الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب زكاة الناض
قال أهل اللغة: الناض- بتشديد الضاد-: ما كان [نقداً] من الدراهم والدنانير خاصة، كذا حكاه النووي، ثم قال: وكان ينبغي للمصنف أن يقول: باب زكاة الذهب والفضة كما قال في "المهذب" وكذا الأصحاب؛ ليدخل غير الدراهم والدنانير من صنوف الذهب والفضة.
قلت: والذي يظهر أنه لا اعتراض على الشيخ؛ لأن المنقول عن الأزهري أنه قال: الناض ضد العرض.
وقد حكى النووي عن أهل اللغة أن العرض جميع صنوف الأموال غير الذهب والفضة، وذاك يدل على أن الناض هو الذهب والفضة مطبوعاً كان أو غير مطبوع، والشيخ في "المهذب" اتبع المزني في التبويب، وهنا لم يتبعه لما ستعرفه في الباب بعده.
والنض- بفتح النون-: بمعنى "الناض"، [كذا] حكاه الجوهري وغيره.
قال الشيخ- رضي الله عنه: من ملك نصاباً من الذهب والفضة حولاً كاملاً وهو من أهل الزكاة وجبت عليه الزكاة؛ لعموم قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103]، وقوله:{وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ} [المعارج: 24]،
وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 34] الآية، وقد تقدم الدليل على أن المراد بالكنز في الآية: ما لم تؤد زكاته.
ولقوله صلى الله عليه وسلم: "ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي [منها حقها] إلا [إذا] كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار، فأحمي عليها في نار جهنَّم فيكوى بها جبهته وجبينه وظهره، كلما بردت أعيدت له [في يوم] كان مقداره [خمسين] ألف سنة حتَّى يُقضَى بين العباد، فيرى سبيله أمَّا إلى الجنَّة وإمَّا إلى النَّار". أخرجه مسلم.
وحقها: زكاتها، يدل عليه قوله- عليه السلام:"ليس في المال حقُّ سوى الزكاة".
وروى البخاري عن أنس في كتاب أبي بكر قال: "وفي الرقة ربع العشر".
قال الماوردي: وفي"الرقة" تأويلان:
أحدهما: أنها اسم جامع للذهب والفضة.
قال ثعلب: وهو أصح التأويلين.
والثاني- قاله ابن قتيبة-: أنها اسم للفضة.
قلت: وتتمة الحديث تشهد له؛ فإنه قال: "فإن لم تكن إلا تسعين ومائة فليس
فيها شيء إلا أن يشاء ربها".
ويقال: ورق، ورقة؛ كما يقال: وزن، وزنة، ووعد، وعدة.
وسيأتي من الأخبار ما يدل على الوجوب فيهما وهو إجماع الأمة.
واحترز الشيخ بذكر الحول الكامل عما إذا ملك ذلك طرفي الحول وحصل نقص في وسطه فقط، أو نقص في آخر الحول فقط؛ فإنه لا زكاة فيه عندنا خلافاً لمالك في الأولى وأبي حنيفة في الثانية، وحجتنا: الخبر المشهور.
وبقوله: "وهو من أهل الزكاة"، عمن ليس منها؛ كالمكاتب ونحوه فإنه لا زكاة عليه؛ لما تقدم في أول الباب.
وذكر الشيخ هذا هنا، وكذا في زكاة المعدن، وإن لم يذكره في [باب] صدقة المواشي، وزكاة النبات وزكاة العروض والركاز تأكيداً، وسنذكر له فائدة في بعض المواضع، إن شاء الله تعالى.
تنبيه: كلام الشيخ يقتضي أموراً:
أحدها: أنه لا فرق في وجوب الزكاة على من ذكره إذا ملك نصاباً بين أن يكون ممن لا تصرف له الزكاة أو تصرف له بأن يكون دخله لا يفي بخرجه، وبه صرح الرافعي عند الكلام في كفارة اليمين.
الثاني: ضم المال الغائب [عنه] إلى [ما] عنده في إكمال النصاب وكذا الدين إذا قلنا: إنه مملوك على الصحيح، وقد تقدم الكلام في وجوب الزكاة في المال الغائب والدين إذا كان كل منهما نصاباً فحيث قلنا: لا تجب الزكاة فيهما فلا يكمل بهما نصاب الحاضر، وحيث قلنا: تجب فيهما كمل بهما نصاب الحاضر ثم ينظر: فإن كان الغائب والدين يجب إخراج زكاتهما في الحال، ففي مسألتنا يجب إخراج زكاة الحاضر عنده في الحال، وإن قلنا ثم، لا يجب الإخراج في الحال، قال الأصحاب: فهل يجب إخراج الزكاة الحاضر عنده؟ ذلك ينبني على أن التمكن شرط في الوجوب أو لا؛ فإن قلنا: إنه شرط في الوجوب
لم يجب تعجيل الإخراج، فإن الغائب قد يتلف [قبل الوصول إليه ولا يصل] إليه الدين فيمتنع الوجوب وإن قلنا: إنه شرط في الضمان وجب الإخراج.
الثالث: ضم بعض أنواع الذهب إلى بعض، وأنواع الفضة إلى بعض في إكمال النصاب؛ لأن اسم "الذهب" يقع على أنواعه النيسابوري والقاساني والهروي، وغير ذلك، وكذا اسم "الفضة" يقعل على أنواعها البيضاء اللينة والسوداء الصلبة وغير ذلك ويتناولهما تناولاً واحداً، وبذلك صرح الأصحاب قياساً على الثمار، وقالوا: يؤخذ من كل نوع بقسطه إذا أمكن من غير مشقة؛ لقلة الأنواع، فلو أخرج عن الجميع من نوع واحد، نظر: فإن كان من النوع الجيد أجزأه وكان أولى، وإن كان من النوع الرديء، أجزأه من ذلك ما قابل الرديء، وكان فيما قابل الرديء أوجه:
أحدها: أنه يجزئه مع الكراهة حكاه الإمام عن الصيدلاني وخطأه فيه، واقتصر القاضي الحسين على إيراده.
والثاني تجزئه، ولكنه يخرج قيمة ما بينهما ذهبا إن كان المخرج فضة، وفضة إن كان المخرج ذهباً، كما لو أخرج أدنى الصنفين من الحقاق وبنات اللبون.
والثالث: أنه يجزئه إن كان تالفاً ويخرج قيمة ما بينهما وإن كان باقياً [لا يجزئه ويسترده، حكاه في "البحر" عن ابن سريج.
والرابع- عنه أيضاً-: أنه لا يجزئه ويسترده إن كان باقياً] وقيمته إن كان تالفاً.
والخامس- حكاه في "الحاوي" مع الثاني-: أنه لا يجزئه ويكون متطوعاً [به]، وعليه إخراج زكاة الجيد مستأنفاً كما لو أعتق عن الكفارة معيباً.
قال في "البحر": والذي يقتضيه مذهب الشافعي أنه ينظر في حاله: فإن كان قد صرح بأنه عن فرضه فله أن يسترجع وإلا فلا؛ لأنه متهم؛ فإنه يجوز أن يكون قد دفع ذلك تطوعاً، وصار كمن عجل زكاته ثم تغير الحال: إن شرط الرجوع رجع، وإن لم يشترط فلا.
وإخراج الصحيح عن المكسر جائز، ولا يجوز عكسه، بل يجمع المستحقين
ويصرف لهم الدينار الصحيح أو يسلمه إلى واحد بإذن الباقين.
وعن بعض الأصحاب: أنه يجوز أن يصرف إلى كل واحد منهم ما يخصه مكسراً.
وعن بعضهم: أنه يجوز ذلك، ولكن مع الصرف بين المكسر والصحيح.
[وعن بعضهم: أنه إن لم يكن في المعاملة فرق بين الصحيح والمكسر] جاز أداء المكسر عن الصحيح، أما لو كثرت الأنواع وعسر الإخراج من كل نوع بقسطه، فقد قال جمهور أصحابنا: أخذت الزكاة من أوسطها كما في الثمار، وهذا معزي في "تعليق" القاضي أبي الطيب إلى أبي إسحاق.
وقال في "البحر": الصحيح أنه يخرج من كل نوع بقدره أبداً؛ لأن أنواع ذلك لا تكثر ولا تشق [وذلك] بخلاف الماشية؛ لأن هناك يؤدي إلى الإشاعة والإضرار برب المال والمساكين.
الأمر الرابع: أنه لا فرق بين أن يكون النصاب مما ذكره خالصاً منفرداً، أو مختلطاً بغيره، وهو ما صرح به الأصحاب، فقالوا: في حال المخالطة إن كان ما خالطهما غشاً والخالص من الذهب أو الفضة نصاباً فأكثر وجبت الزكاة، وكذا لو كان بعض ماله خالصاً وبعضه مغشوشاً وفي المغشوش من الخالص ما يكمل به النصاب وجبت.
ثم في الحالة الأولى إذا علم قدر الغش وكان في الجميع متساوياً فأخرج قدر الفرض منه أجزأه.
مثال ذلك: إذا كان له أربعمائة درهم قدر الفضة نصفها فالواجب عليه خمسة دراهم خالصة، فإذا أخرج عشرة من المغشوشة أجزأه؛ لأن فيها خمسة خالصة، وإن لم يعلم قدر الغش، فإن استظهر وأخرج زيادة على الواجب أجزأه، ولا يكلف التمييز بين الخالص والغش بالنار وإن لم يستظهر قلنا له: عليك التصفية ليعلم المقدار فيخرج عنه، وهذا إذا كان يخرج بنفسه فإن دفع إلى الساعي وقال له: قد أحاط علمي بالمقدار، وهذا كل الواجب أو أكثره- كان القول قوله مع اليمين استظهاراً؛ لأنه لا يخالف الظاهر. ولو قال للساعي: لا أعرف المبلغ [قطعاً
و] لكني اجتهدت في ذلك، فأدى إليه اجتهادي لم يكن للساعي أن يرجع إليه؛ لأنه لا يلزمه العمل باجتهاد غيره. نعم، قال الماوردي: لو انضاف إلى قوله قول من تسكن النفس إلى قوله من ثقات أهل الخبرة عمل عليهز
وفي الحالة الثانية إذا كان معه مائة خالصة ومائتان مغشوشة، والغش قدر النصف- يخرج من الخالص قدر الواجب وهو خمسة مغشوشة أجزأته عن نصف ما عليه وبقي عليه النصف. ولو كان جميع ماله مائتي درهم خالصة لا غش فيها فأخرج خمسة مغشوشة- لا يجزئه عما عليه بجملته بلا خلاف.
قال أبو العباس في التفريع على "الجامع الصغير": وعليه أن يخرج خمسة دراهم لا غش فيها، وهل له أن يرجع فيما أخرج؟ على قولين.
قال البندنيجي: يعني على وجهين أصحهما في "الرافعي": الرجوع.
وقال في "البحر"[عنه]: إنه قال في هذه المسألة مثل ما قال فيما إذا أخرج الرديء عن الجيد، وقد ذكرنا ما يقتضيه مذهب الشافعي.
قلت: وفي هذا نظر بل الذي يتجه القطع به أنه يجزئه ما في ذلك من الخالص عما عليه، ويبقى الباقي في ذمته يخرجه من النوع الذي وجب عليه لا من جنس آخر، وكلام صاحب "البحر" يقتضي أنه يخرج عن الذهب فضة وبالعكس فتأمل ذلك.
وإن كان المخالط للذهب الفضة وعلم قدر كل منهما، فالحكم كما لو كانا منفردين، ولا يكمل نصاب أحدهما بالآخر.
وإن جهل، قال البندنيجي وغيره: فالحكم فيها كالحكم في المغشوش سواء، فإذا أراد زكاة الفضة جعل الذهب فيها كالغش [وإذا أراد إخراج زكاة الذهب جعل الفضة فيها كالغش] حتى يجب عليه التمييز بالنار عند عدم الاستظهار ليعرف المقدار، ويفرق بين أن يخرج بنفسه، وبين أن يدفع للساعي.
وقال الإمام بعد حكاية التفرقة عن العراقيين: إن الذي قطع به أئمتنا: أنه لا يجوز اعتماد الظن في ذلك. وذكر عنهم أنهم ذكروا هندسة في الاطلاع على
مقدار الذهب والفضة وغير التمييز بالنار، وأهون منها: أن يسبك مقداراً نزراً من المختلط ويقاس به الباقي، فإن عسر ذلك فالوجه التمييز بالنار والهندسة التي أشار إليها قالها الشيخ أبو زيد حيث قال: ولنا في معرفة ذلك طريقان:
إحداهما: أن يطرح المختلط وهو ألف مثلاً في ماء وينظر كم يرتفع الماء ويعلمه في الإناء ثم يرفعه ويطرح من خالص الذهب في ذلك الماء قليلاً قليلاً حتى يرتفع الماء إلى تلك العلامة ثم يرفعه ويزنه، فإذا كان ألفاً ومائتين وضعنا في الماء من الفضة الخالصة قليلاً قليلاً حتى يرتفع الماء إلى تلك العلامة ثم يرفعها ويزنها، فإذا كان ثمانمائة علمنا أن نصف المختلط ذهب ونصفه فضة، وعلى هذه النسبة.
والثانية-[وهي التي ذكرها الفوراني]-: أن يلقي المختلط في الإناء حتى يعلوه الماء ويعلمه، ثم يستخرجه ويطرح في الماء قدر زنة المختلط من خالص الذهب حتى يعلوه الماء ويعلمه، وهذه العلامة تكون أسفل من علامة المختلط، ثم يستخرج ذلك. ويطرح في الماء قدر زنة المختلط من خالص الفضة حتى يعلوه الماء ويعلمه، وهذه العلامة تكون أعلى من علامة المختلط [وحينئذ تكون علامة المختلط] بين علامتي الخالص فينظر ما بينهما، فإن كان بين علامة الذهب وعلامة المختلط قدر شعيرة وكذلك بين علامة الفضة والمختلط- علمنا أن نصف المختلط ذهب ونصفه فضة، وإن كان بين علامة المختلط والذهب قدر شعيرتين وبين علامة المختلط والفضة قدر شعيرة علمنا أن ثلثيه فضة وثلثه ذهب؛ ولو كان بالعكس علمنا أن ثلثيه ذهب وثلثه فضة، وهكذا ينظر في النسبة التي بينهما وترتب الحكم عليها.
ولو كان المختلط- كما ذكرنا- ألفاً وقد عرف أن مبلغ أحد الخليطين ستمائة، والآخر أربعمائة، ولكن لا يعلم ما هو الأقل والأكثر فأخرج زكاة ستمائة ذهب وستمائة فضة- أجزأه؛ لأن ذلك هو الأحوط ولا يجزئه أن يخرج زكاة أربعمائة فضة وستمائة ذهباً، لاحتمال العكس، والاعتياض عن الزكاة لا يجوز عندنا.
وقال الإمام: ويحتمل أن يجوز الأخذ بما شاء من أحد التقديرين، وإخراج الواجب على ذلك التقدير؛ لأن اشتغال ذمته بذلك غير معلوم.
وقد أقام في "الوسيط" هذا الاحتمال وجهاً في المسألة بعد أن قال: المذهب أنه إذا أعسر التمييز أخرج زكاة ستمائة من الذهب وستمائة من الفضة؛ ليخرج عما عليه بيقين.
وقال العراقيون: إن غلب على ظنه أن الأكثر الذهب أو الفضة عمل به إذا فرق بنفسه، وإن كان يدفع إلى الساعي فالساعي لا يعمل بظنه، وفيه ما تقدم.
قال: ونصاب الذهب عشرون مثقالاً، وزكاته نصف مثقال، وفيما زاد بحسابه، ونصاب الورق مائتا درهم وزكاته خمسة دراهم، وفيما زاد بحسابه.
لما روى أبو داود عن عاصم بن ضمرة والحارث [الأعور] عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث طويل: "فإذا كان لك مائتا درهمٍ وحال عليها الحول، ففيها خمسة دراهم، وليس عليك شيءُ- يعني: في الذَّهب- حتَّى يكون لك عشرون ديناراً، فإذا كانت لك عشرون ديناراً وحال عليها الحول، ففيها نصف دينارٍ، فما زاد [فبحساب ذلك] " قال: فلا أدري أعلى يقول: "فبحساب ذلك- أو يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم؟ - وليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول".
قال عبد الحق في "الأحكام": وما ذكر من الاعتراض على من أسند هذا الخبر وهو جرير؛ لأنه جمع فيه بين الحارث الأعور وعاصم، والحارث الأعور كذاب ولم يذكر الحول، وعاصم ثقة لكنه لم يسنده بل أوقفه [على] علي- كرم الله وجهه- وكذلك كل ثقة أوقفه عليه، فلا حجة فيه؛ فهو مندفع بأن جريراً أسنده عنهما وهو ثقة.
وقد أسنده [أيضاً] أبو عوانة [عن عاصم بن ضمرة عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم في زكاة الورق، وأبو عوانة] ثقة.
وأما قوله: "فبحساب ذلك"، فقد أسنده زيد بن حبان، عن أبي [إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورواية البخاري عن] أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم[في زكاة الورق] قال: "ليس فيما دون خمس أواقٍ من الورق صدقة".
والأوقية: أربعون درهماً يدل عليه قول عائشة- رضي الله عنها: "كان صداق أزواج [رسول الله]صلى الله عليه وسلم اثني عشر أوقية ونشأ، أتدرون ما النش؟ النَّشُّ: نصف أوقيَّةٍ عشرون درهماً".
وجمع الأوقية: أواقٍ بالتخفيف، وأواقي بالتشديد.
ولا فرق في عدم الوجوب عند النقص عن النصاب بين الكثير والقليل، حتى الحبة الواحدة ودونها، وإن راج الناقص [رواج الكامل للمسامحة، أو لجودة الجوهر لما ذكرناه؛ ولأن الرائج الناقص] لو قام مقام الكامل لوجب مثله في جميع النصب، وفيما يخرجه من حق المساكين حتى يقال: لو أخرج نصف مثقال، أو خمسة دراهم إلا حبة أو أقل منها يجزئه ذلك، ولقيل في الربا: إذا باع درهماً بدرهم إلا حبة يجوز، وقد أجمعنا مع الخصم- وهو مالك- على فساد
ذلك- وهو قادح فيما نازع فيه. نعم، لو كان يبلغ نصاباً في بعض الموازين وفي بعض ينقص عنه ففي الوجوب وجهان في "العدة": أصحهما: عدم الوجوب، وهو الذي أورده المحاملي، وقطع به الإمام أيضاً بعد أن حكى عن الصيدلاني الوجوب.
تنبيه: المثقال: وزنه ثنتان وسبعون حبة من حب الشعير الممتلئ غير الخارج عن مقادير حب الشعير غالباً.
الورق: بفتح الواو وكسر الراء، ويجوز إسكان الراء مع فتح الواو وكسرها.
قال [الأكثرون من] أهل اللغة: هو مختص بالدراهم المضروبة، وقال جماعة: يطلق على كل الفضة وإن لم تكن مضروبة.
وهو الذي أورده البندنيجي، وهذا مراد المصنف.
قال النووي: ولو قال: ونصاب الفضة لكان أحسن، والدرهم المعتبر هاهنا وزنه ستة دوانيق يعدل العشرة منه سبعة مثاقيل، وقد كان في الجاهلية دراهم مختلفة بغلية، وطبرية وغيرهما، وغالب ما كانوا يتعاملون به من أنواع الدراهم في عصره- عليه السلام والصدر الأول بعده. نوعان:
أحدهما: الطبرية: زنة كل درهم منها ثمانية دوانيق.
والآخر البغلية: وهي منسوبة إلى ملك يقال له: رأس البغل، زنة كل درهم أربعة دوانق.
قال في "البحر" تبعاً للبندنيجي: حكاية عن رواية أبي عبيد القاسم بن سلام-: وكانت الزكاة تجب في صدر الإسلام في مائتين منهما، فلما كان في زمني بني
أمية، أرادوا ضرب الدراهم فنظروا في المتعقب، فإن هم ضربوا من البغلية أضر [ذلك] بالمساكين، وإن هم ضربوا من الطبرية أضر ذلك بأرباب الأموال، فجمعوا بين الدرهمين وقسموهما درهمين.
قيل: والفاعل لذلك زياد بن أمية.
وقيل: الحجاج في أيام عبد الملك.
ونقل الماوردي: [أنه عمر بن الخطاب، رضي الله عنه].
وقال ابن سريج: الدراهم: ما اختلفت في قديم الدهر وحديثه، وكذلك المثاقيل بل كان المثقال، ما ذكرناه، والدرهم: ستة دوانيق تعدل كل عشرة منها سبعة مثاقيل.
والمشهور الذي حكاه الشيخ أبو حامد وغيره: أن المثقال لم يختلف كما قال: وأن الدرهم كان مختلفاً كما ذكرنا.
قال في "البحر" تبعاً للبندنيجي: وهو المذهب، بدليل أن الشافعي قال:"فإذا بلغ الورق خمس أواقٍ وذلك مائتا درهم بدراهم الإسلام .. إلى آخره".
فقوله: "بدراهم الإسلام" يدل على أن هناك غيرها.
قلت: وهذا لا حجة فيه؛ لأنه قال في تتمة كلامه: "وكل عشرة دراهم من دراهم الإسلام وزن سبعة مثاقيل ذهب بمثقال الإسلام"، ومعلوم أن المثقال لم يختلف وكما لم يختلف المثقال لم يختلف الدانق؛ لأنه كان من الدرهم الصغير ربعه ومن الكبير ثمنه.
قال في "البحر": وإنما جعل كل عشرة دراهم بوزن سبعة مثاقيل من الذهب؛ لأن الذهب أوزن من الورق فكأنهم جربوا حبة من الورق، ومثلها من الذهب، فوزنوهما فكان وزن الذهب زائداً على وزن الفضة مثل ثلاثة أسباعها فلذلك جعلوا كل عشرة دراهم بوزن سبعة مثاقيل.
والاعتبار فيما ذكرناه بوزن مكة؛ لقوله عليه السلام: "الميزان ميزان أهل مكة".
قال: وإن ملك حليا، أي: من ذهب أو فضة أو منهما، معداً لاستعمال مباح لم تجب الزكاة فيه في أحد القولين، وتجب في الآخر، وهذان القولان أومأ إليهما الشافعي في "الأم" كما قال البندنيجي وغيره.
وقال الفوراني: إنه نص على الأول منهما في الجديد، وعلى الثاني في القديم.
وقال القاضي أبو الطيب وغيره: إنه نص في القديم و"مختصر" البويطي على الأول منهما، وعلق في الجديد القول في الثاني.
قال القاضي أبو الطيب: واتفق الأصحاب على إجزائهما في المسألة، وأن الصحيح الأول، ووجهه: ماروى جابر وابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"ليس في الحلي زكاة".
وكذا قاله الماوردي.
[و] روى الشافعي عن عائشة: "أنها كانت تحلِّي بنات أخيها أيتاماً في حجرها فلا تخرج منها الزكاة".
وروي عن ابن عمر أنه "كان يحلي بناته وجواريه الذهب ثم لا يخرج زكاته".
ولأنه معد لاستعمال مباح؛ فلم تجب فيه الزكاة كالمواشي العوامل.
ووجه الثاني: ما روى عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده: "أنَّ امرأةً أتت
رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعها ابنةُ لها، وفي يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب فقال لها: أتعطين زكاة هذا؟ قالت: لا، قال: أيسرُّك أن يسورك الله بهما يوم القيامة بسوارين من نارٍ؟
وما روي عن عائشة قالت: "دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى في يدي فتخاتٍ من ورقٍ، فقال: ما هذا يا عائشة فقلت: صنعتنَّ أتزيَّن لك [بهن] يا رسول الله، قال: أتؤدِّين زكاتهنَّ؟ قلت: لا، أو ما شاء الله، قال: هو حسبك من النَّار" أخرجهما أبو داود.
والمسكة- بالتحريك-: السوار من الذبل.
والفتخة- بالتحريك- جمعها: فتخات، بفتحتين: حلقة من فضة لا فص فيها، فإذا كان فيها فص فهو الخاتم.
وقال عبد الرزاق: هي الخواتم العظام.
وقيل: هي خواتم عراض الفصوص ليست بمستقيمة.
وقيل غير ذلك.
ولأن الحلي من جنس الأثمان؛ فكانت الزكاة واجبة فيه قياساً على الدراهم والدنانير.
قال الإمام: ولا يخفى على ناظر في وجه الرأي أن هذا القول هو الأصح في القياس، والقائلون بالأول قالوا: هذه الأخبار متكلم في رواتها؛ حتى قال الترمذي: إنه لا يصح في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء. ولو صحت فهي منسوخة؛ لأن لبس الحلي من الذهب كان محرماً على النساء لأخبار دلت عليه ثم نسخ وأبيح لهن فسقطت فيه الزكاة .. وكذا قاله أبو الطيب. والحلي من الفضة فقد ذكرنا أن عائشة كانت لا تخرج زكاته وهي راوية المنع وهي لا تخالف الرسول إلا فيما علمته منسوخاً، كذا قاله البيهقي.
قال ابو الطيب: وجواب آخر: وهو أن الزكاة المذكورة في الأخبار محمولة على إعارة الحلي، لأنه روي عن [ابن] عمر وجابر وغيرهما أنهم قالوا: زكاة الحلي إعارته.
وذكر الماوردي هذا عن [رسول الله]صلى الله عليه وسلم وتوعده عليها بالعقاب- وإن كانت غير واجبة- حث عليها كما في قوله تعالى: {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [الماعون: 7].
والجواب عما ذكر من القياس: أن كونهما من جنس الأثمان لا يدل [على] أن الزكاة تجب فيهما؛ ألا ترى أن الماشية المعلوفة من جنس السائمة وحكمهما مختلف، وقد جعل الغزالي مأخذ الخلاف في الوجوب وعدمه مأخوذاً من أن مناط الوجوب في الذهب والفضة معناهما، وهو الاستغناء [عنهما] في عينهما؛ [إذ لا يرتبط بذاتهما غرض فبقاؤهما شبه يدل على الغنى، أو عينهما] كما في الربا؟ وفيه قولان:
فعلى الأول: لا تجب في الحلي المباح، قال في "الوسيط": وهو الجديد.
وعلى الثاني: تجب: وإذا قلنا به: فكان زنة الحلي مائتي درهم، وقيمته ثلاثمائة درهم- فقد قال الأصحاب كأبي الطيب وابن الصباغ وغيرهما: يتخير المالك بين أن يعطي ربع عشره مشاعاً يقبضه الساعي ويبيعه منه أو من غيره إن رأى ذلك، وبين أن يخرج خمسة دراهم فضة مضروبة، أو مضاعفة قيمتها مثل قيمة ربع عشره.
وفي "الحاوي": نسبة هذا القول إلى ابن سريج، والبندنيجي نسب إليه الجواز فيما إذا [أراد] إخراج خمسة دراهم تساوي سبعة ونصفاً من نقد البلد؛ لأنه موضع ضرورة، وقال: إن الشيخ أبا حامد قال: لا يجوز ذلك عندي؛ لأنه إخراج قيمة في الزكاة، ولا يجوز إخراج خمسة دراهم من نقد البلد، ولا أن يخرج منه سبعة دراهم ونصفا؛ لأنه ربا ولا يجوز أن يكسر منه خمسة دراهم فيعطيها؛ لأن في ذلك إضراراً به وبالفقراء.
وقد حكى القاضي أبو الطيب وغيره عن ابن سريج: [أنه قال]: يجوز له أن يعطي قيمة ربع عشره من الذهب؛ للضرورة.
قال القاضي أبو الطيب: وهذا فيه نظر؛ لأن الشافعي لم يجوز إخراج قيمة العشر في الرطب الذي لا يجفف فمسألتنا مثله.
وقال الشيخ أبو حامد: لا يجوز عندي ما قاله ابن سريج؛ لأنه أخذ القيمة في الزكاة ويمكن أن يسلم إليه ربع عشره ثم يعطيه قيمته فيجوز وجهاً واحداً، وقد اختاره في الحاوي.
[وحكى الرافعي] وجها: أنه يجوز أن يعطي خمسة دراهم إما منه أو من غيره، ولا اعتبار بصنعته ولا معول على قيمته؛ لأن الزكاة إذا وجبت في الحلي، إنما تجب في عينه لا في قيمته؛ ألا ترى أنه لو كان وزن الحلي دون النصاب وقيمته نصاباً لا تجب فيه الزكاة، [ولأن زيادة القيمة في مقابلة الصنعة وليست الصنعة عيناً تجب فيها الزكاة] فلم يجز اعتبارها ولا يمكن إلحاق ذلك
بالضرب في الدراهم والدنانير حيث قلنا: إذا كان معه مائتا درهم مضروبة لم يجز أن يعطي خمسة دراهم غير مضروبة؛ لأن ضرب الدراهم والدنانير وطبعها أقيم مقام صفات الجنس من الجودة والرداءة؛ لجواز ثبوته في الذمة كثبوت ضمان الجنس، ولا كذلك الحلي، ويشهد لذلك: أن من أتلف على غيره دراهم [مضروبة] لزمه مثلها ولو أتلف حلياً مصوغاً لم يلزمه مثله مصوغاً.
قلت: وامتناع أخذ سبعة ونصف من غير الحلي مفرع على الجديد في أن الفقراء ملكوا من المال قدر الفرض، وعلى القول بثبوته في الذمة؛ لأن محذور الربا قائم فإنها إذا ثبتت في الذمة ثبتت بتلك الصفة.
ثم على قياس مذهب ابن سريج في جواز أخذ القيمة عن الفرض للضرورة يظهر جواز أخذ سبعة دراهم ونصف إذا كان نقد البلد دراهم كما نقول فيما إذا أتلف حلياً من ذهب ونقد البلد ذهب فإنه يجوز أخذ قيمته ذهباً، وإن زادت على وزنه على الأصح كما ستعرفه في باب الغصب، وبه صرح القاضي الحسين هنا، وقال: إن من قال بمقابله أخذه من قول الشافعي في الصداق: إذا أصدقها إناءين فانكسر أحدهما، يقوم [بالذهب إن كان فضة، وبالفضة إن كان ذهباً].
وما ذكرناه في كيفية أخذ زكاة الحلي جار في كيفية أخذ زكاة الآنية من الذهب أو الفضة إذا قلنا بجواز اتخاذهما، أما إذا قلنا بمنعه كانت كالسبائك والنقار، صرح به البندنيجي وغيره.
قال: وإن كان معداً لاستعمال محرم، أو مكروه، أو للقنية، أي محرمة كانت أو مكروهة، أو مباحة- وجبت فيه الزكاة ووجهه في الأولى: الإجماع كما قال الرافعي، وفي الثانية: أنه عدل به عن أصله بفعل غير مباح فسقط حكم فعله وبقي على حكم الأصل وهو وجوب الزكاة. وفي الثالثة: أنه مستغنى عنه ومرصد للنماء فهو كغير المصوغ، وهذا هو المشهور.
وللإمام احتمال في منع الوجوب في المعد للاستعمال [المحرم نذكره في آخر الباب وجوابه.
ولصاحب "التهذيب" احتمال في إلحاق المعدة للاستعمال] المكروه بالمباح حتى يجري فيه القولان، وفي المعد للقنية المباحة وجه نذكره في التفريع، إن شاء الله تعالى.
أما إذا ملك حلياً من جوهر نفيس أو لؤلؤاً أو عنبراً ونحو ذلك فلا زكاة فيه، والتحلي به جائز للرجال والنساء. [نعم، يمنع الرجال من لبس ما له تشبه بالنساء] منع كراهة، كما سنحكيه عن النص.
واعلم أنه قد بقي من أحكام المسألة: المتخذ عارياً عن قصد الاستعمال والقنية مع كون استعماله مباحاً ولا شك في وجوب الزكاة فيه إن قلنا: بوجوبها في المعد للاستعمال المباح، وإن قلنا: لا تجب فيه، فهل تجب هاهنا؟ فيه وجهان حكاهما المراوزة:
أحدهما: الوجوب؛ لأن اسم "الزكاة" منوط باسم "الذهب" و"الفضة"، و [لا ينصرف] إلا بقصد الاستعمال ولم يوجد.
قال الإمام: وهذا هو الجاري على القاعدة.
والثاني: المنع؛ لأن الزكاة إنما تجب في المال النامي، والنقد وإن لم يكن نامياً بنفسه لكنه ألحق بالناميات، لكونه مهيأ للإخراج، وبالصياغة بطل التهيؤ.
قال في "العدة": وهذا ظاهر المذهب.
قلت: وعلته تقتضي عدم الوجوب في المتخذ للقنية المباحة، وفي النقار والسبائك، ولا قائل به في النقار والسبائك. نعم قد قيل به في المتخذ للقنية المباحة.
وقال الإمام: إنه غير معتد به فلا جرم كان الجمهور على الوجوب فيه قولاً واحداً، والمتخذ لقصد الاستعمال المباح إذا انكسر.
وقد قال الأصحاب فيه: إن لم يمنع الكسر من استعماله من غير حاجة إلى إصلاح فهو كالصحيح، وإن كان بحيث لا يمكن استعماله إلا بإعادة سبكه ففيه طريقان حكاهما البندنيجي وتبعه في"البحر":
إحداهما- عن أبي إسحاق-: القطع بالوجوب، وهي التي أوردها القاضي أبو الطيب والماوردي وابن الصباغ [والرافعي].
والثانية: إلحاق ذلك بالحالة التي سنذكرها وهي ما إذا كان لا يحتاج في استعماله إلى سبكه، بل إلى لحام ونحو ذلك، والحكم فيها: أن المالك إن لم يقصد به شيئاً بعد الكسر كان في وجوب زكاته- على قولنا: لا زكاة فيه- في حال صحته قولان:
قال البندنيجي: أحدهما- وهو ما يقتضيه نصه في "الأم"-: عدم الوجوب
والثاني- وهو الذي يقتضيه تعليله في القديم-: الوجوب؛ ولأجل ذلك قال في "البيان": إن الأول هو الجديد، والثاني هو القديم.
وقال في "الحاوي": إن الذي نص عليه الشافعي منهما الأول، والثاني قاله الأصحاب وبه جزم الفوراني وبعضهم أثبت الخلاف في المسألة وجهين.
وإن قصد المالك بعد كسره إعادته إلى ما كان عليه، ففيه طريقان:
إحداهما- وهي التي أوردها البندنيجي، وابن الصباغ، وأبو الطيب-: أنه كالصحيح؛ ففي زكاته القولان.
والثانية: إلحاق ذلك بالحالة قبلها.
وعند الاختصار يجيء في مجموع المسألة أربعة أوجه:
أحدها: الوجوب مطلقاً.
والثاني: المنع مطلقاً.
والثالث: الوجوب فيما إذا لم يمكن الانتفاع به إلا بعد تجديد سبكه وعدمه، فيما إذا أمكن بدون ذلك.
والرابع: الوجوب عند عدم قصد الإعادة، والمنع عند وجود القصد.
وعلى هذا: لو لم يشعر به المالك إلا بعد سنة فقصد الإصلاح فوجهان: الأصح في "الوسيط": عدم الوجوب.
ولا خلاف فيما إذا قصد جعله تبراً أو دراهم في الوجوب؛ لأن بهذا القصد تبين أنه كان مرصداً له.
وقصد الاستعمال المباح والمحرم والمكروه والقنية وغيره إذا طرأ في أثناء الحول كالمقارن بالنسبة إلى وجوب الزكاة وعدمها من حين طروء القصد، لا بعده صرح به الأصحاب.
قال الإمام: وقد جرى في أثناء كلام صاحب "التقريب" ما يدل على أن الحلي المباح على قول إسقاط الزكاة فيه لا يعود إلى الحول ما لم يقصد صاحبه رده إلى التبرية حتى لو قصد إمساكه حلياً من غير كسر فلا زكاة.
وقد آن ذكر ما هو مباح الاستعمال من الحلي، والمحرم منه، والمكروه؛ إذ به يحصل ثمرة ما تقدم، فنقول:
الحلي- بفتح الحاء وإسكان اللام-: مفرد، وجمعه: حُلُّي بضم الحاء وكسرها، قرئ بهما في السبع، والأكثرون على الضم، واللام مكسورة الياء مشددة فيهما.
وهو ثلاثة أنواع: منه ما يحل للرجال ويحرم على النساء، ومنه ما يحل للنساء ويحرم على الرجال، ومنه ما يستويان فيه من الإباحة والتحريم:
فالنوع الأول- ما يحل للرجال خاصة:
وهو المنطقة المفضضة، والسيف الذي قبضته ونصله وحلقته فضة، وكذا كل سلاح مباح حلي بالفضة، مثل: السهم، والرمح، والطير، وما أشبه ذلك، والدرع، والجوشن، والخوذة، والخف.
وهل يلتحق بذلك تحلية لجم الخيل، والسرج والمقود، ونحو ذلك مما يحلى به الفرس من الفضة؟ فيه وجهان:
المنسوب منهما لابن سلمة: الحل.
وفي "المهذب": نسبة مقابله إلى النص. وغيره قال: إنه الذي يقتضيه نص الشافعي، وإليه ذهب ابن سريج، وأبو إسحاق، وعامة أصحابنا؛ لأن ذلك حلية للفرس لا لراكبه، بخلاف ما ذكرناه فإنه حلية للراكب، وإنما قالوا: إن ذلك هو الذي يقتضيه النص؛ لأنه نص في "المختصر" على أنه: "إذا كان له فضة ملطوخة على لجام فعليه إخراج الصدقة عنها"، وهكذا ذكر في "البويطي"، ومذهبه فيه أن
الحلي المباح لا زكاة فيه؛ فدل على أن ذلك محرم.
قال الرافعي: "ورأيت كثيراً من الأئمة قطعوا في تصانيفهم بتحريم القلادة للدابة. وهذا يكون وجهاً ثالثاً في المسألة، وقد أجري الخلاف في الركاب وفي برة الناقة من الفضة.
قال في "الذخائر": ولا يجوز تحلية لجام البغلة والحمار وجهاً واحداً، وكذا السرج؛ فإنهما لا يعدان للحرب.
وقد ألحق بعض المراوزة سكين المهنة بسكين الحرب، وأجراه في "التهذيب" في سكين الداوة والمقارض، وهو الذي أجاب به الشيخ أبو محمد في "مختصر المختصر".
قال الإمام: وعلى هذا الخلاف يثور عندي اختلاف في النساء، فإن رأينا في حق الرجال أن يلحق سكين المهنة بآلات الحرب- منعناها النسوة، وإن قطعناها عن آلات الحرب-[أي] فحرمناها على الرجال- ففيه احتمال في حق النساء، والذي أورده العراقيون والمحققون: المنع في حق الرجال.
وهذا كله في المحلى بالفضة كما ذكرنا، أما لو حلي بالذهب فهو حرام عند الفريقين، لما روي أنه عليه السلام "خرج يوماً وعلى إحدى يديه قطعة ذهب، وعلى الأخرى قطعة حرير، وقال: هما حرام على ذكور أمتي، حل لإناثهم.
نعم، ترددوا في مسألتين:
إحداهما: اتخاذ سنة أو سنتين من الذهب لخاتم من الفضة، هل يجوز؟
الذي أورده الأكثرون: لا.
وقال الإمام من عند نفسه: لا يبعد تشبيه القليل منه بالضبة الصغيرة في الأواني، وتطريف الثوب بالحرير.
قال الرافعي: وللأكثرين أن يقولوا: الخاتم ألزم للشخص، واستعماله أدوم؛ فجاز الفرق بين أسنانه وبين الضبة.
وأما التطريف بالحرير فأمر الحرير أهون؛ لأن الخيلاء فيه أدنى.
الثانية: تمويه حلي الفضة السائغ استعماله بذهب لا يتحصل منه شيء عند العرض على النار، والمذكور في "الوسيط": الجواز، ومقابله هو الذي أجاب به العراقيون هنا.
وما عدا ما ذكرناه ونحوه من حلي الذهب حرام إلا المنسوج بالذهب إذا فاجأته الحرب ولم يجد غيره للضرورة كما سنذكره، ومن الفضة يجوز منه الخاتم كما سنذكره؛ لأنه عليه السلام "كان له خاتمُ من فضَّةٍ منقوشُ عليه: محمَّدُ رسول الله"، وما عداه لا يجوز عند الجمهور.
وفي "التتمة": أنه إذا جاز للرجل التختم بالفضة فلا فرق بين الأصابع وسائر الأعضاء، كحلي الذهب في حق النساء، فيجوز للرجل لبس الدملج في العضد، والطوق في العنق، والسوار في اليد وغيرها.
وبهذا أجاب الغزالي في "الفتاوى"، وقال: لم يثبت في الفضة إلا تحريم الأواني، وتحريم الحلي على وجه يتضمن التشبه بالنساء، [وقد استدل الأصحاب على تحريم تحلية آلات الحرب بالذهب والفضة على النساء، بأن في استعمالهن لها تشبيهاً بالرجال.
واعترض عليهم صاحب "المعتمد"، وقال: آلات الحرب من غير أن تكون محلاة إما أن يجوز للنساء استعمالها ولبسها أو لا يجوز، الثاني: باطل؛ لأن كونه من ملابس الرجال لا يقتضي التحريم، إنما يقتضي الكراهة؛ ألا تراه قال في "الأم":"ولا أكره للرجال لبس اللؤلؤ إلا للأدب، وأنه من زينة النساء، لا للتحريم"، فلم يحرم زي النساء على الرجال، وإنما كرهه، وكذلك حكم العكس، وأيضاً: فإن الحرب جائز للنساء في الجملة، وفي تجويز الحرب تجويز استعمال آلات الحرب، وإذا ثبت جواز استعمالها وهي غير محلاة فمحلاة أولى؛ لأن التحلي لهن أجوز منه للرجال، وبتقدير ألا يجوز لهن استعمالها وهي غير محلاة فلا يكون التحريم بأسباب التحلية؛ فلا يحسن تعليقه بها.
قلت: لكن لقائل أن يقول: النسوة إنما أبيح لهن التحلية لما فيها من التزين الحامل لأزواجهن على الاستمتاع بهن وهو في حالة الحرب لا يليق بهن لكونه داعياً إلى ذلك في حق الأجانب؛ فلا يسلم رجحانه على الرجال بل هن دونهم فيه، وقد ادعى في "الروضة": أن تشبه الرجال بالنساء وعكسه حرام؛ للحديث الصحيح: "لععن الله المتشبهين بالنساء من الرجال، والمتشبهات بالرجال من النساء"[وأما ما نصه في "الأم" فليس مخالفاً لهذا؛ لأن مراده أنه من جنس زي النساء].
والنوع الثاني- ما يحل للنساء خاصة:
وهو: التاج الذي جرت عادة النسوة به، والطوق، [والدملج والأسورة المعتادة] من الذهب والفضة، والحلق في الأصابع من الذهب، وفي الأذنين
منهما، والخلخال المعتاد، وغير ذلك من الذهب والفضة مما جرت عادتهن بلبسه، وفي السوار الثقيل والخلخال الثقيل الخارج عن العادة في الوزن وجهان في "التهذيب".
وجه المنع- وهو الذي ذكره معظم العراقيين والمتولي-: أن المباح لهن ما تتزين به ولا زينة في ذلك.
قال الرافعي والإمام: وهو جار في إسراف الرجال في تحلية آلات الحرب.
ومقابله: مقيس على جواز اتخاذ أساور كثيرة وخلاخل ليلبس واحداً؛ بعد واحد فإن ذلك جائز.
وعن ابن عبدان: أنه ليس لهن اتخاذ زر القميص، والفرجيَّة من الفضة والذهب.
قال الرافعي: [ولعل] هذا جواب على الوجه الذي يقول: لا يجوز لهن لبس المنسوج بهما، وهل يجوز لهن لبس النعال من الذهب والفضة؟ فيه وجهان:
المذكور منهما في "الحاوي": المنع.
ومقابله: منسوب للقاضي الحسين.
قال في "الحاوي": وما أبحناه لهن هل يتجه للأطفال الذكور؟ فيه وجهان. وقد حكاهما غيره.
قال الرافعي: ويجيء فيهم الوجه الثالث الذي ذكرناه في إلباسهم الحرير.
والخنثى المشكل في تحريم ما أبحناه للمرأة، كالرجل لجواز أن يكون رجلاً.
وقال المتولي: يجوز له لبس حلي الرجال والنساء معاً؛ لأنه كان [له] لبسهما في الصغر فيستصحب إلى الزواج.
قلت: وهذا منه بناء على جواز لبس حلي النساء للذكر الصغير، وكلامه
يقتضي أيضاً: أن ما حرمنا لبسه على النساء من آلة الرجال [نبيحه] للأطفال من الإناث، وإلا لما كان يجوز للخنثى جواز حلي الرجل؛ حذراً من أن يكون أنثى.
والنوع الثالث: ما يشترك فيه الرجال والنساء:
فيباح لهم: خواتم الفضة، واتخاذ الأنف من الفضة والذهب إذا جدع، وكذا الأنملة منهما، دون اتخاذ الكف والأصبع من الذهب أو الفضة؛ لأنه لا يعمل ولا ينتفع به، والأنملة ينتفع بها.
وفي "الروضة" وجه عن رواية القاضي الحسين وغيره: أنه يجوز أن تتخذ اليد والأصبع من الذهب والفضة.
ويجوز لهما ربط السن بالذهب والفضة عند تقلقلها؛ اقتداء بعثمان رضي الله عنه.
وفي جواز تحلية المصحف بالفضة قولان أومأ إليهما في "حرملة" كما قال البندنيجي.
وقال غيره: إن في "سير" الواقدي: ما يدل على الحظر، وفي القديم والجديد ما يدل على الجواز؛ ولذلك قال الكرخي: في المسألة قولان، وبعضهم أثبت الخلاف في المسألة وجهين، فإن جوزناه- وهو الذي أورده الماوردي وأبو الطيب- ففي جوازه بالذهب وجهان:
أصحهما في "الحاوي": الجواز أيضاً وبه أجاب الشيخ أبو محمد في "مختصر المختصر" والفوراني، وهو المذكور في "فتاوي" الغزالي حيث قال: من كتب القرآن بالذهب فقد أحسن ولا زكاة عليه. وعلى هذا فلا بأس بتحلية المصحف بالذهب وتزيين الكعبة بالذهب والحرير ما لم ينسب إلى الإسراف.
والذي أورده القاضي أبو الطيب: منع الرجال من تحلية المصحف بالذهب.
وعند الاختصار يجيء في المسألة ثلاثة أوجه: ثالثها يجوز بالفضة، ولا يجوز بالذهب.
وقال البندنيجي: إن الثالث: لا يجري في المرأة. وهو ما قاله الغزالي: حيث حكى في جوازه بالفضة وجهين، وفي جوازه بالذهب ثلاثة أوجه، ثالثها: يجوز للنساء دون الرجال.
قال الرافعي: وكلام الصيدلاني والأكثرين إلى هذا أميل.
وذكر صاحب "التقريب": أن بعض أصحابنا جوز تحلية نفس المصحف دون غلافته المنفصلة عنه، ثم زيفه، وقال: إنه لا فرق، ولذلك قال الرافعي: الأظهر التسوية.
قال الإمام: [فإذن] عندي في غلاف المصحف إذا لم يكن متصلاً به- تردد أخذاً من اختلاف الأصحاب في أن المحدث هل يمس غلافة المصحف أم لا؟
وهل يجوز للرجال والنساء تمويه الكعبة وسائر المساجد [بالذهب والفضة؟ فيه وجهان في "الحاوي" يجري مثلهما في تحلية الكعبة وسائر المساجد] بقناديل الذهب والفضة، كما حكاه الرافعي:
فالمنع في الأولى هو الذي أورده البغوي، وقال القاضي أبو الطيب: إن الشافعي نص عليه ولم يحك غيره.
وقال الإمام: إن العراقيين حكوه عن أبي إسحاق ولم يذكروا غيره، ولم أعثر على خلاف هذا أنقله وليس يخفى وجه الاحتمال.
والمنع في الثانية هو الذي حكاه الغزالي تبعاً لإمامه عن رواية العراقيين عن أبي إسحاق.
وقال الغزالي: لا يبعد مخالفته؛ حملاً على الإكرام كما في المصحف، أو لأن الأصل في الفضة الإباحة إلا في الأواني، وفي الذهب الإباحة إلا على ذكور الأمة، وليس هذا من تحلي الذكور.
قلت: وقضية التوجيه الأول: جواز تمويه محراب المسجد بالذهب والفضة، وقد حكينا عن نص الشافعي وغيره منعه، وقال الإمام: إنه لم يعثر على خلافه.
وقضية التوجيه الثاني: جواز تمويه سقف البيوت [وجدرانها] بالذهب والفضة، ولم يختلف الأصحاب في منعه، وإذ قد بطل ذلك لزم إبطال ما ذكره إن قلنا: إن من شرط العلة الاطراد.
والمشهور: أنه يحرم على الرجال والنساء تحلية غير المصحف من الكتب بالذهب والفضة، كما لا يجوز تحلية الدواة، والمحبرة، والمقلمة، والمرآة، والسرير للدواة.
وحكى في "النهاية" عن شيخ الإمام أنه قال: من فصل بين الرجال والنساء في تحليةل المصحف يتطرق إليه أن يجوز لهن تحلية كتب يتعاطينها، لاعتقادهن [ذلك] حلية في حقهن، وهذا بعيد لم يقل به أحد وبه يتبين أن الأولى رفع الفرق بين الرجال والنساء في تحلية المصاحف، وقد حكى البغوي وجهاً في جواز تحلية الدواة والمقلمة والمرآة بالفضة، وبه أجاب في "مختصر المختصر".
ولا شك في تحريم التاج الذي لا يلبسه إلا عظماء الفرس على الرجال والنساء.
وهذا ما حصرنا فيما يحل لمن ذكرنا ويحرم عليه.
والمكروه لكل من الفريقين: ما يجوز استعماله من غير الذهب والفضة إذا ضبب بالفضة القليلة لغير الحاجة، أو الكثيرة للحاجة، دون ما إذا ضبب بالفضة
من غير حاجة أو ضبب بفضة كثيرة؛ فإنه محرم على الأصح كما هو مذكور في باب الآنية.
والمضبب بالذهب من الأواني [إن] أبحناه كان كالمضبب بالفضة، وإن منعناه كان من المعد لاستعمال محرم، وكذا المضبب من غير الأواني بالنسبة إلى الرجال، وبالنسبة إلى النساء يكون فيما يحرم عليهن استعماله إذا كان خالصاً كالمضبب بالفضة من الأواني كذا يظهر لي، ولم أعثر فيه على نقل.
والقنية المحرمة: قنية المضبب، والمحلى من آلات الملاهي.
والقنية المكروهة قنية ما يحرم من استعماله من الحلي على الرجال والنساء، إذا اتخذ لأجل القنية، إن لم نقل بتحريم الاتخاذ.
والقنية المباحة: اقتناء ما يباح استعماله من الحلي.
وقد جعل بعضهم ما يكره اقتناؤه: آنية الذهب والفضة إذا اتخذت للقنية، وقلنا: لا تحرم قنيتها؛ فإنها مكروهة. ولا شك في أن اقتناءها مكروه، والحكم فيها كما ذكرنا، لكنه لا يمكن أن يصور بذلك كلام الشيخ؛ لأن الكلام في الحلين وآنية الذهب والفضة ليست من الحلي، فإن كانت منه استقام ما ذكرناه والله أعلم.
وإذ قد عرفت ما يحرم استعماله، ويباح، ويكره، عرفت أن الرجل إذا ملك الحلي المباح للرجال خاصة، وأعده ليستعمله أو يعيره للرجال، والحلي المباح للنساء خاصة وأعده لتلبسه زوجته وجواريه أو يعيره للنسوة، أو ملكت المرأة الحلي المباح للنساء خاصة [و] أعدته لتستعمله أو تعيره أو الحلي المباح للرجال خاصة وأعدته لتلبسه بنتها وخدمها وزوجها أو لتعيره للرجال- لم تجب الزكاة فيه على أصح القولين؛ لأن ذلك معد لاستعمال مباح، وهل يلحق اتخاذ ذلك لقصد إجارته لمن يباح له استعماله، بقصد إعارته؟ فيه طريقان.
أصحهما: نعم فيكون الحكم كما تقدم.
والثاني لا فتحب الزكاة فيه قولاً واحداً؛ لأن هذا معد للنماء.
ولو ملك الرجل حلى النساء، [وملكت] المرأة حلي الرجال لتلبسه أو
لتعيره من يحرم عليه استعماله- فذلك معد لاستعمال محرم؛ فتجب فيه الزكاة قولاً واحداً، ووراء ذلك احتمال للإمام في منع الوجوب على قولنا: إن الحلي المباح لا زكاة فيه من حيث إنَّ معتمد من ينفي الزكاة عن الحلي: أنه مصروف عن جهة النماء، فإنه عرض من العروض، والنقد وإن لم يكن نامياً في نفسه فإنما ألحق بالناميات من جهة تهيئته للصرف، فإذا اتخذ منه حلي زال هذا المعنى؛ فسياق هذا يقتضي أن يقال: كل حلي لا يكسر على صاحبه لا زكاة فيه، وإن كان قد قصد استعماله على وجه محرم فإن التحريم يرجع إلى فعله في الحلي، [لا] إلى نفس الحلي.
والحلي فيما ذكرنا [محترم في الصنعة] غير مكسر على المالك، وعلى كاسره الضمان وإن فسدت القصود. نعم، إن قلنا بكسر أواني الذهب والفضة على ملاكها فتجب الزكاة فيها؛ لأن تلك الصنعة مستحقة الإزالة شرعاً؛ فالأواني في حكم الشرع متبرة، وكذلك لو اتخذ من التبر صور وآلات ملاهٍ.
قلت: ولا يجيء مثل هذا في الحلي إلا أن يكون محرم الاستعمال على الرجال والنساء؛ فإن في جواز اتخاذه قولين كما في الآنية صرح به الرافعي؛ حيث حكى: في وجوب ضمان صنعته على كاسره وجهين أما المحرم على أحدهما فلا يكسر بحال الإمكان الانتفاع به فلو كسر ضمنه كاسره وجهاً واحداً.
فإذن: يتلخص من هذا الاحتمال ألا تجب في الحلي المباح لأحد الفريقين، وتجب في المتخذ صوراً وآلات ملاهٍ وهل تجب في الأواني؟ فيه خلاف مبني على جواز الاتخاذ، فإن قلنا: يحرم، وجبت، وإلا فلا [تجب].
ثم قال الإمام: و [في] هذا الذي ذكرته إشكال أبديته، وليس [من] قاعدة المذهب، وجوابه: أن الزكاة تجب في النقد لعينه، لا لكونه مهيأ للنماء، بدليل وجوبها في النقار والسبائك، وعينه لا تنقلب باتخاذ الحلي، وهو في معنى النقار والسبائك، لكنه يتميز عنها بقصد الاستعمال، وحينئذ فلا يلحق بالعروض- وهو
عينهما- إلا بقصد ينضم إليه، وهذا يناظر- على العكس- الثياب وغيرها من العروض؛ فإنها لما لم يكن مال الزكاة في عينها، لا تصير مال الزكاة إلا بقصد ينضم إلى الشراء وهو قصد التجارة، وإذا لم تسقط الزكاة بمحض الصنعة، واحتيج إلى قصد الاستعمال- فمتى قصد محرماً لغا ولم يؤثر في الإسقاط. هذا ملخص كلامه.
والخنثى إذا حرمنا عليه لبس حلي الرجال، واتخذه ليلبسه- كان عليه زكاته على الأظهر، وبه أجاب أبو العباس الروياني في "المسائل الجرجانيات".
قال الرافعي: وقيل: هو على القولين في الحلي المباح.
أما إذا أبحناه له جاء القولان بلا خلاف.
فرع: قد تقدم أن تمويه سقف البيت وجداره بالذهب والفضة حرام، فإذا فعله هل تحرم استدامته؟
قال البندنيجي وصاحب "البحر": إن كان قد استهلك بحيث لا يمكن أن يجتمع منه شيء لم تحرم، وإن أمكن أن يجتمع منه شيء حرمت ووجبت فيه الزكاة، وكيفية إخراجها: أنه ينظر: فإن كان مقطوعاً بمقداره أخرج واجبه من غيره، وإن لم يقطع وأمكنه أن يستظهر فيعطي الواجب أو أكثر، [فعل]، وإن قال: لا أحيط به علماً ولا أستظهر، قلنا: فاقلع واسبكه.
وهكذا الحكم في إخراج الزكاة من الملطوخ على اللجام إذا قلنا: فيه الزكاة، والله أعلم.