الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب صلاة الكسوف
الكسوف، والخسوف: هل هما مترادفان أو لا؟ فيه اختلاف بين أهل اللغة:
وبالأول قال الأزهري، فقال: كسفت الشمس والقمر؛ إذا ذهب ضوءهما، وانكسفا، وخسف [الشمس و] القمر، وخسفا [و] انخسفا.
وهذا القول هو الذي نطق به الخبر كما ستعرفه، ولم يحك البندنيجي غيره، وقال:[إن] لأهل اللغة في معنى ذلك قولين:
قال الفراء وغيره: كسفت، معناه: نقص ضوءها.
وقال آخرون: الكسوف: التغطية، فقولهم: كسفت الشمس، أي: حال دون ضوئها حائل.
والقول الثاني: أنهما متغايران: فالكسوف للشمس، والخسوف للقمر. قال الجوهري: وهو الصحيح.
فعلى الأوّل: يكون الشيخ قد بوب على الكسوفين.
وعلى الثاني يكون التبويب على كسوف الشمس، وإن كان قد أودع في الباب الكسوف والخسوف، [وخص الشمس بالذكر؛ لأنها أبهر النيرين.
وقد قيل: الكسوف في أول ذهاب الضوء، والخسوف في] آخره إذا اشتد ذهاب الضوء.
وأصل الكسوف التغير، يقال: كسف حال فلان؛ إذا تغير.
والأصل في مشروعيتها- قبل الإجماع- من الكتاب: قوله تعالى: {لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ} [فصلت: 37] أي: عند كسوفهما؛ لأنه أرجح من احتمال أن المراد النهي عن عبادتهما؛ لأنهم كانوا يعبدون الأصنام والأزلام والشمس؛ فلا معنى للنهي عن عبادة الشمس [والقمر دون غيرهما من المعبودات.
ومن السنة: ما روى مسلم عن جابر بن عبد الله قال: انكسفت الشمس] على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مات إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الناس: إنما انكسفت لموت إبراهيم؛ فقام النبي صلى الله عليه وسلم فصلى بالناس .. وساق الخبر إلى أن قال: فقال: "يأيها النَّاس، إنَّما الشَّمس والقمر آيتان من آيات الله، وإنَّهما لا ينكسفان لموت أحدٍ من النَّاس؛ فإذا رأيتم شيئاً من ذلك فصلُّوا حتَّى تنجلي".
وروى- أيضاً- عن عائشة، قالت: "خسفت الشمس في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم [فقام]، وكبر، وصفَّ الناس وراءه
…
" وساقت الحديث كما سنذكر تتمته في موضعها إلى أن [قالت: ثم] قال: "إنَّ الشَّمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحدٍ ولا لحياته، فإذا رأيتموها فافزعوا إلى الصَّلاة"، وقال- أيضاً-: "فصلُّوا حتَّى يفرّج الله عنكم".
قال بعضهم: وإنما قال- عليه السلام: "لا يكسفان لموت أحدٍ"؛ قطعاً لأوهام الناس؛ فإن الشمس- على رأي المنجمين- لا تكسف إلا في الثامن والعشرين إن كان الشهر ناقصاً، أو في التاسع والعشرين إن كان الشهر تامّاً، فلما انكسفت في يوم مات إبراهيم- وهو العاشر من ربيع الأول؛ كما رواه الزبير بن بكار في كتاب "الأنساب"، وروى البيهقي مثله عن الواقدي، وقيل: بل كان في العاشر من شهر رمضان، وقيل: بل في الثالث عشر من ربيع الأول، وقيل: بل في الرابع عشر منه في سنة عشر من الهجرة- قال الناس: إنما انكسفت لموته؛ فرفع إشكالهم بذلك.
وقد جاء في الحديث ما يقرب من ذلك، وهو ما روى النسائي عن النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إنَّ ناساً يزعمون أنَّ الشَّمس والقمر لا ينكسفان إلا لموت عظيمٍ من العظماء، إنَّ الشَّمس والقمر لا ينكسفان لموت أحدٍ ولا لحياته، ولكنَّهما آيتان من آيات الله، والله تعالى إذا تجلَّى لشيءٍ من خلقه خشع له؛ فإذا رأيتم ذلك فصلُّوا كأحدث صلاةٍ صلَّيتموها من المكتوبة". قال عبد الحق: لكن قد اختلف في إسناده.
قال: وهي سنة؛ لما تقدم من قوله- عليه السلام للأعرابي: "خمس صلواتٍ كتبهنَّ الله على العبد في اليوم واللَّيلة" قال: هل علي غيرها؟ قال: "لا إلا أن تطوَّع".
ولأنها صلاة ذات ركوع وسجود، لم يسن لها الأذان بوجه؛ فلم تكن واجبة بأصل الشرع كسائر النوافل.
قال: مؤكدة، أي: بمشروعية الجماعة فيها؛ كما شرعت في الفرائض؛ وذلك يدل على تأكدها.
وفي "الحاوي" عند الكلام في صلاة التطوع حكاية وجه: أنها فرض على الكفاية، وهو يوجد في كلام غيره.
وقال الجيلي: إن الخفاف ذكره في "الخصال".
ثم المخاطب بها: كل من وجبت عليه الصلوات الخمس من الرجال والنساء والأحرار والعبيد، وكل أحدٍ، مسافراً كان أو حاضراً، منفرداً كان أو في جماعة، وسواء صلاها الإمام أو تركها، فإن خرج صلوا معه، وإن لم يخرج طلبوا من يصليها، فإن لم يجدوا، أو وجدوا وخافوا إنكار الإمام- صلوا فرادى؛ قاله البندنيجي.
قال: ووقتها- أي: ووقت الصلاة-: من حين الكسوف إلى حين التجلي؛ لقوله- عليه السلام في حديث جابر: "فإذا رأيتم شيئاً من ذلك فصلُّوا حتَّى تنجلي"، فجعل الانكساف سببها، والانجلاء غايتها، وذلك يفيد التأقيت.
والمراد بالانجلاء: انجلاء جميع ما كسف، فلو انجلى بعض ما انكسف، فالوقت باقٍ إلى أن ينجلي الجميع؛ لأن ذلك البعض لو انكسف لا غير شرعت له الصلاة.
ولا فرق في ذلك بين أن يحصل ذلك في الأوقات المكروهة أو لا؛ لأن لها سبباً، والمعروف من مذهبنا: أن ما له سبب من النوافل التي وقتها مضيق لا يكره
في الأوقات المكروهة، وخالف صلاة العيد والاستسقاء [على رأي تقدم] لأن وقتهما متسع.
قال: فإن فاتت، أي: بالانجلاء، لم تقض، لأن المعنى الذي شرعت الصلاة لأجله قد زال؛ فزالت بزوال سببها، مع أن القضاء إنما يجب بأمرٍ جديد، ولم يوجد، بل مفهوم الموجود دال على المنع.
ولأن المقضي من النوافل المؤقتة ما يتقرب به ابتداء؛ كما قاله صاحب "التقريب" وغيره، وهذه لا يتقرب بها ابتداء.
قال: والسنة أن يغتسل لها؛ لأنها صلاة شرع فيها الاجتماع؛ فسن فيها الاغتسال؛ كالجمعة.
قال: وأن تقام في جماعة، أي: والسنة أن تقام في جماعة؛ لقول عائشة في الخبر السابق: "فقام فكبَّر وصفَّ النَّاس وراءه"، وما سنذكره في الفصل بعده من روايتها يشهد لذلك أيضاً.
وحكى الإمام عن رواية الصيدلاني: أن من أئمتنا من خرج في صلاة الخسوف وجهاً: أن الجماعة شرط فيها كالجمعة، وقد مضى في صلاة العيد قول على هذا الوجه.
قال الرافعي: ولم أجده في كتابه هكذا، لكن قال: خرج أصحابنا وجهين في أنها هل تصلى في كل مسجد أو لا تكون إلا في جماعة واحدة؟ كالقولين في العيد.
قال: حيث تصلى الجمعة؛ لأنه- عليه السلام فعلها حيث كان يفعل الجمعة، وهو المسجد.
قال أبو موسى الأشعري: "كسفت الشمس في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام فزعاً يخشى أن تكون الساعة، حتى أتى المسجد، فقام يصلي بأطول قيام وركوع وسجود، ما رأيته يفعل في صلاة قط! " أخرجه مسلم.
وخالف صلاة العيد [والاستسقاء]؛ لأن مقصود العيد إظهار الزينة، وفي الاستسقاء رؤية مبادئ الغيث، فيتعجل السرور، وذلك لا يمكن تحصيله في المسجد.
ولأن وقتها متسع؛ فلا يخشى فواتها بالخروج إلى الصحراء، بخلاف الكسوف.
ويختص باستحباب حضورها- حيث تصلى الجمعة- الرجال، وكذا العجائز وغير ذوات الهيئات.
قال الشافعي في "الأم": "ولا أكره لمن لا هيئة لها من النساء، ولا العجوز، ولا الصبية- شهودها مع الإمام، بل أحبها لهن، وأحب إليَّ لذوات الهيئات أن تصليها في بيتها".
قال: وينادى لها: الصلاة جامعة؛ لما روى مسلم عن عائشة قالت: "كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث رجلاً، فنادى: الصلاة جامعة؛ فاجتمع الناس .. "، وذكرت من صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما سنذكره.
قال: وهي ركعتان، في كل ركعة قيامان، وقراءتان، وركوعان، وسجودان؛ لما روى الدارقطني عن عائشة- رضي الله عنها أنها قالت:" [إن رسول الله صلى الله عليه وسلم] كان يصلي في كسوف الشمس والقمر [أربع ركعات] وأربع سجدات يقرأ في الأولى بالعنكبوت أو الروم، وفي الثانية بياسين"؛ حكاه [عنه]
عبد الحق، ولم يتعرض فيه.
ورواية مسلم عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم جهر في صلاة الكسوف بقراءتها، فصلى أربع ركعات في ركعتين، وأربع سجدات.
ومراد الشيخ بالقراءتين: قراءة الفاتحة مرتين لا غير.
ثم اعلم أن قول الشيخ: "وهي ركعتان .. " إلى آخر الفصل، يحتمل: أن يكون أراد به: بيان أكملها في [الأفعال، وإلا فأقلها ركعتان كركعتي الجمعة.
ويحتمل: أن يكون أراد به بيان أقلها في الأفعال] والأقوال.
وأكملها: إضافة ما سنذكره من القراءة والذكر إلى ذلك.
وكلام الأصحاب مختلف:
فمنهم من يميل كلامه إلى الأول.
ومنهم من يفهم كلامه الثاني.
فممن مال كلامه إلى الأول: القاضي [أبو الطيب]، وابن الصباغ، وكذا الماوردي؛ فإنهم حكوا عن أبي حنيفة أنه قال: هي ركعتان كالجمعة؛ لما روي أنه- عليه السلام صلاها ركعتين كما يصلون الجمعة. أخرجه النسائي عن رواية أبي بكرة.
وروى أنه- عليه السلام لما انكسفت الشمس، جعل يصلي ركعتين ركعتين، ويسأل عنها حتى انجلت. أخرجه أبو داود عن النعمان بن بشير.
وروي أنه- عليه السلام قال: "إذا رأيتم ذلك فصلُّوا كأحدث صلاةٍ صلَّيتموها من المكتوبة".
وقالوا في الرد عليه: إن ما صرنا إليه أولى؛ لما ذكرناه من الأخبار؛ فإنها أكثر رواة، وفيها زيادة، وعليها عمل الأئمة وأهل الأمصار. على أنا نحمل ما استدل به على الجواز، ونحمل أخبارنا على الاستحباب.
فقولهم: "نحمل ما ذكره على الجواز" دليل ظاهر على ما ذكرناه.
وممن [أفهم] كلامه الثاني: البندنيجي؛ فإنه قال بعد ذكر ما يقرأ فيها: "ويأتي به مع التسبيح؛ قال في "الأم": وإذا جاوز هذا في بعض، وقصر عنه في بعض، أو جاوزه في كل، أو قصر عنه في كل إذا لم يدع أم القرآن في كل قيام- أجزأه، فإن ترك أم القرآن في ركعة من صلاة الكسوف في القيام الأول أو الثاني- لم يعتد بتلك الركعة، وصلى ركعة أخرى، وسجد سجدتين للسهو؛ كما لو ترك أم القرآن من ركعة من صلاة الفجر ساهياً". ثم أيد ذلك بأن من لم يدرك مع الإمام إلا الركعة الثانية: فإن كان الخسوف باقياً، أتى بركعة على التمام، وإن كان قد تجلى خفف، ولا يكون التخفيف فيها في نقصان عدد الركوع، وإنما التخفيف في القراءة لا غير.
وقد صرح الغزالي وإمامه وغيرهما من المراوزة بأن ذلك بيان أقلها، إلا القاضي الحسين؛ فإن عنده وقفة فيه؛ فإن في "تعليقه" [أنه سئل] فيمن ترك قومةً وركوعها عامداً: هل تبطل صلاته؟ وناسياً ثم تذكر: هل يعود إليه؟ ولو لم يعد: هل يلزمه سجود السهو؟ فكان يتفكر فيه.
[وقال] في "الذخائر" ومن بعده: إنه أجاب فيما إذا ترك ذلك عامداً ببطلان الصلاة. وإن الشاشي قال: وفيه نظر؛ فإن صح هذا عنه، لم يحتج إلى استثناء.
ثم قضية كون ذلك بياناً لأقلها لا كلِّها ألا تجوز الزيادة فيها، سواء دام الكسوف أو لا، ولا ينقص عنها سواء وجد الانجلاء وهو في القيام الأول أو لا.
ولا خلاف في المذهب في أنه لا يجوز أن يزاد فيها على ركعتين، ولا أن يجوز الاقتصار فيها على ركعة كيف كان الحال. نعم، هل يجوز أن يزيد في كلٍّ من الركعتين قياماً وركوعاً، أو أكثر من ذلك عند دوام الكسوف أو لا؟ فيه وجهان:
أحدهما- يجوز، وهو ما حكاه القاضي أبو الطيب عن أبي إسحاق، والرافعي عن ابن خزيمة، وأبي سليمان الخطابي وأبي بكر الصيمري من أصحابنا؛ لأنه روي أنه- عليه السلام صلى بالناس ست ركعات في أربع سجدات، كما أخرجه مسلم عن جابر.
وروي أنه- عليه السلام صلى [حين خسفت الشمس] ثماني ركعات في أربع سجدات، [كما] أخرجه مسلم عن ابن عباس.
وروي أنه- عليه السلام صلى عشر ركعات في أربع سجدات، كما أخرجه النسائي عن عائشة.
وروى أبو داود عن أبي بن كعب نحوه.
ولا وجه للجمع بين الأحاديث إلا حمل ما ذكرناه أولاً على حالة الانجلاء، وما ذكرناه ها هنا على حالة دوام الكسوف.
والثاني: لا يجوز ذلك؛ لأن الزيادة على أركان الصلاة ممنوعة في الشرع، وفي تجويز الزيادة ما يخالف هذا.
قال في "الوسيط": وهذا هو القياس إن لم يصح الخبر، وقد صح الخبر؛ فمقتضى قوله أن يكون الصحيح الأول، وهو قضية قول الشافعي:"إذا صح الحديث فاضربوا [بمذهبي] عرض الحائط".
لكن الذي صححه [الفوراني والإمام] والمسعودي: الثاني، وهو مذهب ابن عباس.
وأجابوا عن [الأحاديث الواردة] في الزيادة: بأن الخصم- وهو أبو حنيفة وافقنا على [أن] الزيادة على [القيامين] في كل ركعة منسوخة؛ إذ هو يقول: إن هذه الصلاة كسائر الصلوات؛ لما تقدم، وبقي الباقي على ظاهره.
وقد قال القاضي الحسين: إن الوجهين في المسألة أخذا من قولين حكاهما [عني الشافعي فيما إذا فرغ من الصلاة على النعت الذي ذكرناه أولاً، ولم ينجل الخسوف: هل يستأنف صلاة أخرى أم لا؟ والذي أورده العراقيون
منهما؛ وحكوه عن نصه في "الأم": المنع؛ إذ لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ذلك.
وغير القاضي من المراوزة حكى الخلاف في هذه المسألة وجهين، وأنهما مخرجان من المسألة قبلها:
فإن قلنا: يجوز زيادة القيام والركوع، جاز أن ينشئ صلاة أخرى، وإلا فلا.
ولو انجلى الكسوف بجملته، وهو في القيام الأوّل من الركعة الأولى أو الثانية: فهل له أن يقتصر على قيام واحد وركوع واحد في كل ركعة كغيرها من الصلوات؟ فيه وجهان مخرجان- كما قال القاضي الحسين- من القولين اللذين حكاهما في المسألة قبلها.
وغيره قال: إنهما مخرجان من مسألة الزيادة في القيام والركوع، فإن قلنا [ثم: تجوز] الزيادة، جاز هنا النقص، وإلا فلا.
وقضية البناء: أن يكون الصحيح المنع، وهو ما حكيناه عن البندنيجي من قبل، لكن في "الحلية": أن الصحيح في هذه الصورة الجواز، وإليه يرشد قول الماوردي: إنا نحمل ما ورد من أنه- عليه السلام كان يصليها ركعتين [ركعتين] على حالة الانجلاء.
فرع: إذا أدرك المسبوق الإمام في الركوع الثاني من الركعة الأولى، لا يكون مدركاً لتلك الركعة؛ لأنه لم يدرك معظمها؛ فإن الركوع الثاني تبع للأول؛ كما قاله القفال، وهذا ما نص عليه في "البويطي"، ولم يحك العراقيون غيره.
ووجهه ابن الصباغ بأن الإمام إنما ينوب عنه في القراءة خاصة، ولا ينوب عنه في فعل الركوع.
ولأن الركوعين بمنزلة السجدتين في هذه الركعة، أي: فلا يقبلان الانفصال.
وحكى الفوراني عن صاحب "التقريب" أنه قال: هذا غلط؛ بل يكون مدركاً لتلك الركعة؛ ولأجل هذا حكى ابن يونس في المسألة قولين، [لكن] الذي حكاه القاضي الحسين والإمام عن صاحب "التقريب": أنه يكون مدركاً لذلك
الركوع والقومة التي قبله؛ فيقوم عند التدارك، ويصلي ركعة بقومةٍ وركوع.
وقال الرافعي: إن صاحب "التقريب" حكى ذلك قولاً في المسألة.
قال الإمام: وإذا جعله مدركاً لذلك، فلا شك أنه يجعله بما ذكرناه مدركاً للسجدتين بعد الركوع ويحسبهما له؛ فإنه أتى بهما مع الإمام بعد ركوع محسوب، وإذا أثر إدراك الركوع في الحكم بإدراك ما قبله من القيام فما بعده أولى.
فعلى هذا: لا يأتي بالسجدتين مرة أخرى، لكن يأتي بقيام وركوع فحسب، وهذا مخالف لنظم كل صلاة.
وفيه شيء آخر: وهو أنه جعله مدركاً- بإدراك الركوع الثاني- القومة قبله، ثم إنه يأمره بالاعتدال وهو بعض من القومة التي جعله مدركاً لها، ثم أمره بالعود إليها، ولو قال: يركع في استدراك، ثم يجلس عن ركوع من غير اعتدال- لكان هذا مخالفاً لقاعدة المذهب، وليست على تحقيق وفقه في أنه هل يؤمر بالاعتدال عن الركوع أم يجوز الجلوس عن هيئة الركوع من غير اعتدال؟ والظاهر أنه يأمره بالاعتدال ثم بالجلوس عنه.
قال: ويستحب أن يقرأ في القيام الأول بعد الفاتحة- أي: وسوابقها من دعاء الاستفتاح والتعوذ- سورة طويلة كالبقرة.
الكاف في [قول الشيخ]: "كالبقرة"، يجوز أن تكون زائدة؛ كما قيل في قوله تعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11]، [و] التقدير: ويستحب أن يقرأ في القيام الأول سورة البقرة.
ويحتمل أن تبقى على بابها ويكون مراده بالسورة: القطعة من القرآن؛ كما قيل في قوله تعالى: {وَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ} [التوبة: 86]؛ فيكون تقدير كلامه: ويستحب أن يقرأ في القيام الأول قطعة من القرآن: كالبقرة إن كان يحسنها، أو بقدرها إن كان لا يحسنها.
وعلى هذا التقدير- إن كان هو المراد- يكون موافقاً للنص؛ فإن الشافعي قال: "يقرأ في الأولى البقرة إن كان يحسنها، أو مقدارها من القرآن إن كان
لا يحسنها، ولا خلاف فيه".
ووجهه: ما روى أبي بن كعب، قال: انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم، فقرأ سورة من الطُّول، وركع"، والطُّول: سبع سور، أولها: البقرة، [وتعيَّن لرواية مسلم عن ابن عباس أنه- عليه السلام قام في الأولى قياماً طويلاً قدر سورة البقرة].
وروي عن عائشة أنها قالت: "حزرت قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم الأول بقدر سورة البقرة، والثاني بقدر سورة آل عمران، والثالث بقدر سورة النساء، والرابع بقدر المائدة".
قال: ثم يركع، ويدعو بقدر مائة آية- أي: من البقرة- ثم يرفع ويقرأ بعد الفاتحة- أي: والتعوذ قبلها، على أحد الوجهين في "الحاوي"- بقدر آل عمران، أي: إن كان لا يحسنها، أو بها إن كان يحسنها كما حكاه البويطي عن النص.
ثم يركع ويدعو بقدر تسعين آية- أي: من البقرة- ثم يسجد كما يسجد في غيرها، ثم يقوم إلى الثانية، فيقرأ بعد الفاتحة- أي: والتعوذ، على أحد الوجهين- نحواً [من] مائة وخمسين آية- أي: من البقرة- ثم يركع ويدعو بقدر سبعين آية، أي من سورة البقرة، [ثم يرفع فيقرأ بعد الفاتحة- أي
والتعوذ، على أحد الوجهين- نحواً من مائة آية من سورة البقرة]، ثم يركع ويدعو بقدر خمسين آية- أي من البقرة ثم يسجد كما يسجد في غيرها.
[و] الأصل في استحباب ذلك: ما رواه مسلم في تتمة حديث عائشة السابق: فقام وكبر وصف الناس وراءه، فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم قراءة طويلة، ثم كبر وركع ركوعاً طويلاً، ثم رفع رأسه فقال:"سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد". ثم قام فقرأ قراءة طويلة هي أدنى من القراءة الأولى، ثم كبر فركع ركوعاً طويلاً هو أدنى من الركوع الأول، ثم رفع رأسه، فقال:"سمع الله لمن حمده، ربَّنا ولك الحمد"، ثم سجد، ثم فعل في الركعة الأخيرة مثل ذلك، حتى استكمل أربع ركعات وأربع سجدات، وانجلت الشمس قبل أن ينصرف.
فاستنبط الأصحاب منه ما ذكرناه.
وقال في "الحاوي": إن ابن عباس روى ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا إطالة الركوع الثاني؛ فإنه روى أنه أطاله بقدر ثمانين آية، وإن صح ذلك فهو الغاية القصوى، وإن لم يصح فيمكن أن يستنبط من حديث عائشة الدلالة على المدعي في أمر القراءة؛ لأنها أثبتت أن القراءة في كل قيام دون القراءة فيما قبله.
والسنة: أن يأتي في القراءة في الصلاة بسورة كاملة لا ببعض سورة، وأن تكون السورة التي تقرأ في الركعة الثانية تلي السورة التي تقرأ في الركعة قبلها- أو بعدها-[وقد بينا] أنه يقرأ في القومة الأولى البقرة؛ فيلزمه على مساق ما قررناه أن يكون المقروء في القومة الثانية "آل عمران" أو قدرها؛ لأنها تليها وتقاربها في عدد الآي؛ فإن عدد آيها مائتا آية، وإن كانت آي البقرة أطول، ويكون المقروء في القومة الثالثة وهي الأولى في الركعة الثانية:"النساء" أو قدرها؛ لأن عدد آيها مائة وخمس وسبعون آية، وهي تقارب مائة وخمسين آية من البقرة، ويكون المقروء في القومة الرابعة:"المائدة"؛ لأن عدد آيها مائة وثلاث
وعشرون آية، وهي تداني مائة آية من البقرة؛ لطول آيها.
واعلم أن ما ذكره الشيخ هو ما نص عليه في "المختصر" إلا قوله: إنه يقرأ في القيام الثاني بقدر "آل عمران"؛ فإن المزني لم ينقل ذلك، بل قال: إنه يقرأ فيها بقدر مائتي آية من البقرة.
والتقدير بقدر آل عمران هو ما أورده البويطي كما [نبهت عليه، وقال:] إنه يقرأ في القيام الأول من الركعة الثانية: "النساء"، وفي القيام الثاني مها:"المائدة"، كما تقدم.
وما ذكره في الأربع قومات هو ما أورده الإمام لا غير عن الشافعي، واقتصر الفوراني على إيراده، وكذا الغزالي، [وقال أبو الطيب: إنه منصوص في "الإملاء"]، وإن الأظهر من المذهب: الأوّل. وهذا منه مؤذنٌ بإثبات ذلك خلافاً في المسألة، وقد قال البندنيجي: إن هذا ليس اختلاف قول؛ فإن الكل قريب من قريب. وكذا قاله غيره.
وقول الشيخ: "ثم يركع ويدعو بقدر كذا"، أراد بالدعاء ها هنا: التسبيح، لا حقيقةً؛ فإن [التسبيح] نص عليه في "المختصر" وغيره، ولم يحك الأصحاب غيره.
والشيخ اقتفى في ذلك أثر النبي صلى الله عليه وسلم فإنه قال: "أفضل الدُّعاء: سبحان الله، والحمد لله".
وعلى مثل ذلك جرى الشيخ في كتاب الحج حيث قال: "ويكثر من الدعاء، ويكون أكثر قوله: لا إله إلا الله".
وقد وقع الاختلاف بين الأصحاب في أربعة أمور:
أحدها: أن الركوع من الركعة الأولى يكون بقدر نصف القيام قبله، قال الفوراني: وذلك يقتضي أن يكون بقدر مائة وأربعين آية من البقرة، [أو مائة
وخمسين من غيرها.
والمنصوص في "المختصر": أنه بقدر مائة آية من البقرة؛] كما ذكره الشيخ، وهو المشهور.
الثاني- قال المزني في "المختصر": إن الركوع الثاني من الركعة الأولى بقدر ما يلي ركوعه الأول ثم يرفع.
قال البندنيجي: وذلك من ثمانين إلى تسعين آية.
وعن أبي القاسم الأنماطي: أن المزني قال: هكذا كان في كتابٍ، وهو غلط؛ وإنما هو بقدر ثلثي ركوعه.
وقد أشار إلى هذه الحكاية عن المزني القاضي أبو الطيب، واستأنس في ذلك بقوله في "الأم": يسبح بقدر ثلثي ركوعه الأول.
قلت: ويقويه: أن القراءة في القيام الثاني بـ "آل عمران" أو قدرها؛ كما نص عليه في "الإملاء"، وحكاه البويطي، وذلك [مائتا آية]؛ فهو ثلثا ما يقرأ في القيام الأول منها؛ لأنه يقرأ فيه البقرة، وهي مائتان وثمانون آية، أو قدرها وهو ثلاثمائة آية من غيرها؛ كما قاله القاضي الحسين والبغوي، وإذا كان كذلك، وجب أن يكون إطالة الركوع الثاني من الركعة الأولى بقدر ثلثي الإطالة في الركوع الأول منها؛ لأن الخبر قد اقتضى أن القراءة الثانية دون ما قبلها، والركوع الثاني دون ما قبله، وقد جعل التفاوت بين القراءتين بالثلث؛ فكذلك يكون بين الركوعين بالثلث.
لكن البندنيجي قال: إن المذهب الأول بلا خلاف بين أصحابنا.
وزاد القاضي الحسين عليه، فقال: قال أصحابنا: الصحيح: ما نقله المزني في "المختصر"، وما نقله الربيع تصحيف وقع من الكاتب أو منه؛ كما قال الإمام، وادّعى اتفاق الأئمة عليه؛ لأن ركوعه الأول بقدر مائة آية، وثلثاه ستة وستون آية وثلثا آية، فلو صرنا إلى ما قاله لأدّى إلى أن يكون ركوعه الثاني من الركعة الأولى أقصر من ركوعه الأول في الركعة الثانية، وهو خلاف السنة؛ لأن المتأخر يكون أقصر من المتقدم.
وفي "الإبانة": أن ركوعه الثاني من الركعة الأولى يكون بقدر نصف ركوعه الأول، وذلك يقتضي أن يكون بقدر سبعين آية من البقرة؛ لأن مذهبه- كما قدمته- أن ركوعه الأول [يكون] بقدر مائة وأربعين آية منها.
وجزم الماوردي والغزالي في "الوسيط" القول بأنه يكون قدر ثمانين آية، وهو ما حكاه الإمام عن صاحب "التقريب"، وابن يونس عن الشيخ أبي حامد والجويني.
الثالث- قال صاحب "الإفصاح": إن الركوع الأول من الركعة الثانية يكون بقدر خمس وسبعين آية. فإن أراد من البقرة، كان مخالفاً لما ذكره الشيخ والجمهور، وإن أراد من غير البقرة كان موافقاً لهم؛ لأن البقرة مائتان وثمانون آية تعدل ثلاثمائة آية من غيرها كما تقدم؛ فالسبعون آية منها تساوي خمساً وسبعين من غيرها، والله أعلم.
الرابع- السجود: قال البويطي: إنه يطيل السجدتين بقدر الركوع. وأراد أن السجدتين بقدر الركوع. وأراد أن السجدتين من كل ركعة يكون قدرهما قدر الركوعين منها؛ كذا أفهمه كلام البندنيجي وغيره.
ويحكى عن الشيخ أبي محمد القطع به، وهو اختيار الروياني في "الحلية".
ويقال: إن أبا عيسى الترمذي نقله في "جامعه" عن الشافعي، لكن في "المهذب": أنه قول ابن سريج، وأنه ليس بشيء؛ لأنه لم ينقل ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والباب باب توقيف، وبالقياس على التشهد والجلوس بين السجدتين.
وقد ختار بعض المتأخرين ما قاله البويطي، وهو الذي صححه في "الروضة"؛ لأنه ثبت في إطالته أحاديث كثيرة في "الصحيحين" عن جماعة من الصحابة:
فروى ابن عمرو: أنه سجد، فلم يكد يرفع. أخرجه أبو داود.
وروت عائشة: أنه سجد سجوداً طويلاً، وقالت في سجوده الثاني:"ثم سجد سجوداً طويلاً دون السجود الأول". [أخرجه البخاري.
وروى جابر: "وسجوده نحو من ركوعه" أخرجه مسلم.
وعلى هذا قال في "الروضة": فالمختار أن يكون السجود الأول كالركوع الأول]، والسجود الثاني كالركوع الثاني.
وقد أفهم كلام الأصحاب: أنه لا يطيل الجلسة بين السجدتين، ونقل الغزالي الاتفاق على ذلك، وقد صح في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص:"أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد فلم يكد يرفع، ثم رفع فلم يكد يسجد، ثم سجد فلم يكد يرفع، ثم فعل في الركعة الأخرى مثل ذلك".
وقضية قول الشافعي: "ما صح الحديث فهو قولي"، أن يكون هذا مذهبه.
وحكى في "الذخائر" عن بعض الأصحاب احتمالاً في إطالة الجلوس بين السجدتين؛ لأن حديث ابن عباس تضمن تطويله، وكذا إطالة الرفع من الركوع؛ لأن حديث جابر تضمن تطويله أيضاً.
قال الأصحاب: ويستحب أن يقول عند رفعه من كل ركوع في هذه الصلاة:
"سمع الله لمن حمده، ربَّنا ولك الحمد"؛ لحديث عائشة السابق.
وعن بعض المصنفين: أنه لا يقول في الركوعين الزائدين: "سمع الله لمن حمده"، وخطئ فيه.
قال: [وإن كان] في كسوف الشمس أسرَّ؛ لما روى النسائي عن سمرة بن جندب في حديث طويل ذكر فيه كسوف الشمس إلى أن قال: "وافينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج إلى الصلاة، فاستقدم يصلي، فقام كأطول قيام بنا في صلاة قط ما نسمع له صوتاً". وأخرجه الترمذي، وقال: إنه حسن صحيح.
وقول ابن عباس: "قام قدر سورة البقرة"، يشهد لذلك؛ فإنه- عليه السلام لو جهر بالقراءة لم يقدرها ابن عباس.
ولا يقال: إنه كان بعيداً لم يسمع؛ فلذلك قدرها؛ لأنه روي عنه أنه قال: "قمت إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم فما سمعت له حسّاً".
ولأنها صلاة نهار، لها مثل من صلاة الليل؛ فلم يشرع فيها الجهر؛ كالظهر والعصر.
فإن قيل: قد روى مسلم عن عائشة أنه- عليه السلام جهر في صلاة الكسوف بقراءته، وهي مثبتة، والمثبت مقدم على النافي. ولا جائزٌ [أن]
نحمل ذلك على [صلاة] خسوف القمر [؛ لأن أصحابنا قالوا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يصل صلاة خسوف القمر]، كما حكاه القاضي الحسين.
قيل: جوابه من أوجه:
أحدها: أن الرواية اختلفت عنها: فروى عنها هشام بن عروة عن أبيه عنها أنها قالت: "حزرت قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم الأول بقدر سورة البقرة، والثاني بقدر "آل عمران"، والثالث بقدر سورة "النساء"، والرابع بقدر سورة "المائدة".
فقولها: "حزرت"، يدل على أنه لم يجهر، فإما أن يتساقطا للتعارض، أو يثبت منهما ما يوافق أحاديثنا ترجيحاً.
الثاني: أنا نحمل الجهر على صلاة خسوف القمر؛ فإنها روت أنه- عليه السلام كان يصلي في كسوف الشمس والقمر أربع ركعات وأربع سجدات، كما تقدمت حكايته عن رواية الدارقطني، وهو يدل على أنه صلى لخسوف القمر، وبه يحصل الجمع بين الأحاديث.
الثالث: أنا نحمله على أنه جهر بالآية والآيتين.
الرابع: أنا نحمله على أنه أسمع نفسه؛ فإن ذلك يسمى جهراً؛ قال ابن مسعود: "ما أسر من أسمع نفسه".
وهذا والذي قبله قالهما الماوردي.
وهذا هو المذهب المشهور.
وقال الإمام: كان لا يبعد من طريق النظر قياسها على صلاة الجمعة في الجهر بالقراءة، وكذلك صلاة العيد.
وفي "الرافعي": أن أبا سليمان الخطابي ذكر أن الذي يحكى عن مذهب الشافعي- رضي الله عنه الجهر فيها، واحتج له بخبر عائشة، والله أعلم.
قال: وإن كان في خسوف القمر جهر؛ لأنها صلاة ليل. وهذا إجماع؛ كما قال الماوردي.
قال: ثم يخطب خطبتين، أي: في [كسوف الشمس والقمر]، يخوفهم فيهما بالله، عز وجل.
الأصل في مشروعية الخطبة في ذلك: ما رواه مسلم عن عائشة في تتمة الحديث السابق: "وانجلت الشمس قبل أن ينصرف، ثم قام فخطب الناس، فأثنى على الله بما هو أهله .. إلى أن قال: "فإذا رأيتموها فكبِّروا، وادعوا الله، وتصدَّقوا يا أمَّة محمَّدٍ، إن من أحدٍ أغير من الله أن يزني عبده وأمته، يا أمَّة محمَّدٍ، والله لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيراً ولضحكتم قليلاً، ألا هل بلَّغت؟! ".
وقد روى الخطبة فيها جمع من الصحابة، والكل في الصحيح، والقياس يوافقها؛ فإنها صلاة نفل يسن لها اجتماع الكافة؛ فسن لها الخطبة؛ كالعيد.
وإذا ثبت أن الخطبة بعدها مشروعة كانت خطبتين كما في العيد، ولو اقتصر فيها على خطبة واحدة أجزأه؛ حكاه البندنيجي عن نصه في البويطي، وقال: إنه إذا أراد أن يأتي بهما فإنه يخطب- كما فصلنا في العيدين- على المنبر، وجميع ما ذكرناه، وجلسة الاستراحة، والجلوس بين الخطبتين، ويأتي بهما كسائر الخطب: يحمد الله، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويحض الناس على الخير، ويأمرهم بالتوبة والتقرب إلى الله تعالى.
وقوله: "يبدأ بهما كما يبدأ بسائر الخطب"، صريح في أنه لا يكبر في أولها كما يكبر في خطبة العيد، وهو ما قال الرافعي: إن كلام الأصحاب يدل عليه؛ حيث لم يتعرضوا للتصريح به، ولو كان مشروعاً لذكروه خصوصاً في الكتب المطولات.
قال الشافعي: "ويخطب بهم حيث لا يجمِّع بهم".
وقصد بهذا: أن الخطبة للكسوف تصح في الموضع الذي لا تنعقد فيه الجمعة، مثل: القرية الصغيرة، والبادية، والبيوت، لكن بشرط أن يكون ثمَّ جماعة، فإن صلى وحده لم يخطب؛ لأنها تراد لسماع المأمومين.
وإذا انفردت النسوة بإقامتها، لا يشرع لهن الخطبة بعد الصلاة؛ لأن الخطبة
ليست من سنة النساء.
قال الشافعي: فلو قامت واحدة منهن، ووعظت وخوفت، كان حسناً.
قال: فإن لم يصل حتى تجلت- أي الآية المنكسفة، شمساً كانت أو قمراً- لم يصل، أي لأجل الشكر، كما يفعل في الاستسقاء إذا سقوا قبل الصلاة؛ لأن الصلاة في حال الجدب كانت لدفع النقمة بالنعمة، فملا زالت بالسقي خلفها علةٌ أخرى، وهي طلب الزيادة والشكر؛ فشرعت الصلاة، ولا كذلك هنا؛ فإن الصلاة عند كسوف الشمس كانت لدفع النقمة، ولا شيء بعد التجلي يطلب بالصلاة؛ فإن النعمة المجردة لا يصلي لها، بل يسجد، وقوله صلى الله عليه وسلم:"فصلُّوا حتَّى تنجلي" يفهم المنع منها بعد الانجلاء مطلقاً.
وإذا عرفت ما قلناه عرفت أن الشيخ بين بما ذكره أولاً [وهو قوله:] فإن فاتت لم تقض، وبما ذكره آخراً وهو قوله: فإن لم يصل حتى تجلت لم يصل- أن صلاة الكسوف لا تصلَّى بعد الانجلاء قضاء ولا أداء لأجل الشكر، وبه يندفع ما توهم أنه تكرار من الشيخ.
ولا خلاف عندنا في أنها إذا تجلت وهو في خلال الصلاة لم تبطل، بل يتمّها؛ لأنها صلاة مؤقتة فلا تبطل بخروج وقتها، وإن لم يشرع فيها القضاء كالجمعة؛ فإن الوقت إذا خرج وهو فيها لا تبطل، بل تنقلب ظهراً، ولو قيل ببطلانها- كما حكاه أبو علي في "شرح التلخيص" عن بعض الأصحاب- لكان الفرق: أن وقت الجمعة محصور يمكن البحث عنه، بخلاف الكسوف.
قال: وإن لم يصل لكسوف الشمس حتى غابت- أي: غربت، وهو المتبادر إلى الفهم- كاسفة، لم يصل؛ أي: وإن لم يوجد الانجلاء الذي هو نهاية وقتها؛ لأن المقصود بالصلاة دفع النقمة برد ضوئها إليها؛ لينتفع به، وقد زال بغيابها.
أما لو غابت عن أعين الناس بتجليل سحاب في النهار، فيصلي؛ لبقاء
[وقت] سلطانها.
قال البندنيجي: وكذا لو زال السحاب عن البعض وهو صافٍ، وكان الباقي من دونه حائل- صلوا أيضاً؛ لأنه لا يعلم ما وراء السحاب، والأصل: الكسوف. نعم، لو حدث السحاب، فظن أن الشمس كسفت لا يصلي؛ لأن الأصل عدمه.
قال: وإن لم يصل لخسوف القمر حتى غاب خاسفاً قبل طلوع الشمس، صلَّى؛ لأن وقت سلطانه باقٍ؛ فإن الناس ينتفعون بضوئه في ذلك الوقت لو بقي، وهذا هو الجديد.
وقال في القديم: [إنه] إذا غاب خاسفاً بعد طلوع الفجر لا يصلي؛ لأن ذلك من النهار، والفجر حاجب الشمس؛ فكما لا يصلي بعد طلوع الشمس لا يصلي بعد طلوع الفجر، والصحيح هو الجديد.
وقد أفهم قول الشيخ: غاب خاسفاً قبل طلوع الشمس، أمرين:
أحدهما: أنه لو خسف بعد طلوع الفجر وقبل طلوع الشمس، صلى من طريق الأولى، والقولان فيه كما صرح به البندنيجي وغيره، وعن ابن كج: أن الخلاف مخصوص بما إذا غاب القمر خاسفاً بعد طلوع الفجر وقبل طلوع الشمس، [أما إذا لم يغب فلا خلاف في أن الصلاة جائزة.
الثاني: أنه لا يصلي بعد طلوع الشمس إذا غاب] خاسفاً، وهو كذلك وبه يعرف أن للغيبوبة خاسفاً ثلاث أحوال:
الأولى: أن يغيب قبل طلوع الفجر فيصلي في القديم والجديد، وفيه نظر.
الثانية: أن يغيب خاسفاً [بعد] طلوع الشمس فلا يصلي، قولاً واحداً.
والثالثة: أن يغيب خاسفاً بعد طلوع الفجر وقبل طلوع الشمس، وفيه القولان.
قلت: وعلى القولين ينبغي [أن يقال]: إذا غاب خاسفاً قبل طلوع الفجر ولم يصل حتى طلع الفجر، هل يصلي؟ إن قلنا بالجديد فنعم، وإن قلنا بالقديم فلا، ولم أقف فيه على نقل.
واعلم أن قول الشيخ في أوّل [الباب:] ووقتها من حين الكسوف إلى حين
التجلِّي، يقتضي جواز الصلاة لخسوف القمر بعد طلوع الشمس إذا لم ينجل. وقلنا: إنه أراد بالباب التبويب على الكسوف والخسوف؛ اعتباراً باللغة الأولى كما هو الظاهر، ولا يقال: إن ما ذكره هنا يقتضي المنع؛ إذ لا يلزم من كونه لا يصلي عند غيبوبته خاسفاً بعد طلوع الشمس ألا يصلي مع بقائه. نعم، علة المنع من الصلاة عند غيبوبته بعد طلوع الشمس تقتضي المنع مع البقاء، ففيه تنبيه من هذا الوجه، والله أعلم.
وقد أورد بعضهم سؤالاً فقال: القمر لا يخسف إلا في ليلة الثالث عشر أو الرابع عشر، وإذا كان كذلك فهو يبقى إلى بعد طلوع الفجر، فكيف يفرض غيابه قبل طلوع الفجر؟ وجوابه أنه يؤخذ مما سنذكره من بعد، إن شاء الله تعالى.
قالك وإذا اجتمع صلاتان مختلفتان بدأ بأخوفهما فوتاً، ثم يصلي الأخرى، ثم يخطب كالمكتوبة [والكسوف في أول الوقت، [أي: في أول وقت المكتوبة]، يبدأ بالكسوف ثم يصلي المكتوبة]؛ لأن بذلك يحصل له حيازة الصلاتين، ولو عكس لاحتمل الانجلاء قبل فراغ المكتوبة؛ فيفوته صلاة الكسوف، ولا تعويل على قول المنجم: إن الكسوف يدوم كذا؛ فإن تحكُّم المنجم- كما قال في "الوسيط" في كتاب الصيام- قبيح شرعاً.
قال: ثم يخطب؛ لأن القصد بالخطبة الوعظ، [وهي لا تفوت] بالانجلاء، بل خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما وقعت بعد الانجلاء، وقوله:"فصلوا حتى تنجلي" مؤكد لذلك، وهذا فيما إذا كانت المكتوبة غير صلاة الجمعة، فإن كانت صلاة الجمعة صلى الكسوف وخفَّف، فيقرأ في كل قومة بعد الفاتحة:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ونحوها، كما قاله في "المختصر"، ووافق عليه الأصحاب، ثم يخطب وينوي بخطبته الجمعة، ويتعرض فيها للكسوف، ولا يجوز أن ينوي بها الجمعة والكسوف؛ لأنها في الجمعة شرطٌ، وفي الكسوف سنة، والشيء الواحد لا يسقط فرضاً ويحصل سنة.
ثم قضية كلام الشيخ أنه إذا اجتمع الكسوف والعيد، ولم يخف فوت العيد
- أنه يبدأ بالكسوف ثم يصلي العيد، ثم يخطب من طريق الأولى، وهو ما نص عليه في "الكبير"، ورواه المزني، قال الشيخ مجلي: وهو الذي أورده العراقيون لا غير.
ويخطب الخطبتين لهما؛ لأنهما سنتان فلا تضر المشاركة، نص عليه في "المختصر"، وقد روى البويطي عن الشافعي أنه يبدأ بصلاة العيد، قاله القاضي الحسين، وبه يحصل في المسألة قولان أصحهما في "التهذيب" و"الرافعي": الأول، وهو ما كان يقطع به الشيخ أبو محمد. وقد قيل بجريان ما حكاه البويطي في [اجتماع] الكسوف والجمعة، وربما نسب إلى رواية البويطي فيها، أيضاً.
أما إذا اجتمع الكسوف والمكتوبة في آخر وقت المكتوبة فيبدأ بالمكتوبة بلا خلاف؛ لأن فعلها فرض عين في ذلك الوقت، وفعل الكسوف سنة أو فرض كفاية؛ فكان فرض العين أولى، ولأن المكتوبة إذا تركها فاتت عن يقين، ولو ترك الكسوف لم يفت عن [يقين]؛ فكان تقديم ما لو ترك لفات يقيناً أولى مما لم يتحقق فوته، وعلى هذا: إذا كانت المكتوبة الجمعة خطب لها وتعرض للكسوف، ثم يصلي الجمعة والكسوف إن لم ينجل، ولا يخطب له، قاله في "الذخائر"، ولم يحك غيره، وفي "الرافعي": أنه يخطب للجمعة ويقيمها، ثم يصلي الكسوف ويخطب لها.
ولو اجتمع الكسوف مع صلاة الجنازة بدأ بالجنازة إن كانت حاضرة؛ لأن فيها حق الله- تعالى- وحق الآدمي، وهي فرض كفاية بلا خلاف، وصلاة الكسوف سنة على المشهور، بل قد اتفق الأصحاب على أنه إذا اجتمع صلاة الجمع مع [حضور] الجنازة، وفي وقت الجمعة اتساع- أن المقدم صلاة الجنازة، وكذا قطع به الشيخ أبو محمد فيما إذا اجتمعتا في آخر وقت الجمعة أيضاً، وإن كانت تفوت يقيناً لو صلى الكسوف.
قال: لأن للجمعة بدلاً تنتقل إليه وهو الظهر، وصلاة الجنازة لا خلف لها، ويخاف تغير الميت.
قال الإمام: وفي تصوُّر هذا تكلف؛ فإن مقدار صلاة الجنازة لا يكاد يحسُّ له
أثر في التفويت.
ولو لم تحضر الجنازة وحضر الكسوف، أمر الإمام من يقوم بأمرها، ثم صلى الكسوف، والله أعلم.
قال: فإن استويتا في الفوات، أي: استويا في خوف الفوات- بدأ بآكدهما: كالوتر والكسوف، يبدأ بالكسوف؛ لأنها آكد لشبهها بالفرائض؛ بمشروعية الجماعة فيها والخطبة، وقد قال بعض أصحابنا: إنها فرض كفاية؛ لأنها من الشعائر الظاهرة في الإسلام، وما ذكره الشيخ قد قاله القاضي الحسين والماوردي، وحكاه البندنيجي عن النص فإنه قال: قال الشافعي: وإذا اجتمع أمران يخاف فوت أحدهما ولا يخاف فوت الآخر، بدأ بالذي يخاف فوته، فإن خسف القمر في وقت قيام الليل أو في وقت الوتر بدأ بالخسوف قبل ذلك ولو فاتا؛ لأنه أوكد منهما. ولفظ "المختصر": فإن خسف به في وقت قنوت بدأ بالخسوف قبل الوتر، وقبل ركعتي الفجر وإن فاتتا.
وقد أجرى بعضهم كلام الشيخ على ظاهره، وقال: ما ذكره من المثال متجه
إذا قلنا: لا يصلي لخسوف القمر بعد طلوع الفجر كما هو القديم، أما إذا قلنا: يصلي- كما هو الجديد الذي لم يحك الشيخ غيره- فلا يتجه؛ لأنه يبدأ بالوتر فإنه أسرع فوتاً، قال: وإنما يتجه على هذا أن نقول: كركعتي الفجر والكسوف، فيبدأ بالكسوف.
قلت: وهذا السؤال جاء من اعتقاد السائل أن وقت الوتر يخرج بطلوع الفجر، أما إذا قلنا: إنه يدوم إلى طلوع الشمس كما صار إليه بعضهم فلا يأتي. ويؤخذ مما ذكره الشيخ ها هنا: إن كان مراده إجراء اللفظ على ظاهره أنه اختاره، وعلى تقدير صحة اعتقاد السائل في أن وقت الوتر يخرج بطلوع الفجر فتمثيله بركعتي الفجر والكسوف إنما يتجه إذا قلنا: إن وقت ركعتي الفجر يخرج بخروج وقت الصبح، أما إذا قلنا: إنه يدوم إلى الزوال- كما قاله بعض الأصحاب، وقال في "المهذب" إنه ظاهر النص- فلا.
وقد اقتضى كلام الشيخ: أنه إذا اجتمع مع الكسوف صلاة العيد في آخر وقت العيد أنه يبدأ بالعيد؛ لأنها آكد من صلاة الكسوف لتعلقها بالوقت، وبه صرح الأصحاب، وقال: إنه يخفف في صلاة العيد ويخطب بعد صلاة الكسوف خطبتين للعيد والكسوف.
فإن قيل: اجتماع الكسوف والعيد غير متصوَّر؛ لأن العيد يكون أوّل الشهر أو العاشر منه، والكسوف لا يكون إلا في الثامن والعشرين أو التاسع والعشرين.
قيل في جوابه: قد كسفت الشمس يوم مات إبراهيم- عليه السلام في العاشر من الشهر أو في الثالث عشر منه أو [في] الرابع عشر على اختلاف فيه كما تقدم، وذلك يبطل المدَّعى.
قال القاضي الحسين: وعلى تقدير صحة ما قالوه فيتصور ذلك بأن يشهد اثنان ليلة الثلاثين من شعبان أن غداً من رمضان؛ فيصوم الناس بشهادتهما تسعة وعشرين يوماً، ثم يشهدان- أو غيرهما- ليلة الثلاثين من رمضان أنهما رأيا الهلال ولم يبن للقاضي كذب إحدى البينتين- فإنه يلزمه القضاء بشهادتهما، ويجعل يوم الثامن والعشرين من رمضان عيداً على ظن أنه يوم الثلاثين، وتكون
الشمس قد كسفت فيه.
وهذا الجواب فيه نظر؛ لأن القائل بأنها لا تنكسف إلا في الثامن والعشرين أو التاسع والعشرين يقطع بكذب البينة التي شهدت أن غداً من شوال؛ فلم يجتمع عنده عيد وكسوف.
وقال غيره: على تقدير التسليم لعل الشافعي أراد بما ذكره التحذُّق في المأخذ ليتضح المعنى ويتسع الفهم، وبذلك جرت عادة الأئمة في تفريع المسائل حتى قال أبو حنيفة: لو ضرب رأسي شخصٌ بأبي فتتبين، لا يجب عليه القصاص.
أو نقول: إن العادة، وإن كانت كما قال السائل، لكن الشافعي بين أن هذا هو الحكم عند خرق العادة وقرب القيامة.
ولو زاحم الكسوف خروج الناس إلى منى بحيث لو قدِّم الكسوف لفاتهم صلاة الظهر بمنى- صلى الكسوف، ثم الظهر بمكة.
وكذا لو كان الكسوف في يوم عرفة عند الزوال، قدم صلاة الكسوف، ثم صلى الظهر والعصر، ولو كان بعد العصر وهو في [الموقف] صلى الكسوف [ثم خطب على بعيره. ولو خاف فوت الظهر والعصر بدأ بهما ثم صلى الكسوف] وخفَّفها وكذا الخطبة، ولم يدع ذلك لأجل الوقوف.
وقد نجز شرح مسائل الباب، ولنختمه بفروع:
صلاة الكسوف تصلَّى حال الخوف وشدة الخوف كما تصلى المكتوبة، صرح به البندنيجي وغيره.
لا يصلى [لغير هاتين الآيتين].
قال الشافعي: ولا أجوز الصلاة في جماعة في آية غير الكسوف.
وأراد بذلك: أنه لا يشرع الصلاة جماعة للزلازل والرياح وانقضاض
الكواكب، وكذا عند الرعد والبرق؛ لأنه لم يرد، بل المنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء عند الرعد- كما يأتي في الاستسقاء- وكذا عند مجيء الصواعق، وكان يقول عند هبوب الريح الشديد:"اللَّهمَّ اجعلها رياحاً ولا تجعلها ريحاً، اللَّهمَّ إنِّي أعوذ بك من شرِّ ما أرسلت فيها".
وقد حكى عن الشافعي أنه قال في كتاب "اختلاف الحديث": روي عن علي أنه صلى جماعة في زلزلة، فإن صح قتل به.
قال الماوردي: واختلف أصحابنا في ذلك:
فمنهم من قال: أراد: إن صح عن النبي صلى الله عليه وسلم قلت [به] وإلى الآن لم يصح. وفيه نظر؛ لأن أبا داود روى بإسناده عن ابن عباس أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا رأيتم آيةً فاسجدوا".
ومنهم من قال: أراد: إن صح عن علي قلت به. وهؤلاء اختلفوا على مذهبين:
أحدهما: إن صح قلنا به في الزلزلة وحدها.
والثاني: إن صح قلنا به في سائر الآيات.
والمذهب الأول.
ثم ذلك في [الصلاة جماعةً]، وأما الصلاة فرادى فظاهر نصه في "المختصر" أنهم يصلون منفردين، وعليه نحمل نصه في "الأم": إن الفزع إذا وقع من ظهور آية كان المفزع إلى الصلاة، وعلى ذلك جرى في "التهذيب" فقال: يستحب أن يصلوا منفردين ويدعون، وهو المذكور في الرافعي.
وقال في "الذخائر": إن مراد الشافعي بقوله: وآمر بالصلاة منفردين، أنه إذا صلى كذلك كان له ثواب صلاة كسائر الأوقات، وأما كونها سنة كذلك فلا. وهذا قريب مما في "الحاوي" و"الشامل"، والظاهر الأول، والله تعالى أعلم بالصواب.