الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الحضانة
الحضانة - بفتح الحاء -: تربية الطفل، والقيام بأمره ورعايته، واعتماد ما يصلحه؛ وهي ولاية وسلطنة، لكنها بالنساء أشبه.
مأخوذة من الحضن - بكسر الحاء - وجمعه: أحضان، وهو: الجنب؛ فإنها تضمه إلى حضنها.
يقال: احتضنت الشيء: جعلته في حضني، وحضنت الصبي.
وانتهاء مدتها: سن التمييز، وما بعده، يسمى كفالة إلى البلوغ، فإذا بلغن انتهى إلى حد الكفاية؛ كذا رتبه الماوردي.
قال- رحمه الله تعالى-: إذا تنازع النساء في حضانة الطفل قدمت الأم؛ لما روى ابن خديج بسنده عن عبد الله بن عمر أن امرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، ابني هذا كانت بطني له وعاء وثديي له سقاء، وحجري له حواء، وإن أباه طلقني، ويريد [أن] ينتزعه مني؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أَنْتِ أَحقُّ بِهِ مَا لَم تَنْكِحِي"، فانطلقت به.
ولأنها بتربية ولدها أخبرها، وعليه أصبر؛ لما جبلت عليه من فضل الميل إلى الأولاد، وكثرة الحنو والإشفاق.
[قال: ثم أمهاتها، الأقرب فالأقرب، أي: من الوارثات؛ لمشاركتهن الأم في تحقق الولادة والإرث].
قال: ثم [أم الأب]؛ لمساواتها للأم في المعنى الذي ذكرناه، [وإنما قدمت
عليها أمهات الأم وإن علون لأن الولادة فيهن محققة، وفي أمهات الأب – لأجل الأب – مظنونة.
ولأنهن أقوى ميراثاً من أمهات الأب؛ لأنهن لا يسقطن بالأب، وتسقط أمهات الأب بالأم.
قال: ثم أمهاتها؛ لما ذكرناه في أمهات الأم.
قال: ثم أم الجد، ثم أمهاتها، أي: المدليات بالإناث دون ذكور. وهكذا؛ لأن لهن ولادة ووراثة كالأم وأمهاتها، ولأنهن أكثر شفقة، وأقوى قرابة؛ ولذلك يعتقن على الولد.
قال: ولا حق لأم أب الأم؛ لما سنذكره من بعد.
قال: ثم الأخت من الأب والأم؛ لأنها راكضت المولود في بطن واحد، وشاركته في النسب؛ فهي أشفق عليه. ثم الأخت للأب، ثم الأخت للأم، قدمتا على غيرهما؛ لاشتراك الأولى معه في النسب، ومراكضة الثانية معه في البطن، وقدمت الأولى على الثانية؛ لأنهما استويا في الشفقة والقرب، واختصت هي بقوة الإرث وزيادته.
ولأنهما أختان من أهل الحضانة؛ فقدم أقواهما ميراثاً على الأخرى؛ كالأخت من الأبوين مع الأخت [من الأب].
و [لأن اجتماع الأخت من الأب مع الطفل كان في صلب الأب، وهو ابتداء النشوء واجتماعه مع الأخت من الأم في الرحم بعد ذلك؛ فكان السابق من السببين أولى بالتقديم.
قال: وقيل تقدم الأخت للأم على الأخت للأبي؛ لأنها تدلي بالأم؛ فقدمت على من يدلي بالأب مع المساواة في الدرجة؛ كأم الأم مع أم الأب؛ وهذا تخريج ابن سريج، وبه قال المزني في "الكبير".
ونقل عن أبي إسحاق أنه قال به برهة من الزمان ثم رجع عنه.
وظاهر كلام الشيخ وكذلك كلام الماوردي وغيرهما يقتضي أن هذا [في]
الجديد، وفي "النهاية": أنه مخرج من القول القديم.
قال: والأول هو المنصوص، ووجهه ما ذكرناه.
والفرق بين الأخت من الأمن وبين الجدة من الأم: أن الجدة من الأم مساوية للجدة من الأب في الميراث، وامتازت بزيادة الإدلاء بالأم التي هي أصل في الحضانة.
وفي الأخت من الأب زيادة في الإرث، وقوة؛ بسبب كونها تعصب في وقت، وذلك مقابل لإدلاء الأخت من الأم بالأمومة التي هي أصل؛ فيتعارضان، ورجح جانب الأخت من الأب بأن القوة فيها – وهي الميراث – صفة في نفسها؛ فكانت أولى بالترجيح من اعتبار صفة في غيرها.
قال: ثم الخالة؛ لإدلائها بالأم، مع مساواتها لها؛ فقدمت الخالة للأب والأم، ثم الخالة للأب، ثم الخالة للأم.
قال الماوردي: وعلى قول ابن سريج والمزني تقدم الخالة للأم على الخالة للأب، ومن الأصحاب من اسقط حضانة الخالة للأب؛ لإدلائها بأب الأم؛ كأمه، قال: وهذا ليس بصحيح؛ لمساواتها للأم في درجتها؛ فصارت مدلية بنفسها، وخالفت أم أب الأم المدلية بغيرها.
قال: ثم العمة؛ أي: على ما ذكرناه؛ لان إدلاءها بإخوة الأب كإدلاء الخالات بإخوة الأم؛ فتقدم العمة للأبوين، ثم العمة للأب، ثم العمة للأم.
قال الشيخ في "المهذب": وعلى قياس قول المزني، وابن سريج: تقدم العمة من الأم على العمة من الأب؛ وهذا وجه حكاه القاضي الحسين، مع القول بأن الأخت للأب مقدمة على الأخت من الأم، [وكذلك حكاه في الخالة من الأب مع الخالة من الأم]، ووجهه بأن الجهة التي قدمت الأخت للأب بها هو التعصيب، وكثرة الإرث، ولم يوجد معنى الإرث في العمات والخالات بحال؛ فلم يبق إلا مجرد الحضانة، ومن كان إدلاؤها بأنثى في هذا الباب كانت أولى؛ لأنهن الأصل فيه.
وبعد هؤلاء تقدم بنات الأخوات، ثم بنات الإخوة، ثم بنات سائر العصبات، قرباً فقرباً، ثم بنات الخالات، ثم بنات العمات – على القول: بأن لهن حقًّا في الحضانة، وهو الراجح الذي يقتضيه إيراد الأكثرين إلا الغزالي؛ فإنه جعل الأظهر
خلافه- ثم خالات الأم، ثم خالات الأب، ثم عماته – كما ذكرناه – ويجيء فيه خلاف ابن سريج، وهذا هو الصحيح عند الروياني.
وفي وجه تقدم بعد العمات: خالات الأم، ثم خالات الأب، ثم عماته، ثم خالات أم الأم، ثم خالات أم الأب، ثم خالات الجد، ثم عماته، وهكذا تستعلي درجة بعد درجة. ولا يستوعب عمود الأمهات كما استوعبت أمهات الأمهات؛ لأن البعدي من أمهات الأم وارثة كالقربى، والعمات والخالات بخلافهن؛ فاعتبر فيهن قرب الدرج.
فإن عدمن جميعاً، فالحضانة لبنات الأخوات، ثم بنات الإخوة، ثم إلى بنات العصبة، ثم إلى بنات الخالات، ثم إلى بنات العمات.
وفي وجه: بنات الأخوات والإخوة يقدمن على العمة، وهو ما حكاه الإمام والغزالي والبغوي.
قال: وقال في القديم: تقدم الأم، ثم أمهاتها – أي: المدليات بالإناث، ثم الأخوات؛ لأنهن ركضن مع الطفل في صلب واحد وبطن واحد.
ثم الخالة؛ لما روي أنه صلى الله عليه وسلم في قصة بنت حمزة قال: "الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الأُمِّ"، ويؤيده ما حكاه ابن عطية عن السدي في قوله تعالى:{وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ} [يوسف: 100][أنه رفع] أباه وخالته؛ لأن أمه كانت قد ماتت.
قال: ثم أمهات الأب، ثم أمهات الجد، ثم العمة؛ لما ذكرناه.
ولا فرق في الأخوات بين أن يكن من الأبوين أو من أحدهما؛ كما صرح به ابن الصباغ والبندنيجي والقاضي الحسين، والرافعي في آخر الفصل، وقال قبله: القولان متفقان على تقديم جنس الأخوات على الخالات؛ لقرب الأخوات، وهذا ما يقتضيه إطلاق الشيخ.
فعلى هذا: تقدم الأم، ثم أمهاتها، ثم الأخت من الأب والأم، ثم الأخت من الأب، ثم الأخت من الأم، ثم الخالة للأب والأم، ثم الخالة للأب – على أن لها حقًّا – ثم الخالة للأم، ثم أمهات الأب، ثم أمهات الجد، ثم العمة، وهكذا صور الإمام.
وعلى مقتضى تخريج ابن سريج: تقدم الأم، ثم أمهاتها، ثم الأخت من
الأبوين، ثم الأخت من الأم، ثم [الأخت] من الأب، ثم الخالة من الأبوين، ثم الخالة [من الأمن ثم الخالة من الأب] ثم أمهات الأب، ثم أمهات الجد، ثم العمة.
وحكى ابن يونس وغيره: أنه أخر الأخت [من] الأب عن الخالة أيضاً، وأن على هذا تقدم الأم، ثم أمهاتها، ثم الأخت للأبوين، ثم الأخت للأم، ثم الخالة، ثم أمهات الأب، ثم أمهات الجد، ثم الأخت للأب، ثم العمة، وهذا ما حكاه في "المهذب" عن القديم.
وما حكاه عن ابن سريج في تقديم الخالة على الأخت من الأب [ضعيف جدًّا؛ لأنه في تقديم الأخت للأم على الأخت من الأب-] نظر لاستوائهما في الميراث، وكون الأخت من الأم امتازت بالإدلاء بالأم؛ فرجحت، وهاهنا الأخت وارثة، والخالة غير وارثة؛ فلا استواء حتى تترجح بالإدلاء بالأم، بل وجد في الأخت للأب مرجحان: الإرث، وكون القوة في نفسها، وذلك أولى من مرجح واحد.
وفي "الحاوي": تخصيص القديم بتقديم الأخت من الأبوين على أمهات الأب؛ موجهاً ذلك بأنها تدلي بالأبوين؛ فكانت أولى ممن تدلي بأحدهما، وأفسده بأن الولادة والبعضية أقوى، ولثبوت ميراثهن مع الأبناء.
وهذا الخلاف يعرفك اضطراب هذا القول، وعلى كلا القولين فالعمة مؤخرة عن الخالة.
قال: والأول أصح؛ لأن النظر إلى الشفقة وشفقة الجدات من قبل الأب؛ كما قاله الإمام – في الغالب – تزيد [على شفقة الأخوات والخالات؛ فقدمن.
قال الإمام: وهذا – على ظهوره – قد لا ينتهي] إلى القطع، والوجه الذي يفسد به القديم: أنه قدم الأخت من الأب على الأخت من الأم، ولا إدلاء للأخت من الأم إلا بالأم؛ فاضطرب بهذا تقديم الاتصال بجانب الأم، ثم الأخت من الأب بنت أبي المولود أصله، وتقع الثانية بالنسبة إليه حاشية في نسبه؛
فلاح بمجموع ذلك إيضاح وجه القول الجديد، واضطراب القول القديم.
وفي "تعليق" القاضي الحسين بعد ذكر توجيه القول القديم: وهذا صحيح، إلا أن فيه شيئاً واحداً، وهو أنه قدم الأخت للأب على الجدة للأب، ولو كان القياس على هذا كان تقديم الجدة عليها أولى، ولعله إنما فعل هذا؛ لأن لها قوة التعصيب في بعض الحالات، وليست للجدة هذه القوة بحال.
قال: وإن اجتمع مع النساء رجال، قدمت الأم، أي: على الأب ومن عداه؛ للخبر المذكور في أول الباب.
والمعنى فيه: أنها تساوي الأب في القرب والشفقة، وتختص بالولادة المحققة، ولصلاحية الحضانة بسبب الأنوثة.
وأيضاً: فالأب لا يتسغني في الحضانة عن النساء، أو لا يكاد يباشرها، وهي تباشرها.
قال: ثم أمهاتها، أي: اللاتي ذكرناهن؛ لأنهن يشاركن الأم في الشفقة والأنوثة والولادة المحققة، فألحقن بها.
قال: ثم الأب؛ لأن من عداه إن أدلى به فهو مقدم عليه [كما في الإرث، وإن لم يدل به فمن يدلي به مقدم عليه]، والمقدم مقدم.
قال: ثم أمهاته، أي من جهة الإناث؛ لأن لهن ولادة ووراثة؛ فأشبهن أمهات الأم.
وفيه وجه- ويقال: [قول مخرج]: أنهن يقدمن على الأب؛ لولادتهن، وزيادة صلاحيتهن للحضانة، وهو جار في الأخت من الأب، مع الأب، وإن كانت فرعاً له، ومدلية به.
قال: ثم الجد، ثم أمهاته؛ لما ذكرناه، وقدم الجد على الأخت وإن قاسمها في الميراث؛ لعدم إمكان التبعيض؛ كما في ولاية النكاح.
قال: ثم الأخوات – أي: على الترتيب المتقدم – لأنهن راكضن معه في الصلب والبطن، وأخرن عن الجد، لعدم ولادتهن، وقدمن على الخالات والعمات؛ لإدلائهن بالأبوين والعمات والخالات يدلين بالجدين.
وفي أمهات الجد والأخوات مع الجد ما ذكرناه في أمهات الأب والأخوات معه.
قال: ثم الخالة، ثم العمة؛ على ظاهر النص، أي: الذي حكاه المزني؛ لأنه لما عدم من له الولادة والمساوي للمولود في الدرجة؛ كان الانتقال إلى المساوي للأصل في الحضانة- وهما الأبوان – أولى، وقدمنا الخالة على العمة؛ لإدلائها بالأم المقدمة على الأب، وهذا هو الذي عليه الأكثرون، ونص رواية الربيع.
قال: وقيل: تقدم الأخت للأب والأم والأخت للأم والخالة على الأب، وهو الأظهر؛ لأن كلاًّ منهن ذات حضانة تدلي بالأم؛ فسقط الأب معها؛ كالجدة أم الأم.
فإن قيل: أم الأب – وإن علا- والأخت للأب مقدمة على الأخت للأم والخالة- على الأصح- والأب مقدم على أمه وابنته- على الأصح، والمقدم على المقدم مقدم.
قيل: لا يلزم ماذكرتموه؛ ألا ترى أن الأب لا يحجب الجدة عن السدس، [وأمه تحجبها] عن نصفه، وإن كان يحجب أمه، وهذا القول خرجه ابن سريج، والإصطخري، وأبو إسحاق، لكن في الأخت من الأم والخالة، إذا لم يكن معهم أخت لأب، ولا أم أب، وافترقوا فيما إذا وجد معهم أخت للأب، أو أم الأب- على ما حكاه البندنيجي وغيره: فذهب الإصطخري إلى أن الأب أولى؛ لأن الأخت للأب تسقط الخالة والأخت للأم، وكذلك أم الأب تسقطهما، والأب يسقط أمه وبنته؛ فيسقط الكل، وترجع الفائدة إليه؛ كما قيل في الأخوين، إذا اجتمعا مع الأب والأم؛ فإنهما يردان الأم من الثلث إلى السدس، ويفوز الأب بما سقط من نصيب الأم.
وقال غيره: تقدم الخالة والأخت من الأم؛ لأن الأب يسقط أمه وبنته، وإذا سقطتا بقي مع [الأخت للأم والخالة] فهو كالخالة [الأولى]، وبهذا أخذ الشيخ، فإنه جعل الأخت من الأب والأم ملحقة بالأخت من الأم، وأسقط ما اتصفت به من أخوة الأب بهذا المعنى.
وهذا كله تفريع على الجديد، أما إذا فرعنا على القديم، وقلنا: إنهن يقدمن
على أمهات الأب؛ فكذلك يقدمن على الأب، لا سيما إذا قدمنا أمهات الأب على الأب، فلما تظافر القديم، وأحد قولي الجديد المخرج على ذلك، جعله الشيخ الأظهر، وإن كان الماوردي جعله من زلة أبي سعيد الإصطخري لما في الأب من الولادة والاختصاص بالنسب، وفضل الحنو والشفقة التي يدور عليها حق الحضانة.
فرع: إذا كان بدل الأب أباه: فإن قدمناهن على الأب – فكذلك على أبيه، وإن قدمنا الأب، فكذلك الجد يقدم على الخالة والأخت للأم، وهل يقدم على الأخت للأب؟ فيه وجهان؛ الظاهر منهما في "تعليق" البندنيجي: أنها أولى منه؛ لأن لها حضانة، والمذكور في "الشامل" ان الجد أولى.
قال: وإما الإخوة –أي: العصبات وبنوهم [والأعمام وبنوهم] فإنهم كالأب والجد في الحضانة يقدم القرب منهم فالأقرب، على ترتيب الميراث على ظاهر النص؛ لوفور شفقتهم، وقوة قرابتهم بالإرث والولاية.
ويثبت للأخ من الأم- أيضاً – الحضانة؛ لمراكضة الطفل في البطن، ووجود شفقته عليه؛ فيقدم بعد الآباء الإخوة من الأبوين، ثم من الأب ثم من الأم.
وعلى ما ذكره المزني وابن سريج يقدم الأخ من الأم على الأخ من الأب.
وفي "الشامل" حكاية وجه: أنه لا يقدم عليه أيضاً؛ لأنه ليس من أهل الحضانة بنفسه، وإنما يستحق بقرابته، والأخ للأب أقوى.
[فإذا انقرض الإخوة، قدم أولاد الإخوة من الأبوين، أو من الأب، ولا حق لأولاد الأخ من الأم؛ لما ستعرفه.
فإذا انقرض أولاد الإخوة قدم العم من الأبوين، ثم من الأب، ثم بنوهم، ولا حق للعم من الأم.
فإذا انقرض الأعمام وبنوهم قدم عم الأب، ثم عم الجد، وعلى هذا الترتيب.
وفي "الحاوي" وغيره حكاية وجه: أن الأعمام يقدمون على بني الإخوة، فإذا انقرض الأعمام قدم بنو الإخوة وإن سفلوا، فإذا انقرضوا فمن يقدم على هذا الوجه؟ فيه وجهان:
أحدهما: أولاد الأعمام وإن سفلوا.
والثاني: يقدم عم الأب على أولاد العم، فإذا انقرض أعمام الأب، قدم أولاد العم، وإن سفلوا، وهكذا.
وفي الأخ من الأم – أيضاً- وجه: أنه يتأخر عن الأعمام.
قال: وقيل: لا حق لهم في الحضانة؛ لأن الذكورة بعيدة عن الحضانة؛ لافتقارها إلى الاستنابة فيها، وإنما أثبتت للأب والجد؛ لما لهما من الولادة، ووفور شفقتهما، واعتنائهما بأمر الولد؛ ولذلك ثبتت لهما الولاية، وهذا المعنى مفقود في هؤلاء؛ فلا يتعدى الحكم إليهم، والقائل بهذا حمل قول الشافعي –رضي الله عنه: وكذلك العصبة يقومون مقام الأب، إذا لم يكن أقرب منهم من الأم وغيرها" على أن لهم تأديبه وتعليمه نهاراً.
وهذا الوجه يجري في الأخ من الأم – أيضاً – ومنهم من حكى وجهاً فيه دونهم؛ لأنه لا عصوبة له ولا ولاية.
فرع: إذا أثبتنا الحضانة لأولاد العم، ففي ثبوتها للمعتق عند فقد الأقارب وجهان، أحدهما: المنع، وهو ما أجاب به الماوردي؛ لعدم القرابة التي هي مظنة الشفقة.
فعلى هذا: لو كانت له قرابة، وهناك من هو أقرب منه، فهل ترجح؛ لانضمام عصوبة الولاء إلى عصوبة القرابة؟ فيه وجهان محكيان في "الحاوي" وغيره، ومثاله: ابن عم وعم.
واعلم أن قول الشيخ: "وأما الإخوة وبنوهم والأعمام وبنوهم، فإنهم كالأب والجد في "الحضانة"، إن أجرى على ظاهره لزم منه عند اجتماع الرجال والنساء أن يقدموا بعد الآباء والأمهات على جميع النساء من الأخوات والخالات والعمات ومن يدلي بهن من بناتهن؛ لاختصاصهم بالنسب، واستحقاقهم القيام بتأديب المولود ونقله إلى وطنهم، وهو وجه حكاه الماوردي وابن الصباغ، والشيخ في "المهذب" وغيرهم. وإن حمل على أهل الحضانة دون المنزلة كان ذلك مع ظاهر ما قدمه من قوله: "ثم الأخوات، ثم الخالة، ثم العمة على ظاهر النص"، يقتضي ألا يتقدم أحد بعد الآباء والأمهات من الذكور على الأخوات والخالات والعمات [و] لا يتقدم بعد الأخوات على الخالة، وهو وجه
حكاه في "المهذب"، والماوردي معبراً عنه بأنه جميع النساء من الأقارب، بعد فقد الآباء والأمهات أحق بالحضانة من جميع العصبات؛ فتقدم الأخوات والخالات والعمات ومن أدلى بهن من النساء على جميع العصبات من الإخوة وبنيهم والأعمام وبنيهم؛ إذا أثبتنا لهم حق الحضانة لما فيهم من الأنوثة.
وحكينا – أيضاً – وجهاً ثالثاً، وصححه الماوردي، وتابعه على تصحيحه القاضي الروياني: أنه لا يترجح أحد الفريقين على العموم، مع تفاضل الدرج، ويترتبون ترتب العصبات في استحقاق الأقرب فالأقرب، فإن كان الرجال أقرب قدموا، وكذلك النساء.
وإن استوى الرجال والنساء في الدرج قدم النساء.
فعلى هذا: يقدم بعد الآباء والأمهات الأخوات، ثم الإخوة، فإذا عدموا انتقل حق الحضانة إلى بنات الأخوات، ثم إلى بني الإخوة، فإن اجتمع ابن أخت وبنت أخ كانت بنت الأخ أولى.
فإذا عدمت درجة الإخوة انتقلت إلى الدرجة التي تليها، وهي خالات الأم، ثم خالات الأب، ثم عماته، ثم أعمامه، ثم إلى أولادهم، وتكون بعدهم لأولادهم على ترتيبهم، ثم تستعلي على هذا القياس درجة بعد درجة.
قلت: وهذا الوجه فيه نظر من وجهين:
أحدهما: أن فيه تقديم بنات الأخوات والإخوة على الخالات والعمات.
وقد حكى الرافعي أن القولين – يعني: الجديد والقديم – متفقان عند انفراد النسوة على تقديم جنس الأخوات على الخالات، وعلى أن الخالات يتقدمن على بنات الأخوات والإخوة- كما حكيناه من قبل – فكيف يمكن أن يجعل هذا أصح مع مخالفته للجديد والقديم؟
الثاني: أن الروياني صحح – عند انفراد النسوة – تقديم الخالات والعمات
على بنات الأخوات وبنات الإخوة – كما حكيناه عن القولين – وهنا صحح هذا، وهو مناقض له، فكيف يجمع بينهما؟!
وفيه – أيضاً – ما يوهم أن ابن الأخت له حق في الحضانة على الجملة، فإنه قال: إذا اجتمع ابن أخت وبنت أخت وبنت أخ، كانت بنت الأخ أولى، وهذا يدل على ما ادعيناه، مع أنه حق له في الحضانة؛ لأنه ذكر غير وارث، وقد قال الماوردي: إنه لا حضانة لذكر غير وارث أصلاً. على أن في هذا وجهاً، سنذكره من بعد، والله اعلم.
فرعان:
أحدهما: إذا استوى اثنان في درجة من كل وجه- كأختين مثلاً – وتنازعا، أقرع بينهما.
قال الرافعي: وكان يجوز أن يقدم بما يقدم به المتزاحمان على اللقيط.
الثاني: إذا كان في أهل الحضانة خنثى، نظر:
إن كان مستحقها رجلاً، لم [يساو به] الخنثى، وهل يقدم بذلك على المرأة، عند عدم الرجل؟ فيه وجهان.
ومثل ذلك يجري فيما إذا كان مستحقها امرأة، لكن على العكس.
فائدة: حكم المجنون، ومن به خبل وقلة تمييز، أو فقده –حكم الصبي فيما ذكرناه.
قال: وإذا بلغ الصبي سبع سنين وهو يعقل، خير بين الأبوين، أي: عند تساويهما في اجتماع شروط الكفالة، وطلب كل منهما الكفالة.
قال: فإن اختار أحدهما سلم إليه.
والأصل في ذلك ما روى الشافعي بإسناده عن أبي هريرة – رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم "خَيَّرَ غُلَاماً بَيْنَ أَبِيهِ وَأُمِّهِ". وروى عنه أبو داود عن طريق آخر
أنه قال: كنت جالساً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءته امرأة، فقالت: يا رسول الله، إن هذا ولدي، وإن أباه يريد أن يذهب به، وإنه سقاني من بئر أبي عنية ونفعني؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"استهما عليه"؛ فقال زوجها: من يجاقني في ولدي؟! فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم] للغلام: "هَذَاَ أَبُوكَ، وَهَذِهِ أُمُّكَ، فَخُذْ بِيَدِ أَيِّهِمَا شِئْتَ، فَأَخَذَ الْغُلامُ بِيَدِ أُمِّهِ، فَانْطَلَقَتْ بِهِ".
وإنما يدعى بالغلام الصبين وعنبة: بنون وباء، قاله الدارقطني.
ولأن القصد بالكفالة طلب الحظ للولد، وهو بظهور تمييزه أعرف بحظه؛ فوجب أن يرجع إليه؛ لأنه قد عرف من برهما ما يدعوه إلى اختيار أبرهما.
ولا نظر إلى كون أحدهما أكثر مالاً، أو أزيد في الدين، أو المحبة على الأظهر من الوجهين، بل يجري التخيير.
وخص التخيير بالسبع؛ لأنه سن التمييز – غالباً – ولِهَذَا أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الأَولِيَاء بِأَمْرِ الصِّبْيَانِ بِالصَّلَاةِ فِيهِ، ويعتبر مَعَ الوُصُولِ إلِي هَذِهِ السِّنِّ وَالعَقْلِ أَنْ يَكُونَ عَارِفاً بأسباب الاختيار وضابطاً، فإن لم يكن كذلك أخر إلى حصول ذلك، وهو موكول إلى نظر القاضي واجتهاده.
وعلى هذه الحالة حمل الأصحاب ما حكى عن الشافعي في القديم: إذا بلغ سبعاً أو ثماني سنين، خير ولم يثبتوا ذلك قولاً.
وراعى المراوزة هذا المعنى فأثبتوا التخيير عند وجود التمييز، ولو قبل السبع.
والمراد من قول الشيخ: "الأبوين": الأب وإن علا؛ يدل عليه قوله من بعد: فإن لم يكن له أب ولا جد.
وحكم أم الأم مع الأب أو الجد حكم الأم.
أما إذا لم يتشاحا في طلب الكفالة، بل رضي احدهما بتسليمه إلى الآخر – فهو أحق به، ما لم يرجع ويطلبه، صرح به الماوردي وغيره.
ولو تدافعاه، فإن كان بعدهما من يستحق الكفالة: كأب الأب، وأم الأم – انتقل الحق إليهما. وإن لم يكن بعدهما من يستحقها؛ لتفرد الأبوين – فوجهان حكاهما صاحب الحاوي:
أحدهما: أن المولود على خيرته؛ فمن اختاره منهما أجبر عليها.
ولو كان هذا التمانع في وقت الحضانة أقرع بينهما، وأجبر على الحضانة من قرع.
والثاني- وهو المحكي في "النهاية"-: أن الحضانة ينحي بها نحو النفقة: فمن تجب عليه النفقة يجب عليه القيام بالحضانة؛ فإنها من المؤن المتعلقة بالكفالة؛ وكذلك حكم الكفالة.
قال الإمام: ولو طلبت الأم الحضانة وطلبت الجرة فهي بمثابة طلبها الرضاع، وأبدى فيه احتمالاً؛ من حيث إنها فيها وغيرها على وتيرة واحدة [ويمكنه من أن يحضن بنفسه وهل ينزل منزلة متبرعة؟ فيه تردد بين الأصحاب. قال الإمام: ولعل الظاهر أن ما يناله من التعب بمثابة الأجرة التي تطلبها الأجنبية فلا يكون هذا كوجدان متبرعة. وهذا من الإمام تفريع على أنها تستحق الأجرة] بعد فصال الرضاع. أما إذا قلنا: إنها لا تستحق- وهو وجه حكاه القاضي الحسين – لأن حفظ الولد واجب عليها، في حال كونه عندها، فلا تأخذ الأجرة على شيء واجب عليها؛ فلا تفريع.
فرع: إذا احتاج الولد إلى خدمة في الحضانة والكفالة، ومثله من يخدم – [قام الأب] بمؤنة خدمته، إما باستئجار خادم، أو ابتياعه، على حسب عادة أهل البلد وعرف أمثاله.
ولا يلزم الأم مع استحقاقها لحضانتها الأجرة أن تقوم بخدمته، إذا كان مثلها لا يخدم؛ لأن الحضانة هي الحفظ والمراعاة، وتربية الولد، والنظر في مصالحه، وذلك لا يوجب مباشرة الخدمة، ويستوي في ذلك الغلام والجارية؛ قاله الماوردي.
قال: فإن كان ابناً واختار الأم، كان عندها بالليل، وعند أبيه بالنهار، أي: يؤدبه، ويعلمه أمور الدين والمعايش، ويسلمه غلى المكتب إن كان من أهل التعلم، أو الحرفة؛ إن لم يكن من أهل التعلم، والمرجع في ذلك إلى عرف أهله، كما صرح به الماوردي؛ لأن المقصود من الكفالة حظه، وبهذا يحصل له الحظ.
وهكذا الحكم فيما إذا كان عندها قبل انتهائه إلى سن التخيير، وكان ذكيًّا فطناً، والمرد فيه خمس سنين أو ست سنين، وإن لم يكن فطناً فيؤخر إلى سن الكفالة.
قال: وإن اختار الأب كان عنده بالليل؛ أي: بحكم التخيير، والنهار، أي: بحكم رعاية مصالحه.
قال: ولا يمنع من زيارة أمه؛ كي لا يكون ساعياً في العقوق وقطيعة الرحم، وهل ذلك على طريق الوجوب أو الاستحباب؟ الذي صرح به البندنيجي ودل عليه كلام الماوردي: الأول؛ فإنه قال: وعليه أن ينفذه إلى زيارة أمه في كل يومين أو ثلاثة، وإن كان منزلها قريباً فلا بأس أن يدخل عليها [في كل يوم ليألف برها، ولو أرادت الأم زيارته لم يمنعها الأب من الدخول عليه،] لكن لاتطيل المكث. ولفظ البندنيجي: لا يحل له منعها منه.
قال: ولا تمنع من تمريضه إن احتاج؛ لأن المريض كالصغير في الحاجة؛ فكانت أحق به؛ لوفور شفقتها عليه؛ ولأن النساء بتعليل المريض أقوم من الرجال، فإن رضي الأب بأن تمرضه في بيته فذاك، ويجب الاحتراز عن الخلوة، وإلا فينقل الولد إلى بيت الأم.
وإذا مات الولد في بيت الأب لم تمنع من حضور غسله وتجهيزه إلى أن يدفن، وله منعها من زيارة قبره إن دفن في ملكه؛ لحق نفسه، وإن كان في غير
ملكه فكذلك، لكن لحق الله تعالى.
قال: وإن كانت بنتاً، فاختارت الأب أو الأم – كانت عنده، أي: عند من اختارته منهما بالليل، والنهار؛ لتساوي الزمانين في حقها، وحصول المقصود منها في بيتها، ولا يمنع الآخر من زيارتها، أي: في حال الصحة، وعيادتها، أي: في حال المرض؛ لما ذكرناه، ولكل منهما منع البنت من الخروج إلى زيارة الآخر، بخلاف الغلام؛ حيث قلنا: لا يمنع من زيارة أمه؛ لأن الجارية من الحرم؛ فتمنع من [البروز؛ لتألف الصيانة] وعدم التبرج.
فإن قيل: الأم إذا أرادت زيارتها، احتاجت إلى الخروج – أيضاً- فلم رجحت البنت عليها؟
قيل: لأن الحذر على البنت أكثر، وحالها في الصغر أخطر، ولا تمنع من الخروج؛ للعيادة، وللأم إخراجها إلى بيتها؛ لأجل المرض، عند امتناع الأب من تمريضها في بيته؛ لأنها حالة ضرورة؛ فاتسع حكمها؛ كذا حكاه الماوردي، وابن الصباغ وغيرهما.
وفي "المهذب": أنها إذا مرضت كانت الأم أحق بتمريضها في بيتها، مقتصراً على ذلك.
قال: فإن اختار أحدهما، ثم اختار الآخر- حول إليه، فإن عاد واختار الأول أعيد إليه؛ لأن ذلك حق للولد، لا عليه، وهو يقف على شهوته؛ فاتبع فيه إرادته كما يتبع إرادته بشراء الطعام، ولأنه قد [يبدو له الأمر على خلاف ما ظنه]، وقد يقصد مراقبة الجانبين.
ولا فرق في ذلك بين أن يتكرر منه أو لا، على ما يقتضيه إيراد الماوردي؛
حيث قال: وعلى هذا أبداً كلما اختار واحداً بعد واحد حول إليه.
وقال الإمام: إذا تردد الصبي تردداً كثيراً، قال الأصحاب: كان ذلك دالاًّ على خرقه؛ فيتبين أنه ليس مميزاً، ويقر في حضانة الأم، ثم قال: وهذا فيه نظر؛ فإنه لا ينكر في حالة الصبي وإن كان على كيس تام، وتمييز ولو تكرر ذلك ما أراه شاهداً، ولا وجه عندي في ذلك إلا اتباعه، على شرط ألا تتعطل أركان الحضانة بالتردد.
واعلم أن الشيخ – رحمه الله – ذكر عند تخيير الصبي في حالة الصبي في حالة التنازع حالة من ثلاث أحوال، ولم يتعرض لما سواها، ولا غنى عن ذكرهما:
فالأولى: أن يختارهما؛ فلا يجتمعان فيه مع التنازع، ويقرع بينهما، فأيهما خرجت القرعة له، كان أحق بكفالته.
والثانية: ألا يختار واحداً منهما، ففيه وجهان:
أحدهما: أنه يقرع بينهما – أيضاً – وهو ما حكاه في "المهذب".
والثاني- وهو الأشبه عند الرافعي، والمذكور في "البسيط": أن الأم أحق؛ لأنه لم يختر غيرها، وكانت الحضانة لها؛ فتستصحب ما كان [لها].
قال: فإن لم يكن له أب ولا جد، وله عصبة غيرهما – خير بين الأم وبينهم، على ظاهر المذهب، أي: في أن لهم حقًّا في الحضانة، كما تقدم.
ووجهه ما روي عن عمار الجرمي قال: خَيَّرَنِي عَلِي – كرم الله وجهه – بَينَ أُمِّي وَعَمِّي، وَأَنَا ابْنُ سَبْعِ سِنيِنَ أَو ثَمَانٍ، وَقَالَ لأخٍ لِي هُوَ أَصْغَرُ مِنِّي: وَهَذَا – أيضاً لَو – قَدْ بَلَغَ لخيرته.
ولأنهم عصبة مناسبون كالأب.
وفيه وجه – على ظاهر المذهب – حكاه الماوردي والرافعي وغيرهما: أنه لا يخير، وتكون الأم أحق بكفالته من غير تخيير؛ لاختصاصها بالولادة.
قال: فإن كان العصبة ابن عم، أي: تحل له – لم تسلم البنت إليه؛ لأنه ليس بمحرم؛ فتحصل الخلوة المحرمة.
وظاهر هذا الكلام يدل على أنها تخير بينه وبين الأم، لكن لا تسلم إليه، بل إلى غيره، وهو قضية ما في "الشامل"؛ فإنه قال: إذا كانت له بنت سلمت إليها. وقريب مما حكاه الرافعي فيما إذا أثبتنا له حق الحضانة، وبلغت حدًّا يشتهي مثلها، لم تسلم إليه، ولكن له أن يطلب تسليمها إلى امرأة ثقة، ويعطي أجرتها.
وإن كانت له بنت، سلمت إليها، والموجود في "المهذب" وتعليق البندنيجي وغيرهما: أنها لا تخير بينهما، وتكون الأم أحق بها.
وبنات الخالات وبنات العمات، إذا أثبتنا لهن حق الحضانة، وكان المحضون صغيراً فإذا بلغ إلى سن يشتهي سقط حقهن، صرح به الرافعي، والله أعلم.
قال: وقيل: لا حق لغير الآباء والأجداد في الحضانة- أي: كما ذكره من قبل؛ فلا يخير بينهم وبين أمه ولو كان للصبي أب وأخوات من أم، أو الخالات، وقدمناهن عليه في الحضانة – ففي تخييره بين الأب وبينهن وجهان، ولو كان له عصبات من الرجال [ومن له حق الحضانة من النساء دون الأمهات، فهل يخير بينهن؟ فيه ثلاثة أوجه:
أحدها:] لا يخير، وتكون العصبات أحق.
والثاني: لا يخير، وتكون نساء القرابات أحق.
والثالث: يخير بين عصباته وبين قراباته إذا تساوت درجتهم، فإن تساوي اثنان من عصبته كالأخوين، أو اثنتان من قراباته كالأختين – ففيه وجهان:
أحدهما: يخير بينهما أيضاً.
والثاني: يقرع [بينهما] ولا يخير، ويستحقه من قرع منهما، كذا قاله الماوردي.
واعلم أن ما ذكرناه من التخيير بين الأبوين ومن عداهما مفروض فيما إذا لم يكن [للمكفول] زوج إن كان أنثى، أو زوجة إن كان ذكراً، أما إن كان له زوج كبير، وأمكنه الاستمتاع بها، أو زوجة كبيرة وأمكنه الاستمتاع بها – فالزوج والزوجة أحق بكفالته وإن كانا أجنبيين من جميع قراباته؛ لما جعل الله بين الزوجين من المودة؛ فكان أسكن إليهما، وهما أعطف عليه.
وإن لم يمكن الاستمتاع فهو كما لو لم يكن له زوج ولا زوجة.
نعم، لو كان الزوج أو الزوجة من أقاربه، فهل يرجح بعقد النكاح على غيره من الأقارب، أم لا؟ فيه وجهان. حكاهما الماوردي وغيره.
قال: وإن وجبت للأم الحضانة، فامتنعت – لم يجبر؛ لأنها تركت حقًّا لها، ومن ترك حقًّا له، لا يجبر على استيفائه.
أما إذا وجبت عليها، إما بأن لم يكن له أب وإن علا، ولا مال له، أو تمانعا، وفرعنا على ما حكاه الماوردي من خروج القرعة، وإجبار من خرجت القرعة عليه، كما حكيناه من قبل فتجبر؛ كما يجبر كل من امتنع من حق وجب عليه.
قال: وتنتقل إلى أمها، وكذا لو غابت بالقياس على ما لو ماتت [أو جنت].
قال: وقيل: تنتقل [إلى الأب، وهو قول أبي سعيد الإصطخري على ما حكاه ابن الصباغ]، وبه قال ابن الحداد، على ما حكاه الرافعي؛ لأن أهليتها باقية، وإنما تركت حقها، فلم ينتقل [منها] إلى من يدلي بها؛ بخلاف ما إذا ماتت [أو جنت]، ينتقل إلى الأب؛ لأنه أولى من الحاكم؛ ألا ترى أن ولاية النكاح إذا مات الأقرب أو جن، انتقلت إلى الأبعد، وإذا غاب أو عضل ينوب عنه السلطان [ولا يزوج الأبعد؟!
قال الرافعي: وقد قال ابن الحداد- على ما حكاه المتولي-: إنها تنتقل إلى من يوليه السلطان].
والذي رأيته في "التتمة" في هذا الموضع ما حكيته عن الإصطخري لا غير. [نعم]، حكى فيما إذا وجبت الحضانة للأب فغاب، عن ابن الحداد: أن الحضانة تنتقل إلى السلطان؛ اعتباراً بولاية النكاح؛ لأنها حق عليه، ويفارق جانب الأم؛ لأنها تركت حقا لها، وما استشهد به كما يمنع نقل الولاية إلى من يدلي بالممتنع يمنع نقلها على من يدلي بغيره، فلا يحسن التمسك به.
وحكى الإمام هذا الوجه عن الخلافيين في القريب إذا غاب، ثم قال: ولست
أحكي مثل ذلك ليلتحق بالمذهب، ولكن أذكره؛ ليتبين أنه له يذكره المعتمدون؛ فيقطع عن المذهب، مع أن الفرق بين ولاية النكاح وهذه أن الغائب يمكنه التزويج في الغيبة، فإذا لم يفعل، ناب السلطان عنه، والحضانة في الغيبة ليست بممكنة؛ فصار كما إذا نكحت مستحقة الحضانة، لما لم يمكنها القيام بها سقط حقها، وانتقل إلى من بعدها؛ وهكذا الحكم في كل من امتنع من الحضانة؛ فإنها تنتقل إلى من يليه.
قال: ولا حق في الحضانة لأب الأم؛ لضعف قرابته؛ ألا ترى تقاعده عن إفادة الولاية والإرث، وتحمل العقل؟! فكذلك يتقاعد عن إفادة الحضانة.
وفيه وجه: أن له حقًّا؛ لأن له قرابة تدعو إلى الشفقة والتربية.
وهذا الخلاف يجري في كل ذكر أدلى بأنثى، غير الأخ: كالخال والعم للأم، وابن الأخت وابن الخال وابن العمة.
وأجرى – أيضاً – في ابن الأخ للأم وابن الخال.
وإذا قلنا به، فيتأخرون عن المحارم الوارثين وعن الوارثين الذين لا محرمية لهم.
وإذا تنازعوا في أنفسهم، فمن له ولادة مقدم على من لا ولادة له؛ [فأبوا الأم يقدم] على الخال، فإن انتفت الولادة عنهم كالخال والعم للأم ففيه وجهان:
أحدهما: أنهما سواء؛ فيقرع بينهما.
والثاني- وهو الأشبه-: أنه يستحقها من قوي سبب إدلائه؛ فيكون الخال مقدماً على العم للأم وهكذا.
قال: ولا لأمهاته – أي: إذا قلنا: لا حق لهم؛ لأنها تدلي بمن لا حق له في الحضانة بحال ولا عصوبة؛ فأشبهت الأجانب، واحترزنا بقولنا: بحال عن [أم] الأم إذا كانت الأم فاسقة، أو مزوجة؛ لأن لها حقًّا على الجملة. وبقولنا: ولا عصوبة، عن بنت الأخ إذا قلنا: لا حق له في الحضانة؛ فإن الحضانة لها، وإن كانت مدلية به؛ لكونه عصبة ولكون له نوع منها، وهو تأديبه وتعليمه، كما صرح به ابن الصباغ.
وفي المسألة وجهان آخران:
أحدهما: أن لها حقًّا، ولكن تؤخر عن جميع النساء.
والثاني: لها حق، وتقدم على الأخوات اولخالات؛ وهذا حكاه الشيخ أبو علي، واستحسنه الإمام، واستشكل المذهب من حيث إنها على عمود النسب، وهي أصل المولود، وذلك حكم يناط بالبعضية، فهو متعلق بها؛ كاستحقاق النفقة، والعتق عند جريان الملك، وإن نظر إلى عدم استحقاق الإرث فالخالات ساقطات عند من لا يورث بالرحم، ولا خلاف [أنهم مستحقون] للحضانة.
وهذا الخلاف يجري في كل جدة ساقطة، وكل محرم يدلي بذكر لا يرث، وإن شئت قلت: يدلي بأنثى، كما قال الإمام، وذلك مثل بنت ابن البنت، وبنت العم للأم، وعمات الأم، وبنات ابن الأخ للأم وبنت الخال، وبنت ابن الأخت.
فرع: إذا انفردن، وتنازع منهن اثنتان: فإن كان في إحداهما ولادة ليست في الأخرى: كأم أبي الأم، مع بنت الخال- كانت الأولى أحق. ولو لم يكن فيهما ولادة: كبنت الخال وبنت العم- ففيه وجهان:
أحدهما: يستويان، ويقرع بينهما.
والثاني: يقدم من قوى سبب إدلائها. وهو الأشبه.
[فرع] آخر: إذا تنازع ذكر ممن يدلي بالإناث المذكورات، وواحدة ممن ذكرناهن – نظر:
إن لم يدل واحد منهما بالآخر كانت الأنثى أحق، ما لم يكن في الذكر ولادة، سواء قربت، أو بعدت.
وإن كانت من جهته: كأب الأم، وأمه، فمن أحق بها؟ فيه وجهان:
أحدهما: الذكور: لأنهم أقرب ممن أدلى بهم.
والثاني: الإناث، مع بعدهن ممن أدلين به من الذكور؛ لأنوثتهن؛ فتكون أم أب الأم أحق من أب الأم، وبنت الخال أحق من الخال، حكاه الماوردي.
قال: ولا لرقيق.
شرع الشيخ – رحمه الله – من هاهنا في بيان ما يمنع من ثبوت حق الحضانة، مع وجود سببها- وهو القرابة – هو بعينه مانع من الكفالة، وجملة ما قيل فيه سبعة مواضع، أربعة ذكرها الشيخ:
فمنها: الرق، والدليل على أنه لا حضانة للرقيق أن منفعته للسيد، وهو مشغول به غير متفرغ للحضانة، وكذا لو أذن له السيد؛ لأنها نوع ولاية، والرقيق لا ولاية له.
ولا فرق في ذلك بين الرجال النساء إذا كان الولد حرًّا، وتكون حضانته لمن ينتقل إليه بعد الرقيق من الأقارب، فإن لم يكن كانت في بيت المال.
أما إذا كان الولد رقيقاً، فحضانته على سيده – أيضاً – لكن هل للسيد إذا كان مالكاً لأمه نزعه منها في سن الحضانة والكفالة، وتسليمه إلى غيرها؟ فيه وجهان حكاهما البندنيجي، وجزم المارودي بالمنع في سن الحضانة، وحكى قولين في سن الكفالة، وهو بعد السبع إلى البلوغ كما ذكرناه.
وحكى فيما إذا كان أبوه مِلْكاً لسيده في جراين حكم الأم عليه في المنع من التفرقة وجهين.
ولو كانت الأم حرة والولد رقيقاًن فكذلك حضانته لسيده، والانتزاع منها الخلاف.
وحكم المدبر والمعتق بصفة – حكم القن، وكذا المكاتب.
نعم: إذا قلنا: إن ولد المكاتبة تستعين به في الكتابة يسلم إليها، لا لأن لها حق الحضانة؛ بل لأنه لها، وأم الولد بالنسبة إلى ولدها [من نكاح أو زنى حكمها حكم الرقيقة، وكذا بالنسبة إلى ولدها من] سيدها، على الصحيح.
وعن الشيخ أبي حامد: أن لها الحضانة، دون الكفالة.
قال الروياني: والمصلحة الفتوى [به].
والمعتق نصفه ملحق بالرقيق.
ولو كان بعض الولد حرًّا، وبعضه رقيقاً – فنصف حضانته للسيد، ونصفها لمن تكون حضانته له من أقربائه الأحرار، فإن اتفقوا على المهايأة، أو على استئجار من يحضنه، أو رضي أحدهما بالآخر- فذاك، وإلا استأجر الحاكم من
يحضنه، وأوجب المؤنة على السيد، وعلى من يقتضي الحال الإيجاب عليه.
قال: ولا فاسق؛ لأنها ولاية، ليس فيها شائبة الاكتساب، والفاسق ليس من أهل الولايات.
ولأنه لا يؤمن من أن يخون في حفظه، وينشأ على طريقته.
وفي عدول الشيخ عن اشتراط العدالة إلى اعتبار نفي الفسق، دلالة على أنا لا نشترط تحقق العدالة الباطنة، بل يكفينا نفي الفسق، وذلك يحصل بالعدالة الظاهرة، ما في شهود النكاح، كما صرح به الماوردي.
وعلى هذا: لو اختلف الأبوان، فادعى أحدهما فسق الآخر؛ ليفوز بالكفالة من غير تخيير، لم يقبل قوله فيه، ولم يكن له إحلافه عليه، وكان على ظاهر العدالة، حتى يقيم مدعي الفسق عليه ببينة. حكاه الماوردي.
قال: ولا كافر على [مسلم]؛ لقوله تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} [النساء:141].
ولأن في ذلك خشية أن يفتنه عن دينه؛ فلا حظ له فيه.
ولأنه لا ولاية للكافر على المسلم.
قال: وقيل: للكافر حق، وهذا قول أبي سعيد الإصطخري، وحكاه الرافعي في آخر الفصل عن ابن أبي هريرة أيضاً، وتمسك قائله بما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم خير غلاماً بين أبيه المسلم وأمه الكافرة، فمال إلى الأم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"اللَّهُمَّ اهْدِهِ"؛ فعدل على أبيه.
وعن بعض الأصحاب: أن الأم الذمية احق بالحضانة من الأب المسلم، بخلاف الكفالة؛ فإن الأب أحق بها.
والمذهب: الأول، وأما الخبر فقد قال ابن الصباغ والماوردي: إنه ضعيف عند
أهل الحديث، وإن صح، فهو منسوخ، على ما حكاه في "المهذب"؛ لأن الأمة أجمعت على أنه لا يسلم إلى الكافر.
قال مجلي: ولعل نسخه وقع بقوله تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} [النساء:141].
أو يحمل على أنه – عليه السلام – عرف أنه يستجاب دعاؤه، وأنه يختار الأب المسلم، وقصد بالتخيير استمالة قلب الأمز
قال الماوردي: ولأنه – عليه السلام – دعا بهدايته على مستحق كفالته، لا إلى الإسلام؛ لثبوت إسلامه بإسلام أبيه، فلو كان لأمه حق لأقرها عليه، ولما دعا بهدايته إلى مستحقه.
وولد الذميين في الحضانة كولد المسلمين؛ فالأم أحق بها، قاله الرافعي.
وفي البندينيجي: أنهما إذا ترافعا إلينا حكمنا بينهما بحكم المسلمين. وهو قريب من الأول، وقد يوهم خلافه.
فرع: لو وصف صبي من أهل الذمة الإسلام، نزع منهم، ولم يمكنوا من كفالته، صححنا إسلامه أو لم نصححه.
والطفل الكافر: هل يثبت لقريبه المسلم حق حضانته؟
قال في "التتمة": الصحيح من المذهب ثبوته، وفيه وجه آخر؛ بناء على أن القريب الذي ليس بوارث لا حضانة له. قال: ويجري هذا الخلاف فيما نحن فيه إذا جن الذمي وله قريب مسلم، هل يثبت له حق الحضانة؟
قال: ولا حق للمرأة إذا نكحت؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "أَنتِ أَحَقُّ مَا لَمْ تَنْكِحِي"، وروي أنه – عليه السلام –قال:"الأَيِّمُ أَحَقُّ بوَلَدِهَا مَا لَم تَتَزَوجْ".
ولأن النكاح يشغلها بحق الزوج ويمنعها من الكفالة، ويتعير به، ولا أثر لرضا الزوج؛ كما لا اثر لرضا السيد بحضانة الأمة.
نعم، لو رضي معه الأب بذلك سقط حق الجدة من الحضانة - على الأصح - فيكون عند الأم.
وقيل: لا يسقط حق الجدة برضا الأب، قاله في "التهذيب".
وبهذا يظهر لك أن المراد بالجدة: [أم الأم]، لا أم الأب.
قال: حتى تطلق- أي: وإن كان رجعيًّا -[لأن به] يزول المانع، وهو اشتغالها بحق الزوج.
وهكذا الحكم في كل مانع، إذا زال، فإنه يعود حق الحضانة كما كان وإذا راجع المطلقة، سقط حقها أيضاً.
وخرج ابن سريج قولاً: أن الطلاق الرجعي [لا] يكفي حتى تنقضي العدة؛ لبقاء أحكام الزوجية، وهو اختيار المزني.
والمسألة مصورة في الطلاق الرجعي والبائن فيما إذا رضي المطلق بدخوله منزل العدة إن كان له، أو لم يرض، وكان لها. أما إذا كان له ولم يرض، ولم يكن لها أن تدخله فيه.
وقد فهم من كلام الشيخ: أن حقها من الحضانة لا يعود بما عدا الطلاق وإن كان مُحرَّماً كالظهار قبل التكفير وغيره.
فرع: تقدم أن الرجعية تستحق النفقة في زمن العدة، فإذا أخذت في حضانة ولدها من غير رضا المطلق، وكان المسكن لها - فالمذهب: أن نفقتها [لا تسقط.
وحكى عن الشيخ أبي علي أنها تسقط؛ كما لو كانت في صلب النكاح؛ فإن الرجعية تستحق] نفقة الزوجة؛ فتسقط نفقتها بما تسقط به نفقة الزوجات.
قال الإمام: وهذا عندي هفوة؛ فإن الزوجة في غيبة الزوج لو حضنت الولد، [وأخذت] تحترف على وجه لو اشتغلت بمثله في حضور الزوج،
وزاحمت به حقه لكانت ناشزة – فلست أراها ناشزة في الغيبة.
قال: إلا أن يكون زوجها جد الطفل، [أي: أب أبيه؛ لأن له حقًّا في الحضانة؛ فلا يسقط نكاحه حقها؛ كما لو كانت في نكاح الأب، وصورة المسألة إذا كانت الحاضنة جدة: أن يتزوج رجل بامرأة ويتزوج ابنه بابنتها من غيره، ثم يجيء لابنه ولد، ثم تموت الأم؛ [فتنتقل الحضانة إلى أم الأم، وهي زوجة الجد. أما الجد أبو الأم] فالذي يظهر من كلام الأئمة – حيث صوروا المسألة بما ذكرناه: أنه كالأجنبي، إذا قلنا: لا حق له في الحضانة، وإلى ذلك يرشد – أيضاً – كلام البغوي؛ حيث قال: الحق للأب إذا نكحت، إلا أن تنكح الجدة جد الطفل: إما أبا الأب، أو أبا الأم إن ثبتت له الحضانة.
وفي "الجيلي" حكاية عن "الحلية" و"البحر": أنه لا فرق بينه وبين أب الأب، وأن الفتوى الآن عليه؛ لأنه ليس بأجنبي، وإن لم يكن له حق الحضانة.
وفي كلام القاضي الحسين إشارة إليه؛ فإنه قال: قال الشافعي: إذا نكحت الأم، بطل حقها، وأمها – وهي الجدة- أولى بحضانته ما لم تتزوج هي، إلا أن يكون زوجها جد الطفل – فالجد والد – إذا رضي أن يكون عنده؛ لأن له ألا يدخل منزله ابن ابنته.
واعلم أن كلام الشيخ يقتضي أنها لو تزوجت بمن له حق في الحضانة، غير الجد – لا تكون لها الحضانة، وهو وجه حكاه الماوردي وغيره؛ لظاهر الخبر، ولما يجذبها الطبع إليه من التوفر على الزوج، ومراعاة أولادها منه، وليس كالجد؛ فإن الجد تام الشفقة، قوى القرابة.
والأشبه عند الرافعي – وبه قال القفال، وهو المذكور في "التتمة"، وقال البغوي: إن صاحب "التلخيص" خرجه من الجد -: أنه لا يبطل حقها.
ووجهه: ما روى أبو داود – رضي الله عنه أنه "لما قتل حمزة، وتنازع في حضانة ابنته علي بن أبي طالب، وقال: بنت عمي، وعندي بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعفر بن أبي طالب –أيضاً- وقال: بنت عمي وعندي خالتها – قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الْخَالَةُ أُمٌّ"، وسلمها إلى جعفر".
والقائل الأول حمل ذلك على أنه – عليه السلام –رجح جعفراً، مع مساواته
لعلي في القرابة – بالخالة، لا على ترجيح الخالة على غيرها.
وفي "ابن يونس": أنه قيل: [إنه] إذا كان المنازع للأم في الحضانة أعلى درجة من زوجها أسقط حق الحضانة وليس بشيء، وهذا أخذه من قول مجلي: إن الشيخ ابا علي ذكر أن العم إذا نكح أم الطفل، مع وجود الأب – بطل [حق الأم]؛ لأن الأب أولى من العم؛ فصار بالإضافة إلى الأب في الحضانة كالأجنبي.
ثم قال: وهذا الوجه الذي ذكره لا يجري إذا كان منازعها في الكفالة في درجة الزوج، ويجري إذا كان مقدماً عليه.
وهذا كله فيما إذا رضي الزوج بأن تحضنه الزوجة، أما إذا منعها من ذلك فإنه يسقط حقها، صرح به الماوردي وغيره.
والثلاثة الباقية من الموانع:
الجنون، فلا يثبت للمجنون حضانة؛ لأنه لا يتأتى منه الحفظ والتعهد، بل هو في نفسه محتاج إلى من يحضنه، ولما كان هذا المانع معلوماً بالبديهة لم يحتج الشيخ إلى ذكره.
ولا فرق فيه بين الجنون المطبق والمتقطع؛ لأنه بعد الإفاقة يبقى في خبل الجنون، ولا يؤمن أن يطرأ الجنون في غفلةٍ؛ فلا يؤمن على الصبين اللهم إلا أن يقل جنونه في الأحيان الكثيرة، ولا تطول مدته: كيوم في ستين – مثلاً – فلا يكون إذ ذاك مانعاً، بل هو كمرض يطرأ ويزول.
نعم، لو كان تأثيره في نفس الحركة والتصرف، فينظر:
إن كان ممن يباشر الكفالة بنفسه فالحكم كذلك؛ لما يدخل على الولد من النقص فيها، وإن كان ممن يدبر الأمور ويباشرها غيره، فلا يكون مانعاً.
والعمى هل يمنع؟ لم أر للأصحاب فيه شيئاً، [غير أن] في كلام الإمام ما يستنبط منه [أنه] مانع؛ فإنه قال: إن حفظ الأم للولد الذي لا يستقل ليس
مما يقبل الفترات؛ فإن المولود في حركاته وسكناته، لو لم يكن ملحوظاً من مراقب لا يسهو ولا يغفل – لأوشك أن يهلك. ومقتضى هذا: أن العمى يمنع؛ فإن الملاحظة معه – كما وصف – لا تتأتى.
وقد يقال فيه ما قيل في الفال؛ إذا كان لا يُلْهِي عن الحضانة، بل يمنع الحركة.
وثالثها: فقد الرضاع منها إذا كان الولد رضيعاً؛ إما بامتناعها، أو لعدم اللبن، وهو ما أجاب به الأكثرون؛ لعسر استئجار مرضعة تُخْلي بيتها وتُنْقَل إلى سكن الأم.
وفيه وجه: أنه ليس بمانع، وهو ما صححه في "التهذيب".
واعلم: أن الحضانة متى سقطت في حق شخص بشيء مما ذكرناه انتقلت إلى من كانت تنتقل إليه لو مات ذلك الشخص.
قال: وإن أراد الأب أو الجد الخروج على بلد تقصر فيه الصلاة بنية الإقامة، والطريق آمن وأرادت الأم الإقامة- كان الأب والجد أحق به، أي: إذا كان من أهل الحضانة كما ذكرناه، وإلا فالأم أحق به.
قال: والعصبة من بعده – أي: الذين لهم حق الحضانة إذا ثبتت لهم وأرادوا السفر؛ لأن في كونه عندها حضانة، وفي كونه مع الأب أو العصبة حفظ نسبه وحصول تأديبه مع الحضانة؛ فكان أولى. وإنما قلنا: إن فيه حفظ نسبه؛ لأنه إذا طالت المفارقة بين الولد وبين أبيه، أو عصبته، لا يؤمن اندراس نسبه وخفائه؛ فيتضرر به الولد والوالد أيضاً.
واحترز الشيخ بالقيد الأول عما إذا أراد الانتقال من البلد إلى البادية؛ فإن الأم أحق به، صرح به القاضي الحسين في "التعليق" في أثناء كلامه؛ إلحاقاً له باللقيط.
وبالثاني: عما دون مسافة القصر؛ فإن ذلك لا يسلط الأب على الانتقال به إذا كان الحق للأم، وهو ما جزم به البغوي، والماوردي، وهو في "المهذب". ويقال: إنه اختيار الشيخ أبي حامد.
وفي "الرافعي" حكاية وجه: أنه كمسافة القصر، وهو الأصح عند ابن الصباغ والقاضي الروياني؛ لفوات التأديب.
وبالثالث: عما إذا أراد السفر لحاجة: كحج أو تجارة، أو نحو ذلك – فإنه لا يسافر بالولد؛ لما في السفر من الخطر والضرر، ولا فرق في ذلك بين طويل السفر وقصيره.
وعن الشيخ أبي محمد وجه: أن للأب السفر به؛ إذا كانت تطول مدة السفر.
وبالرابع: عما إذا كان الطريق مخوفاً؛ فإنه لا تجوز المسافرة به، [ومن طريق الأولى إذا كان البلد الذي يقصد الإقامة به كذلك. ويلتحق بهذا السفر في الحر الشديد والبرد الشديد.
وبالخامس: عما إذا أرادت الأم السفر معهما؛ فإنها باقية على حقها؛ لإمكان تحصيل المقصود منهما.
ولا يلتحق بالعصبة المحرم الذي لا عصوبة له: كالخال، والعم للأم؛ إذا أثبتنا لهم حق الحضانة؛ لأن النقل لحفظ النسب، ولا نسب لهم، والأم إذا أرادت النقلة، وأراد الأب الإقامة، كان أحق به – أيضاً – إلا إذا كان سفرها دون مسافة القصر؛ فإنه على الخلاف السابق، وحكم من علا من الأبوين حكم الأبوين.
فروع:
أحدها: قال في "التتمة": لو كان للولد جد مقيم وأراد الأب الانتقال، كان له أن ينتقل بالولد، وكذا حكم الجد عند عدم الأب لا يمنعه من نقله الأخ والعم.
لكن لو لم يكن له أب ولا جد، وأراد الأخ الانتقال، وهناك ابن أخ أو عم مقيم – فليس له أن ينتزع الولد من الأم وينقله.
[وفرق] بأن كلاًّ من الأب والجد أصل في النسب؛ فلا يعتني به غيرهما كعنايتهما، و [غيرهما] ومن الحواشي يقرب بعضهم من بعض، والمقيم منهم يعتني بحفظه؛ كالغائب].
الثاني: لو اختلفا في نية الإقامة فالقول قول المسافر؛ لأنه أخبر بقصده. لكن مع اليمين أو بغير يمين؟ فيه وجهان، أصحهما: الأول؛ لما فيه من إبطال حق الحضانة، ومقابله محكي عن القفال.
الثالث: [قال الرافعي: إذا كان كل واحد من الأبوين يسافر سفر حاجة،
واختلف بهما القصد والطريق- يشبه أن يدام حق الأم.
ويجوز أن يقال: يكون مع الذي مقصده أقربن أو مدة سفره أقصر.
قال: وإذا بلغ الغلام ولي أمر نفسه - أي: إذا كان رشيداً - لاستغنائه عمن يكفله، ومخاطبته بالأحكام؛ فلا يجبر على أن يكون عند أحد الأبوين، ولكن الأولى ألا يفارقهما؛ ليخدمهما، ويصل إليهما بره.
قال الماوردي: ومقامه عند الأب أولى من مقامه عند الأم؛ للمجانسة، واتفاقهما على التصرف.
وهذا إذا لم يكن ثم ريبة، أما إذا كان أمرد، وثم ريبة وخيف من انفراده فتنة- فقد حكى في "العدة" عن الأصحاب: أنه يمنع من مفارقة الأبوين.
ولو بلغ عاقلاً غير رشيد، فقد أطلق مطلقون: أنه كالصبي تدام حضانته.
وقال ابن كج: إن لم يكن مصلحاً لماله، ولم يحسن تدبير نفسه - كان الحكم كذلك، وإن كان عدم رشده بسبب دينه فالمذهب: أنه يسكن حيث شاء.
وعن أبي الحسين: أن بعض الأصحاب قال: تدام حضانته إلى ارتفاع الحجر عنه.
قال: وإن بلغت الجارية كانت عند أحدهما، حتى تزوج - أي: وتزف كما قيد في "التهذيب"؛ لأنها قبل ذلك متعرضة للآفات؛ فالتحقت بما قبل البلوغ.
وظاهر كلام الشيخ يقتضي أن ذلك على سبيل الوجوب، وقد حكاه ابن كج عن ظاهر المذهب، ورجحه الإمام والغزالي؛ لأن للأب والجد إجبارها على النكاح، وهو أعظم حبساً؛ فلأن يجوز لهما الحبس في البيت كان أولى.
لكن حكى الماوردي عن الشافعي رضي الله عنه: أنه قال: وأكره للجارية أن تعتزل أبويها حتى تزوج؛ لئلا تسبق إليها ظنة، ولا يتوجه إليها تهمة وإن لم تجبر على المقام معهما.
قال الرافعي: وهذا هو الذي يوجد في كتب أصحابنا العراقيين.
وعلى هذا: مقامها عند الأم أولى.
وهل يقوم الأخ والعم مقام الأب والجد في هذه الولاية؛ إذا قلنا بالوجوب؟ فيه وجهان في "التهذيب"، المذكور منهما في "الوسيط" و"البسيط": لا، بل تختص بالأب والجد؛ كولاية الإجبار.
وهذا كله في البكر إذا لم يكن ثم [تهمة ولا] ريبة، أما الثيب، فلا تجبر على ذلك بالاتفاق، بل هو مستحب في حقها.
وإذا كان ثم تهمة فلأب والجد ومن يلي من العصبات تزويجها منعها من الانفراد، وإن كانت ثيباً.
ثم المحرم منهم يضمها إلى نفسه –إن رضي الله ذلك – أو يضمها إلى أحد من أهلها.
قال الماوردي: والنساء بذلك أشبه.
وغير المحرم يسكنها في موضع يليق بها، ويلاحظها؛ صيانة لها، ودفعاً للعار عن النسب.
وألحق في "الحاوي"، وفي "التهذيب" الأم بالأب في ذلك.
فرع: إذا ادعى الولي أن ثمة ريبة، ذكر الأصحاب في ذلك احتمالين:
أحدهما: أن الاحتكام على العاقلة بمجرد الدعوى بعيد.
والثاني- وهو الأقرب -: أنه يؤخذ بقوله، ويحتاط بلا بينة، فإن إسكانها في موضع [أكرم لهم] من الافتضاح.
فرع آخر: حكى الجيلي: أن الصغيرة التي لا تشتهي إذا كانت في حضانة الأم أو الجدة، وأراد من له الحضانة من المحارم نقلها إلى مسكن له؛ للخوف عليها أو ريبة، وامتنعت الأم أو الجدة من الانتقال معها – فله أخذها منها.
فلو امتنعت حيث يجب، أو هربت مع الولد، أو سرقت الولد – لم تجب على الأب النفقة والحالة هذه، وعزاه إلى "فتاوى" الغزالي.
قال: ومن بلغ منهما معتوهاً كان عند الأم؛ لأنه لا يهتدي إلى مصلحة نفسه؛ فكانت الأم أحق به؛ لقربها، ومعرفتها، ووفور حنوها وشفقتها عليه كالصغير.
وهذا إذا لم يكن له زوج أو زوجة، فإن كان فالزوج أو الزوجة أحق بكفالته من الأب والأم على ما حكاه الماوردي؛ لأنه لا عورة بينهما، ولوفور السكون إلى كل واحد منهما، بخلاف ما لو كان له أم ولد؛ فإن الأم أحق به؛ لأن ثبوت الرق يمنع من استيلائها، لكن تقوم بخدمته، وتقوم الأم بكفالته.
ولو كان له عند عدم الأبوين بنت كان لها حضانته؛ قاله القاضي ابن كج.