الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب زكاة العروض
ترجم الشيخ هذا الباب في "المهذب": بباب زكاة التجارة؛ اتباعاً للمزني والجمهور؛ تنبيهاً على أن سبب الوجوب: التجارة، وترجمه هنا بباب زكاة العروض؛ لأنه ترجم الباب قبله بباب زكاة الناض، وقد تقدم:"أن "الناض" ضد "العروض"، فأراد أن يبين حكم الضدين، وأيضاً ففي التبويبين هاهنا تعريف أن الذهب والفضة هما الناض، وما عداهما من جميع صنوف الأموال هو العرض، كما ذكرناه عن أهل اللغة.
وهو واحد العروض، وهو بفتح العين، وإسكان الراء، وإن فتحت الراء مع العين فهو جميع متاع الدنيا من الذهب والفضة وغيرهما، وله معان آخر.
ومراد الشيخ بالعروض التي بوب عليها عروض التجارة؛ لأن ما ذكره من الأبواب بعد كتاب الزكاة مبين لما أجمله من قوله: "ولا تجب الزكاة إلا في المواشي، والنبات، والناض، وعروض التجارة، وما يؤخذ من المعدن والركاز".
وأيضاً فقوله الآتي من بعد يدل عليه أيضاً.
والأصل في وجوب الزكاة في عروض التجارة الذي سكت الشيخ عنه هاهنا اكتفاء بقوله: ولا تجب الزكاة إلا في المواشي .. إلى قوله: وعروض التجارة؛ فإنه دال على الوجوب فيها- من الكتاب قوله تعالى: {أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} [البقرة: 267] فأراد بالكسب: التجارة، قاله مجاهد.
ومن السنة: ما رواه أبو داود، عن سمرة بن جندب قال:"أمَّا بعد: فإنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمرنا أن نخرج الصدقة من الذي نعدُّه للبيع" والمعدُّ
للبيع هو عرض التجارة.
[وما رواه مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بعث عمر على الصَّدقة فشكا من ثلاثة أنفسٍ .. " ذكرها في الحديث، منهم خالد؛ فقال عليه السلام: "أمَّا خالد؛ فإنكم تظلمون خالداً فقد احتبس أدرعه [وأعتاده] في سبيل الله"، والزكاة لا تجب في عين الدرع؛ فدل على أنها كانت للتجارة].
وما روى الدارقطني من حديث ابن جريج، عن أبي ذر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "في الإبل صدقتها، وفي الغنم صدقتها، وفي البزِّ صدقته"، والبز: بالزاي المعجمة، ومعلوم أن البز لا تجب فيه زكاة العين؛ فثبت أن الواجب فيه زكاة التجارة.
ومن القياس: أنه مال مرصد للنماء أو يبتغي فيه النماء؛ فوجبت فيه الزكاة كالمواشي، وقد تمسك الشافعي في ذلك بأثر عن عمر سنذكره.
وهذا هو الجديد، وقد حكى الإمام عن رواية الصيدلاني: أن الشافعي تردد في القديم في زكاة التجارة، ثم قال: وهذا [إذا] لم يحكه عن القديم غيره؛ فلا التفات إليه.
قلت: قد حكاه عنه القاضي الحسين، والفوراني، وغيرهما، وإن اختلفت
عباراتهم في حكايته.
وأثبت بعض الأصحاب ذلك، وجعل في المسألة قولين، وبعضهم قطع بالوجوب، وقال: لم تصح هذه [النسبة] إلى الشافعي، وممن قال ذلك القاضي أبو الطيب، والبندنيجي.
ثم عرض التجارة عند العراقيين وبعض المراوزة: ما ملك بعقد معاوضة محضة، كالبيع، والصلح عن المال بمال، والهبة المقتضية للثواب، والأخذ بالشفعة، والإجارة، أو غير محضة: كالنكاح، والخلع، والصلح عن دم العمد مقروناً بنية التجارة.
وبعض المراوزة اشترط أن تكون المعاوضة محضة، [وإليه يرشد كلام الشيخ الآتي من بعد].
وحكى القاضي الحسين- تفريعاً عليه- وجهاً في اشتراط كون العوض عينا أو ديناً حالاً أو مؤجلاً، وأخرج بذلك المملوك بعقد الإجارة عن أن يكون مال تجارة، وهو ما ادعى في "التهذيب"- في كتاب الأيمان، في فصل الحلف على ألا مال له- أنه الأصح.
وفي "التتمة": أن مأخذ ذلك العبد المأذون له في التجارة لا يؤاجر عبيد التجارة، وكذا عامل القراض، وهذا الوجه لم يحك القاضي الماوردي غيره؛ حيث ألحق المملوك بالصداق وألإجارة بالمملوك بالوصية ونحوها ولم يحك غيره، وقال في "البحر": إنه أقيس، وإن ظاهر المذهب الأول.
قلت: وفي جعله الأول ظاهر المذهب نظر فإن البندنيجي قال: الذي نص عليه الشافعي الشراء، والصلح في معناه، وإذا كان كذلك فظاهر المذهب مع من اشترط أن تكون المعاوضة محضة، فإن مقصود الخلع والصلح عن القصاص ونحوهما يحصل بدون المال، بخلاف الشراء، وبهذا لا يكون في معنى المنصوص عليه.
وقد تلخص لك مما ذكرناه أن الكل متفقون على أمرين:
أحدهما: أن المملوك بغير عقد معاوضة لا يكون من عروض التجارة.
والثاني: أن المملوك بعقد معاوضة محضة أو غير محضة إذا لم تقترن به نية التجارة لا يكون من عروض التجارة.
ووجه الأول: أن المتهب هبة لا تقتضي ثواباً وقابل الوصية والوارث والمحتطب والمحتش إذا اقترن بقوله أو فعله نية التجارة لا يسمى تاجراً، ولو كان [ما] ملكه عرض تجارة بذلك لسُمِّي تاجراً، وكذا من رد عليه عرض قنية باعه بعيب فيه، ونوى عند الرد عليه أن يمسكه للتجارة لا يسمى تاجراً؛ فلا يكون العرض حينئذ للتجارة، وكذلك لو كان الرد صدر منه لعيب اطلع عليه في الثمن ونوى عند الرد التجارة لا يكون العرض بذلك للتجارة.
نعم لو كان العرض الذي باعه عرض تجارة، [ولم] يقصد بثمنه القنية، فرد عليه بعيب، أو رد هو مقابله، فرجع إليه- كان عرض تجارة اعتباراً بما كان عليه، ولو كان قد قصد ثمنه للقنية لم يعد العرض بعد الرد إلى التجارة.
وحكم رجوع البائع في عين ملكه بسبب فلس المشتري، وبالإقالة، حكم رده بالعيب قاله الماوردي وهو في الإقالة بناء على أنها فسخ كما هو الصحيح.
ووجه الثاني: أن المملوك بعقد المعاوضة تارة يقصد به القنية، وأخرى يقصد به التجارة فتعين الإتيان بالنية حالة العقد للتمييز فلو تخلفت عن القصد ووجدت بعد لم تؤثر، وكذا في المملوك بغير عقد إذا طرأت نية التجارة عليه لم تؤثر، خلافاً للكرابيسي من أصحابنا فإنه قال: إنها كافية في جعله عرض التجارة؛ لقول سمرة بن جندب: "كان يأمرنا أن نخرج الصدقة من الذي نعدُّه للبيع"، وهذا معد للبيع، وبالقياس على ما إذا نوى بعرض التجارة القنية، فإنه يصير للقنية بلا خلاف.
قال الأصحاب: وهذا ليس بشيء؛ لأن ما لا يثبت حكم الحول بدخوله في ملكه لا يثبت بمجرد النية؛ كما لو نوى بالمعلوفة السوم، والخبر نخصه بحالة
مقارنة النية عقد المعاوضة بالقياس، والفرق بينه وبين التجارة ونية القنية، من وجهين:
أحدهما: أنه ليس القنية إلا الحبس والإمساك للانتفاع فإذا أمسك ونوى الاقتناء فقد قرن النية بصورة الاقتناء لا أنه جردها.
والثاني: أن الأصل في العروض الاقتناء فصح بمجرد النية، كما أن المسافر إذا نوى الإقامة بموضع من المواضع، فإنه يصير مقيماً بمجرد النية؛ [لأن الأصل فيه الإقامة، فهو يريد الرجوع إلى الأصل، والتجارة رجوع عن الأصل فلم تصح بمجرد النية، كما لا يصح الرجوع عن الإقامة بمجرد] نية السفر.
فرع: إذا نوى القنية ببعض عرض التجارة إن عينه كان للقنية دون باقي العرض، وإن أبهمه فهل يؤثر ذلك ويكون بعضه للقنية وبعضه للتجارة، أو لا تؤثر نيته للجهل ويكون جميعه للتجارة؟ فيه وجهان في "الحاوي".
ولو نوى قنية الثياب الديباج ليلبسها والسيوف ليقطع بها الطريق، فهل ينقطع الحول؟ فيه وجهان في "التتمة"، أصلهما – كما قال-: أن من عزم على معصية أو أصر عليها هل يأثم أم لا؟ ومحل ذلك [في] كتاب الشهادات.
وحيث حكمنا بانقطاع الحول يعود المال للقنية؛ فيستحب إخراج زكاته.
قال الشافعي فيما إذا نوى بعرض التجارة القنية: لم تكن عليه زكاة، وأحب لو فعل.
قال في "البحر": وإنما استحبه، لأن نيته أبطلت الحول بعد انعقاده.
قال- رحمه الله: إذا اشترى عرضاً للتجارة بنصاب من الأثمان، بنى حوله على حول الثمن؛ لأن الذهب والفضة إنما خصا من بين سائر الجواهر بإيجاب الزكاة فيهما، لإرصادهما للنماء، [وطريق النماء] بالتقليب في التجارة؛ [فلم يجز أن يكون الموضوع لإيجاب الزكاة سبباً لإسقاطها، ولأن زكاة
التجارة] في القيمة، والقيمة هي الثمن نفسه.
قال الفوراني- وتبعه المتولي والبغوي-: وهكذا الحكم في عكس المسألة: وهي إذا كانت له سلعة للتجارة، فباعها بنصاب من الورق أو الذهب، ونوى القنية- بنى حول هذا النصاب على حول سلعة التجارة في وجوب الزكاة للمعنى الذي بيناه.
قلت: ومن هذا يؤخذ أن ذلك فيما إذا كان المبيع من جنس رأس المال، أو نقد البلد إن كان رأس المال عرضاً، أما إذا كان من غيره فلا بناء لما ستعرفه. وقد ألحق المتولي والبغوي بما نحن فيه ما إذا كان المشتري به ديناً يبلغ نصاباً وقلنا: إن الدين تجب فيه الزكاة فحول التجارة يبنى على حول الدين ولا ينقطع.
نعم لو اشترى العرض بنصاب من الأثمان في ذمته ونوى أن ينقد ذلك مما في يده من الأثمان، أو أطلق ولم ينو- فقد قال القاضي الحسين في "تعليقه ولم يحك سواه: إنه ينعقد عليه الحول من وقت الشراء؛ فإذا نفد ما في يده انقطع حوله، ولا يبني حول التجارة على حوله، ووجهه غيره بأن [ما] معه لم يتعين في الصرف فيه.
وهذه الصورة ينبغي أن تستثنى من كلام الشيخ، وكذا التي قبلها، أما إذا قلنا: لا زكاة في الدين، فقد تعرض الشيخ في هذا الفصل لبيان ما يصير به العرض للتجارة كما تقدم:
فقوله: "إذا اشترى" بنية على اشتراط عقد المعاوضة في ذلك؛ فيخرج به الاتهاب بلا ثواب، والاحتطاب، ونحوهما، وقد يقال: إن من هذا التمثيل يؤخذ اشتراط كون المعاوضة محضة- كما تقدم- حتى لا يلتحق بالشراء النكاح، والخلع، والصلح عن دم العمد، لكن لم أر ذلك لأحد من العراقيين. [نعم كلام الرافعي يفهم أن به قال بعضهم؛ حيث قال: ولم يذكر أكثر العراقيين] سوى أنه مال تجارة، لأنه مال ملكه بمعاوضة.
وكذا يؤخذ من قوله: "عرضاً" أنه لو استأجر دوراً وحوانيت للتجارة، لا يكون الحكم كما لو اشترى ثوباً ونحوه؛ لأن المنفعة ليست بعرض وهو وجه
حكاه المراوزة مع وجه آخر؛ أن الحكم كما في العرض وقد قربهما المتولي من أن الدين هل تجب فيه الزكاة أم لا؟
وقوله: "للتجارة"، تنبيه على اشتراط النية المقترنة بعقد المعاوضة؛ إذ هي الصارفة له عن القنية التي هي الأصل.
وقوله: "بنصاب من الأثمان"؛ ذكره لأجل المسألة الآتية، لا للتنبيه على أن ذلك شرط في كون العرض للتجارة، على أن قوله:"من الأثمان" لو أجري على ظاهره والعمل بمفهومه لاقتضى عدم ثبوت [ما ذكره من الحكم] فيما إذا كان الثمن نصاباً من الذهب أو الفضة الذي تجب فيه الزكاة، وليس كذلك بل حكمه حكم ما لو اشتراه بنصاب من الأثمان. وكذلك فرض الفوراني الكلام فيما إذا [اشترى سلعة للتجارة بنصاب] من الذهب أو الورق.
واحترزت بقولي: تجب فيه الزكاة- عما إذا اشتراه بنصاب من الحلي المعد لاستعمال مباح، فإنه لا زكاة فيه على الصحيح، فإذا اشترى به كان ابتداء حوله من حين الشراء، كالمسألة الآتية، لكن كلام الشيخ محمول على إرادة جنس الأثمان، وإن حمل على الأثمان نفسها فلا مفهوم له يراد؛ لأن الغالب أن الشراء إنما يكون بالأثمان، والشيء إذا خرج مخرج الغالب لا مفهوم له، والله أعلم.
قال: وإن اشتراه بعرض للقنية، أو بما دون النصاب من الأثمان، أي: وهو لا يملك ما يتم به النصاب من الجنس الذي اشترى به- انعقد الحول عليه من يوم الشراء؛ لأن الحول لابد منه في زكاة التجارة بالاتفاق؛ لعموم قوله- عليه السلام: "لا زكاة في مالٍ حتَّى يحول عليه الحول".
والأصل- وهو ما اشتراه به- لم ينعقد عليه حول؛ لكونه غير مال زكاتيّ، أو ناقصاً عن النصاب؛ فوجب اعتبار الفرع- وهو مال التجارة- بنفسه، وبالشراء حصل الاتجار؛ فكان وقته وقت مبتدأ الوجوب وهو الانعقاد، ولا فرق في ذلك بين أن تكون قيمة ما اشتراه حالة الشراء نصاباً أو أقل منه. نعم، إن
كانت نصاباً في آخر الحول وجبت الزكاة، وإلا فلا كما سيأتي.
ووجهه: ما روى الشافعي بسنده عن أبي عمرو بن حماس أن أباه حماساً قال: مررت على عمر بن الخطاب وعلى عنقي أدم أحملها فقال: ألا تؤدي زكاتك يا حماس؟ فقال: يا أمير المؤمنين ما لي [غير] هذا، وآهبة في القرظ، فقال: ذلك مال فضع، فوضعتها بين يديه، فحسبها فوجده قد وجبت فيها الزكاة؛ فأخذ منها الزكاة".
ووجه الدلالة منه: أنه حسب ذلك في آخر الحول وأخذ الزكاة، وظاهره: أنه لم يراع كونه نصاباً إلا في الحال ولم يبحث عما مضى ولم ينكر عليه أحد.
وقال الرافعي: إن الاحتجاج به ليس هو كما ينبغي.
ووجهه من جهة المعنى: أنه يعسر ملاحظة النصاب فيه في جميع الحول فاعتبر في آخر الحول؛ لأنه وقت الوجوب وبهذا فارق ما نحن فيه ما تجب الزكاة في عينه؛ لأن ملاحظة النصاب فيه في كل وقت من الحول لا تشق.
فإن قلت: ملاحظة أول الحول لا مشقة فيها كآخر الحول فوجب أن يعتبر كون المال نصاباً فيهما دون وسط الحول الذي يشق اعتباره فيه، كمذهب أبي حنيفة.
قلت: قد قال به بعض المراوزة وحكاه الماوردي والقاضي الحسين وابن عبدان عن ابن سريج؛ أخذاً من قوله في "المختصر": "ولو كان في يده عرض للتجارة تجب في قيمته الزكاة [ثم اشترى عرضاً للتجارة وأقام في يده ستة أشهر]- فقد حال الحول [على] المالين معاً وقام أحدهما مقام صاحبه فيه؛ فيقوم العرض الذي في يده ويخرج زكاته".
فقوله: "تجب قيمة الزكاة"، [عنى به] أن تكون قيمته نصاباً فشرط بلوغه
نصاباً في انعقاد الحول.
والقائلون بالأول قالوا: لا نسلم أن المشقة غير موجودة في ملاحظة النصاب في ابتداء الحول؛ لأنه إذ لم يكن نصاباً في أول الحول احتاج إلى تعريف قيمته في كل وقت؛ كي لا تبلغ قيمته نصاباً، وذلك عين المشقة.
قلت: وهذا الجواب إنما يتم إذا سلم القائل بهذا الوجه أنه إذا كان عند الشراء دون النصاب، ثم بلغ بعد ذلك نصاباً أنه ينعقد عليه الحول إذ ذاك كما هو أحد الوجهين وفي "تعليق" القاضي الحسين. أما إذا منع ذلك، وقال: لا ينعقد الحول فيما إذا كانت قيمته حال الشراء دون النصاب إلا عند التصرف ثانياً بنية التجارة؛ لأن الشراء الأول كان في حكم القنية كما هو الوجه الآخر الذي قال القاضي: إنه الأظهر- فلا يتم الجواب. وهكذا إن قلنا- بما حكاه الإمام عن الربيع-: إنه لا ينعقد الحول إلا بعد بلوغ المال نصاباً بالنضوض واقتران التصرف فيه بنية التجارة. نعم، يقال للمخالف: مال يعتبر نصابه بقيمته وجد نصاباً في آخر الحول فوجبت فيه الزكاة كما لو وجد النصاب في الطرفين.
قال: وقيل: لا يجزئ في الحول حتى تكون قيمته- أي: قيمة العرض المشترى- نصاباً من [أول الحول] إلى آخره؛ كما في المواشي والناض، وهذا قد حكاه البندنيجي قولاً عن رواية ابن سريج، وعبارة القاضي أبي الطيب عنه في حكايته أنه قال: مذهب الشافعي: أن العرض لا يجزئ قيمته في الحول حتى يكون نصاباً حين الشراء، ويستديم ذلك إلى آخر الحول.
ومعنى كلام الشافعي الذي نقله المزني: هو أن يشتري العرض بأقل من نصاب وقيمته تبلغ نصاباً.
قلت: وهذا منه يقتضي الجزم بانعقاد الحول فيما إذا كانت قيمته نصاباً حين الشراء، وإن كان الثمن دون النصاب وبه صرح البندنيجي وغيره.
وعبارة الشيخ وغيره في حكاية ذلك تقتضي أمرين آخرين.
أحدهما: إذا كانت قيمته حال الشراء دون النصاب، وقد اشتراه بنصاب وزنه
حالة الشراء [به] أنه لا يجزئ في الحول وكذا فيما إذا اشتراه بنصاب جرى في حوله أنه ينقطع الحول، ولم أقف في ذلك على شيء للأصحاب.
الثاني: أن شرط انعقاد الحول على هذا القول استمرار القيمة نصاباً، وهذا ليس شرطاً في الانعقاد؛ [بل هو شرط في استمرار الانعقاد؛ [بل هو شرط في استمرار الانعقاد]، فإن كان المراد بالجريان في الحول هذا فلا إشكال.
وقد قال القاضي الحسين، وتبعه المتولي: إن ما قاله ابن سريج أخذه من قوله في القديم: "ويخرج زكاة التجارة من عينه"، فأجراه مجرى المواشي، فكذا في استكمال النصاب، وقد يحصل في المسألة ثلاثة أقوال كما قال الفوراني، والإمام، وثلاثة أوجه كما قال البغوي وغيره، وقولان ووجه كما اقتضاه كلام البندنيجي [وغيره].
وقال الرافعي حكاية عن أبي علي: إنه ليس في المسألة منصوصاً عليه إلا الأول وماا عداه خرجهما شيوخ الأصحاب ولا منافاة في ذلك؛ لأن الوجوه المخرجة يعبر عنها بالوجوه تارة، وبالأقوال أخرى، والصحيح باتفاق الأصحاب: الأول، وهو اختيار أبي إسحاق كما قال القاضي الحسين والمتولي، وادعى القاضي أبو الطيب والبندنيجي والبغوي أنه المذهب؛ لقوله في "المختصر":"لو كان يملك أقل مما [تجب] فيه الزكاة زكى ثمن العرض من يوم ملك العرض؛ لأن الزكاة تحولت فيه بعينه".
قال القاضي أبو الطيب: وهو الذي نص عليه في "الأم" مصرحاً بأن قيمة العرض لا تعتبر في أول الحول ولا في أثنائه. وبهذا يبطل ما تأول به ابن سريج من لفظ "المختصر"، والفرق بينه وبين المواشي والناض ما تقدم، وعلى هذا: لو باع العرض في أثناء الحول بالنقد الذي يقوم به العرض عند تمام الحول لو بقي فلم يبلغ ثمنه نصاباً فهل ينقطع الحول حتى إذا اشترى بذلك عرضاً استأنف له حولاً من وقت الشراء، أو لا ينقطع؟ فيه وجهان في "الوجيز" حكاهما الإمام والقاضي الحسين؛ تفريعاً على اعتبار النصاب في أول الحول وآخره دون وسطه، وكان قد اشتراه بنصاب وهو مائتا درهم مثلاً وبمجموع النقلين يكون الوجهان
مفرعين على ما عدا الأول وبه صرح الفوراني والرافعي وقال: إن الذي رأى الأكثرين مائلين إليه: الانقطاع، وهو في "البحر" في الصورة التي ذكرها الإمام منسوب إلى القفال، وغلط من قال بخلافه، ولم يحك الماوردي غيره، وجعله في "الوسيط" قولاً رابعاً في المسألة وأعرض عن التفريع [معبراً عن ذلك بأن النقصان بانخفاض الأسعار في أثناء الحول لا يعتبر ولكن] إن صار محسوساً بالرد إلى الناض فيعتبر؛ لأن هذا منضبط.
قلت: هذا ملخص لما ذكره الإمام أصلاً وفرعاً وما ذكره في "الوجيز" أحسن منه وأبلغ؛ لأن من قال بانقطاع الحول عند تحقق النقص عن النصاب بالتنضيض في أثناء الحول- تفريعاً على قولنا: إن النظر في النصاب إلى آخر الحول- قال به مع المسامحة في عدم اعتبار النصاب في أول الحول وآخره، فهو قائل به عند المسامحة في عدم اعتبار النصاب في وسطه دون أوله من طريق الأولى ولا يلزم من قال بانقطاع الحول عند تحقق النقص عن النصاب بالتنضيض في أثناء الحول – تفريعاً على اعتبار النصاب أول الحول [وآخره]- أن يقول بمثله تفريعاً على اعتبار النصاب في آخر الحول. [ولأن الحول في هذه الحالة انعقد على عينه في الابتداء والآن صار من جنس [ما انعقد الحول على عينه؛ فالزكاة حين تجب في هذا إنما تجب في عينه، وكل موضع تجب فيه زكاة العين فيعتبر فيه] نصاب كامل في جميع الحول، وهاهنا النصاب قد انتقص كذا قاله القاضي الحسين في "تعليقه" فقط لما ذكره من المعنى، فإذن ما ذكره الإمام ولخصه في "الوسيط"، خاص بالتفريع على اعتبار النصاب في الطرفين فقط وما ذكره في الوجيز جار على ذلك وعلى ما إذا اعتبرنا النصاب آخر الحول فقط، وهو الذي صرح به الأصحاب كما تقدم؛ فكان أولى.
وقد جعل القاضي الحسين الوجهين تفريعاً على اعتبار النصاب في طرفي الحول فقط مبنيين على ما إذا اشترى عرضاً بمائتي درهم ونض ثمنه، وزاد على قدر رأس المال، فإن قلنا: إنه يزكي الجميع لحول الأصل لم ينقطع هاهنا وإلا انقطع [وقال: إنهما جاريان، فيما إذا كان له عرض للقنية فباعه بدراهم بنية
التجارة بأقل من نصاب هل ينعقد] الحول عليها أم لا؟
وهذا كله إذا كان التنضيض في أثناء الحول بما يقوم به العرض عند تمام الحول فلو كان بغيره بأن كان المقوم به دراهم فنضه بذهب أو بالعكس، فهو كما لو باعه بعرض فلا ينقطع الحول، وإن كانت قيمته دون النصاب على الصحيح، صرح بذلك الفوراني وأبداه الإمام احتمالاً، وحكي وجهاً آخر فيما إذا باعه بعرض ينقص قيمته عن النصاب المقوم به: أنه ينقطع الحول؛ كما ينقطع لو باعه بما دون النصاب من النقد الذي يقوم به ويبتدأ الحول في السلعة المستفادة، وقد قال: إنه ساقط؛ لأن المناقلة لا أثر لها في أموال التجارة.
قال: وإن اشترى بنصاب من السائمة- أي: مثل: أن اشتراه بخمس من الإبل، أو ثلاثين من البقر، أو أربعين من الغنم السائمة- فقد قيل: يبني على حول الماشية؛ لأنه فرع لأصل انعقد عليه الحول فجرى في حوله؛ كما لو اشتراه بنصاب من الأثمان، وهذا ما ادعى الإصطخري أنه مذهب الشافعي؛ لقوله في "المختصر":"ولو اشترى عرضاً للتجارة بدنانير أو دراهم أو بشيء تجب فيه الصدقة والماشية، وكان إفادة ما اشترى به ذلك العرض من يومه- لم يقوم العرض حتى يحول عليه الحول من يوم أفاد ثمن العرض ثم يزكيه بعد الحول"، وما ذكره الإصطخري هو الذي فهم المزني من كلام الشافعي أنه ذكره كما ذكرنا، واعترض عليه.
وقيل: ينعقد عليه الحول من يوم الشراء- أي: إن كانت قيمته نصاباً بلا خلاف، أو دون النصاب [على الأصح]؛ كما قاله البندنيجي؛ لأن نصاب الماشية مخالف لنصاب التجارة؛ لأن نصاب الماشية وواجبه مختلف؛ فلم يجز أن يبنى حول أحدهما على الآخر مع اختلاف نصابهما وواجبهما؛ كما لو باع الإبل بالبقر، وهذا ما صار إليه ابن سريج وجمهور الأصحاب.
[وقال القاضي أبو الطيب: إنهم قالوا: إنه مذهب الشافعي، واختلفوا فيما نقله المزني: فمنهم من غلطه وإليه مال الإمام، ومنهم من لم يخطئه، وهؤلاء
اختلفوا في المراد بما نقله على أوجه:
أحدها: أنه مفروض فيمن ملك ماشية فاشترى بها عرضاً في اليوم الذي ملكها فيه، وهو ظاهر النص.
الثاني: أنه محمول على ماشية اشتراها للتجارة وأسامها فوجبت فيها زكاة التجارة، وسقطت عنها زكاة العين- في أحد القولين- ثم ابتاع بها عرضاً للتجارة؛ فإن حول العرض من حين ملك الماشية.
والثالث: أنه جمع بين الدراهم والدنانير والماشية، ثم عطف بالجواب على الدراهم والدنانير دون الماشية، وقد يقع ذلك في كلامه]، واحتجوا له بأنه قال: من يوم أفاد الثمن، ولفظ "الثمن" يقع على النقدين دون الماشية.
قال الرافعي: وهذا منتظم على قولنا: إنه لا ثمن إلا النقدين.
قال: ويقوم مال التجارة- أي: الذي هو عرض؛ كما دل عليه كلامه من أول الباب إلى هنا، برأس المال إن كان رأس المال نقداً أي: نصاباً كان أو دونه، وهو نقد البلد أو غيره؛ لأن رأس المال نقد يقوم به كما أن نقد البلد يقوم به فكان الرجوع إلى رأس المال أولى؛ لأنه أقرب إليه.
قال الأصحاب: وصار هذا كالمستحاضة ينظر إلى عادتها، فإن لم يكن له عادة ردت إلى الأغلب.
قال: وبنقد البلد إن كان رأس المال عرضاً، أي: تجب فيه الزكاة، أو لا تجب لأنه لا يمكن تقويمه بما اشتراه [به فيقوم] بنقد البلد؛ لتعينه.
وهذا القول هو الأصح عند القاضي أبي الطيب والماوردي والغزالي وغيرهم، وإذا قلنا به: فلو لم يعلم ما اشتري به قوم بنقد البلد، حكاه في "البحر".
والمملوك بالنكاح والخلع على قصد التجارة، إذا قلنا: إنه مال تجارة- كالمملوك بالعرض؛ فيقوم بنقد البلد، قاله الرافعي.
وقيل: إن كان رأس المال دون النصاب- أي: وليس في ملك المشتري حالة الشراء مما اشترى به ما يتم النصاب- قوم بنقد البلد؛ لأنه لا يبني حوله على حول ما اشترى [به] فكان كالمنفرد بنفسه فألحق بالعرض، وهذا اختيار
أبي إسحاق. أما إذا كان في ملكه حالة الشراء ما يتم به النصاب؛ كما إذا كان في ملكه مائتا درهم فاشترى العرض بمائة منها، فقد قال القاضي- حكاية عن القفال-: أنه قال في مرة: إن ذلك ينبني على الصورة قبلها، فإن قلنا ثم: يقوم برأس المال فهاهنا أولى، وإلا فوجهان، والفرق: أن ما اشتري به العرض في المسألة الأولى ما انعقد عليه الحول فهو في حكم العرض، فقلنا: يقوم بنقد البلد بخلاف هذا، وقال في المرة الثانية: إنه يقوم بجنس ما اشترى به قولاً واحداً؛ لأنه اشتراه ببعض ما انعقد النصاب على عينه، وهذا ما اقتصر الرافعي على إيراده، وقال: لا خلاف فيه.
ثم ملخص ما ذكرناه: أن الشراء إن وقع [بنصاب من الأثمان، فالتقويم بجنسه لا خلاف فيه، وكذا إن وقع] بدون النصاب وفي ملك المشتري ما يتم به النصاب على الأصح، وإن وقع بعرض فالتقويم بنقد البلد بلا خلاف، وحكى القاضي الحسين وجهاً فيما إذا كان رأس المال عرضاً باعه بدراهم بنية التجارة، ثم اشترى بها عروضاً للتجارة- أنه يقوم بالدراهم؛ لأن الحول انعقد حين البيع بالدراهم، فيقوم بها، وإن وقع بما دون النصاب من الأثمان وليس في ملك المشتري ما يتم به النصاب، فهل يقوم بجنس رأس المال أو بنقد البلد؟ فيه وجهان بناهما القاضي الحسين وغيره على أن علة التقويم برأس المال إذا كان نصاباً بخلاف ما إذا كان دونه، وفيه معنيان ذكرهما الماوردي أيضاً:
أحدهما: كون حول التجارة مبنياً على حوله، فعلى هذا يقوم بنقد البلد؛ لأن ما دون النصاب لم ينعقد عليه حول حتى يبني عليه.
والثاني: لأنه قيمة، ونقد البلد قيمة، وهو [إلى] ما اشترى به أقرب؛ فكان الاعتبار به أولى، فعلى هذا: يقوم برأس المال- إذا كان دون النصاب أيضاً.
وبنى المتولي على المعنيين ما إذا اشترى للتجارة [شيئاً] بنصاب في ذمته، ونقد الثمن مما في يده قال: فعلى الأول: يقوم بنقد البلد؛ لأن حول التجارة لا يبنى على حول ما أداه كما تقدم، وعلى الثاني: يقوم بجنس ما اشترى به، وقضية
العلتين: أنه إذا اشتراه بدين في ذمة البائع، وقلنا بظاهر المذهب: إن الدين تجب فيه الزكاة أن يقوم بجنسه. وقد حكى في "التتمة" معه وجهاً آخر: أنه يقوم بنقد البلد؛ لأن الدين ملك ناقص على معنى أنه لا يجوز التصرف فيه إلا مع من هو عليه، فكان بمنزلة العرض الذي لم يعد [للتصرف، والمشترى] بالعرض يقوم بنقد البلد؛ وهكذا المشترى بالدين.
وقد حكى الماوردي وغيره عن ابن الحداد أنه قال: إنما يقوم بنقد البلد على كل حال في جميع الصور؛ كما تقوم به المتلفات.
وقال الإمام: إن صاحب "التقريب" نقله قولاً قديماً، وقال: إنه غريب جداً، وليس له اتجاه في المعنى. وغيره قال: إنه ليس بشيء أو خطأ.
وقد بقي من أقسام المسألة: ما إذا اشتراه بذهب، أو فضة: نقرة أو سبائك، فإن ذلك ليس من الأثمان؛ لأن اسم "الأثمان"[-لغة- مختص] بالدراهم والدنانير المطبوعة وليس هو من العروض؛ كما نقلناه في باب زكاة الناض، وحينئذ فقد حكى المتولي فيما يقوم به وجهين- بناء على ما تقدم-: فإن قلنا: إنما يقوم برأس المال إذا كان نصاباً؛ لأن حول العرض مبني على حوله، وهاهنا يقوم بجنس الثمن؛ لأن ما وقع به الشراء لا يقوم به؛ وإن قلنا: إنما قوم به لكونه أقرب إليه من نقد البلد، مع استوائهما في النقدية- فهاهنا يقوم بنقد البلد؛ لأن النقار والسبائك ليست بنقد.
ثم اعلم أنا حيث قلنا: يقوم بما اشتراه به، فلا فرق بين أن يكون قد اشتراه بأحد النقدين أو بهما، لكنه إذا اشتراه بهما قوم بهما على نسبة التقسيط يوم الشراء؛ فإنه الوقت الذي يتوزع الثمن فيه على المثمن، ولا يجوز تقويمه- والحالة هذه- بأحدهما، سواء كان لا يبلغ بكل منهما نصاباً أو يبلغ به، أو يبلغ بأحدهما دون الآخر. نعم، حكى الماوردي وجهاً فيما إذا كان قد اشتراه
بما دون النصاب في كل منهما: أنه يقوم بالدراهم، لأنها أصل وطريقها النص، والدنانير تبع وطريقها الاجتهاد. وحيث قلنا: يقوم بنقد البلد: فلو كان فيها نقدان رائجان، قوم بأكثرهما رواجاً، فإن تساويا في الرواج، نظر: فإن كان يبلغ بأحدهما نصاباً دون الآخر، قوم بما يبلغ به نصاباً، كذا قاله الجمهور، وقال في "التتمة": إنه ظاهر المذهب. وإن [من أصحابنا] من قال: يقوم بالنقد الذي لا يبلغ به نصاباً؛ لأن الزكاة إذا دار بين السقوط والوجوب فالسقوط مغلب، وأصله: ما إذا علف السائمة في بعض الحول أقل من المدة التي أسامها فيها؛ فإنه لا زكاة.
وفي "الحاوي" وجه ثالث: أن القيمة إن بلغت نصاباً إذا قوم بالفضة قوم بها، وإن لم تبلغ بها نصاباً، وتبلغ إذا قومت بالذهب فلا تقوم بالذهب، ولا تجب الزكاة إلا أن يفعل ذلك تطوعاً.
ونقل الإمام عن رواية صاحب "التقريب" وجهاً يقاربه: أن الاعتبار في التقويم بالدراهم إذا كان رأس المال دون النصاب من النقد؛ لأن الدنانير بالإضافة إلى الدراهم تكاد أن تكون عرضاً من جهة أن صرف كسور الدنانير إلى المستحقرات عسر، قال: وعلى هذا لو بلغ- إذا قوم بالدنانير- نصاباً، ولم يبلغه إذا قوم بالدراهم فلا زكاة، والمشهور الأول. نعم، إن بلغ بكل من النقدين- لو قوم به-[نصاباً فبماذا يقوم؟ فيه] أربعة أوجه:
أحدها: بالأنفع للمساكين، [وهو معتضد بأن الأظهر في اجتماع الحقاق وبنات اللبون رعاية الأغبط للمساكين]، وهو الذي يقتضي إيراد الإمام ترجيحه.
والثاني: تتعي الدراهم لأنها أنفع إذ تصلح لشراء المحقرات، ولأن وجوب الزكاة في الدراهم وجب بالتواتر- بخلاف الذهب- وهذا قول ابن أبي هريرة.
والثالث: يقوم بأغلب نقد أقرب البلاد إليه.
والرابع- وهو قول أبي إسحاق، وهو الذي صححه الشيخ أبو حامد، وتبعه في "الشامل" و"البحر"، وقال البندنيجي: إنه المذهب-: أن المالك يخير فيقومه بما
شاء منهما، وهو معتضد بأنه الأظهر في الجبران أن الخيار في تعيين الشاتين والدراهم إلى المعطي.
فرع: إذا اشترى جارية للتجارة، فولدت، فهل يدخل الولد في حول التجارة فيقوم، أم لا؟ فيه وجهان في "الوسيط"، المذكور منهما في "التتمة": الدخول – وهو الصحيح- ومقابله منسوب إلى ابن سريج.
قال الرافعي: والوجهان فيما إذا لم تنقص الأم بالولادة، فإن نقصت نظر: فإن كان قدر قيمة الولد جبر به، وأخرج زكاة الجميع، وإن كان النقص ينجبر ببعض قيمة الولد جبر به، وحكم الثاني كما تقدم؛ كذا حكى عن ابن سريج وغيره.
وقال الإمام: وفيه احتمال ظاهر، وقضية قولنا: إنه ليس مال تجارة، ألا يجبر به نقصان الجارية؛ كالمستفاد بسبب آخر.
وثمار أشجار التجارة بمثابة أولاد حيوان التجارة؛ ففي كونها مال تجارة الوجهان، والمنصوص منهما- كما قال في "البحر"-: أنها مال تجارة. وهو الذي يقتضيه كلام الشيخ وغيره كما سنذكره، والله أعلم.
قال: فإن بلغت قيمته في آخر الحول نصاباً زكاه. هذا من الشيخ تفريع على أن النصاب إنما يعتبر في آخر الحول، وقد تقدم دليله، لكن بماذا يزكيه؟ هل من العرض، أو مما قوم به؟ اختلف فيه النص:
فالذي قاله في "الأم" ونقله المزني: أنه يزكيه مما قوم به؛ فيخرج ربع عشره.
وقال: في القديم قولان:
هذا أحدهما.
والثاني: يخرج عرضاً [منها] بقدر ربع عشره.
وقال في القديم، قال- بعده بأسطر-: يخرج الزكاة دراهم أو دنانير أو عرضاً منها. واختلف الأصحاب لأجل ذلك في المسألة على ثلاث طرق:
إحداها: أن له في المسألة قولين:
أحدهما: تعين عليه إخراج ربع عشر ما قوم به، وهو الجديد وأحد قولي القديم.
والثاني: تعين عليه إخراج عرض يقدر بربع عشر القيمة، وهو القول الثاني في القديم، ووجه ظاهر خبر سمرة بن جندب؛ فإن الذي يعد للبيع هو العرض، واستدل له المتولي بقول أبي بكر:"ولو منعوني عقالاً مما أدوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه"، ولا يتصور وجوب العقال في الزكاة إلا إذا كان يتجر في العقال فيجب عليه من جنس مال التجارة.
قلت: وفي قوله: ولا يتصور وجوب العقال إلا في التجارة- فيه نظر؛ لأن القاضي الحسين قال في أول الكتاب: إن العقال قد يستحق في الزكاة إذا وجب عليه بعير في زكاة الإبل وكان ذلك البعير مغتلماً شارداً، فعليه تسليمه إلى الساعين؛ ليسقط عنه الفرض، ولا يمكنه تسليمه إلا بشد قوائمه بالعقال، فعليه تسليمه مع العقال، ثم يسترد العقال، وهذه الطريقة تعزى إلى ابن أبي هريرة، قال في البحر: ولا تصح عنه.
والثانية: أن في المسألة قولين:
أحدهما: أنه تعين إخراج ربع العشر مما قوم به؛ كما نص عليه في الجديد.
والثاني: هو بالخيار بين ذلك وبين إخراج عرض بقدر ربع عشر القيمة.
وهذا ما اختاره ابن أبي هريرة وصاحب "الإفصاح"، وقالا: قول الشافعي: يخرج عرضاً، معناه: إن اختار ذلك.
قلت: وكلام الشافعي الذي ذكره بعد ذكر القولين يدل عليه، وهذه طريقة أبي إسحاق، وعليه ينطبق [ما قاله] بعض الأصحاب: إن هذه الزكاة تجب في العين أو في القيمة؟ فيه وجهان:
فإن قلنا بالثاني فأخرج من العين، أجزأه.
وإن قلنا بالأول فأخرج من القيمة، هل يجزئ؟ فيه قولان.
وإذا جمعت بينها وبين الطريقة السابقة جاءك في المسألة ثلاثة أقوال، وهي الطريقة الثالثة، وتعزى إلى ابن سريج.
وقال الإمام: إن صاحب "التقريب" جمعها من القديم والجديد، ولم يورد الماوردي غيرها:
أحدها: أنه يتعين إخراج ربع عشر ما قوم به، وهو الأصح في "الحاوي"، و"البحر"، وبه الفتوى؛ كما قال الإمام؛ لأن الحول ينعقد على القيمة لا على العين، بدليل: أنه لو بادل عرض التجارة بعرض للتجارة لا ينقطع الحول، وإذا ثبت ذلك وجب إخراجها مما انعقد عليه الحول.
والثاني: يتعين إخراج العرض؛ لما تقدم، وعلى هذا لو عدل عما عنده، وأراد أن يخرج عرضاً من جنسه- قال البندنيجي: فالمذهب: أنه لا يجوز، ومن أصحابنا من قال: يجوز؛ كما في المواشي والأثمان. وغيره قال: إنه المذهب؛ لأن الشافعي قال في القديم: "ينظر كم قدر زكاته؟ فيشترى به عرضاً ويخرج" وهذا نص صريح، قال في "البحر": وهو الصحيح.
والثالث: أنه يتخير بين إخراج أيهما شاء؛ عملاً بموجب الدليلين.
وقد فرع ابن سريج على طريقته ما يوضح به ما ذكره، فقال: إذا اشترى مائتي قفيز من طعام بمائتي درهم للتجارة، فحال الحول وقيمته مائتان- وجبت الزكاة، ومن أين يخرجها؟ إن قلنا: يخرج من القيمة، أخرج خمسة دراهم، وإن قلنا: من العرض أخرج خمسة أقفزة، وإن قلنا: بالخيار أخرج خمسة دراهم، أو خمسة أقفزة، فإن عدل عن هذا الطعام إلى أربعة أقفزة من طعام تساوي خمسة دراهم، فإن قلنا بالأول لم يجزئه، وإن قلنا بالثالث سئل، فإن أراد إخراج ذلك عن خمسة دراهم لم يجزئه، وإن أراد إخراجه عن خمسة أقفزة أجزأه عن أربعة، وطولب بخامس كما ذكرنا.
قلت: وهذا يقوي قول من قال: إنا إذا قلنا: يخرج من العرض، أنه يخرج من غيره.
ولو حال الحول وقيمة الطعام مائتان، ولكن تغير الحال بعد الحول، فإن نقصت قيمته لنقصان السوق فبلغت مائة، فإن كان بعد إمكان الأداء، فإن قلنا بالأول فعليه خمسة دراهم، وإن قلنا بالثاني أخرج خمسة أقفزة وإن كانت تساوي درهمين ونصفا؛ لأن نقصان القيمة لنقصان السوق لا يضمن بالتفريط
كالغصب، وإن قلنا بالثالث: فإن اختار إخراج العرض أخرج خمسة أقفزة، وإن اختار إخراج القيمة أخرج خمسة دراهم.
ولو كان النقص قبل إمكان الأداء، وقلنا: إمكان الأداء شرط في الوجوب- فلا يجب عليه شيء، وإن قلنا: شرط الضمان، فعلى الأول يخرج درهمين ونصفا، وعلى الثاني خمسة أقفزة، وعلى الثالث: إن اختار [إخراج] القيمة أخرج درهمين ونصفا، وإن اختار العرض أخرج خمسة أقفزة.
ولو كانت القيمة قد زادت قدر الأصل؛ لزيادة السوق، وقال البندنيجي: فالحكم كما لو لم تزد ولم تنقص، ولا فرق بين أن تكون الزيادة قبل إمكان الأداء أو بعده، وغيره قال: إن كان ذلك قبل إمكان الأداء، وقلنا: إنه شرط الوجوب- فعلى الأول: يخرج عشرة دراهم، وعلى الثاني: خمسة أقفزة، وعلى الثالث: يتخير بينهما.
وإن قلنا: إنه شرط الضمان: فعلى الأول: [يخرج خمسة دراهم، وعلى الثاني: خمسة أقفزة منها، أو من غيرها يكون قيمتها عشرة، وعن ابن أبي هريرة: أن له أن] يخرج خمسة أقفزة قيمتها خمسة؛ لأن هذه الزيادة حدثت بعد وجوب الزكاة، وهي محتبسة في الحول الثاني. قال في "البحر": وهو غلط. وعلى الثالث: يتخير بين الأمرين.
وقد بنى بعضهم على الخلاف المذكور جواز بيع العروض قبل إخراج الزكاة، فقال: إن قلنا: يخرج من العروض، كانت على الخلاف في غير ذلك من المواشي، وإن قلنا: يؤدي من القيمة، فالحكم كما لو وجبت شاة في خمس من الإبل فباعها؛ لأن القيمة ليست من جنس الأصل؛ كذا حكاه الإمام، وقال: إن هذا غفلة عظيمة؛ لأن بيع مال التجارة تجارة، فكيف يخطر لذي فهم منع ما هو من قبيل التجارة في مال التجارة؟ ونحن وإن قلنا: إنه يتعين إخراج العرض فسد باب البيع لا وجه له، وحينئذ فلا وجه لما تقدم وهو غلط غير معدود من المذهب. نعم قد حكى صاحب "التقريب" تردد
الأصحاب في جواز البيع قبل تأدية الزكاة.
قلت: وهو الذي أورده القاضي أبو الطيب والبندنيجي وغيرهما، حيث حكوا في المسألة طريقين:
إحداهما: أن في البيع قولين كما في المواشي.
والثانية: القطع بالجواز وبها قال الجمهور كما قال الرافعي، ولم يذكر في "الوسيط" غيرها، [وهي التي رجحها الإمام]؛ لأنه لا يزيل المالية التي هي [متعلق الزكاة].
وهذا إذا باعه بالقيمة، فلو باعه بمحاباة فالمحاباة به كالموهوب، وهو إن وهب جميع المال أو أعتقه كان كالمتصرف في المواشي فيخرج على الخلاف.
قال الرافعي: فإن لم تصح الهبة فينبغي أن تبطل في قدر المحاباة، ويخرج في الباقي على تفريق الصفقة.
وقال الماوردي والإمام: إذا كان العرض يساوي ثلاثمائة فباعه بمائتين، فالناقص عن القيمة بمثابة طائفة من ماله يتلفها بعد وجوب الزكاة، وهذا يقتضي الجزم بنفوذ التصرف.
وحكينا في عكس المسألة: أن العرض لو كانت قيمته آخر الحول مائتين فباعه بثلاثمائة، فالمائة الزائدة هل تزكى للحول الأول كما لو حصلت بسبب ارتفاع السوق آخر السنة؛ إذ لولا السلعة لما حصلت، أو تحسب للحول الثاني وتضم إليه؛ فإن القيمة لم تزد وإنما احتال المالك في تحصيلها، فهو كما لو كسبها بصنعة وعمل؟ فيه وجهان.
قال: إن نقصت عن النصاب- أي: وليس له مال من جنس ما يقوم به يكمل به النصاب- لم تلزمه الزكاة إلى أن يحول عليه حول آخر- أي: وتكون قيمته في آخره نصاباً- ووجهه: أنا أسقطنا اعتبار النصاب في جميع السنة؛ حتى لا يؤدي إلى المشقة، و [لو] لم يستأنف الحول أدى إلى المشقة؛ لأن في كل ساعة يحتاج أن يقوم لينظر هل تم نصاباً حتى نأخذ الزكاة أم لا؟
قال الماوردي: وهذا قول أبي إسحاق وجمهور أصحابنا.
وقيل: إن زادت قيمته بعد ذلك بيوم أو شهر صار ذلك حوله، وتلزمه الزكاة، ويجعل [ابتداء] الحول الثاني من ذلك الوقت؛ لأن مال التجارة قد أقام في يده حولاً، وتم النصاب، فيجعل كأن ملكه في ابتداء المدة ما كان؛ وإنما ملكه بعد تمام المدة بيوم أو شهر، وهذا قول ابن أبي هريرة، وقال في "الوسيط": إنه الأصح. وهو مطرد فيما إذا زادت القيمة بعد ستة أشهر فأكثر؛ كما صرح به الأصحاب.
أما إذا كان له ما يكمل به النصاب مثل: أن تكون [له] مائة درهم فاشترى منها بخمسين عرضاً للتجارة وبقيت الخمسون في ملكه، وبلغت قيمة العرض في آخر الحول مائة وخمسين- فإن ذلك يضم إلى ما عنده، وتجب عليه الزكاة في الكل بلا خلاف، وهكذا لو كان قد اشترى عرضاً بمائة درهم، ثم عرضا آخر بمائة درهم ملكها بالإرث بعد شهر ثم بعد شهر آخر اشترى عرضاً آخر بمائة أخرى، فإذا حال الحول على الأول ولم تبلغ قيمته نصاباً، ثم حال الحول على الثاني ولم تبلغ [قيمته] نصاباً، ثم حال الحول على الثالث ولم تبلغ قيمته نصاباً- ضممنا الكل: فإن بلغت القيمة نصاباً وجبت الزكاة، ومن طريق الأولى: إذا بلغت قيمة أحدها نصاباً، وإن لم تبلغ [قيمة] الجميع نصاباً، فلا زكاة حتى يحول حول آخر، ويجيء فيه الوجه الآخر؛ كذا حكاه البندنيجي.
وقال القاضي الحسين فيما لو كان قد اشترى العرض بمائتين، ثم في أثناء الحول ورث مائة درهم، فاشترى بها عرضاً آخر للتجارة- ففي آخر الحول هل يضم ما اشتراه بالموروث إلى ما عنده في تكميل النصاب أم لا؟ ينظر: إن كان نقد البلد دراهم فيضم وإن كان دنانير: فإن قلنا: إن ما اشتراه بما دون النصاب من النقد يقوم بجنس ما اشترى به- يضم أيضاً، وإن قلنا: لا يقوم [به؛ بل يقوم] بنقد البلد فلا يضم.
قلت: ومثل هذا لا يجيء فيما ذكرناه؛ لأن المشترى به أولاً دون النصاب، وكذا الثاني، والثالث، فنحن إن قلن: يقوم بجنس ما اشترى به فهو جنس واحد، وإن قلنا: يقوم بنقد البلد فهو جنس واحد؛ فلذلك لم يقع اختلاف في الضم. نعم، لو كان المشترى في بلاد مختلفة النقود وبقي فيها إلى أن حال الحول، جاء التقسيم المذكور، فتأمل ذلك، والله أعلم.
ولو كان قد باع العرض في أثناء الحول بنقد لا تقوم به السلعة آخر، فإنه يقوم في آخر الحول: فإن بلغت قيمته نصاباً زكاه باعتبار القيمة، وهل يخرجها من المقوم به أو العين؟ فيه ما تقدم، وإن لم تبلغ قيمته نصاباً نظر [فيه]: فإن لم يكن في نفسه نصاباً فحكمه حكم العرض، وإن كان في نفسه نصاباً مثل: أن يكون قد باع العرض بعشرين ديناراً، وكان ما يقوم به من النقد هو الدراهم، ولم تبلغ قيمة الذهب في آخر الحول مائتي درهم- فإن قلنا فيما إذا كان مال التجارة في آخر الحول عرضاً: إنه ينتظر في إيجاب الزكاة فيه بلوغه نصاباً، فهكذا الحكم هنا فينتظره أيضاً، ولا نوجب فيه الزكاة وإن أقام سنين، وإن قلنا: لا تلزمه الزكاة حتى يحول حول آخر؟ فهاهنا هل يستأنف حول التجارة، أو حول العين؟ فيه وجهان: فإن قلنا بالثاني فمن أي وقت يستأنفه؟ فيه وجهان:
أحدهما: من حين وقت التقويم.
والثاني: من حين ملك ذاك؛ لأن النصاب حصل في ملكه من ذلك الوقت؛ كذا قاله الإمام والمتولي.
وحكى الماوردي قولاً عن رواية الربيع: أن بمجرد بيع العرض في أثناء الحول بنصاب من النقد الذي لا يقوم به، يستأنف الحول ولا يبنى؛ لأن الزكاة قد انتقلت من قيمة العرض إلى عين لا تعتبر في العرض، فلم يجز أن يبني حول أحدهما على الآخر، وقال: إنه الأقيس، وإنه ظاهر المذهب وبه قال جمهور أصحابنا: البناء وهو الأحوط، والله أعلم.
قلت: وما نقله الربيع مستمد من أنه إذا اشترى للتجارة ما تجب الزكاة في عينه أن الواجب زكاة العين دون زكاة التجارة، سواء اتفق وقت وجوبها أو
اختلف؛ كما هو قول في المسألة يأتي في آخر الباب وهو الصحيح كما ستعرفه، وإذا كان هذا مأخذه ظهر أنه الأقيس كما قال.
[قال]: وإن اشترى عرضاً بمائتي درهم ونض ثمنه وزاد على قدر رأس المال، زكى الأصل لحوله اعلم أن نون "نض ثمنه" مفتوحة، و"ثمنه" فاعل "نض" فيكون مرفوعاً، [ومعناه: صار] ناضاً، وقد سبق أن الناض: هو الدراهم والدنانير خاصة، والمراد هاهنا: إذا نضه بجنس رأس المال وهو الدراهم، وما إذا كان المنضوض في أثناء الحول مثل: أن يكون قد اشتراه في أول المحرم بمائتين مثلاً، ثم بعد مضي أربعة أشهر صارت قيمته ثلاثمائة مثلاً، ثم باعه بذلك بعد شهرين مثلاً فزكى الأصل وهو مائتا درهم لحوله وهو آخر السنة؛ لما تقدم: أن مناط وجوب زكاة التجارة القيمة، وقد مضى عليها حول فوجبت فيها الزكاة؛ لمفهوم قوله- عليه السلام:"لا زكاة في مالٍ حتَّى يحول عليه الحول".
قال: وزكي الزيادة لحولها، أي ويزكي الزيادة وهي المائة في مثالنا لحولها؛ للخبر، ولما روي ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: "ليس في مال المستفيد زكاة حتى يحول عليه الحول".
ولأنها فائدة غير متولدة مما عنده فأفردت بالحول، كما لو استفيدت بالإرث والهبة.
واحترزنا بقولنا: غير متولدة مما عنده عن السخال، فإنها تزكي لحول الأمهات كما تقدم؛ لأنها متولدة منها والربح حصل من كسب المتصرف وتقليبه، وهذا ما نص عليه في "المختصر" وبه قطع ابن سريج.
قال: وعلى هذا قال: وفي حول الزيادة- أي: وفي أول [حول] الزيادة- وجهان:
أحدهما: من حين الظهور؛ لأن بالظهور غلب على الظن الحصول، وقد تحقق بالنضوض فأشبه ما لو كان له مال غائب فإن سلامته تظن ولا تتحقق، فإذا رجع إليه تحقق فلزمه زكاته، وهذا هو الأظهر في "المهذب" والأصح في "تعليق" أبي الطيب، وبه كان الشيخ أبو حامد يقول، وحكى البندنيجي عن ابن سريج القطع به.
والثاني: من حين نض؛ لأنه حين التحقق وقبل ذلك هي مظنونة، وهذا ما نص عليه كما قال البندنيجي.
وقال الشيخ أبو حامد: إنه الصحيح. وتبعه النووي، وعن بعضهم القطع به.
قلت: وعلته تقتضي أن الحول إذا حال على العرض وقيمته ثلاثمائة أنه لا تزكى الزيادة؛ لأنها لم تحقق، ولم أر قائلاً به.
وقيل: في المسألة قولان:
أحدهما: يزكى الأصل لحوله، والزيادة لحولها كما تقدم، وهذا ما اختاره ابن الحداد، وهو الصحيح.
والثاني: يزكي الجميع لحول الأصل؛ لأنه نماء الأصل فزكي لحوله كالسخال، وهذا القول مخرج من قول الشافعي في القراض:"إذا دفع الرجل ألف درهم قراضاً، فاشترى بها سلعة وباعها بألفين، فقولان: أحدهما: أن زكاة الألفين كلها على رب المال، والثاني: أن زكاة رأس المال وحصته من الربح على رب المال، وزكاة حصة العامل عليه".
قال الأصحاب: وظاهر المذهب هذا: أنه أوجب زكاة جميع الربح، أو نصفه عند تمام الحول، ولم يورده بحول، فخرجوا منه القول الذي ذكرناه، وقد اختاره المزني، وقال في "الحاوي": إنه أصح عندي؛ لأن الأصحاب اتفقوا على أن الحول لو حال على العرض الذي اشتراه برأس المال، وكانت قيمته آخر الحول ثلاثمائة- أنه يزكي الجميع لحول الأصل، ولا فرق بينهما، ومن تكلف الفرق بينهما كان فرقه واهياً وتكلفه عناء.
والقائلون بالقول الأول فرقوا بين ما نحن فيه وبين ما إذا حال الحول على
العرض بأن مراعاة القيمة في كل وقت وساعة مع انخفاض الأسعار وارتفاعها [يشق؛ فخفف عنه التقويم في كل وقت وغلظ عليه بأن جعل الاعتبار بآخر الحول، ولا كذلك] إذا نض فإنه لا مشقة في معرفته.
وقد قال الإمام: إن من يعتبر النصاب في جميع الحول كما في زكاة الأعيان، قد لا يسلم وجوب الزكاة في الربح في آخر الحول، وقضية قياسه: أن يقول: ظهور الربح في أثناء الحول بمثابة نضوضه.
[والمنقول: الأول، وعنه احترز الشيخ بقوله: "ونض ثمنه". وهذه الطريقة- أعني طريقة القولين- قال بها] – كما قال البندنيجي- أبو إسحاق والمزني وغيرهما من أصحابنا، وعبارة الرافعي:"أن عليها الأكثرين"، والماوردي نسبها إلى أبي إسحاق والأنماطي.
والقائلون بالأولى حملوا نصه في القراض على ما إذا كانت الزيادة قد ظهرت وقت الشراء، وما نص عليه هنا محمول على ما إذا ظهرت الزيادة وقت البيع أو قبله، فاختلف قوله لاختلاف الحالين في ظهور الزيادة.
ومنهم من قال: قصده بما ذكر في القراض بيان من تجب عليه الزكاة قبل المقاسمة، أهو رب المال أو هو العامل فأما أن يكون حول الربح هو حول الأصل أم لا، فهذا مما لم يقصد ولم يوجه الكلام نحوه؛ فلا احتجاج فيه على أنه ليس في اللفظ تصوير الرد إلى النضوض؛ فيجوز حمله على ارتفاع القيمة من غير نضوض.
ثم الطريقان جاريان- كما ذكرنا- فيما إذا حال الحول والمال ناض، فلو كان بعد نضوضه قد اشترى به عرضاً آخر، وبقي إلى أن حال عليه الحول- فطريقان:
أحدهما: القطع بأنه يزكي الجميع لحول الأصل فما بلغت قيمة العرض زكاه.
وأصحهما: أن الحكم كما لو أمسك الناض إلى تمام الحول؛ لأن الربح بالنضوض بمثابة فائدة استفادها فلا يختلف حكمها بين أن يشتري بها سلعة أو لا – يشتري. وهذه الطريقة ذكرها القاضي الحسين، وعليها فرع، فقال: إذا اشترى بالأصل والزيادة عرضاً، وقلنا: يزكي الجميع لحول الأصل فلا إشكال، وإن قلنا:[إنه] يزكي الأصل لحوله والزيادة لحولها، قومنا عند تمام حول الأصل ثلثي العرض وزكاه، فإذا تم حول الزيادة قومنا ثلث العرض وزكاه. قال: وهكذا لو كان قد اشترى بالمائتين عرضاً، وباعه [بعد مضي أربعة أشهر بثلاثمائة، ثم اشترى بها عرضاً، وباعه بعد مضي أربعة أشهر بأربعمائة، ثم اشترى بها عرضاً]- فيقوم عند مضي أربعة أشهر نصف العرض ويخرج زكاته، وبعد مضي أربعة أشهر أخرى يقوم ربعه ويخرج زكاته فإن بقيت العروض في يده، والمال لم يزد على هذا ولم ينقص، يفعل هكذا أبداً. والله أعلم.
قلت: وفيه نظر يظهر لمن طالع ما فرعه ابن الحداد فيما إذا كان المشترى به دنانير، أما إذا كان نضه بدنانير؛ فهو كما لو بادل عرضاً بعرض؛ لأن التقويم لا يقع فيه إلا برأس المال.
وحكى الشيخ أبو علي عن بعض الأصحاب: أنه على الخلاف السابق.
ولو كان النضوض مع انتهاء الحول [بجنس رأس المال]؛ قال البندنيجي: زكى الجميع لحول الأصل قولاً واحداً، سواء ظهر الربح قبل انتهاء الحول بيوم [أو بعد أول الحول بيوم].
ولو كان النضوض بجنس رأس المال بعد حولان الحول، ولم تزد قيمة العرض بعد الحول شيئاً- فقد حكى الرافعي فيه وجهين:
أحدهما: أن الحكم كما لو كان النضوض في أثناء الحول.
وأظهرهما: أنه يستأنف للربح حولاً.
أما إذا زادت قيمته بعد الحول ففي البحر: أنه إذا كانت قيمته عند آخر الحول ثلاثمائة فصارت أكثر من ذلك، نظر: فإن كانت الزيادة حدثت بعد إخراج الزكاة فلا تضم وتكون للسنة الثانية، وإن كانت حدثت بعد الإمكان وقبل الإخراج ففيه وجهان ذكرهما ابن أبي هريرة وجماعته:
أحدهما- وهو الأصح-: أنها تكون للسنة الثانية كما في السخال.
والثاني: تضم؛ لأنها زيادة غير متميزة فتبعت الأصل، كما لو كانت الماشية هزالاً بعد الحول والتمكن ثم سمنت قبل الإخراج- لزمه أن يخرج منها سمينة بخلاف السخال، وإن كانت حدثت قبل إمكان الأداء: فإن قلنا: التمكن شرط الضمان دون الوجوب [فهو كما لو حدثت بعد التمكن؛ ففيها الوجهان، وإن قلنا: إنه شرط الوجوب] ضمت إلى الحول الأول- في قول أكثر أصحابنا- وقد نص عليه في الجديد.
وقيل: المذهب [أنه] لا يضم إليها؛ لأنها جارية في الحول الثاني، وهو غلط.
ولو كان شراء العرض للتجارة بمائة درهم مثلاً وباعه بعد ستة أشهر مثلاً بمائتي درهم، وبقيت عنده إلى آخر الحول من يوم الشراء- فإن قلنا: إن النصاب لا يعتبر إلا في آخر الحول، وقلنا في مسألة الكتاب: إنه يزكي الجميع لحول الأصل فعليه هنا زكاة المائتين، وإن قلنا [ثَمَّ]: يزكي الزيادة لحولها، لم يزك
هنا مائة الربح إلا بعد ستة أشهر أخرى، وإن قلنا: إن النصاب يشترط في جميع الحول أو في طرفيه، فابتداء الحول في مسألتنا من يوم باع ونض [الثمن] فإذا تم زكى المائتين بلا خلاف.
فرع: إذا كان مال التجارة حيواناً أو شجراً، فنتج وأثمر شيئاً لا تجب فيه الزكاة فإذا قلنا: إن حكم الزكاة يتعدى إلى ذلك، ففي الحول وجهان في "الرافعي":
أحدهما: أنه على القولين في ربح الناض؛ لأنها زيادة متميزة من مال التجارة، وهذا ما أبداه في "الوسيط" احتمالاً، وإذا قلنا به فابتداء الحول انفصال الولد وظهور الثمار.
والثاني- وهو الصحيح، ويحكى عن القاضي الحسين-: أن حوله حول الأصل كالزيادات المتصلة، وكالنتاج في الزكوات العينية.
قال: وإن باع عرض التجارة في أثناء الحول بعرض التجارة لم ينقطع الحول؛ لأن زكاة التجارة متعلقها القيمة، وقيمة الأول والثاني واحدة، وإنما انتقلت من سلعة إلى سلعة، فلم ينقطع الحول بذلك؛ كما [لو] نقلت الدراهم من بيت إلى بيت؛ ولأن الحول لو انقطع- والحال هذه- لأدى ألا تجب زكاة في العرض؛ لأن الأرباح لا يمكن تحصيلها إلا بالتقليب والتصرف.
ولو باع عرض التجارة بمنفعة دار [أو حانوت]، ونحو ذلك لقصد الاستغلال والاتجار- فهل ينقطع الحول؟ فيه وجهان؛ بناء على أن المملوك بعقد الإجارة إذا قصد به التجارة هل يكون مال تجارة أم لا؟ ومأخذ الخلاف: أنا هل نلاحظ قصد الاتجار أو ما يصدق على متعاطيه [بداية] تاجر؟ ولأجل ذلك قال القاضي الحسين فيما إذا اشترى السمسم أو الحنطة بنية التجارة، وطحن السمسم وعصره، وطحن الحنطة وخبزها ثم باع الخبز والدهن- هل ينقطع حول الزكاة أم لا؟ يحتمل وجهين:
أحدهما: ينقطع؛ لأن ذلك ليس من التجارة، وإنما هو للقنية؛ لأن التجار لا يطلبون الربح بمثل هذا، وإنما يطلبون بالتصرف، ألا ترى أنه لو قارض رجلاً على مال على أن يشتري به الحنطة ويطحنها ويخبزها كان القراض فاسداً؛ لما ذكرناه.
والثاني: لا ينقطع وهو الأظهر؛ لأنهم قد يفعلون [مثل] ذلك لزيادة الربح.
قلت: وهذا يقوى بما سنذكره من أنا إذا غلبنا زكاة التجارة عند اجتماعها مع زكاة العين أنا نقوم القمح المزروع للتجارة مع الأرض، مع أنه لو قارضه على ذلك لم يصح. ولا خلاف [في] أنه إذا باع [عرض] التجارة بصابون ليغسل به الثياب للتجارة- أن الحول [فيه] ينقطع بخلاف ما لو باعه بصبغ يصبغ به ثياب التجارة، فإنه لا ينقطع؛ لأن عين الصبغ تبقى بخلاف عين الصابون، وفي معناه الأشنان.
وقد أفهم قول الشيخ: "بعرَضْ التجارة، أنه إذا باعه بعرض لا يقصد التجارة أن الحول ينقطع، وهذه الحالة تصدق في صورتين:
إحداهما: أن يبيعه بعرض للقنية.
والثانية: أن يبيعه بعرض ولم يقصد القنية ولا التجارة.
ولا شك في الأولى في انقطاع الحول، وأما في الثانية: فالأصح أنه لا ينقطع؛ فإنه لا يكلف في كل عقد أن يقصد به التجارة؛ بل القصد معتبر في أول الأمر، صرح به الرافعي والإمام وغيرهما.
وحكى في "البحر" وجهاً: أنه يكون للقنية إذا كان العرض عند مالكه للقنية؛ استدامة لحكم العرض في نفسه قبل شرائه، قال: وهو غلط.
فإن قلنا بهذا، كان تقييد الشيخ؛ للاحتراز عن الصورتين، وإن قلنا بمقابله كان الاحتراز عن الصورة الأولى [فقط].
قال: وإن باع الأثمان بعضها ببعض للتجارة- أي: صيرفيا كان أو غير صيرفي- فقد قيل: ينقطع الحول؛ لأنه مال تجب الزكاة [في عينه، فإذا بادل به استأنف] الحول كما لو فعله لغير التجارة، ومنهم من علله- كما قال القاضي
الحسين- بأنه لا ربح في ذلك إلا قليلاً، والزكاة حيث وجبت إنما وجبت [في] مال كثر نماؤه، [ويتغابن الناس بالتبايع] فيه، وهذا ما ادعى البندنيجي أنه المذهب، وأن به قال ابن سريج، وأبو إسحاق، وقال الماوردي والروياني: إنه أقيس، وحكي عن ابن سريج أنه قال: بشر الصيارفة بأنه لا زكاة عليهم.
وقيل: لا ينقطع؛ كما لو بادل عرضاً للتجارة بعرض للتجارة.
وهذا ما نسبه البندنيجي إلى الإصطخري، والماوردي إلى أبي العباس، والقاضي الحسين إلى القديم، وصححه النووي، وقال الماوردي: إنه أحوط، والخلاف المذكور [في] كلامه في "الأم" دال عليه. قال البندنيجي: ولا وجه معه لمن قال: إن أصله إذا ملك أربعين شاة سائمة للتجارة، [فهل تجب زكاة التجارة أو زكاة العين؟ وفيه قولان: فإن قلنا: زكاة التجارة] بنى، وإن قلنا: زكاة العين، استأنف.
وعنى بذلك الشيخ أبا حامد، فإن ابن الصباغ حكى البناء عنه. نعم، هذان القولان أصل لوجهين ذكرا فيما إذا كان عنده أربعون شاة [سائمة للتجارة] ستة أشهر، فاشترى بها أربعين شاة سائمة للتجارة، فهل يبني أو يستأنف؟ على وجهين؛ بناء على الأصل المذكور، والله أعلم.
قال: وإن اشترى للتجارة ما تجب الزكاة في عينه، وسبق وقت وجوب زكاة العين، بأن اشترى نخيلاً فأثمرت وبدا فيها الصلاح قبل الحول- وجبت زكاة العين، وإن سبق وقت وجوب زكاة التجارة بأن يكون [عنده] مال للتجارة، فاشترى به نصابا من السائمة- أي: كخمس من الإبل،
أو ثلاثين من البقر، أو أربعين من الغنم- وجبت زكاة التجارة؛ لأن السابق منهما قد وجد سبب زكاته سالماً عن المعارض فوجبت زكاته كما لو كان كل منهما منفرداً.
وفي معنى الصورة الأولى: ما إذا اشترى أرضاً للتجارة فزرعها ببذر التجارة، أو اشتراها مزروعة للتجارة، وانعقد الحب قبل الحول- فإنه تجب عليه زكاة الزروع، وكذا لو اشترى ثمرة قبل بدو الصلاح بنية التجارة والأشجار في ملكه، وصححنا ذلك من غير شرط القطع، أو اشتراها بشرط القطع ولم يتفق القطع حتى بدا الصلاح، وقلنا: لا يبطل البيع كما ذكرنا في البيع – فإن الزكاة تجب لما ذكرناه.
قال: وإن اتفق وقت وجوبها- أي: [مثل: أن] اشترى بما لا تجب الزكاة فيه نصاباً من السائمة للتجارة، وأقام في يده بهذه الصفة سنة، أو اشترى نخيلاً للتجارة فاتفق وقت زهوها وقت [تمام حول] التجارة، وكل منهما يبلغ نصاباً- ففيه قولان- أي: في القديم كما قال البندنيجي وابن الصباغ، والقفال في شرح "التلخيص"، وفي القديم والجديد كما قال القاضي أبو الطيب وغيره:
فأحد القولين: أن الواجب زكاة التجارة؛ لمعنيين:
أحدهما: أنها أعم من زكاة العين وأحصر؛ لاستيعابها الأصل والفرع كما ستعرفه، واختصاص زكاة العين بالفرع من دون الأصل.
والثاني: [أنها] أقوى من زكاة العين وأوكد؛ لوجوبها في جميع السلع والعروض، واختصاص زكاة العين ببعض دون بعض.
وهذا القول منقول في القديم بالاتفاق.
والقول الثاني: أن الواجب زكاة العين؛ لمعنيين:
أحدهما: أنها أقوى من زكاة التجارة وأوكد؛ لأنها وجبت بالنص مع انعقاد الإجماع عليها وكفر جاحدها، وزكاة [التجارة] وجبت بالاجتهاد مع حصول
الاختلاف فيها؛ ولذلك لم يكفر جاحدها فكان المجمع عليه أولى من المختلف فيه.
والثاني: أن زكاة العين في الرقبة، وزكاة التجارة في القيمة، فإذا اجتمعا كان ما يتعلق بالرقبة أولى بالتقدمة، كالعبد المرهون إذا جنى.
وهذا ما نص عليه في "الأم"، وحكاه في "المختصر"، وهذه طريقة أبي إسحاق المروزي، وكذا أبي حفص بن الوكيل وابن أبي هريرة، كما قال الماوردي.
وحاصله: تخصيص محل القولين بحالة الاتفاق في وقت الوجوب، فإن اختلف فالمعتبر المتقدم.
[وقد حكى الإمام طريقة أخرى: أن محل القولين- كما قال أبو إسحاق- عند الاتفاق في وقت الوجوب، [فإن اختلف] فالمعتبر المتأخر] وهذه الطريقة ذكرها الفوراني أيضاً.
قال: وقيل: القولان في الأحوال كلها؛ لأن الشافعي أطلق ولم يفصل، وهذه الطريقة اختارها القاضي أبو حامد، وقال في "جامعه": إن تفصيل أبي إسحاق لا يعرف للشافعي، ولا يقتضيه ظاهر كلامه؛ لأن الشافعي فرض الكلام في الثمرة، ويبعد أن يوافق آخر جزء من حول التجارة أول بدو الصلاح.
وقال القاضي أبو الطيب: الذي قاله أبو إسحاق أصح؛ لأن الشافعي نص على أنه إذا باع عروض التجارة قبل الحول بدنانير، وكان قد اشترى العرض بدراهم، وحال الحول والدنانير في يده- فإن الدنانير تقوم ويخرج الزكاة من قيمة الدنانير، والعلة في ذلك ليست [إلا أن] حول زكاة التجارة سبق تمامه على تمام حول زكاة العين.
قلت: وتتمته: أن الكتاب الذي نص فيه على هذا هو الذي نص فيه على وجوب زكاة العين، وهو "المختصر".
وفي "البحر" طريقة أخرى: أنا نعتبر ما هو الأحظ للمساكين وأوفر لهم، فيحمل رب المال عليه.
وبهذه الطريقة يحصل في المسألة أربع طرق، والذي صححه الإمام والبغوي منها: طرد القولين في الأحوال المذكورة كالقاضي أبي حامد، وعلى هذه الطريقة: إن اختلف وقت وجوبهما نظرت:
فإن كان السابق وقت وجوب زكاة العين كما صورنا، فإن قلنا بتقديم زكاة العين، أوجبنا زكاة العين. قال الإمام:[وحينئذ] فإذا كانت الثمار [مشتراة] للتجارة، فلا يسقط اعتبارها بالكلية في المستقبل؛ فإن التجارة قائمة متجددة في الأحوال المستقبلة، فالوجه أن يبتدئ حول التجارة من [حين وقت] الجفاف لا من وقت بدو الصلاح؛ إذ يجب على المالك تربية العشر إلى الجفاف، ويستحيل أن يكون في تربية العشر ويكون ذلك الزمان محسوباً من حول آخر. وإن قلنا بتقديم زكاة التجارة [ولم نأخذ زكاة العين وانتظرنا زكاة التجارة]- فإذا تم حولها وهي نصاب أخذت منه.
ولو كان السابق وقت وجوب [زكاة] التجارة كما صورنا، فإن قلنا بتقديم زكاة [التجارة وبلغ المال نصاباً أخذت، وإن قلنا بتقديم زكاة] العين فهل يبنى حولها على حول العرض؟ فيه وجهان- حكاهما الماوردي، والقاضي الحسين-:
أحدهما- وهو قياس قول الإصطخري-: أنه يبنى حولها على حول العرض؛ [لأنه لما جاز أن يبنى حول العرض على حول السائمة، جاز أن يبنى حول السائمة على حول العرض].
والثاني: يبتدئ لها الحول من [حين] شراء السائمة؛ [لاختلافهما في النصب] وقدر الزكاة، وهذا ما أورده البغوي وغيره، وعلى هذا ينتظر وقت وجوبهما: فإذا كانت نصاباً آخر الحول أخذت، وكانت الأشهر الماضية قبل شراء السائمة ساقطة.
وحكي الإمام- مع هذا- وجهاً آخر: أنا نأخذ زكاة التجارة عند تمام حولها، ويعقد حول زكاة العين من منقرض سنة التجارة، أما إذا اتفق وقت وجوب
الزكاتين وبلغ المال نصاباً بالنسبة إلى إحدى الزكاتين دون الأخرى، مثل: أن اشترى أربعين شاة سائمة للتجارة وتم الحول عليها، وقيمتها تنقص عن نصاب التجارة، أو اشترى ثماراً للتجارة فبدا الصلاح فيها وهي خمسة أوسق وقيمتها دون نصاب التجارة- وهذان المثالان في طرق واحد- أو اشترى أربعين من الغنم السائمة للتجارة فنقصت واحدة آخر الحول، وقيمتها تبلغ نصاب التجارة، أو كانت الثمرة المشتراة دون خمسة أوسق عند بدو الصلاح وقيمتها تبلغ نصاب التجارة.
فالذي ذكره العراقيون والقفال والجمهور، كما قال الرافعي: أن عليه الزكاة التي كمل نصابها دون الأخرى قولاً واحداً.
وقال الإمام تبعاً للفوراني، والقاضي الحسين: إنا إن غلبنا زكاة التجارة فكان المال آخر الحول دون نصابها، [فهل تجب زكاة العين إذا كان نصابها] تاماً آخر حولها أو لا يجب عليه شيء؟ فيه وجهان جاريان: فيما إذا غلبنا زكاة العين فكان المال آخر حولها دون النصاب وبلغت قيمته نصاب التجارة، فهل تجب زكاة التجارة، أو لا يجب شيء؟
ووجه عدم الوجوب: أنا أسقطنا حكمها على هذا القول الذي عليه نفرع؛ فلا يرجع إليها.
ووجه الوجوب: أن سببي الزكاتين قد اجتمعا وعسر الجمع بينهما لازدحامهما وتقديم إحداهما ليس بإسقاط للأخرى؛ ولكنه تقديم لأجل المزاحمة، فإذا انتفت بفقد [أحد السببين] عمل السبب الآخر، وصار هذا كمن قتل شخصين فإنه يقاد بالأول منهما، فلو عفا وليه أقيد بالثاني.
قلت: وللخلاف في الصورة الأولى التفات على أصل تقدم لا غنى عن ملاحظته، وهو ما إذا اشترى في أثناء الحول بعرض التجارة نصاباً من النقد الذي لا يقوم به مال التجارة آخر حولها، وتم حول التجارة، وقيمة ما اشتراه من النقد ينقص عن النصاب المقوم به فإنا هل نوجب زكاة النقد المشترى أم لا؟ فيه
خلاف يبنى على أن مال التجارة إذا كان آخر الحول عرضاً قيمته دون النصاب، ثم زادت قيمته بعد ذلك بيوم أو شهر، هل لا تلزمه الزكاة إلى أن يحول عليه حول آخر [وهو نصاب] أو يجعل آخر حوله عند انتهائه إلى النصاب؟ فإن قلنا: لا يستأنف لم نوجب زكاة النقد المشترى، وإن قلنا: يستأنف [فكذلك هاهنا يستأنف]، لكن حول زكاة التجارة، أو حول زكاة النقد المشترى؟ فيه وجهان:
فإن قلنا بالثاني فمن أي وقت يستأنف؟ فيه وجهان:
أحدهما: من [حين] التقويم ونقص نصاب التجارة.
والثاني: من حين ملك ذلك.
وقد أشار القاضي الحسين إلى مثل ذلك فيما نحن [فيه].
وقد وافق البغوي من ذكرنا في حكاية الخلاف في الصورة الأولى، وقال: إن الأصح الانتقال إلى زكاة العين، وإن- على هذا- يخرج في الحال زكاة الثمار؛ لأنه لا يعتبر فيها حول، وأما الماشية فهل تخرج زكاتها في الحال، أو يستأنف لها الحول من وقت التقويم؟ فيه وجهان. واقتضى كلامه في الصورة الثانية موافقة العراقيين حيث قال بعد سرد المسألة وغيرها: هذا كله في اجتماع النصابين، أما إذا اشترى نخيلاً أو أرضاً مزروعة للتجارة، فخرجت أقل من خمسة أوسق، أو اشترى من السائمة أقل من نصاب بنية التجارة- تجب عليه زكاة التجارة إذا تم الحول وقيمتها نصاب قولاً واحداً؛ لأن زكاة العين لا تجب هاهنا كما لو اتهب نصاباً من السائمة بنية التجارة تجب عليه زكاة العين إذا تم حوله؛ لأن حول التجارة لم ينعقد بالاتهاب.
نعم، لو اشترى من السائمة أقل من النصاب بنية التجارة فبلغت بالنتاج في أثناء الحول نصاباً، وكانت قيمته أقل من نصاب آخر الحول- فمن أصحابنا من قال: لا زكاة عليه؛ لأن الحول انعقد على زكاة التجارة فلا يتبدل، ومنهم من قال: ينتقل إلى زكاة العين، وعلى هذا فابتداء حولها من حين يتم النصاب بالنتاج أو من [وقت] نقصان قيمتها عن نصاب التجارة؟ فيه وجهان [وسبق مثلهما.
وقد حكى الرافعي عن رواية القفال: أنا إذا غلبنا زكاة العين في نصاب
السائمة، وانتقصت في خلال السنة عن النصاب، ونقلناه إلى زكاة التجارة، فهل ينبني حول التجارة على حول زكاة العين، أم يستأنف لها حولاً؟ فيه وجهان] كالوجهين فيما لو ملك نصاباً من السائمة لا للتجارة، [فاشترى به سلعة للتجارة].
ثم اعلم: أنا حيث غلبنا زكاة التجارة قومنا ثمرة النخل، والجذع وأرض الجذع، والزرع وأرض الزرع، والماشية مع درها ونسلها وصوفها وما اتخذ من لبنها، وأخذنا زكاة الجميع عند بلوغه نصاباً، صرح به القاضي أبو الطيب [وابن الصباغ والبغوي] وغيرهم.
وفيه وجه تقدم أن الثمار الحادثة ليست مال تجارة. ويجيء وجه أنه لا تجب زكاة التجارة في البذر المشترى بنية التجارة إذا زرعه بقصد التجارة؛ أخذاً مما حكيناه عن القاضي الحسين فيما إذا اشترى السمسم وعصره أو الحنطة وطحنها: أن الحول لا ينقطع؛ لأن ذلك لا يعد تجارة، وكذلك الزراعة لا تعد تجارة.
وحيث غلبنا زكاة العين أخرج العشر من الثمار والزروع، وأخرج السن الواجبة من السائمة والسخال تضم إلى الأمهات، ولا يبقى بعد أخذ زكاة السائمة لإيجاب زكاة التجارة موضع، وبعد أخذ زكاة الزروع والثمار، هل تجب زكاة التجارة في أصول النخل، والأرض المزروعة، والتبن، والصوف، والدر؟ فيه قولان:
أحدهما- وهو القديم-: نعم، فيقوم ذلك، ويخرج زكاة التجارة عنه.
قال البندنيجي: وهو المذهب.
وقال في "البحر" إنه ظاهر المذهب.
وغيرهما نسبه إلى ابن سريج وأبي إسحاق، وجعل الإيجاب هو الأظهر.
والثاني: لا.
وحكي القاضي الحسين عن بعض الأصحاب وجهاً ثالثاً، وادعى أنه نص
الشافعي: أنا لا نقوم النخيل والتبن، [ونقوم الأرض] المزروعة، والفرق: أن الثمار تتولد من غير النخيل، وقد أدى الزكاة منها فلا نقوم النخيل، وكذا التبن يتبع الحنطة؛ لأنها خرجت منه، بخلاف الزرع؛ فإن الحنطة ما تولدت من عين الأرض، وإنما هو مودع فيها فبقي عليه حق قيمة الأرض.
وسلك الإمام في حكاية الخلاف طريقاً آخر، فقال: "هل تجب زكاة التجارة في الأشجار أم لا؟ فيه وجهان:
فإن أوجبناها فيها ففي الأراضي الوجوب أولى، وإن قلنا: لا تجب في الأشجار ففي المغارس وجهان.
والفرق: بعد الأراضي عن التبعية؛ فإن الثمار جزء من الأشجار، وليست جزءاً من الأراضي، ثم ينبغي أن يقال: كل ما يدخل في معاملة المساقاة فتجب زكاة التجارة فيه قطعاً.
وهذا إذا بلغت قيمتها نصاباً، فإن لم تبلغ [قيمتها] نصاباً وأوجبنا زكاة التجارة فيها، فهل تضم قيمة الثمرة إلى قيمة الجذوع وقيمة البذر في استكمال النصاب؟ فيه وجهان في "التهذيب" وغيره.
وادعى القاضي الحسين أن الظاهر عدم الضم، وعلى مقابله قال: يخرج بقدره من الأرض والجذوع زكاة التجارة؛ لأنه اشتراه للتجارة، قال: والوجهان يقربان من قولنا: إنا إذا غلبنا إحدى الزكاتين فانتقص نصابه هل يعدل إلى الآخر؟ وفيه جوابان.
ولا خلاف في أنه لا تجب الزكاتان في المال الواحد؛ لأن سببهما واحد وهو المال، وهذا بخلاف زكاة الفطر، فإنها تجب بسبب عبيد التجارة مع زكاة التجارة [فيهم، خلافاً لأبي حنيفة؛ فإنه أسقط زكاة الفطر وأوجب زكاة التجارة] حذراً من الجمع بين زكاتين.
والفرق على مذهبنا: أنهما حقان اختلف موجبهما فجاز أن يجمع موجبهما؛
كالقيمة مع جزاء الصيد، وإنما قلنا: إن موجبهما مختلف؛ لأن زكاة الفطر تؤدي عن البدن دون المال؛ ولهذا تجب على الأحرار، وزكاة التجارة تؤدى عن المال، كما أن زكاة العين تؤدي عن المال. وقد أبطل الماوردي مذهبه بأن إحداهما لو أسقطت الأخرى لكان سقوط [زكاة] التجارة أولى؛ لأن زكاة الفطر مجمع على وجوبها، وزكاة التجارة مختلف في وجوبها؛ فصار هذا كما قال في الخراج المضروب على الأرض والعشر الواجب للزرع، ولما بطل هذا بطل ذاك.
وكذا [لا خلاف] فيما لو زرع الأرض المشتراة للتجارة ببذر للقنية: أنه يجب عليه زكاة التجارة في الأرض والعشر في الزرع، قاله القاضي الحسين وغيره.