قال: أنت طالق غد أمس، أو أمس غد على الإضافة- طلقت في الحال فإنه غد أمس، [وأمس غد].

ولو قال: غداً أمس، أو أمس غداً لا على الإضافة- طلقت للفجر من الغد، ويلغو ذكر الأمس، هكذا أطلقه في التهذيب.

ونقل الإمام مثله فيما لو قال: أنت طالق أمس غداً وأبدى فيه توقفاً؛ لأن قوله: أنت طالق أمس، كقوله: أنت طالق الشهر الماضي، ولو أطلق هذا اللفظ لوقع في الحال، فذكر الغد معه لا يغير هذا المعنى، ولا يقتضي تأخير الطلاق.

قال: وإن قال: (إن طرت، أو صعدت السماء فأنت طالق)، لم تطلق؛ وهذا ظاهر ما نقله المزني؛ لأنه لم ينجزه حتى يتنجز، [ولكن علقه] ولم توجد الصفة المعلق عليها، وقد يكون الغرض من التعليق بغير الممكن أن يمتنع وقوع الطلاق؛ حيث لا توجد الصفة، كما قال تعالى:{حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} [الأعراف: 40].

وحكم التعليق بالمستحيل عادة: كحمل الجبل العظيم، وما جانسه حكم التعليق بالصعود.

قال: وقيل فيه قول آخر: أنها تطلق؛ لأن التعليق إنما يثبت إذا كان المعلق عليه مما يرتقب حصوله، فأما إذا كان غير ممكن- بطل التعليق، وبقي التطليق من غير تعليق، كما لو قال لغير المدخول بها: أنت طالق للسنة، وهذا خرجه ابن خيران في المسألة المذكورة في الكتاب قبل هذه المسألة، وخرج ثَمَّ من هذه- أيضاً- قولاً: أنها لا تطلق، وجعلهما على قولين، والصحيح الأول.

ص: 111

والفرق: أن الطيران، وصعود السماء لا يستحيل في قدرة الله- تعالى- وقد جعل الله لجعفر بن أبي طالب جناحين يطير بهما، وإيقاع الطلاق في زمان ماضٍ مستحيل.

ولأن إيقاع الطلاق في الزمان الماضي يتضمن وقوعه في الحال، وهو غير محال، فأعملناه فيه، والتعليق بالصفة لا يتضمن وقوع الطلاق [قبل الصفة]؛ فافترقا.

وحكم المستحيل عقلاً كإحياء الموتى- حكم التعليق بالمستحيل عادة عند الإمام.

وفي النهاية حكاية وجه ثالث: [أنه يقع] عند التعليق بإحياء الموتى، ولا يقع عند التعليق بالصعود والطيران.

وفي "التتمة": أن التعليق بالمستحيل عقلاً: كالجمع بين السواد والبياض، وإدخال الجمل في سم الخياط يلغى، ويقع الطلاق في الحال على الظاهر من المذهب، وألحق به المستحيل شرعاً، كما لو قال: إن نسخ وجوب الصلوات الخمس، أو صوم [شهر] رمضان فأنت طالق).

فرع: رجل له زوجة [حرة][وأمة، فاستدعى] الأمة فجاءت الحرة [إليه] في ظلمة، أو كان الرجل أعمى، فاعتقد أنها الأمة، فقال لها: إن لم تكوني أحلى من الحرة، فأنت طالق، قال في "التتمة": الحكم في [وقوع الطلاق عليها على] ما ذكرناه.

قال: وإن قال: (إن رأيت الهلال فأنت طالق) فرآه غيرها- أي: [وثبت] بقوله دخول الشهر- طلقت؛ لأن رؤية الهلال في عرف الشرع رؤية الناس له؛ قال صلى الله عليه وسلم "صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، [وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ"].

ويقال: رأينا الهلال [ببلد كذا، ويراد رؤية بعض أهل البلد، وإذا كان كذلك، كانت اليمين منزلة عليه؛ كما لو علق الطلاق على صلاتها؛ فإنها تحمل على الصلاة الشرعية، دون الدعاء.

ص: 112

ولو لم ير الهلال] لحائل، طلقت باستكمال الشهر الذي حلف فيه ثلاثين يوماً؛ لأنه قد ثبتت الرؤية بالشرع؛ فصار كما لو ثبتت بالشهادة؛ هكذا حكي عن أبي إسحاق، وهو المذكور في المهذب.

ولو قال المعلق: أردت بقولي: إن رأيت: المعاينة، قبل قوله في الباطن، وفي الظاهر وجهان:

المذكور منهما في المهذب عدم القبول.

وأشبههما عند الرافعي: القبول، وهو الأصح في التهذيب، إلا أن تكون عمياء فلا يقبل في الظاهر.

قال في "التتمة" وجهاً واحداً.

قال الرافعي: وبالقبول أجاب الحناطي.

وحكي فيما إذا طلق، ولم يرد شيئاً قولين في أنه هل يقع الطلاق برؤية الغير.

ولا فرق فيما ذكرناه بين أن يكون التعليق بالعربية أو بالعجمية.

وعن القفال أنه إن كان التعليق بالعجمية، فيحمل على المعاينة دون العلم، ويستوي فيه البصير والأعمى؛ لأن العرف المذكور لم يثبت إلا في العربية.

ومنع الإمام الفرق.

وفي التهذيب حكاية وجه: أنه يحمل في حق الأعمى [على العلم]، وإيراده يقتضي ترجيح قول القفال، وهو ما حكاه في "التتمة" أيضاً.

قال: فإن رأته بالنهار- أي: في نهار التاسع [والعشرين من الشهر] الذي حلفت فيه- لم تطلق- أي: [حتى تغرب] الشمس- لأن الهلال لا يسمى: هلالاً إلّا إذا رئي في زمان الليل، هكذا قاله القاضي الحسين في التعليق.

وقيل: تطلق؛ حكاه ابن يونس وغيره.

ص: 113

وفي الذخائر حكاية الخلاف فيما إذا قال: أردت رؤية البصير وجهين:

أحدهما: أنها تطلق في الحال.

والثاني: لا تطلق.

أما إذا حمل على العلم، فلا تطلق في الحال، فإذا جاء الليل طلقت.

ثم قال: ويحتمل إجراء الوجهين فيها.

وجزم في "التتمة" بعدم الوقوع إذا كان التعليق برؤية البصير، وعلله بما ذكرناه عن القاضي.

تنبيه:

إطلاق التعليق برؤية [الهلال يحمل على هلال أول شهر تستقبله، حتى إذا لم تره في الشهر الأول، وكان التعليق برؤية] البصير: إما مصرحاً به، أو مراداً بالنية- ترتفع اليمين؛ قاله في التهذيب، و"التتمة".

وفي الجيلي: أن مسألة الكتاب كلام الشيخ يقتضي تصويرها فيما إذا قال: إن رأيت هلال شهر كذا؛ إذ لو لم يقل كذلك، لطلقت برؤية الهلال، سواء كان قبل الزوال أو بعده، وإلى ثلاثة أيام؛ فإنه هلال، وعزا الحكم إلى البحر.

فرعان:

أحدهما: لو قال: إن رأيت الهلال ببصرك فأنت طالق، أو أراد ذلك عند إطلاق لفظ الرؤية، فرأته في الليلة الثانية أو الثالثة- طلقت، ولو رأته في الرابعة، لم تطلق، قاله الرافعي.

وفي المهذب: أنها إذا رأته بعد أن صار قمراً، لم تطلق.

واختلف الناس فيما يصير به قمراً:

[فقال بعضهم: يصير قمراً] إذا استدار.

وقال بعضهم: إذا بهر ضوءه.

وفي الجيلي حكاية وجهين عن الحاوي فيما إذا رأته في الليلة الرابعة، أو بعد أن

ص: 114

صار قمراً.

الثاني: إذا قال: إن رأيت زيداً، فأنت طالق، فرأته ملفوفاً، لم تطلق على الأصح من المذهب؛ [كما] حكاه القاضي، وغيره جزم به.

وإن رأته أو بعضه غير ملفوف؛ طلقت.

وفيه وجه: أن المعتبر رؤية الوجه.

وقال القاضي الحسين: إن رأت وجهه، طلقت على ظاهر المذهب، وفي "التتمة" أنها إذا رأت رجله أو يده، وقد أخرجها من كوة، لا يقع الطلاق؛ لأن الاسم [لا يطلق عليه]، وإن كان قد حكي أنها إذا رأت بعضه طلقت، ولو رأته في ماءٍ صافٍ، أو من وراء زجاج؛ طلقت على الأصح.

و [لا فرق فيما ذكرناه بين أن تراه حيّاً أو ميتاً، أو مجنوناً، أو عاقلاً، وكذا لو رأته، وهي مجنونة طلقت].

ولو كانت عمياء، فقالا: إن رأيت زيداً فأنت طالق، ففي النهاية: أن الطلاق معلق بمستحيل- على المذهب- فلا يقع.

وفيه وجه أنه يحمل على حضوره عندها، واجتماعهما في مجلس واحد؛ لأن الأعمى يقول: رأيت فلاناً [الآن، أو] اليوم، ويريد الحضور عنده.

قال: وإن كتب الطلاق، ونوى، وكتب: إذا جاءك كتابي، فأنت طالق، فجاءها وقد انمحى موضع الطلاق- أي: بحيث لا يمكن قراءته- وبقى غيره مما يعتذر به عن الطلاق، ومما يوبخها عليه من الأفعال الملجئة إلى الطلاق- لم يقع الطلاق؛ وهذا ما حكاه الشيخ [أبو علي]، وعلله بأن ذلك مقصود الكتاب، فإذا ذهب، لم ينطلق الاسم على الباقي.

وعلله غيره بأن الكتاب عبارة عن جميع الأجزاء، ولم يصل جميعه.

ووراء ذلك وجهان آخران حكاهما المراوزة:

أحدهما: أنه يقع؛ لوجود الصفة؛ إذ الكتاب قد جاء.

ص: 115

والثاني: إن كان قد كتب: إن أتاك كتابي، وقع، وإن كتب: إن أتاك كتابي هذا، لم يقع، كما سيأتي مثله في المسألة الثانية.

[أما] إذا كانت قراءته ممكنة، وقع الطلاق [على المذهب].

ولو انمحى الكتاب بجملته، لم يقع الطلاق على المذهب، كما لو كتبه ثم محاه بنفسه، وعلى هذا تبنى الفروع.

وحكى صاحب التقريب وجهاً: أن الطلاق يقع؛ فإن هذا- وإن انمحى- يسمى: كتاباً، واعلم أن اللغة الفصيحة: محا موضع الطلاق.

قال الجوهري: يقال: محا لوحه يمحوه محواً، ويمحيه محياً، ومحاه فهو مَمْحُوّ ومَمْحِيٌّ وامَّحى وانمحى لغة فيه ضعيفة.

قال: وإن انمحى غير موضع الطلاق- أي: مما ذكرناه- وبقي موضع الطلاق، فقد قيل: يقع؛ لأن المقصود قد أتاها.

وقيل: (إن كتب: (إن أتاك كتابي)، [وقع؛ لما سبق.

وإن كتب إن أتاك كتابي] هذا- لم تطلق؛ لأن هذا يقتضي جميعه، ولم يأتها.

قال ابن الصباغ: ذكر القاضي هذا الوجه، ولم يفصل هذا التفصيل؛ لأنه إذا قال: كتابي أو الكتاب، اقتضى جميعه.

وقيل: لا تطلق بحال، وعلته ما ذكرناه عن بعضهم في المسألة الأولى.

ولو جاء الكتاب، وقد انمحت البسملة أو الحمدلة ففي الوقوع الأوجه الثلاثة في المسألة قبلها، لكن عند المراوزة، وإطلاق العراقيين يقتضيه أيضاً، حيث لم يفصلوا في المسألة قبلها بين البسملة، وغيرها، وفي هذه المسألة: الوقوع أولى.

ولو جاء الكتاب، وقد زال بياضه، وبقيت سطوره، فمن أصحابنا من قال: [هي

ص: 116

على] الأوجه، ووجهه بأن الحواشي من جملة الكتاب؛ بدليل منع المحدث من مس ذلك من المصحف، فصار كمقاصده.

ومنهم من قال: [لا] يقع ها هنا وجهاً واحداً، وهو المذكور في المهذب، والشامل، وتعليق القاضي الحسين.

قال في الذخائر: وحكى القاضي وجهاً راجعاً إلى هذه الصورة: أنه إن ذهب أكثر الكتاب لم تطلق، وإن كان الباقي أكثر طلقت، وهذا ما أبداه الإمام احتمالاً.

ولا يخفى أن ما ذكرناه مفرع على أن الكتابة يقع بها الطلاق مع النية.

فروع:

أحدها: لو كتب: إن أتاك طلاقي فأنت طالق، فجاءها موضع الطلاق، وقع الطلاق، وإن لم يأتها وأتاها غيره لم يقع.

الفرع الثاني: [و] لو كتب: إن أتاك نصف كتابي، فأنت طالق، فجاءها الكتاب بجملته، ففي وقوع الطلاق وجهان عن صاحب التقريب.

قلت: ومن قال بعدم الوقوع يلزمه أن يقول به فيما إذا قال لزوجته: إن أكلت نصف رمانة، فأنت طالق، فأكلت رمانة، فإن المنقول فيها فيما وقفت عليه وقوع الطلاق، حتى [إنهم] عقَّبوا ذلك بأنه لو قال: إن أكلت رمانة فأنت طالق، [وكلما] أكلت نصف رمانة، فأنت طالق، فأكلت رمانة- طلقت ثلاثاً، هكذا حكاه الإمام وابن الصباغ وغيرهما.

ووجه الإمام عدم الوقوع في مسألة الكتاب بن النصف في هذا المقام إنما يطلق لغرض التبعيض، فإذا لم يتحقق التبعيض، لم تتحقق الصفة، وهذا لا ينجي من السؤال.

[الفرع الثالث:] لو كتب: إن قرأت كتابي، فأنت طالق، فإن كانت تحسن القراءة؛ طلقت بقراءة جملته، فإن قرأت بعضه، قال الرافعي: الحكم فيه كما لو وصل بعض الكتاب.

ص: 117

ولو قرئ عليها فوجهان:

أحدهما: أنه يقع؛ لأن ذلك يراد للإطلاع على مضمون الكتاب دون القراءة، وقد حصل.

قال الإمام: ويؤيده أن علماءنا لم يختلفوا في أنها لو طالعت الكتاب، وفهمت ما فيه، ولم تتلفظ بكلمة- أن الطلاق يقع، وإن لم توجد قراءة.

والثاني: أن الطلاق لا يقع، وهو ما حكاه القاضي الحسين في التعليق، ثم قال: وهذا بخلاف ما لو قال: إن رأيت الهلال، فأنت طالق، فرآه غيرها؛ لأن الرؤية عبارة عن العلم؛ كقوله تعالى:{أَلَمْ تَرَى إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ} [الفرقان: 45] يعني: ألم تعلم؟ والقراءة ليست كذلك.

وإن كانت لا تحسن القراءة، وقع عليها الطلاق بقراءة الغير، وادعى الإمام أنه الذي قطع به الأصحاب.

وفي الذخائر: أن من أصحابنا من قال: لا تطلق؛ لأنه معلق بقراءتها، ولم توجد.

قال: والحكم فيه كالحكم [فيما لو] علق الطلاق على صعود السماء، والطيران، وفيه وجهان:

أحدهما: أنه يقع؛ فعلى هذا يقع الطلاق ها هنا ببلوغه إليها، وإن لم تره.

قلت: وفي هذا نظر؛ لأن التعليم ممكن عادة [فقراءته بعد ذلك ممكنة عادة]، وليس في الصيغة ما يقتضي الفورية.

نعم: لو قيد القراءة بحال وصول الكتاب، أمكن أن يخرج [على ما] قاله.

وفيه نظر من وجهٍ آخر؛ [حيث] قال: فيقع عند وصول الكتاب إليها، ومقتضى تخريجه على الأصل الذي ذكره: أن يقع الطلاق حال فراغه من كتابة الطلاق إذا وجدت معه النية، كما يقول فيما إذا حلف على الصعود أو الطيران، وقلنا: إنه يحنث؛ فإنه يقع الطلاق في الحال.

والكتابة ها هنا مع النية، كالنطق ثم، والله أعلم.

[الفرع الرابع:] لو كتب: أنت طالق، ثم استمر وكتب: إذا جاءك كتابي، نظر:

ص: 118

إن فعل ذلك، لحاجته إلى المداد، لم يقع إلا بوصول الكتاب، وإن فعل ذلك لغير حاجة، وقع في الحال.

[الفرع الخامس:] إذا ادعت المرأة أن كتابه وصل إليها بالطلاق، وأنكر الكتابة، فالقول قوله مع يمينه.

فإن أحضرت بينة تشهد بأن الكتاب الذي وصل إليها [بالطلاق] خطه- لم تسمع، إلا أن تراه قد كتبه وحفظته إلى وقت الشهادة، فإنه لا يُجوز للشاهد أن يشهد: أن هذا خط فلان إلا أن يراه يكتبه، ولم يغب عنه؛ لأنه قد يزور.

قال: وإن قال: إن ضربت فلاناً، فأنت طالق، فضربته وهو ميت؛ لم تطلق؛ لأن القصد بالضرب ما يتألم به المضروب، وهذا ليس كذلك؛ هذا هو الظاهر.

قال الرافعي: وأثبت القاضي الروياني: فيه خلافاً.

ولو ضربته وهو نائم، أو مغمى عليه، أو مجنون، طلقت؛ قاله القاضي في التعليق.

ولو ضربته حيّاً، لكن ضرباً غير مؤلم، لم يقع الطلاق عند معظم الأصحاب.

وذهب طوائف من المحققين [إلى] أن الألم ليس بشرط؛ فتطلق.

قال ابن الصباغ: وهذا الذي تقتضيه أصولنا؛ لأن اليمين يعتبر [فيها ظاهر اللفظ، ولا يعتبر] فيها المقصود في العادة، كما لو حلف لا يبتاع شيئاً، فوكل في ابتياعه، كذلك أبداه فيما إذا ضربته وهو ميت.

[ولو] وضعت عليه حجراً ثقيلاً، فتألم به، فليس بضرب، ولا يحنث، قاله الإمام.

وفي الذخائر: [أنه يحنث، وأبدى احتمالاً في أنه لا يحنث؛ لعدم الإثم، وسيأتي الكلام في] بقية الفروع في جامع الأيمان- إن شاء الله تعالى- قال: وإن

ص: 119

قال: إن قدم [زيد فأنت طالق، فقدم به ميتاً، لم تطلق؛ لأنه ما قدم وإنما قدم به] وإن حمل مكرهاً، لم تطلق قال الإمام بلا خلاف، ووجهه ما ذكرناه.

قال الرافعي: ويأتي فيه خلاف؛ لأن صاحب المهذب وغيره نقلوا طريقاً فيما إذا حلف لا يدخل الدار، فحمل بغير إذنه واختياره، وأدخل، أنه على القولين فيما إذا أكره حتى دخل بنفسه، ووجهوه بأنا سوينا في حال الاختيار بين دخوله بنفسه ودخوله محمولاً.

وإيراد البندنيجي في مذهبه يشير إليه؛ حيث قال: إن المذهب أن الطلاق لا يقع.

قال: وإن أكره حتى قدم [بنفسه]، ففيه قولان:

أحدهما: تطلق؛ لأنه قدم بنفسه؛ [فأشبه ما] إذا كان مختاراً.

والثاني: لا تطلق؛ لأن بالإكراه زال اختياره، وإذا وجدت الصفة بغير اختياره، كان لوجود الطلاق منه بغير اختياره مكرهاً.

قال الإمام: والفرق بينهما [على القول الأول]: أنا نبطل اختيار المكره في التخيير بالإكراه المقترن به؛ وهذا لا يتحقق في الصفة؛ فإن قول القائل: إن دخلت الدار متناول لما ينطلق عليه اسم الدخول، سواء كان على صفة الاختيار، أو صفة الإجبار، [وكأن الحكم بوقوع الطلاق- مأخوذ] من تناول العقد بطريق الإكراه، وعقد اليمين على ما وجد من المكره ممكن؛ فإنه لو قال باختياره: إن دخلت الدار مكرهاً، فأنت طالق، فأجبر على الدخول- وقع وفاقاً.

ولا فرق في جريان القولين بين أن يعلم المحلوف على قدومه باليمين، أو لا

ص: 120

يعلم؛ على الأظهر من الطريقين عند الأصحاب؛ على ما حكاه الإمام، وإطلاق ابن الصباغ يقتضيه مع قرينة التفصيل في القدوم [من غير إكراه] على ما سنذكره.

ولا بين أن يكون ممن يمتنع [من القدوم] لأجل اليمين، [أو لا يمتنع، على اختيار الإمام.

والرافعي أثبت طريقة القطع بالوقوع، ثم حكى بعد ذلك طريقة القولين.

ولو قدم غير مكره، نظر:

إن كان عالماً باليمين؛ طلقت.

وإن لم يعلم باليمين، أو علم، ونسي، فإن كان المحلوف على قدومه، ممن لا يمتنع لأجل اليمين: كالسلطان، والأجنبي، طلقت؛ لأن ذلك ليس بيمين، وإنما هو تعليق بصفة؛ فأشبه ما لو قال: إن دخل الحمار الدار، فأنت طالق.

وإن كان ممن يمتنع من القدوم؛ لأجل اليمين]: كقرابة المرأة، أو قرابته، [أو غلامة]، وبالجملة كل من يسوءه طلاقها- فإن أراد الحالف أن يجعل قدومه صفة دون اليمين، مثل أن يقصد أن يطلقها إذا حصل معها محرم لها، ولا يطلقها دونه- طلقت أيضاً؛ لما [ذكرناه وإن] قصد [أن يمنعه] من القدوم، فهل يقع الطلاق؟ فيه قولان يأتي بيانهما في الأيمان، إن شاء الله تعالى.

[وصور] البندنيجي القولين [في "التتمة" وقدم مكرهاً بصورة القولين] في القدوم ناسياً، أو جاهلاً.

وقال القفال: لا أثر للنسيان، والجهل [والإكراه] في الحلف بالطلاق، [بل متى] وجدت الصفة المحلوف عليها، ولو في حالة من هذه الأحوال، وقع الطلاق، بخلاف الحلف بالله عز وجل؛ لأن التعويل في اليمين على تعظيم اسم

ص: 121

الله- تعالى- والحنث هتك لحرمته، وهذه الأحوال تمنع حصول الهتك، والتعويل في تعليق الطلاق على حصول الصفة المعلق عليها، وهي حاصلة، وإن فرضت هذه الأحوال.

قال الإمام: وهذا مختص بالقفال، والأصحاب على طرد الخلاف في الباب.

فرع: إذا علق الطلاق بدخول طفل، أو بهيمة، أو سنور، ووجد الدخول مكرهاً.

قال الحناطي: يحتمل أن يحصل الحنث؛ لأنه ليس لهم قصد، ولا اختيار صحيح؛ فلا أثر للإكراه.

ويحتمل ألا يحصل.

فرع آخر: لو قدم المحلوف على قدومه، وهو مجنون، قال الطبري: إن كان يوم عقد اليمين عاقلاً، ثم جن بعد ذلك، لم يقع الطلاق؛ لأنه لا حكم لفعله، وإن كان في ذلك اليوم مجنوناً وقع؛ لأنه يجري مجرى الصفات.

قال: وإن قال: إن خرجت إلا بإذني، فأنت طالق، فأذن لها وهي لا تعلم، فخرجت؛ لم تطلق؛ لأنها لم تخرج بغير إذنه.

وحكى الطبري وجهاً: أنها تطلق؛ بناءً على أن الوكيل لا ينعزل قبل بلوغ خبر العزل إليه.

ونقله الفوراني قولاً [عن الشافعي.

[ولو أذن لها وهي مجنونة أو صغيرة فخرجت بعده فهل يصح هذا الإذن حتى لا يحنث، أو لا يصح؟ فيه وجهان في البحر في آخر كتاب الأيمان، وأصحهما الأول، وعلى مقابله هل ينبني على أن عمد الصبي والمجنون عمد أو لا؟ فإن قلنا: إنه عمد حنث، وإن قلنا: ليس بعمد، خرج على القولين في حنث الناسي، وهكذا الحكم فيما إذا خرجت بغير الإذن.

قال:] وإن أذن لها مرة، فخرجت بالإذن، ثم خرجت بغير الإذن، لم تطلق؛ لأن الإذن لا يقتضي التكرار؛ فصار كما لو قال: إن خرجت مرة

ص: 122

بغير إذني فأنت طالق.

ونقل الشيخ أبو محمد قولاً مخرجاً: أنها تطلق.

قال الغزالي: وهو حسن إلا أنه غريب، كما لو قال: إن خرجت لابسة ثوب حرير، فأنت طالق، فخرجت من غير حرير، ثم خرجت لابسة [ثوب] حرير؛ فإنه يحنث وفاقاً.

قال مجلي: وهذا لا يصح؛ لأن خروجها أولاً، لم تنحل به اليمين؛ لعدم الصفة، فحنث في الثاني؛ بخلاف مسألتنا.

ولو أذن لها في الخروج، ثم رجع عنه، فخرجت بعد المنع، لم يحنث؛ لحصول الإذن.

قال الشيخ أبو نصر: وفيه نظر؛ لأن رجوعه عن الإذن يبطله؛ فتكون خارجة بغير إذنه؛ ولهذا تأثم، ومجرد الإذن لا يحل اليمين؛ لأن المحلوف عليه الخروج دون الإذن.

فرع: لو أخرجها هو هل يكون [الإخراج] إذناً؟ فيه وجهان، قاله الرافعي في وقوع الطلاق، والقياس المنع.

قال: وإن قال: كلما خرجت إلا بإذني، فأنت طالق، فأي مرة خرجت بغير الإذن طلقت؛ لأن "كلما" تقتضي التكرار، فإذا أراد الخلاص من اليمين، فليقل لها: أذنت لك أن تخرجي متى شئت.

وإن قال: إن خرجت إلى غير الحمام فأنت طالق، فخرجت إلى الحمام، ثم عدلت إلى غير الحمام، لم تطلق، ولو كان بالعكس طلقت.

وإن [قصد بهما الخروج]، فوجهان:

ص: 123

المذكور منهما في الشامل، والمجموع للمحاملي: الحنث.

فرع: لو حلف: لا يخرج من البلد إلا مع امرأته، فخرج لكنه تقدم [عليها] بخطوات، ففي وجه [لا يحنث؛ للعرف، وفي آخر] يحنث، وإنما يحصل البر بأن يخرجا معاً من غير تقدم؛ حكاه الرافعي في الفروع.

قال: وإن قال [لها]: إن خالفت أمري فأنت طالق، ثم قال لها: لا تخرجي، فخرجت- لم تطلق؛ لأنها لم تخالف أمره، وإنما خالفت نهيه.

قال الغزالي: وفيه نظر.

وإن قال: إن خالفت نهيي، فأنت طالق، ثم قال لها: قومي، فقعدت، قال الإمام: ذهب الفقهاء إلى أن الأمر بالشيء نهي عن أضداد المأمور به، فقد خالفت نهيه إذا قعدت؛ فيقع الطلاق.

وقد أوضحنا في مجموعنا في الأصول أن الأمر لا يكون نهياً، ولا يتضمن نهياً، فلا يقع الطلاق؛ [إذ لو] كنا نعتقد اعتقاد الفقهاء؛ لتوقفنا في وقوع الطلاق، فإن الأيمان لا تحمل على معتقدات الناس في الأصول.

وفي الذخائر: أن من قال بالوقوع في هذه المسألة؛ لما ذكرناه من التعليل ينبغي أن يقول: [إنها] تطلق في المسألة الأولى؛ لأن النهي عن الشيء أمر بأحد أضداده، وبضده إن لم يكن له سوى ضد واحد، وضد عدم الخروج [الخروج] لا غير؛ فكان نهيه عن الخروج [أمراً] بالسكون، فإذا خرجت؛ فقد خالفت الأمر الذي تضمنه النهي عن الخروج.

فرع: إذا قال [لها]: إن أمرتك بأمر فخالفتيه، فأنت طالق [ثم قال لها: إن لم تصعدي السماء، فأنت طالق]، ففيه وجهان.

ص: 124

أحدهما: تطلق؛ لأن اللفظ يقتضي أمرها بالصعود.

والثاني: لا تطلق، وهو الصحيح؛ لأنه ليس أمراً محققاً، وإنما هو تعليق الطلاق على عدم الصعود.

نعم: لو قال لها: اصعدي السماء، هل يقع الطلاق؛ لعدمه منها؟

قال مجلي: فيه نظر، يتعلق بأن ما لا يطاق هل يصح تكليفه؟ فإن قلنا: لا يصح، خرجت الصيغة عن أن تكون أمراً، وإن قلنا: يصح، كانت أمراً؛ فتطلق بالمخالفة.

[فرع] آخر: لو قال لها: إن لم تطيعيني، فأنت طالق، فقالت: لا أطيعك؛ ففي وجهٍ: يقع الطلاق بقولها: لا أطيعك.

[والأصح أنه لا يقع؛ حتى يأمرها بشيء، فتمتنع، أو ينهاها عن شيء فتفعله، قاله الرافعي] في آخر كتاب الطلاق.

قال: وإن قال: (إن بدأتك بالكلام، فأنت طالق)، فقالت: وإن بدأت بالكلام، فعبدي حر)، فكلمها، لم تطلق المرأة، ولم يعتق العبد- أي: إذا كلمته أيضاً- لأن الزوج خرج عن [أن يكون] مبتدئاً بقولها: (إن بدأتك)، وهي خرجت عن البداءة بكلامه.

[ولو كانت المسألة بحالها، فكلمته أولاً؛ عتق العبد؛ لأنها مبتدئة كلامه].

ولو قال لواحد: إن بدأتك بالسلام، فعبدي حر)، وقال [له] الآخر مثل ذلك، فسلم كل [واحدٍ] منهما على صاحبه دفعة واحدة؛ لم يحنث، وانحلت اليمين؛ كذا قاله الإمام.

قلت: ويتجه أن يجري فيه ما سبق فيما إذا قال: إن خرجت إلا بإذني، فخرجت بالإذن، ثم خرجت بغير الإذن.

قال: وإن قال لها، وهي في ماء جار:(إن خرجت من هذا الماء، فأنت طالق، وإن أقمت فيه، فأنت طالق)، لم تطلق، خرجت، أو أقامت؛ لأن الإشارة وقعت إلى الماء الذي كانت فيه حال اليمين، وقد مضى بجريانه، فلم تخرج منه، ولم تقم فيه.

ص: 125

وفي الذخائر: أن بعض أصحابنا قال: يقع الطلاق؛ بناءً على حمل اللفظ على المفهوم منه عرفاً، والمفهوم منه خلاف هذا؛ إذ المقصود منه اللبث في هذا الماء على الجملة، [أو] الخروج منه، دون [أن] يخطر له [آحاد الجريات] ببال.

وفي ابن يونس أن القفَّال قال: يخرج على القولين فيما إذا قال: إن لم تشربي من [ماء] هذا الكوز، فأنت طالق، فانصب ذلك الماء.

قال: وإن قال لها: (إن شئت، فأنت طالق)، فقالت في الحال:(شئت) - طلقت؛ لوجود الصفة، وهذا إذا كانت بالغة عاقلة راضية بالطلاق.

[أما لو كانت صغيرة، فإن كانت غير مميزة، لم يقع الطلاق] بلا خلاف، كما لو كانت مجنونة.

وإن كانت مميزة، ففي وقوع الطلاق وجهان:

أظهرهما عند المتولي، وهو الذي ذكره أبو الفرج السرخسي، وقال ابن الصباغ: إنه اختيار ابن الحداد، وذكر الإمام أن ميل الأكثرين إليه- أنه لا يقع؛ لأنه لا اعتبار بمشيئة الصبي في التصرفات.

والثاني: يقع.

قال في الشامل: وبه قال بعض أصحابنا، كما لو قال: إن قلت: شئت.

ولأن مشيئة الصبي معتبرة في اختيار الأبوين.

ولو شاءت البالغة في حال سكرها، خرج على القولين في أن السكران: كالمجنون أو كالصاحي؟

ولو كانت غير راضية بوقوع الطلاق، طلقت في الظاهر، وفي الوقوع باطنا الوجهان على قول [ابن الصَّباغ.

وفي الرافعي نسبة الأول] إلى أبي يعقوب الأبيوردي، وأن القاضي الحسين مال إليه، وقاسه على ما لو علق الطلاق بحيضها، فقالت: حضت، وهي كاذبة، فإنه لا يقع باطناً، ونسب الثاني إلى القفال، وهو المذهب في التهذيب؛ لأن التعليق في

ص: 126

الحقيقة بلفظ المشيئة، [لا] بما في الباطن؛ ألا ترى أنه لو علق بمشيئة أجنبي، فقال: شئت، صدق، ولو كان التعليق [بما] في الباطن، لما صدق [عليه]، كما لو علق طلاق ضرتها بحيضها، ويخالف ما إذا علق بحيضها، فقالت: حضت، وهي كاذبة؛ لأن دم الحيض محسوس مشاهد، وإنما اعتبرنا قولها فيه؛ لأنها مؤتمنة، والمشيئة لا تحس؛ فلا تعرف إلَّا من جهتها فكان التعليق بقولها: شئت.

قال الرافعي: ويجري الخلاف فيما لو علق بمشيئة زيد، فقال زيد: شئت، وهو كاره بقلبه.

وفي النهاية [أن] في كلام القاضي ما يدل على أن أبا يعقوب يقول بالوقوع في هذه الصورة، بخلاف المسألة قبلها؛ حيث قال: إن تعليق الطلاق على مشيئتها فيه معنى التمليك، [وهو يعتمد الإرادة، ومحلها القلب، وليس في تعليق الطلاق على مشيئة زيد معنى التمليك]، فهو لفظ مجرد منه ظاهراً وباطناً.

قال الإمام: وأبو يعقوب أفقه من أن يسلم الفرق بين المسألتين، [و] لكن المسألة تدور على نكتة، وهي أن المرأة لو أرادت الطلاق [بقلبها]، ولم تنطق بالمشيئة، فإن كان أبو يعقوب يزعم أن الطلاق يقع باطناً؛ لتحقق إرادة القلب، ولكن لا يقع الحكم به؛ لعدم الإطلاع؛ فيستمر كلامه.

وإن سلم أن الطلاق لا يقع باطناً؛ فيضعف ما ذكره، ويتبين أن يتعلق الطلاق باللفظ المجرد.

والذي يجب القطع به: أنها إذا أرادت بقلبها، ولم تنطق: أن الطلاق لا يقع باطناً ولا ظاهراً، فإن شرط جوابها أن يكون على صفة الأجوبة، والكلام الجاري في النفس لا يكون جواباً.

وأبدى الرافعي في الوقوع تردداً.

فرع: لو كان في المشيئة فقالت: شئت، وكذبها، إن قلنا: إن المعلق عليه اللفظ، فالقول قوله.

ص: 127

وإن قلنا: ما في النفس، فالقول قولها؛ لأنه لا يعرف إلا من جهتها؛ حكاه في الذخائر.

قال: وإن أخرت- أي: بقدر ما ينقطع به القبول عن الإيجاب- ثم [شاءت]، لم تطلق؛ لأن الخطاب يقتضي جواباً في الحال؛ كما في البيع، وغيره.

ولأنه كالتمليك للمرأة؛ لقوله: اختاري، والتمليك يفتقر إلى القبول في الحال، كما في سائر التمليكات.

وينبني على العلتين فروعٌ تذكر من بعد.

وفي الذخائر حكاية وجهين في أن ذلك تمليك للطلاق، أو تعليق له بصفة، وهي المشيئة، وقرينة التماس الجواب من الزوجة تقتضي أن تكون المشيئة على الفور؛ إذ الجواب لابد أن يكون متصلاً.

قال: وقيل: إذا وجد [القبول] في المجلس، طلقت؛ لأنه حريم العقد؛ فقام مقامه، كما في القبض في الصرف، والسلم.

قال مجلي: وكان ينبغي أن ينبني هذا الحكم على أنه تعليق، أو تمليك؟! فإن جعلناه تمليكاً، اقتضى الفور، والبدار، وهل يتقيد بالمجلس، أو يعتبر عقيب لفظه؟ يحتمل خلافاً، كقوله: ملكتك.

وإن رأيناه تعليقاً، لم يقتض البدار، كتعليقه على دخول الدار، [بل] أي وقت شاءت، طلقت.

قلت: وجواب هذا ما ذكرناه، وهو أنه، وإن كان تعليقاً، لكن قرينة التماس الجواب اقتضت البدار، كما أن قرينة بذل العوض في قوله: إن أعطيتني، اقتضت البدار، مع أنه تعليق.

نعم قد حكينا في الخلع وجهاً: أن الإعطاء لا يتقيد بوقت؛ فيجيء مثله ها هنا، وقد أشار إليه الرافعي، وصرح الإمام بحكايته عن صاحب التقريب، والشيخ أبي علي

ص: 128

في كتاب التدبير، وقال: إنه غريب [و] منقاس.

فروع:

لو قال لأجنبي: إن شئت فزوجتي [طالق]، إن عللنا اشتراط البدار في مشيئتها بأنه خطاب يستدعي جواباً؛ فكذلك يشترط في مشيئته أيضاً.

وإن عللناه بمعنى التمليك، فلا؛ إذ لا تمليك هنا، وهذا أظهر فيما ذكره جماعة.

ورأى المتولي الوجه الأول أظهر، وهو ما حكاه في الشامل، ووجهاه بأن الخلع مع الأجنبي صحيح؛ كما يصح مع الزوجة، ويكون الجواب ناجزاً؛ فكذلك إذا كان بغير عوض يجري مجرى الزوجة.

ولو قال: "زوجتي طالق إن شاءت"، فإن عللنه بالعلة الأولى، فلا خطاب هنا، ولا يشترط الفورية.

وإن عللناه بمعنى التمليك؛ فتشترط:

فإن كانت حاضرة فينبغي أن تقول في الحال: شئت؛ ليقع الطلاق.

وإن كانت غائبة، فتبادر إليه إذا بلغها الخبر.

وتردد القاضي في البدار في الغيبة والحضور.

وميل الإمام إلى [أن] الفورية لا تشترط في هذه الصورة، كذا حكاه الرافعي.

قال مجلي: وفي هذا الفرع [نظر]؛ فإنه إذا جعل ما صدر منه تمليكاً، كيف يصح مع الغيبة؟ وينبغي أن تتخرج صحته على البيع مع الغيبة بالكتابة.

ولو قال: زوجتي طالق إن شاء زيد، فلا يشترط البدار أصلاً؛ لانتفاء العلتين.

ولو علق طلاقها بمشيئتها، ومشيئة غيرها من قريب أو أجنبي، كما إذا قال: إن شئت، وشاء زيد، فأنت طالق، فإن شاءا على الفور، طلقت.

[وإذا] شاء زيد، وتخلفت مشيئتها عن المجلس، فتطلق.

ص: 129

وإن شاءت على الفور، وتأخرت مشيئة زيد، ثم شاء، ففي وقوع الطلاق وجهان:

المذكور منهما في الشامل، والمجموع للمحاملي: أنه لا يقع.

وأصحهما في الرافعي: الوقوع؛ كما لو قال: أنت طالق إن شئت، ودخلت الدار؛ فإنه [يوفر] على كل واحد من الموضعين حكمه لو انفرد.

وفي تعليق القاضي الحسين [حكاية الخلاف] فيما إذا قال: إن شئت، وشاء أبوك)، وفيما إذا قال: إن شئت، وشاء زيد:[أن مشيئة زيد] لا تختص بالمجلس، والسكوت عما سواه.

ولو قال لزوجتيه: إن شئتما فأنتما طالقتان، فإن شاءتا على الفور، طلقتا، وإن شاءت إحداهما على الفور، وشاءت الأخرى بعد فوات وقت المشيئة، فلا يقع عليها الطلاق على ظاهر المذهب، وأما التي شاءت على الفور، فهل يقع عليها الطلاق؟ فيه وجهان، ينبنيان على ما لو علق الطلاق بمشيئة أجنبي، هل يختص الجواب بالمجلس؟ هكذا حكاه في "التتمة".

[قال]: ويحتاج مع ذلك إلى البناء على أصل آخر، وهو أنه إذا قرن مشيئتها بمشيئة من لا يعتبر البدار في مشيئته لو انفرد، فهل يعتبر البدار في حقه؟ فيه الخلاف السابق.

إن قلنا: إنه يعتبر؛ فلا تطلق.

وإن قلنا: لا يعتبر؛ فينبني على أن مشيئة الأجنبي إذا علق الطلاق [عليها] مخاطباً له، وهل تقتضي الفورية؟

إن قلنا: نعم فلا تطلق، وإلا طلقت.

ثم قوله في التي شاءت بعد [فوات وقت] المشيئة لا يقع عليها الطلاق على ظاهر المذهب- يشعر [بذكر خلاف]، ويظهر أن يكون إشارة إلى الوجه الذي خرج من الخلع، والله أعلم.

ص: 130

ولو شاءت كل واحدة منهما طلاق نفسها دون ضرتها، قال البوشنجي: القياس وقوع الطلاق.

وقضية ما حكيناه عن "التمة" خلافه.

قال: فإن قالت: (شئت إن شئت)، لم تطلق-[أي]: وإن شاء الزوج- لأن صفة الوقوع أن تشاء، ولم يوجد ذلك، وإنما وجد منها تعليق للمشيئة، والمشيئة خبر [عما في نفسها من الإرادة، وذلك لا يتعلق بالشرط؛ لأنه خبر] عن ماضٍ، ولأنها أخرت الجواب عن الفور.

وفي الذخائر: أن من أصحابنا من قال: إذا قال الزوج: شئت، طلقت، وحكاه الرافعي عن رواية الحناطي.

فروع:

[أحدها:] لو رجع عما قاله قبل مشيئتها، [لم ينفذ رجوعه؛ لأن المغلب عليه التعليق.

[الفرع الثاني:] لو قال: أنت طالق كيف شئت]، قال أبو زيد والقفال: لا يقع، شاءت أو أبت.

وقال الشيخ أبو علي: لا يقع، حتى توجد مشيئة في المجلس: إما مشيئة أن تطلق أو مشيئة ألا تطلق.

قال صاحب التهذيب: وكذا الحكم لو قال: أنت طالق على أي وجه شئت.

ولو قال: أنت طالق شئت، أو أبيت، طلقت في الحال.

قال: وإن قال: من بشرتني بكذا فهي طالق فأخبرته امرأته بذلك، [وهي] كاذبة- لم تطلق.

البشارة: بكسر الباء وضمها: هي الخبر الذي يغير البشرة سروراً، أو حزناً، لكنها عند الإطلاق للخير، فإن أريد الشر، قيدت؛ قال الله- تعالى- في الأول:{فَبَشِّرْ عِبَادِ}

ص: 131

[الزمر: 17]، وفي الثاني:{فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [آل عمران: 21].

[وإذا] كانت كاذبة فيما أخبرت به، لم يحصل الغرض بخبرها؛ فلم تكن بشارة.

فلو جاءت أخرى، وأخبرته صادقة، طلقت؛ لأن الغرض حصل من خبرها.

ولو كانت الأولى صادقة، وقع عليها الطلاق دون الثانية؛ لأن البشارة بأول خبر، وما بعد ذلك لا يكون بشارة.

وفي الإبانة حكاية وجه آخر: أن البشارة لا تختص بالخبر الأول، وأن الحكم كما سنذكره فيما إذا قال: من أخبرتني.

وعلى المذهب لو بشره أجنبي بما علق عليه الطلاق، ثم بشرته الزوجة، لم يقع عليها الطلاق.

وكذا لو رآه الزوج، ثم بشرته به، لم يقع أيضاً.

ولو بشرته زوجتان فأكثر دفعة واحدة، وقع عليهن الطلاق.

وتحصل البشارة بالكتابة، كما تحصل بالمشافهة.

ولو أرسلت إليه رسولاً بالبشارة، فالمبشِّر [هو] الرسول؛ فلا يقع على المرسلة طلاق، كذا قاله القاضي الحسين، وتابعه البغوي.

قال: وإن قال: من أخبرتني بقدوم زيد، فهي طالق فأخبرته [امرأته بذلك] وهي كاذبة- طلقت؛ لأن الكذب خبر كالصدق.

وفيه وجه آخر: أنه لا يقع الطلاق إذا أخبرته كاذبة، وهو الذي أورده الفوراني.

ووجهه في "التتمة": بأن الباء في اللغة لإلصاق الفعل بالمفعول به، وذلك يقتضي حصول القدوم؛ حتى تخبر به، وصيرورته شرطاً في الإخبار، كما لو قال: من أخبرتني عن كذا بالعربية، تشترط العربية في الخبر.

قال الرافعي: [و] هذا يقتضي أن يكون قوله: من أخبرتني بأن زيداً قدم، كقوله: [بقدوم زيد؛ لوجود حرف الإلصاق.

لكن الفوراني فرَّق بين أن يقول بأن زيداً قدم] فيقع، وبين أن يقول: بقدوم

ص: 132

زيدٍ؛ فلا يقع.

قال الإمام: والفرق حسن.

[ولو] أخبرته ثانية وثالثة، طلقن، سواء كان [ذلك] دفعة واحدة، أو واحدة بعد واحدة؛ لأن اسم الخبر يتناول ذلك كله.

قال: وإن قال: (إن كلمت فلاناً، فأنت طالق، فكلمته مجنوناً، أو نائماً، لم تطلق؛ لأنه لا يكلم عادة؛ فأشبه الميت.

وكذلك الحكم فيما لو كلمته مغمى عليه.

وفي تعليق القاضي الحسين حكاية وجه: أنها تطلق بكلام المجنون، وهو ما حكاه الغزالي، والفوراني، والمتولي، ومجلي.

ووجه ثالث؛ [أنه] إن كان لا يتكلم معه، لم تطلق، وإن كان مجنوناً يتكلم معه، طلقت؛ حكاه في آخر الفصل، وقال الأصح: أنه [لا] يقع، وهو ما حكاه المحاملي في المجموع.

ولو كلمته صبيّاً، فإن كان مثله لا يكلم: كابن سنة، لم يقع الطلاق.

وإن كان [مثله] يكلم؛ وقع، هكذا حكاه القاضي الحسين.

ولو كلمته سكراناً، وقع.

قال الرافعي: والشرط [على] ما نبه عليه في الشامل أن يكون السكران بحيث يسمع ويكلم، وكذا قال في الإبانة، وأنه إذا كان مختلط العقل، بحيث لا يميز ولا يسمع- لم يقع.

وإيراد صاحب "التتمة" يفهم منه إجراء خلاف في المسألة، وأن [مأخذه: أن الكسران] هل يسلك به مسلك الصاحي أم لا؟ فإنه قال: المذهب: وقوع الطلاق؛ لأن السكران يلحق بالصاحي في الأحكام، وإذا كان كذلك، اتجه أن يجيء فيه التفصيل [المتقدم.

ويظهر لي فيما قاله مناقشة؛ من حيث إنه أشار إلى الخلاف في المسألة] واقتضى كلامه أن يكون مأخذه: أن السكران هل يلحق بالصاحي، أو بالمجنون؟

ص: 133

ويقتضي هذا الخلاف أن يقع الطلاق عنده قولاً واحداً.

أما إذا قلنا: إنه كالصاحي، فظاهر.

وأما إذا قلنا: إنه كالمجنون؛ فلأنه جزم بوقوع الطلاق عليها بكلامه إذا كان مجنوناً، [فكذلك إذا] قلنا: إنه كالمجنون ينبغي أن يقع.

ولو هذت في نومها أو إغمائها، لم يقع الطلاق، ولو كانت على صيغة تكليمه؛ لأن هذا لا يسمى تكليماً، وإن سمى: كلاماً.

وإن جنت فكلمته، أطلق ابن الصباغ القول بعدم الوقوع.

ونقل الإمام عن القاضي: أنه [فعل]، ثم قال، وهذا يتخرج على أنها لو أُكرهت على التكليم، هل يقع الطلاق؟ فإن قصد المجنون أضعف من قصد المكره.

وقال القاضي في التعليق: إن كانت حالة الحلف مجنونة، كان هذا محض صفة، فتطلق.

وإن كانت عاقلة، ثم جُنَّت، يحتمل وجهين، وذلك قضية ما في "التتمة".

ولو كلمته مكرهة، نقل القاضي الحسين عن نص الشافعي: أنه لا يقع.

وعن الأصحاب حكاية قولين [لو كلمته سكرانة]:

ففي النهاية: [أنه] ينبني على أنها كالمجنونة، أو كالصاحية؟ فإن جعلناها كالصاحية وقع؛ وإلّا فهي كالمجنونة.

وجزم القاضي الحسين بالوقوع، وقال: هذا إذا لم تنته إلى السكر الطافح، فإن انتهت فهذيانها كهذيان النائمة.

قال القاضي: وهكذا نقول في قضاء الصلوات على أصح المذاهب.

قال: وإن كلمته بحيث يسمع، إلّا أنه متشاغل؛ فلم يسمع، طلقت، وكذا لو كان لا يسمع؛ لشغل قلبه؛ لأنه يقال: كلمته فلم يسمع.

ولو خفضت صوتها بحيث لا يسمع- وهو الهمس بالكلام- لم يقع، وإن وقع

ص: 134

في سمعه شيء [وفاقاً]، وفهم المقصود؛ لأنه لا يقال:[إنها] كلمته.

وكذا الحكم لو كلمته من مسافة بعيدة لا يسمع الصوت منها.

ولو اختطف الريح كلامها، [وحمله]، وأوقعه في السمع، قال الإمام: الظاهر أنه لا يقع.

قال: وإن كلمته أصمَّ؛ فلم يسمع؛ للصم، أي:[بحيث لو لم يكن أصمَّ لسمع]- فقد قيل: تطلق؛ لأنها كلمته بحيث يسمح كلامها، وإنما تعذّر السماع؛ لأمر به؛ [فهو] كما لو تعذّر؛ لشغل قلبه.

وقيل: لا تطلق؛ لأن ما جرى ليس بتكليم؛ للصمم؛ فهو في حقه بمثابة الهمس الذي لا يسمعه السّميع، وهذا هو المذهب في تعليق البندنيجي، والصحيح في الشامل والمهذب في كتاب الأيمان، وبه قال أبو إسحاق.

ولو كلمته كلاماً يسمعه مثله، حكى البندنيجي في كتاب الأيمان، أنه يحنث سمع أو لم يسمع.

ولو كلمته وكان هنا كعارض من لغطٍ؛ فلم يسمع السّميع- لأجله- كلامها، قال القاضي الحسين: قال أصحابنا: طلقت.

وعندي: أنها إنما تطلق إذا كلمته كلاماً مثل ذلك الكلام، يسمع في [مثل] تلك الحالة [مع عارض اللغط].

وكذلك قال في الصمم؛ لأن الإنسان إذا أراد أن يُكلم رجلاً وهناك عارض لغطٍ أو صمم، فإنه يبالغ في الكلام معه أكثر مما يبالغ في الكلام في حالة السلامة، وهذا [ما] حكاه في التهذيب.

وجهاً، وأجراه فيما إذا كان الريح عارضاً أيضاً، وجعله الصحيح.

وقال الإمام: إن كان اللغط بحيث [لو فرض] معه الإصغاء، لأمكن السماع- فيجب القطع بالحنث، وقد ينقدح من هذا نظر في تكليم الأصم إذا كان وجهه إليها،

ص: 135

وهو يعلم أنها تُكلمه.

والوجه ها هنا: القطع بوقوع الطلاق.

وقطع المحاملي بعدم الوقوع، إذا كان الصمم بحيث يمنع السماع أصلاً.

فروع:

[أحدها:] لو كلمت حائطاً والمحلوف عليه يسمع كلامها، ففي وقوع الطلاق وجهان محكيان في الذخائر.

ووجه الوقوع: أنه المقصود بالكلام.

[الفرع الثاني:] لو قال: لو كلمت نائماً أو غائباً عن البلد، فأنت طالق، هل يقع الطلاق في الحال؟ فيه قولان ينبنيان على الخلاف في التعليق بالمستحيلات.

قال الرافعي: ويحتمل ألا يقع [الطلاق] حتى تخاطبه مخاطبة المتكلمين.

وبنحو منه أجاب القاضي أبو الطيب فيما إذا قال: إن كلمت ميتاً أو حماراً، فأنت طالق.

[الفرع الثالث:] لو كاتبته، [أو راسلته، أو أرسلت إليه]، [ففيه] خلاف يأتي [إن شاء الله تعالى].

[الفرع الرابع]: لو قال: إن كلمتك، فأنت طالق فاعلمي، فالمذهب: أنها تطلق بقوله: فاعلمي.

ومن أصحابنا من قال: إن وصله باليمين لم تطلق؛ لأنه أراد كلاماً غير اليمين، وهذا من [جملة اليمين].

قال: وإن قال: إن كلمت رَجُلاً فأنت طالق، وإن كلمت طويلاً فأنت طالق، [وإن كلمت فقيهاً فأت طالق]، فكلمت رجلاً طويلاً فقيهاً، طلقت ثلاثاً؛

ص: 136

لوجود الصفات الثلاثة فيه.

فروع:

أحدها: لو قال: إن كلمت رجلاً فأنت طالق، فكلمت زوجها، أو أباها، إن كان قصده مجرد الصفة طلقت؛ لأن الصفة قد حصلت.

وإن كان قصده منعها من مكالمة الرجال، فلا يقع الطلاق؛ لأن الرجل لا يقصد منع امرأته من مكالمته ومكالمة أقاربها، وإنما يمنعها [من] مكالمة الأجانب؛ قاله في "التتمة".

[الفرع الثاني:] لو قال [لها]: أنت طالق إن كلمت فلاناً وفلاناً، [وفلان مع فلان، إياك عني يا هذه، فكلمت فلاناً وفلاناً]- وقع؛ لأن اليمين انعقدت في الأصل على كلامهما، وقوله: وفلان مع فلان، لا يتعلق به حكم؛ لأنه ابتداء كلام.

قال المحاملي: والدليل عليه أن ما أخرجه مخرج الشرط نصبه، والكلام الثاني، حيث كان ابتداء [كلام] أتى به مرفوعاً.

ووجهه ابن الصباغ بأنه ليس بمعطوف على الأولين، ثم قال: وفيه نظر؛ لأن قوله: [و] فلان مع فلان) يقتضي أن يكون كلامها لفلان وفلان في حال كون فلان مع فلان، وهو مثل قوله تعالى:{ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاساً يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ} [آل عمران: 154]؛ فكانت هذه الجملة حالاً من الأولة، فكذلك ها هنا.

وحكى في "التتمة" ما قاله ابن الصباغ وجهاً عن الأصحاب. وفي الرافعي أنه الأظهر.

الفرع الثالث: ولو قال: إن كلمت زيداً أو عمراً فأنت طالق، فكلمت أحدهما- طلقت، وارتفعت اليمين؛ حتى لا يقع بكلام الآخر شيء [آخر].

وكذا [لو] قال: إن دخلت الدار أو كلمت زيداً.

ص: 137

ولو قال: إن دخلت الدار، وإن كلمت زيداً، فقد [كرر حرف] الشرط؛ وذلك يوجب تكرير الجزاء؛ [فيقع الطلاق بأية واحدة من الصفتين وجدت، وإذا وجدتا جميعاً، وقعت] طلقتان.

ومن هذا القبيل، ما إذا قال: إن دخلت هذه الدار وإن دخلت الدار الأخرى- فأنت طالق.

قال ابن الصباغ: معناه: عن دخلت [هذه] الدار فأنت طالق، وإن دخلت الدار الأخرى، وقال: في الجواب عائد في الدخول الثاني، كذا حكاه الرافعي.

الفرع الرابع: لو قال: إن كلمت زيداً وعمراً فأنت طالق، لم [تطلق إلا بكلامهما] جميعاً.

الفرع الخامس: لو قال: أنت طالق إن كلمت زيداً وعمراً وخالداً، لم تطلق إلا بكلام جميعهم.

[ولو قال: أنت طالق إن كلمت زيداً ولا عمراً ولا خالداً، فإن كلمت واحداً منهم، طلقت].

الفرع السادس: لو قال: أنت طالق إن لبست، إن ركبت، لم تطلق إلا باللبس والركوب، لكنه يشترط أن تلبس أولاً، ثم تركب بعده، حتى لو ركبت ثم لبست، لم تطلق.

وكذا لو قال: إذا قمت إذا قعدت، لم تطلق حتى يوجد القعود ثم [القيام؛ قاله] في المهذب.

ولو قال: أنت طالق إن دخلت الدار إن كلمت زيداً، قال: في التهذيب: لم تطلق إلا بوجودهما، ويشترط تقديم الكلام على الدخول، وهو مماثل لما حكيناه عن المهذب، وضابطه: أنه لا يقع الطلاق ما لم تأتِ بالآخر في اللفظ أولاً، وبالأول آخِراً.

وفي النهاية أن الأصحاب قالوا: يشترط ترتيب الكلام على الدخول؛ حتى لو كلمته، ثم دخلت- لم تطلق؛ لأنه في الحقيقة علق وقوع الطلاق عليها، عند الدخول

ص: 138

بكلام زيد، وهذا كما لو قال لعبده: إن دخلت الدار فأنت مُدَبَّر، فالتدبير يقف على [دخول الدار]، وليس هذا كما لو قال:[إن كلمت] ودخلت)، يشترط وجود الصفتين لا غير؛ لأن الواو للجمع خصوصاً في المعاملات؛ وهذا يوافق ما حكاه الرافعي عما جمع من فتاوى القفّال: أنه يشترط وجود المذكور أولاً [أو لا]؟ وكذلك نقله القاضي الحسين في التعليق، ثم قال: والعراقيون قالوا [على] عكسه.

وإيراد الغزالي في الوجيز موافق لذلك، وإن كان الرافعي [نسب ذلك] إلى سبق القلم؛ لأن إيراده في "الوسيط" مخالف له ثم، [قال الإمام: و] هذا ما ذكره الأصحاب والقاضي، وعندي في المسألة الأولى نظر؛ فإنه ذكر صفتين من غير عاطف، فالوجه الحكم بتعليق الطلاق بهما، فأما الترتيب، فلا معنى للحكم به، ولا فرق بين أن يقدم ذكر الطلاق أو يؤخره.

وأبدى القاضي في المسألة الثانية احتمالاً في اقتضاء الترتيب؛ على ما حكاه في التعليق.

قال: وإن قال [لها]: أنت طالق أن دخلت الدار بفتح الهمزة وهو يعرف النحو، طلقت [في الحال]؛ لأن [أن] المفتوحة وما بعدها تقدر بالمصدر واللام، وكأنه قال:[أنت طالق] لدخولك الدار؛ فصار تعليلاً.

ولا فرق في وقوع الطلاق بين أن تكون قد دخلت الدار أو لم تدخل.

أما إذا كان لا يعرف النحو، تعلق الطلاق على دخول الدار؛ لأن الجاهل [بذلك] لا يفرق بين المفتوحة والمكسورة؛ وهذا ما قاله الشيخ أبو حامد وأورده الإمام، والغزالي، والبغوي.

وقال القاضي أبو الطيب: يقع الطلاق في الحال، سواء كان عالماً [بالنحو] أو جاهلاً؛ لأن هذا مقتضى اللفظ؛ فلا يعتبر فيه جهل اللافظ، بل تحمل الألفاظ على

ص: 139

مقتضاها في اللسان، ولا يعتبر من غير قصدٍ، فإن قال: أردت به التعليق، فإن كان يعرف النحو، لم يُقبل، وإن كان جاهلاً باللسان قُبِل؛ إذ لا فرق بينهما عنده.

قال الرافعي: وهذا أظهر، وإلى ترجيحه ذهب ابن الصباغ، وهو الذي صدّر به المتولي كلامه.

قال: الشيخ مجلي: وفي ذلك نظر؛ لأن [أن] المفتوحة مع ما بعدها تقدر بالمصدر واللام؛ على ما ذكرناه، فيصير قوله: لرضا فلان؛ فعلى هذا يُدَيَّن فيه إذا قال: أردت التعليق، [وهل] يقبل في الحكم؟ على الوجهين من غير فرق بين العالم والجاهل.

وفي الشامل: أن أبا العباس بن القاص قال في المفتاح: إذا قال لزوجته: أنت طالق أن شاء الله بفتح الهمزة، وقع في الحال، ولم يذكر في الشامل عنه سواه.

وحكى الرافعي في هذه المسألة ثلاثة أوجه عند الكلام في المشيئة:

أحدها: هذا.

والثاني: عدم الوقوع مطلقاً، وعزاه إلى الحناطي.

والثالث: الفرق بين أن يكون ممن يعرف العربية؛ فتطلق في الحال، أو لا [يعرف]؛ فلا تطلق.

قلت: وقد جرى في مسألة الدخول من هذه [الأوجه]، الأول، والثالث، وأما الثاني، وهو عدم الوقوع مطلقاً فوزانه في مسألتنا: ألا تطلق إلا بدخول الدار من غير فصلٍ بين [العارف بالنحو وغيره]، ولم أره، ويتجه جريانه أيضاً إذ لا يظهر بينهما فرق.

فروع:

أحدها: لو قال: أنت طالق أن طلقتك بفتح الهمزة، يحكم بوقوع طلقتين: واحدة بإقراره، وواحدة بإيقاعه في الحال؛ وذلك لأن المعنى: أنت طالق؛ لأني طلقتك؛ قاله الرافعي.

الفرع الثاني: لو قال: [أنت طالق إذ دخلت الدار]، قال الأصحاب: يقع

ص: 140

الطلاق لأن إذْ لما مضى من الزمان، وسواءً كانت قد دخلت الدار، أو لم تدخل؛ لأنه أوقع الطلاق، وجعل دخول الدار الماضي عذراً، لا تعليقاً.

قال مجلي: وجعلها الشيخ أبو إسحاق الشيرازي مثل أن بفتح الهمزة على التفصيل المذكور، وهذا أبداه الرافعي احتمالاً من عنده.

الفرع الثالث: لو قال: إن دخلت الدار، أنت طالق فهل تطلق في الحال، أو لا تطلق إلا بدخول الدار؟ فيه وجهان محكيان في الذَّخائر، وهما كالوجهين [المحكيين] اللذين حكيناهما فيما إذا قال: إن شاء الله أنت طالق، والمشهور منهما: عدم الوقوع في الحال.

[الفرع الرابع:] لو قال: أنت طالق طالقاً، قال في "التتمة": حكى القاضي [و] الإمام فيه وجهين:

أحدهما: لا يقع الطلاق أصلاً بهذه الكلمة؛ لأن قوله: طالقاً نصب على الحال؛ فيكون تقديره: أنت طالق حالة ما تكونين طالقاً، والمرأة لا تكون طالقاً، إنما تكون مطلقة، فالصفة لا توجد؛ فلا يقع الطلاق.

والثاني: تقع طلقة، ويكون تقديره: أنت طالق؛ فصِرتِ طالقة بما أوقعت عليك من الطلاق.

وحكى الشيخ أبو عاصم العبادي: أن في الحال لا يقع شيء، ولكن [إذا طلقها] تقع عليها طلقتان، وتكون طالقاً بمعنى: مطلقة، فيصير تقديره: إذا صرت مطلقة فأنت طالق.

ونقل مجلي هذه المسألة عن "الأم"، وأنها تطلق في الحال طلقة. ويسأل عن مراده بقوله: طالقاً، فإن قال: أردت به الحال، طلقت ثانية؛ لأن الحال في معنى الصفة؛ فكأنه قال: أنت طالق بعد تقدم طلقة عليك، وإن قال: أردت [طلقة] ثانية، طلقت ثانية، وإن قال: أردت به التأكيد، قبل منه وحلف، [قال مجلي: وقوله: ["و]

ص: 141

حلف": يدل على أنه إذا طلق وقع طلقتان]؛ لأنه حلفه على إرادة واحدة، فلولا أن مطلقه يقتضي طلقتين، لم يكن لتحليفه وجه.

قلت: لا دلالة في ذلك؛ لأن التحليف يجوز أن يكون خشية من إرادته طلقة ثانية، أو إرادته الحال؛ لأن مطلقه يقتضي وقوع طلقتين، وهذا كما [جاء في] قوله صلى الله عليه وسلم لركانة: حين قال: "إني طلقت زوجتي سهيمة ألبتة، والله ما أردت إلا واحدة"، والله أعلم.

لو قال: أنت طالق مريضةٌ، لم يقع الطلاق إلا إذا مرضت؛ لأن الحال بمنزلة الظرف للفعل؛ فلا يقع قبلها.

ولو قال: مريضة، فإن الطلاق لا يقع أيضاً إلا في حال المرض؛ لأن ذلك لحن لا يغير المعنى.

وذكر البندنيجي في "مذهبه": أنه إن كان من أهل الإعراب وقع الطلاق في الحال؛ لأن قوله: مريضة، صفة لها وليست حالاً، وإن لم يكن من أهل الإعراب لم يقع في الحال، ويعلق على مرضها.

كذا حكاه في "الشامل" ثم قال: وهذا ليس بصحيح؛ لأن "مريضة" نكرة، ولا تكون صفة لمعرفة، وقد عرفها بالإشارة إليها؛ فلا تكون إلا حالاً، وإنما لحن في إعرابها.

قلت: وقد وقفت على هذه المسألة في مذهب البندنيجي، والذي رأيته منقولاً فيه: أنه علق طلاقها بصفة هي المرض، متى مرضت طلقت؛ لأنه إذا نصب كان على الحال، وإن رفع كان معناه: تطلقين وأنت مريضة، وهكذا لو قال: أنت طالق [رجعة، فنصب]، أو: رجعة، فرفع، والله أعلم.

قال: وإن قال: أنت طالق لرضا فلان، طلقت في الحال.

أي: سواء رضي أم سخط؛ لأن اللام فيما لا ينتظر مجيئه وذهابه للتعليل؛

ص: 142

فكأنه علل وقوع الطلاق برضا فلان، وجعله عذراً له.

وعن ابن خيران- فيما علقه الحناطي-: أنه إنما يقع في الحال إذا نوى التعليل، أما إذا أطلق ولم تكن له نية، فإنما يقع إذا رضي فلان كما في قوله: أنت طالق للسنة، والمنصوص الأول، ونزل ذلك منزلة قول القائل: أنت حر لوجه الله.

قال: وإن قال: أردت: إن رضي فلان، أي: أردت به التعليق، قبل منه أي: في الظاهر والباطن؛ لأن ذلك يحتمل الشرط وإن كان ظاهره العلة؛ ألا ترى أن قوله: أنت طالق للسنة، معناه: إذا [جاء زمان] السنة، فإذا فسره بما يحتمله قبل منه.

و"قيل: لا يقبل"، أي: في الحكم، ولكن يدين؛ لأنه خلاف ظاهر اللفظ؛ فأشبه ما إذا قال: أنت طالق، ثم قال: أردت: إن دخلت الدار. وهذا هو الأصح في الرافعي، والأول أصح عند ابن يونس، وهو الظاهر عند مجلي.

ولو قال: أنت طالق برضا فلان أو بقدومه، فهو تعليق؛ كقوله: إن رضي أو قدم، قاله في "التهذيب"، وألحق بهما في "النهاية" ما إذا قال: لقدوم فلان؛ فإنه يحمل على التأقيت؛ لأنه يبعد التعليل بالقدوم، بخلاف الرضا.

قال: وإن قال: أنت طالق، ثم قال: أردت: إن دخلت الدار- لم يقبل في الحكم؛ لأنه خلاف الظاهر، ويدين فميا بينه وبين الله عز وجل؛ لاحتماله.

قال الغزالي: الأقيس: أنه لا يُدَيَّنُ أيضاً، وقد تقدم الكلام على ذلك؛ والفرق بينه وبين قوله: أنت طالق، ثم يقول: أردت: إن شاء الله- في آخر باب عدد الطلاق.

فروع:

لو قال: أنت طالق إن، فمنعه غيره من الكلام؛ بأن وضع يده على فيه، ثم قال: أردت أن أعلق بكذا- صدق بيمينه؛ لدلالة [حرف] الشرط على ما يدعيه، وإنما

ص: 143

حلفناه؛ لجواز أن يكون قصده التعليق على شيء حاصل. ولو سكت بنفسه، قال في "التتمة": طلقت.

وحكى العبادي في "الزيادات" في هذه الصورة، [و] فيما لو قال: أنت طالق لولا، أو قال: إن، وسكت- خلافاً في وقوع الطلاق.

ولو قال: أنت [طالق] إن أكن، فوضع غيره يده على فمه، فلما أطلق، أتم كلامه، وذكر الشرط- قال العبادي: أفتى فقهاء هراة بوقوع الطلاق، فسئلت فأفتيت ألا يقع [الطلاق]، فطلبت، فوجدت السلف قالوا كما قلت؛ فرجعوا.

قال: وإن قال: أنت طالق إن دخلت الدار، ثم قال: أردت: في الحال، أي: وإنما سبق لساني إلى الشرط- "قبل منه"؛ لأن فيه تغليظاً عليه، فلو قال: أردت شهراً، معناه: إن دخلت الدار إلى شهر.

قال: القاضي الحسين في "التعليق": الصحيح أنه لا يُدَيَّنْ فيما بينه وبين الله- عز وجل وفيه وجه: أنه يدين.

وإيراد صاحب "الشامل" يعضد هذا الوجه؛ حيث قال قبل كتاب الرجعة: إذا حلف حالف بعد مجلس الحكم، ونوى ما يجوز أن يراد باللفظ في مجاز اللغة، تعلقت اليمين في الباطن، وأما في الظاهر: فإن كان في طلاق، لم يقبل منه، وإن كان [في] اليمين بالله تعالى، أو نذر، فالقول قوله؛ لأن ذلك لا يتعلق به حق يطالب به، فلو قال: والله لا أكلت ولا شربت، وأراد به: في مكة، أو على ظهر الكعبة، اختصت يمينه بذلك، وكذلك لو قال: نسائي طوالق، ونوى به أقاربه دون زوجاته، لم تطلق الزوجات، وكذلك لو قال: جواري أحرار، ونوى به سفنه- لم تعتق إماؤه.

وفرق القاضي الحسين بين قوله: والله لا أكلم فلاناً، ثم قال: نويت شهراً، حيث يقبل منه قوله فيما بينه وبين الله تعالى، كما نص عليه الشافعي- وبين [تقييد] دخول الدار بالنية، إلى شهر على الصحيح عنده؛ لأنه لم يتعلق به حق آدميين، بل

ص: 144

حق الله تعالى، [حتى لو تعلق به حق الآدميين، لا يقبل قوله فيما بينه وبين الله تعالى، مثل] أن يقول: إن كلمت فلاناً فأنت طالق، ثم قال: نويت شهراً. وما ذكره من الفرق حسن في القبول ظاهراً كما ذكره ابن الصباغ، أما في القبول بطناً فلا.

فرع: لو قال لزوجتيه: إن دخلتما هاتين الدارين فأنتما طالقتان، فدخلت كل واحدة منهما إحدى الدارين، فوجهان:

أحدهما: تطلقان؛ لدخولهما الدارين.

والثاني: لا؛ لأن قضيته دخول كل واحدة منهما الدارين؛ ألا ترى أنه لو قال لواحدة: إن دخلت الدارين، اعتبر أن تدخلهما، فكذلك إذا ضمها إلى غيرها، وهذا هو الصحيح في "المهذب".

ولو قال: إن أكلتما هذين الرغيفين، فأكلت كل واحدة منهما رغيفاً، قالوا: يقع الطلاق؛ لأنه لا مساغ فيه للاحتمال الثاني، وأجرى فيه الشيخ في "المهذب" الوجهين.

قلت: ويتجه أن يكون الخلاف في هذه [المسألة] مبنياً على المسألة الأولى، وعلى مسألة تعليق الطلاق بالمستحيل، وبيانه: أنا إن قلنا في المسألة الأولى بوقوع الطلاق، فكذلك ها هنا؛ لوجود الصفة، وإن قلنا: لا يقع؛ لأن الصفة دخول كل واحدة منهما الدارين، فهنا تكون الصفة أكل كل واحدة الغريفين، وذلك مستحيل، فيتخرج وقوع الطلاق على التعليق بالمستحيل، والله أعلم.

قال: [قال في "الشامل" عند الكلام في السنة والبدعة: إذا قال لها: إذا قدم أبوك فأنت طالق، فقالت له: عجلها لي، فقال: عجلتها لك- نقل المزني في "المنثور" عن الشافعي: أنها لا تعجل].

وإن قال: إذا جاء رأس الشهر، فأنت طالق، ثم قال: عجلت لك ذلك- لم يتعجل. وصورته- على ما حكاه البندنيجي في مذهبه- أن يقول لها: أنت طالق تلك الطلقة الساعة، وقد عجلت إيقاعها عليك الآن، وإنما كان كذلك؛ لتعلقه بالوقت المستقبل، كما لو نذر صوم يوم معين، وكما أن الجعل في الجعالة لم تعلق استحقاقه بالعمل

ص: 145

لم يتعجل بتعجيل المالك، وكذا حق الفسخ بالعنة لا يتعجل بتعجيل الزوج، وهذا ما حكاه ابن الصباغ والمحاملي والبندنيجي والمتولي.

وحكى القاضي الحسين في "التعليق"- والصيغة هذه- أن الطلاق يقع الآن، وإذا جاء رأس الشهر لم يقع غيره، بخلاف ما إذا قال: إذا دخلت الدار فأنت طالق، ثم قال: عجلت لك ذلك الطلاق الآن- فإنه يقع [الطلاق]، وإذا دخلت الدار وقعت أخرى، ولم يحك في الصورتين غير ذلك.

وحكى الإمام ذلك في الصورة الأخيرة، لكن بصيغة أن الطلاق يقع في الحال، وإذا وجدت الصفة وقعت أخرى على أحد الوجهين، ثم قال: وحاصله: أن المعلق هل يقبل التنجيز أم لا؟

ومأخذ الوجهين عند بعضهم: ما إذا علق الطلاق على صفة، ثم بانت منه بالثلاث، ثم تزوجها بشرطه، [ووجدت الصفة في النكاح الثاني- فهل يقع الطلاق المعلق بالصفة؟ وفيه الخلاف الآتي.

ومنهم من قال: إنها تقع وإن لم نحكم بعود الصفة في الصورة] التي ذكرناها؛ لأن المعلق ما كان مرتبطاً بطلقة معينة، ولا خلاف [في] أنه لو علق طلقة ثم نجز طلقة مطلقة، فالتعليق لا ينحل بقوله: نجز ما علقت، [لأنه] تصرف منه في فك التعليق، وليس ذلك إلى المعلق.

وقد أشار إلى ذلك الإمام عند الكلام في عود الحنث، وذكر الفوراني أن الكلام في هذه المسألة مبني على ما إذا قال: إذا حلفت بطلاقك، فأنت طالق، ثم قال: إذا جاء رأس الشهر فأنت طالق:

قال ابن سريج: لا تطلق؛ لأن هذا ليس بيمين، وإنما هو تأجيل للطلاق.

وقال غيره: تطلق؛ لأنه يمين.

قال: فعلى هذا لو قال: إذا جاء رأس الشهر، فأنت طالق، ثم قال: عجلت تلك

ص: 146

الطلقة- فعند ابن سريج ينحل التعليق، ويقع ذلك الطلاق الآن، وعند غيره: يقع طلقة في الحال بقوله: عجلت، ثم إذا جاء رأس الشهر تقع أخرى. انتهى.

قلت: وكأن ابن سريج لما [أن] قال: إنه تأجيل للطلاق، ألحقه بإسقاط الديون، ومن هذه المادة يؤخذ الفرق بين ما قاله القاضي الحسين في الصورة الأولى والثانية، من حيث إن مجيء رأس الشهر يقبل التأجيل [به]، بخلاف دخول الدار.

وفرق في "التتمة" بين ما نحن فيه وبين الدين المؤجل، حيث قلنا: بتعجيل إسقاط الأجل على أحد الوجهين- بأن هناك أصل الدين واجب، وإنما تأخرت المطالبة؛ فكان التعجيل موافقاً لمقتضى العقد، وها هنا أصل الطلاق ما ثبت، وإنما ثبت عند الشرط، فهو نظير الجعل في الجعالة؛ لما كان المجعول له لا يملك البذل في الحال، فإذا قال له الجاعل: عجلت لك الجعل المشروط، لم يتعجل استحقاقه.

قال: "وإن قال: إن دخلت الدار فأنت طالق، ثم بانت منه، ثم تزوجها، ثم دخلت الدار- ففيه ثلاثة أقوال"، أي: مجموعة من القديم والجديد؛ لأن [المنقول في] القديم: أنها إن بانت بما دون الثلاث، عادت الصفة، وفي الجديد قولان. وإن بانت بالثلاث ففي الجديد: لا تعود الصفة، وفي القديم قولان؛ فانتظم منهما الأقوال الثلاثة:

أحدها: تطلق؛ لأن التعليق والصفة وجدا معاً في الملك، وتخلل البينونة لا يؤثر؛ لأنه ليس وقت الإيقاع ولا وقت الوقوع.

والثاني: لا تطلق، وبه قال المزني وأبو إسحاق، واختاره الإمام، والشيخ- رضي الله عنه في كتاب الخلع حيث قال: ففيه قولان، أصحهما: أنه يتخلص من الحنث، وبه أجاب القاضي الروياني، وإيراد ابن الصباغ يقتضي ترجيحه.

ووجهه المزني بأن المراد: إما أن يكون النكاح الأول أو الثاني، ولا يجوز أن يكون الثاني مراداً؛ لأنه يكون تعليق طلاق قبل النكاح؛ فتعين الأول، وقد ارتفع،

ص: 147

ولأنه لو قال لامرأته: إذا بنت مني ونكحتك، ودخلت الدار، فأنت طالق، أو قال: إذا دخلت [الدار] بعد ما بنت مني ونكحتك، فأنت طالق- فالذي صححه المعتبرون من الأصحاب، منهم القفال: أنه لا يقع الطلاق إذا دخلت الدار بعد البينونة والنكاح، ولا يخرج على القولين، وغلطوا من قال بتخريجه.

ولو كان الطلاق يقع في النكاح الثاني عند الإطلاق، لما امتنع التصريح بما هو مقتضى الإطلاق.

قلت: وقد يمتنع، كما إذا قال الرجل لآخر: بعتك هذا بألف إن شئت، فإن البيع لا يصح على أحد الوجهين، وإن كان عند الإطلاق لا يقبل البيع إلا إذا شاء. وكما إذا قال الشاهد- فيما يعلم أن شهادته فيه بالاستفاضة-: مستند شهادتي الاستفاضة، قبل أن يسأل عن المستند- فإن شهادته لا تسمع على الأصح، كما حكاه ابن أبي الدم في كتابه الملقب بـ "أدب القضاة"؛ فيجوز أن يكون هذا من هذا القبيل.

والجواب عن الأول: أن الذي منع من صحة البيع صورة التعليق، وحقيقته هنا لا تعرف، والله أعلم.

والثالث: إن عادت بعد الثلاث، لم تطلق؛ لأنه استوفى ما علق من الطلاق، وهذه طلقة جديدة، وإن عادت قبلها، طلقت؛ لأن العائد الباقي من [الطلقات؛ فيعود بصفتها]، وكانت معلقة بذلك الفعل المعلق عليه، فيعود لذلك، وجعل في "التهذيب" هذا القول [أصح] المذهب، وكلام الإمام يقتضيه؛ حيث قال: والمصير إلى وقوع الحنث بعد وقوع الثلاث على نهاية البعد، حتى لا يكاد ينتظم فيه تعبير عن توجيه؛ فإن الرجل إذا علق ثلاث طلقات بوجود

ص: 148

صفة، فإنما علق ما يملك تنجيزه من الطلقات، فإذا نجز ما يملك فقد انحل ملكه المعلق، وكان التنجيز بمثابة الاستيفاء؛ فلا يبقى للتعليق متعلق، ويستحيل بقاء تعليق لا متعلق له.

قال: "والأول أصح"، وكذا قال المحاملي، ووجهه في "المهذب" بما ذكرناه، وقد ظهر لك بما ذكرته أن الأصح خلافه.

تنبيه: البينونة بما دون الثلاث تحصل بالطلاق قبل الدخول وبعده، بعوض أو بغير عوض، مع انقضاء العدة. وألحق الرافعي ها هنا الردة بما ذكرناه، وحكى في آخر كتاب الإيلاء وجهين في أن فرقة الفسخ: هل هي كالفرقة بالطلاق الثلاث أو بما دونها؟

وقيد الخلاف في كتاب الظهار بفرقة انفساخ النكاح بالملك، وحكاه طريقين، وجزم البندنيجي في مذهبه بأنه كالفرقة بما دون [الثلاث]، فتعود الصفة في القديم قولاً واحداً، وفي الجديد على أحد القولين. والله أعلم.

***

ص: 149