الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الكفن
وتكفين الميت- أي: فعل التكفين- فرض على الكفاية؛ لقوله- عليه السلام في حق المحرم: "كفنوه في ثوبيه اللذين مات فيهما" فخاطب به الجمع. واةلمقصود يحصل بفعل البعض، وهذا شأن فروض الكفايات؛ وأيضاً فهو إجماع.
وهل يكون أقاربه أخص بذلك، أم هم وغيرهم سواء؟ فيه ما تقدم في الغسل، وهذا في حق المسلم، أما الذمي والحربي فقد تقدم الكلام فيهما.
قال: ويجب ذلك، أي: الكفن، وأجرة التكفين في ماله مقدمة على الدين والوصية؛ لحديث المحرم، فإنه- عليه السلام لم يسأل: هل يخرج ثوباه من الثلث أم لا؟ وهل هو موسر أو معسر؟ ولأن ذلك شبيه بكسوته في حياته وهي مقدمة على ديونه، وهذا إذا لم يكن ماله مرتهناً بدينه ولا جانياً.
قال في "الروضة": ولا مبيعاً ثبت لبائعه الرجوع فيه، فإن كان فقد ذكرنا حكمه في أول كتاب الفرائض.
فرع: لو أعد الشخص لنفسه كفناً فهل يجب تكفينه فيه؟ لم أظفر فيه بنقل، ولكن كلام القاضي أبي الطيب الذي سنذكره عند الكلام في الشهيد يقتضي أنه لا يتعين، بل للوارث إبداله، خصوصاً وقد قال الصيمري: إنه لا يستحب أن يعد لنفسه كفناً؛ كي لا يحاسب عليه.
قال في "الروضة": وهذا الذي قاله صحيح إلا إذا كان من جهة يقطع بحلها، أو من أثر بعض أهل الخير من العلماء والعباد ونحو ذلك؛ فإن ادخاره حسن، وقد صح عن بعض الصحابة فعله.
قلت: وفي تصحيح ما ذكره الصيمري نظر إذا كان الواجب تكفينه من ماله؛ فإنه يحاسب عليه بكل حال، وقد رأيت بعد ذلك في كتاب "الأسرار" للقاضي الحسين في كتاب السرقة فيما إذا قال: كفنوني في هذا الثوب- أنه يلزم تكفينه فيه على أحد الوجهين وأنهما مبنيان على ما لو قال: اقض ديني من هذا المال، فيه وجهان يبنيان على ما لو أوصى بقضاء دينه هل يتعين ويحاص أهل الوصايا؟
قال: فإن كانت امرأة لها زوج فعلى زوجها؛ لأنه يلزمه كسوتها في حياتها؛ فلزمه كفنها ومؤنة تكفينها كأمته وأم ولده ومكاتبته، وهذا ما صار إليه أبو إسحاق، واقتضى إيراد أبي الطيب ترجيحه، وصرح بتصحيحه الرافعي والمصنف وغيرهما، ولا فرق على هذا بين أن يكون لها مال أم لا، نعم، لو لم يكن للزوج مال ولها مال وجب فيه، قاله الرافعي.
وقيل: في مالها؛ لأن الزوجية قد زالت [بالموت] فكانت [كالأجنبية، ولأن
الكسوة في حال الحياة في مقابلة التمكين من الاستمتاع، وقد زال بالموت؛ فوجب] في مالها كالخلية عن الزوج. وهذا ما ادعى الماوردي أنه ظاهر المذهب، وبه قال ابن أبي هريرة، واختاره في "المرشد".
قال: فإن لم يكن له أي: للميت- مال فعلى من تلزمه نفقته، أي: في حياته؛ لأن ذلك خاتمة مؤنته.
قال في "التتمة": وكذا لو مات فقير كسوب أو غير كسوب، وقلنا: لا نفقة له؛ لكونه صحيحاً- يجب على من تلزمه نفقته لو كان زمناً تكفينه؛ لأن الميت عاجز، وكذا يجب على المكاتب تكفين المكاتب، وإن كان لا يلزمه نفقته؛ لأن الكتابة بطلت بالموت.
واعلم أنه يوجد في كثير من نسخ "التنبيه": "فإن لم يكن لها مال". والذي ضبط عن نسخة المصنف ما ذكرناه.
قال: فإن لم يكن ففي بيت المال؛ لأنه مرصد للمصالح، وهذا منها؛ فإن لم يكن فيه شيء فعلى جميع المسلمين، وقد أفهم كلام الغزالي اختصاص الخلاف المذكور في كفن الزوجة بما إذا لم تخلف مالاً، أما إذا خلفت فلا، والذي أورده الإمام والقاضي الحسين والفوراني والماوردي والبندنيجي: إجراء الوجهين في حال يسارها وإعسارها كما ذكرناه، وقال القاضي: إنه يمكن بناء الوجهين على أن كسوة الزوجة على الزوج للتمليك أو للاستمتاع؟ فإن قلنا: للاستمتاع، فهو كالقرابة؛ فيجب هاهنا، وإن قلنا: للتمليك، لا يجب عليه هنا.
فرع: هل يجب على الزوج تكفين خادم زوجته أم لا؟ فيه وجهان.
قال: ويستحب أن يكفن الرجل في ثلاثة أثواب، أي: لا يزيد عليها ولا ينقص؛ لما روى البخاري ومسلم عن عائشة قالت: "كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب [بيضٍ] سحولية من كرسف ليس فيها قميص ولا عمامة".
قال ابن الصباغ: وسحول- بفتح السين-: مدينة، بناحية اليمن يعمل فيها ثياب
يقال لها: السحولية، والسحول- بضم السين-: الثياب البيض من القطن، وهو الكرسف. قال القاضي الحسين: والخبر بالضم على الصحيح.
قلت: [و] في مسلم ما يرد عليه؛ لأنه روى عن عائشة- رضري الله عنها- أنها قالت: "أدرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في حلة يمانية كانت لعبد الله بن أبي بكر ثم نزعت عنه، وكفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية يمانية، ليس فيها عمامة ولا قميص".
فإن قيل: قد قال- عليه السلام في المحرم: "كفنوه في ثوبيه اللذين مات فيهما"، وذلك يدل على أن الاقتصار على ثوبين سنة.
قيل: يحتمل أن يكون لا يملك غيرهما، ونحن نستحب الثلاث لمن قدر عليها، وبذلك يحصل الجمع بين قوله وفعل الصحابة به صلى الله عليه وسلم ولو زاد على الثلاث وجعله خمسة أثواب، قال الشافعي: جاز ذلك ولم يكره. ووجهه بما روي: أن عبدا لله بن عمر كان يكفن من مات من أهله في خمسة أثواب، وحينئذ فيجعل الرابع والخامس قيمصاً وعمامة، وإليه أشار في "الأم" بقوله: فإن عمم وقمص جعلت العمامة والقميص بعد الثياب، والزيادة على الخمس تكره؛ لما روى أبو داود عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا تغالوا بالكفن؛ فإنه يسلب سلباً سريعاً"، فإذا كانت
المغالاة مكروهة فزيادة العدد [أولى] أن تكون مكروهاً، ولأن في ذلك سرفاً.
قال: إزار، وهو ما تؤزر به العورة، ولفافتين، أي: يلف كل منهما على جميع بدنه؛ لأن الخبر دل على ثلاثة أثواب ليس فيها قميص ولا عمامة، وهذه الهيئة أولى به، وفي "الوسيط" و"التتمة": أنه إذا كفن في ثلاثة أثواب كانت كلها سوابغ، وهو وجه حكاه الإمام مع وجه آخر أن الثوب الواحد يأتزر به، والثاني يلف عليه من الصدر أو فويقه إلى نصف الساق، والثالث يلف على جميع جثته. وفي "التهذيب" عوضه: أن الأول يستر به ما بين سرته وركبته، والثاني [يلف] من عنقه إلى كعبه، والثالث يستر [به] جميع بدنه، وإذا جمعت ذلك كان فيها أربعة أوجه، وميل النص إلى ما قاله الغزالي؛ لأنه قال: وأحب عدد الكفن إلي ثلاثة أثواب رياط ليس فيها قميص ولا عمامة، والرياط، جمع: ريطةٍ وهي الملاءة تصنع قطعة واحدة عريضة كهيئة الإزار الذي ليس بملفق من ثوبين.
ولو جعل من الثلاث قميصاً أو عمامة، قال في "المهذب" و"الإبانة": لم يكره؛ لأنه- عليه السلام كفن عبد الله بن أبي ابن سلول في قميصه وقال: "لا يعذب ما بقي عليه منه سلك" أي: خيط.
وقد حكى بعض أصحاب أبي حنيفة عنه: أنه استحب ذلك، وقال القاضي أبو الطيب: إن ذلك ليس ثابتاً عنه، ومذهبه كمذهبنا.
قال: بيض؛ لحديث عائشة، ولقوله- عليه السلام:"البسوا من ثيابكم البياض؛ فإنه من خير ثيابكم، وكفنوا فيها موتاكم" أخرجه الترمذي من رواية ابن عباس، وقال: إنه حسن صحيح.
فلو كانت كلها حبرةً، لم يكره، قال أبو الطيب: لأنه – عليه السلام كان يلبس
الحبرة يوم الجمعة والعيد.
والذكر الصغير كالرجل، قاله في "الروضة"، فلو أبدل الشيخ لفظ "الرجل" بـ"الذكر" لكان أولى.
قال: والمرأة في خمسة أثواب- إزار وخمار ودرع ولفافتين-[بيض]؛ لما روى أبو داود، [ورواه أحمد أيضاً] عن ليلى الثقفية قالت:"كنت فيمن غسل أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم عند وفاتها، فكان أول ما أعطانا رسول الله صلى الله عليه وسلم الحقاء ثم الدرع ثم الخمار ثم الملحفة، ثم أدرجت بعد في الثوب الأخير"، والدرع: هو القميص كما قال البندنيجي والمتولي وغيرهما وهو مذكر، والإزار يذكر ويؤنث، والحقاء: الإزار، وأصله: معقد الإزار، وما ذكره الشيخ حكاه في "المذهب" وغيره قولاً عن الشافعي، وصححه الماوردي، وإليه ميل الأكثرين، وادعى القاضي الحسين أنه القديم، وأن المزني اختاره، وقال: إن الشافعي قال به مرة ثم خطَّ عليه، فإذا قلنا به تؤزر، ثم تدرع، ثم تخمر، ثم تلف في لفافتين، كذا حكاه القاضي الحسين عن القديم، وقال البندنيجي: إنه قال في "الأم" والقديم: تلبس الدرع، [وتؤزَّر]، ثم تقنع، ثم تدرج في لفافتين، والمعزي إلى نصه في الجديد- كما قال الإمام-: أنه لا يستحب لها الدرع كما في الرجل، ولأنها إنما تحتاج إلى الدرع للتصرف، وقد زال بالموت، فإذا قلنا بهذا فقد قال العراقيون والمتولي:[إنه] يجعل- عوضه- لفافة أخرى.
قال البندنيجي: كما قلنا في الرجل، وقال الإمام: ذلك ينبني على خلاف الأصحاب في مسألة مقصودة في نفسها، وهي أن الشافعي قال: ويشد على صدرها ثوب يضم أكفانها، واختلف فيها الأصحاب: فمنهم من قال: أراد بذلك ثوباً سادساً، ومنهم من قال: أراد به ثوباً من الخمسة، فعلى الأول يكون الأمر كما ذكره العراقيون، وعلى الثاني يكون الخمس: إزاراً وخماراً ولفافتين وشداداً. ولو قلنا بأنها تدرع، وأن الشداد من الخمس- كانت إزاراً وخماراً ودرعاً ولفافة واحدة وشداداً.
وإذا جمعت ذلك واختصرت جاءك في المسألة أربعة أقوال وأوجه:
أحدها: ما ذكره الشيخ.
والثاني: أن الخمس: إزار وخمار ودرع ولفافة وشداد.
والثالث: أنها: إزار وخمار وثلاث لفائف.
والرابع: أنها: إزار وخمار ولفافتان وشدادز
وقد فرع الأصحاب على الخلاف الذي ذكرناه في الشداد: هل هو وراء الخمس [أو] منها؟ فقالوا:
إن قلنا: إنه وراء الخمس، ربط فوق اللفائف، وحل عنها في القبر وأخرج، ويترك عليها الخمس، وهذا منسوب إلى أبي إسحاق، والأصح في "المهذب" و"تعليق" أبي الطيب و"الرافعي"، وحكى الماوردي على هذا وجهاً آخر: أنه لا يحل، بل يترك عليها.
وإن قلنا: إنه من الخمس، يترك عليها في القبر؛ لأنه من جملة الأكفان، وهو المنسوب لابن سريج متمسكاً فيه بأن الشافعي أمر بشدها به، ولم يقل: إنه يؤخذ عنها إذا دفنت؛ فدل على أنه يبقى معها.
وفي كيفية شده وجهان، حكاهما الإمام عن رواية بعض المصنفين:
أحدهما- وهو اختيار ابن سريج كما قال-: أنه يكون فوق اللفائف حتى يجمعها.
والثاني- وهو مذهب أبي إسحاق-: أنه يشد وسطها دون الريطة الثالثة.
والذي رأيته في "الإبانة" وهو الأولى- نسبة الأول إلى أبي إسحاق، والثاني إلى ابن سريج، وظاهر النص مع القائل بأنه يشد فوق الأكفان؛ لأنه قال: يضم أكفانها، والرابع لا يضم الأكفان وإنما يضم ثلاثة منها، وقد اتفق الأصحاب على أنه لا يزاد
على ما ذكرناه بحال؛ فإنه سرف ومغالاة، وقد نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن فعل ذلك كان مكروهاً.
وقد أفهم كلام الشيخ أن استحباب الخمس في حق المرأة كالثلاث في حق الرجل، وقال الإمام عن الشيخ أبي علي: إن الخمسة- وإن أحببناها- فليست في حقها بمثابة الثلاثة في حق الرجل حتى نقول: يجبر الوارث عليها كما يجبر على الثلاث، وهذا متفق عليه. ولو كفنت في ثلاثة أثواب، قال الغزالي: كانت ثلاث لفائف، وإنما التردد في القميص إن كفنت في خمس، وعبارة الإمام أنه ينبغي أن تكون رياطاً سابغة، وإنما ذكر الشافعي القولين في استحباب القميص إذا كانت تكفن في خمسة أثواب، قال: والسبب فيه: أن الإزار والخمار إذا كانت تكفن في خمس أولى من القميص، [فإذا كانت تكفن في ثلاثة فإزار وخمار ولفافة، وإذا لم يكن فوق الثياب لفافة سابغة فيكون ذلك خارجاً عن الوجه المختار، وتقدير هذا: أنه إذا كان الإزار والخمار أولى من القميص إذا كفنت في خمس؛ فأولى] إذا كفنت في ثلاث، وإذا كان كذلك فلا يمكن ترك الإزار والخمار ويجعل بدله القميص؛ فتعين الإتيان بهما، والثالث إن جعل قميصاً خرج عن الوجه المختار؛ فتعين أن يكون لفافة.
لكن هذا من الإمام يناقض ما قاله أولاً: إنها تكون رياطاً سابغة، وقد قال الرافعي: إنه لا فرق في التكفين في الثلاثة بين الرجل والمرأة، وقضيته: أن تأتي الأوجه السابقة في الرجل.
تنبيه: [كلام الشيخ في] هذا الفصل والذي قبله يفهم أمرين:
أحدهما: أنه لا فرق في الثياب الثلاث والخمس بين الجديد والملبوس؛ إذ لو اختلف الحال في ذلك لنبه عليه كما [فعل في] المحرم، وقد قال في "الحاوي": إنه يختار أن تكون جدداً، وإليه يرشد كلام صاحب "التقريب"، والذي سنذكره، وقد قال ابن الصباغ: إنه جاء في رواية أنه- عليه السلام كفن في ثلاثة أثواب بيض جدد، وقال في "التهذيب" و"التتمة"، تبعاً للقاضي الحسين: إن التكفين في الجديد جائز واللبيس أولى؛ لأن مآلها إلى البلى.
الثاني: أنه لا فرق في الثياب بين أن تكون من قطن أو كتان أو غيرهما مما يجوز لبسه للرجال أو النساء، لكن الذي دل عليه الخبر أن يكون من قطن وهو الأولى، قاله البغوي، ويجوز التكفين فيما يباح للميت لبسه، لكن المرأة يكره تكفينها في الحرير على المذهب، وفيه وجه حكاه صاحب "الروضة": أنه يحرم، وقال: إنه شاذ؛ وكذا يكره تكفينها في المزعفر والمعصفر على المذهب، قال في "الروضة": وفيه وجه أنه لا يكره.
قلت: وعليه ينطبق قول البندنيجي: إن ما جاز للرجل أن يلبسه في حياته جاز أن يكفن به بعد وفاته، وكذلك المرأة، وقال الغزالي: وليكن جنسها القطن أو الكتان.
قال الرافعي: ولك أن تقول: إما أن يريد بذلك استحباب هذين النوعين على الخصوص أو يشير بهما إلى جملة الأنواع المباحة، ويكون التقدير: القطن والكتان وما في معناهما، أما الأول فقضيته: تقديم النوعين على سائر الأنواع المباحة كالصوف وغيره، وهذا شيء لم نره في كلام الأصحاب، وإن أراد الثاني فظاهر اللفظ معمول به في حق النساء دون الرجال: أما أنه معمول به في حق النساء؛ فلأن تكفينهن [بغير هذه الأنواع- وهو الحرير- جائز، وإن كره؛ لما فيه من السرف؛ فينتظم أن نقول: تكفينهن] بهذه الأنواع مستحب، وأما أنه غير معمول به في حق الرجال؛ فلأن استحباب بشيء من هذه الأنواع إنما يكون إذا جاز تكفينهم بغير هذه الأنواع وإنه ممتنع.
قال البندنيجي: ويستحب أن تستجاد الثياب التي يكفن فيها؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه"[أخرجه مسلم] فإن كان موسراً
فتكون [الثياب] جياداً، وإن كان معملاً فتكون وسطاً، وإن كان فقيراً فتكون دون ذلك.
فإن قيل: قد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المغالاة في الكفن.
قلنا: قد قال القاضي الحسين: إنه يجمع بين الحديثين بأن يحسن منظرها ولا تكون ثمينة.
قال: ويجعل ما عند رأسه أكثر مما عند رجليه، أي: عند وضعه في الكفن كما سنذكره في آخر الباب؛ لأن الحي هكذا يفعل، ولأن الرأس تشتمل على أعضاء شريفة.
قال: والواجب [من ذلك] – أي: في حق الرجل والمرأة- ثوب واحد، أي: يستر العورة؛ لما روى البخاري ومسلم: أن مصعب بن عمير قتل يوم أحد، فلم يوجد له شيء يكفن فيه إلا نمرة، قال الراوي: فكنا إذا وضعناها على رأسه خرجت رجلاه، وإذا وضعناها على رجليه خرج رأسه، فقال صلى الله عليه وسلم:"دعوها مما يلي رأسه، واجعلواه على رجليه الإذخر"، وجه الدلالة منه: أنه- عليه السلام لم يأمر بأن يكفن في غيرها مع أنها لا تستر جميع البدن، ولو كان واجباً لأمر به، ولأنه يجب من ستره بعد الموت ما كان يجب من ستره قبله وذلك قدر العورة.
والنمرة- بفتح النون وكسر الميم وبعدها راء مفتوحة وتاء تأنيث-: كل شملة
مخطوطة من مآزر الأعراب، وجمعها: نمار، كأنها أخذت من لون النمر؛ لما فيها من السواد والبياض، وقيل: هي من صوف وفيها أمثال الأهلة، وما ذكرناه في تفسير كلام الشيخ هو ما أورده القاضي أبو الطيب هنا والمتولي، وكذا ابن الصباغ، وحكاه عن نصه في "الأم"، وكذا البندنيجي حكاه عن "الأم".
وقال الماوردي: إن الشافعي قال: فإن غطي من الميت قدر عورته فقد سقط الفرض، ولكن أخل بحق الميت.
وعلى هذا يختلف الثوب بالنسبة إلى الرجل والمرأة؛ لاختلاف عوراتهما، وهل يختلف بالحرة والأمة؟ سكت عنه الأصحاب، والظاهر أنه لا فرق؛ لأن الرق يزول بالموت، كما قاله في "الوسيط" في كفارة اليمين، وأشار إليه في "المهذب" بقوله في الرد على من قال بأن تكفين المرأة في مالها: إن هذا يبطل بالأمة؛ فإنها تصير بالموت أجنبية من مولاها. والخنثى فيما ذكرناه كالمرأة.
وفي "المهذب" حكاية وجه آخر: أن الواجب ثوب ساتر لجميع البدن، أي: إذا لم يكن محرماً؛ لأن ما دونه لا يسمى كفناً، وهو ما حمل عليه بعض الشارحين كلام الشيخ هنا، ولم يورد القاضي الحسين والإمام ومن تبعهما [هنا] غيره، وقال الإمام: إنه لم يصر أحد إلى جواز الاقتصار على ستر العورة. وحمل الحديث على أنه لم يوجد إذ ذاك ثوب ساتر، ومن العجب أنه حكاه في كتاب التفليس عن أبي إسحاق وضعفه، وقال في "المهذب" و"الروضة": إنه الأصح".
وحكى البندنيجي وجهاً ثالثاً في المسألة: أن الواجب ثلاثة أثواب؛ أخذا من قول الشافعي في أثناء الباب: فإن تشاحوا- يعني: الورثة والغرماء- فثلاثة أثواب.
وهذا الوجه إن أخذه مطلقه اقتضى جريانه فيما إذا كان المكفن له الكافة؛ لعدم ماله وقريب له يلزمه نفقته، وفقد مال في بيت المال. وفيما إذا كان تكفينه من بيت المال أو من مال قريبة أو من مال نفسه، سواء كان عليه دين أو لم يكن، توافق الورثة والغرماء على ذلك أو اختلفوا، وقد حكاه القاضي الحسين هكذا في جميع
الصور ما خلا الصورة الأولى؛ فإنه جزم فيها بأن الواجب ثوب واحد، وتبعه البغوي في الجزم بهز
والأظهر فيما إذا كان التكفين من ماله، وقد تنازع الورثة والغرماء [عند] ضيق مال الميت عن وفاء الدين والثلاث، وقال الغرماء: يكفن في ثوب [واحد]، وقال الورثة: بل في الثلاث- أن المجاب: الغرماء.
وقد قيل: إن الأصح إجابة الورثة، وهو ما ذكره في كتاب التفليس.
والأصح عند الجمهور فيما إذا وقع التنازع كذلك بين الورثة وفي المال متسع الثلاث- أن المجاب: الداعي إلى الثلاث، وهو ظاهر النص، وبعضهم قطع به، منهم: الفوراني، وصاحب "المرشد" اختار أنه يكفن في [ثوب] واحد أيضاً كالحج من ميقات بلده بأقل ما يؤخذ.
والأظهر فيما إذا كان التكفين من بيت المال أن الواجب ثوب واحد، وهو ما حكى الإمام قطع الأئمة به، وإن أخذ مع ما منه أخذ من قول الشافعي، اقتضى أن يكون محله إذا دعا إلى ذلك الورثة دون الغرماء، ودون ما إذا اتفق الورثة والغرماء على تكفينه في ثوب واحد ساتر لجميع البدن؛ فإنه يكفي ولا يجب الثلاث، وهذا ينطبق على ما أورده الماوردي؛ لأنه حكى الوجهين فيما إذا تنازع الورثة والغرماء في الثلاث كما تقدم، ونسب القول بإجابة الورثة إلى أبي إسحاق، وقال: إن الغرماء لو قالوا: نكفنه فيما يستر عورته، وقال الورثة، بل في ثوب [واحد] ساتر لجميع بدنه- أن المجاب: الورثة بلا خلاف.
ولا يسلم من نزاع سنذكر مأخذه، وقضية كلام الماوردي- أيضاً- وما ذكرناه: أن الورثة لو اتفقوا-[حيث لا دين] على تكفينه في ثوب ساتر لجميع البدن، أنه لا يجب تكفينه في الثلاث بلا خلاف، وهو ما أورده في "التهذيب"، لكن القاضي الحسين والمتولي حكيا الوجه فيه، وقالا: إنه الصحيح من المذهب.
التفريع:
إن قلنا بأن الواجب ما يستر العورة:
فإن كان له ما يستر عورته فقط ستر به وأجزأه، قاله البندنيجي، وحكاه الرافعي عن نصه في "الأم".
[وإن كان له] ما يستر أكثر من العورة ولا يستر جميع البدن، ستر به رأسه وعورته، وجعل على رجليه إذخراً أو تراباً ونحوهما للخبر، قاله البندنيجي أيضاً.
وإن كان له ثوب ساتر لجميع بدنه، ستر به، قاله البندنيجي أيضاً.
وعن "البيان" حكاية وجه: أن بعض الورثة إذا قال: يكفن في ثوب يستر عورته فقط، يجاب إليه على هذا الوجه.
قلت: ومن طريق الأولى جريان مثله فيما إذا تنازع الغرماء والورثة على هذا النحو من طريق الأولى.
وإن قلنا: الواجب ثوب ساتر لجميع البدن، فإن وجد له كفن فيه، وإن وجد أقل منه كمل ستر جميع بدنه من حيث يكون جميعه لو لم يكن للميت مال، وإن قلنا: الواجب ثلاثة أثواب، فإن كانت في ماله كفن فيها، وإن لم يكن [له] إلا ثوب واحد، فإن كان كفنه لو لم يكن شيء من بيت المال فهل يكتفي بالثوب الذي خلفه أو يكمل الثلاث من بيت المال؟ فيه وجهان حكاهما الإمام عن رواية صاحب "التقريب". وإن كان كفنه لو لم يخلف شيئاً على قريبه فقد جزم القاضي الحسين بأنه يكفن في الثوب الذي خلفه ولا يكمل القريب الثلاث، وإن كان لو كفنه لكفنه بثلاث.
قلت: وكان الفرق بين القريب وبيت المال: أن التكفين من بيت المال أوسع؛ ولهذا لو نبش الميت وأخذ كفنه؛ لا يجب على القريب تكفينه ثانياً، ولو كان قد كفن من بيت المال كفن ثانياً وثالثاً كما قاله المتولي؛ لأن العلة في الكرة الأولى: الحاجة، والحاجة موجودة.
وقد استخرج صاحب "التقريب" من كلام الأصحاب- كما حكاه الإمام عنه- أن الثوب الواحد السابغ يظهر فيه رعاية حق الله- تعالى- فلا يجوز الاقتصار على ما يستر العورة إلا إذا لم يجد سابغاً فيضطر إلى الاكتفاء به. وأما الثلاث في حق الغرماء والورثة، [و] في حق بيت المال فهي متعلقة برعاية حق المتولي في نفسه. ثم حقق هذا بأن قال: لو أوصى الميت بألا يكفن إلا في ثوب واحد، كفى الثوب السابغ؛ فإنه بوصيته رضي بإسقاط حقه، ولو قال: رضيت بأن يقتصروا على ما يستر عورتي، فلا أثر لوصيته في ذلك، ويجب تكفينه في ثوب سابغ لجميع بدنه.
قال الإمام: وهذا الذي ذكره في غاية الحسن، وقال: إنه احتج عليه بما روي [أن] أبا بكر الصديق- رضي الله عنه قال: "إذا مت فكفنوني في ثوبي الخلق؛ فإن الحي أولى بالجديد من الميت"، فنفذت وصيته.
قلت: وهذا من صاحب "التقريب" يدل على أن التكفين في الجديد حق للميت؛ لأنه جعل تكفين أبي بكر في ثوبه الخلق بحكم وصيته، وقد أشرت إلى هذا من قبل، ثم في جزم صاحب "التقريب" بعدم نفوذ وصيته في الاقتصار على ستر العورة، فيه نظر؛ فإنا قد حكينا عن الشافعي أنه قال: إذا غطي من الميت قدر عورته فقد سقط الفرض، ولكن أخل بحق الميت. وهو يدل على أن ما زاد على ستر العورة حق الميت؛ فينبغي أن تنفذ وصيته فيه كما تنفذ في الثوبين، والله أعلم.
فرع: الملك في الكفن لمن يكون إذا كفن من ماله؟ فيه ثلاثة أوجه حكاها
المتولي هنا، وهي مستوفاة في كتاب السرقة:
أحدها: أنه للميت.
والثاني: أنه للورثة. وقد حكاهما المتولي هنا.
والثالث: أنه لله تعالى.
قال: والمستحب أن يذرَّ الحنوط والكافور في الأكفان؛ لئلا يسرع بلاها، وليقيها من بللٍ يمسها.
قال الماوردي: وهذا لم يذكره غير الشافعي من الفقهاء، وكيفية ذلك أن يبسط أولاً أحسن الثياب وأوسعها؛ لأنه الذي يعلو على كل الكفن إذا أدرج، والحي يظهر الأحسن من ثيابه، فإذا بسطه ذرَّ عليه ذلك، ثم يفرش الثاني فوقه وهو الذي يليه في الحسن والسعة، ويذرّ عليه ذلك، ثم يفرش الثالث فوقهما، وكلام المزني يقتضي أنه لا يذرُّ عليه شيء، والأصحاب متفقون على أنه يذر عليه ذلك؛ لأنه الذي يلي الميت ويخفي ما عساه يظهر منه من رائحة، واستحب الإمام ومن تبعه الإكثار منه؛ لما ذكرناه.
قال الأصحاب: ويستحب أن يكون ذلك بعد أن تبخر الأكفان ثلاثاً حتى تعبق بالند وكذا بالعود غير المطرَّى، وأما المطرَّى فقد قال الشافعي في القديم: لا يجمر الكفن به؛ لأنه يخلط فيه المسك والعنبر، وقال في البويطي: ولو تطوع أهله فجعلوا فيه المسك والعنبر فلا بأس.
قال البندنيجي: ولا يختلف قوله أنه لا بأس بالمسك والعنبر، وإنما منع من العود المطرى في القديم؛ حذاراً أن يطرى بالجمر. وهذا من البندنيجي لا يدل على أن الأولى التجمير بغيرهما، وبه صرح أبو الطيب فقال: يستحب أن يكون العود الذي تجمر به الأكفان غير مطرَّى بالمسك والعنبر.
وقال الإمام، تبعاً للقاضي الحسين: إن الشافعي رأى تجمير الأكفان بالعود،
واختاره على المسك؛ لما صح عنده من كراهية ابن عمر استعماله في الكفن؛ فآثر الخروج عن الخلاف.
[والحنوط- بفتح الحاء، ويقال له أيضاً: الحناط- بكسرها- وهو أنواع من الطيب تخلط للميت [خاصة]، قال الأزهري: ويدخل فيه الكافور والصندل وذريرة القصب].
قال: ويجعل الحنوط والكافور في قطن، أي: ويستحب أن يجعل الحنوط والكافور في قطن، أي: منزوع الحب كما قال الشافعي، ويترك على منافذ الوجه، [أي]: وهي الفم والمنخران والعينان وعلى الأذنين؛ ليخفي رائحة ما عساه يخرج منها. وكذا يستحبأن يوضع على جرح نافذ إن كان فيه.
قال: وعلى مواضع السجود، أي: وهي الجبهة والكفان والركبتان والقدمان؛ لشسرفها، ولأنه روي عن ابن مسعود أنه قال: يتبع الطيب مساجده.
وقد قيل: إنه يجع الحنوط والكافور على مواضع السجود بغير قطن، وهو ما حكاه القاضي الحسين والجيلي موجهاً له بأن القطن لا يثبت عليها، والذي أورده أبو الطيب ما ذكره الشيخ.
ثم اعلم أن جعل ذلك على ما ذكر إنما يفعل بعد وضع الميت في الأكفان بعد بسطها كما ذكرناه، فيحمل الميت من مغتسله مستوراً بثوب ويوضع على الكفن مستلقياً على ظهره ويجعل ما يفضل من الكفن عن طول الميت من جهة رأسه أكثر مما عند رجليه كما ذكره الشيخ آنفاً. وبعد أن يأخذ شيئاً من القطن فيجعل عليه الحنوط والكافور ويدخله بين أليتيه إدخالاً بليغاً؛ ليرد شيئاً [إن جاء] منه كما قال الشافعي، ويفعل ذلك بعد وضعه على الأكفان.
وقد ظن المزني أن الشافعي أراد أن يجاوز بذلك حد الظاهر فيدخل القطن في دبر الميت، فقال: لا أحب ما قال الشافعي من المبالغة في الحشوة؛ لأنه قبيح، بل يجعل القطن كالموزة ويدخله بين أليتيه حتى ينتهي إلى حلقة الدبر.
قال البندنيجي: ونحن نقول للمزني: صدقت، وهذا مراد الشافعي فلا يظن به غيره.
قال القاضي أبو الطيب، وتبعه ابن الصباغ: وقد بينه الشافعي في "الأم" فقال: حتى يبلغ حلقة الدبر. و [قد][رأيت فيما] وقفت عليه من "تعليق" القاضي الحسين أن القفال قال: رأيت للشافعي في "الكبير" ما ظن المزني. ولأجله- والله أعلم- قال بعض الأصحاب، كما حكاه الرافعي: إنه لا بأس بما ظنه المزني، والمتولي قال: إنه لا بأس به إذا كان به علة يخاف أن يخرج بسببها من المخرج شيء عند تحريكه، ثم يأخذ قطنة أخرى ويضعها فوق ذلك، ثم يأخذ خرقة ويشق طرفيها ويدخلها بين الرجلين، ويشد أطراف الخرقة بعضها إلى بعض فوق الوركين، ثم يبسط على ذلك عريضاً من القطن وتشد أليتاه، ويستوثق؛ كي لا يخرج منه شيء، ثم يفعل ما ذكره الشيخ.
قال: وإن طيب جميع بدنه بالكافور فهو حسن؛ لأنه يقويه ويصلبه ويذهب الرائحة الكريهة إن كانت، وقد حنط عمر- رضي الله عنه بالكافور، وكذا يستحب أن يحنط رأسه ولحيته بالكافور، ولو حنظهما بالمسك جاز؛ لقوله- عليه السلام:"أطيب طيبكم المسك" أخرجه مسلم، وقد قال بعض الأصحاب: إن استعمال الحنوط واجب؛ لأن الشافعي قال في "الأم" والقديم معاً: وكفن الميت وحنوطه ومؤنته حتى يدفن من رأس ماله، ليس لوارثه ولا لغرمائه منع ذلك.
والقائل بعدم الوجوب تمسك بقوله بعد ذلك بسطرين: "ولو لم يكن حنوط ولا
كافور في شيء من ذلك رجوت أن يجزئ"، وقد قال البندنيجي: إن الأصحاب لأجل النصين جعلوا في وجوب ذلك وجهين.
قال: والظاهر أنها على قولين، وعلى ذلك جرى في "المهذب"، وأشار القاضي أبو الطيب إلى أن الخلاف مبني على الخلاف في إيجاب الثياب الثلاثة ولا جرم جزم الشيخ بالاستحباب لما جزم بأن الواجب ثوب واحد، وقد حكى الإمام عن العراقيين في المسألة طريقين:
إحداهما: حكاية وجهين في المسالة كالثوب الثاني والثالث.
والثانية: القطع بعدم الوجوب.
قال: وهو الذي يجب القطع به، وقال الغزالي: إنه الصحيح.
ثم هذا إذا لم يكن محرماً ولا المرأة معتدة.
قال: فإن كان- أي: الميت- محرماً لم يقرب الطيب، ولا يلبس المخيط- أي: إذا كان رجلاً- ولا يخمر رأسه؛ لما روى البخاري ومسلم عن ابن عباس قال: وقصت برجل محرم ناقته فقتلته، فأتي به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"اغسلوه وكفنوه ولا تغطوا رأسه ولا تقربوه طيباً؛ فإنَّه يبعث مهلاً"، فنص على حكمين من أحكام الإحرام، ونبه على أن العلة الإحرام؛ فوجب اطراد جميع أحكامه، ولأنه محرم لا يخرج من إحرامه بفعله؛ فوجب ألا يبطل بموته كالحي، وحكمه في تقليم أظفاره وقص شاربه وإزالة شعر عانته وغير ذلك- إذا
استحببناه- حكم المحرم، إلا أنه إذا فعل به ذلك لا يلزمه في تركه شيء بلا خلاف، وهل يجب على الفاعل الفدية؟ فيه وجهان حكاهما العمراني في "الزوائد".
قال الرافعي: ولا بأس بالتجمير عند غسله، كما لا بأس بجلوس المحرم عند العطار.
أما إذا كانت الميت امرأة فلا تقرب الطيب ولا يخمر وجهها، ويجوز أن تلبس المخيط، ويغطى رأسها.
والمعتدة إذا ماتت هل تقرب الطيب أم لا؟ فيه وجهان:
أحدهما- وهو قول أبي إسحاق-: لا؛ استصحاباً للتحريم كالمحرمة.
والثاني- وهو قول عامة الأصحاب كما قال المتولي، والأظهر في "الرافعي"، والمختار في "المرشد"-: أنه يجوز؛ لأن التحريم في الحياة كان للتجرد عن الأزواج أو للتفجع، وقد زال بالموت.
والوجهان جاريان- كما قال المتولي- في جواوز تكفينها في ثياب الزينة، وقد اختلف قول الشافعي في كيفية لف الأكفان على الميت:
فقال في "الأم"- وهو الذي نقله المزني- إنه تثنى عليه صنفة الثوب الذي يليه على شقه الأيمن، ثم الصنفة الأخرى على شقه الأيسر حتى يواري صنفة الثوب التي ثنيت أولاً كما يشتمل الحي بالساج وهو الطيلسان.
وقال في القديم، وغسل الميت من "الأم": تؤخذ صنفة الثوب اليمنى فترد على شق الرجل الأيسر، ثم تؤخذ صنفة [الثوب] اليسرى فترد على شق الرجل الأيمن.
قال البندنيجي: وحاصل ذلك أنه نص في الجديد على البدأة من الجانب الأيسر، وفي القديم على أن البدأة من الجانب الأيمن، واختلف الأصحاب في ذلك على ثلاث طرق:
إحداها: أن في المسألة قولين.
والثانية- حكاها القاضي أبو الطيب وابن الصباغ-: القطع بأنه يبتدئ بما يلي شقه
الأيمن من الصنفة، فيثنيه على شقه الأيسر [ثم يثني ما يلي شقه الأيسر] على الأيمن كما بين الشافعي، وهذه صححها في "المهذب" وضعفها ابن الصباغ.
والثالثة- حكاها البندنيجي عوض هذه: القطع بما قاله في الجديد، وقال: إن قوله في القديم يبدأ من الجانب الأيمن، يعني: يرفع أولاً من الجانب الأيمن، ويبدأ بالإدراج من الجانب الأيسر، لتكون صنفة الثوب التي من اليسار تحت التي من اليمين، ثم يصنع بكل لفافة هكذا، فإذا أدرجه في واحدة- كما وصفنا- عطف الفاضل من الثوب الذي عند رأسه على وجهه، والفاصل من عند رجليه على رجليه، فإن خشي أن تنحل عليه عقدها، وإذا وضع في اللحد حلت كلها، قال في "المهذب" وغيره: لأنه يكره أن يكون عليه فيه شيء معقود، والله أعلم.
وصنفة الثوب- بصاد مفتوحة ونون مفتوحة وبعدها تاء-: طرَّته.