الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب بيع المصراة والرد بالعيب
المُصَرَّاةُ: قال أهل اللغة: هي الناقة، أو البقرة، أو الشاة أو نحوها تربط أخلاها، ولا تحلب أياماً؛ فيجتمع في ضرعها لبنٌ كثيرٌ يتوهم المشتري أنَّ هذا اللبن عادتها في كل يوم، فيشتريها.
وهي من التصرية، والتصرية: الجمع.
يقال: صرّ الماء في الحوض، إذا جمعه فيه، وصَرَّاه في ظهره: إذا ترك الجماع؛ فاجتمع الماء فيه.
ويقال: صَرَّى يُصَرِّي تصرية، وهي مصراة مثل: غَذَّى المرأة يغذي تغذية فهي مغذاة.
وتسمى المصراة محفَّلة أيضاً، وهي لغة أهل العراق، وهي من الحفل وهو الجمع، ومنه قيل للجمع: المحفل.
وهذا الفعل حرامٌ؛ لما فيه من التليس، وكذلك البيع؛ لأنه روي عن ابن مسعود أنه قال:"أشهد على الصادق المصدق أبي القاسم صلى الله عليه وسلم أنه قال: "بَيْعُ الْمُحَفَّلات خِلَابَةٌ، وَلَا تَحِلُّ خِلَابَةُ مُسْلِمٍ" ذكره عبد الحق.
قال: "إذا اشترى ناقة، او بقرة أو شاة مصراة، وتبين التصرية – فهو بالخار بين أن يمسك، وبين أن يرد ويرد معها صاعاً من تمر بدل اللبن" – أي: الذي كان موجوداً وقت العقد، سواء كاناللبن قليلاً أو كثيراً، باقياً بحاله لم يتغير أو غير باقٍ، وسواء كان التمر غالب قوت البلد أو لا، وسواء ساوت قيمة الصاع قيمة الشاة، أو نقصت عنها، أو زادت.
والأصل في ذلك: ما روى الشافعي وأبو داود بسندهما عن أبي هريرة – رضي الله عنه –عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لَا تُصِرُّوا الإِبِلَ وَالْغَنَمَ لِلْبَيْعِ، فَمَنِ ابْتَاعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلُبَهَا: إِنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا، وَإِنْ سَخِطَهَا رَدَّها وَصَاعاً مِنْ سَمْرَاءَ".
قال الترمذي: وقوله: "لا سمراء" يعني: لا بُر. وقال غيره: قوله – عليه السلام – في الحديث الأول: "بعد ذلك" أي: بعد هذا النهي.
فدلَّ الأول على المدعي في الإبل والغنم؛ لكونها غالب أموالهم.
والثاني: على الجميع.
وهل ثبوت الخيار للتدليس الصادر منه أو لتضرر المشتري بما وطن نفسه عليه؟ فيه خلاف يظهر أثره فيما لو تحفَّلت بنفسها، أو صَرَّها غيره بغير إذنه، والأصح في
"التهذيب" ثبوته، ووراء ذلك [وجوهٌ أُخر]:
أحدها: أن اللبن إذا كان باقياً لم يتغير لايتعين عليه رد التمر، وله ردُّ اللبن، صرح به في "المهذب".
وازد الشيخ أبو محمد [عليه] فقال: [يتعين رد اللبن].
وإذا كان تالفاً ردّ مثله، فإن أعوزه المثل ردّ قيمته؛ اعتباراً بسائر المتلفات.
قال الإمام: وقد أومأ إلى هذا صاحب "التقريب" ولم يصرح به، وهو عندي غلط صريح.
الثاني: أن التمر إنما يتعين إذا كان غالب قوت البلد، أمَّا إذا كان الغالب غيره فهو الواجب، وهو قول الإصطخري وابن سريج، و [ابن] أبي هريرة، على ما حكاه المحامل.
الثالث: أنه لا يتعين وإن كان غالب قوت البلد، وهو قول [ابن] أبي هريرة، على ما حكاه الماوردي، بل يجوز إخراج ما يجري في زكاة الفطر.
قال الإمام: "لكن لا يتعدى إلى الأقط"، وهذا صححه الرافعيُ، ويشهد له أنه جاء في بعض الروايات – كما ذكرنا – ذكر التمرن وفي بعضها ذكر الطعام، كما خرجه الترمذي وصححه، وفي بعضها عن ابن عمر أنه – عليه السلام – قال:"مَنِ ابْتَاعَ مُحَفَّلةً فَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنْ رَدَّهَا رَدَّ مَعَهَا مِثْلَ أَوْ مِثْلَيْ لَبَنِهِا قَمْحاً" وذلك يشعر بالتخيير
الرابع – حكاه صاحب "التهذيب" وغيره عن أبي إسحاق -: أن التمر هو الأصل في جميع البلاد، فإن عدل إلى ما هو أعلى منه، بأن أعطى مكانه قمحاً – أي: وكان أكثر قيمة، كما صرح به غيره – يجوز، وإن عدل إلى ما دونه لا يجوز إلا برضا البائع.
قال القاضي أبو الطيب- حكاية عنه تتمة لذلك -: وإن كان في بلد يوجد فيه التمر وجب يه قيمة الصاع من التمر بالمدينة، وإن كان في بلد يوجد فيه التمر إلا أنَّ ثمنه كبير – يأتي علىثمن الشاة أو على الأكثر منه –قُوّشم بقيمة المدينة، والمحالي حكى عنه في هذه الصورة أنه يلزمه قيمته بالحجاز، وأبدل لفظ الثمن بالقيمة.
والخامس: أن الصاع لا يتعين، ولكن الواجب [يتقدر] بقدر اللبن؛ لما سبق من رواية ابن عمر، وعلى هذا فقد يزاد الواجب على الصاع وقد ينقص، ثم منهم من خصّ هذا الوجه بما إذا زادت قيمة الصاع على نصف قيمة الشاة، وقطع بوجوب الصاع فيما إذا نقصت عن النصف، ومنهم من أطلقه إطلاقاً.
ثم على قول اعتبار القيمة، قال الإمام: تعتبر القيمة الوسط للتمر بالحجاز، وقيمة مثل ذلك الحيوان بالحجاز، فإذا كان اللبن عشر الشاةمثلاً، أَوْجَبْنا من الصاع عشر قيمة الشاة.
وهذا كله فيما إذا لم يرض البائع، فأمَّا إذا تراضيا على غير التمر من قوت أو غيره، أو على رد اللبن المحلوب عند بقائه – جاز بلا خلاف، كذا قاله في "التهذيب".
وحكى ابن كَجٍّ وجهين في جواز إبدال التمر بالبر عند اتفاقهما عليه.
فرعان:
على المذهب لو أعوزه التمر أعطى قيمته، وفي محلها وجهان:
أحدهما: قيمة أقرب بلاد التمر منه.
والثاني: قيمته بالمدينة.
لو كان ثمن الشاة صاعاً من تمر ردها وصاعاً من تمر، وقيل: تُقَوْم مصراة، فإذا قيل: عشرة، قوّمت غير مصراة، فإذا قيل: ثمانية، علم أن التفاوت الخُمُس؛ فيجب عليه خُمُس صاع.
تنبيه: قول الشيخ: "وتبين التصرية فهو بالخيار" يخرج ما إذا كان عالماً بالتصرية حال العقد، ويشمل ما إذا تبين التصرية بعد ثلاثة أيام أو قبلها.
اولحكم فيها عند الأصحاب مبني على أصل لابد من ذكره، وهو ما إذا كان غير عالم بالتصرية حالة العقد، ثم علم بها؛ فإن له الخيار إلى ثلاثة أيام، جزم به الماورديُّ، لكن هل هو شرعيٍّ أو خيار عيب؟ فيه وجهان:
أولهما – قول أبي حامد المروروزي -: أنه يمتد إلى ثلاثة أيام، ولو كان خيار عيب لكان على الفور.
قال القاضي أبو الطيب – وقد حكى ذلك في "جامعه" وقال -: إن الشافعيَّ نصّ عليه في كتاب "اختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلى".
والثاني – قول أبي إسحاق المروزي -: لأنه موضوع لكشف التدليس، والتدليس بالتصرية لا يعلم قبل مضي ثلاثة أيام؛ لأن كثرة اللبن في اليوم الأول يحتمل أن تكون بسبب التصرية، أو من أصل الخلقة، وقلته في اليوم الثاني يحتمل أن تكون من أصل الخلقة أو لاختلاف المرعى، فإذا حلبها في اليوم الثالث، وظهر
نقصانه عن الأول تيقن حينئذ أنها مصراة.
فإن قلنا بقول أبي حامد ثبت له الخيار إذا كان عالماً بالتصريةحال العقد، وإن قلنا بقول أبي إسحاق فلا، وهذا ما اختاره ابن أبي عصرون، وجزم به أبو الطيب، وحكى الرافعيُّ وغيره مثله عن ابن أبي هريرة فيما إذا ثبتت التصرية بإقرار البائع أو بشهادة عدلين، وصححه.
ويتفرع على قول أبي حامد وأبي إسحاق الفرع الآخر، وهو ما إذا مضت مدة الثلاث قبل العلم بالتصرية، فعلىقول أبي حامد: يسقط الخيار، وعلى قول أبي إسحاق: لا، صرح به الماوردي.
والسقوط على قول أبي حامد موافق لما حكاه الماوردي فيما إذا مات أحد المتعاقدين في مدة خيار الشرط، ولم يطلع وارثه إلَاّ بعد انقضاء مدته: أنه يسقط، ويتجه أن يجيء هاهنا تفريعاً على قول أبي حامد ما حكيناه ثَمَّ.
وفي "تعليق" البندنيجي: أن أبا إسحاق قال: لو أراد الرد قبل الثلاث لم يكن له؛ لأنه ما علم بالعيب، وإن أراده بعد الثلاث لم يكن له؛ لأنه ترك الرد بعد القدرة على معرفة العيب، وإنما [له] الرد عند انقضاء الثلث.
وهل ابتداء الثلاث من حين العقد، أو من حين انقضاء خيار المجلس؟ فيه خلاف كما في خيار الشرط. حكاه الرافعيُّ.
آخر:
عدول الشيخ عن أن يقول: إذا اشترى حيواناً مأكولاً مصراة، إلى ما ذكره - احترازٌ عن غير النعم من المأكولات؛ فإن فيه خلافاً، اختيار البصريين: أن حكم التصرية لا يثبت فيه، والصحيح - ما حكاه الرافعيُّ، وهو اختيار البغداديين -: الثبوت.
قال: وإن اشترىتانا مصراة ردّها"؛ لأن في كثرة لبنها نفعاص وغرضاً، فكان نقصه غبناً كالنقص في لبن النعم.
قال: "ولا يرد بدل اللبن" أي: سواء قلنا بنجاسته على المذهب، أو بطهارته [وجواز شربه، كما ذهب إليه أبو سعيد الإصطخري؛ لأنّا إن حكمنا بنجاسته لا قيمة للنجس، وإن حكمنا بطهارته]؛ فلأنه غير مقصود بالأعواض وهو تبع.
وقيل على القول بالطهارة: إنه يجب الصاع – حكاه أبو الطيب والبندنيجي – ليس إلَاّ، والماوردي مع الأول.
وقيل: يجب الأرض عندالرد لا الصاع، وفي الرد وجهٌ أيضاً: أنه لا يثبت، ولكن يرجع بالأرش؛ بناء على أنه بخس، حكاه المحاملي، ومجموع ذلك أربعة أوجه.
تنبيه: الأتان: الأنثى من جنس الحمر، وجمعها: آتُن – بالمد وضم التاء – كعَنَاق وأَعْنُق، وجمع الكثرة: أُتُن وأُتّن ككُتُب وُكتْب ومأتوناء – بالهمزة في أوْله والمد في آخره – حكاه الجوهريُّ.
قال: "وإن اشترى جارية مصراة، فقد قيل: لا يرد" – أي: ويأخذ الأرش؛ لأن اللبن إذا ان كثيراً انتفع به الأول ونما؛ ففي نقصه إضرار بالمشتري، والثمن يختلف باختلافه، لكن لا يمكننا أن نقول: إنه يردها ولا يردْ شيئاً؛ لأنه قد حصل في يده اللبن الذي هو حق البائع فلا يجوز إبطال حقه، ولا يمكننا أن نقول: إنه يردها ويرد معها صاعاً؛ لأن لبن الآدميات ليس له عوض مقصود؛ فلم يبق إلا أن يمسكها، ويأخذ أرش العيب.
قال: وقيل: يرد؛ لتدليسه وتضرر المشتري بعقده.
قال: "إلَاّ أنه لا يرد بدل اللبن"؛ لأنه غير مقصود في الأعواض، ألَا ترى أنه لا يباع في الأسواق؟!
وقد قيل: "إنه نجس"، وهذا القول بجملته هوالصحيح، ولم يحك المحاملي في "مجموعه" غير هذين القولين، والذي جزم به البندنيجي جواز الرد، وحكى الخلاف في رد البدل، ووراء ذلك وجهان آخران:
أحدهما: أن له الرد، وإذا [ردّ] ردَّ بدل اللبن، وهو اختيار ابن [أبي] عصرون، والأصح في "تعليق" أبي الطيب.
والثاني: لا يرد ولا يرجع بالأرش، وهو ما ظنّ ابن يونس أنه القول الأول من كلام الشيخ.
فروع:
إذا اشترى مصراة، ثم زاد اللبن عنده، ولم يظهر نقصه عن حالة الشراء- فالأصح
أنه لا يثبت له الخيار، وهو ما حكاه في "التهذيب"، وحكى المحامليُّ وغيره وجهاً: أنه يثبت.
إذا رضي بعيب التصرية، ثم اطلع على عيب آخر فهل له الرد؟ ينظر: إن علم بالتصرية بعد العقد كان له الرد، وردّ بدل لبن التصرية إن كان مقابلاً، صرح به الماوردي.
وحكى الإمام أن بعض أصحابنا خرج ذلك على تفريق الصفقة.
وإن علم بالتصرية حال العقد، ورضي بها، ففي جواز ردها بالعيب وجهان، خرجهما ابن أبي هريرة من اختلاف قوليه في تفريق الصفقة. قاله الماوردي، ويجتمع من النقلين في المسألتين الخلاف.
إذا اشترى غير مصراة، واطلع بها على عيب نظر: إن اشتراها ولا لبن في ضرعها كان له الرد، وإن كان في ضرعها لبن فحلبه.
قال الماوردي: له الرد، ويجب عليه [رد] بدل اللبن، ولكن لا يلزمه رد صاع؛ لان الصاع عوض لبن التصرية، فإن اتفقا على قدره، وإلَاّ فالقول قول المشتري.
وفي "تعليق" أبي حامد حكاية عن نصه: "أنه لا يرد بدله؛ لأنه قليل غير معتني بجمعه، بخلاف ما في المصراة، وهو ما حكاه القاضي [الحسين عن القديم، وحكى وجهاً: أنه إذا اكن ضرعها ممتلئاً من اللبن يرد، ويرد معها صاعاً من التمر، وهو الأظهر، ثم حكى فيما إذا كانت لبوناً أنه يردها، ويرد بدل اللبن، لكن ما المردود؟ فيه وجهان:
أحدهما: الصاع، وهو ما حكاه] في "التهذيب".
والثاني: قيمة ذلك اللبن.
وفي "تعليق" البندنيجي: أن اللبن إذا كان تالفاً، فليس له الرد إذا قلنا: لا تفرق الصفقة، وله الأرش، وإن كان اللبن قائماً فهل له الرد مع اللبن أم لا؟ على الوجهين فيما إذا رد لبن المصراة ولم يتغير: هل يجبر البائع على القبول؟
فإن قلنا: لا رد له، فهو كالتالف، وكلام أبي الطيب في "التعليق" قريب من ذلك، والذي حكاه في "المرشد": أنه ليس له الرد، سواء كان اللبن باقياً أو تالفاً، ولكن يرجع بالأرش، ورأى الإمام تخريج ذلك على أنَّ اللبن هل يأخذ قسطاً من الثمن أمْ لا؟
قال:"فإن اشترى جارية قد جُعِّد شعرها أو سُود، ثم بان أنها سَبطة أو بيضاء الشعر – ثبت له الخيار"؛ لأنه تدليس يختلف به الثمن؛ لاختلاف الأغراض، فأثبت الخيار له كالتصرية.
وأيضاً فإن الجعودة تدل علىقوة الجسد، وفقدها دليل على ضعف الجسم، كذا قاله الماوردي.
ومحل ثبوت الخيار في الجعودة ما إذا كان المشتري قد رأى الشعر، أمَّا إذا لم يكن قد رآه حالة العقد، وصححنا العقد فلا خيار، إلَاّ أن يكون قد شرط أنها جعدة الشعر. كذا حكاه الماوردي، ونبه عليه البندنيجي بقوله:"وكان قد شاهدها جعدة"، وطرده فيما إذا اشترى جارية شاهدها بيضاء فبانت سمراء، أو شاهدها محمرة الوجنتين، فبانتا بيضاوين، وكان ذلك بصنعة آدمي، وهذا منه يدل على انه لا فرق في ذلك بين أن يكون بإذن البائع أو بغير إذنه، وفيه احترازٌ عمَّا إذا تجعد الشعر بنفسه؛ فإنه لا يثبت الخيار، وقد صرح به في "الإبانة"، وحكى وجهين فيما إذا رآها سبطة فبانت جعدة.
وقول الشيخ: "جعد" وكذا الفوراني يرشد إلى ما يقتضيه إيراد البندنيجي، وهو قضية ما صححه البغوي في مسألة المصراة.
وإرسال الزنبور على وجه الجارية، أو على بطنها ليظن أنها سمينة ملحقٌ بتسويد الشعر.
ولو لطخ ثوب الغلام بالمداد حتى يظهر أنه كاتب، أو ألبسه ثياباً تختص بصنعة
مخصوصة يظن أن لابسها من أهلها، أو أُعْلفت البهيمة حتى تَرْبَأ بطنها وظُنَّ أنها حامل، أو أرسل الزنبور على ضرعها حتى انتفخ وظنت لبوناً – فأصح الوجهين أنه لا يثبت، وفي "الإبانة" أن اختيار الشيخ أبي حامد: الثبوت في ظن الحمل، ووجه مقابله: بأن امتلاء بطنها ليس إليه، لكن إلى الله تعالى.
تنبيه: جُعْد شعرها: بضم الجيم، وتشديد العين.
قال أهل اللغة: جعدت الشعر تجعيداً، وهو شعر مجعَّد: إذا كان فيه تقبُّض والتواء، لا المفلفل كشعور الزنج.
سَبطة- بفتح السين وإسكان الباء وفتحها وكسره -: أي مسترسلة الشعر من غير تقبُّض.
قال:"ومن علم بالسلعة عيباص لم يجز أن يبيعها حتىيبين عيبها"؛ لما روى مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على صبرة طعام فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللاً، فقال:"مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟ قَالَ: أَصَابَهُ المَاءُ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: "أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ؟! مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا". وروى عقبة بن تمام عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ بَاعَ مِنْ أَخِيهِ بَيْعاً يَعْلَمُ بِهِ عَيْباً إِلَاّ بَيّنَهُ لَهُ" رواه ابن ماجه.
وي المرشد أن غير المالك إذا علم بالعيب لزمه بيانه.
قال: فإن باع ولم يبين فالبيع صحيح؛ لأنه – عليه السلام – صحَّح بيع المصراة مع وجود التدليس.
قال: وإذا علم المشتري بالمبيع عيباً كان موجوداً عند العقد، أو حدث قبل
القبض – أي: واستمر إلى حالة الاطلاع عليه – فهو بالخيار بين أن يمسك، وبين أن يرد.
أمَّا إذا كان موجوداً عند العقد؛ فلما روى عن عائشة – رضي الله عنها – أن رجلاً اشترى غلاماً في زمان النبي صلى الله عليه وسلم فكان عنده ما شاء الله، ثم ردّه من عيب وجده، ولأحاديث المصراة؛ فإنه – عليه السلام – جعل للمشتري الخيار مع تدليس البائع بما ليس بعيب؛ فكان التدليس بالعيب أولى.
وأمَّا إذا كان حدث قبل القبض؛ فلأن المبيع من ضمانه فكذلك جزؤه ووصفه، وادعى القاضي أبو الطيب – في أثناء مسألة حدوث العيب عند المشتري – إجماع المسلمين على ذلك.
أمَّا إذا علم بالعيب بعد زواله – إمَّا في يده أو في يد الابئع – فأصح الوجهين: أنه ال يثبت الخيار، وهما مخرجان على ما حكاه الأصحاب في باب بيع المصراة من القولين فيما إذا عَتَقَتِ الأمةُ تحت عبد فلم يعلم حتى عَتَقَ، وحكاهما في "الإشراف" قولين أيضاً، ولا نزاع في أن العيب إذا وجد في يد البائع، وزال في يده قبل العقد – أنه لا حكم له إذا لم يعد في يد المشتري، صرح به صاحب "الإشراف"، أمَّا إذا عاد ففيه كلام سأذكره، عن شاء الله تعالى.
فرع: إذا اشترى ولي الطفل له شيئاً، ثم اطلع على عيب به – نظر: إن كان الشراء بعين المال فالعقد باطل، وإن كان بثمن في الذمة نفذ في حق الولي. فأمَّا إذا اشترى شيئاً سليماً، فحدث به عيبٌ قبل القبض: فإن كان النظر في الإمساك أمسكه، وإن كان في الرد ردّه، فإن ترك الرد نظر: إن كانالعقد ورد على ثمن في الذمة انقلب الشراء إلى الولي، وإن كان قد اشترى بعين مال الطفل بطل العقد، كذا حكاه المتولي.
وفي "الوسيط" في كتاب التفليس: أنه ليس له الرد إذا كان يساوي أضعاف الثمن، ولا يطالب بالأرش؛ فإن الرد في حقه ممكن، وإنما وقع الامتناع مع الإمكان للمصلحة.
وحكى الإمام منع الرد – أيضاً – فيما إذا كان يطلب بأكثر من ثمن المثل عند
الكلام في سلامة الغرة، ولم يفصل واحد منهما بين أن يكون العيب موجوداً عند العقد، أو حدث بعده.
قال: "فإن أخر الرد من غير عذر سقط حقه، من الرد؛ لأنه خيار ثابت بالشرع لدفع الضرر على المال؛ فكان على الفور كخيار الشفعة.
وقولنا: "ثابت بالشرع" احترازٌ عن خيار الشرط.
وقولنا: "لدفع الضرر عن المال" احترازٌ عن خيار الإيلاء، واستيفاء القصاص، والأمة تعتق تحت عبد على رأي، وكذا العنة.
والعذر المبيح للتأخير: أن يطلع على العيب وهو آكل أو مُصَلٍّ أو قاضٍ حاجةً، أو اطلع عليه وقد دخل وقت ذلك فاشتغل به، وكذا لو لبس ثوباً أو أغلق باباً، وكذا لو بلغه وهو ممنوع بعينه أو مرض؛ فإن حقه باق إلىن يزول النمع صرح به الماوردي.
ولو وقف عليه ليلاً فله التأخير إلى أن يصبح، صرح به الماوردي وغيره.
وفي "التتمة": أنه إذالم يتمكن في الوقت من حضور مجلس الحكم، ولا من إحضار الشهود ليفسخ بحضرتهم، ولا من إخبار الابئع بذلك – فعامة أصحابنا قالوا: لابد أن يقول في الوقت: فسخت العقد؛ لأنه قادر عليه، فإن لم يفعل سقط حقه، ونسب ما حكيناه أولاً إلى قول القفال، وقاربه في الإيراد الشاشيُّ في "حليته".
وإذا أبق العبد في يد البائع بعد العقد ولم يعد، فأخر المشتري الفسخ – لم يبطل حقه، بل لو صرح بإسقاطه لا يبطل.
قال الإمام في كتاب "السلم": وقد أبعد بعض أصحابنا وقال: إنه يبطل إذا أبطله، وجَهْلُ المشتري بثبوت الخيار، أو بكونه على الفور مع اطلاعه على العيب – ليس بعذر، إلَاّ أن يكون حديث عهد بالإسلام أو نشأ في بَرِّيَّة.
وفي "الزوائد" في كتاب "النكاح" أن صاحب "الفروع" قال: إذا ادّعى المشتري الجهالة بالرد بالعيب فهل يعذر؟ على قولين؛ كالأمة إذا ادّعت الجهالة باحلكم.
واعلم أن يكفية الرد على ما فهمه الرافعي من كلام الأصحاب [أن] البائع إن
كان في البلد ردّ عليه بنفسه أو بوكيله، وكذا لو كان وكيله حاضراً، ولا يضر اشتغاله عن الرد بالسلام على البائع، فلو تركه في البلد، ورفع الأمر إلى القاضي لم يضر، وإن كان غائباً عن البلد رفع الأمر إلى الحاكم.
قال القاضي في "فتاويه": "فيدعي شراء ذلك من فلان الغائب بثمن معلوم، وأنه أقبضه الثمن، وقد ظهر لي به عيبٌ، وقد سخت، ويقيم البينة على ذلك في وجه مسخر ينصبه القاضي ويحلفه القاضي مع بينته، ثم يأخذ المبيع منه ويضعه علىيد عدل، ويبقى الثمن في ذمة الغائب، فيقضيه له القاضي من ماله، فإن لم يجد له سوى المبيع باعه فيه، وإذا لميتأتَّ الإتيان إلى الخصم أو القاضي في الحالين، وتمكن من الإشهاد على السخ: هل يلزمه ذلك؟ فيه وجهان، المنقولُ عن المتولي وغيره منهما: اللزوم، ويجري الخلاف فيما إذا أخر بعذر مرض أو غيره.
وإن عجز عن الإشهاد فهل عليه التلفظ بالفسخ؟ فيه الخلاف السابق، والصحيح عند الإمام والبغوي أنه لا حاجة إليه.
وفي "الوسيط": أن البائع إن كان حاضراً ردّ عليه، وإن كان غائباً تلفظ بالرد، وأشهد شاهدين [عليه]، فإن عجز حضر عند القاضي وأعلمه الرد، ولو رد إلى القاضي، والخصمُ حاضر فهو مقر، وأشار الإمام إلى خلاف في هذه الحالة، وقال: "إن هذا ظاهر المذهب، لكنه ذكر في الشفعة أن الشيع لو ترك المشتري، وابتدر إلى مجلس الحكم، واستعدى عليه – فهو فوق مطالبته المشتري؛ لأنه ربما يوجه آخراً إلى المرافعة، وحكينا معاً وجهين فيما إذا تمكن من الإشهاد وتركه، ورفع إلى القاضي.
وهذا يدلُّ على أن المضي إلى القاضي أقوى من لقاء الخصم، وأما الإشهاد فهو أقوى من المضي إلى القاضي على وجه ومساوٍ له في وجه، والمذكور هاهنا: أن لقاء الخصم أقوى من الإشهاد. والإشهاد أقوى من المضي إلى القاضي، فليتأمل.
وقد أبدى الرافعيُّ إشكال هذا الترتيب على غير هذا النحو.
ويشترط مع المابدرة إلى الرد ألَاّ ينتفع بالمبيع قبلا لتمكن من الرد، فإن فعل بطل
حقه، إلَاّ أن يكون يسيراً جرت العادة [مثله في عرف الملك]؛ كقوله للجارية المبيعة، وقد وقف على عيبها: أغلقي الباب، أو ناوليني الثوب، أو ما جرى مجراه؛ فإنه لا يضر عند الماوردي، والأشبه عند غيره: أنه لا فرق. ولو كان المبيع دابة، فحين علم بعيباه ركبها ليردها، فإن عسر ردها إلا به لم يضر، وإلَاّ فوجهان:
قول ابن سريج منهما أن ذلك لا يمنع من الرد كما حكاه عنه الماوردي، وهو المذكور في "المذهب"، وطرده فيما إذا علف الدابة أو سقاها في الطريق.
وفي "الحاوي": يبطل بذلك حقه، وفي "الشامل": أنه لو حلب المبيع في طريقه لم يكن رضا؛ لأن اللبن له، فإذا استوفاه في حال الرد جاز كمنافعها، ونقل الروياني جواز الانتفاع في الطريق مطلقاً، وهو قضية كلام ابن الصباغ حتى روى عن أبيه جواز وطء الثيب.
وي الرافعيّ: أنه لو اطلع على عيب بالثوب، وهو لابسه في الطريق، فتوجه للرد ولم ينزع - فهو معذور، والله أعلم.
قال: "فإن لم يعلم بالعيب حتى حصلت له منها فوائد حدثت في ملكه" أي: كالولد، والثمرة، والكسب - أمسكها وردّ الأصل":
أمَّا في الكسب فبالاتفاق على ما حكاه القاضي أبو الطيب وغيره، والأصل [فيه] ما روى الشافعيّ بسنده عن مخلد بن خفاف أنه ابتاع غلاماً، فاستعمله، ثم أصاب به عيباً، فقضى له عمر بن عبد العزيز برده وغَلَّته، فأخبر عروة عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في مثل هذا "أن الخراج بالضمان"؛ فرد عمر قضاءه، وقضى لمخلد برد الخراج.
وأمَّا في الباقي فبالقياس على الكسب، وادّعى القاضي أبو الطيب أن قول عائشة:"قَضَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ" دالُّ عليه؛ إذ لم يفرق بين الكسب والولد والثمرة؛ فهو على عمومه، ولا فرق في ذلك بين [أن يحدث في يد البائع، أو في يد المشتري، وإطلاق العراقيين يدلّ على أنه لا فرق بين] أن يقع الرد قبل القبض أو
بعده، وي طريقة المراوزة حكاية وجه: أن الردَّ إذا وقع قبل القبض كان رفعاً للعقد من أله، وربما طرد فيما بعد القبض أيضاً على ما اقتضاه كلام مجلي؛ فتكون الزوائد للبائع، وقد رأيت في "مجموع المعاملي" في مسألة عيب البطيخ الجزم بأنه إذا ردّ بالعيب انفسخ العقد من أصله، وصار كأنه ممسكٌ للشيء بالسَّوْم.
واعلم أن ردّ الأم دون الولد مفروض في غير الآدمي، أو فيه ولم يتفق الاطلاع على العيب إلَاّ بعد انتهاء الولد إلى السن الذي يجوز التفريق فيه، أمَّا إذا لم ينته إليه ففي جواز الرد وجهان:
أصحهما في "تعليق" أبي الطيب وغيره [هاهنا]: الجواز أيضاً.
والثاني: لا يرد، ويرجع بالأرش، وهذا ما جزم به أبو الطيب وغيره في كتاب "السير" كما حكيناه من قبل.
وقول الشيخ: "حدثت في ملكه" احترز بلفظ الحدوث عمَّا إذا اشترى حيواناً حاملاً، ووضع في ملكه، أو نخلاً وعليه طلع غير مؤبر، ثم أُبر في ملكه؛ فإن في ذلك خلافاً مبنيًّا على أنه يقابله قسط من الثمن أم لا؟ فإن قلنا: يقابله، ردَّه مع المبيع، وإلَاّ فهو كما لو حملت به في ملكه، أو أطلع النخل في ملكه. هذا ما حكاه الأصحاب هاهنا.
وفي الرافعي في "الصداق": أنه لو أصدق زوجته أمة حاملاً، ووضعت في يد الزوجة، ثم طلقها، وقلنا: الحمل يقابله قسط من الثمن – أنه يسلم للمرأة، ولا حق للزوج [بسببه] على وجه؛ لأن هذه زيادة ظهرت بالانفصال، ولا قيمة له حالة الإحسان.
قلت: ومن مقتضى هذا التعليل أن يجيء هذا الوجه هاهنا، واحترز الشيخ بما ذكره أيضاً عما إذا اشترى شاةً، وعليها صوف فجزه؛ فإنه يجب ردّه معها، وإن استخلف قدره قبل الرد، وقد صرح بذلك القاضي الحسين قبيل باب المصراة.
ولو اشترىلجارية حائلاً، والشجرةَ ولا حمل لها، ثم حملت في يد المشتري ولم يعبها الحمل، أو في يد البائع، وكذلك النخلة أطلعت في ملك المشتري ولم
تؤبر – فهل يدخل الحمل والثمرة في الرد، أو يبقيان على ملك المشتري؟ فيه وجهان في "النهاية"، ولا يخفى أنه إذا ردّ المبيع بالعيب استرد الثمن إن كان باقياً ووَرَدَ العقد على عينة، وإن ورد على ما في الذمة، وعين في المجلس، غيره – كما حكاه الرافعي في نظيره من الصداق – فهل يتعين؟ [فيه وجهان، والمذهب: التعيين. نعم، لو كان الثمن الذي في الذمة ألفاً، فأخذ عنه ثوباً، ثم ردّ عليه المبيع بالعيب: فهل يتعين] عليه رد الثوب أو ألف؟
المنقول عن القاضي أبي الطيب: أنه يرجع بالثوب؛ أنه إنما ملكه بالثمن، فإذا فسخ البيع سقط الثمن عن ذمة المشتري؛ فينفسخ بيع الثوب به.
وقال الأكثرون: يرجع بالألف، ومادة هذا الخلاف تأتي في باب الحوالة، إن شاء الله تعالى.
قال: وإن قال البائع: أنا أعطيك الأرش عن العيب – لم يلزمه قبوله؛ لأنه لم يرض إلا بمبيع سليم بجميع الثمن؛ فلا يلزمه المعيب ببعض الثمن.
[قال: "وإن طالب المشتري بالأرش لم يلزم البائع"؛ لأنه لم يبذل المبيع إلَاّ بكل الثمن، فلا يجبر على تسليمه ببعض الثمن].
قال: وإن تراضيا على أخذ الأرش" أي: مع كونه لا مانع من الرد "فقد قيل: يجوز"؛ لأنه خيار يسقط إلى مال، وهو إذا حدث عنده عيب، وتعذر ردّه لأجله، وماي سقط إلى مال يجوز التراضي على إسقاطه بمال، أصلُهُ القصاص، وهذا ما اختاره ابن سريج، وحكى البندنيجي في كتاب الشفعة: أنه حكاه أيضاً في القديم.
قال: "وقيل: لا يجوز"؛ لأنه خيار جعل لفسخ البيع؛ فلا يجوز التراضي على إسقاطه بمال، أصله خيار المجلس وخيار الشرط، وهذا هو ظاهر المذهب والصحيح، ويخالف القصاص؛ لأن للولي أن يعفو عن القصاص على مال من غير رضا القاتل، ولا يجوز هاهنا أن يعفو من غير رضا البائع، فعلى هذا هل يسقط الخيار؟ ينظر: إن كان المشتري عالماً بفساد هذا التراضي بطل خياره، وإلَاّ فوجهان، أصحهما في "تعليق" أبي الطيب وغيره: أنه لا يسقط.
تبيه: الأرش في اللغة: عبارة عن التأريش، وهو الإغراء على الشيء.
وفي الشرع: عبارة عن الشيء المقدّر الذي يحصل به الجبر عن الفائت، وهو جزء من الثمن يعتبر باعتبار القيمة – كما سنذكره – قاله الجيلي.
قال: "وإن اشترى عبدين –أي: صفقة واحدة-وهما لمالك واحد، "فوجد بأحدهما عيباً ردّه، وأمسك الآخر في أحد القولين".
هذا الخلاف مأخذه جواز تفريق الصفقة في الدوام، فإن قلنا به جاز إفراد أحد العبدين بالرد، رضي البائع أو لم يرضَ، ويجوز أيضاً ردهما، وفي "الوسيط" وجه: أنه لا يجوز ردهما إلَاّ إذا كانا معيبين. وإن قلنا بعدم جواز تفريق الصفقة فلا يجوز إلَاّ أن يرضى البائع، كما صرح به الماوردي وأبو الطيب.
وحكى الإمام في باب تفريق الصفقة وجهاً: أنه لا يجوز وإن رضي البائع، قال الغزالي: وهو الأقيس. وله ردهما جميعاً على هذا القول بلا خلاف.
ثم مقتضى النباء المذكور أن يكون الصحيح جواز إفراد المعيب بالرد؛ لأن الصحيح جواز تفريق الصفقة، لا سيما في الدوام، [لكن] الأصح من القولين هنا كما حكاه الماوردي، وهو ظاهر المذهب في "تعليق" القاضي أبي الطيب -: المنع.
التفريع:
على قول الجواز استرداد قسط المردود من الثمن بلا خلاف، ولا يغرم أرش التبعيض أيضاً، صرح به الإمام وغيره من الطريقين.
وعلىقول المنع إذا لم يردهام لا أرش له؛ لإمكان ردهما معاً.
صرح به القاضي الحسين في باب "تفريق الصفقة"، وأبو الطيب هنا.
و [في]"ابن يونس" أن الغزالي قال: يرجع بالأرش.
ولم أره في "الوسيط" إلَاّ فيما إذا تلف أحد العبدين – كما سأذكره – وكذلك هو في "تعليق" أبي الطيب.
وعلىقول المنع أيضاً: إذا ردَّ المعيب لم ينفذ، وحكى الشيخ أبو علي وجهاً: أن رد المعيب يتضن ردهما معاً.
ولو كان السالم من العيب تالفاً، ففي جواز رد المعيب قولان مرتبان وأولى بجواز الرد، ولم يرتبهما أبو الطيب في "تعليقه"، فإن منعناه تعين له الأرش كما ذكرنا. ولو لم يكن تالفاً ولكن كان قد باعه ففيه القولان أيضاص، فإن منعنا الرد فهل له الأرش؟ فيه وجهان في "الحاوي" ينبنيان على قول أبي إسحاق وابن أبي هريرة - كما ستعرفه- وكذلك حكاهما القاضي في "شرح الفروع".
ولو رد قيمة التالف على قول المنع، وأراد ردها مع القائم فوجهان مرتبان، وأولى بالمنع، كذا رتبه المراوزة، وأنكر القاضي أبو الطيب عليهم جواز رد قيمة التالف وقال: ذلك مخالف لنص الشافعي. وطريق الشيخ أبي حامد: أن محل القولين فيما إذا اطلع على عيب بالعبدين، ثم هلك أحدهما بعد القبض- فهل له رد الباقي؟ فإن قلنا بجواز تفريق الصفقة رده بالحصة، وإلَاّ فلا، ورجع بالأرش.
أمَّا إذا اطلع على عيب بأحدهما وردهما ممكن، فليس له إلَاّ ردهما، أو إمساكهما، ولا نزاع في أنه لو كان المبيع زوجي خف أو باب فليس له رد أحدهما؛ لما في ذلك من التنقيص، وكذلك لو كان المُشْتَرَى عبداً واحداً، فأراد ردّ بعضه. قال الرافعي في مسألتي الخف والباب:"وقد ارتكب بعضهم طرد القولين فيهما".
وفي "النهاية": أن الشيخ قال: "رأيت لبعض أصحابنا في العبد الواحد أنَّ المسألة تخرج على قولين، وقد رأيت هذا لصاحب "التقريب"، وهو خطأ عندي، والذي ذكره الأئمة: أنه أو اشترى عبداً، وباع نصفه، ثم اطلع على عيب قديم [به]؛ فأراد ردّ النصف الباقي مع ضمه أرش عيب التبعيض- فهو يندرج تحت التفاصيل في العيب القديم والحادث. انتهى.
والذي جزم به القاضي أبو الطيب في هذه الصورة أيضاً: أنه لا يرد، ولكن هل يرجع بأرش النصف الباقي؟ فيه وجهان حكاهما في "شرح الفروع".
أمَّا إذا كان البائع للعبدين مالكين، أو وكيلين عنهما، وجوزناه - جاز له إفراد أحد العبدين قولاً واحداً. صرح به الإمام في العبد الواحد، وهو هنا أولى.
وحكى صاحب "البحر" في كتاب الشركة: أن العبد الواحد لو كان لشخصين،
فوكل أحدهما صاحبه في بيعه – نظر: إن صرح عند البيع بأن له شريكاً فيه، فللمشتري ردّ نصيب أحدهما، وإن لم يصرح فهل له الرد؟ فيه وجهان، أحدهما: لا؛ لأن متولي العقد واحد.
فرع: إذا قلنا برد العبد الثاني من العبدين وحده بعد تلف أحدهما، واختلفا في قيمة التالف – فالقول قول البائع على الأصح؛ لأنه ملك جميع الثمن. وقيل: القول قول المشتري؛ لأنه غارم.
قاله القاضي أبو الطيب.
قال: "وإن اشترى اثنان عيناً" – أي: من مالك واحد- "فوجدا بها عيباً، جاز لأحدهما أن يرد نصيبه دون الآخر"؛ لأنه ردَّ بالعيب جميع ما لزمه ثمنه؛ فجاز له الرد كالمشتري الواحد، وهذا ما نصّ عليه في كتبه الجديدة، ومعظم كتبه القديمة – على ما حكاه الإمام – ومنه يؤخذ أن الصفقة تتعدد بتعدد المشتري، كما حكيناه من قبل: أنه الأصح.
وحكى الإمام والماوردي عن أبي ثور أنه حكى عن الشافعي أنهما ليس لهما إلَاّ ردهما أو إمساكهما، وليس لأحدهما أن ينفرد برد حصته؛ احتجاجاً بان المبيع خرج عن يد بائعه صفقة واحدة؛ فلم يجز تبعيضها عليه برد بعض الصفقة كالمشتري الواحد ومن هذا أخذ أن الصفقة- وإن تعدد المشتري – متحدة على ما قاله الإمام، لكنه حكى بعد ذلك أن على قول المنع لو كان المبيع من ذوات الأمثال كصاع حنطة مثلاً وقد اقتسماه – فهل لأحدهما رد ما أخذه بما اطلع عليه من العيب؟
اختلف الأصحاب فيه، والخلاف مأخوذٌ من المعنيين في توجيه قول المنع: فإن كان التعويل على اتحاد الصفقة فلا فرق، وإن وقع التعويل على أنَّ التبعيض عيبٌ حادثٌ [فهذا لا] يتحقق في الحنطة وغيرها؛ فعلى هذا يجوز، ومقتضى التعليل الثاني منع [أخذ] اتحاد الصفقة من هذا النص، والله أعلم.
التفريع:
إن قلنا بالجديد، فرد أحدهما نصيبه واسترجع ما دفع ففيه وجهان:
أصحهما: أن الشركة [ين المشتريين] قد بطلت بالرد؛ فيكون نصف العبد [للممسك، وللراد نصف الثمن.
والثاني: أن الشركة بينهما على حالها؛ لأنه لو لم يكن بينهما قسمه، فعلى هذا نصف العبد] بينهما، ونصف الثمن المسترجع بينهما، حكاه الماوردي.
قلت: ويظهر أنه محمول على ما إذا كان الثمن مشتركاً بينهما، أمَّا إذا لم يكن فلا وجه لذلك.
وإن قلنا بالقديم فهل لمن أراد رد حصته الأرشُ؟ ينظر: إن كان المبيع عبداً، فأعتق الشريك حصته وهو معسر، رجع به، وإن لم يكن قد أعتق الحصة، أو كان المبيع غير رقيق نظر: فإن أجاز الشريك أيضاً العقد، فرجوع الآخر بالأرش ينبني على أنه لو ملك نصيب المجبر، وأراد رده مع نصيبه، ويرجع بما يقابل حصته من الثمن لا غير، فهل يجبر البائع على القبول؟ فيه وجهان.
فإن قلنا: لا، رجع بالأرش، فإن قال: أنا أقبله.
فإن قلنا: نعم، فهل يرجع بالأرش؟ فيه وجهان، أصحهما في "النهاية": أنه يرجع أيضاً.
وإن غاب الشركي ولم يبطل حقه، قد نقل صاحب "التقريب" وجهين في أنه هل يرجع بالأرش للحيلولة الناجزة. ولا يخفى الحكم بعد ما ذكرناه فيما لو كان البائع أو المشتري، أو كلاهما وكيلاً، لكن مع ملاحظة ما ذكرناه في اتحاد الصفقة وتعدها في باب "ما يجوز بيعه".
فرع: لو كان البائع أو المشتري واحداً، فمات المشتري، وخلف وارثين - فليس لأحدهما ردّ نصيبه على الأصح، لكن يجب له الأرش عند إجازة الآخر على أحد الوجهين، [كما هو محكيُّ] في "زوائد" العمراني في خيار المجلس.
وفي الرافعي حكاية وجه: أنه يجوز أن ينفرد برد نصيبه؛ لأنه رد جميع ماله، والمذكور في هذا الفرع في "الحاوي": أن البائع مخير بين أن يأخذ نصف المبيع ويعطي نصف الثمن، وبين أن يعطي نصف الأرش.
وحكمُ الموكلين لو أخذ في شراء عبد واحد في الرد والإجازة، وأخذ الأرش عند الرافعي - تفريعاً على أن الاعتبار بالعقاد - حكم الوارثين، ولو كان المشتري واحداًلكنه لنفسه ولموكله، وقد صرح بذلك في العقد: فهل لأحدهما أن ينفرد برد نصيبه؟ فيه وجهان:
أحدهما- وهو اختيار أبي إسحاق -: لا؛ لاتحاد الإيجاب، ويخالف ما إذا باشر الشراء؛ لأنه لو أنكر المذكور أنه أمره بالشراء كانت الصفقة كلها لازمةً لمتولِّي الشراء؛ فالصفقة واحدة، وإلَاّ لتفرقت إذا أنكر الآخر.
والثاني - وهو الأص، وبه قال ابن أبي هريرة -: أن له ذلك؛ لأنهما بالذكر صارا كما لو باشرا واجباً لهما، حكاه صاحب "البحر" والقاضي أبو الطيب في كتاب "الشركة".
قال:"فإن وجد العيب، وقد نقص المبيع عند المشتري" - أي: لا بسبب وجد في يد البائع - "بأن كانت جارية بكراً فوطئها، أو ثوباً فقطعه، سقط حقه من الرد" - أي: سواء ردّ معه أرش العيب الحادث أو لا - أمَّا إذا لم يرده؛ فلما في ذلك من الإضرار بالبائع، وأما إذا رده؛ فلأن ذلك عيب حدث في المبيع لا لاستعلام العيب؛ فوجب أمن يمنع من الرد، كما إذا قطع طرف العبد في يد المشتري ثم وجد به عيباً قديماً؛ فإنه لا يجوز له رده بالإجماع، على ما حكاه أبوالطيب.
وقولنا: "لا لاستعلام العيب" احتراز عمَّا استدل به أبو ثور على جواز الرد في هذه الصورة، وهو رد الصاع من التمر في المصراة؛ فإن النقص ثَمَّ جاء من جهة استعلام العيب، على أن المردود ليس بدلاً عن العيب بل عن اللبن.
وفيه احترازٌ عن مسألة البطيخ.
وفي "تعليق" القاضي الحسين حكاية وجه موافق لمذهب أبي ثور مخرجاً مما حكيناه فيما إذا منعنا ردّ أحد العبدين، فكان الباقي تالفاً: أنه يفسخ العقد فيهما، ويرد الباقي ويمة التالف، وفيما إذا اشترى ما لا يوقف على عيبه إلَاّ بكسره، فإن الرد له بعد الكسر.
واعلم أن ضابط ما يمنع الرد: [كل] ما إذا حدث في يد البائع أثبت الخيار، إلا إذا كانت جارية فزوجها، وقال الزوج قبل الدخول: إن ردك سيدك بعيب فأنت طالق، على ما حكاه الروياني. وضرب لك الشيخ هذين المثالين؛ لتقيس مسألة قطع الثوب على مسألة الجارية؛ بجامع ما اشتركا فيه من تنقيص القيمة بفعل مضمون، وقد واق أبو حنيفة في الجارية، ومنع في الثوب لهذه العلة.
قال: "وله أن يطالب بالأرش" إذا لم يرض البائع بالمبيع معيباً؛ لتعينه طريقاً لدفع الضرر، ويشترط في ذلك إعلام المشتري البائع على الفور، حتى لو أخر من غير عذر بطل حقه من الرد والأرش، إلا أن يكون العيب الحادث قريب الزوال غالباً كالرمد والحمى؛ فلا يعتب رالفور في الإعلام على أحد القولين، وألحق القاضي أبو حامد الأمة الحامل بذلك؛ فجزو له إمساكها إلى حين الوضع وردها إن لم تنصها الولادة، وجعل الماوردي هذا القول مبنيًّا على أنَّ الحمل يقابله قسط من الثمن؛ فلا يتبع الأم في الرد.
قال: فإن قال البائع: أنا آخذه منك معيباً – أي: من غير أرش – "سقط حقه من الأرش"، وله الرد؛ لأن العدول عن الردّ إلى الأرش كان نظراً للبائع، فإذا رضي بالرد سقط الأرش، وهكذا الحكم فيما لو كان المبيع عصيراً حلواً، فاطلع على عيب به بعد أن صار خمراً ثم خلاًّ؛ فإن للبائع أن يأخذه ولا يعطي الأرش، صرح به الماوردي.
أمَّا إذا رضي به معيباً مع ضم الأرش إليه، ففي سقوط حق المشتري من الأرش إن لم يجبه وجهان ينبنيان على القولينيما لو اشترى ما لا يطلع على عيبه إلَاّ بكسره، وقلنا: لا يمتنع الرد بالكسر، هل يلزمه أرش الكسر إذا فسخ العقد؟ فإن قلنا: نعم، فإذا امتنع من بدل الرش سقط حقه من الأرش، وإلا فلا.
قاله القاضي الحسين.
وهذا إذا لم يُحْدِث المشتري في الثوب غير القطع، أما لو خاطه فله الأرش قاله الماوردي.
فلو تنازعا، فدعا أحدهما إلى الرد مع أرش العيب الحادث، ودعا الآخر إلى
الإمساك مع غرامة أرش القديم - فحاصل ما شاتمل عليه كلام الأصحاب وجوه:
أحدها: أن المتبع رأي المشتري، وروي عن أبي ثور أنه نصه في القديم.
والثاني: أن المتبع رأي البائع.
والثالث - وهو الأصح -: أن المتبع رأي من يدعو إلى امساك والرجوع بأرش العيب، سواء كان البائع أو المشتري.
أمَّا إذا كان سبب العيب الحادث في يد المشتري موجوداً في يد البائع كما إذا جنى في يد البائع فاقتص منه في يد المشتري، فقد ذكرنا أنَّ المذهب ان ذلك ليس مانعاً من الرد، خلافاً لابن سريج. ويلتحق بذلك [إذا اشترى جارية بكراً من وجه وافتضها الزوج في يد] المشتري، ويناسبه انه إذا اشترى جارية حاملة ووضعت في يده، ونقصت بسبب - أن يتخرج على الوجهين، ويؤيده أن الرافعي حكى فيما إذا أصدق زوجته جارية حائلاً فحملت في يده، ووضعت في يدها، ثم طلقها: فالنقص الحاصل منسوب إليها أو إليه؟ فيه وجهان، وقد جزم الماوردي فيما ذكرناه بأنه ليس له ردها.
فرع: لو وهب البائع المشتري الثمن، ثم اطلع على عيب بالمبيع - لم يجز له طلب بدل الثمن على قول، وامتنع بسببه رد المبيع عند بعضهم؛ لعروه عن الفائدة، على ما تضمنه كلام الغزالي في كتاب "الصداق"، وجزم القاضي الحسين بجواز الرد فيما إذا كان قد أبرأه من الثمن، وفائدته: التخلص عن حفظ المبيع. حكاه في باب "المصراة".
واعلم أن طريق معرفة الأرش أن يقوّم المبيع سليماً، فإذا قيل: مائة، قوّم معيباً، فإذا قيل: تسعون - عُرف أن التفاوت بينهام العُشْر؛ فيرجع بعشر الثمن إن كان معلوماً، وإن كان مجهولاً فبعشر ما يتفقان عليه، وإن اختلفا، قال الجيلي: فيخرج على قولين:
أحدهما: ان القول قول البائع؛ لأنه غارم.
والثاني: أن القول قول المشتري؛ لأن البائع يدعى استقرار ملكه على مقدارٍ؛ فلا يقبل قوله مع بدو العيب القديم، ثم القيمة بأي حال تعتبر؟
حاصل ما قيل في ذلك ثلاثة أقوال:
أحدها: وقت العقد، وهو ما حكاه مجلي عن الفوراني عن رواية عبد العزيز بن مقلاص.
والثاني: وقت القبض، وهو ما عزاه الرافعي إلى رواية ابن مقلاص.
والثاثل – وهو الأصح، والذي جزم به الشيخ في "المهذب" والقاضي أبو الطيب، والماوردي -: أقل القيمتين من يوم العقد إلى يوم القبض؛ لأنها إن كانت يوم البيع أقل فالزيادة حدثت في ملك المشتري، وإن كانت يوم القبض أقل فما نقص من ضمان البائع، وعبر في "النهاية" عنه بأنَّا نراعي ما هو الأضر بالبائع في الحالين؛ فإن الأصل عدم استقرار الثمن.
وفي "المرشد": أنه بأي القيمتين قُوّم فهو جائز، سواء اتفقت قيمته من ين العقد إلى حين القبض أو اختلفت؛ لأن العيب إذا أثر في تنقيص عشر القيمة من كير القيمة أثر أيضاً في تنقيص العشر من قليل القيمة؛ فلا فائدة لاعتبار أقل القيمتين.
قلت: وهذا معنى قول الشاشي: ولا يظهر عندي لاعتبار ذلك فائدة، وإنما تعتبر قيمته وقت العقد. وفيما قالاه نظرٌ؛ فإنه قد يقوم في حالة العقد سليماً بعشرة ومعيباً بثمانية، وقد يقوم في حالة القبض سليماً بعشرة ومعيباً بتسعة؛ فيكون الواجب عند من اعتبر أقل القيمتين الذي يضر بالبائع: الخُمس من الثمن، وعند من راعى وقت القبض: العُشر من الثمن، وذلك فائدة ظاهرة، والله أعلم.
ثم هذا فيما يرجع به المشتري على البائع من أرش العيب القيم، أمَّا ما يرجع به البائع على المشتري من أرش العيب الحادث فيقوم وبه العيب القديم؛ ويقوم وبه العيب القديم والحادث، ويجبما بينهما، وبأي وقت تعتبر القيمة؟ حكمه حمك السوم، وفيه عند العراقيين وجهانا:
أحدهما: حين حدوث العيب.
والثاني: أكثر ما كانت من حين القبض إلى حين حدوث العيب. وأبدى مجلي في وجوب ما بين القيمتين احتمالاً وقال: الفسخ عندنا رافع للعقد من حينه، لا من أصله، وإذا كان كذلك فقد وجد العيب في يده، وهو مضمون عليه بالثمن؛ ففوات ذلك الجزء مضمون بجزء من الثمن، فكيف يشبه بالمقبوض سوماً، ولا عقد فيه؟
قال: وعلى هذا يكون حكمه حكم [أرش] المشتري.
قلت: وهذا [ما صرحنا به] نقلاً عن القاضي أبي الطيب في "شرح الفروع" وغيره في باب "ما يتم به البيع"، ويعضده أن غريم المفلس إذا رجع في العين، وقد نقصت بفعل مضمون ضرب مع الغرماء بقدر أرش النقص [من الثمن.
فروع:
لو باع جارية من ابنه أو أبيه، فوطئها، ثم اطلع على عيب بها] بعد الاستبراء - كان له ردها، وكذا في كل ما يجري في يد المشتري مما يقتضي تحريماً مؤبداً من رضاع وغيره.
وفي "حلية" الشاشي في كتاب "النفقات" حكاية عن "الحاوي" عن العراقيين من أصحابنا: [أنَّ الأب إذا وطئ جارية الابن يجب عليه قيمتها؛ بسبب تحريمها على الابن، فإن صح هذا عن العراقيين من أصحابنا،] يتجه أن يكون وطؤه مانعاً من الرد من طريق الأوْلَى، وسيأتي لنا وجه مرتب منه.
لو كان المبيع غزلاً فنسجه المشتري، ثم اطلع على عيبه - كان له الرجوع بأرشه، فإن رضي البائع بعيبه فقولان حكاهما ابن سريج:
أحدهما: أن للمشتري الخيار في رده منسوجاً ولا أجرة له، وإن شاء أمسكه معيباً.
والثاني: أن البائع إن بذل أجرة النسج كان له استرجاع الغزل منسوجاً، وإن أبى لزمه الأرش، حكاه الماوردي.
لو كان المبيع دابة فأنعلها، فإن لم ينقصها قلعه كان له ذلك والرد بعده، وإن نقصها فقلع سقط حقه من الرد والأرش إذا كان بعد العلم بالعيب، ولو ردها مع النعل، ولم يحصل به تنقيص أُجبر البائع على قبول النعل؛ لأنه محتقر، لكنه هل يملكه بذلك حتى لو سقط استمر ملكه، أو المشتري أعرض حتى لو سقط عاد إليه؟ فيه وجهان، أشبهها الثاني.
لو كان املبيع ثوباً فصبغه، ولم يمكن فصل الصبغ منه، وزادت قيمته، فإن رده ولم يطلب قيمة الصبغ أجبر البائع على القبول، ويصير الصبغ ملكاً له؛ فإن صفة الثوب لا تزايله، ولا صائر إلى أنه يرد الثوب، ويبقى شريكاً بالصبغ كما في الغاصب؛ لأن الشركة عيب حادث. وإن أراد الرد، وأخذ قيمة الصبغ، فالأظهر من الوجهين يه عم وجوب الإجابة، وللمشتري الأرش، ولو طلبه ابتداءً فقال البائع: رد الثوب لأغرم [لك] قيمة الصبغ، فمن المجاب منهما؟ فيه وجهان، المذكور منهما في "الشامل" و"التتمة": البائع، ولا أرش للمشتري.
وسلك الغزالي طريقاً في الترتيب فقال: إذا طلب المشتري قيمة الصبغ فهل يجب على البائع ذلك مع رد الثمن؟ فيه وجهان:
فإن قلنا: لا نكلفه قيمته، فهو كعيب حادث؛ فتعود الأوجه الثلاثة في أنَّ تمليك شيء حادث أولى، أو تغريم أرش العيب القديم.
وما قاله يحتاج إلى تأمل؛ فإن الأوجه لا تعود مع قولنا: إنَّا لا نكلفه قيمة الصبغ، إذا أخذها، إنا نكلفه قيمة الصبغ، وإنما الأوجه الثلاثة لعلها تكون في أصل المسألة من غير هذا الترتيب، ووجه مشابهة هذه المسألة بمسألة العيب الحادث: ما أشار إليه الغزالي أن إدخال الصبغ في ملك البائع، مع أنه دخيل في العقد كإدخال الأرش الدخيل، وتمتاز هذه الصورة بإدخال قيمة الصبغ في ملك المشتري، وإخراجها من ملك البائع.
قال الرافعيُّ: ورواية الوجه الثالث لا تكاد توجد لغيره، وبتقدير ثبوته فقد بينا ثمّ أن الأصح الوجه الثالث.
وقضية إيراد الأئمة هاهنا: أنه لا يجاب المشتري إذا طلب الأرش.
[إذا] قصر الثوب، ثم اطلع على عيبه، فإن قلنا: إن القصارة بمنزلة العين، هي كالصبغ.
وإن قلنا: إنها بمنزلة الأثر، فيرد الثوب، ولا شيء له؛ كالزيادات المتصلة.
إذا أخذ الأرش عن العيب القديمن ثم زال الحادث، فهل له رد المبيع والأرش؟ فيه وجهان. ولو لم يأخذه ولكن قضى القاضي بثبوته- فوجهان بالترتيب، وأولى بالجواز.
ولو تراضيا [ولا قضاء] فوجهان بالترتيب وأولى بالجواز، وهو الأصح في هذه الصورة.
ولو عرف العيب القديم بعد زاول الحادث كان له رده، وفيه وجهٌضعيف، ولو زال القديم بعد أخذ أرشه رده، ومنهم من جعله على الوجهين.
ولو كان القديم والحادث من نوع واحد، وزال أحدهما، واختلفا في الزائل-[فيحلفان]: فإن امتنع أحدهام قضي بيمين الآخر، وإن حلفا استفاد البائع بيمينه دفع الرد، والمشتري بيمينه أخذ الأرش، فإن اختلفا في الأرض فليس له إلا الأقل؛ لأنه المستيقن، كذا قاله الرافعي.
وفي "الوسيط" أن دعواهما على التعارض، [والقول] قول البائع؛ لأن الأصل هو اللزوم، وكلام الرافعيّ فيه تفسير لذلك وتتمة.
قال: وإن كان لا يقف على عيبه إلا بكسره – أي: وله مع عيبه قيمة قبل الكسر وبعده كالبطيخ والرانج – فكسر منه قدر ما يعرف به العب، ففيه قولان:
أحدهما: يرده؛ لأن النقص حصل باستعلام العيب، فلم يمنع من الرد أصل المصراة.
وهذا ما صححه الشيخ أبو حامد والماوردي، واختاره في "المرشد".
قال: "ويَرُّد معه أرش ما نقص بالكسر في أحد القولين"؛ قياساً على المصراة؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بردّها ورد صاع من تمر بدل اللبن؛ فعلى هذا يُقوّم معيباً بلا كسر ومعيباً مكسوراً، ويجب ما بين القيمتين، ويجيء فيه ما قاله مجلي.
قال: "دون الآخر"؛ لأن البائع سلطه على كسره؛ لأنه لا يمكن إدراك صلاحه وفساده إلا بذلك، فلم يجب عليه ردّ شيء معه، قال البندنيجي:"ولأنه قطع قطعاً مستحقًّا؛ فهو كما لو اشترى عبداً فختنه، ثم علم بالعيب"، وهذا ما صححه الشيخ أبو حامد، والبغوي وغيرهما.
قال:"والثاني" – أي: القول الثاني في الأصل -: "لا يرد"؛ لانه حدث في يده نقصٌ؛ فوجب أن يسقط ردّه بالعيب؛ كما لو اشترى ثوباً فقطعه.
قال: بل يرجع بالأرش إن كان لما بقي قيمة – أي: بعد الكسر كالبطيخ الذي حمض بعضه، والجَوْز، واللوْز، والرانج، وبيض النعام؛ لتعينه، طريقاً لدفع الضرر.
وهذا ما صححه المزني والبغوي.
وقد يعضد بما استدل به صاحب القول الأول من حديث المصراة؛ فإنَّ اللبن قابله قسط من الثمن، ومع هذا منع الشرع رده؛ لما حصل فيه من عيب في يد المشتري وإن كان لاستعلام العيب، وعلى تقدير أن يقول القائل الأول: امتناع الرد ليس كذلك، بل اختلاطه بملك المشتري وجهل قدره- فيقال له: ذلك مبطل لما استدللت به؛ لأنه يصير في المحلأمران يحتمل امتناع الحكم بسبب كلٍّ منهما؛ فلا يتعين ما ذكرته، لكن له أن يبقى على دليله الأول، وهو إيجاب الشرع التمر في مقابلة اللبن يدل على انفساخ العقد فيه؛ إذ لو لم يكن كذلك لكان الواجب في مقابلته قسطاً من الثمن، كما إذا وجد بأحد العبدين عيباً وردّه، وقلنا: يمسك الآخر، وكونه منع فسخ العقد فيه لم يوجب الشرع ردّه؛ لعدم العلم بقدره، واختلاطه بغيره، وسنذكر عن ابن سريج نحواً من ذلك في مسألة ظهور العيب بالحلي، وقد يحصل في المسألة عند الاختصار ثلاثة أقوال: لا يردُّ ويرجع بالأرش، يرد [ويرد] الأرش، يرد ولا يرد الأرش.
قال الإمام: وهذا هو الذي تميزت به هذه المسألة عن العيوب الحادثة في يد المشتري. يشير بذلك إلىلخلاف الذي حكيناه عن القاضي في ضم أرش العيب الحادث.
قال: "وإن لم يكن له قيمة" - أي: قبل الكسر، كبيض الدجاج الفاسد والجوزة الفارغة، والبطيخة الدائدة الحامضة- "رجع بالثمن كله" -أي: قولاً واحداً؛ لأنه تبين بطلان البيع؛ فإن ما لا قيمة له لا يصح بيعه، كالخناس ونحوها، وقد يفهم من كلام الشيخ أن هذا تفريع على القول الثاني؛ فيكون الثمن كله أرشاً حتى تبقى القشور مختصة بالمشتري يجب عليه تفريغ الأرض منها، كما حُكي عن القفال في أحد درسيه وغيره، وليس كذلك؛ بل المذكور في طريقة العراق ما ذكرناه أولاً، وهو الصحيح في غيرها، وادّعى الإمام فسادغيره، أمَّا إذا كسر منه قدراً كان يمكنه الوقوف على الفساد بأقل منه، كما إذا شق البطيخةبنصفين، وكانت له قيمة، فقد قيل: يمتنع الرد قولاً واحداً، وهو الصحيح، وبه قال أبو حامد المرورُّوذي وجمهور أصحابنا.
وحكى أبو إسحاق المروزي عن بعض أصحابنا أنه على القولين.
وطريقة معرفة حموضة الرمان وحلاوته التي يتضرر بها، وكذا البطيخ -بإدخال مِسَلَّة وذَوْق [ما] تعلق بها.
ومعرفة ساد الجوز واللوز، والرانج، وتَدْويد البطيخ بالكسر، أمَّا حموضة الرمان المعروفة وحلاوته فليست بعيب، ولا خيار بفواتها إلا ان يشترط، وعلى ذلك يحمل ما قاله الرافعي وغيره.
تنبيه: البطيخ بكسر الباء، ويقال: طبيخ - بتقديم الطاء - لغتان، وممن ذكرهما ابن فارس.
فرع: إذا اشترى ثوباً مطوياً على طاقين ملتصقين مثل السختياني، فنشره واطلع على عيب به - فإن النشر ينقصه، وحكمه في الرد وغيره حكم الرانج. صرح به العراقيون.
وفي "النهاية" حكايةً عن بعضهم: القطعُ بأنه إذا نشر قدر ما يطلع على العيب به لا يمتنع الرد قولاً واحداً، والفرع مصور عند الإمام في بيع الغائب، وعند الماوردي وأبي الطيب بما ذكرناه، وقد رأى كلاًّ من وجهيه.
وعند الرافعي أيضاً بما إذا كان قد رآه قبل الطيّ أو بعده وبعد النشر؛ فإن نشره مرتين ينقصه أكثر من نشره مرة، وقال: إن فيما حكاه الماوردي تفصيلاً وخلافاً سبق.
قال::وإن وقف المبيع، أو كان عبداً فأعتقه"- أي: من غير شرط - "أو مات" - أي: قبل العلم بالعيب، ثم علم به "رجع بالأرش"؛ لوقوع الإياس من الرد، وتعين الأرش طريقاً لدفع الضرر، وهكذا الحكم فيما لو أكل المبيع أو أتلفه أجنبي.
وحكى الإمام قبيل كتاب "الرهن" أن المزني ذهب إلى أنّ الرجوع بالأرش لا يثبت بعد تلف المقبوض، أمَّا إذا كان العتق مشروطاً في البيع فقد نقل القاضي عن
أبي الحسين: أنه لا أرش له؛ لأنه وإن لم يكن معيباً لم يمسكه، ونقل عنه وجهين فيما إذا اشترى من يعتق عليه، ثم وجد به عيباً، ولأجل الاحتراز عن ذلك عدل الشيخ عن قوله: وإن كان عبداً فعتق، إلى ما ذكره.
قال القاضي: "وعندي أنَّ له الأرش في الصورتين"، وفي "النهاية" قبيل كتاب "السلم": أنه يرجع في شراء القريب [بالأرش]، ولم يحك سواه.
ثم في هذه الأحوال التي ذكرناها هل يثبت له الأرش بنفس الاطلاع قهراً، أو لابد من اختياره، حتى لو رده لم يرجع به؟ فيه وجهان، اختيار الشيخ أبي عليّ منهما على ما حكاه الإمام في "الكتابة"، والقاضي الحسين على ما حكاه أيضاً في "السلم":
الأول، وفي الرافعي هاهنا: أنَّ الأظهر الاثني، لكنه حكاه فيما إذا كان الثمن في الذمة، وجعل وجه التعيين يرجع إلى حصول البراءة بمجرد الاطلاع، والأرش مأخوذ في مقابلة [فوات سلطة الرد عند الإمام على ما حكاه في باب "بيع المرابحة" وقال: لا ينتظم عندنا إلَاّ ذلك، وعند غيره في مقابلة] الجزء الفائت، حتى لو كان الثمن معيناً في العقد تعين فيه على أظهر الوجهين، وهو ما حكاه الإمام في "الكتابة"، وقال: لو كان الثمن عبداً آخر رجع فيه بقدره. وهذه مناقضة، ثم إذا بطل العقد فيما يقابله هل يبطل في الباقي؟
المشهور: لا، وادّعاه الإمام بلا خلاف في كتاب "السلم"، وفي "شرح فروع" ابن الحداد للقاضي أبي الطيب في كتاب "السلم": إذا ابتاع حنطة معينة بعبد معين، وسلم الحنطة وتسلم [العبد] وأعتقه، ثم وجد بالعبد عيباً، قدر الأرش ثم يرجع بقدره من الحنطة، وانتقض البيع فيه، وهل ينتقض في الباقي؟ اختلف أصحابنا فيه: فمنه من قال: على القولين في تفريق الصفقة، ومنهم من قال: لا يفسد قولاًواحداً، وإنما لقولان في تفريق الصفقة [إذا كان العقد لم ينعقد في البعض، ومقتضى رأي من قال
بتخريج ذلك على تفريق الصفقة] إن ثبت الخيار لمن انحط له شيء، وقدجزم الإمام أيضاً بأنه لا خيار له؛ لأن هذا حط مستحق شرعاً؛ فلا خيرة مع حكم الشرع.
فرع: [لو كان المبيع المعيب حليًّا وقد تلف، وكان الثمن من جنسه أو من غير جنسه – فقد ذكرنا حكمه في باب [الربا].
ولو كان المبيع صاع حنطة بصاع حنطة، وتقابضا، فتلف أحدهام، ثم اطلع على عيب به – ففيه ثلاثة أوجه حكاها القاضي الحسين:
أحدها: يرجع بأرش المعيب من نقد البلد.
والثاني: يسترد من الصاع الآخر بقدر ما يقابله.
والثالث: يغرم مثل التالف، وسترد ما أعطي في مقابلته.
قال: وإن باعه لم يرجع بالأرش، وهو المنصوص، وبه جزم أبو الطيب، والماوردي، وغيرهام، وَلِمَ ذلك؟
قال أبو إسحاق وابن الحداد: لأنه استدرك الظُّلامة، وغبن كما غبن، وقد رُئيَ ذلك منصوصاً عليه في الخلاف.
وقال أبو علي بن أبي هريرة: لأنه لم ييأس من الرد، وقد رُئيَ منصوصاً عليه في "اختلاف العراقيين"، وهو الذي صححه الشيخ أبو حامد وأبو الطيب، وفي "تعليق" القاضي الحسين:"أنه الأظهر"، ولهذا الخلاف ثمرةٌ تظهر من بعد.
قال: "وقيل: يرجع" – أي: بالأرش – نظراً إلى العجز في الحال؛ كما لو مات العبد أو أعتقه، وهذا من تخريج ابن سريج، وفي رواية البويطي ما يقتضيه؛ فعلى هذا: لو أخذ الأرش، ثم رده عليه مشتريه بالعيب، فهل يرده مع الأرش ويسترد الثمن ام لا؟ فيه وجهان:
قال:"وليس بشيء"؛ لما ذكرناه.
واعلم أن الكلام فيما يرجع بأرشه من العيوب في هذا القسم وما قبله ما عدا الخَصْي، أمَّا إذا كان العيب القديم هو الخَصْي فلا أرش له أصلاً؛ إذ لا نقص في القيمة حتى يعتبر من الثمن، صرح به الإمام والرافعي، وفي تعليله نظرٌ؛ فإنه قال: "لا
أرش له كما لا رد"، وقد صرح هو وغيره بثبوت الرد عند إمكانه بعيب الخصي.
قال: "فإن رده عليه الثاني بالعيب، أو وهبه له، أو ورَّثه ردَّه" - أي: إذا فرعنا على المذهب، وهذا من الشيخ اختيار للمعنى الثاني كما رجحه الشيخ والقاضي، أمَّا إذا قلنا بالأول؛ فلا يرد إذا عاد إليه بالهبة أو الإرث، ويردإذا ردّ عليه بالعيب، وبنى الإمام والغزالي الخلاف في الرد عند العود بالهبة أو الإرث، وكل جهة لا يتعلق بها عهده: على أن الملك إذا زال، ثم عاد فهو كالذي لم يَزُلْ، أو كالذي لم يَعُدْ وفيه جوابان: فإن قلنا: إنه كالذي لم يعد؛ فلا رد.
وإن قلنا: كالذي لم يزل؛ كان له الرد، وبنينا الرجوع بالأرش في الحال على الخلاف في الرد عند العود:[فإن قلنا: لا يرد رجع بالأرش].
وإن قلنا: يرد؛ ففي الرجوع بالأرش [في الحال للحيلولة وجهان؛ كالقولين في شهود الحال إذا رجعوا، وادّعى أن القياس ما ذهب إليه طوائف من المحققين، وهو الرجوع بالأرش].
وعلى الوجهين يخرج ما إذا عاد إليه بالبيع، فعلى قول أبي إسحاق: لا ردَّ له، وعلى قول أبي علي: له الرد، كذا هو في "تعليق" القاضي أبي الطيب، وفي "تعليق" القاضي الحسين: أنه إذا كان عالماً بالعيب لم يكن له الفسخ؛ لأنه لما أقدم على شرائه مع العلم بعيبه صار راضياً به، وإن كان جاهلاً بالعيب حال الشراء الثاني؛ نظر في البائع الثاني:
إن علم به قبل البيع الثاني، وأسقط حقه؛ فليس للمشتري أن يرده على البائع الأول، وله رده على البائع الثانين وهل له الرجوع على الأول بالأرش؟ لم يتعرض له القاضي.
وفي "النهاية" حكاية قولين فيه عن رواية صاحب "التقريب"، والأظهر: أنه لا يرجع.
وإن كان الآخر جاهلاً بالعيب نظر: إن كان الثمن الثاني من غير جنس الأول، أو أكثر منه [أو أقل] – ردّه على البائع الثاني، وإلا فوجهان:
أحدهما: يرد على البائع الأول.
والثاني- وهو الأصح -: أنه يرد على البائع الثاني.
وفي الرافعيّ حكاية وجه ثالث – تفريعاً على ما ذهب إليه ابن أبي هريرة -: أنه إن شاء ردّ على الأول، وإن شاء ردّ على الثاني، فإذا ردّ على الثاني فله أن يرد عليه، وحينئذ يرد هو على الأول.
وعلى الوجهين معاً: لو كان قد وهبه هبة لا تقتضي الثواب، ثم عاد إليه بالبيع، أو الهبة، أو الإرث – يكون له ردّه قولاً واحداً. صرح به القاضي أبو الطيب، ومقتضى طريقة الإمام: جريان الخلاف [المذكور] أيضاً.
وفي الرافعي حكايته فيما إذا عاد إليه بالهبة، لكنه بناه على أنه لو لم يعدْ هل يأخذ الأرش؟ وفيه خلافٌ مذكرو في "تعليق" القاضي أبي الطيب مبنيٌّ علىقول أبي إسحاق وابن أبي هريرة أيضاً إن قلنا: لا، فله الرد، وإن قلنا: يأخذ، فينحصر الحق فيهن أوي عود إلى الرد عند القدرة؟ فيه وجهان. وإن عاد إليه بالبيع، فإن قلنا: لا يرد في الحالة الأولى، فكذلك هاهنا، ويرد على البائع الأخير، وإن قلنا: يرد، فهاهنا يرد على الأول، او على الأخير، أو يتخير؟ فيه ثلاثة أوجه.
ثم محل الكلام في عود المبيع إليه بالهبة أو الإرث، كما حاكه الشيخ إذا لم يجز المشتري الثاني العقد، ويرضَ بالعيب.
أمَّا إذا رضي به قال الماوردي:"استقر سقوط الأرش والرد، ولو كان قد وقف المبيع، أو أعتقه، أو أتلفه، أو حدث به عيبٌ مانعٌ من الرد؛ ففي "تعليق" أبي الطيب حكاية وجهين مبنيين على مأخذ المنع من الرد: فعلى قول أبي إسحاق: لا يرجع، وعلى قول ابن أبي هريرة: يرجع.
وفي الرافعي حكاية هذا الخلاف فيما لو أعتقه أو وقفه أو أتلفه، ولم يرجع عليه المشتري الثاني بالأرش، أو أبرأه منه.
أمَّا إذا رجع عليه به فيرجع وجهاً واحداً، وأمَّا في حدوث العيب فينظر: إن قبله المشتري الأول معباً؛ خير بائعه:
إن قبله فذاك، وإلا أخذ الأرش منه، وعن أبي الحسين: أنه لا يأخذه، واسترداده رضا بالعيب، وإن لم يقبله، وغرم الأرش؛ ففي رجوعه بالأرش على بائعه وجهان:
أحدهما - وبه قال ابن الحداد -: لا يرجع؛ لأنه ربّما قبله بائه لو قبله هو؛ فكان متبرعاً بغرامة الأرش.
وهذا ما جزم به الماوردي.
وأظهرهما في الرافعي: أنه يرجع؛ لأنه ربما [لا] يقبله بائعه فيتضرر.
قال الشيخ أبو علي: "وعلى الوجهين معاً: لا يرجع ما لم يغرم للثاني".
واعلم أن استيلاد الجارية المبيعة قائم مقام عتقها في هذا المعنى، والكتابة ملحقة بالتزويج عند المتولي.
وفي الرافعي أن الأظهر: أنها كالرهن وسنذكرهما، وفي "الحاوي" إلحاقها بالبيع، وتعليق العتق بالصفة والتدبير لا يمنعان من الرد بالعيب. نعم، لو وجد البائع بالثمن عيباً فرده، وكان العبد المبيع قد دبره المشتري، فهل له الرجوع في عيبه؟ فيه خلاف مذكور في كتاب الصداق من "الوسيط".
والهبة: إن قلنا: "إنها تقتضي الثواب كالبيع"، وإن قلنا:"لا تقتضيه".
ففي "الحاوي" حكاية وجهين على المذهب المنصوص في البيع مبنيين على العلتين.
وفي تعليق أبي الطيب الجزم بأنه لايرد، وقوى به تعليل ابن أبي هريرة، وعلى تخريج ابن سريج: يرجع بالأرش، والرهن والإجارة [المذكور منهما في تعليق القاضي الحسين أنهما لا يمنعان الرد، لكن في الحال أم حتى ينفك الرهن؟] وتمضي مدة الإجارة؟ فيه وجهان:
فإن منعنا الفسخ في الحال لم يكن له الرجوع بالأرش، وفي "الحاوي" حكاية وجهين:
أحدهما: [لا أرش] له، وهو مقتضى تعليل أبي علي.
والثاني -: وهو مقتضى تعليل أبي إسحاق -: له الخيار في أن يتعجل الأرش، ويسقط حقه من الرد، أو يتوقف لينظر ما يئول إليه الحال.
وفي الرافعي: أن الحكم كذلك في الإجارة إذا منعنا بيع المستأجر، فإن جوزناه، ورضي البائع به مسلوب المنفعة مدة الإجارة - ردّ عليه، وإلَاّ تعذر الردّ، وفي الأرش الوجهان، وأنهما يجريان فيما إذا تعذر الرد بغصب أو إباق، وصورته: إذا كانقد أبق في يد البائع، ثم أبق في يد المشتري كما صوره أبو الطيب، وجزم فيه بعدم الأخذ، [وأيد به أيضاً تعليل ابن أبي هريرة]، على الجزم بمنع الأخذ جرى ابن الصباغ.
والتزويج يمنع الرد بدون رضا البائع، ويوجب الأرش؛ لأنه ليس لغايته أمد معلوم، والمقاسمة إذا جرت في المشاع قبل الاطلاع على العيب هل يمنع الرد؟ إن قلنا: إنها إفراز حق؛ فلا، وإن قلنا: إنها بيع؛ فهي كما لو باع بعض المبيع، ثم وجد بالباقي عيباً.
قال: والعيب الذي يردّ به ما يعده الناس عيباً: من المرض - أي: وإن قلّ - والعمى [أي]: ولو في إحدى العينين، والجنون أي: وإن كان متقطعاً - والبرص اولجاذم - أي: وإن لم يستَحْكِمْ والبخر - أي: الناشئ من تغير المعدة - دون ما يكون من فَلَجِ الأسنان، والزنى، والسرقة، وما أشبه ذلك مثل التمكن منعمل قوم لوط أو عمله، والصُّنان الي لا يزول إلا بعلاج يخالف العادة، وفي "تعليق" القاضي الحسني أنه قال: عندي أنَّ الصنان لا يثبت الخيار.
و"اعتياد الإباق"، كما صرح به الغزالي والإمام في باب "السلم""دون المرة الواحدة"، خلافاً لأبي علي الزجاجي، والقاضي الحسين، كما صرح به في الموضع الذي سنذكره، وهذا منهما إشارة إلى أنه لو وجد في يد البائع، ولم يوجد في يد المشتري كفى، وعلى الأول: لا يكفي، وإلى ذلك أشار في "الإشراف".
وفي "تعليق" القاضي الحسين: أن محل الرد بعيب الإباق إذا تكرر منه في يد البائع، واشتهر ووجد في يد المشتري. أمَّا إذا وجد في يد البائع، ثم وجد في يد المشتري؛ بحيث تنقص القيمة – لم يرد لحدوث عيب آخر في يده، ويرجع بالأرش.
قال الرافعيُّ: والسرقة قريبة من هذا، وقد صرح القاضي الحسين في باب"الخلاف باليمين مع الشاهد" بذلك.
ومحل الخلاف في الإباق والسرقة: ما إذا صدرا من البالغ.
أمَّا إذا صدرا من صبي، وكذا الزنى في يد البائع، ولم يجر شيء منها في يد المشتري- فلا رد به، صرح به صاحب "الإشراف".
واعتياد البول في الفراش في غير أوانه من العبيد والإماء، عيب دون المرة الواحدة على الأظهر، وما إذا كان في أوانه، وهو ما دون سبع سنين، كما صرح به البغوي.
وكون الضيعة منزلاً للجند واختصت به دون ما حولها، كما صرح به القاضي
الحسين في "فتاويه"، وكون الخراج المصروف على الأرض ظلماً ثقيلاً دون ما حولها، وعن حكاية أبي عاصم العبادي وجه: أنه لا يدر بثقل الخراج، ولا بكونها منزلاً للجند؛ لأنه لا خلل في نفس المبيع.
وكون الدار يجاورها قصارون يتأذى من صوت دقهم وتتزعزع الأبنية به. وكون الأرض يجاورها خنازير تفسد ما بها من زرع ملحقٌ بالصورتين قبلها عن المتولي. وكون العبد أقرع، أو أخفش، أو أجهر، أو أعشى، أو أرَتَّ لا يفهم، أو فقيد الظر أو الشعر، أو له أصبع زائدة، أو سن زائدة، كما ذكر في "الحاوي"، أو مقلوع بعض الأسنان، أو آدر، أو ذا قروح، وكذا آثارها وآثار الشجاج، أو ثآليل كثيرة، أو بَهَق، وكونه أبيض الشعر في غير أوانه، أو كذاباً كما حكاه القاضي الحسين، أو نمَّامًّا، أو ساحراً، أو قاذفاً للمحصنات، او مقامراً، أو تاركاً للصلاة، أو شارباً للخمر – ملحقٌ بالعيوب المتفق عليها.
وفي "الرقم" للعبادي: أنه لا يرد بالشرب، وترك الصلاة.
وكونه خنثى مشكلاً [أو غير مشكل – عيبٌ]، وعن بعض المتأخرين: أنه إن كان رجلاً، وكانيبول من فرج الرجال، فلا ردّ به. وهذا ما حكاه العمراني في "زوائده" عن القاضي في "السلم".
وكونه مخنثاً، وكون الجارية مستحاضة، أو معتدة، أو مستأجرة، أو محرمة، أو مزوجة، وكذا الغلام – وفي "البيان" حكاية وجه في التزويج.
وكون الجارية لا تحيض في سن تحيض فيه النساء غالباً وهو عشرون سنة، كما قاله القاضي الحسين، وكذا تطاول طهرها إذا جاوز الادة، وحملها – عيب، وكذا الحمل في سائر الحيوانات عند صاحب "التهذيب" دون غيره، وهو ما حكاه الرافعيُّ في الصداق أنه أظهر الوجهين.
وكون العبد أو الجارية جانيين جناية تعلق الأرش بالرقبة، وإن كانت خطأ إذا كثرت – عيب، أمَّا إذا لم تكثر جناية الخطأ؛ فلا.
واصطكاك الكعبين، وانقلاب القدمين، واسوداد الأسنان، والكَلَف المغيِّر للبشرة،
وكون أحد ثديي الجارية أكبر من الآخر، والحَفَر في الأسنان لتراكم الوسخ الفاحش في أصولها، والكي – عيب، وكذا العنة عند الصيمري، وهو الأظهر عند الإمام، وعند غيرهما: لا خيار بها.
وكون الدابة جموحاً، أو عضوضاً، أو رموحاً، أو زهيدة، أو تشرب لبنها، أو خشنة المشي، بحيث يخشى منها السقوط – عيبٌ، وكذا قطع بعض الأذن بحيث لا يجزئ في الأضحية عند صاحب "التقريب"، وكون الماء المشتري مشمساً، أو المبيع نجساً ينقص بالغسل – عيب. وكذا الرمل تحت الأرض إن كان مما يبطل البناء، والأحجار إن كانت مما تبطل الزرع والغرس، وفي "الوسيط" حكاية خلاف في الأحجار، وإن كانت مودعة يثبت الخيار، إلَاّ أن يقول البائع: أنا أزيلها في مدة قريبة لا أجرة لمثلها.
ولو أضرت الحجارة بالغراس دون الزرع؛ ففيه وجهان في "الحلية":
أحدهام – ويحكي عن ابن أبي هريرة -: أنه ليس بعيب.
وقال الماوردي: عندي ينظر في أرض تلك الناحية: فإن كانت مرصدة للزرع دون الغراس لم يثبت، وإن كانت مرصدة للغراس ثبت.
وظهورُ قَبَالَةٍ تُوقِفُ المبيع، وعليها خطوط المتقدمين، وليس في الحال من يشهد بذلك – عيب، قاله في "العدة".
وكذا كون البائع وكيلاً، أو وصيًّا، أو أمين حاكم على وجه محكي في "الحاوي"، وكذا لو كان العبد مبيعاً في جناية عمدٍ، وقد تاب على وجه فيه أيضاً. ولا ردّ بكون الرقيق رطب الكلام، أو غليظ الصوت، أو سيء الأدب، أو ولد زنى، أو غنياً، أو حجاماً، أو أكولاً، أو زهيداً، قال القاضي الحسين: إلَاّ أن يكون لعلة به.
وكذا لو كان العبد مرتداً حالة العقد، وقد تاب قبل العلم على المذهب.
وفي "الحاوي" في كتاب "الرهن": أن ذلك عيبٌ في الحال، وأمَّا إذا قلنا: إنه ليس بعيب، فهل له الرد به؟ فيه وجهان.
وكذا لا ردّ بكونه عقيماً وغير مخفوض أو مختون، إلَاّ إذا كان الغلام كبيراً يخاف عليه من الختان، وقيل: ألا تستثني هذه الحالة أيضاً، وإطلاق القاضي
الحسين يوافق هذا.
وكذا لا ردّ بكون الرقيق ممن يَعْتِقُ على المشتري، ولا بكون الأمة أخته من الرضاع أو النسب، أو موطوءة ابنه، بخلاف المحرمة والمعتدة؛ لأنّ التحريم ثم عام فتقل الرغبات، وهاهنا يختص التحريم به، ورأى القاضي ابن كجٍّ إلحاق ما نحن فيه بالمحرمة والمرتدة، هذا ما أشرت إليه من قبل.
وكذا لا أثر لكونها صائمة على الأصح.
وضابطه: أن الردّ يثبت بكل ما في المعقود عليهمما ينقص قيمة العين، أو نفسها من الخلقة التامة نقصاناً يفوت به غرض صحيح، بشرط أن يكون الغالب في أمثال المبيع عدمه، وإنما اعتبرنا نقصان العين لمسألة الخصي؛ فإنه يثبت به الردّ – وإن زادت القيمة – لفوات غرض صحيح به، وإنما اعتبرنا الخلقة التامة؛ ليخرج ما إذا نقص من العين ما هو زائد عن الخلقة التامة كالأصبع الزائدة إذا أزالها البائع- فإنه لا ردّ بسبب فوات ذلك إذا لم يبق شُيْنٌ، وإنما اشترطنا فوات غرض صحيح؛ احترازاً عمَّا إذا قطع قُلْفة يسيرة من فخذها، أو ساقه، بحيث لا يؤثر شيئاً، ولا يفوت غرضاً.
فرع: لو وجد الإباق، والسرقة، والزنى، ونحو ذلك في يد البائع، وارتع مدة مديدة؛ بحيث يغلب على الظن زوالها، ثم وجدت في يد المشتري.
قال الثقفي والزجاجي وأبو علي: لا يجوز الرد؛ لاحتمال أن تلك المعاني ارتفعت، ثم حدثت في يد المشتري؛ فصارت كالمرض الحادث في يد المشتري، حكاه في "الإشراف".
قال: "وإن اشترى جارية فوجدها ثيباً" – أي: في سن تحتمله –"أو مسنة، أو كافرة" – أي: يحل وطؤها كاليهودية والنصرانية – لم يرد"؛ لأن هذا ليس بنقص، بل
فوات فضيلة، أمَّا إذا كانت الثيب صغيرة بحيث يندر ثيابتها، أو الكافرة ممن لا يحل وطؤها كالمجوسيّة والوثنية والمرتدة- ثبت الرد؛ لأنّ ذلك نقص، وفي "التتمة" في الكافرة الأصلية: أنه لا يثبت الرد في هذه الصورة أيضاً، وطرده في الغلام.
وفي "النهاية" في هذا الباب: أنه لو اشترى عبداً فخرج كافراً، فالذي ذهب إليه عامة الأصحاب: أن الكفر عيبٌ.
وذكر العراقيون وجهاً: أنه ليس بعيب، واسم "العبد" لا يتعرض للإيمان ولا للكفر.
وفي هذا القول تفصيلٌ عندي: فإن كان الغالب العبد المسلم في موضع العبد الكافر، وكان الكفر منقصاً للقيمة فهو عيبٌ، وإن لم يكن الإسلام غالباً في العبيد، بل كانوا منقسمين، وكان الكفر منقصاً للقيمة، فهذا فيه تردد، ظاهر القياس: أنه ليس بعيب، وظاهر النقل أنه عيب، وإن لم يكن الكفر منقصاً، والعادات مضطربة، فالوجه: القطع بأنّ الكفر لا يكون عيباً.
وقال – متصلاً بباب "بيع حبل الحبلة" -: إذا اشترى المسلم عبداً، فخرج كافراً نُظر: إن اشتراه في بلاد الإسلام له ردُّه؛ فإن الكفر في العبيد نادرٌ في هذه الديار، وإن كان في دار الحرب فالذي ذهب إليه الأكثرون: أنه لا يرده، وكان شيخي يقول: يثبت الخيار؛ لأنّ الكفر عيبٌ مهما اتفق، وما قاله أولاً وآخراً يجري في الأمة الكتابية من طريق الأوْلى، وقد أشار إليه في "التهذيب".
قال: "إلَاّ أن يكون قد شرط أنها بكر، أو صغيرة، أو مسلمة" فيثبت له الرد؛ لأجل الخلف.
وحكى الإمام في آخر "النهاية" فيما إذا شرط أنها بكر، وكانت مزوجة، خرجت ثيباً – وجهين في ثبوت الخيار.
قال: "وإن شرط أنها ثيبٌ، فخرجت بكراً لم يرده؛ لأنها أكمل مما شرط، وهذا هو الأصح.
قال: "وقيل: يرد؛ لأنه قد يتعلق له بذلك غرض؛ لضعف آلته، أو كبر سنه، وقد فات عليه؛ فيثبت له الخيار.
ويجري هذا الخلاف – على ما حكاه الماوردي – وغره فيما إذا اشترط أنها سبطة، فخرجت جعدة الشعر، أو بيضاء الشعر – علىقول من لم يشترط الرؤية –
فخرجت سوداء الشعر، أو خصيًّا فخرج فحلاً عند أبي الحسن العبادي.
والمذهب فيه أنه يثبت، وكذا لو شرط أنه أقلف فبان مختوناً. قاله المتولي. إلَاّ أن يكون العبد مجوسيًّا، وثَمَّ مجوس يشترون الأقلف بزيادة، فله الرد.
قال: "ولو شرط أنه كافرٌ فخرج مسلماً" – أي: والبائع مسلم – "ثبت [له] الرد"[؛ لأنّ قيمة الكافر في السوق أكثر؛ لأنه يشتريه المسلم والكافر، فَطِلابه أكثر، وذلك غرض مقصود، فإذا فات ذلك عليه ثبت له الرد]، وحكى الإمام في هذا الباب: أنهما إن كانا متوجهين إلى بلاد الكفر، وكانوا يكثرون الولوج فيها – فقد يكون الكافر أكثر قيمة، فإذا أخلف الشرط والحالة هذه ثبت الخيار.
وأبعد بعض أصحابنا وقال: لا خيار، وارتاع هؤلاء من تشعيث في نسبتنا إلى إيثار الكفر.
وهذا غير سديد؛ فإن المالية هي المرغبة، وهي مأخوذة من الرغبات في كثرتها وقلتها، وذكر ما ذكرناه من قبل، ثم قال: وهذا إذا كان الكافر أكثر قيمة، إن لم يكن الأمر كذلك جرى الحكم فيه بمثابة خُلْف الشرط في البكارة واليوبة. فإن بان مسلماً – والشرط كونه كافراً – فهو كما لو شرط أن يكون سبط الشعر فخرج أجعد، وحكى في كتاب "النكاح" متصلاً بباب "الأمة تغرُّ من نفسها" ثلاثة أوجه:
أحدها: أنّ الخيار يثبت؛ لأن المقصود المالية، وقد يكون الكفر في المملوك من الأغراض المالية.
والثاني – ما ذهب إليه المزني -: أنه لا خيار. ووافقه بعض الأصحاب.
والثالث: إن كان الموضع الذي جَرَى فيه الشراء قريباً من ديار الكفر، وكان يتوقع أن يطرقوا ذلك الموضع ويرغبوا فيه – فيثبت الخيار، وكذلك إن اتفق ذلك في بلد أهل الذمة، فأما إذا جرى في موضع بعيد عن بلاد الكفر، ولا يكثر فيه أهل الذمة؛ فلا خيار.
وما ذكره الأولون من النظر إلى الأغراض المالية غير صحيح؛ فإن القيمة إن كانت تزيد من وجه رغبة الكفار مثل رغبة باطلة مستندها الكفر وتحسينه، واعتقاد كونه حقًّا – فيكاد أن يكون ذلك المزيد بمثابة ثمن الخمر.
ولو أتلف هذا العبد، فذهب جماعة الأصحاب: أنه يجب على المتلف أان يغرم قيمته؛ اعتباراً بما يطلب فيه، وإن كان بأكثر مما يشتري به المسلم، وذهب المزني ومن وافقه إلى أنّ ذلك المزيد لا يضمن؛ لما أشرنا إليه، وهو بمثابة ازدياد قيمة الجارية بأن تصير عوَّادة، فلا يكاد يخفى أن القيمة تزداد في القينة ضعف ما تكون الجارية الناسكة، ومن اشتراها لم يعترض عليه؛ فإنّ الشراء يرد على عينها، ولكن لو أتلفت لم يضمن متلفها إلَاّ قيمة مثلها لو كانت لا تحسن الغناء، والله أعلم.
أمَّا لو كان البائع كافراً كان في جواز الرد ما ذكرناه في باب "ما يجوز بيعه" إن جوزنا شراءه.
فرع: لو اشترى أرضاً أو ثوباً على أنه عشرة أذرع، فخرج دونها أو فوقها – ففي الصحة قولان، أظهرهما – وبه قطع قاطعون – فيما إذا خرجت ناقصةً: الصحة، تنزيلاً للخُلْف في الشرط في القدر منزلة الخلف في الصفات.
وللمشتري الخيار عند النقص، وإذا أجاز فبقسطه، أو بجميع الثمن؟ قولان، أظهرهما: الثاني؛ لأن المتناول بالإشارة المعين، وللبائع الخيار على قول الصحة في حال الزيادة على المشهور، فإن أجاز كان الجميع للمشتري، وفي وجه: لا خيار له، واختاره البغوي.
وعلى المشهور: لو قال المشتري للبائع: لا تفسخ فأنا أقنع بالقدر المذكور شائعاً والزيادة لك، فهل يسقط خيار البائع؟ فيه قولان عن رواية صاحب "التقريب" وغيره، وحكاهما القاضي أبو الطيب قبيل كتاب الرهن عن رواية ابن سريج وجهين، أظهرهما – وبه قال الإمام، ورجحه ابن سريج -: أنه لا يسقط.
قال الرافعي: وقياس هذا ما إذا باع القطيع على أنه عشرون رأساً، والصبرة على أنها ثلاثون صاعاً. وفرق صاحب "الشامل" بين الصبرة وغيرها، ورأى أن الصبرة إذازادت يرد الفضل، وإن نقصت وأجاز المشتري يخير بالحصة، وفيما عداها يخير بجميع الثمن؛ لأن أجزاءها تتساوى، فلا يجرُّ التوزيع جهالة.
قال: وإن باع، وشرط البراءة من العيوب؛ ففيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه يبرأ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ"؛ [لأنّ خيار العيب] إنما يثبت لاقتضاء مطلق العقد السلامة، فإذا صرح بالبراءة فقد ارتفع الإطلاق، فعلى هذا: لو حدث به عيبٌ قبل القبض لم يبرأ منه، وكان له الرد، فلو اختلف في تقدمه على العقد وتأخره عنه، وحدوثه قبلا لقبض، فهل القول قول البائع أو [قول] المشتري؟ فيه وجهان [في "الحاوي".
قال: والثاني: لا يبرأ؛ لأنه خيار ثابت بالشرع، فلا ينتفي بالشرط] كسائر مقتضيات العقد، [و] لأنه إبراء عن مجهول لا يدري، وذلك غَرَر، ولأن الرد بالعيب مستحقٌّ بعد لزوم العقد؛ فلم يجز إسقاطه بالشرط قبل لزوم العقد كما في الشفعة.
قال: "ويبطل البيع على هذا، وقيل: لا يبطل"، يوجههما ما تقدم في نفي خيار المجلس، والأظهر منهما عدم البطلان؛ لاشتهار القصة المذكورة بين الصحابة، وعدم إنكارهم، والذي عليه جمهور الأصحاب- كما حكاه الماوردي -: البطلان.
قال: "والثالث: أنه يبرأ من كل عيب باطن في الحيوان لم يعلم به البائع"؛ لأن الحيوان يتغذى بالصحة والسقم، وتتحول طبائعه، وقلَّما يبرأ من عيب خفيِّ؛ يحتاج البائع إلى هذا الشرط فيه ليثق بلزوم البيع.
قال:"ولا يبرأ مما سواه" – أي: مما يعلمه – أو هو ظاهر في الحيوان ولم يعلمه، وما لا يعلمه من غيره؛ لما روي أن ابن عمر باع عبداً من زيد بن ثابت بثمانمائة درهم بشرط البراءة، فأصاب زيد به عيباً، فأراد ردّه على ابن عمر، فلم يقبله، فترافعا إلى عثمان، فقال لابن عمر: تحلف إنك لم تعلم بهذا العيب؟ فقال: "لا"، فرده عليه، فباعه ابن عمر بألف درهم، ولأن كتمان العيب تلبيس، وهذا هو الأصح في هذا الطريق الذي قاله ابن سريج وابن الوكيل، والإصطخري، وابن خيران وأبو سحاق جزماً به. ولنصه في "المختصر"، وفي " [اختلاف] العراقيين" به إشعار.
وفي "الحاوي" طريقة ثالثة عن ابن أبي هريرة: أنه يبرأ في الحيوان من غير المعلوم [دون المعلوم، ولا يبرأ في غير الحيوان من المعلوم، وفي غير المعلوم] قولان، ولو قال: بعتك بشرط ألَاّ ترد بالعب، جرى فيه هذا الخلاف، وزعم المتولي أنه فاسدٌ قطعاً مفسد للعقد.
قال القاضي الحسين في "تعليقه": "لأنه منع تصرفه في حق يثبت له بمقتضى العقد، بخلاف شرط البراءة؛ فإنه اشترط البراءة من ثبوت الحق.
ولو شرط البراءة من العيوب الموجودة والتي تحدث، ففيه وجهان، أحصحهما - ولم يذكر الأكثرون سواه -: أنه فاسد.
ولو عين بعض العيوب، وشرط البراءة عنه نظر: إن كان مما لا يعاين، مثل أني قول: بشرط براءتي من عيب الزنى والسرقة والإباق، برئ منها بلا خلاف، وإن كان مما يعاين كالبرص: فإن أراه قدره وموضعه فكمثل، وإن لميره فهو كشرط البراءة مطلقاً، وحكى الغزالي في هذه الصورة خلافاً على القول بعدم الصحة في الأصل مبنيًّا على العلتين في فساده.
قال الإمام: "وليس المعنى بالإعلان أن يطلع المشتري على العيب، [أو يرى من نفسه العلم بها، وإنما المراد البراءة من صفات لا يقطع الشارط بكونها، وإنما بقدر البراءة لو كانت؛ إذ لو حصل الإطلاع على العيب] فلا حاجة إلى الشرط، ومن الاطّلاع أن يقول البائع: "هذه العيوب به فأبرئني منها".
قال:"وإن اختلفا في عيب يمكن حدوثه -أي: مثل تخريق الثوب، وكسر الإناء، والبرص، وأمثال ذلك، فقال البائع: حدث عندك، وقال المشتري: بل كان عندك - فالقول قول البائع؛ لأن حدوث العيب متفق عليه، والأصل عدم حصوله في يد البائع، ولأن دعوى المشتري تقتضي الفسخ، ودعوى البائع تقتضي الإمضاء،
وهو الأصل فاتبع فيه.
قال: "مع يمينه"؛ لأن ما يدعيه المشتري محتمل فحلف لذلك، واليمين تكون على البت؛ لأن العيب نقص شيء، والبائع يدعى إقباضه، واليمين في القبض على البت، ويسوغ له ذلك بغلبة الظن [كما يحلف] على خط أبيه وصدق الشهود.
وفي "الحاوي" في باب "الخلاف في اليمين مع الشاهد" حكاية وجه فيما إذا كان المدعى من العيب الإباق: أنه يحلف على العلم، فيحلف: لقد باعه ولا يعلم أنه آبق؛ لأنه غاية ما يقدر عليه، وعلى الأول في هذا وفي غيره، فكيفيتها إن أجاب عن الدعوى بأنه لا يستحق على الرد بهذا العيب كذلك، وله أن يحلف أنه باعه وما به العيب الذي ذكره، إن كان المشتري قد ادّعى أنه باعه وهو معيب، كما حمل عليه نصُّ الشافعيّ، أو أنه أقبضه وما به العيب الذي ذكره، إن كان المشتري قد ادعى حدوث العيب بعد العقد، وإن أجاب بأنه باعه وأقبضه وما به العيب الذي ذكره، فهل يحلف لذلك أم له أن يحلف إنه لا يستحق عليه رد السلعة بهذا العيب؟ فيه خلاف، قاعدته مذكورة في الكتاب، والأظهر الأول، وهو ما أورده في "التهذيب".
ولو اختلفا في بعض الصفات هل هي عيبٌ أم لا؟ فالقول قول البائع أيضاً، إلَاّ أن يخبر عدل واحد من أهل العلم بأنه عيبٌ كما حكاه في "التهذيب"، واعتبر المتولي فيه شهادة شاهدين.
ولو اختلفا في العلم بقدر العيب: فأنكر المشتري أنه علم بقدره، وادّعاه البائع – فالقول قول المشتري، فيحلف إنه لم يعلم قدره يوم رآه، أو يحلف إنه زائد على ما اعترف به، حكاه في "الإشراف".
ولو ادعى البائع علم المشتري بالعيب، أو تقصيره في الرد، فالقول قول المشتري،
وقيّد ذلك في "الإشراف" بما إذا كان مثل العيب يخفى عليه.
ولو اختلفا في الثمن، وقد دعت الحاجة إلى الرجوع بالأرش، فالقول قول البائع أو المشتري؟ روى القاضي ابن كجٍّ فيه قولين، والأصح: الأول.
ولو اختلفا في قدر الثمن بعد ردِّ المبيع، فعن أبي الحسين أن ابن أبي هريرة قال:"الأَوْلَى أن يتحالفا، وتبقى السلعة في يد المشتري، وله الأرش على ابائع" قبل له: إذا لم يتبين الثمن كيف تعرف الأرش؟ قال: "أحكم بالأرش في القدر المتفق عليه".
قال أبو الحسين: "وحكى أبو محمد الفاسي عن أبي إسحاق أن القول قول البائع، كما لو اختلفا في الثمن قبل الإقالة"، وهذا هو الصحيح.
قال: "وإن باعه عصيراً، وسلمه [إليه]، فوجد في يد المشتري خمراً، فقال البائع: عندك صار خمراً – أي: ومضى زمان يمكن انقلابه فيه خمراً – وقال المشتري: بل عندك كان خمراً؛ ففيه قولان:
أحدهما: أن القول قول البائع"؛ لما ذكرناه في الفصل قبله، وهذا ما صححه النواوي.
"والثاني: أن القول قول المشتري"؛ لأنّ البائع يدعى عليه قبضاً صحيحاً، وهو منكر له، والأصل عدمه، ولا حكم للقبض الذي اعترف به؛ فإنه فاسد، ليس قبضاً شرعيًّا؛ فكأنه لا قبض. قال المتولي: وبهذا فارق مسألة العيب؛ لأن وجود العيب لا يمنع صحة القبض. وهذا القول قد صحح الماوردي نظيره فيما لو وقع الاختلاف على هذا النحوبن الراهن والمرتهن [وفي العصير المرهون]، وقضيته التصحيح هنا أيضاً.
[والقولان يقربان – على ما أشار إليه الإمام في كتاب "الرهن" – من اختلاف الأصحاب في حد المدعيِي والمدعَى عليه:
فمنهم من يقول: المدعي: من يدعي أمراً خفيًّا، والمدعَى عليه: من ينكر أمراً جليًّا.
ومنهم من يقول: المدعي: من لو سكت تُرِكَ والسكوتَ، والمدعي عليه: من
لا يُترك والسكوت.
ووجه التخريج: أن المشتري لو سكت ترك فهو المدعي، إذاً فيكون القول قول البائع؛ لأنه المدعي عليه؛ فإنه لو سكت لم يترك.
وإن قلنا: المدعي من يدعي أمراً خفيًّا" فالمدعي هو البائع؛ فإنه يدعي القبض الملتزم، والأصل عدمه، والمشتري يدعي عدم القبض، وهو الأصل، ويقرب من هذه المسألة ما حكاه الإمام في "الرهن" عن القاضي، وهو ما إذا اشترى لبناً في قمقمة، فصبه البائع في قمقمة المشتري، فوجد فيه فأرة، فاختلفا، فقال المشتري: بعتني اللبن طاهراً فوجدت فيه فأرة، وقال البائع: لا، بل كانت الفأرة في قمقمتك، وكان من جوابه أن هذا تخريج على القولين في إقباض العصير والخمر.
فإن قيل: إذا كانت النجاسة في ظرف المشتري، فاللبن ينجس بملاقاة النجاسة؛ فليس ما ادّعاه إقباضاً على الصحة.
قلنا: ليس كذلك؛ فإن اللبن إذا حصل في فضاء الظرف، ثبت له حكم القبض جزءاً جزءاً قبل أن يلقى النجاسة.
واعلم أن الشيخ تكلم في سخ العقد بسبب التدليس والعيب والخلف، وسكت عن سخه بالتراضي، وهي الإقالة، ولا شك في جوازها واستحبابها عند ندم أحدهما على العقد؛ لما روى أبو داود عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَقَالَ مُسْلِماً أَقَالَ اللهُ عَثْرَتَهُ".
وصيغتها أن يقولا: تقايلنا، أو يقول أحدهما: أقلت، فيقول الآخر: قبلت، لكن هل هي فسخ أم بيع؟ قولان:
أصحهما – وهو المنصوص عليه في الجديد -: الأول؛ إذ لو كانت بيعاً لصحت
من غير البائع، وبغير الثمن الأول، ولافتقر إلى ذكر الثمن فيها، وكل ذلك غير معتبر.
والمنصوص عليه في القديم – كما حكاه الإمام -:
الثاني: ولو قالا: تفاسخنا العقد، فمنهم من قال: إنه فسخ قولاً واحداً، وعند هذا القائل البيع يقبل الفسخ بالتراضي.
ومنهم من قال: كلُّ ما فرض على التراضي من لفظ الإقالة أو الفسخ، فهو خارج على القولين، ولا نظر إلى الألفاظ.
وعند هذا القائل البيع لا يقبل الفسخ بالتراضي على القديم.
وحيث قلنا: إن الإقالة فسخ، فهل من وقت الفسخ أو من أصل العقد؟ فيه وجهان تظهر فائدتهما في "الزوائد" حكاهما الرافعيُّ في حكم العقد قبل القبض وبعده، وللمشتري جنس المبيع لاسترداد الثمن على القولين جميعاً.
ويجوز من الورثة بعد موت المتعاقدين أو أحدهما، وهل يجوز بعد تلف المبيع؟ إن قلنا: إنها بيع، فلا، وإن قلنا: إنها فسخٌ، فنعم على الأصح، كما في الفسخ بالتحالف.
ولو كان أحد العبدين تالفاً، فالخلاف مرتب، وأولى بالجواز، وادّعى القاضي أبو الطيب في كتاب "السلم" إجماعنا [على] صحتها في هذه الصورة، ويجوز في بعض المبيع الذي يتقسط الثمن عليه بالأجزاء، وكذا إن كان يتقسط عليه بالقيمة إذا قلنا: إنها فسخٌ، وإن قلنا: إنها بيعٌ، فلا.
وحكى الفوراني على قول الفسخ أنه ينفسخ في البعض، وهل ينفسخ في الباقي؟ قولاً تفريقِ الصفقة، وعلى القولين يخرج أيضاً تحديد حق الشفعة، ووجوب التقابض في مال الربان وجواز التصرف بعد الإقالة وقبل القبض، وكذلك التلف في هذه الحالة في أنه يرجع بالثمن أو بدله، وجواز الإقالة قبل القبضن وفي المسلم فيه.
فإن قلنا: إنها فسخٌ، جاز، وإن قلنا: إنها بيعٌ، لم يجز [في المسلم فيه]، وفي المبيع قبل القبض يكون كالبيع منه، على ما حكاه الرافعي.
وقال الإمام: لم أر أحداً من الأصحاب يخرج الإقالة قبل القبض على أنها فسخٌ أو بيعٌ.
حتى إذا قلنا: إنها بيعٌ، خرجت على الخلاف في أن بيع المبيع من البائع قبل القبض، هل يجوز، وكذلك لم يردِّد أحد من أصحابنا القول في الإقالة في المسلم، بل أطلقوا جوازها، وكان شيخي يقول: الإقالة قبل القبض تنفذ، فإن جوزنا بيع المبيع من البائع قبل القبض خرجت المسألة على القولين في أن الإقالة فسخٌ أو بيعٌ، فإن قلنا: لا يصح بيع المبيع من البائع، فالإقالة [له] نافذة فسخاً قولاً واحداً.
ولو تعيب المبيع في يد المشتري، ثم تقايلا واطلع عليه البائع.
فإن قلنا: إنها [بيع]، ثبت له الخيار.
وإن قلنا: إنها سخ، أخذ الأرش، قاله الرافعي، ولم يحك سواه، والذي جزم به في "الشامل" جواز الرد، ولم ينبه على شيء، وكان يتجه أن يتخرج على الخلاف فيما إذا فسخ البائع العقد بعيب في الثمن، ثم وجد المبيع قد تغير في يد المشتري؛ فإنه هل يرجع بالأرش مع أخذ العين، أو يتخير بين أن يرجع في العين ليس إلَاّ وبين أن يأخذ قيمتها سليمة؟ وفيه وجهان منقولان في آخر "النهاية"، واختار القاضي الحسين وابن سريج – على ما حكاه ابن أبي الدم – الثاني، وهو المحكي في "الوسيط" في آخر كتاب الغصب، ومقابله هو الذي رجحه الإمام، وهو المحكي في "كتاب الصداق من "الوسيط"".