الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب إزالة النجاسة
قال: النجاسة: هي البول .. إلى آخره، فاعلم أن الشيخ لما تكلم في إزالة النجاسة احتاج إلى تعريفها؛ إذ الكلام على الشيء بالرد والقبول فرع كونه معقولاً.
والنجاسة لغة: كل مستقذر.
وفي اصطلاح العلماء: كل عين حرم تناولها على الإطلاق مع إمكانه، لا لحرمتها، أو استقذارها، أو ضررها في بدن أو عقل.
وما ذكره الشيخ: أنواعها، وقد قيل: هذا يجوز؛ فإن النجاسة حكم الشرع على الأعيان المذكورة بامتناع استصحابها في الصلاة، وهذه الأعيان يتعلق الحكم بإطلاق النجاسة عليها كإطلاق العلم على المعلوم والقدرة على المقدور.
قلت: ولأجله حسن قول الشيخ من بعد: "وما ينجس بذلك" وإلا كان كلاماً ركيكاً وقد اعترض بعضهم على الشيخ، فقال كلامه يدل على أمرين:
أحدهما: أن هذه الأعيان نجسة.
والثاني: نفي النجاسة عما سواها. وليس الثاني بثابت.؛ لما ستعرفه.
وأنا أقول: الأول دال على أن هذه الأعيان نجاسة لا نجسة، والثاني ثابت؛ لأن كلام الشيخ يشمل ما ذكره وما في معناه، كما سنبينه- إن شاء الله تعالى- ومنه يظهر لك: أنه لا شيء بعده؛ فصح كلامه.
والدليل على نجاسة البول قوله- عليه السلام: "اسْتَنْزِهُوا منَ الْبَولِ؛ فَإِنَّ عَامَّةَ عَذَابِ الَقبْر مِنْهُ" رواه الدارقطني.
وقال- عليه السلام لما مر بقبرين: "إِنَّهُما لَيُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِير: أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْله" رواه مسلم.
وفي رواية "لَا يَسْتَنْزِهُ عَنِ البَوْلِ أَوْ مِنَ البَوْلِ"؟
والظاهر أن الألف واللام في الخبر وكلام الشيخ؛ للتعميم، وقد استثنى أبو جعفر الترمذي بول رسول الله صلى الله عليه وسلم لما روي عن أم أيمن أنها شربت بوله عليه السلام؛ فقال لها:"إِذَن لَا تَلِجُ النَّارَ بَطْنُكِ".
وبعضهم استثنى بول ما يؤكل لحمه، ويقال: إنه قول الشافعي.
والرافعي قال: إنه قول الإصطخري، وإن الروياني اختاره؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت على البعير، فلولا أن بوله طاهر، لما فعل ذلك؛ خشية من التلويث المطلوب عكسه بقوله- تعالى-:{وَطَهِّرْ بَيْتِي} [الحج: 26].
وأئمة المذهب حملوا خبر أم أيمن على التداوي، وكذا قوله- عليه السلام للعرنيين:"لَوْ خَرَجْتُمْ إِلَى إِبِلنَا، فَأَصَبْتُمْ مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا"؛ فإن عندنا يجوز التداوي بجملة النجاسات إلا الخمر؛ كما تقدم في الأطعمة، وهي قضية عين
تطرق إليها الاحتمال فسقط بها الاستدلال.
وقد قال الشافعي في خبر العرنيين: إنه منسوخ؛ إذ فيه أنه مثل بهم، ثم قام في مقام الأمر بالصدقة، ونهى عن المسألة؛ كذا حكاه الإمام عنه.
وطوافه على البعير لا يدل على طهارة بوله؛ كما أن حمله أمامة بنت أبي العاص في الصلاة لا يدل عليه، والطفل أسوأ حالاً من البهيمة في إرسال النجاسة، على أن عادة الإبل أنها لا ترسل، النجاسة في سيرها.
قال: والغائط؛ لقوله عليه السلام: "إِنَّمَا تَغْسِلُ ثَوْبَكَ مِنَ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَالْمَنِي وَالدَّمِ وَالْقَيْء" رواه أحمد من حديث ثابت بن حماد بسنده عن عمار، وقد خرجه الدارقطني والبزار، وثابت بن حماد أحاديثه مناكير.
والغائط – في الأصل-: [هو المكان] المطمئن، وأطلق على الفضلة المستقذرة
[من الآدمي]؛ لملازمتها له في الغالب.
والسرجين من البهائم [في معناه].
وقد روى البخاري عن ابن مسعود أنه- عليه السلام أُتِي بحجرين ورَوْثة؛ فألقى الروثة، وقال:"إِنَّهَا رِجْسُ"، ويروي:"رِكْسُ"، وهو الرجيع، وذرق الطيور في معناه.
والقول- أو الوجه- المحكي في بول ما يؤكل لحمه مطرد في روثه وذرقه حكاه صاحب "البيان" والرافعي.
وعلى الأول- وهو المذهب-[في] جرو السمك والجراد وما لا نفس له سائلة وجهان في "الإبانة"، وكذا الوجه المحكي في بول رسول الله صلى الله عليه وسلم جار في روثه، كما قال في "الإبانة" و"تعليق القاضي الحسين".
وهما فيما لا نفس له سائلة مفرعان- كما قال الإمام- على قولنا بطهارة ميتته، واستبعد القول بطهارة روثه؛ فإن ميتته لا تحل؛ فلا يؤثر القول بطهارة ميتته في طهارة روثه؛ فإن الآدمي لا ينجس بالموت، وفضلاته نجسة ولكن الفرق واضح.
وفي "تعليق البندنيجي" أنه سأل الشيخ- يعني: أبا حامد- عن جرو السمك والجراد؛ فإن الناس يأكلون الصغار من ذلك على جهته؟ فقال: كل هذا طاهر، فقلت: فما الذي يصنع بقول الشافعي: "لأنه بول"؟ فقال: ينبغي أن يقال: هو نجس، فقلت: فما تقول في جب أقام فيه سمك، ومعلوم أنه بال وذرق؟ فقال: ينبغي أن يكون الحكم في أبوال هذه وأوراثها- أنه نجس معفو عنه؛ لأن الاحتراز عنه لا يمكن.
والإنفحة من السخلة المأكولة إذا لم تطعم غير اللبن إذا ذبحت، طاهرة؛ لإطباق الأمم على استحلال الجبن مع علمهم بأن انعقاده بالإنفحة فنزلت من جهة الحاجة منزلة أصل اللبن الذي أبيح لأجل الحاجة.
وحكى الغزالي وإمامه والماوردي وجهاً: أنها نجسة، وهو القياس؛ لأنها لبن مجتمع في باطن الخروف، يستحيل فيخرج إذا ذبح ويخثر به اللبن، والمستحيل نجس.
قال الإمام في باب حد الزنى، والوجه القطع بالأول؛ لما ذكرناه.
وهي بكسر الهمزة، وفتح الفاء، والحاء المهملة المخففة، ويجوز [بتشديد الحاء].
قال: والمذي؛ لما روي عن علي قال: كنت رجلاً مذاء، فكنت أستحيي أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكان ابنته، فأمرت المقداد، فسأله فقال:"لِيَغْسِلْ ذَكَرَهُ، وَيَتَوَضَّا". رواه مسلم.
والمذي: بسكون الذال المعجمة، والياء المخففة، وقيل: إنه مكسور الذال، مشدد الياء، وقيل: إنه مكسور الذال مخفف الياء الساكنة.
وهو ماء أبيض رقيق [لزج] يخرج عند المداعبة والنظر بالشهوة وبغير شهوة.
وقد قيل: إن جزء من المني؛ لأن سببهما جميعاً الشهوة.
قال: والودي: وهو ماء أبيض ثخين يخرج عقيب البول، متقطعاً كدراً.
قال الإمام: والغالب أنه يخرج عند حمل شيء ثقيل، وفيه ثلاث لغات:
أشهرها: أنه بدال مهملة ساكنة.
والثانية- حكاها الجوهري-: أنه بتشديد الياء.
والثالثة- قالها صاحب "المطالع"-: أنه بالذال المعجمة.
ودليل نجاسته: أنه خارج من مخرج البول، لا يخلق منه [مثل أصله]؛ فكان كالبول، ولأنه يصحبه.
قال: وقيل: ومني غير الآدمي- أي مأكولاً كان أو غير مأكول- لأنه نجس بعد الموت؛ فكان نجساً قبل نفخ الروح فيه، وخالف مني الآدمي؛ فإنه طاهر بعد الموت، ولأنه
من الفضلات المستحيلة في الباطن؛ فكان نجساً كالبول؛ وهذا أظهر في "الرافعي.
فإن قيل: قضية هذا التوجيه، وكذا الأول إذا قلنا: إن الآدمي ينجس بالموت- أن يكون منيه نجساً.
قلنا: قد قال [به] صاحب "التلخيص" تخريجاً، كما قاله القاضي الحسين وغيره.
والماوردي قال: إن الكرابيسي حكاه عن القديم.
وفي "التتمة" حكاه عن الشافعي- رضي الله عنه ولم يقيده بالقديم، وسوى بين رطبه ويابسه [وأنه يكفي فيه الفرك]، ويدل عليه خبر [عمار].
والصحيح: أنه طاهر؛ لخبر عائشة: "كنت أفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم ".
[أخرجه مسلم]، وفي بعض الطرق:"ثم يصلي فيه"، ولو كان نجساً لما اكتفى في إزالته بالفرك.
قال بعضهم: وفي الاستدلال بهذا نظر مع الحكم بطهارة بوله عليه السلام.
وجوابه: أنه ورد عنه صلى الله عليه وسلم ما يدل على عدم اختصاصه بذلك، وهو ما روى الدارقطني عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن المني يصيب الثوب، فقال:"أَمطْهُ عَنْكَ بِإذْخِرَةٍ؛ فَإِنَّمَا هُوَ كَمُخَاطٍ أَوْ بُزَاقٍ".
ولأنه لا يليق بكرامة الآدمي الحكم بنجاسة أصله؛ ولهذا حكمنا بطهارة لبنه.
وظاهر كلام الشيخ: أنه لا فرق في طهارة مني الآدمي بين الرجل والمرأة، وهو ما قال أبو الطيب: إنه المذهب الصحيح [ولم يحك البندنيجي غيره.
قال أبو الطيب:] وحكى ابن القاص [أن مني المرأة] نجس. وليس بمشهور.
وقال في التيمم: ولم يرد بذلك أن مني المرأة نفسه نجس، بل هو طاهر؛ وإنما [المراد]: أنه ينجس بملاقاته عرق فرج المرأة؛ فإنه نجس فينجس بملاقاته.
وعلى هذا ينطبق قول القاضي الحسين وغيره من المراوزة: إن طهارة مني المرأة تنبني [على] أن رطوبة فرجها طاهرة أم نجسة؟ وقد حكى الإمام عن صاحب "التلخيص"- وهو ابن القاص- طريقة على عكس ما ذكرناه، وهي الجزم بنجاسة مني المرأة، وحكاية القول في مني الرجل، وأن الأصحاب أنكروا عليه، ورأوا القطع بطهارة مني الرجل.
قال: [وقيل]: ومني ما لا يؤكل [لحمه] غير الآدمي؛ لما ذكرناه، وخالف مني الآدمي؛ لكرامته، ومني مأكول اللحم؛ لأن لبنه طاهر؛ فألحق به منيه.
وقد أفهم قول الشيخ: [وقيل] أن المذهب: أن مني كل حيوان طاهر، وهو وجه، قال في "الشامل": إنه ظاهر المذهب. وقال البندنيجي: إنه أقيس، واختاره في "المرشد".
وبيض ما لا يؤكل لحمه في معنى مني ما لا يؤكل [لحمه] ففيه الخلاف وهو مطرد في بذر القز.
والمذكور في "تعليق أبي الطيب" نجاسة بيض ما لا يؤكل لحمه.
وبيض ما يؤكل لحمة طاهر إجماعاً، وهل يجب غسل ظاهره؟ فيه خلاف يأتي.
نعم، لو ماتت الدجاجة ونحوها، وفي جوفها بيض، ففيه ثلاثة أوجه، حكاها الماوردي هنا، والروياني في "تلخيصه":
أحدها: أنه نجس؛ لأنه قبل الانفصال جزء منها.
والثاني: أنه طاهر؛ لتميزه عنها؛ فصار بالولد أشبه.
والثالث: إن كان قوياً فهو طاهر [مأكول] وإن كان ضعيفاً رخواً فهو نجس؛ وهو قول أبي الفياض وابن القطان، ولم يورد [أبو الطيب] في باب الأطعمة غيره، ورجه الروياني.
والقاضي الحسين والغزالي قالا: إن لم يتصلب، فهو نجس، وإن تصلب، فوجهان، وعليه جرى الرافعي.
قال: والدم؛ لقوله- تعالى -: {أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام: 145]، ولحديث عمار.
وظاهر الخبر وكلام الشيخ: أنه لا فرق بين دم ودم، حتى دم [ما لا نفس له] سائلة: كالبراغيث، والقمل، والبق، ونحو ذلك، وبه صرح أبو الطيب والقاضي الحسين.
والمعنى فيه ما قاله الإمام: [وهو] أن هذه الأشياء لا دم لها، ولكنها تقرص وتمتص، ثم قد تمجه.
وقد قال أبو جعفر الترمذي: إن دم رسول الله صلى الله عليه وسلم طاهر؛ لأن أبا طيبة الحاجم شربه؛ فقال [له]عليه السلام: "إذن لا تُتَّجع بَطْنك".
وأئمة المذهب يحملون ذلك على التداوي؛ ولذلك روي أنه- عليه السلام نهاه عن ذلك.
وقيل: إن دم السمك طاهر؛ لأنه ليس على حقيقة الدماء، وأنه يبيض إذا بقي وغيره يسود.
والصحيح- كما قاله أبو الطيب قبيل كتاب الضحايا- أنه نجس؛ لما ذكرناه.
وقيل: إن الدم المتحلل من الكبد والطحال طاهر.
قال: والقيح؛ لأنه دم متعفن، والصديد في معناه، بل أولى، وكذا ماء القروح إن أنتن، وإن لم ينتن ففيه طريقان:
إحداهما: أنه طاهر، وهو المختار في "المرشد".
والثانية: حكاية قولين فيه:
أحدهما- نص عليه في "الإملاء"-: أنه كالعرق.
والثاني- نص عليه في "الأم"-: أنه كالقيح.
قال: والقيء؛ لحديث عمار، ولأنه من الفضلات المستحيلة في مقرها إلى فساد؛ فكان كالغائط، وهو مهموز.
وفي "التتمة" حكاية وجه: أنه إذا لم يتغير يكون طاهراً. وهو بعيد.
وفي معنى القيء المدة الصفراء والسوداء؛ فهي نجسة.
وفي البلغم الذي يقطع من المرئ وجهان:
أصحهما- في "الكافي" وهو المحكى عن الشافعي في "التتمة"-: أنه طاهر كالذي نزل من الرأس وهي النخامة فإنه لا خلاف في طهارتها.
وما يسيل من الفم عند النوم، قال في "التتمة"-: إن كان متغير الرائحة فهو كالقيء؛ وإلا فهو طاهر.
وقال غيره: إن كان من اللهوات فطاهر، وإن كان من المعدة فنجس [كالقيء]، وإن شك في أنه من الرأس أو من المعدة، فالأولى الاحتياط.
قال الأصحاب: والطريق في معرفة ذلك أنه ينظر: فإن طال زمنه فهو من المعدة، وإلا فمن اللهوات.
وقال في "الكافي": إن كان يميل إلى الصفرة فهو من المعدة، وإن كان لا يميل إليها فهو من الدماغ.
وظني أني رأيت لبعضهم: إن كان رأسه على وسادة، فهو من اللهوات؛ وإلا فمن المعدة.
قال: والخمر؛ لقوله تعالى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ} [المائدة: 90] والرجس – بالسين- المرادبه: النجاسة، وأيضاً فقوله:{فَاجْتَنِبُوهُ} أمر بالاجتناب من كل وجه.
فإن قيل: بل المراد: المبعد؛ لأن الأنصاب والأزلام مبعدة [وليست بنجسة]
قيل: حمله على المبعد مجاز؛ فيستعمل فيما لم يمكن استعمال الحقيقة فيه خاصة وهو الأنصاب والأزلام، دون ما يمكن استعمال الحقيقة فيه وهو الخمر؛ وذلك بناء على جواز استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه.
ولأنه مائع غير مضر حرم تناوله لمعنى فيه؛ فأشبه الدم، وهذا هو المذهب، سواء كانت الخمرة محترمة أو غير محترمة.
وقيل: إن كانت محترمة- وهي التي عصرت للخلية، فاستحكمت خمريتها- أنها
طاهرة؛ لحرمتها، ويضمنها متلفها.
قال الإمام: وهو بعيد جداً؛ فإن ما يجب الحد بشربه، يبعد الحكم بطهارته وضمانه؛ فالوجه أنها ليست مضمونة وإن حرم إتلافها؛ كالجلد الذي لم يدبغ [بعد].
وعن الشيخ أبي على حكاية وجه في المثلث المسكر- الذي [نحرمه ويبيحه] أبو حنيفة-[أنه] طاهر مع القطع بالتحريم.
قال الإمام: ولست أعرف له وجهاً.
ثم ما ذكرناه إذا كانت الخمرة ظاهرة، فلو استحال باطن حبات العنقود خرماً، ففي الحكم عليه بالنجاسة خلاف قدمناه.
وعبارة القاضي الحسين: أنه لو ألقى النورة وعناقيد العنب في الدن بنية الخل فصارت خمراً- لا خلاف أنها نجسة، وهل يجب الضمان على من أراقها، وهل يجوز بيعها؟ فيه وجهان:
أظهرهما: لا يحل البيع، ولا ضمان على المريق؛ كالمصفي.
والثاني: يحل البيع ويجب الضمان على المريق؛ لأنها غير معدة للشرب، بخلاف المصفى، حكاه في كتاب الرهن.
قال: والنبيذ؛ لأنه في معنى الخمر.
وعن "البيان" حكاية وجه: أنه طاهر؛ لاختلاف الناس فيه، بخلاف الخمر.
قال: والكلب؛ لقوله- عليه السلام: "طَهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُم إِذَا وَلَغَ فِيهِ الكَلْبُ أَنْ يغسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ: أُولاهُنَّ بالتُّرَابِ"، وفي رواية:"إِحْداهُنَّ"، أخرجه مسلم.
وروى مسلم أيضاً أنه عليه السلام قال: "إِذَا وَلَغَ الكَلْبُ فِي إِنَاء أَحَدِكُمْ فَلْيُرِقْهُ،
ثُمَّ ليَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ".
وهذان يدلان على نجاسة سؤره؛ إذ الأمر بتطهير الطاهر وإراقته، خلاف الظاهر، وإذا كان سؤره نجساً دل على نجاسة فمه، وإذا كان فمه نجساً كانت سائر أعضائه كذلك، لأن فمه أطيب من غيره، ويقال: إنه أطيب الحيوانات نكهة؛ لكثرة ما يلهث.
ومفهوم قوله- عليه السلام[في] الخبر المشهور: "الهِرَّةُ لَيْسَتْ بِنَجسَةٍ"
0000000000000
يعضد ما ذكرناه.
ولأن ما وجب غسله وإراقته، وجب أن يكون كنجاسة سائر النجاسات.
قال: والخنزير- قال [بعضهم]: للإجماع عليه، وفيه نظر؛ لأنه يقال: إن الإمام أحمد قال بطهارته، وحكى الفوراني ذلك عن مالك أيضاً، واستدل له الماوردي بقوله- تعالى-:{أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام: 145] فإن المراد بلحم الخنزير: هو جملته؛ لأن لحمه قد دخل في عموم الميتة فكان حمله على ما ذكرناه من الفائدة أولى من حمله على التكرار.
وغيره قال: لأنه أسوأ حالاً من الكلب؛ لأنه يجب قتله، ولا يجوز الانتفاع به، بخلاف الكلب.
قال: وما تولد منهما- أي: من كلب وخنزير- لأنهما أصله.
قال أو من أحدهما- أي: وحيوان طاهر- لأن مبنى النجاسة على التغليب.
قال: والميتة- أي: لحمها وإهابها:
أما اللحم: فلقوله- تعالى-: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} [المائدة: 3]، وتحريم
ما ليس بمحرم ولا ضرر فيه، يدل على نجاسته.
وأما إهابها: فلقوله- عليه السلام: "أَيُّمَا إِهَاب دُبغَ فَقَدْ طَهرَ".
[وفي "التتمة" حكاية وجه عن رواية ابن القطان أن جلد الميتة لا ينجس بالموت؛ وإنما الزهومة التي في الجلد تصيره نجساً؛ فيؤمر بالدبغ لإزالتها؛ كما يغسل الثوب من النجاسة].
قال: إلا السمك والجراد؛ يحل تناولهما لقوله- عليه السلام: "أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ .. " الخبر المشهور.
والجراد- بفتح الجيم-: اسم جنس، واحدته: جرادة، ويطلق على الذكر والأنثى.
قال: والأدمي- في أصح القولين- لأنه- عليه السلام قبل عثمان بن مظعون بعد موته ودموعه تجري على خده، ولو كان نجساً لما قبله مع طهور رطوبته.
ولأنا تُعُبدنا بغسله، والنجس لا يتعبد بغسله؛ لأن غسله يزيد النجاسة، كذا حكى عن ابن سريج.
ولأنه مكرم؛ كما دل عليه قوله- تعالى-: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء: 70]، ولا يليق بكرامته الحكم بنجاسبته؛ وهذا القول نص عليه في "الأم" وبه قال الأنماطي وأبو العباس.
قال الماوردي في الجنائز وسائر أصحابنا: ومقابله أنه نجس؛ لأنه حيوان طاهر في الحياة، غير مأكول بعد الموت، فكان نجساً كغيره.
ولأنا تعبدنا بغسله، ولا نؤمر بغسل الطاهرات. كذا قاله أبو إسحاق، وهذا القول أخذ من قول الشافعي:"إذا جبر عظمه بعظم نجس ومات لا يقلع؛ لأنه صار ميتاً كله"؛ فدل على أنه ينجس بالموت.
وكذا قوله في الجنائز: "ويتخذ إناءين: إناء يغرف به من الماء المجموع، فيصب في الإناء الذي يلي الميت، فإن تطاير من غسل الميت إلى الإناء الذي يليه لم يضر بالآخر- يدل على نجاسته أيضاً.
وكذا قوله: "لو اضطرب سن من أسنانه فأثبتها بذهب أو فضة لم تصح صلاته؛ لأنها صارت ميتة"، كذا حكاه عنه القاضي الحسين قبيل باب الساعات التي تكره فيها الصلاة، وابن الصباغ عزاه إلى نصه في "الأم" في باب الصلاة بالنجاسة.
وقد اختار هذا القول الصيرفي وأبو إسحاق، كما قال البندنيجي في الأطعمة، وقال في كتاب الصلاة: إنه المذهب.
وأبو الطيب نسب الأول إلى اختيار أبي إسحاق، والثاني إلى اختيار الأنماطي وأبي العباس، وقال: إنه القياس، فإنه لو قطع عضو منه في حياته لكان نجساً، ولو كان لا ينجس بالموت لم ينجس ما قطع منه كالسمك إذا قطع منه شيء لا ينجس. وهذا من القاضي يدل على الجزم بأن ما أبين من الآدمي نجس، وبه صرح في باب الصلاة بالنجاسة.
وغيره حكى فيه طريقين: أصحهما: القطع بنجاسته، والثاني: حكاية خلاف فيه. وعلى ذلك جرى الإمام والرافعي [هنا والماوردي] في الجنائز، لكن الماوردي
قال: الصحيح أنه نجس، ونسب القول بطهارته إلى الصيرفي.
والإمام قال: إنه الصحيح. وكذا الرافعي وطرد الخلاف في المبان من السمك والجراد ومشيمة الآدمي، وصحح القول بطهارة الجميع.
والمذكور في "تعليق أبي الطيب"، والبندنيجي، و"التتمة" نجاسة المشيمة، وكلام الشيخ الذي سنبينه يدل عليه.
وقد أفهمك استثناء الشيخ الأشياء الثلاثة التي ذكرها من الميتات نجاسة ما عداها منها، وذلك يشمل مسائل:
منها: ما ليس له نفس سائلة: كالذباب ونحوه، وهو ما عليه العراقيون وغيرهم.
وقال القفال: إنها طاهرة؛ لأن النجاسة إنما تأتي من قبل انحصار الدم وانحباسه في العروق بالموت، واستحالته وتغيره، وهذه الحيوانات لا دم لها ولا استحالة، وما فيها من الرطوبة كرطوبة النبات.
ومنها: الدود المتولد من الطعام، وهو ما حكاه البندنيجي، وتضمنه كلام الإمام عند الكلام في تنجس الماء بما [لا نفس له سائلة] وبعضهم حكى قولاً آخر وصححه: أنه طاهر تبعاً لأصله، وعليه جرى في "الكافي"، وكذا الغزالي حيث قال: وما يستحيل من الطعام كدود التفاح والخل- طاهر، على المذهب.
والرافعي قال: إن الخلاف فيه كالخلاف فيما لا نفس له سائلة، وإن ما ذكره الغزالي اختيار القفال.
وعلى الأول: لا ينجس الطعام؛ عفواً.
وعلى الثاني: يحل تناوله مع الطعامز
قال في "الوجيز": على الأصح، وهو يشعر بخلاف فيه، وقد حكاه في "الوسيط"
والمذكور في "النهاية" حل أكله معه، وحكاية الخلاف في حل تناوله مفرداً، وصحح التحريم.
ومنها- كما قال بعضهم-: الجنين الذي يوجد ميتاً عند ذبح الأم، وليس الأمر كما أفهمه كلامه؛ فإنه طاهر، وكذا الصيد إذا مات بالضغطة على أحد القولين.
وكان ينبغي أن يستثنيه مع ما استثناه.
وهذا السؤال قد أورد الرافعي مثله على الغزالي، ولا يرد عليهما: أما الجنين؛ فلأن ذكاته بذكاة أمه بنص الخبر، وليس داخلاً في اسم الميتة، والصيد الميت بالضغطة لعلهما لا يريان حله والله أعلم.
قال: وما لا يؤكل لحمه إذا ذبح؛ لأن ذبحه لا يفيد حل أكله؛ فكذا طهارته؛ قياساً على ذكاة المجوس طرداً، والمسلم عكساً.
قال: وشعر الميتة؛ لأنه متصل بالحيوان حالة حياته وموته اتصال خلقة؛ فينجس بموته كالأعضاء، ولأنه مندرج تحت اسم الميتة يدل عليه [أنه] لو حلف لا يمس ميتة حنث [بمسه]؛ كذا قاله الماوردي.
والحكم في صوف الميتة ووبرها وريشها كالحكم في شعرها؛ لأن ذلك في معناه، وما سنذكره من الخلاف مطرد فيه؛ كما صرح الأصحاب.
فرع: إذا رأى شعراً ولم يعلم أنه طاهر أم نجس: فإن علم أنه شعر مأكول اللحم، فهو طاهر، وإن علم أنه شعر غير ماكول فهو نجس، وإن شك فيه، قال الماوردي: ففي طهارته وجهان من اختلاف أصحابنا في أصول الأشياء: هل هي على الحظر [فيكون نجساً] أو على الإباحة فيكون طاهراً؟ وهذا فيه نظر؛ لأن الخلاف المذكور مفرع على القول بمسألة الحسن والقبح، ونحن لا نقول به.
قال: وشعر ما لا يؤكل لحمه إذا انفصل في حال حياته كالعضو الساقط منه حال حياته؛ وهذا ذكره الشيخ؛ بناء على ما جزم به في أن شعر الميتة نجس، وهو ما حكاه المزني والربيع بن سليمان المرادي والبويطي وحرملة وأصحاب القديم.
وروى إبراهيم البلدي عن المزني: أن الشافعي رجع عن تنجيس الشعور، وكذا حكاه القاضي الحسين في رواية لكنه لم يعزها لإبراهيم، [لم يذكر الفوراني غيرها]، وفي أخرى- وهي المشهور في كتب العراقيين-: أنه رجع عن قوله في شعور بني آدم: إنها نجسة، [وهي المنسوبة لإبراهيم].
والماوردي قال: إن ابن سريج حكى الأول عن الأنماطي عن المزني عن الشافعي، واختلف الأصحاب في هذه الرواية: فمنهم من لم يصححها، ومنهم من صححها، وهؤلاء اختلفوا في تعليل رجوعه:
فمنهم من علل ذلك بكرامتهم، وقال: الحكم في شعر غيره كما تقدم
ومنهم من قال: إنما رجع؛ لأنه ذهب إلى أنه لا روح فيه، بل قال الشيخ أحمد البيهقي: إن الشافعي قال في "الجامع": "إن الشعر لا روح فيه"، [وقال في كتاب الديات:"الشعر لا روح فيه"]، وعلى هذا فكل حيوان طاهر؛ فشعره طاهر حال الحياة وبعد الوفاة، على كل حال، وهذا لفظ البندنيجي وغيره من العراقيين.
وبعض المراوزة- لأجل هذه العلة- طرده في شعر الكلب والخنزير.
وقال الشيخ أبو محمد: إنه ظاهر المذهب.
وقال الإمام: إن أبا حامد المرورذي اختاره، وبه يحصل في الشعور أربع مقالات:
[طاهرة كلها].
طاهرة إلا شعر الكلب والخنزير.
نجسة كلها إلا شعر الآدمي، وهو الصحيح في "الإبانة".
نجسة كلها، وهو الصحيح.
وعلى هذا في طهارة شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهان:
أصحهما- في "تعليق القاضي الحسين"، وينسب إلى أبي جعفر الترمذي-: أنه طاهر؛ لأنه- عليه الصلاة والسلام فرق شعره بين أصحابه.
ثم ظاهر قول الشيخ: "وشعر ما لا يؤكل لحمه إذا انفصل في حال حياته" يقتضي إدخال شعر الآدمي وإن قلنا بطهارة جثته، [وهو ماض على طريقة أبي الطيب حيث جزم بنجاسة العضو المبان من الآدمي وإن حكمنا بطهارته] لأن الشعر على القول الذي عليه نفرع كالعضو، وقد صرح به الماوردي حيث قال- بعد حكاية [رواية] الرجوع عن تنجيس شعور بني آدم-: إن جمهور الأصحاب امتنعوا من تخريجها قولاً للشافعي- يعني في سائر الشعور وأما شعر بني آدم: فخرجوه على قولين:
أحدهما- وهو الأشهر عنه:- أنه نجس بعد انفصاله عنه؛ لأنه شعر من غير مأكول.
والثاني- وهو محكي عنه في الجديد: أنه طاهر؛ لأن ابن آدم لما اختص بالطهارة ميتاً، اختص شعره بالطهارة منفصلاً.
لكن البندنيجي وابن الصباغ والرافعي قالوا: إن الخلاف في طهارة شعر الآدمي ونجاسته مفرع على القول بأن الآدمي ينجس بالموت.
أما إذا قلنا: لا ينجس بالموت، كان شعره طاهراً على اختلاف أحواله.
قلت: والطريقة الأولى أقرب؛ عملاً بما قلناه، وأيضاً فإن القائل باختصاص الرجوع بشعر الآدمي علله بكرامة الآدمي، وهذا التعليل [ينافيه] الحكم بنجاسة [ميتته].
ثم حيث حكمنا بنجاسته عفي عن الشعرة والشعرتين منه في الثوب، وكذا في الماء القليل، كما حكاه البندنيجي وابن الصباغ.
وقد حكى الروياني العفو عن ذلك في الماء عن بعض الأصحاب، [وقال: إنه غلط].
قال الجيلي: ولو قطعت شعرة واحدة أربع قطع، فحكمها حكم الشعرة الواحدة؛ على الأصح، وإن الخلاف مبني على ما إذا تبددت النجاسة التي لا يعفى عنها- على البدن بحيث لا يدرك الطرف آحادها؛ فحكمها حكم ما لا يدركه الطرف أو حكم ما يدركه؟ فيه وجهان، أصحهما: الثاني، ذكره الغزالي في بعض تعاليقه.
قلت: وفي كلام الإمام الذي حكيته في باب طهارة البدن عند الكلام في العفو عن اليسير من سائر الدماء- إشارة إليه؛ فليطلب منه.
أما شعر ما يؤكل لحمه إذا انفصل منه في حال حياته [بتناثر فطاهر] كما جزم به القاضي الحسين والمتولي وغيرهما، وكذا إن انفصل منه بقطع أو قص، أو فصل منه بنتف، فوجهان:
وجه المنع: أن قطعه بمنزلة ذبح الحيوان، وقد حكاه الرافعي في المتناثر من الحيوان أيضاً.
والأصح فيهما الطهارة.
تنبيه: جزم الشيخ بنجاسة شعر ما [لا] يؤكل لحمه إذا انفصل في حال حياته يقتضي أموراً:
أحدها: إلحاق [ريش] ما لا يؤكل لحمه [به] كما ذكرناه؛ لأنه في معناه، وبه صرح غيره، وطرد القول بطهارته فيه.
وأما ريش ما يؤكل لحمه إذا فصل منه في حال حياته، وكذا الصوف والوبر من المأكول- كالشعر إذا فصل أو انفصل من المأكول، وقد تقدم.
الثاني: نجاسة ما انفصل منه من الأعضاء وغيرها من طريق الأولى، وذلك مما لا خلاف فيه إلا في الآدمي والمشيمة كما تقدم، وكذا فأرة المسك؛ فإنها تنفصل عن الظبية خلقةً وحشوها المسك، وتكون على موضع السرة منها، وهي ترمي في كل سنة فأرة، وينميها الرب- سبحانه- ملتحمة ثم تستشعر أطرافها قشفاً فتحتك بالصوان والمواضع الخشنة فتسقط.
وفي طهارتها وجهان، [أصحهما] الطهارة؛ لأنها تنفصل بالطبع؛ فهي كالجنين، ولأن المسك فيها طاهر، ولو كانت نجسة، لكان المظروف نجساً.
ومحل الوجهين إذا انفصلت في حياة الظبية كما ذكرنا أما إذا فصلت بعد موتها فهي نجسة؛ كاللبن.
قال الرافعي: [وقد] حكي وجه آخر: أنها طاهرة كالبيض المتصلب.
قال في "التتمة": والوسخ الذي ينفصل عن بدن الآدمي في الحمام وغيره- حكمه حكم ميتة الآدمي؛ لأن الوسخ متولد من البشرة.
قال: وكذلك الوسخ المنفصل عن سائر الحيوانات حكمه حكم الميتة.
الثالث: نجاسة ما انفصل منه من: قرن، أو ظفر، أو ظلف، أو سن، أو عظم- من طريق الأولى؛ لأن هذه بالأعضاء أشبه من الشعر بها، وقد اختلف الأصحاب في ذلك وفيه في الميت على طريقين:
إحداهما: إلحاقه بالشعر؛ فيكون فيه ما سلف من الخلاف؛ وهذه طريقة البندنيجي والماوردي.
والثانية: القطع بالنجاسة، وهي الصحيحة، واستدل لها في العظام بقوله- تعالى-:{قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} الآية: [يس: 78] والإحياء للميت.
ولأنها تألم؛ فيدل على أن الحياة تحلها، وما حلته الحياة ينجس بالموت، خلا ما استثناه.
قال الغزالي: ولأن الودك فيها نجس فيدل على نجاسة الطرف؛ إذ لا حياة في الودك. وأراد أنا أجمعنا على أن الودك في حال الحياة طاهر، وبعد الموت نجس، والحياة لا تحله، فيقال: إنه ينجس بالموت؛ فدل على [أن] نجاسته بنجاسة ظرفه.
قال: ولبن ما لا يؤكل لحمه غير الآدمي؛ لأنه عصارته، وكان مقتضى القياس نجاسته من الآدمي، كما صار إليه بعض أصحابنا، لكنه خلاف المذهب؛ تكريماً له، وهذا في لبن المرأة، أما لبن الرجل: فقد جزم [به] ابن الصباغ في كتاب الرضاع، وقاس عليه لبن الميتة.
وعن الإصطخري: أنه قال بطهارة لبن ما يؤكل لحمه من الطاهرات، وبعضهم يحكي عنه طهارة لبن الأتن الأهلية، وجواز شربه لأن لحمها ولبنها كان مباحاً، فحرم اللحم وبقي اللبن على الإباحة فإن النسخ لا يثبت [فيه] قياساً.
قال: والعلقة؛ لأنها دم خارج من الرحم؛ فكان نجساً كالحيض، قاله أبو إسحاق.
ومقابله- قاله ابن أبي هريرة- أنه طاهر؛ لأنه مبتدأ خلق حيوان طاهر؛ فكان طاهراً [كالمني، ولأنها دم غير مسفوح فكان طاهراً] كالكبد والطحال، وهذا ما صححه الرافعي.
وقد أفهم قول الشيخ وما ذكرناه من التعليل [القول] بطهارة المضغة، وهو الأشبه؛ لأنها إلى المني أقرب.
وغيره صرح بإجراء الخلاف فيها، وصحح القول بطهارتها، وقال: إنه يجري في البيضة إذا صارت دماً.
وصحح الروياني القول بالطهارة أيضاً، وجزم في "الكافي" بنجاستها في هذه الحالة، وحكى الوجهين فيما إذا صارت علقة.
[قلت:] ولو رتب الخلاف فيها على الخلاف في العلقة من الآدمي وأولى بنجاستها- لكان له وجه مما أسلفناه: أن مني الآدمي طاهر، على المذهب، ومني مأكول اللحم وغير مأكوله مختلف فيه، ولا خلاف في الطهارة إذا اختلط البياض والصفرة [ولم يتبين].
قال: ورطوبة فرج المرأة في ظاهر المذهب؛ لأنها رطوبة متولدة من محل النجاسة؛ فكانت منها، وهي ماء أبيض يخرج من قعر الرحم.
وقيل: إنه طاهر كالعرق، وهو الأصح في "الكافي"[و"المحرر"] وقد حكاه الماوردي في باب ما يوجب الغسل نصاً عن الشافعي في [بعض] كتبه.
والشيخ في دعواه أن الأول ظاهر المذهب- اتبع فيه البندنيجي؛ فإنه قال هكذا في باب التيمم؛ لأن الشافعي قال في "الأم" كما حكاه هو وغيره [ثم]: وللرجل المسافر الذي لا ماء [معه وللمغرب] في طلب الإبل- أن يجامع أهله، ويجزئه التيمم إذا غسل [ما أصاب] ذكره، وغسلت ما أصاب فرجها أبداً حتى يجدا الماء؛ فإذا وجداه فعليهما أن يغتسلا.
[ولا جرم] قال ابن الصباغ في التيمم: إن القول بطهارتها خلاف النص.
وقال القاضي الحسين- عند الكلام في بيع المسك في الفأرة-: لعل الأصح أنها نجسة.
وقال الإمام في باب أجل العنين: وكان شيخي يقول: تردد الأصحاب في نجاسة بلل باطن فرج المرأة، مأخوذ من اعتقاد بعضهم أن ما وراء ملتقى الشفرين لا يثبت له
حكم البطون، ويلتحق بداخل الفم إلى قدر حشفة معتدلة، وهذا عندي [خطأ؛ فإن] ما وراء الملتقى، من باطن الفرج؛ فلا معنى [لإبداء المراء] في ذلك.
وهذا من الإمام يقتضي ترجيح القول بالنجاسة.
وفائدة الخلاف تظهر فيما إذا جامع الرجل، هل يجب عليه غسل ظاهر ذكره وما أصابه من الرطوبة، وكذا غسل ظاهر البيض كما قال الماوردي والقاضي الحسين ونجاسة مني المرأة كما تقدم.
وأما إذا خرج من باطن فرج المرأة رطوبة، قال الإمام- ها هنا-: فلا شك في نجاستها.
ومأخذ القول بالطهارة- فيما ذكرناه- أنا لا نقطع بخروجها وبهذا ظهر الفرق بين رطوبة باطن فرج المرأة وباطن الذكر، حيث قلنا: إن رطوبة باطن فرج المرأة ينجس المني، ولا كذلك رطوبة باطن الذكر؛ لأنها لزجة لا يخرج منها شيء، ولا يمازجها ما يمر بها، وأمثالها من الرطوبات في الباطن لا حكم لها، ولا كذلك رطوبة باطن فرج المرأة.
قال: وما ينجس بذلك، أي: من الأعيان الطاهرة؛ لقوله- عليه السلام: "إِذَا وَقَعَتِ الفَارَةُ في السَّمْنِ، فَإِنْ كَانَ جَامِداً فَلْيُلْقِهَا وَمَا حَوْلَهَا، وَإِنْ كَانَ مَائِعاً فَلْيُرِقْهُ" رواه أبو داود.
00000000000000
وعدول الشيخ عن قوله: وما لاقى ذلك، إلى ما ذكره؛ لأنا مع الملاقاة قد لا نحكم عليه بالنجاسة، وذلك في صور:
إحداها: الماء الكثير إذا وقعت فيه نجاسة ولم تغيره، فإنا لا نحكم باجتنابه وإن لاقته النجاسة؛ لأنا لم نحكم بنجاسته، وهذه الصورة ترد على من صور كلام الشيخ بأن تلاقي النجاسة العين الطاهرة وأحدهما رطب.
والثانية: الماء القليل إذا وقعت فيه نجاسة لا يدركها الطرف؛ على طريقة من يقول: لا تنجسه.
والثالثة: إذا وجدت الملاقاة بين جافين فإنا لا نحكم بالنجاسة.
نعم، دخان النجاسة إذا قلنا بنجاسته- كما هو الصحيح عند أبي الطيب وغيره في كتاب الأطعمة- إذا أصاب الثوب ونحوه وهو جاف في العفو عنه وجهان حكاهما القاضي الحسين في كتاب الصلاة من غير تفرقة بين القليل والكثير، وغيره فرق فقال: القليل يعفى عنه دون الكثير، وقال الماوردي: الكثير منه إذا أصاب الثوب في العفو عنه وجهان حكاهما في باب الأطعمة. فأفهم كلامه ذلك فيما إذا كان الملاقي له رطباً؛ فإنه قال: إذا قلنا: يعفى عن دخان النجاسة، فلو سجر التنور بالنجاسة، جاز الخبز عليه قبل المسح، وإلا فيجب مسح التنور قبل الخبز، والله أعلم.
ثم اعلم أن المتنجس بغيره تارة ينجس ظاهره فقط، وتارة ظاهره وباطنه؛ كما إذا طبخ اللحم بماء نجس، أو أسقى الحديد ونحوه بماء نجس، ونحو ذلك، وفي كل من الصورتين يمكن تطهيره وهو في الأولى بإفاضة الماء على الظاهر، وفي كيفية في الثانية وجهان:
أحدهما: يفعل بالماء الطاهر كما فعل بالنجس وهو ما حكاه المتولي، وكذا القاضي الحسين في كتاب الصلاة، وقال ثم: إن الدابة إذا راثت الشعير، فإن كان يصلح للزراعة ونبت فإنه يطهر إذا غسل بالماء، وإن كان بحيث لا ينبت لو زرع فإنه لا يطهر بالغسل. وعليه جرى في "التتمة" و"الكافي".
والثاني: يكفيه إفاضة الماء على ظاهره، وفي اللحم يعصره، وظاهر نص الشافعي على هذا؛ فإن البندنيجي حكى في صلاة الخوف أن الشافعي قال: إذا حمى السلاح بالنار ثم صب عليه شيء نجس، فقيل: قد شربته الحديدة- فإن غسل ذلك طهر؛ لأن
الطهارة كلها إنما جعلت على ما يظهر ليس على الأجواف. وكذا حكاه ابن الصباغ وقال في توجيهه: إن الباطن يتعذر إيصال الماء إليه وغسله؛ فيعفى عنه، ولم يحك غيره، وأنه يجوز أن يحمله في الصلاة.
والبندنيجي قال: إن هذا خلاف أصوله، لأنه يقول في الآجر إذا نجس ظاهره وباطنه: طهر ظاهره وجازت الصلاة عليه ولا تجوز فيه. وهذا يعضد الوجه الأول.
والكلام في الآجر استوفيناه في باب طهارة البدن والثوب.
ويقرب من هذا النوع ما حكاه القاضي الحسين في آخر باب ما يفسد الماء [لأن الخف] إذا خرز بالهلب لا تجوز الصلاة فيه قبل غسله؛ لنجاسته، وهل تجوز بعد غسله؟ فيه وجهان:
أحدهما: نعم.
والثاني: لا؛ لأنه لا يتصور غسل باطن الثقب؛ لأنها مشدودة بالخيط، ولا يمكن إدخال الماء فيها وهي نجسة، لأن الهلب أصابها وقت الخرز.
وكأن الهلب- والله أعلم-: ما يعمل في رأس الخيط [من شعر الخنزير]؛ ليوصل الخيط إلى الثقبة، وبه صرح الجوهري في "الصحاح"، والله أعلم.
قال: ولا يطهر شيء من النجاسة بالاستحالة إلا شيئان.
هذا الحصر يرد عليه- كما قال بعضهم-: العلقلة؛ إذا قلنا: إنها نجسة؛ فإنها تطهر باستحالتها آدمياً، وكذا البيضة المذرة تطهر إذا استحالت فرخاً، ودم الظبية إذا استحال مسكاً طهر.
وجوابه: أن ما حكمنا بنجاسته من ذلك لا تتصور استحالته؛ إذ العلقة قبل انفصالها من المرأة، وكذا دم الظبية قبل انعقاده مسكاً وانفصاله عنها لا يحكم بنجاسته، وإنما يحكم بنجاسة ذلك بعد الانفصال، وحينئذ لا يتصور طرآن استحالته؛ لما ذكرناه، ومن ذلك يؤخذ أن الحكم بنجاسة البيضة المذرة إذا كسرت،
أما قبل كسرها فما في جوفها كالعلقة المتصلة بالمرأة، لكن قد حكى الرافعي وغيره في صحة بيعها وجهين جاريين في بيع حبات استحال باطنها خمراً، والمذهب: المنع؛ لأجل النجاسة، وحكى وجهين فيما إذا حمل البيضة المذرة في الصلاة والحبات المذكورة، وأظهرهما: المنع، فلو سلم ما ذكرناه عن هذه الصورة، لكان ما ذكره الشيخ من الحصر لا يرد عليه شيء.
نعم، نقل وجه أن الأعيان النجسة إذا ألقيت في المملحة والطراية، فاستحالت، أو صارت الميتة تراباً: أنها تطهر كما ستعرفه في باب طهارة البدن [والثوب]، وهو خلاف المذهب.
وقيل: إن طهارة الجلد بالدباغ من باب الإزالة.
وتوسط الإمام، فقال: فيه إزالة الفضلات التي على الجلد وإحالة لنفس الجلد. والجمهور على ما ذكره الشيخ.
قال: الخمر؛ فإنها إذا انقلبت بنفسها خلا طهرت؛ لما روي أنه عليه السلام قال: "خَيْرُ خَلِّكُمْ خَلُّ خَمْرِكُمْ"، ولزوال علة التنجيس إلى غير خلف.
ويقال: إنه لا يكون العصير خلاً إلا بعد انقلابه خمراً.
قال: وإن خللت لم تطهر؛ لأنه توصل إلى استعجال الخل بفعل محظور، لا يحل؛ كما لو قتل مورثه، أو نفر صيداً من الحرم إلى الحل [وأخذه].
وإنما قلنا: إن التخليل محرم؛ لأن أبا طلحة أسلم وعنده خمور لأيتام، فقال:
يا رسول الله، أخللها؟ قال:"لَا، أَهْرِقُهَا".
وظاهر كلام الشيخ [يقتضي:] أنه لا فرق في ذلك بين المحترمة وغيرها، وبين التخليل بإلقاء شيء فيها أو نقلها من الظل إلى الشمس، وعكسه، ونحو ذلك.
والعراقيون أطلقوا القول في التخليل إن كان بإلقاء شيء فيها لا يطهر، وإن كان بالنوع الثاني ففي الطهارة وجهان من غير تفرقة بين المحترمة وغيرها.
واختار في "المرشد" عدم الطهارة.
والمراوزة قالوا: التخليل حرام، وفي المحترمة وجه أنه لا يحرم؛ لأنها غير مستحقة الإراقة.
قلت: وهذا التعليل نخصه بالنقل من الشمس إلى الظل ونحوه دون التخليل بإلقاء شيء فيها من خل أو عصير أو خبز حار ونحو ذلك، وكلام الرافعي في حكايته يقتضي جوازه بذلك أيضاً، وإن صح فلعله قول من يرى أن الخمرة المحترمة طاهرة كما سلف، والمذهب الأول.
ولو خللت غير المحترمة بإلقاء شيء فيها لم تطهر لعلتين:
إحداهما: سلفت.
والثانية: أن ما ألقى فيها نجس بملاقاتها، فإذا زالت الشدة المطربة بقيت نجاسة الملقى؛ فينجس بها الخل؛ وهذا ما حكاه القاضي الحسين عن أبي يعقوب، وقال هو والإمام: إنه فاسد؛ فإنه لا معنى لتنجس الملح إذا كان هو الملقى مثلاً إلا اتصال الخمر، وجوهر الملح على الطهارة، فإذا انقلبت الخمر خلا فمن ضرورة ذلك أن تنقلب تلك الأجزاء التي لاقت الملح، فتطهر؛ كالدن.
وهذا قد تعرض الغزالي وغيره لجوابه، حيث قالوا: الملح إذا تنجس بالخمر لا
تحصل طهارته إلا بالماء تعبداً، وخالف الدن، فإن ذلك من ضرورته.
قالوا: وعلى العلتين يخرج ما لو نقلها من الشمس إلى الظل وعكسه، أو السدادة ونحو ذلك؛ فعلى العلة الأولى لا تطهر، وعلى الثانية تطهر، وهو الأصح "الكافي" و"الرافعي"؛ تبعاً لـ"الوجيز"، وعليهما يخرج أيضاً ما لو وقع فيها [شيء] من غير قصد، فعلى الأولى تطهر، وعلى الثانية لا، وهو الأظهر في "الرافعي".
وعليهما يتخرج- أيضاً- ما لو ألقى في العصير ماء أو بصلاً بعد العصر فتخمر، ثم تخلل، فعلى الأولى يطهر، وعلى الثانية لا، وهو الأصح في "الكافي".
وقال البغوي: إنه لو ألقى الماء حال العصر طهر بلا خلاف؛ لأنه من ضرورته، بخلاف إلقاء البصل ونحوه. ولو لم يوجد منه سوى قصد الإمساك للتخليل، قال في "الوسيط": فالظاهر طهارتها. وفيه وجه. أي: إنها لا تطهر، وبه صرح ابن كج، والقاضي الحسين، وقالا: أنها لا تحل؛ لأن إمساكها حرام؛ فلا يستفاد به نعمة.
والخلاف في هذه الحالة مفرع على قولنا: إنه لو نقلها من الشمس إلى الظل لا تطهر.
قال القاضي الحسين: ولو أمسكها بنية أن تشتد خمرتها، فانقلبت خلاً، فإن قلنا: لو أمسكها لتصير خلاً لا تطهر، فهاهنا أولى، وإلا فوجهان.
والفرق: أنه ثم قصد ما هو مباح، وهنا قصد محذوراً.
وأما المحترمة فإن خللت بإلقاء شيء فيها، لم تطهر، [ويجيء على قياس القول بطهارتها وأن النظر إلى العلة الثانية الحكم بطهارتها] وإن نقلها من الشمس إلى الظل ونحوه فالوجهان جاريان عندهم بالترتيب وأولى بالطهارة، والقاضي الحسين سوى بينهما، وصحح القول بعدم الطهارة؛ وإن وجد مجرد الإمساك [فهي طاهرة] عندهم؛ بناء على أنه لا يجب إراقتها، وهو المشهور عندهم، وبه الفتوى.
وحكى الإمام عن بعض أئمة الخلاف [وهو في "تعليق" القاضي الحسين] أنه
لا يجوز إمساكها، بل يضرب عن العصير إلى أن تصير خلاً، [فإذا تصور] منا اطلاعه وهو خمر أرقناه، وهذا ما حكاه العراقيون كما حكاه في "الاستقصاء" وغيره.
ولا جرم أنهم لم يفصلوا بين المحترمة، وهي التي اعتصرت بقصد الخل فصارت خمراً، وغيرها وهي التي اعتصرت للخمرية.
ولو ألقى العصير في الدن لا بنية الخمرية ولا بنية الخل، ثم أحدث نية الخل قبل أن تصير خمراً، فهي محترمة، ولو أحدثها بعد أن صارت خمراً، فهل يحل إمساكها على طريقة المراوزة؟ قال القاضي الحسين: يحتمل وجهين، أظهرهما: نعم.
وحيث حكمنا بطهارة [الخمر، حكمنا بطهارة] ظرفها حتى الموضع الذي أصابه الخمر في حال الغليان وإن كان لا يصل إليه في حال كونه خلاً.
وعن "البيان": أن الداركي قال: إن كان الظرف بحيث لا يتشرب شيئاً من الخمر طهر، وإن كان يتشرب منه لم يطهر.
والمذهب الأول.
قال: وجلد الميتة سوى جلد الكلب والخنزير- إذا دبغ فإنه يطهر؛ هذا الفصل يقتضي أمرين:
أحدهما: أن ما حكم بنجاسته من الجلود غير جلد الكلب والخنزير يطهر ابالدباغ.
ودليله: ما روي أنه تصدق على مولاة لميمونة بشاة فماتت، فمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"هلا أخذتم إهابها فدبغتموه فانتفعتم به؟ " فقالوا: إنها ميتة! فقال: "إنما حرم أكلها، إذا دبغ الإهاب فقد طهر" أخرجه مسلم.
وروى الشافعي بسنده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أيما إهاب دبغ فقد طهر".
قال الترمذي: هو حسن صحيح، [وقد أخرجه مسلم].
والإهاب: اسم للجلد قبل الدباغ.
فإن قيل: روى أبو داود بسنده عن عبد الله بن عكيم أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى جهينة: "إني كنت رخصت لكم في جلود الميتة، فإذا جاءكم كتابي هذا فلا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب".
وقال الإمام أحمد رحمه الله: إن إسناده جيد.
وفي لفظ آخر: "أتانا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل وفاته بشهر أو بشهرين" وهذا يدل على أن الانتفاع به منسوخ.
قيل في جوابه: كل حديث نسب إلى كتاب ولم يذكر حامله فهو مرسل، ولا حجة عندنا في المرسل.
وأيضاً: فقد قال علي بن المديني: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات ولعبد الله بن عكيم سنة، وكان يرويه مرة عن مشيخة قومه بأرض جهينة، ولو صح حملناه على الانتفاع [به] قبل الدباغ؛ فإن لفظ "الإهاب" منطبق عليه، [وبعد الدباغ يطلق عليه] أديما، وسختياناً.
والدباغ المحصل للطهارة يكون بالشث [والقرظ] معاً والأشياء الحريفة المنشفة للفضلات المعفنة، المانعة من الفساد إذا أصابه الماء والمطيبة لريحه: كقشر الرمان، والعفص، ونحوهما، دون ما لا يفعل فيه ذلك كالتتريب والتشميس والتمليح، نص عليه حيث قال كما حكاه أبو علي في "الإفصاح":"لا يجوز بالتراب والرماد".
وقال أبو الطيب: لم أر للشافعي في ذلك نصاً، وينبغي أن نرجع إلى أهل الصنعة، فإن كان للتراب [والرماد مثل] فعل القرظ ونحوه جاز الدباغ بهما.
وفي "الرافعي": أن بعض أصحابنا أطلق القول بالاكتفاء بالإلقاء في الشمس والتراب كما صار إليه أبو حنيفة، وبعضهم قال:[إنه] لا يجوز بما عدا الشث والقرظ؛ لقوله- عليه السلام: "أليس في الشث والقرظ والماء ما يطهره"؛ ولأن التطهير من ولوغ الكلب يختص على الأظهر بما نص عليه الشرع وهو التراب؛ فكذا هذا، والصحيح الأول.
والشب، قال الأزهري: بنقطة من أسفل: [شيء] يشبه الزاج، ومن رواه بالثاء ثالثة الحروف، فقد صحف.
والذي صدر به أبو الطيب كلامه- وهو ما نقوله-: أنه بالثاء ثالثة الحروف، وهو شجر مر الطعم.
قال في "الإفصاح": إنه شيء يدبغ به.
وقال الأزهري: لا أعلم هل يدبغ به أم لا؟
ثم ما ذكرنا جواز الدباغ به هل يشترط أن يكون طاهراً أم لا؟
فيه وجهان:
أصحهما في "الرافعي" وغيره: لا، وبه جزم في "التهذيب".
ووجهه أنا لو قلنا: إنه لا يطهر بذلك، لزم أن يقال: إذا استعمل فيه دواء طاهراً
أن يحكم بطهارته، ومعلوم أن الثاني لم يؤثر فيه، فكيف يوجب الطهارة؟ والذي صححه في "التتمة" مقابله.
والخلاف جارٍ في الدباغ بالرمل، وإن جزم بعضهم بالمنع فيه.
ثم إذا قلنا باشتراط لطهارة في الآلة، فهل يشترط معها استعمال الماء؟ فيه وجهان:
أحدهما- وهو ما حكاه الإمام عن المحققين: لا.
والثاني- وعليه يدل الخبر: نعم.
فعلى هذا لو لم يستعمله، فالجلد نجس العين، فإن طلب تحصيل طهارته، استعمله، وهل يشترط أني ضيف إليه شيئاً من آله الدباغ؟
قال الشيخ أبو محمد: نعم.
وقال الإمام: لا يبعد عدم اشتراطه، وقد حكاه الرافعي وجهاً.
وعلى الوجهين: هل يشترط استعمال الماء بعد الفراغ من الدباغ؟ فيه وجهان: أصحهما في "التهذيب": لا.
وأظهرهما- كما قال الرافعي-: نعم، وهو ظاهر المذهب في "التتمة"، والأقيس في "الشامل"، والأصح في "النهاية"، وهو المذكور في "تعليق البندنيجي" عن أبي إسحاق.
[فإن قلنا بالأول، حكمنا بطهارة ما انفصل عن الجلد من فضول آلة الدباغ].
وإن قلنا بالثاني، حكمنا بنجاستها، واشترطنا أن يكون الماء طهوراً، بخلاف الماء المستعمل في أثنائه إذا اشترطناه؛ فإنه لا يشترط طهوريته [حتى يجوز] بالمتغير بآلة الدباغ.
وإذا قلنا: يجوز الدباغ بالنجس، فالخلاف في استعمال الماء في أثناء الدباغ كما تقدم، ويجب إفاضة الماء الطهور عليه بعد الدباغ بلا خلاف، والله أعلم.
الأمر الثاني: أن جلد الكلب والخنزير وفروعهما لا يطهر بالدباغ.
ووجهه: أن الطهارة بالدباغ جاءت من جهة أنه يمنع تعرضه للفساد كالحياة،
والحياة لا تفيد طهارة ما ذكرناه؛ فالذكاة أولى.
ووجه الأولوية: أن الدباغ يفيد طهارة الجلد فقط والحياة تفيد طهارة جملة الحيوان.
وقد ألحق بعض الأصحاب بذلك كما حكاه ابن الصباغ وغيره جلد الآدمي إذا حكمنا بنجاسته، لكن من جهة أن دباغه معصية؛ فإن فيه امتهاناً [له].
وقد قيل: إنه لا يتأتى دبغه، فإن تأتي، فظاهر كلام الشيخ وغيره طهارته بالدباغ؛ فإنه لا امتهان فيه، وإنما الامتهان في استعماله، وهو لا يجوز بحال.
قال: ويحل بيعه، أي: ويصح في أحد القولين؛ لأنه جلد طاهر منتفع به؛ فجاز بيعه؛ كجلد المذكى، وهذا هو الجديد.
ومقابله محكى عن القديم: أنه لا يجوز؛ لأن النص ورد بالانتفاع فيختص به، ولو صح بيعه لكان الانتفاع بثمنه، لا به، ومثل ذلك أم الولد والعين الموقوفة يجوز الانتفاع بهما، ولا يجوز بيعهما، وهذا ما ذكره العراقيون من التوجيه، وجزموا مع ذلك بطهارة باطن الجلد كظاهره، وقال القفال: لا ينقدح هذ القول إلا أن نقولك يطهر بالدباغ ظاهر الجلد دون باطنه، وهذا قد حكاه القاضي الحسين عن القديم، وفرع عليه- أيضاً- عدم جواز الصلاة فيه والانتفاع به في الأشياء الرطبة.
قال الماوردي: وإذا قلنا: لا يجوز بيعه، إذا أتلفه متلف، لا يجب عليه غرمه، حكاه في كتاب السرقة، والصحيح الأول؛ فإنه روي عن ميمونة أنها قالت:"ماتت شاة لنا، فدبغنا جلدها، وكنا ننبذ فيه حتى صار شنّاً" والشن: القربة البالية.
وقد قال الإمام عقيب حكاية القول الثاني ونسبته إلى القديم: ومعتقدي: أن الأقوال القديمة ليست من مذهب الشافعي حيث كانت؛ لأنه جزم القول على مخالفتها في الجديد، والمرجوع عنه لا [يكون] مذهباً للراجع. وهذا رأي لبعضهم سبق به كما حكيته في أول باب ما يفسد الصلاة.
ثم محل القول بالصحة إذا لم يكن على الجلد شعر أو كان ولم يدخله في البيع، بل أخرجه. أما إذا كان قد أدخله فيه، فينبني على أن الشعر، هل يطهر بالدباغ تبعاً للجلد على قولنا: إنه نجس، أم لا؟ وفيه قولان:
أولهما: رواه الربيع الجيزي واختاره في "المرشد" تبعاً للروياني وأبي إسحاق الإسفراييني.
والمشهور عند الجمهور: الثاني، وعليه نص في "الأم"، وهو ما يفهمه كلام الشيخ حيث لم يستثنه.
فإن قلنا: إنه طاهر، صح البيع، وإلا بطل في الشعر، وفي الجلد قولاً تفريق الصفقة.
ولو أطلق بيع الجلد، ولم يتعرض لذكر الشعر نفياً ولا إثباتاً، فهل يدخل في المبيع؟ وجهان في "الحاوي"، ولا يخفى تفريعهما، والقولان في حل البيع جاريان-كما قال البندنيجي وغيره- في حل الأكل إذا كان الحيوان المدبوغ جلده مما يؤكل، وقد حكاهما الشيخ في باب الأطعمة، ويجريان في إجارته.
وطردهما القفال في حل أكله من غير المأكول، وهو بعيد مع الخبر.
وفي "تعليق القاضي الحسين": أنا إذا قلنا: لا يجوز بيعه، فلا يحل أكله، وفي إجارته وجهان. وإن قلنا: يحل بيعه تجوز إجارته، وفي حل أكله وجهان.
والذي رجحه ابن الصباغ: المنع؛ للخبر.
قال: وإذا ولغ الكلب أو الخنزير أو ما تولد منهما أو من أحدهما في إناء- أي: وتنجس بنجاسة ما فيه؛ إذ الولوغ يختص بما إذا كان في الإناء شيء، أما إذا لم يكن فيه
شيء، فيقال:[لحس الإناء، والشرب أعم من الولوغ؛ فإن كل شرب ولوغ، ولا يلزم] العكس- لم يطهر حتى يغسل سبع مرات- أي: الإناء- إحداهن بالتراب.
ووجهه في الكلب قوله- عليه السلام: "طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب"، وفي رواية:"إحداهن بالتراب"، أخرجه مسلم عن رواية أبي هريرة وقال أبو داود:"السابعة بالتراب".
وأما في الخنزير؛ فلأنه أسوأ حالاً منه؛ بدليل ما ذكرناه، وفروعهما في معناهما.
وفي "تعليق أبي الطيب": أن ابن القاص حكى أن الشافعي قال في القديم: يغسل دفعة واحدة، وفارق الكلب؛ لأنه مخالط مألوف لهم؛ فغلظ فيه زجراً [كما غلظ الحد في الخمر زجراً] دون غيره من المحرمات التي لا تؤلف، ولا كذلك الخنزير، ولأن في ولوغ الكلاب الكلب؟ فاعتبر فيه العدد؛ حذاراً منه، ولا كذلك الخنزير.
والصحيح الأول، بل قال أبو علي الزجاجي: طلبت ما نسب إلى القديم فلم أجده؛ ولهذا قطع بعضهم بنفي القول القديم.
ومنهم من يقول: الذي ذكره في القديم: أنه يغسل، ولم يقل مرة واحدة؛ فنحمله على الغسل سبعاً.
فإن قيل: قد روى مسلم عن عبد الله بن مغفل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا ولغ الكلب في الإناء فاغسلوه سبع مرات، وعفروه الثامنة بالتراب"، وهذا يقتضي أن تكون الغسلات ثمانياً.
قلنا: أخبارنا تدل على السبع، ويحمل هذا الخبر على ما إذا غسل السبع بالماء وحده؛ فإنه يجب عليه أن يغسله ثامنة بالتراب.
وقال ابن الصباغ: المراد إقامة التراب في واحدة من السبع مقام ثامنة؛ لأنه أحد الطهورين. وهذا أقرب؛ لأن الخصم وهو الإمام أحمد يقول: يغسله سبعاً بالماء، والثامنة يعفره بالتراب وحده.
ثم المستحب- كما نص عليه في "حرملة": أن يجعل التراب في الغسلة الأولى؛ للخبر، واعتضاده بالنظافة؛ فإنه إذا جعله فيها، ورد بعدها ما يزيله، بخلاف ما إذا جُعِلَ في الأخيرة.
وبعض الأصحاب يقول: يستحب أن يكون في الثانية.
وبعضهم يقول: يستحب أن يكون فيما قبل الأخيرة.
ولا يكفي وضعه بدون مائع كما أفهمه كلام الشيخ، وما استدللنا به من الخبر، وهو يقتضي- أيضاً- أن يستعمل مع الماء، ولا يضر وضعه على المحل، وصب الماء فوقه، ولا وضعه في الماء وغسل المحل به كما قاله المتولي وغيره.
ولو استعمله مع مائع غير الماء، فوجهان في "التتمة"، أحدهما: لا يجزئ؛ لما ذكرناه.
وغيره قال: إن جعل ذلك في ثامنة أجزأه، وإن جعله [في] سابعة، فهو محل الوجهين، وأصحهما: المنع؛ لأجل الخبر.
ومقابله موجَّه بأن مقصود هذه الغسلة التراب، وقد وصل إلى المحل.
ثم في قدر ما يكفي منه أوجه:
أحدها: ما يتكدر به الماء، وهذا ما أبداه الإمام ومن تبعه.
والثاني: ما ينطلق عليه الاسم.
والثالث: ما يعم محل الولوغ. وحكاها الماوردي.
وقد أفهم كلام الشيخ أموراً:
أحدها: أنه لا يجب إراقة ما ولغ فيه الكلب وإن تنجس، وإن كان ظاهر الخبر السالف [ونحوه] في الباب يدل عليه، وللأصحاب في ذلك وجهان أُخِذَا من قول الشافعي- رضي الله عنه:"وعليه أن يهريقه"، فبعضهم حمله [على] الوجوب؛ لما ذكرناه، وبعضهم حمله على الاستحباب، وهم الجمهور، وقالوا: الأمر به في الخبر لمن أراد التطهير؛ إذ لا يمكن إلا به.
الثاني: أن الكلب ونحوه إذا لحس الإناء، كان ما ذكره من الحكم أولى، ووجهه ظاهر.
الثالث: أن الكلب ونحوه لو أدخل رأسه الإناء، ولم يعلم: هل ولغ فيه [أم لا]؟ لا يثبت الحكم المذكور، لفقد تحقق الشرط، وهو كذلك بلا خلاف إن خرج فمه جافّاً، وإن خرج رطباً فوجهان في "الحاوي"، أصحهما: أن الحكم كذلك؛ عملاً بالأصل، ورطوبة فمه يجوز أن تكون من لعابه.
الرابع: أن ما أصاب الإناء من بدنه غير فمه بإثبات ما ذكره من الحكم أولى؛ لأن فمه أطيب ما فيه، وعرقه ووبره في معناه، وروثه وبوله من طريق الأولى، وهذا هو المذهب، والمذكور في أكثر الكتب.
وفي "التتمة" حكاية وجه: أن غير اللعاب كسائر النجاسات، واختصاص ما ذكرناه بمحل النص؛ إذ هو خارج عن القياس.
وفي "تعليق القاضي الحسين": أنه تفريع على القديم.
وإذا قلنا بمقابله، فلو كانت العين التي أصابت الإناء لا تزول إلا بثلاث غسلات، قال في "التتمة": فالأولى محسوبة من السبع، وهل تحسب الثانية والثالثة منها؟ فيه وجهان: أحدهما: لا؛ فيغسل بعد ذلك ستّاً، واحدة منهن بالتراب، لأن غسلات ولوغ الكلب حكمية، والثانية والثالثة إزالة للعين.
ولو وقعت قطرة من المائع الذي ولغ الكلب فيه على شيء، وجب غسله سبع مرات إحداهن بالتراب.
[الخامس:] أنه لو ولغ الكلب الواحد مراراً في إناء، أو ولغ فيه كلاب: أنه يكفي في ذلك السبع؛ إذ الألف واللام في "الكلب" للجنس لا للعهد، وللأصحاب في ذلك أوجه: أصحها: أن الحكم كذلك، وعليه نص في "الأم" و"حرملة"، ولم يورد في "التتمة" سواه.
والثاني: أنه يجب غسله لكل مرة سبعاً إحداهن بالتراب؛ لأن الشافعي قال: إذا بال رجل صُبَّ على بوله ذَنُوبُ ماءٍ، وإذا بال رجلان صُبَّ عليه ذنوبان.
قال أبو الطيب: وهذا غير صحيح؛ لأن النجاسة ثّمَّ زادت مساحة محلها ببول الثاني، فزاد صب الماء، ولا كذلك ها هنا.
ولأن تلك نجاسة عينية، وهذه نجاسة حكمية.
والثالث- حكاه الماوردي-: أن الكلب الواحد وإن تعدد ولوغه لا يجب غير السبع، وإن تعدد الكلاب وجب لكل كلب [غسل] سبع مرات.
ولا خلاف في أنه إذا وقعت في الإناء بعد الولوغ نجاسة، كفاه [غسله سبع مرات، بل لو وقعت قبل] غسل السابعة كفته.
قال: فإن غسل بدل التراب بالجص أو الأشنان- أي: وما في معناهما: كالصابون ونحوه- ففيه قولان، أي: منصوصان في "الأم":
أصحهما: أنه يطهر؛ لأنه جامد أمر باستعماله في النجاسة، فقام ما هو في معناه في تحصيل المقصود مقامه كما في الاستنجاء.
ومقابله: أنه لا يطهر؛ لأنه جامد عين للتطهير؛ فلا يقوم غيره مقامه؛ كما في التيمم.
واختلف الأصحاب في محلهما على ثلاثة طرق، حكاها القاضي الحسين:
أحدها: أن محلهما إذا لم يقدر على التراب؛ فإن الشافعي- رضي الله عنه حيث [نص] عليهما فرض المسألة إذا كان في بحر، فإن كان يقدر عليه فلا يطهر قولاً واحداً.
ومنهم من قال: بل محلهما إذا قدر على التراب، أما إذا لم يقدر عليه، فيجوز قولاً واحداً.
ومنهم من قال: القولان في الحالين؛ وهذه الطريقة صححها الروياني، وهي طريقة أبي إسحاق، ولم يحك العراقيون والماوردي معها غير الأولى.
ويجيء من مجموع الطرق في المسألة ثلاثة أقوال، ثالثها: يقوم ذلك مقام التراب عند العجز عنه، ولا يقوم مقامه عند القدرة عليه، وبها قال أبو الطيب [بن سلمة]؛ كما حكاه الماوردي، وهي التي حكاها الإمام.
وفي "التتمة" و"الوسيط": [أن] من الأصحاب من جوز ذلك في الثوب دون الإناء؛ لأن التراب يفسد الثوب، وقد نسبه الروياني إلى القفال، وهو بعيد.
وقد جعل في "الوسيط" مأخذ الخلاف في المسألة: أن التعفير تعبد محض، أو معلل بالاستطهار بغير الماء؛ ليكون فيه مزيد كلفة وتغليظ، أو معلل بالجمع بين نوعي الطهور؟
فعلى الأول: لا يقوم الصابون والأشنان مقامه عند الوجود، وعند العدم وجهان.
وعلى الثاني: يجوز في الحالين.
وعلى الثالث: لا يجوز في الحالين.
وعلى الخلاف تُخرج فروع أخر:
منها: [أن] التراب النجس، هل يقوم مقام الطاهر؟ فعلى الأول والثالث:[لا. وعلى] الثاني: نعم.
وعلى الخلاف يخرج ما لو ولغ الكلب في حفرة محتفرة في تراب، هل يجب التعفير؟
إن قلنا: يكفي التراب النجس؛ فلا يجب، وهو الأظهر في الرافعي، وإلا وجب.
ومنها: التراب إذا مزج بالخل: فعلى الأول لا يكفي، وعلى الثاني والثالث يكفي.
وقد صور ابن الصلاح هذه الصورة بما إذا غسله سبعاً بالماء وحده، ثم أوصل التراب مرة ثامنة إلى المحل بالخل، وإليه يرشد كلام الإمام، [قال]: أما إذا مزج التراب بالخل، ثم استعمل مع الماء، فذاك جائز قطعاً، ولا يتجه فيه خلاف إلا وجه ضعيف في أن ذلك يخرج التراب عن كونه طهوراً، وليس ذلك مراد المصنف؛ فإنه إنما منع منه على وجه التعبد.
قال: وإن غسل بالماء وحده، أي: ثمان مرات، فأقام الثامنة مقام التراب، ففيه وجهان:
أحدهما: أنه يطهر؛ لأن الماء آكد من التراب في التطهير، ولأنا قد قررنا: أن التراب أقيم مقام غسلة ثامنة؛ فهي أولى مما أقيم مقامها.
والثاني: لا يطهر؛ لأن الشرع ورد بالتراب؛ فلا يقوم الماء مقامه، وإن كان وكد منه وبدلاً عنه؛ كما نقول فيمن وجد ماء يكفيه لوجهه ويديه فقط، وقلنا: لا يجب عليه
استعماله، ويتيمم، فاستعمله في وجهه ويديه بدلاً عن التراب؛ وهذا ما صححه أبو الطيب وغيره، وقال الروياني: إنه ظاهر المذهب، والأوجه الثلاثة في معنى التعفير تنطبق عليه.
وكلام الغزالي وابن الصلاح يقتضي أن مأخذ الأول النظر إلى الجمع بين نوعي الطهور.
وهذا الخلاف- كما قال الماوردي- مفرع على قولنا: إن الجص والأشنان يقوم مقام التراب، أما إذا قلنا: لا يقوم مقامه، فلا يكفي الماء وجهاً واحداً، وكلام الغزالي ينازع فيه إذا تأملته.
وقيل: إن الخلاف مفروض عند عدم التراب، أما مع وجوده فلا يجوز وجهاً واحداً حكاه الروياني والإمام احتمالاً؛ وهذا وجه ثالث حكاه الماوردي عن أبي إسحاق المروزي.
والقائلون بإجراء الخلاف مع وجوده يظهر أن يكون هم القائلون بأن مأخذ الخلاف: أنه لو غمس الإناء في ماء كثير هل يكفي عن السبع والتعفير أم لا؟ [و] فيه خلاف سنذكره، فإن قلنا: إنه يكفي، كفت الثامنة، وإلا فلا.
وقد أفهم قول الشيخ: أنه لا يكفي في تطهير الإناء جعله في ماء كثير، ولا مكاثرة ما فيه من الماء إذا كان دون القلتين حتى يبلغ قلتين وإن طهر الماء.
وقد حكى الإمام وغيره: أنه إذا بلغ الماء قلتين، طهر على المشهور، وفي طهارة الإناء أوجه:
أحدها: ما اقتضاه كلام الشيخ [أنه لا] يطهر، وهو ما حكاه الروياني عن ابن الحداد، وظاهر الخبر يعضده.
والثاني: أنه يطهر؛ فإن الولوغ لو صادف الماء قلتين فأكثر لم ينجس الإناء، فكذا إذا بلغ قلتين، وجب أن يطهر؛ تبعاً له.
والثالث: إن كانت نجاسة الإناء تبعاً لنجاسة الماء؛ بأن كان الولوغ في الماء، ولم يلق شيءٌ منه جرمَ الإناء، طهر تبعاً، وإن لاقى جزءاً منه فلا يطهر.
والرابع: إن مكث الماء بعد بلوغه حد الكثرة في الإناء مقدار غسل سبع مرات،
حكم بطهارته، وإلا فلا.
قال الإمام: وأصحها الثاني، ويليه الأول، والثالث والرابع ضعيفان جداً.
وقد حكى الروياني وجهاً في المسألة: أنه يكفيه التراب بعد ذلك فقط، وصحح ما صححه الإمام.
والخلاف يجري- كما قال الإمام- فيما لو وضع الإناء [في ماء] كثير، والذي ذكره العراقيون منه الأول والثاني.
وقد قيل: إن الماء لا يطهر- أيضاً- إذا انتهى إلى قلتين؛ بناءً على أن الإناء لا يطهر وأن نجاسته كنجاسة عينية لا حكمية؛ كما هو أحد الوجهين، وأن التباعد من النجاسة العينية مقدار قلتين واجب.
والقول بطهارته مفرع على ما عدا ذلك؛ كذا قاله الإمام، واستحسنه، وقال: إنا إذا حكمنا بطهارة الماء دون الإناء وأن نجاسته حكمية، فنقص عن القلتين- لا ينجس، دون ما إذا قلنا: إن نجاسته عينية.
قال: ويجزئ في بول الغلام الذي لم يطعم النضج؛ لما روى البخاري ومسلم عن أم قيس بنت محصن: أنها أتت بابن لها صغير لم يأكل الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجلسه في حجره، فبال على ثوبه، فدعا بماء، فنضحه، ولم يغسله.
وفي رواية: فدعا بماء فرشه.
وروى الترمذي عن عليّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في بول الغلام الرضيع: "ينضح بول الغلام، ويغسل بول الجارية".
وقد أبعد بعض الأصحاب، فحكى قولاً: أن الجارية ملحقة بالغلام فيما ذكرناه؛ لقول الشافعي- رضي الله عنه: "ولا يتبين لي فرق بين الصبي والصبية".
قال القاضي الحسين: وهو أقيس القولين، وكذا القفال كما حكاه الروياني في "التلخيص"، وقال: إنه اختيار جماعة [من أصحابنا].
وقال البندنيجي: إنه ليس بشيء.
وقال الإمام: لست أعرف له وجهاً مع مخالفته القياس والخبر.
وفي "التتمة": أن من الأصحاب من قال في بول الغلام قولاً: إنه لا يطهر إلا بالغسل كالجارية؛ لأجل ما ذكره الشافعي من عدم الفرق.
والمذهب المشهور الأول، ومراد الشافعي: أنه [لا] يتبين لي بينهما فرق من جهة المعنى وإن فرقت السنة بينهما، وكذا حكاه البندنيجي عنه، وبه يظهر لك ضعف ما فرق به الأصحاب بينهما من [أن] بول الصبية ثخين أصفر منتن يلصق بالمحل، وبول الصبي رقيق أبيض لا رائحة له فهو كالماء.
ويَطعم بفتح الياء والعين، والمراد: لم يطعم ما يستقل به: كالخبز، ونحوه.
وعبارة القاضيين أبي الطيب والحسين، والبندنيجي وابن الصباغ: ما لم يأكل الطعام.
وقيل: ما لم يطعم شيئاً غير اللبن، وهو المذكور في "البحر".
وفي "النهاية" ذكر العبارتين، والثانية هي التي ذكرها النووي.
قال الإمام: وليس في الحديث تعرض لمطعم الغلام، وإنما فهم الفقهاء ذلك من وجهين.
أحدهما: أنه نقل أنه- عليه السلام أتى بالحسن ليسميه ويطعمه، وهذا على قرب العهد بالولادة.
والثاني: أنا لا نتوهم امتداد هذا الحكم على الدوام ولا نرى منه مردّاً إلا أن يطعم ويحتوي جوفه [على] ما يستحيل، واللبن لا يناط به؛ فإنه لا يستحيل استحالة مكروهة.
والنضح: الرش بالماء، والمجزئ منه هنا تعميم مواضع البول رشّاً وإن لم يتردد ولم يقطر؛ هكذا قال الصيدلاني، ولم يورد ابن الصباغ والبندنيجي غيره.
وقال الخطابي: النضح هنا: صب الماء من غير رش ولا عصر، ومنه قيل للبعير الذي يستسقي عليه: الناضح؛ لأنه يصب عليه الماء.
وعلى هذا ينطبق قول الشيخ أبي محمد إنه لا يكتفي بنضح وأدنى رش، ولكن يجب أن يكاثر بالماء حتى ينتقع، ولكن لا يجب عصر الغسالة؛ وبهذا يقع الفرق بينه وبين سائر النجاسات؛ فإن في العصر فيها خلافاً. وهذا ما حكاه القاضي الحسين، وقال [الإمام]: لست أعده من المذهب؛ فإن هذا ليس رشّاً، بل هو مكاثرة في غمر
وترك عصر، وقد يذكر أن الأصح أن العصر لا يشترط في إزالة جميع النجاسات إذا تحقق زوالها.
وعبارة الرافعي: أنه لابد من أن يصيب الماء جميع موضع البول.
ثم لإيراده ثلاث درجات:
إحداها: النضح المجرد.
الثانية: النضح مع المكاثرة والغلبة.
الثالثة: أن ينضم إلى ذلك الجريان والسيلان.
ولا حاجة في الرش إلى الدرجة الثالثة، وهل يحتاج إلى الثانية؟ فيه وجهان، أظهرهما: نعم.
والرش والغسل يفترقان في أمر السيلان والتقاطر.
قال: ويجزئ في غسل سائر النجاسات، أي: باقيها غير ما ذكرناه؛ أخذاً من "السؤر" بالهمز وهو البقية لا من "السور" المحيط بالشيء.
قال: كالبول والخمر وغيرهما- أي: مما يزول أثره بالغسل- المكاثرة بالماء إلى أن يذهب أثره.
ووجهه في البول: ما روى أبو هريرة أن أعرابيّاً دخل المسجد فقال: اللهم ارحمني ومحمداً، ولا ترحم معنا أحداً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لقد تحجرت واسعاً"، فما لبث أن بال بناحية المسجد، فكأنهم عجلوا عليه، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم وأمر بذَنُوب من ماء- أو سَجْل [من ماء]- فأهريق عليه، ثم قال عليه السلام:"علموا ويسِّروا ولا تعسروا" أخرجه البخاري.
والذنوب- بفتح الذال المعجمة-: الدلو إذا كانت ملأى، والسجل: بسين مهملة مفتوحة وجيم ساكنة، وهي الدلو الكبيرة إذا كان فيها ماء.
ووجه الدلالة من ذلك: أنه لو لم يكن مطهراً لما أمر به؛ إذ صب الماء تكثير للنجاسة في المسجد.
ووجهه فيما عدا البول القياس عليه.
والمراد بذهاب الأثر: أن تصير النجاسة مستهلكة لا يظهر لها لون ولا طعم ولا ريح، فإذا وجد ذلك، حصلت الطهارة مهما كان قدر الماء، ولا يتعين له قذر.
وقد حُكِيَ عن الشافعي نصان:
أحدهما: أنه يطرح على البول سبعة أضعافه من الماء و [قد] قال باشتراطه بعض الأصحاب كما حكاه الصيدلاني.
قال الإمام في باب الصلاة بالنجاسة: وهذا لست أعرف له توقيفاً، ولا له تحقيق من جهة المعنى.
وقال ابن الصباغ في الباب: عن أبي إسحاق أنه قال: لم يقل الشافعي ذلك تقديراً، وإنما قاله تجربة؛ فعلم أن البول لا يغمره إلا سبعة أضعافه.
والثاني: أن الذنوب متعين؛ لإزالة بول الشخص الواحد، وإن بال اثنان لم يطهر إلا دلوان، وبظاهره أخذ الإصطخري والأنماطي وابن خيران، [وقالوا: يتعين في بول الثلاثة ثلاثة، وهكذا في الزيادة]، قال أبو الطيب وغيره: وهذا غير صحيح؛ لأنه يؤدي إلى أن يكون البول الكثير واليسير سواء، وهذا لا يجوز، ومراد الشافعي- رضي الله عنه: أن بول الاثنين يريد من الماء أكثر مما يريده الواحد.
وقد أفهم كلام الشيخ أمرين:
أحدهما: أنه لا يشترط العصر فيما يمكن عصره كالثياب ونحوها، ولا ما يقوم مقامه فيما لا يمكن عصره وهو نضوب الماء في الأرض.
والعراقيون مطبقون على عدم اشتراط النضوب في طهارة الأرض وفي اشتراط العصر فيما يمكن عصره وجهان:
أصحهما عند أبي الطيب وغيره: لا؛ كما لا يشترط نضوب الماء في الأرض، وهو شربها له من غير جفاف؛ قاله في "الصحاح".
والثاني: أنه يشترط؛ لأن النجاسة كامنة فيه، وقد صحح هذا [عن] آخرين، والشيخ أبو علي بني الخلاف في العصر على غسالة النجاسة، فقال: إن قلنا: إنها طاهرة، فلا يجب، وإلا وجب.
وكلام العراقيين لا ينافيه، بل يوافقه.
ولو لم يتفق العصر، وقد قلنا باشتراطه، فزال الماء بهبوب الرياح ونحوه- ففي الحكم بالطهارة وجهان:
أصحهما عند الإمام والعراقيين- كما قال في "الكافي"-[نعم؛ لأن المقصود ذهاب الماء من العين وقد حصل.
والثاني: لا، [قال في "الكافي":] وهو الأصح في طريقنا؛] كما لو وقع شيءٌ من الغسالة قبل جفافها على شيء آخر؛ فإنه لا يطهر بالجفاف، ولكن الفرق ظاهر.
والمراوزة طردوا الخلاف في اشتراط العصر في نضوب الماء في الأرض وطهارته بجفافه إذا اشترطناه كما ذكرناه، في الثوب.
ولا خلاف في أن البلل الباقي بعد العصر والنضوب لا يضر.
الأمر الثاني: أن الإجزاء المذكور يحصل إذا ورد الماء على النجاسة، وإن كان دون القلتين، وهو مما لا خلاف [فيه] بين الأصحاب، سواء وجد ذلك عن قصد أو بدون قصد، مثل: أن يصب الماء من غير قصد على ثوب نجس، وكان ينحدر منه، ودفع الماء متوالٍ حتى زالت النجاسة.
نعم، لو وردت العين المتنجسة على الماء القليل، فالمشهور نجاسة الماء، وعدم طهارة العين، وهو ما قطع به الصيدلاني؛ لأنه عليه السلام فرق بين الوارد والمورود بقوله الذي أخرجه مسلم:"إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ، فَلَا يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثاً".
وقد قيل: إنه يطهر، وهو اختيار ابن سريج، كما لو كان الماء وارداً.
وقيل: إنه قال: لو وقع في الإناء بطيران الريح، لم يطهرن بخلاف ما إذا طرحه قصداً، فظن به اشتراط القصد في إزالة النجاسة، وقد صرح [به] عنه القاضي الحسين في باب النية في الوضوء، وقال: إن أبا سهل الصعلوكي قال به أيضاً، وهو في "التتمة" كذلك.
والقاضي أبو الطيب حكى هذا الوجه- أيضاً- لكنه لم ينسبه لأحد، ولفظه: إذا
طرح الثوب في الإناء وفيه الماء ففيه وجهان:
الصحيح: أنه نجس.
والثاني: أنه إن قصد بطرح الثوب فيه غسل النجاسة منه طهر الثوب، كما لو كان الماء وارداً. [قال:] وهذا ليس بشيء؛ لأن غسل الصبي والمجنون والكافر النجاسة جائز وإن لم يصح منهم قصد.
فرع: وإذا تنجس الزيت بالنجاسة هل يمكن تطهيره؟
إن كانت النجاسة وَدَك ميتة ونحوه فلا، وإن كانت بولاً ونحوه مما لا دهنية فيه، ففي إمكان تطهيره خلاف:
اختار أبو الطيب في باب الأطعمة إمكانه، وهو ما قال البندنيجي: إنه المذهب، [وقال الماوردي: إنه ظاهر المذهب].
وبه قال جمهور أصحابه: عدم إمكانه، وهو الأصح في "تعليق" القاضي الحسين، وقال: إن حكم السمن حكم الزيت، وأبو الطيب والبندنيجي جزماً فيه بعدم إمكان غسله، وألحق القاضي أبو الطيب به الودك.
والزئبق متفق على عدم إمكان غسله.
قال القاضي الحسين: لأنه لا يتقطع عند ملاقاة الماء على الوجه الذي يتقطع عند [إصابة] النجاسة.
قال: والأفضل أن يغسل ثلاثاً؛ لأن ذلك مستحب عند الشك في النجاسة بقوله عليه السلام: "إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ .. " الخبر؛ فذاك مع تحققها أولى، ولا يجب؛ لأنه روى أن ابن عمر قال: كانت الصلاة خمسين، والغسل من الجنابة سبع مرات، وغسل النجاسة سبعاً، فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل حتى جعلت الصلاة خمساً، والغسل من الجنابة مرة، وغسل النجاسة مرة.
قال: وما لا يزول أثره بالغسل- أي: المعتاد- بحيث ينزل الماء بعد الحَتِّ والتحامل صافياً كالدم وغيره إذا غسل وبقي أثره، لم يضره.
التمثيل بالدم يقتضي أن مراده بغيره ما هو مثله مما له لون لا يزول أثره بالغسل، فإن الذي يُبْقي الدم من الأثر بعد الغسل المعتاد إنما هو بقايا اللون، وإذا كان كذلك فوجهه في الدم ما روى أبو هريرة أن خولة بنت حكيم أتت النبي صلى الله عليه وسلم، وقالت: يا رسول الله، إني ليس لي إلا ثوب واحد، وأنا أحيض فيه، فكيف أصنع؟ قال:"إِذا طَهُرْتِ فَاغْسِلِيهِ، ثُمَّ صَلِّي فِيهِ"، قالت: فإن لم يخرج الدم؟ قال: "يَكْفِيكِ المَاءُ لَا يَضُرُّكِ أَثَرُهُ" أخرجه أبو داود، ورواية البخاري ومسلم عن أسماء بنت أبي بكر قالت: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، أرأيت إحدانا إذا أصاب ثوبها دم الحيضة، كيف تصنع؟ قال:"تحته، ثُمَّ تَقْرُصهُ بِالْمَاءِ ثُمَّ تَنْضَحُهُ ثُمَّ تُصَلِّي فِيهِ" وفي رواية: "لِتَقْرصْه، ثُمَّ لتَنضَحْهُ بِمَاءٍ ثُمَّ لتُصَلِّ فِيهِ"، وذلك يدل على المدعي أيضاً؛ إذ لم يفصل بين بقاء لونه بعد ذلك أو لا.
[ثم هذه] الرواية وإن دلت ظاهراً على وجوب الحَتِّ وهو الحك بطرف شيء،
وهو بالتاء ثالثة الحروف، والقرص وهو الدلك بأطراف الأصابع- فالأولى تقتضي حمله على الاستحباب؛ للجمع بينهما، وبعض أصحابنا يحملها على أن الماء كان عندهم قليلاً فأمرها بذلك؛ لتخف النجاسة.
ثم القول باستحباب الحت والقرص منسوب في "الرافعي" إلى معظم الأصحاب، وقال: إنَّ نقل بعضهم يشعر باشتراطه، وهو ظاهر كلام الغزالي.
قلت: وهذا من الرافعي يوهم خلافاً في أنه إذا تأتي [إزالة ذلك] بالحت والقرص، هل يجب أم لا؟ وكلام أبي الطيب وابن الصباغ يوهمه، أيضاً.
وكلام الماوردي يفهم أن محل استحبابه إذا كان أثر النجاسة يزول بدونه، فإن داود يقول: إنه لا يجزئ، ويجب الحت والقرص، [ولعل هذا] هو الأصح، وعليه ينطبق كلام المتولي، بل قال: إذا لم يقدر على إزالة رائحة الخمر إلا [بنوع] معالجة، وجب.
وأعم منه قول القاضي الحسين في باب ما يفسد الماء: إن النجاسة العينية يجب إزالة عينها، فإن لم يذهب الأثر، فعليه أن يغسله بالأشنان وغيره، ويستقصي فيه، فإن لم يذهب فالظاهر أن يكون معفوّاً عنه؛ لقول عائشة:"كنا نغسل الثياب من دم الحيض، ويبقى فيه بقعة أو بقع، فنمسحها بالحناء، ونصلي فيها".
وقد استحب الأصحاب لأجل ذلك لطخ الأثر بالحناء ونحوه.
واقتصر بعض الأصحاب على العفو عن أثر الدم، وقال: لون غيره يدل على بقاء عينه؛ فلا يعفى [عنه].
وفي "الجيلي" حكاية قول عن "اللباب": أنه لا يعفى عن اللون مطلقاً، وهو في "الحاوي" و"التتمة" وجه نسبه الإمام إلى صاحب "التلخيص"، والصحيح العفو عن اللون الذي تعسر إزالته مطلقاً.
وقد أفهم كلام الشيخ- كما قررناه- اختصاص العفو بأثر اللون، وسكت عن ذكر المحل الذي يعفى عنه إذا بقي فيه، والمراوزة قالوا: الطعم لا يعفى عنه بلا خلاف؛ لأنه يدل على بقاء العين [قطعاً] ولا يعسر زواله.
وصور الرافعي ذلك بما إذا دَمِيَتْ لثته أو تنجس فاه بنجاسة أخرى، فغسله، ودام طعم النجاسة فيه.
وأما الرائحة فإن سهل إزالتها فلا يعفى عنها، وإن عسر- كما في بول المُبَرْسَم، والخمر العتيقة- ففي العفو عنها بعد المبالغة قولان: ينظر في أحدهما إلى أن الغالب من الروائح الزوال، والحكم للغالب، وفي الآخر إلى عسر الاستخراج. وهذا ما قال القاضي الحسين: إنه المنصوص، وهو أصح في "النهاية" موجهاً بأن رائحة الخمر الزكية قد تبقى في البيت أياماً بعد نقل ظرفها.
واللون إذا سهل إزالته فلا عفو، وإن عسر كلطخات الدمامل فهو عفوٌ.
وقال القاضي الحسين: يجب أن يرتب على الرائحة، فإن قلنا: بقاء الريح لا عفو عنه، فعند بقاء اللون أولى.
وإن قلنا بالعفو عن الريح، فالعفو عن اللون يحتمل وجهين:
أحدهما: أنه كالريح.
والثاني: لا يعفي عنه. والفرق: أو اللون أقوى؛ لأنه في الحقيقة جزء لطيف من العين؛ فلا يتصور انفكاك اللون عن العين، والريح قد يُنفك عنها بدليل ما ذكرناه في نقل الخمر.
واقتضى كلامهم: أنه لا فرق فيما ذكرناه بين أن يصيب الثوب ويبقى ما ذكرناه فيه، أو يصيب غيره، والقاضي الحسين [صرح] به فيما إذا أصاب الثوب، وقال: إنه لو صبغ الثوب بصبغ نجس، فغسله بالماء وأنعم الغسل، وبقي اللون، قالوا: يحكم بطهارته؛ لأن الماء يقدر على إزالة النجاسة ورفعها، ولا يقدر على قطع الألوان ورفعها من المحالِّ، فإذا أورد الماء عليه، علمنا أن ما [يمر] عليه من النجاسة قد
زالت وإنما بقي [اللون].
قال: ويدل على ذلك: أن الصبغ النجس عند الانفراد إذا غمر بالماء يحكم بطهارته، واللون دائم كما قبل الغسل.
وكذا إذا اختضبت المرأة بالحناء النجس، ثم غسلته يحكم بطهارة المحل وإن بقي اللون؛ لما ذكرناه من المعنى.
وقد ذكر القاضي هذا مرة أخرى في باب الأطعمة.
وقال الإمام هنا فيما إذا صبغ الثوب بصبغ نجس معقود [و] لم ينفصل؛ لانعقاده، وزاد وزن الثوب [به]: الذي يظهر عندي اجتناب مثله، والذي ذكره الأصحاب من العفو عن الأثر أراه إذا لم يقدر له وزن، ويسبق إلى الذهن أنه لون بلا عين وإن كان غير ممكن، ولكن الشرع مبناه على ظواهر الأمور.
قلت: وهذا لعله أقرب، وما ذكره القاضي من الاستشهاد على ما ذكره بأن المرأة إذا اختضبت بالحناء النجس ثم غسلته يحكم بطهارته- فقد قال الماوردي في باب الصلاة بالنجاسة: إنه حكى عن الشافعي- رضي الله عنه: أنه نص عليه؛ لأن اللون عرض والنجاسة لا تخالط [العرض]، وإنما تخالط العين، فإذا زالت العين التي هي محل النجاسة، زالت النجاسة بزوالها.
وقال في باب ما يفسد الماء: إنه لو خضب شعره أو بدنه بخضاب فيه بول أو خمر، ثم غسله، فبقى [لونه] فإن كان الباقي لون النجاسة، فالمحل المخضوب نجس لا يطهر حتى يزول اللون. وإن كان الباقي لون الخضاب فقط، ففي نجاسته وجهان: فإن قلنا بنجاسته، أعاد ما صلاه، وهو عليه بعد زواله.
والعراقيون لم أقف في كلامهم على بقاء الأثر فيما عدا الأرض، وأما في الأرض، فقالوا: إن كان الباقي بعد الغسل لون النجاسة لا يعفى عنه بلا خلاف؛ فإن اللون عرض، والعرض لا يقوم بنفسه، فكان بقاؤه دليلاً على بقاء عينه.
وإن بقي الريح، ففي العفو عنه وجهان في "تعليق" أبي الطيب وقولان منصوصان في "الحاوي"[وغيره]، وعزاهما ابن الصباغ إلى "الأم":
أحدهما: أنه كاللون.
والثاني: [أنه] يطهر؛ لأن الرائحة تتعدى محلها، فعُفِي عنها، كما يعفَى عن تغير الماء بجيفة بقربه، ولا كذلك اللون؛ فإنه لا يتعدى محله؛ فلا يعفى عنه.
والماوردي قال في الأرض ما قاله العراقيون، وقال: إنه لا يعفى عن الريح في الثوب قولاً واحداً؛ لأن حكم النجاسة في الأرض أخف؛ لكونها معدناً للنجاسة.
وأما في الإناء إذا بقيت فيه الرائحة، ففي العفو طريقان:
منهم من قال: هو كالأرض.
ومنهم من قال: يطهر قولاً واحداً؛ لأن بقاء الرائحة [فيه]؛ لطول المكث وكثرة المجاورة.
فإن قُلْتَ: قد رجع حاصل ما نقلته أنه لا يعفى عن اللون في الأرض والثوب والإناء قولاً واحداً، وفي العفو عن الريح ما سلف، وما ذكره الشيخ من المثال كما قررتموه يقتضي العفو عن اللون مطلقاً، وهو مخالف للمنقول.
قُلْتُ: يمكن أن يحمل المنقول على ما إذا بقي لون النجاسة، وهو ظاهر اللفظ، وكلام الشيخ في بقاء أثر اللون لا اللون نفسه؛ فلا منافاة بينهما، والله أعلم.
تنبيه: عدول الشيخ عن قوله: إذا غسل وبقي أثره طهر، إلى قوله:"لم يضر"- يفهم أن المحل لا يطهر، وإنما هو معفو عنه، وهو ما أبداه الرافعي احتمالاً [لنفسه]، وشبهه بالأثر بعد الاستنجاء ودم البراغيث، وأيده بأنه ليس في الأخبار تصريح بالطهارة، وإنما تقتضي العفو والمسامحة.
وقد تعرض في "التتمة" لمثل هذا في الرائحة، فقال: إن قلنا: لا يطهر، فهو معفو عنه، كدم البراغيث، لكن الذي أطلقه الأكثرون القول بالطهارة.
وقال القاضي الحسين: لأنه لو كان نجساً معفوّاً عنه، لكان إذا أصابه بلل تنجس، كمحل الاستنجاء، وها هنا لا يصير نجساً بإصابة البلل؛ لقول عائشة:"فنلطخه بالزعفران ونصلي فيه"، وعلى هذا يكون تقدير كلام الشيخ: لم يضر في منع الحكم
بالطهارة، والله أعلم.
قال: وما غسل به النجاسة- أي: وهو قليل وارد عليها كما تقدم- فهو طاهر، أي: سواء طهر المحل أو لم يطهر؛ لعموم قوله عليه السلام: "خَلَقَ اللهُ المَاءَ طَهُوراً لَا يُنَجِّسُهُ إِلا مَا غَيَّرَ .. " الخبر.
ولأنه لا يمكن حفظه من النجاسة؛ فلم ينجس إلا بالتغير، كالماء الكثير.
و [لأنه] لا ينجس بملاقاة النجاسة قبل الانفصال وفاقاً؛ فوجب أن يكون بعد الانفصال كذلك؛ إذ ليس له بعد الانفصال حال لم يكن عليها قبل الانفصال؛ وهذا ما حكاه في "المهذب" وجهاً عن أبي العباس، و [عن] أبي إسحاق، وكذا أبو الطيب قبله، والماوردي نسبه إلى الداركي وطائفة، وقال في "الوسيط": إنه القديم، وقال القاضي الحسين: القديم أنه طهور، وعليه جرى الرافعي.
وهذا الوجه يعبر عنه بأن حكم الغسالة إذا لم تتغير [كحكمها] قبل الغسل.
وقيل: هو نجس- أي: في الحالين- لأنه ماء قليل لاقته نجاسة فنجسته، كما في غير حالة الإزالة، وهذا وجه في "المهذب" منسوب إلى الأنماطي، وفي "الشامل" وغيره نسبته إليه فيما إذا انفصل وقد طهر المحل، وأنه وجهه بأنا حكمنا بانتقال النجاسة إليه قطعاً.
والقاضي الحسين قال: إنه نقله قولاً.
والإمام قال: إنه خرجه قولاً. أي: في الجديد، كما قال الرافعي.
وهذا الوجه يعبر عنه بأن حكم الغسالة حكم المحل قبل غسله بها، كالماء المستعمل في الحدث، ومنه خرج.
وقيل: إن انفصل وقد طهر المحل فهو طاهر؛ لأنه- عليه السلام أمر بصب ذنوب على بول الأعرابي في المسجد، ولو لم تكن الغسالة طاهرة، لما أمر بذلك؛ لأن فيه تكثيراً للنجاسة في المسجد.
وإن انفصل ولم يطهر المحل فهو نجس؛ لأن المنفصل جزء من المتصل، والمتصل نجس، فكذا المنفصل.
وهذا وجه حكاه في "المهذب" عن ابن القاص، والماوردي نسبه إلى أبي إسحاق وجمهور الأصحاب، وصححه في "التتمة".
وابن الصباغ والبندنيجي قالا: إنه ظاهر قوله- أي: الشافعي-[في "أحكام القرآن"، ولا جرم قال الإمام: إنه نص عليه، وأبو الطيب: إنه المذهب، والغزالي] والرافعي: إنه الجديد، ويعبر عنه بأن حكم الغسالة حكم المحل بعد الغسل.
وأثر الخلاف يظهر فيما لو وقع من غسلة من غسلات الكلب شيءٌ على شيء طاهر، هل يجب غسله أم لا؟ وماذا يغسل؟
فإن قلنا بالأول، فالمشهور: أنه لا يجب غسله؛ لأن غسل الطاهر لا يلزم.
وفي "الحاوي" حكاية وجه آخر: أنه يجب؛ لما يعلق عليه من حكم الولوغ المستحق للغسل؛ وعلى هذا في قدر غسله وجهان:
أحدهما: مرة.
والثاني: بعدد ما بقي، كما سنصفه.
وإن قلنا بالثاني، ينظر:
فإن كان الواقع من [الغسلة] الأولى غسله سبعاً، إحداهن بالتراب.
وإن كان من الثانية، فستّاً.
وإن كان من الثالثة، فخمساً، وهكذا.
ثم إن كان التعفير وجد فيما قبل الغسلة التي الماءُ الواقع منها، لم يحتج إليه، وإلا فلابد منه.
وإن قلنا بالثالث: فإن كان الواقع من الأولى [غسله] ستّاً.
[وإن كان من الثانية، فخمساً].
وإن كان من الثالثة، فأربعاً، وهكذا.
اللهم إلا أن يكون من السابعة، فإنه لا يوجب الغسل؛ لأن المحل بعده طاهر، كذا
صرح به الإمام وأبو الطيب، وقال: إنه المذهب.
وحكم التعفير كما سلف.
وقال الماوردي فيما إذا كان من السابعة- والتفريع على ما ذكرناه-: يجب أن يغسل مرة أيضاً، ويكون حكم الولوغ ساقطاً، وحكم النجاسة باقياً.
وحكى هو وغيره من أهل الفريقين وجهاً آخر: أنه يجب غسله مرة واحدة من أي غسلة وقع؛ لأن كل غسلة ترفع سُبع النجاسة، فلزم غسل ما أصابته مرة.
أما إذا غسلت النجاسة بالماء الكثير، ولم يتغير، فهو طاهر بلا خلاف.
وإن كان بماء قليل، وقد وردت النجاسة [عليه]، فحكمه قد سلف.
وإن كان الغسل بماء قليل ورد على النجاسة، وانفصل متغيراً فهو نجس بلا خلاف.
وفي الحكم بطهارة المحل إذا لم يبق للنجاسة أثر فيه وجهان في "تعليق" القاضي الحسين، وأصحهما في "التتمة": الحكم بالنجاسة، وهو ما اقتضاه كلام ابن الصباغ؛ لأنه شرط في طهارة المحل مع ما ذكرناه انفصال الماء [غير متغير].
وألحق القاضي الحسين والمتولي بهذه الحالة ما إذا انفصل الماء غير متغير، لكن زاد وزنه، فيكون الماء نجساً، وفي طهارة المحل الوجهان، صرح بهما في "التتمة".
فروع:
إذا حكمنا بطهارة الغسالة لا يجوز استعمالها في إزالة نجاسة أخرى على الجديد، وبه جزم البندنيجي والإمام هنا، وفي جواز استعمالها في رفع الحدث وجهان: أصحهما: لا، وقال البندنيجي: إنه المذهب.
وإذا حكمنا بنجاسة الغسالة إذا لم يطهر المحل، فلو لم تحصل الطهارة إلا بمجموع غسلات، فما عدا الأخيرة نجس، ولو خلط الجميع، ولم يبلغ قلتين وهو غير متغير- فوجهان:
أحدهما- وهو الأصح في "الشامل"، والمذهب في "تعليق" أبي الطيب،
والمختار في "المرشد": أنه نجس؛ لأنه ماء قليل خالط ماء نجساً.
والثاني: أنه طاهر؛ لأن جميع الغسلات في حكم غسلة واحدة؛ إذ بمجموعها طهر المحل.
وهكذا الحكم فيما لو جمعت الغسلات من ولوغ الكلب وهي غير متغيرة.
ولو بلغ مجموع الغسلات قلتين طهر، سواء كان من غسالة كلب أو غيرها.
وفي "الكافي" وجه: أن غسالة الكلب لا تطهر وإذا بلغت حد الكثرة.
والأصح الأول.
والخلاف المذكور فيما إذا خلط ما حكمناه بطهارته ونجاسته من الغسالة جَارٍ فيما لو كان في الإناء بول أو ماء نجس فغمره بماء طهور حتى زال أثر النجاسة، هل يطهر الإناء وما فيه أو لا؟
قال أبو علي في "الإفصاح": إن الأشبه بمذهب الشافعي الطهارة. وفي "النهاية" نسبة هذا إلى ابن سريج وأن الشيخ أبا علي قال: هذا منه تفريع على أن العصر لا يجب، ولا يشترط غزالة الغسالة، فأما إذا شرطنا ذلك فهو غير ممكن؛ فإن الوارد لا يتميز عن المورود عليه، فالكل نجس.
قال الإمام: وهذا عندي- إن صح النقل- من هفوات ابن سريج، ثم قال ابن سريج: ينبغي أن يكون الوارد أكثر من المورود عليه، حتى يحصل الغسل بهذه الجهة، وكلام الأصحاب السالف لا يقتضي ذلك.
***