الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب خراج السواد
الخراج: شيء يوظف على الأراضي أو غيرها، وأصله: الغلة، ومنه الحديث:"الخراج بالضمان".
والسواد -[كما]- قال النواوي -: سواد العراق، وهو سواد كسرى ملك الفرس - كما قال الماوردي - الذي فتحه المسلمون أيام عمر رضي الله عنه[بعد أن فتحت أطرافه في أيام أبي بكر رضي الله عنه]- وهو أزيد من العراق؛ لأن مساحة العراق مائة وخمسة وعشرون فرسخا في عرض ثمانين فرسخا، ومساحة السواد - كما قال الماوردي وغيره - مائة وستون فرسخا [في عرض ثمانين فرسخا؛ فيكون أزيد منه بخمسة وثلاثين فرسخا].
وسمي العراق عراقا؛ لاستواء أرضه حيث خلت من جبال تعلو أو أودية تنخفض، والعراق في كلام العرب: الاستواء؛ قال الشاعر:
سقتم إلى الحق معا وساقوا
…
سياق من ليس له عراق
[أي: من ليس له استواء]. قال الماوردي: وفي تسمية السواد سوادا ثلاثة أوجه: أحدها: لكثرته؛ مأخوذ منه سواد القوم: إذا كثروا، قاله الأصمعي.
والثاني: لسواده بالزرع والأشجار؛ لأن الخضرة ترى من البعد سوادا، ثم تظهر الخضرة بالقرب منها، فلما أقبل المسلمون من بياض الفلاة، قالوا: ما هذا السواد؛ فسمي سوادا.
والثالث: أن العرب تجمع بين الخضرة والسواد في الاسم؛ قال أبو عبيد: ومنه قول الشاعر:
فراحت رواحا من زرود فنازعت
…
زبالة جلباب من الليل أخضرا
يعني: أسود.
وحكى أبو الطيب: أنها سميت بذلك؛ لأن الشمس ما كانت تطلع على الأرض؛ لالتفاف الأشجار وازدحامها وتسترها؛ فسميت لأجل ذلك سوادا.
قال: أرض السواد: ما بين حديثة الموصل إلى عبادان طولا، وما بين القادسية إلى حلوان عرضا.
ما ذكره الشيخ هنا هو ما أورده البندنيجي – وكذا أبو الطيب – قبل باب: ما أحرزه المشركون بأوراق، وقال أبو الطيب في هذا الباب بعد ذكر ذلك: إن غربي البصرة – وهو شط عثمان – ليس من جملة السواد؛ لأنه كان في ذلك الوقت أرضا سبخة، فأحياها عثمان بن أبي العاص الثقفي وعتبة بن غزوان.
وكلام الماوردي قريب منه، [قال] بعد أن ذكر ما ذكره الشيخ من الحد: وليست البصرة – وإن دخلت في هذا الحد – من أرض السواد؛ لأنها مما أحياها المسلمون من المغارب إلى موضع من شرقي دجلتها يسميه أهل البصرة الفرات، ومن غربي دجلتها النهر المعروف بنهر المراة. وحضرت الشيخ أبا حامد الإسفراييني وهو يدرس في تحديد السواد في كتاب الرهن، وأدخل فيه البصرة، فأقبل علي وقال: هكذا تقول؟ قلت: لا. فقال: ولم؟ قلت: لأنها كانت مواتا فأحياها المسلمون، فأقبل على أصحابه وقال: علقوا ما يقول؛ فإن أهل البصرة أعرف بالبصرة.
وعلى ذلك جرى في "المهذب"، فقال بعد ذكر ما حكاه هنا: ولا يدخل من البصرة [فيه] إلا الفرات في شرقي دجلتها ونهر المرأة في غربي دجلتها.
وقد أطلق في "التهذيب" خروج البصرة من الحد المذكور، وهو محمول على
ما ذكرناه، وقد تقدم ذكر ذرعها طولا وعرضا بالفراسخ، فلنذكره بالأجربة؛ لأنه أمس بالمقصود.
قال في "الشامل": مسح عثمان بن حنيف أرض الخراج، فكانت ستة وثلاثين ألف [ألف] جريب، ذكره أبو عبيدة والساجي هكذا.
وقال في "المهذب": [قال الساجي]: هو – يعني السواد – اثنان وثلاثون ألف ألف جريب، وقال أبو عبيدة: هو ستة وثلاثون ألف ألف جريب.
[وفي "الذخائر": أن في كتاب "مختصر الخراج": أن أرض السواد جميعها مائتا ألف [ألف] جريب]، وخمسة وعشرون ألف ألف جريب، ينحط من ذلك ما لا ينتفع به من مواضع الجبال والآكام، وما لا يعلوه الماء، ونحو ذلك: خمسة وسبعون ألف ألف جريب، يبقى مائة ألف ألف وخمسون ألف ألف جريب، يستعمل من ذلك النصف، [ويراح النصف] إلا ما عمل من النخل والشجر، وقال فيه هذا الذي مسح عثمان بن حنيف من السواد.
قال الشيخ مجلي: حكي ذلك [كله] عن أبي عبيدة بعد أن ذكر الطول والعرض على ما بيناه؛ وهذا اختلاف كثير [وتباين بين].
قلت: والوجه غير هذا كله؛ لأن الجريب – كما قال النواوي والقلعي وصاحب "الوافي"-: أرض مربعة، كل قائمة منها ستون ذراعا، وأنت إذا ضربت ذلك في مثله بلغ ثلاثة آلاف ذراع وستمائة ذراع.
وقال الماوردي [في "الأحكام"]: إنه عشر قبصات في عشر قصبات، وذرع كل قصبة ستة أذرع، وإذا ضربت ذلك بالتكسير بلغ ثلاثة آلاف ذراع وستمائة [ذراع].
وقد قال ابن يونس: إنه سنة آلاف وأربعمائة، وهو غلط.
وقد ذكرنا أن [طول] السواد مائة وستون فرسخا وعرضه ثمانون فرسخا،
وطول الفرسخ – كما قال الماوردي -: اثنا عشر ألف ذراع بالمراسلة، وعرضه كذلك؛ فيكون بذراع المساحة – وهي الهاشمي الكبير، كما قال في "الأحكام" -: تسعة آلاف ذراع [طولا] في عرض مثله، فإذا ضرب فرسخ في فرسخ، بلغ أحدا وثمانين ألف ألف ذراع، وذلك اثنان وعشرون ألف جريب وخمسمائة جريب، كما قال الماوردي – أيضا – وهو صحيح؛ لأنك إذا ضربت [الجريب] وهو ثلاثة آلاف وستمائة في عشرة، بلغ ستة وثلاثين ألفا، وإن ضربته [في مائة] بلغ ثلاثمائة ألف وستة آلاف، وإن ضربته في ألف بلغ ثلاثة آلاف [ألف] وستمائة ألف، وإن ضربته في عشرة آلاف بلغ ستة وثلاثين [ألف ألف]، وإن ضربته في عشرين ألفا بلغ اثنين وسبعين ألف [ألف][وإن ضربته في اثنين وعشرين ألفا وخمسمائة بلغ أحدا وثمانين ألف ألف] كما ذكرنا.
وإذا عرفت أن الفرسخ في الطول والعرض اثنان وعشرون ألف جريب وخمسمائة جريب، فاضربه في اثني عشر ألف فرسخ وثمانمائة فرسخ – وهي جملة أرض السواد – يبلغ مائتي ألف ألف، وثمانية وثمانين ألف ألف جريب؛ لأنك إذا ضربت عشرين ألفا في اثني عشر ألفا، [بلغت مائتي ألف ألف وأربعين ألف ألف، وإذا ضربت ألفين في اثني عشر [ألفا]] بلغ ذلك أربعة وعشرين ألف ألف، وإذا ضربت خمسمائة [في اثني عشر ألفا بلغت ستة آلاف [ألف]، وإذا ضربت ثمانمائة] في اثنين وعشرين ألفا وخمسمائة بلغت ثمانية عشر ألف [ألف] جريب.
وجملة [ذلك] إذا جمعته: العدد [الذي ذكرناه]، يسقط منه مجاري
الماء والقرى والمدن وما لا ينتفع به من مواضع الجبال والآكام، وما لا يعلوه الماء، ونحو ذلك ما زاد على ثمانين ألف جريب، وهو قريب الثلث [أو نحوه]، كما قال الماوردي، وإن الباقي [وهو] مائتا ألف ألف جريب يراح [منه] نصفها، ويزرع نصفها إذا تكاملت مصالحها ومجاريها.
قال الماوردي: وقد كانت مساحة [المزدرع] في أيام عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – اثنين وثلاثين ألف ألف جريب [إلى ستة وثلاثين ألف ألف جريب]؛ لأن البطائح تعطلت بالماء، ونواح تعطلت بالسوق، ونواح تعطلت بالعمارات، والعوارض والحوادث لا يخلو الزمان منها خصوصا وعموما.
وعلى هذا يحمل ما نقله الشيخ في "المهذب" وغيره من الساجي وأبي عبيدة، والله أعلم.
وقد اختلف العلماء في كيفية فتح أرض السواد:
فعن أبي إسحاق [وجه نقله ابن كج: أنه وقع صلحا.
وعن الماسرجسي: أن أبا إسحاق [كان يتصره] في الدرس، وقال] في "الشرح" الذي له: إنه فتح عنوة. كذا حكاه أبو الطيب.
[وفي "الحاوي": أن الشافعي – رضي الله عنه – أشار إليه في كتاب قسم الفيء].
وعن أبي الطيب بن سلمة أنه قال: اشتبه الأمر علي؛ [فلا أدري] أفتحت صلحا أو عنوة؟ والذي نص عليه الشافعي – رضي الله عنه – في أكثر كتبه – كما قال الماوردي، وهو المشهور، والصحيح -: أنها فتحت عنوة، وأن عمر – رضي الله عنه – قسم أراضي السواد في جملة الغنائم، وعلى هذا، فكيف قسم؟
المحكي عن أبي إسحاق: أنه قال: كان في الغنيمة غير الأراضي من المواشي وصنوف الأمتعة، وأن عمر – رضي الله عنه – رأى أنه إن صرف خمسها [إلى أهل] الخمس أنفقوه، فأراد أن يجعل لهم عدة باقية يستظهرون بها؛ [فعوضهم] عن خمسها الأخماس الأربعة [من الأراضي]، وجعل الأرض لأهل الخمس، والمنقولات للغانمين.
والصحيح المشهور: أنه قسمها بين الغانمين، ولم يخصصها بأهل الخمس، ثم استطاب قلوبهم عنها، واستردها بعد أن استغلوها [مدة].
وقد اختلف في المعنى الذي لأجله استنزلهم عنها:
فقيل: لأنه خشي أن يقل الناس؛ فتحصل جميع الأرض لواحد؛ فتضيق بالناس المنازل؛ فلا يكون لأحد موضع يسكنه، حكاه أبو الطيب.
وقيل: فعل ذلك؛ لنظره في المنصب؛ لأنه جعل حصن العراق: البصرة، والكوفة [رباطا للمجاهدين] ليحفظوا [من] بإزائهم [من] المسلمين، ويستمدوا سواد عراقهم في أرزاقهم بسبب جهادهم، وعلم أنه [إن] أقرهم على ملكهم مع سعته وكثرة [ارتفاعه بقي] من بعدهم لا يجدون ما يستمدون به، وقد قاموا مقامهم وسدوا مسدهم، فكان الأصلح ما فعله؛ ليعم [نفعه] في كل عصر.
وقيل: لأنه رأى أنهم إن أقاموا فيه [على] عمارته واستغلاله تعطل الجهاد، وإن أنهضهم عنه مع بقائه على ملكهم خرب، مع جلالة قدره وكثرة مستغلة؛ فكان جعله مع الدهاقنة وضرب الخراج عليهم أولى.
وقد روي أن بعضهم طابت نفسه؛ فرد نصيبه، ومنهم من أبي إلا بعوض عن نصيبه حتى استخلص الكل للمسلمين.
قال القاضي الحسين: وهذا بين في رواية [جرير بن عبد الله] البجلي، وهي أصح الروايات عندنا في سواد العراق، روي عن جرير أنه قال: كانت بجيلة ربع الناس، فأصابهم ربع السواد، فاستغلوه [ثلاث سنين] أو أربع شك الشافعي – رضي الله عنه – فقال عمر – رضي الله عنه: لولا أني قاسم مسئول لتركتكم وما قسم لكم، لكني أرى أن تردوه للمسلمين، إني أسأل عن إعراضكم عن القتال واشتغالكم بزراعة هذه الأراضي فعاضني عن نصيبي نيفا وثمانين دينارا، وكانت معي امرأة سماها – لم يحضر الشافعي ذكرها، وهي أم كرز – فقالت [إن] أبي شهد القادسية وقد ثبت سهمه، وإني لا أرضى حتى تملأ فمي لآلئ، وكفي دنانير، وتركبني ناقة ذلولا عليها قطيفة حمراء، فأعطاها عمر – رضي الله عنه – ما سألته.
وهو في استطابته قلوب الغانمين متبع لرسول الله صلى الله عليه وسلم في استطابته قلوبهم عن سبي هوازن، والقصة مشهورة.
قال: وهي وقف على المسلمين، [أي]: وقفها عمر – رضي الله عنه.
[قال]: على المنصوص، أي: في "سير" الواقدي والرهن معا، كما قاله
البندنيجي، ووجهة: ما روي أن عتبة بن فرقد اشترى أرضا من أرض السواد،
فأتى عمر – رضي الله عنه – فأخبره، فقال: ممن اشتريتها. فقال: من أهلها. فلما
حضر المهاجرون والأنصار قال له عمر – رضي الله عنه: هؤلاء أربابها، أبعتموه
شيئا؟ قالوا: لا. قال [له]: ارجع، فرد الأرض على من باعك وخذ الثمن منه.
فدل هذا الخبر على أنه كان وقفها، وإلا فما كان يرد شراء من اشترى منها شيئا.
وقد روي عن سفيان الثوري: أنه قال: أرض السواد لا يجوز بيعها؛ فدل على أنها كانت وقفا.
وروي عنه أنه قال: جعل عمر السواد [وقفا] على المسلمين ما تناسلوا. كذا نقله ابن الصباغ.
[وعن] ابن شبرمة [أنه قال]: [إن] أرض السواد لا يصح بيعها ووقفها. وهذا [ما] اختاره فيها الإصطخري والبصريون، وصححه أبو الطيب وغيره.
وعلى هذا قال: لا يجوز بيعها ولا رهنها ولا هبتها كغيرها من الأعيان الموقوفة.
قال: وما يؤخذ منها باسم الخراج أجرة؛ لأنه قد ثبت أنه كان يؤخذ منها شيء باسم الخراج، ولا سبيل مع ما ذكرناه أن يكون ثمنا؛ فتعين أن يكون أجرة، وجوز ذلك من غير بيان مدة؛ لأنه عقد مع الكفار وهم الفرس، والعقد إذا تعلق بالكفار عفي عن الجهالة في قدر العوض والمدة، أصله:[مسألة] العلج. وقد تقدمت.
ومصرف المأخوذ مصرف [خمس] الخمس من الفيء والغنيمة.
فرع: هل [يجوز] على هذا لمن في يده شيء منها إجارته مدة مؤبدة بمال يتراضون عليه كما فعل عمر، رضي الله عنه؟ فيه تردد حكاه الإمام عن الأصحاب، والأصح: المنع، مع القطع بجواز الإجارة فيه مدة مؤقتة.
ولا يجوز لمن تلقى شيئا منها عن آبائه وأجداده أن ينتزع منه؛ لأنها [إجارة لازمة صدرت من عمر، رضي الله عنه.
قال: وقيل: إنها مملوكة] من زمن عمر – رضي الله عنه – إلى وقتنا هذا، [تباع وتوهب وتورث]، وما أنكر ذلك منكر ولا رده راد، فكان إجماعا، ولأنها لو كانت وقفا لما جاز إحداث المساجد [فيها] والمقابر والسقايات كما في غيرها من الأوقاف.
قال: وما يؤخذ منها باسم الخراج ثمن؛ لأن المضروب لو كان خراجا لما استباحوا ثمار تلك الأشجار؛ لأن مستأجر الأرض لا يستبيح بالعقد الأعيان [التي في الأرض]، وإنما [يستبيح] المنافع منها؛ فدل على أن المضروب باسم الخراج ثمن.
قال البندنيجي: وعلى هذا إذا باع من في يده شيء منها اقتضى العقد ثمنين:
أحدهما: المسمى في [هذا] العقد.
والثاني: المقدر الشرعي الذي سنذكره.
فيكون كأنه باعه بثمن حال ومنجم، وهذا قول ابن سريج وأبي إسحاق المرزوي وبعض البغداديين من أصحابنا، كما حكاه الماوردي في كتاب الرهن.
والقائلون بالأول أجابوا عن الأول بما ذكرناه من إنكار عمر – رضي الله عنه – وبأن هذه [المسألة] مسألة خلاف، وهي مجتهد فيها؛ فلا يتوجه فيها الإنكار.
وعن الثاني: بأن عمر – رضي الله عنه – يحتمل أن يكون وقف المزارع دون المساكن والمنازل؛ فتكون المساجد والسقايات فيما لم يدخل في الوقف، ويحتمل أن يكون [قد] وقف الكل، لكنه على مصالح المسلمين، وهذا من مصالحهم.
قال البندنيجي: وصار هذا كما نقول فيمن وقف قرية [على قوم] كان لهم إحداث هذا فيها كذلك هاهنا.
وقد حكى الماوردي وجهين في أن المنازل التي كانت موجودة قبل الفتح هل دخلت في الوقف أم لا؟ وعلى ذلك جرى في "المهذب"، واختار في "المرشد" الثاني، وكذلك الرافعي، وهو المحكي عن إيراد الروياني في جمع الجوامع.
وعن الثالث: أن الأصحاب اختلفوا في جواز استباحة الثمار الحاصلة من الأشجار، فعلى قول: المنع – وهو الأصح عند الروياني وغيره، [كما حكاه الرافعي] اندفع السؤال، ويجب على الإمام أن يأخذها ويصرف ثمنها في مصالح المسلمين.
ومن جوز ذلك – وهو ما اختاره في "المرشد" – تمسك بأمرين:
أحدهما: الضرورة الداعية لذلك؛ ألا ترى [أن] في المساقاة نجعل للعامل جزءا من الثمرة وإن كان مجهولا، كذلك هنا [مثله].
والثاني: ما ذكرناه من أن العقد إذا تعلق بالمشركين تسومح فيه.
ووراء ما ذكرناه أمران [آخران]:
أحدهما: حكى الرافعي عن القاضي أبي حامد أن لابن سريج عبارة أخرى
تخرج الخراج [عن] أن يكون ثمنا مع تجويز البيع، فقال: عمر – رضي
الله عنه – وقفها [لا وقفا] محرما مؤبدا، ولكن جعلها موقوفة على
مصالح المسلمين؛ ليؤدي ملاكها على تداول الأيدي وتبدلها بالبيع والشراء خراجا ينتفع به المسلمين. وضعف الأمر الثاني.
قال الماوردي: إطلاق المذهبين الأولين عندي معلول؛ لأن ما فعله عمر – رضي الله عنه – فيها لا يثبت بالاجتهاد حتى يكون فعلا مرويا وقولا محكيا عن قول صريح يستوثق فيه بالكتب والشهادات في الأغلب، وهذا معدوم فيه؛ [فلم صح القطع] بوقفها؛ لما عليه الناس من تبايعها، ولا القطع [ببيعها] بالخراج؛ للجهالة بقدرة، وبكونه مقدرا بالزراعة؛ ولأن مشتريها يدفع خراجها جون بائعها؛ فيصير دافعا للثمن، وليس للمبيع إلا ثمن واحد، ويكون ما قيل من وقفها محمولا على أنه وقفها عن قسمة الغانمين، ويكون وقف خراجها على كافة المسلمين، ويكون ملكها طلقا لمن أقرت عليه؛ استصحابا لقديم ملكه؛ لما عرف من عموم المصلحة ودوام الانتفاع.
وقال: إن رد عمر – رضي الله عنه – البيع يحتمل أن يكون [لكون] البائع غير مالك؛ فإنه قال: "هؤلاء أصحابها"، أو كان ذلك قبل استنزالهم عنها.
قال: والواجب أن يؤخذ ما ضربه أمير المؤمنين [عمر]رضي الله عنه – وهو من كل جريب كرم عشرة دراهم، ومن كل جريب نخل ثمانية دراهم، ومن كل جريب [رطبة أو شجرة] ستة دراهم، ومن كل جريب حنطة أربعة دراهم، ومن كل جريب شعير درهمان.
أشار الشيخ بهذا إلى ما رواه أبو بكر بن المنذر بإسناده عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن لاحق بن حميد قال: بعث عمر – رضي الله عنه – عثمان بن حنيف، ففرض على جريب الكرم عشرة دراهم، وعلى جريب النخل ثمانية [دراهم]، وعلى جريب القصب والشجر ستة دراهم، وعلى
جريب البر أربعة دراهم، وعلى جريب الشعير درهمين.
قال القاضي أبو الطيب: وهذا الذي وردت به السنة.
[و] زاد في "المهذب" تتمة الرواية المذكورة: وكتب عثمان بن حنيف بذلك إلى عمر – رضي الله عنه – فارتضاه.
قال: وقيل على الجريب من الكرم والشجر: عشرة دراهم، ومن النخل ثمانية، ومن قصب السكر ستة، ومن الرطبة خمسة، ومن البر أربعة، ومن الشعير درهمان.
وهذا ما صدر به الماوردي كلامه، واستدل له بما روى قتادة عن أبي محارب أن عثمان بن حنيف فعل ذلك، ولم يورد في "الأحكام السلطانية" سواه.
وحكى القاضي أبو الطيب في "تعليقه" مع الأول: أن الواجب من كل جريب نخل عشرة دراهم، ومن كل جريب [كرم] ثمانية [دراهم [، ومن كل [جريب] قصب وهي الرطبة والشجر ستة، ومن كل جريب حنطة أربعة، ومن [كل جريب شعير] درهمان. وهذا ما أورده البندنيجي وابن الصباغ، واختاره في "المرشد"، واستدل له بأن مجالدا روى عن الشعبي أن عثمان ابن حنيف فعل ذلك، وأنه مسح السواد، فكان قدره سوى المنازل ستة وثلاثين ألف ألف جريب. زاد ابن الصباغ: وأنه كتب إلى عمر – رضي الله عنه – كتابا بما فعله فأمضاه.
قال الماوردي: وكان ذراع عثمان في مساحته ذراع اليد وقبضته وإبهامه ممدودة، وكان مبلغ ارتفاع السواد في أيام عمر – رضي الله عنه – مائة
وستين ألف ألف درهم [، كما قال البندنيجي، وقيل: مائة ألف ألف وسبعة وثلاثون ألف ألف درهم،][وجباه زياد مائة ألف ألف]، وجباه الحجاج ثمانية عشر ألف ألف.
قال الماوردي: وجباه عمر بن عبد العزيز ثمانين ألف ألف [درهم]، ثم بلغ في آخر أيامه [مائة] ألف ألف وعشرين ألفا؛ لعدله وعمارته.
وفي "تعليق" البندنيجي: أن أول ما جباه عمر بن عبد العزيز ثلاثون ألف ألف، ثم بلغ في السنة الثانية سبعين ألف ألف، وقال: إن عشت إلى قابل لأردنه إلى ما كان [عليه] في أيام عمر، ورضي الله عنه. فتوفي في تلك السنة، وعلى ذلك جرى صاحب "المرشد" والرافعي.
واعلم أن [هذا] المأخوذ عن الخراج أو الثمن لا يدخل فيه الزكاة [إن وجبت].
فرع: إذا رأى الإمام أن يطيب قلوب الغانمين عن أراضي الغنيمة، ويفعل فيها ما فعله عمر، جاز، والله أعلم وأحكم.