المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب الغسل المسنون - كفاية النبيه في شرح التنبيه - جـ ٢

[ابن الرفعة]

الفصل: ‌باب الغسل المسنون

بسم الله الرحمن الرحيم

‌باب الغسل المسنون

وهو اثنا عشر غسلاً:

غسل الجمعة: الأصل في مشروعيته مذكور في باب: هيئة الجمعة. ودليل سنيته قوله عليه السلام: "مَنْ تَوَضَّأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِبهَا وَنِعْمَتْ، وَمَنِ اغْتَسَلَ فَالْغُسْلُ أَفْضَلُ".

ص: 3

00000000000000000000000000000000000000

ص: 4

00000000000000000000000000

ص: 5

00000000000000000000000000

ص: 6

فإن قلت: هذا الحديث، قال الترمذي: إنه مرسل، وإنه حسن، وأنتم لا ترون بالمراسيل.

قلنا: قصة عثمان مع عمر- رضي الله عنهما التي ستعرفها في باب هيئة الجمعة، تقويه، وتدل على المدعى؛ فإنه لو كان واجباً لما تركه عثمان، ولأمره عمر بالإتيان به.

ولأنه غسل بسبب مستقبل؛ فاقتضى أن يكون سنة؛ كالغسل لدخول مكة، والوقوف بعرفة.

نعم، تركه مكروه، كما قاله أبو بكر الصيدلاني.

قال الإمام، في كتاب الجمعة: وهذا- عندي- جارٍ في كل مسنون صح الأمر به مقصوداً.

ثم قوله عليه السلام: "فَبِهَا وَنِعْمَتْ" معناه: فبهذه الطريقة الكفاية، ونعمت الكفاية هي.

ص: 7

وقال ابن الصباغ: معناها، فبالفريضة أخذ.

ونعمت، يعني: بالخلة الفريضة.

تنبيه: المراد من قول الشيخ: "غسل الجمعة" الغسل لصلاة الجمعة، ومنه يفهم أنه يختص بمن يريد الصلاة، دون من لم يردها، وهو المذكور في "تعليق القاضي أبي الطيب"، و"النهاية" وغيرهما، وعليه يدل من قول الشيخ- أيضاً-: المستحب لمن أراد الجمعة أن يغتسل لها".

وقد حكى بعض المراوزة وجهاً: أنه كغسل العيد، يستحب لمن يحضرها ولمن لا يحضرها، وهو منسوب في كتب العراقيين إلى أبي ثور.

وتوسط الماوردي؛ فقال: هو سنة لمن يريد الحضور، وليس بسنة لمن ليس من أهل وجوبها. وأما من هو من أهل الوجوب، لكن تخلف لعذر، فهل هو سنة؟ له فيه وجهان.

وتقديم الشيخ غسل الجمعة على غيره من الأغسال يؤذن بأنه آكدها. وقد اتفق جمهور الأصحاب على أنه والغسل من غسل الميت آكد الأغسال المسنونة، وأيهما آكد؟ فيه قولان.

ص: 8

أحدهما: غسل الجمعة؛ لاختلاف العلماء في وجوبه؛ تمسكاً بقوله- عليه السلام: "غُسْلُ الجُمُعَةَ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتلِمٍ". رواه مسلم. وقوله- عليه السلام: "مَنْ جَاءَ مِنْكُمُ الْجُمُعَةَ؛ فَلْيَغْتَسِلْ".

والثاني: الغسل من غسل الميت آكد؛ لاختلاف قول الشافعي في وجوبه، وقد نسب هذا القول إلى "الأم"، وهو المنقول في "المختصر"، والأول إلى القديم، وقال في "الكافي": إنه أصح.

وقال صاحب "التلخيص": الغسل من غسل الميت لا يبلغ درجة الوكادة كباقي الأغسال.

قال الإمام: وهو غلط باتفاق الأصحاب.

قلت: ولا جرم قدمه الشيخ على الأغسال التي لا تتعلق بالصلاة؛ [كما قدم غسل الجمعة على الأغسال التي تتعلق بالصلاة] إذ الباب مشتمل عليها.

قال بعضهم: وفائدة الخلاف في أيهما آكد تظهر فيما إذا أوصى شخص بماء لغسل أولى الناس به، وحضر من يريد الجمعة، ومن غسل ميتاً.

قال: وغسل العيدين [والكسوفيين والاستسقاء]؛ لما ستعرفه في أبوابها؛ والقدر الشامل لها: أن ذلك موضع يشرع فيه الاجتماع؛ فيسن فيه الاغتسال؛ كالجمعة.

قال: والغسل من غسل الميت؛ لما روى أبو هريرة، أنه- عليه السلام قال:"مَنْ غَسَّل مَيِّتاً فَلْيَغْتَسِلْ، وَمَنْ حَمَلَهُ فَلْيَتَوَضَّا". أخرجه أبو داود، وقال الترمذي.

ص: 9

0000000000000000

ص: 10

حديث حسن. لكن الإمام أحمد قال: إنه موقوف على أبي هريرة؛ ولأجل هذا لم يقل بوجوب ذلك.

وقد حكي أن للشافعي قولاً في القديم: أنه واجب، أعني: الغسل على من غسله، والوضوء على من مسه.

ونقل المزني عن الشافعي أنه قال: "لو صح الحديث قلت به".

واختلف الأصحاب في معنى قوله: "قلت به": فقال ابن سريج: قلت به استحباباً،

ص: 11

وقال أبو إسحاق: قلت به وجوباً، وهو ما صححه أبو الطيب، وعلى هذا: على ماذا يحملون وجوبه؟ فيه وجهان:

أحدهما: [أنه تعبد.

والثاني: أنه محمول] على نجاسة بدن الآدمي إذا مات- وهو وجه بعيد- لأن من غسل ميتاً يترشش الماء إلى مواضع من بدنه [لا يدري بها؛ فيجب تعميم البدن بالغسل؛ لتيقن طهارة بدنه] بعد ما علم نجاسته.

ولا وجه لإيجاب الوضوء إلا التعبد.

وقد خرج بعض أصحاب الحديث لصحته مائة وعشرين طريقاً، كما قاله الماوردي.

قال: وغسل الكافر إذا أسلم؛ لما روى النسائي: "أنه أسلم قيس بن عاصم، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يغتسل بماء وسدر] وروي أنه أمر ثمامة بن أثال الحنفي أن يغتسل حين أسلم.

ولأن في غسله تعظيماً للإسلام.

واستحب أن يكون غسله بعد حلق شعر رأسه؛ لقوله- عليه السلام: "أَلْقِ عَنْكَ شَعَرَ الكُفْرِ".

ص: 12

فإن قيل: لم لا قلتم بوجوبه لأجل الخبر؟

قيل: لأن جماعة أسلموا، ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك؛ فدل لسنيته، ولو كان فرضاً لأمرهم به، ولأن الإسلام توبة من معصية؛ فلم يجب الغسل لها؛ كالتوبة من سائر المعاصي.

ثم ظاهر كلام الشيخ أن غسله بعد الإسلام، وقد أبعد بعض الأصحاب، فاستحبه قبله.

قال الإمام في كتاب الجمعة: وفيه نظر؛ فإن الأمر بتأخير الإسلام محال، والمعرفة إذا ثبتت لا يمكن دفعها. وإن كان المراد إظهار الشهادتين؛ فلا وجه لتأخيره، فإنه مما يجب على الفور.

نعم، لو قيل: لو بدت تباشير الهداية؛ فابتدر الكافر واغتسل، ثم أقبل، وهداه الله؛ فما جرى في الحال التي وصفناها: هل يعتد به؟ فيه احتمال وتردد.

ثم هذا في كافر لم يجب عليه في حال كفره الغسل، أما إذا وجب؛ فالمذهب أنه لا يسقط، ويجب عليه أن يغتسل بعد الإسلام.

وذهب الإصطخري إلى سقوطه؛ لعموم قوله- عليه السلام: "الإِسْلامُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ"، حكاه الماوردي عنه.

فإن قلنا بالمذهب، ولم يكن قد اغتسل في حال الكفر؛ فالأمر كما سلف، وإن كان قد اغتسل، فقد حكينا في الباب قبله في صحة غسله خلافاً.

ص: 13

قال: والمجنون إذا أفاق، أي وكذا المغمى عليه، والأصل فيه ما روي: أنه- عليه السلام كان في مرضه الذي مات فيه يغشى عليه، فإذا أفاق قال:"ضَعُوا لِي مَاءً فِي المِخْضَبِ، وَكَانَ يَغْتَسِلُ". فإذا شرع ذلك في الإغماء؛ ففي الجنون أولى.

وقد حكي عن الشافعي، أنه قال في "الأم": قلما جن إنسان إلا أنزل، وإن كان هكذا اغتسل المجنون للإنزال. وإن شك أحببت أن يغتسل احتياطاً، ولم أوجب ذلك عليه حتى يستيقن الإنزال.

قال البندنيجي: وهذا صحيح، إن كان بزوال العقل [ينزل غالباً؛ فمتى أنزل أو لم ينزل تعلق الغسل بزوال العقل]؛ كما نقول في النائم: يجب عليه الوضوء؛ لأن النوم مظنة الحدث، وإن لم يغلب ذلك لم يجب.

والجمهور على عدم وجوبه في الحال، وفرقوا بينه وبين النوم: بأن الحدث الذي النوم مظنته لا علامة تدل عليه بعد الإفاقة، بخلاف الإنزال؛ فإنه عين يمكن الوقوف عليها.

قال: والغسل للإحرام، ولدخول مكة، وللوقوف- أي: بعرفة ومزدلفة- وللرمي- أي: إلى الجمرات الثلاث، في أيام التشريق، في كل يوم غسلاً واحداً؛ فيكون له ثلاثة أغسالٍ- وللطواف، أي: طواف الركن. وهذه الأغسال تذكر أدلتها في الحج.

وقد حكى القاضي أبو الطيب: أن الغسل لطواف القدوم، منصوص عليه في القديم دون الجديد.

وكذا الغسل لطواف الوداع، والغسل بعد حلق رأسه، وبذلك تكمل اغتسالات الحج عشراً.

قال الأصحاب: ولا يختلف قوله: في أنه لا يستحب الغسل لرمي جمرة العقبة؛ لأنها

ص: 14

قريبة من الغسل للعيد والغسل للوقوف، وبهذا خالفت بقية الجمرات؛ فإن [وقتها بعيد] وأيضاً فإن وقتها يكون بعد الزوال، وهو وقت الحر، بخلاف جمرة العقبة، والناس يجتمعون في الجمرات، بخلاف جمرة العقبة؛ [فإن وقتها] أوسع.

وقد أحسن في "المرشد" فقال: إن طواف الوداع وطواف الزيارة يغتسل له؛ إن ازدحم الناس؛ كما يرشد إليه تعليله في الجديد.

وقد زاد صاحب "التلخيص" على ما ذكرناه: الغسل من الحجامة، ومن دخول الحمام، وأنكره المعظم عليه. وحكى الإمام في كتاب الجمعة عنه: أنه استحب الغسل لدخول الكعبة أيضاً والله أعلم.

ص: 15