المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب السلم قال الأزهري: السلم والسلف واحد، يقال: سلَّم وأسلم، وسَلَّف - كفاية النبيه في شرح التنبيه - جـ ٩

[ابن الرفعة]

الفصل: ‌ ‌باب السلم قال الأزهري: السلم والسلف واحد، يقال: سلَّم وأسلم، وسَلَّف

‌باب السلم

قال الأزهري: السلم والسلف واحد، يقال: سلَّم وأسلم، وسَلَّف وأسلف بمعنى واحد، واستسلف وتسلَّف.

وسمى سلماً؛ لتسليم رأس المال في المجلس، وسلفاً لتقدم رأس المال، وهذا الاسم يشترك فيه القرض.

وادعى الرافعي: أن اسم السلم يشمل القرض أيضاً.

لكن حد السلم الشرعي يخرجه: وهو العقد على موصوف في الذمة ببدل يعطي عاجلاً.

والأصل في جوازه من الكتاب قوله تعالى: - يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: 282].

قال ابن عباس: أشهد أن السلف المضمون إلى أجل مسمى قد أحله الله - تعالى- في كتابه، ثم تلا الآية.

وفيها ما يدل على ذلك، وهو قوله تعالى: - إِلَاّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَاّ تَكْتُبُوهَا} [البقرة: 282].

وهذا في البيع الناجز، فدل على أن ما قابله في الموصوف غير الناجز.

ومن السنة: ما روى الشافعي بسنده أيضاً، عَنِ ابْنِ عَبَّاس أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَدم

ص: 321

المدينة، وهم يسلفون في التمر السنة والسنتين، وربما قال: السنتين، والثلاث، فقال صلى الله عليه وسلم:"مَنْ أَسْلَفَ، فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُوم"، ولفظ البخاري:"السنتين وثلاثاً فقال: من أسلف في شيء في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم" وغير ذلك من الأحاديث.

ومن جهة القياس: أن البيع لما اشتمل على عوضين، المثمن والثمن، فلما جاز أن يكون الثمن معيناً، وموصوفاً في الذمة حالاً، وإلى أجل [مسمى] فكذلك المثمن؛ ولأن بالناس حاجة إليه؛ لأن أرباب الضياع، والبساتين؛ ربما لا يكون معهم مال ينفقونه على مصالحها، فيستسلفون على الغلة ما يحتاجون إليه ويتفقون به.

وكذلك أرباب النقود يرتفقون بالرخص والنقصان من السعر فَجُوِّز لذلك، وإن كان فيه غرر؛ كعقد الإجارة على المنافع المعدومة.

قال: السلم صنف من البيع؛ لأن الرواةلما رووا قوله صلى الله عليه وسلم "لَا يَحِلُّ بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ" خافوا من التعلق بعمومه في منع السلم فألحقوا به أنه صلى الله عيه وسلم أرخص في السلم؛ لما ذكرناه فلو لم يكن السلم صنفاً من البيع لما احتاجوا إلى ذلك.

قال: وينعقد بجميع ألفاظ البيع: لأنه بيع، وإن اختص باسمٍ وحكمٍ كالصرف، وهذا ما صححه ابن الصباغ.

وفي الحاوي: أن من أصحابنا من قال: لا ينعقد بلفظ البيع سلماً، بل بيعاً حتى لا يشترط فيه قبض رأس المال؛ لأنه في العرف وغيره، وعزاه القاضي أبو الطب إلى أبي إسحاق، وهو الأصح.

وفي التهذيب ويجوز تفريعاً عليه شرط الخيار في هذا العقد.

وهل يجوز الاعتياض عن المبيع قبل قبضه؟ فيه طريقان:

ص: 322

أحدهما: أنه فيه قولين كما في الثمن.

والثاني: القطع بأنه لا يجوز، حكاهما الإمام.

وقيل: لا ينعقد بيعاً [أيضاً]، رواه ابن التلمسان في شرحه.

قال: وينعقد بلفظ السلم؛ لأنه اسمه الخاص.

قال: ويثبت فيه خيار المجلس؛ لعموم الأخبار، ولا يثبت فيه خيار الشرط؛ [لأنه عقد من شرطه القبض في المجلس، فلم يثبت فهي خيار الشرط؛] كالصرف؛ ولأن الخيار تأجيل لنقل الملك، أو للزومه، والسلم وإن قبل التأجيل في جهة المسلم فيه فلا يتصور ذلك في رأس المال؛ إذ إقباضه في المجلس شرط العقد كما سنذكره، فلو قدر ثبوت الخيار لتضمن التأجيل في العوضين؛ إذ لا يتصور بيع جائز في أحد العوضين دون الثاني.

واعلم ان الشيخ استغنى بما ذكره من كون السلم صنفاً من البيع عن بيان أهلية المتعاقدين، وقد سبق ما يغني عن إعادته، ونحتاج هنا إلى ذكر فرعين.

أحدهما: الكافر هل يصح إسلامه في العبد المسلم؟

حكى الماوردي فيه طريقين:

أحدهما: القطع بالصحة، وصححها.

والثانية: تخريجه على القولين في البيع.

وقال: هذه ليست بصحيحة؛ لأن البيع إنما بطل لاستقرار يده على مسلم، وليس في السلم استقرار يد له [عليه].

وإذا قلنا بالصحة، ففيه وجهان:

أحدهما: لا اعتراض عليه حتى يقبضه.

والثاني: أنه يمنع من استدامة العقد، ويؤخذ بفسخه.

الثاني: إذا أسلم إلى مكاتب عقيب العقد هل يصح؟ فيه وجهان محكيان في الوسيط في "الكتابة".

ووجه الجواز: أنه يملك رأس المال.

ص: 323

قال: "ومن شرطهأن يسلم رأس المال في المجلس".

شرع الشيخ – رضي الله عنه – من هاهنا في بيان الشرائط المختصة بالسلم، وقد عدها الإمام سبعة، اثنان في رأس المال: أن يسلم في المجلس، وأن يكون موصوفاً معلوم القدر وإن كان معيناً على قول، وخمسة في المسلم فيه: أن يكون ديناً، وموصوفاً بالصفات التي تختلف بها الأثمان والأغراض.

ومعلوم القدر إن كان مما يقدر، وعام الوجود عند المحل، وتعيين مكان التسليم لى قول، وعدها القاضي أبو الطيب ثمانية، وهي متداخلة وتأتي في الباب متفرقة، وننبه عليها – إن شاء الله تعالى.

فالأول: تسليم رأس المال في المجلس، ودليل اعتباره قوله صلى الله عليه وسلم "مَنْ أَسْلَفَ، فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ" فأمر بسلف المكيل فيه، وذلك يقتضي التعجيل؛ لأن اسم السلف مشتق من التقديم كما ذكرناه.

وكذلك اسم السلم مشتق من إسلام المال وهو تعجيله، وأسماء العقود المشتقة من المعاني لابد من تحقق تلك المعاني فيها، وتوفير مقتضياتها عليها، وإلا لسلب معنى الاسم.

ولأن في السلم غرراً، فلو جاز فيه تأخير رأس المال لازداد الغرر وزيادة الغرر في البيع [تبطله]؛ ولأن رأس المال إذا تأخر مع تأخر المسلم فيه صار ديناً بدين، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الكالئ بالكالئ [كما رواه

ص: 324

الدارقطني عن ابن عمر] وهو بيع الدين بالدين.

[يقال: نكلأه كلأة، أي نسأت نسيئة، كما حكاه أبو الطيب]، فلو لم سلم بطل العقد.

ولو سلم البعض فثلاثة أوجه:

أحدها: ينفسخ العقد في الجميع، وهو قول البصريين.

والثاني: أنه ينفسخ منه ما يقابل ما لم يقبض، ويصح في مقابل ما قبض وهذا قول البغداديين، ولا خيار في هذا التفريق.

والثالث: أنه ينفسخ في مقابل ما لم يقبض، وفي الباقي قولاً تفريق الصفقة وهذا ما حكاه القاضي الحسين وهو عنده من تفريق الصفقة في الابتداء، وقد حكاه ابن الصباغ في باب تفريق الصفقة في الدوام، وجعله الإمام رتبة ثالثة بين الابتداء والدوام.

وفي الحاوي علىهذا القول يثبت الخيار للمُسْلَم إليه دون المسلم.

ثم التسليم المشترط يعتبر فيه أني كون حقيقيًّا، إذا أمكن، فلوأحال به المسلم لم يصح وإن قلنا: إن الحوالة استيفاء، وكذا لو قبضه المسلم إليه من المحال عليه في المجلس كما صرح به القاضي الحسين في التعليق.

وقياس ما ذكرناه في الصرف أن يصح فيما إذا قبض في المجلس، وقلنا: إنها استيفاء.

[مسألة]

ولو كان راس المال عبداً فأعتقه [قبل القبض في المجلس].

قال القاضي أيضاً: ذلك ينبني على أن الملك في زمن الخيار لمن؟

إن قلنا: للبائع فلا ينفذ [عتقه].

ص: 325

وإن قلنا: للمشتري، ففي بيع العين هو نافذ، وفي السمل يمكن أن يقال: لا ويمكن أن يقال: نعم. ويصير قابضاً ويلزم العقد.

وحكى الرافعي هذين الاحتمالين وجهين.

أما إذا لم يمكن فيه القبض الحقيقي كما إذا كان رأس المال منفعة دار مدة معلومة فيكفي فيه تسليم الدار قبل التفرق إذ هو الممكن.

ولو أودع المسلم إليه المسلم رأس المال في المجلس بعد قبضه لم يضر، ولو وفاه له من [دين له عليه].

قال الروياني: لا يصح الإيفاء، ويصح السلم بعد التفرق على رأي بعض الأصحاب.

فرع: هل ينوب تسليم المسلم فيه في المجلس إذا اكن حالاً مناب تسليم رأس المال؟

[فيه] وجهان: [في التتمة] والأظهر المنع.

قال: فإن كان في الذمة بين صفته وقدره.

[أي] كما في المسلم فيه إذ به يحصل التعريف، وهذا إذا لم يكن من نقد البلد [أما إذا] كان كفى معرفة القدر قاله أبو الطيب [وهذا ما حكاه الزبيلي، في أدب القضاء عن ابن أبي هريرة سواء كان السلم حالاً، أو مؤجلاً.

وحكى عن أبي إسحاق أنه لابد من الوصف سواء كان حالاً أو مؤجلاً، وعن ابن سريج: أنه لا يعتبر في الحال، ويعتبر في المؤجل].

وذهب أبو العباس بن صالح البصري من أصحابنا وطائفة [من البصريين] إلى أن رأس المال إذا كان في الذمة كان [السلم] باطلاً؛ لأنه يصير كلا

ص: 326

البدلين موصوفاً وذلك غير جائز، والأول عليه جمهور أصحابنا البغداديين.

قال: وإن كان معيناً. أي: مشاهداص مثل إن قال: أسلمت إليك هذا في كذا من الحنطة ووصفها؛ لم يفتقر إلى ذكر صفته وقدره في أصح القولين، لقوله صلى الله عليه وسلم "مَنْ أَسْلَفَ، فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ" ولم يأمر بذلك في رأس المال، فدل على أنه ليس من شرطه أن يكون معلوم الوزن والكيل؛ ولأنه عوض في عقد فوجب أن يغني مشاهدته عن ضبط أوصافه ومعرفة مقداره كما في بيوع الأعيان.

والقول الثاني: وهو اختيار أبي إسحاق في الشرح: أنه يفتقر؛ لأنه أحد عوضي السلم، فوجب ضبطه بصفاته؛ كالمسلم فهي.

وأيضاً: فإن السلم لا يتم في الحال، وإنما هو عقد منتظر تمامه بتسليم المسلم فيه، وربما ينقطع ويكون رأس المال تالفاً فلا يدري إلى ماذا يرجع به، وعلى هذا قال القاضي أبو الطيب غيره: لا يجوز أن يكون رأس المال إلا ما يجوز السلم فيه، وعلى الأول، لا يشترط ذلك.

وقال الإمام: ليس هذا على الإطلاق، بل الدرة الثمينة إذا عرفا قيمتها وبالغا في وصفها، وجب أن تجوز أن تجعل رأس المال؛ لأن منع السلم فيها مع الإطناب في الوصف سببه عزة الوجود، ولا معنى لاشتراط عموم الوجود في رأس المال، ومحل القولين في الأصل في ذوات الأمثال.

أما إذا كان رأس المال متقوماً موصوفاً وضبط صفاته بالمعاينة، ففي اشتراط معرفة قيمته طريقان:

منهم من طرد القولين أيضاً، والأكثرون قطعوا بصحة السلم، ولا فرق في جريان القولين بين السلم المؤجل والحال.

ومنهم من خصهما بالمؤجل وقطع في الحال: بأن المعاينة كافية كما في البيع.

وفي كتاب ابن كج حكاية طريفة قاطعة في المؤجل بالمنع.

ثم هذا الخلاف فيما إذا تفرقاقبل العلم بما شرطناه، أما إذا علما ذلك قبل التفرق

ص: 327

فلا خلاف في الصحة، صرح به الرافعي، وعلى الصحيح لو انفسخ السلم وتعذر الروع إلى رأس المال واختلفا في قدره؛ فالقول قول المسلم إليه، وهذا هو الشرط الثاني في رأس المال.

فرع: لو أسلم جارية صغيرة في كبيرة.

فعن أبي إسحاق: أنه لا يجوز؛ لأنها قد تكبر وهي بالصفة المشروطة فيسلمها بعد أن يطأها، فيكون في معنى استقراض الجواري، والصحيح الجواز، كإسلام صغار الإبل في كبارها، وهل يمكن من تسليمها عما عليه؟ فيه وجهان، وهما يجريان على ما حكاه الشاشي فيما إذا كان رأس المال بصفة المسلم فيه فدفعه إليه عنه.

قال: ولا يصح السلم إلا في مال يضبط بالصفة، كالأثمان والحبوب والأدقة والمائعات، والحيوان، والرقيق، واللحوم، والبقول، والأشعار، والأصواف اولقطن، وافبريسم، والثياب، والرصاص، والنحاس، والحديد، والأحجار، والأخشاب، والعطر، والأدوية وغير ذلك مما يضبط بالصفات أي: كالثمار، والبلور، والفخار، والآجر، واللبن، ونحو ذلك، أما كونه لا يصح فيما لا يضبط بالصفة؛ فلأن البيع لا يحتمل جهالة المعقود عليه وهو عين؛ فلأأن لا يحتملها السلم وهو دين كان أولى.

وأما صحته فيما يضبط بالصفة في الأشياء التي ذكرها؛ فلأن المكيل منها والموزون دل عليه الحديث المشهور.

وأما الحيوان: فالدليل عليه ما روى أنه عليه السلام أمر عبد الله بن عمرو بن العاص أن يبتاع البعير بالبعيرين والأبعرة إلىخروج المصدق، وقد أجمع الصحابة عليه.

روى أن علي بن أبي طالب باع جملاً يدعى عصيفيراً بعشرين بعيراً إلى أجل، وأن عمر اشترى راحلة بأربعة أبعرة يوفيها صاحبها بالربذة.

وروي أن عبد الله بن عمر سئل عن السلم في الوصائف، فقال: لا بأس به.

ص: 328

وإذا ثبت في هذه الأشياء بالنص مع أن الحيوان يعز ضبطه، كان ما عداه مما لا يعز ضبطه منطريق الأولى.

ومحل جواز السلم في الأثمان إذا كان رأس المال غيرهما، مثل الثياب، والدواب ونحو ذلك.

أما إذا أسلم الدراهم في الدراهم، أو الدنانير في الدنانير أطلق القاضي أبو الطيب الحكاية عن الأصحاب بأن ذلك لاي صح.

وقال: قلت أنا: إن أسلم ذلك مطلقاً كان حالاً، فإن تقابضا في المجلس جاز عندي، ومن أصحابنا من قال: لا يجوز؛ لأن في السلم لا يستحق قبض العوضين، وفي الصرف يستحق ذلك، وهذا ما حكاه الماوردي، وأطلق الغزالي حكاية وجه أنه لا يجوز السلم فيها، وحكاه الإمام فيما إذا كان رأس المال ربويًّا أو غيره.

وعلى الأول، هل يكفي [إطلاق اسم الدراهم] إذا كانت غالبة في بلد [التعامل] أم لابد من وصفها؟ حكى افمام في أول "كتاب القاضي إلى القاضي"[فيه] وجهين، و [قد] حكى عن الداركي: أنه منع السلم في الدقيق.

وفي المهذب: أن السلم في الطيور لايجوز؛ لأن سنها لا يعرف، ولا يضبط قدرها بالزرع، وهو المحكي في البويطي.

قال البندنيجي: وما علمت أحداً من أصحابنا حكى هذا عنه بعد أن حكى أن السلم في كل حيوان جاز بيعه، جائز في القديم والجديد، وقد صرح المراوزة بجواز السلم فيها.

وفي الرافعي: أن السلم في العلس، والأرز لا يجوز لاستتارهما في الكمام، وفي الحاوي: في البقول تفصيل: وهو أن منها ما المقصود منه شيئان كالفجل والخَسِّ فإن اللب منها مقصود، والورق مقصود فالسلم فيها باطل، ومنها ما المقصو منه شيء واحد، ولكن يتصل به ما ليس بمقصود، كالجزر، والسلجم فإن ما عليهما من

ص: 329

الورق غير مقصود فلا يجوز السلم يها إلا بعد قطع ورقه، ومنها ما المقصود منه واحد ولا يتصل به غيره فيجوز السلم يه وزناً؛ كالبقل، وأما الباذنجان بأقماعه يحتمل ألا يجوز السلم فيه إلا بعد قطع أقماعه؛ ويحتمل أن يجوز السلمفيه بأقماعه، وقصب السكر لا بأس بالسلم يه إذا شرط قطع أعلاه الذي لا حلاوة فيه، وهل يشترط قطع مجامع العروق من أسفله؟ فيه خلاف بين أصحابنا، اختيار المزني أنه يشترط كالأعلى، كذا قال الماوردي، ولا يجوز السلم فيه إلا وزناً.

واعلم أن الشرط الثالث: وهو أن يكون المسلم فيه دينا، يؤخذ من كلام الشيخ هاهنا فإنه لو جاز في العين لما افتقر إلى ذلك؛ كالبيع، نعم لو قال: أسلمت إليك هذه الدراهم في ثوبك هذا لا ينعقد سلماً؛ لما ذكرناه، وهل ينعقد بيعاً؟ فهي وجهان، حكاهما القاضي الحسين غيره ومأخذهما أن النظر إلى اللفظ أو إلى المعنى إن نظرنا إلى اللفظ أبطلنا وإن نظرنا إلى المعنى صححنا، قال الإمام: وهذا أصل طرده القاضي.

قال: ولا يجوز حتى يضبط بالصفات التي [تختلف] بها الأغراض عند أهل الخبرة.

أي: مما لا يفضي إلى عزة الوجود؛ إذ بذلك يحصل التميز المسوغ للمطالبة وينتفي الغرر وتنقطع المنازعة، ويقوم مقام الوصف وصف ثوب ثم يسلم في آخر بصفته، وكذا قوله: أسلمت إليك في ثوب كهذا الثوب، أو في مائة صاع من الحنطة كهذه الحنطة عند صاحب التهذيب، والأصح عند الغزالي في الوسيط على ما حكاه عند الكلام في بيع الحنطة أنه لا يقوم مقامه، وذلك ما صرح به العراقيون كما هو مقتضى كلام الشيخ، ويشترط مع الوصف أن يعرف المتعاقدان الصفات المذكورة، فلو جهلها أحدهما لم يصح، ولو ذكرا أوصافاً علماها دون غيرهما لم يصح على المنصوص.

وفي الرافعي: حكاية وجه فيه، ويشبه أن يكون منسوباً إلى القفال. فإن الفوراني

ص: 330

حكى [عنه] أنه قال: إنما قال ذلك – يعني الشافعي – على سبيل الاحتياط ولا نزاع في الصحة إذا علم الأوصاف أهل الاستفاضة، ولو لم يعلمها إلا عدلان فوجهان.

أظهرهما: الصحة، ويجري الوجهان فيما لو لم يعرف المكيال الذي عيناه إلا عدلان، وكل صفة اشترطت فهي منزلة على أقل الدرجات، حتى إذا أُتي بما يقع عليه اسم الوصف المشروط كفى، وهل يشترط مع ذكر الأوصاف المقصودة ذكر الجودة أو الراءة؟ فيه وجهان.

مختار العراقيين، والقاضي الحسين منهما الاشتراط وهو ظاهر النص، والأظهر عند الرافعي، والغزالي مقابله، وادعى الإما اتفاق الأئمة عليه.

وقد جرت عادة الأئمة ببيان ماي جب ذكره من الشرائط في المسلم فيه واستيعابها في جميع الأشياء أو أكثرها بطول فلنقتصر منها على ذكر ما يتيسر: فالحبوب يحتاج فيها إلى ذك رالجنس فيقول: قمح، أو شعير، وهذا ليس من الصفات، فإن الجنس أصل الشيء وأصل الشيء لا يكون صفة له، كما صرح به البندنيجي، ولكنه من جملة الشرائط، ولم يتعرض له الشيخ فاحتجنا إلى ذكره مع أنه لا يتصور ذكر الصفات بدونه، ولذلك لم يذكره الشيخ.

والنوع: مثل الصعيدي، والبحري، واللون من البياض، والحمرة، والسمرة، والقدر؛ كصغر الحبة أو كبرها، أو توسطها، والضخامة والرقة؛ لأن الرقيق أقل دققاً، وهل هي مسقية أو غير مسقية، وهل هي جديدة أو عتيقة على النص.

وفي الوسيط: أنه لا يجب التعرض للجدة والعتق، ولا يشترط عليه تقدير ما مضى من المدة.

وفي تعليق القاضي الحسين: أنه يصف ذلك بحصاد عام مسمى إن كان في البلد من يميز بينهما، فإن لم يكن لم يجز.

وحكم التمر حكم الحبوب، ومن أصحابنا من قال يحتاج فيه أن يذكر أنه عتيق عام أو عامين، وهو قول البصريين، ويحتاج فيه إذا اختلف جنسه في البُلْدَانِ [أن]

ص: 331

يذكر البلد مثل البرني، فإن برني بغداد إذا أحلى؛ لعذوبة أرضها، وبرني البصرة أنقى؛ لملوحة أرضها ومائها نص عليه في الأم، وذلك يعضد قول تعيين النوع إذا اختلف في الإبل كما سنذكره، وحكم الرطب حكم التمر إلا في اشتراط العتق والحداثة فإنه لا يكون إلا حديثاً، واعتبر الغزالي فيه ذكر [الحداثة والعتق].

فرع: لو أسلم في تمر منزوع النوى هل يصح؟ فيه وجهان في الحاوي، وإذا صححناه يكون المعتبر فيه الوزن؛ لأنه يتجافى في المكيال.

والدقيق يذكر فيه ما يذكر في القمح؛ لأنه يتجافى في المكيال.

والدقيق يذكر فيه ما يذكر في القمح، ويزيد عليه ثلاثة أشياء:

ذكر ما يطحن به من رحى الدولاب، أو الماء.

والثاني: خشونة الطحن ونعومته.

والثالث: قرب زمان الطحن وبعده؛ فإنه قد يبعد زمانه في الطحن، قاله الماوردي.

والعسل يذكر بلده كما قال الماوردي، والناحية من البلد، وأنه جبلي، أو بلدي صيفي، أو خريفي، والجبلي والخريفي أجود، وأنه أبيض، أو أصفر، ويبين المرعي ولا حاجة لى ذكر الحداثة والعتق، قاله الرافعي.

وحكى الماوردي: أنه يجب ذكر الحداثة والعتق ويقبل ما رق منه بسبب الحر دون ما رق لعيب فيه، [وله أن يمنع من قبض المصفى بالنار فإنه تعيب] قاله أبو الطيب وغيره، وفي النهاية: أن ذلك فيما إذا أثرت النار في انعقاد أجزائه، أما إذا كانت لينة فهو كالمصفى بالشمس.

وفي التتمة: أن المصفى بالنار لا يصح السلم فيه.

والحيوان يحتاج يه إلى ذكر الجنس: إبل، أو بقر، أو غنم، والنوع كنعم بني فلان إذا كثر عددهم وعرفت بهم كبني قيس، وأما بالنسبة إلى طائفة القبيلة فهو

ص: 332

كتعيين البستان في الثمار، ولو اختلفت نَعَمُ بني فلان إلى عِرَابٍ ومَهْرِبَّة وبَخْتِيَّةِ فلابد من تعيين ذلك على أصح القولين، و [أما] ما لا يبين نوعه من الحيوانات بالإضافة إلى قوم يبين بالإضافة إلى بلد وغير بلد، ويجب ذكر الذكورة والأنوثة، والسن، واللون، والطيور إذاجوزنا السلم فيها، كما يقتضيه إطلاق الشيخ يذكر فيها النوع، والصغر، والكبر من حيث الجثة، ولا يكاد يعرف سنها فإن عرف وصفه.

فرع: لو شرط كون الشاة لبوناً؛ ففي الأم حكاية قولين، أحدهما: لا يصح، والثاني: يصح، وتسلم إليه الشاة بعد حلبها، والرقيق يحتاج فيه إلى ذكر النوع، فيقول: تركي، أو رومي، وهل يجب التعرض لصنف النوع إن كان فيه اختلاف؟ فيه القولان، واللون إذا اختلف لون الصنف فإن لم يقع فيه اختلاف، كالزنج فلا يشترط ذكره، والذكورة والأنوثة والسن فيقول: محتلم، أو ابن سبع، وهو مجري على التقريب، حتى لو شرط أنه ابن سبع بلا زيادة ولا نقصان لم يصح، والرجوع في الاحتلام إلى قول العبد وفيما دونه إن كان مولداً فإلى قول من ولد عنه، وإن لم يكن، ونشأ في بلاد الكفر فالمعتبر فيه ظنون النخاسين، وأهل الخبرة بالرقيق، والقد؛ فيبين أنه طويل أو قصير، أو ربع. صرح به العراقيون.

وفي النهاية حكاية عنهم: أنه لا يعتبر، وشدد النكير عليهم فيه.

وعن البندنيجي: أن الصغر يقال فيه: رباعي، أو خماسي، ومعناه أربعة أشبار، أو خمسة، أما الرجل فلا يحتاج أن يذكر فيه الطول بالأشبار. وسكت عن اعتبار شيء آخر، وفي الحاوي أنه لابد من ذكر حال بدنه، فيقول: سميناً أو دقيقاً، وفي اعتبار شرط الكحل والدعج وتكلثم الوجه، وسمن الجارية وما أشبه ذلك وجهان.

قول الشيخ أبي محمد منهما: الاشتراط، والأظهر أنه لا يشترط، وهو مذهب العراقيين صرح به القاضي أبو الطيب، وقاس عليه الجعودة والسبوطة.

وفي اشتراط ذكر الملاحة تردد للقفال بناءاً على أنها من جملة المعاني، والمرجع فيها إلى ما يميل إليه الطبع، ولا يجب ذكر الثيوبة، والبكارة على الأصح.

وعن الصيمري: أنه يجب، وبه أجاب في المهذب، والحاوي، وهو الأولى، وفي

ص: 333

حلية الشاشي: أن من أصحابنا من قال إن كان الثمن يختلف به، وجب ذكره.

فروع:

لو أسلم في جارية مغنية – نظر: إن كان غناءً مباحاً، وهو بغير آلة الملاهي جاز، وإن كان غناءً محرماً بآلة الملاهي من مزمار، أو عود؛ ففي الحاوي حكاية وجهين في صحة السلم، وأصحهما: أنه لا يصح.

ولو أسلم في عبد شاعر لم يجز؛ لأن الشعر طبع لا يمكن تكليفه ولا فعله، فيبعد أن يكون العب بالأوصاف المذكورة مطبوعاً على قول الشعر بخلاف سائر الصنائع، ولو أسلم في أمة سارقة، أو عبد زان، ففيه وجهان في الحاوي.

واللحوم: يشترط فيها ذكر الجنس، فيقول: لحم إبل، أو بقر، أو غنم، والنوع؛ مثل لحم بختي، أو عِرابي، كما حكاه العمراني، أو جواميس، أو بقر أهلي، أو وحشي، أو ضأن أو ماعز، والذكورة والأنوثة، وإذا بين الذكر فليبين أنه خصي، أو غير خصي، وذلك لا يعتبر في الوحشي، والسن فيقول صغير، أو كبير، ومن الصغير مرضع، أو فطيم ومن الكبير جَذَع أو ثنيِّ، والمأكول فيقول راعية، أو معلوفة، ويبين مايأكله، والراعية في الإبل أطيب قاله مجلي والمعتبر من العلف ما يؤثر في اللحم، وهذا الشرط لا يجيء في لحم الصيد؛ إذ لا تكون إلا راعية، والمحل فيقول: من الكتف، أو من الفخذ، أوا لجنب.

والسمن والهزال، وفي الوسيط أن شرط الهزال لا يجوز؛ لأنه عيب لا ينضبط، قال مجلي: قال بعض أصحابنا: إنما كره الشافعي الأعجف؛ لأنه هزال مع داء ومرض، فلا يمكن ضبطه والذي عليه عامة الأصحاب ما ذكرناه أولاً، وإنما الممنوع أن يشترط الأعجف.

وإذا أطلق السلم فيه وجب قبول ما فيه من العظم على العادة، وإن شرط نزع العظم جاز، ويشترط في لحم الصيد أن يقول: لحم صيد صيد بأحبولة، أو سهم، أو بجارحة ويبني أنها كلب، أو فهد؛ لأن صيد الكلب أطيب لطيب نكهته، وفي لحم الطير والسمك يبين السن والنوع والصغر والكبر من حيث الجثة، ولا حاجة إلى

ص: 334

ذكر الذكورة والأنوثة إلا إذا أمكن وتعلق به غرض، ولا يلزم قبول الرأس [أو] الرجل من الطير والرأٍ اولذنب من السمك [وكان بعض أصحابنا البصريين يقول ما كان من الطير صغيراً، لا يحتمل أن يباع مبعضاً لزمه يه أخذ الرأس والرجلين، وكذا ما كان من الحيتان صغيراً يلزم فيه أخذ الرأس والذنب لأنه يؤكل معه ويطبخ والمذهب الأول.

وأما أخذ الجلد مع اللحم فإن كان لحم إبل، أو بقر، أو غنم لم يلزمه أخذه، وإن كانلحم طير، أو حوت لزمه؛ لأنه مأكول معه ولا يكاد ينفصل عنه، وكذا الحكم في السلم في الجدا الصغار يلزمه قبول الجلد].

واللبن يحتاج فيه إلى ذكر ما يذكر في اللحم إلا الثالث، وهو الأنوثة، والسادس وهو المحل، ويعتبر نوع العلف ولا حاجة إلى ذكر اللون، ولا إلى ذكر الحلاوة، بل لو أسلم في اللبن الحامض لم يجز؛ لأن الحموضة عيب، ولذا لا يشترط إلى ذكر أنه حليب يومه أو أمسه كما صرح به البندنيجي، فإذا أتاه بحليب أمسه ولم يتغيروجب قبوله، وسيأتي كلام الماوردي بما يخالفه.

والسمن: يذكر فيه ما يذكر في اللبن، ويحتاج إلى التعرض إلى أنه أصفر، أو أبيض، ولا يحتاج إلى ذكر العتق والحداثة عند الشيخ أبي حامد؛ لأن العتيق معيب لايصح السلم فيه.

قال القاضي أبو الطيب: العتيق المتغير هو المعيب، لا كل عتيق فيجب البيان.

ص: 335

والزبد: يذكر فيه ما يذكر في اللبن والسمن، ويذكر أنه زبد يومه أو أمسه.

والجبن: يذكر فيه ما يذكر في اللبن أيضاً، ويحتاج إلى وصفين: البلد الذي فيه الجبن، وأنه رطب أو يابس كذا. قال العمراني وفي الحاوي: يقيد الأول بما إذا كان الجبن يابساً، وأنه إذا ذكر الرطب احتاج إلى أن يقول جبن يومه كما يذكر ذلك في الزبد واللبن.

والصوف: يجب فيه ذكر بلده ولونه وطوله وقصره وأنه ربيعي أو خريفي، والخريفي أصلح، وأنه من ذكر أو أنثى، وصوف الإناث أشد نعومة ولا يقبل إلا نقيَّا من الشوك والبعر، وإن شرط أن يكون مغسولاً جاز وإلا أن يعيبه الغسل والوبر والشعر؛ كالصوف.

والقطن يجب فيه ذكر البلد واللون، وكثرة لحمه وقلته، والخشونة والنعومة، والعتق، والحداثة إن اختلف الغرض بذلك.

وزاد الماوردي ذكر أنه لقط رطباً أو يابساً، فإن ما لقط رطباً أنعم وأضعف، وما لقط يابساً أقوى وأخشن، ويذكر طول شعرته وقصرهان ووقت لقاطه من حر أو برد، فإنه يختلف به لا سيما بالبصرة، وإن كان لايختلف في بلد فلا حاجة إليه، والمطلق يحمل على الجاف، وما فيه من الحب، ويجوز السلم في الحليج وحب القطن، ولا يجوز في القطن في الجوز قبل التشقق، وأما بعده ففي التهذيب: أنه يجوز.

وقال في التتمة: ظاهر المذهب أنه لا يجوز، وهو ما أطلقه العراقيون حكاة عن النص.

والإبريسم: يذكر فيه البلد، واللون، والدقة، والغلظ، ولا حاجة إلى ذكر النعومة والخشونة، ولا يجوز السلم في القز وفيه الدود حيًّا أو ميتاً، ويجوز السلم فيه بعد

ص: 336

إخراج الدود منه، وإن كان لا يمكن سله ولا يدور في القدر بسبب قطع طاقِهِ؛ لأنه يطبخ ويغزل ويعمل منه ثياب القز، قاله أبو الطيب.

وإن أسلم في الغزل ذكر فيه ما يذكر في القطن، ويذكر الدقة والغلظ، ويجزو شرط كونه مصبوغاً، ولابد من بيان الصبغ.

والثياب: يجب فيها بيان الجنس إما من إبريسم، أو كتان، أو قطن، والنو والبلد الذي ينسج فيه، إن اختلف به الغرض والغلظ [والرقة،] والصفاقة، والدقة، والنعومة، والخشونة، ويجوز في المقصور، والمطلق محمول على الخام.

وفي تعليق القاضي أبي الطيب حكاية عن النص: أنه إذا لم يذكر شيئاً أعطاه ما شاء، ويجوز السلم في القميص والسراويلات، إذا ضبط طولها وعرضها وضيقها وسعتها.

فرع: لو أسلم في ثوب وشرط فيه وزْناً معلوماً ففيه وجهان:

أحدهما: وهو اختيار الشيخ أبي حامد: أنه لا يصح. حكاه في الحلية، واختيار القاضي أبي الطيب، في تعليقه: الصحة، وفصل الماوردي، فقال: إن أمكن نسجه بذلك الطول والعرض والوزن جاز، وكان أولى، وإن كان ذلك يتعذر على صناعه لم يجز.

والرصاص: [بفتح الراء] يذكر نوعه من قلعي، وغيره ويصفه بالنعومة أو الخشونة واللون إن كان يختلف.

والنحاس: بضم النون يذكر فيه نوعه من مرسي أو غيره ولونه، وخشونته، ولينه.

والحديد: يذكر فيه النوع، وأنه ذكر أو أنثى، والذكر منه على ما قاله القاضي الحسين الفولاذ، والأنثى اللين الذي يتخذ منه الكوافي، يوذكر لونه وخشونته، ولينه.

والأحجار: مثل حجارة الأرحية.

والأبنية: يذكر فيها النوع، واللون، والطول، والعرض، والطريق في معرفة دور عرضها أن يتخذ خيطاً فيخاط به ثم يذرع الخيط ويذكر الوزن، فإن كان لا يتأتى بالقبان وضع في شقتيه [شيء موزون] ويعلم على القدر الذي انتهى إليه الماء، ثم

ص: 337

يخرج منها ويوضع فيها الحجارة إلى أن ينتهي الماء إلى ذلك الموضع، وكذلك الحكم في الخشب الكبير إذا أسلم فيه، قاله القاضي الحسين، وأبو الطيب.

قال: إن ذكر الوزن في حجارة الأرحية جاز، وإن لم يذكره جاز، والحجارة الصغار التي تصلح للحشو لا يجوز السلم فيها إلا وزناً، وينسبها إلى الصلابة، وإذا ذكرها لا يلزمه أن يقول كذانا، وكذا حجارة الأبنية تحتاج إلى ذكر الوزن.

والأخشاب أنواع، فالحطب يذكر فيه مع النوع الغلظ والرقة، وأنه من نفس الشجر، أو من أغصانه، ولا يجب التعرض للرطوبة والجفاف، والمطلق محمول على الجاف، والذي يطلب للبناية يذكر فيه النوع، والطول، والغلظ، والرقة ومنهم من اعتبر التعرض للون، ولا حاجة إلى ذكر الوزن خلافاً للشيخ أبي محمد، ولو ذكره جاز، ولا يجوز السلم في المخروط منه؛ لاختلاف الأعلى والأسفل.

قال القاضي أبو الطيب:

ويلزمه أن يسلمه إليه بالصفة المذكورة منا لطرف إلى الطرف، فإن كان أحد طرفيه أغلظ مما شرط أجبر على قبوله، والذي يطلب للقسي، والسهام يذكر فيه النوع، والدقة، والغلظ، ورأى بعضهم التعرض لكونه سهليًّا، أو جبليًّا؛ لأن الجبلي أصلح لها، والله أعلم. ويذكر الرطب واليابس، والمقدار بالوزن، ولا يجوز أن يسلف فيه جزافاً، ولا عدداً قاله أبو الطيب.

والعطر: مثل المسك، والعنبر، والكافور، يذكر فيه النوع فيقول: عنبر أشهب، أوأبيض، أو أخضر، أو قطع، أو فتات.

قال الشافعي: [العنبر:] أخبرني عدد ممن أثق به أنه نبات يخلقه الله تعالى بحافات البحر.

قال: [ولو شرط فيها] الأجود لم يصح.

لأن أقصاه غير معلوم فكأنه شرط شيئاً مجهولاً.

وأيضاً فإنه ما من شيء يأتي به إلا والمسلم يطالبه بأجود منه تمسكاً باللفظ،

ص: 338

فيدوم النزاع بينهام.

فإن قيل: مدلول لفظ الأجود إن كان واحداً ينبغي أن ينزل العقد عليه ولا منازعة ولا جهالة وإن كان متعدداً يقع على كثيرين، فينبغي أن ينزل العقد على أول درجات الأجودكما قلتم في سائر الصفات.

قلنا: قد قال بعض أصحابنا بصحة العقد [تخريجاً]، على ما حكاه الشيخ أبو حامد، وعلى المذهب، فنقول المدلول واحد لكن بالنسبة إلى شيء آخر غير معين؛ فلذلك امتنع تنزيل العقد عليه.

قال: وإن [أسلم في] الأردأ فعلى قولين:

أحدهما: وهو المنصوص في المختصر أنه لا يصح؛ لما ذكرناه من عدم الوقوف على أقصاه.

وأصحهما: الجواز؛ لأنه إذا أتى برديء لم يطالبه المسلم بما هو أردأ منه، وإن طالبه به كان معانداً فيمنع منه ويجبر على قبول ذلك]، وقدتقدم أن شرط الجودة والرداءة معتبر عند العراقيين، وادعى القاضي أبو الطيب أن المذهب ال يختلف في جواز اشتراط ذلك.

والمراد بالرداءة: ثَمَّ رداءة النوع والصفة؛ لا رداءة العيب؛ لأنها لا تنضبط وألحق المراوزة بها رداءة الصفة أيضاً من حيث إنه ما من رديء إلا وهناك ما هو خير منه، وإن كان رديئاً فيفضي إلى النزاع، وسلكوا بذلك مسلك الأجود.

[تنبيه: الأردأ مهموز.

قال أهل اللغة: يقال: رَدُؤَ الشيء بضم الدال يَرْدُؤُ بضمها أيضاً رداءة فهو رديءٌ وأردأ وهو أردأ من غيره، كله مهموزٌ].

قال: وما لا يضبط بالصفة لا يجوز السلم فيه.

للجهل بالمعقود عليه [قال]: "كالجواهر" أي مثل اللؤلؤ الكبير، والياقوت، والبلجين، والزبرجد، والمرجان ورأي الإمام وغيره المنع من ذلك لعزة الوجود،

ص: 339

فإنه لا بد فيه من التعرض للحجم والشكل والوزن والصفاء؛ لعظم تفاوت القيمة باختلاف هذه الأوصاف واجتماع المذكور فيها نادر، وألحق الفوراني بذلك السلم في بطيخة واحدة. [فإنه قلَّما توجد بطيخة واحدة] بالوزن المذكور على الصفة المشروطة.

أما اللؤلؤ الصغير إذا عم وجوده فيجوز السلم فيه وزناً وكيلاً، وقد اختلف الأصحاب في حده، فمنهم منق ال: ما يطلب للتداوي فهو صغير، وما يطلب للتزين فهو كبير.

وعن الشيخ أبي محمد: أن ما وزنه سدس دينار يجوز السلم فيه، وإن كاني طلب للتزين؛ لعموم وجوده.

قال الرافعي: والوجه أن يكون اعتبار السدس بالتقريب.

والبَلُّور: قال الاموردي: لا بأس بالسلم فيه؛ لأن صفته مضبوطة بخلاف العقيق؛ فإن الحجر الواحد منه يختلف.

قال: والحيوان الحامل؛ لأن وجود الحمل مع ما ذكرناه من الصفات يعز وجوده.

وقيل: هذا إذا قلنا إن الحمل يقابله قسط من الثمن، وهو الصحيح؛ لأنه لا يمكن وصف ما في البطن فيمتنع السلم فيه كذلك، وهو الذي يقتضيه كلام الشيخ.

أما إذا قلنا: لا يقابله [قسط] جاز السلم فيه، وههذ طريقة أبي إسحاق وأبي علي الطبري، وابن القطان.

قال: وما دخله النار كالخبز والشواء، أي: وما أشبه ذلك مثل العسل المصفى بالنار، والسكر، والفانيذ، والسمن، واللبأ؛ لأن تأثير النار لا يمكن ضبطه، ولأن الصنعة قد تصلح الفاسد منه، وتفسد الجيد، واختيار القاضي أبي الطيب في اللبأ جواز السلم، وهو وجه حكاه المراوزة في الجميع؛ لأن لتأثير النار في ذلك نهاية مضبوطة، ورجحه الإمام في الخبز، والأكثرون على خلافه فيه؛ لأنه إذا لم يجز السلم في العجين قبل خبزه، وهو أقل جهالة؛ فلان لا يجوز في الخبز مع كثرة جهالته أولى،

ص: 340

ورجح الماوردي هذا الوجه في السكر والفانيذ والقند.

وجزم به في العسل والسمن.

وحكى الإمام طريقة قاطعة بجوازه في السكر والفانيذ.

والشواء ممدود.

وهل يجوز السلم في السويق إذا جوزنا السلم في الدقيق؟ فيه وجهان في الحاوي.

وهل يجوز في الماورد؟ تردد فيه صاحب التقريب.

وحكى الماوردي فيه وجهين، ولا عبرة بتأثير السمن فيجوز في العسل المصفى بها، ويلحق بنوع ما دخله النار ما دخله السوس، او البلل، أو العفن من الطعام.

قال الماوردي: لأن ذلك لا ينضبط.

فائدة: إذا جوزنا السلم في الخبز احتيج فيه إلى ذكر البلد والنوع، وأنه رطب، أو يابس، وإذا جُوِّز في السكر احتيج فيه إلى ذكر الناحية ونوع القصب، واللون، والقوة، اولحداثة، والعتق، والقد.

قال: وما يجمع أجناساً مختلطة أي مقصودة غير مضبوطة، وقد يوجد في أكثر النسخ بدل "مختلطة"، "مختلفة"، والصواب ما ذكرناه، وهو الذي وقفت عليه في نسخة عليها خط المصنف رحمه الله لأن الأجناس، لا تكون إلا مختلفة وقال النواوي: وإنما يحتاج إلى التقييد بمختلطة فإنها قد لا تكون مختلطة.

قال كالقسي: أي العجمية (وهو) بكسر القاف والسين وتشديد الياء، جمع قوس، ويجمع على أقواس وقياس، وكان أصل قسي قووساً.

قال: والنبل المريش، النبل: السهام العربية.

قال أهل اللغة: ولا واحد لها من لفظها، وجمعها: نبال، وأنبال.

قال ابن مكي: من غلط العامة قولهم لواحد النبل نبلة؛ وإنما هو سهم وقدح.

والمريش: بفتح الميم، وكسر الراء، وإسكان الياء، يقال: رشته أريشه ريشاً فهو مريش، كبعته أبيعه بيعاً فهو مبيع، وهو الذي جعل فيه ريش.

قال: والغالية: وهو طيب متخذ من مسك وعنبر خلطا بالدهن.

ص: 341

قال الجوهري: يقال أول من سماها بذلك سليمان بن عبد الملك يقول تغليت بالغالية.

قال: والند وهو بفتح النون، مسك وعنبر وعود خلط بغير دهن.

[قال]: والخفاف وفي معناها النعال، وقد حكى الماوردي عن ابن سريج جواز السلم في الخفاف والنعال.

أما النبل غير المريش إذا لم ينحت فيجوز السلم فيه وزناً.

وقال أبو علي الطبري، إن أمكن ضبط طوله وعرضه جاز السلم فيه عدداً، وإن نحت فلا يجوز السلم فيه أيضاً.

وفي الحاوي حكاية قول في جوازه إذا ضبط نحتها ووصفها، وعزاه إلى نصه في الأم، وصححه، وجعل الحكم في القسي على هذين الحالين، ففي الحالة الأولى لا يصح، وفي الثانية قولان.

والمغازل كالنبال.

اولترياق المخلوط كالغالية والأدهان المطيبة كدهن البنفسج والبان والورد وإن خالطها شيء من الطيب لم يجز السلم فيها، وإن تروح السمسم بها ثم اعتصر جاز.

والشهد في جواز السلم فهي وجهان:

أصحهما: الجواز، ومقابله هو الذي أورده الماوردي، ورواه ابن كج عن النص.

قال: والثوب المصبوغ؛ لأن الصبغ مع ما ذكرناه يمنع من الوقوف على نعومة الثوب وخشونته وإدراك صفته.

وفي الحاوي: أنه يجوز كما لو أسلم في ثوب صبغ غزله ثم نسج، واختاره الشاشي. وهو الأصح عند الإمام، ولم يحك عن شيخه سواه.

قال: فإن أسلم في ثوب صبغ غزله، ثم نسج، او في ثوب قطن سداه إبريسم جاز.

ص: 342

أما في الأولى؛ فلأن لونه يجري مجرى لون الغزل فإنه ينسج على صفته كما ينسج على لون الغزل، ويحتاج في وصف الصبغ بعد وصف الغزل إلى ذكر اللون وما يصبغ به، والبلد الذي يصبغ فيه وأنه صبغ بالصيف أو الشتاء، كذا قال الماوردي.

وأما في الثانية فللعلم بالمخالط.

وقيل: لا يجوز فيها؛ لأنه مختلط من جنسين فكان كالغالية، والقلنسوة المحشوة، وهذا ما حكاه الماوردي، ويخرج على الوجهين السلم في الثوب المعمول عليه طراز بالإبرة بعد النسج من غير جنس الأصل؛ كالإبريسم على القطن والكتان، فإن كان تركيبها بحيث لا تضبط أركانها فهي كالمعجونات، ولو أسلم في ثياب الخز ففي الصحة وجهان في الحاوي.

ووجه المنع: أنه لا يدري من أي شيء يوجد.

تنبيه: [السَّدي] بفتح السين مقصور.

قال الجوهري: والسَّداة مثله وهما سَدَيان، والجمع أسْدِيَةٌ.

تقول منه: أسديتُ الثوب وأسْتَيْتُه، والسدى هو المستتر، واللحمة هي التي تشاهد، كذا قال [النواوي]، والذي نعرفه العلس واللحمة بضم اللام وفتحها.

قال ابن الأعرابي. لحمة القرابة ولحمة الثوب مفتوحتان، واللحمة بالضم ما يصاد به الصيد، وجمهور أهل اللغة يقولون لحمة بالضم في الثلاثة.

فرع: لو أسلم في الصفر جاز على الأصح؛ لأن أخلاطه مقدرة، وإن زيد فيها أو نقص فسد، وهذا ما اخبرنا عنه قبل، وقد منع منه أيضاً بعض أصحابنا [لأنه أخلاط تجمع وتَسبك] وكذا أجرى في منع السلم في جوهر الزجاج؛ لأنه أخلاط مجموعة ذكره الماوردي.

قال: وإن أسلم في الرءوس أي بعد التنقية من الشعر ففيه قولان:

ص: 343

أحدهما: أنه يجوز؛ لأنه لحم وعظم فكان كسائر اللحوم.

والثاني: وهو الصحيح: أن لا يجوز لاشتمالها على أبعاض مختلفة، وهي المناخر والمشافر وغيرها وتعذر ضبطها؛ ولأن معظمها العظمم، وهو غير مقصود، وغير المقصود إذا انضم إلى المقصود كثر فيه الغرر، فمنع الصحة] كالعجف بخلاف سائر اللحوم.

ويجري الخلاف في الأكارع، ورأى الغزالي، الأصح فيها الجواز، ورمز القاضي أبو الطيب إلى القطع بالمنع فيها، وحيث جوز السلم في ذلك فيكون بالوزن وبالعدد حتى لو اقتصر على أحدهما لم يصح، قاله الماوردي، واعتبر ابن كج في الرءوس على قول الجواز أن تكون المشافر والمناخر منحاة عنها، وهذا الاعتماد عليه، أما إذا لم تكن منقية من الشعر فلا يجوز السلم فيها.

قال: وإن أسلم في المخيض وفيه الماء لم يجز؛ لاختلاطه بما لا منفعة فيه [ومنعه من ضبطه] وكذا الحكم في المصل، لكن لما فيه من الدقيق، والكشك يلحق به.

وفي الجيلي حكاية وجه عن البسيط أنه يجوز السلم فيالمخيض، أما إذا لم يكن فيه ماء بل محض اللبن لا غير جاز السلم فيه إذا وصفه بالحموضة قاله الرافعي، وفي "الحاوي": أن السلم في اللبن الحامض لا يجوز، وفي اللبن القارص، وهو أن يتجاوز صفة الحليب إلى أول صفات الحامض، أن شيخه أبا القاسم الصيمري كان

ص: 344

يقول بجواز السلم فيه، وإن غيره [من أصحابنا] قال: لا يجوز؛ لأنها صفة لا تنضبط وصححه.

قال: وإن أسلم في الجبن وفيه الأنفحة، أو في خل التمر وفيه الماء جاز لأنه لا غنى لهما عن ذلك، وقوامهما به بخلاف المخيض.

وقيل: لا يجوز السلم فيهما كالمخيض، ورجحه الإمام والصيمري في الخل، والأصح الأول فيهما، وهما جاريان في السمك المملوح.

وفي النهاية عن حكاية صاحب التقريب: أن الملح إن ظهر له وزن منع، وإن لم يظهر فإن لم يكن له قيمة فلا أثر له والسلم صحيح، وإن كان له قيمة فهو كالثوب المصبوغ بعد النسج والأقط كالجبن.

تنبيه: الجبن: فيه ثلاث لغات أشهرهن وأفصحهن عند ابن الأعرابي وآخرين بإسكان [الباء].

والثانية بضمها بلا تشديد.

والثالثة بضمها وتشديد النون.

الإنفحة فيها أربع لغات، أفصحها عند الجمهور بكسر الهمزة، وفتح الفاء، وتخفيف الحاء.

والثانية كذلك مع تشديد الحاء.

والثالثة: بفتح الهمزة مع التشديد.

والرابعة: [منفحة] بكسر الميم وإسكان النون وتخفيف الحاء، وهي كرش الخروف والجدي، [ما لم] يأكل غير اللبن، وإذا أكل فكرش [جمعها أنافح].

قال: وإن أسلم في الرق، والجلود لم يجز:

لأنه لا يمكن ضبطها بالصفات، فإن جلد الورك ثخين قوي، وجلد البطن رقيق لين، وجلدالصدر ثخين لين.

وقيل: إن سوى جوانبها، ودبغت جاز السلم فيها وزناً، وهذا ما حكاه الرافعي،

ص: 345

وحكاه الماوردي مع عدم الجواز.

قال: وإن أسلم في الورق جاز؛ لأنه يمكن ضبطه بالصفة فيذكر عدده، ويبين منه النوع والطول، والعرض والبلد والزمان والوزن فيه أحوط.

قال: وإن أسلم في آنية مختلفة الأعلى والأسفل والأوسط، كالأسطال الضيقة الرءوس والمنائر لم يصح كما في السلم في السهام، وهذا ما حكاه الشيخ أبو حامد.

وقال القاضي أبو الطيب بجواه، وحكاه عن نص الشافعي في الأم، وطرده في القمقم، فعلى هذا يشترط بعد ذكر الجنس ضبطه بالسعة أو الضيق والصغر، أو الكبر والعمق والثخانة أو الرقة، وهل هو مضروب أو منصوب، فإن ذكر الوزن كان أصح، وإن لم يذكره جاز.

وفي تعليق القاضي الحسين: أنه نص على أن اللبن يجمع في بين العدد والوزن، فيقول: كل لبنة وزنها كذا قال: وقياس هذا النص: أن يكون السلم في القماقم والطناجر وغير ذلك مما يكون بصنعة آدمي، يذكر فيه الوزن والعدد.

تنبيه: الواو في قول الشيخ "والأسفل والأوسط" بمعنى "أو"، ولهذا نظائر في كلام العرب، وليس المراد اشتراط اختلاف الأعلى والأوسط والأسفل، بل كل واحد منها مستقل بالحكم المذكور.

والمنائر: جمع منارة بفتح الميم باتفاقهم.

وقال أهل اللغة والنحوجمعها مناور [بالواو]؛ لأنها من النور.

وقال الجوهري وغيره: هي مفعلة بفتح الميم من الاستنارة، ويجوز منائر بالهمز تشبيهاً للأصلي بالزائد، كما قالوا مصائب وأصله مصاوب.

قال صاحب المحكم: الجمع مناور على القياس، ومنائر بالهمز على غير قياس.

ومن هذا يعرف أن كلام الشيخ صحيح، لكنه لو قال بالواو لكان أجود.

قال: وإن كان مما لا يختلف كالهاون والسطل المربع جاز لإمكان ضبطه،

ص: 346

والهاون: بفتح الواو، وهو معرب، وكان أصله هاوَوْن؛ لأن جمعه هواوين مثل قانون وقوانين فحذفوا الواو الثانية استثقالاً وفتحوا الأولى، فإنه ليس في [كلامهم] فاعل بالضم، قاله الجوهري.

وقال ابن فارس: الهاوون بالواوين عربي، كانه فاعول من الهون.

وقال الجواليقي: هو فارسي معرب مثل فاعول.

والسطل، يقال له: السيطل وهما معربان.

قال: ولا يجوز السلم إلا في قدر معلوم للخبر. "ويجوز فيما يكال": أي مثل الحبوب والمائعات، بالكيل وفيما يوزن، [أي]: مثل الخضراوات من البقول، والأجبان والباذنجان، والرمان، والأحجار [والأخشاب] التي يختلف الغرض بوزنها، والعنبر وإن كان يمكن كيله؛ لأن اليسير منه له قدر كثير، والسمن الجامد ونحو ذلك بالوزن.

وهل يجوز بالكيل؟ نظر: إن كان يتجافا في المكيال فلا؛ [ولأن الكيل يقصر عن تحصيل المقصود]، وإن أمكن من غير تجافٍ جاز كيلاً أيضاً صرح به الماوردي، وأبو الطيب.

والتين يجوز فيه السلم كيلاً أو وزناً من جنس معروف إذا اختلفت أجناسه، قاله ابن الصباغ. وفيما يذرع مثل الثياب، والأبواب، والرخام، والأكسية، والليود، والبسط التي يجوز السلم فيها بالذرع وفيما يعد أي مثل الرقيق والحيوان والورق الأبيض، وكذا الإيواني من النحاس وغيره، كما صرح به الماوردي بالعد؛ لأن ذلك يحصل المعرفة بالمقدار.

وفي تعليق البندنيجي: أن السلم لا يجوز بغير كيل، ولا وزن إلا في شيئن الحيوان، والثياب والورق [الطَّهور] الذي يراد للغسل، فالمعتبر فيه الوزن لا غير وإن كان من الطَّهور المقروة لم يجز السلم فيها.

قال الماوردي: لاختلافها، وأنه لا يضبط صفاتها.

ص: 347

فإن قيل: النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ أَسْلَفَ، فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ" فاعتبر هذين الأمرين لا غير، فلم اعتبرتم العدد والذرع؟ ومقتضى الحديث أيضاً أنه لا يجوز يما لا يكال، ولا يوزن، لكن قام الإجماع على جواه فيما عداها.

وأما الحديث فجوابه: أنه ورد على سبب خاص، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة وجدهم يسلمون في التمر السنتين والثلاث، فقال: "من أسلم

) إلى آخره، فيكون تقدير ذلك من أسلم في مكيل فليكن المكيل معلوماً، ومن أسلم في موزون فليكن الوزن معلوماً، ومن أسلم في مؤجل فليكن الأجر معلوماً، وبهذا – أيضاً – يحتج على من استدل بهذا الحديث على اشتراط التأجيل في السلم.

قال: [وإن كان] مما يختلف كالبيض، والجوز، واللوز، والقثاء –أي: وهو ممدود بكسر القاف وضمها – والبطيخ لم يجز السلم فيه إلا وزناً لأن الكيل لا يحصره.

وقيل: يجوز في الجوز واللوز كيلاً لعدم تجافيه في المكيال، وهذا ما جزم به ابن الصباغ، ولابد في كل من الكيل والذراع أن يكون معلوماً، لمن ذكرنا اشتراط معرفته بالوصف من قبل، وسيأتي الكلام على اشتراط المكيال المعين، ويذكر ثم الذراع المعين.

قال: وإن أسلم فيمؤجل لم يجز إلاإلى أجل معلوم.

للحديث السابق والمعنى فيه أن الأجل يقابله قسط من الثمن، فإذا كان مجهولاً جر جهالة إلى الثمن، فلو ذكرا أجلاً مجهولاً فالعقد باطل، وكذا لو حذفاه في المجلس على الأصح، وفيه وجه عن رواية صاحب التقريب، تقدمت حكايته أنه يصح ويصير حالاً، وكذا لو ذكرا أجلاً صحيحاً ثم حذفاه في المجلس صار حالاً، وفي هذا شيء ذكرته عن القاضي الحسين، في أول باب المرابحة، ثم السلم الحال جائز عندنا، كما يؤخذ من لفظ الشيخ هنا، ومن بعد اللهم إلا أن يكون المسلم فيه لا يوجد في الحال، ويوجد في ثاني الحال فلا يصح السلم فيه إلا مؤجلاً لذلك الوقت كما سيأتي.

ص: 348

ووجه ما قاله الشافعي أنه إذا جاز مؤجلاً مع ما فيه من الغرر فهو حالٌّ أجوز، وعن الغرر أبعد.

والجواب عن الحديث قد سبق، لكن هل من شرط الحلول أن يصرح به حتى لو أطلق ولم يصرح به ولا بتأجيل يبطل العقد؛ لأن العرف فيه التأجيل فيكون السكوت عنه بمنزلة ذكراجل مجهول؛ إذ الإطلاق يدل عليه أو يحمل على الحلول؟ فيه وجهان، أو قولان:

الأصح منهما عند الجمهور الثاني وعند الغزالي الأول، وبنى الماوردي الخلاف على خلاف حكاه عن الأصحاب ثلاثة أوجه: في أن الأصل في السلم التأجيل والحلول رخصة، أو العكس، أو كل منهما أصل، فالأول مبني على أن الأصل التأجيل والثاني على أن الأصل الحلول، وإذا قلنا لابد من التصريح بالحلول فصيغته أن يقول: أسلمت إليك في كذا حالاً، أو أطالبك به متى شئت للعرف، فلو قال أطالبك به متى شئت من ليل أو نهار ففيه وجهان.

وجه البطلان: أن المسلم فيه إنما يجب تسليمه وقت الإمكان، فإذا وقع الشرط كما ذكر اقتضى أنيطالبه به في وقت لا يقدر علىتسليمه، وما لا يمكن تسلميه عند استحقاق المطالبة [به] لا يصح السلم فيه.

فرع: إذا قال: اشتريت منك بألف على أن يضمن فلان الثمن عني، ويكون مؤجلاً في حقه إلىشهر، صح الأجل في حق فلان، وهل يثبت الأجل في حق المشتري؟ فيه وجهان منقولان في التتمة [في خيار الشرط]، ويتجه أن يجري مثلهما هاهنا.

واعلم أن العلم بمقدار الأجل يحصل بوجهين:

أحدهما: بتقدير مدة الأجل بأن يقول: بأجل شهرين، أو مدة شهرين، أو استحق المطالبة به بعد شهرين، ولا فرق في ذلك بين أن يقول ابتداؤها من الآن أو يطلق كما صرح به المتولي، وعلله بأن إطلاق الزمان في العقد ينصرف إلى الزمان الموصول بالعقد، كما لو قال: اجرتك شهراً ينعقد العقد على الشهر الموصول بالعقد [وكذلك إذا قال لا أكلمك شهراً اقتضى المتصل باليمين].

ص: 349

ثم الشهران معتبران بالأهلة إن كان العقد منطبقاً على أول الشهر، وإلا فالأول بالعدد والثاني بالهلال.

وفيه وجه: أنه متى انكسر الأول انكسر ما بعده، وتمنى الإمام فيما إذا وقع العقد وقد بقىمن صفر لحظة وكان التأجيل بثلاثة أشهر، وقد نقص الربيعان أن يلتقس في هذه الصورة بالربيعين وجمادي فإنه جرت عربية كوامل، وما تمناه هو الذي نقله أبو سعيد المتولي وغيره.

وقطعوا بحلول الأجل بانسلاخ جمادي في الصورة المذكورة، فإن العدد إنما يراعى إذا جرى العقد في غير اليوم الأخير.

قال الرافعي: وهو الصواب.

وإذا كان العقد في غير هذه الصورة وقع وقت الزوال، اعتبر آخر المدة بوقت الزوال، وقد تقدم عند الكلام في الخيار حكاية وجه أن ابتداء الأجل من حين التفرق.

الثاني: يعين وقت المحل، بأن يقول إلى سنة كذا من الهجرة، فيحل الأجل من أول ليلة من السنة التي تليها؛ لأن أول شهور الهجرة المحرم، وقد كان أولها شهر ربيع الأول؛ لأن الهجرة كانت يه، وجعل أولها المحرم؛ لأنه أول شهور العرب، وكانوا يؤرخون بعام الفيل ثم أرخوا ببناء الكعبة، ثم أرخوا بالمبعث، ثم أرخوا بالهجرة، واستقر عليه المسلمون، وكان أول من أرخ بالسنين من الهجرة عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – لكتاب حمل إليه ليشهد يه وقد أرخ بشعبان فقال عمر: أي شعبان الماضي أو الآتي، أو الذي نحن فيه؟! أرخوا بالسنين.

ومن هذا النوع ما إذا قال إلى شهر رمضان سواء علما ما بينهما أو لا.

ويحل الحق بغروب الشمس من آخر يوم من شعبان.

ولو عدل عن لفظ "الغاية" إلى حروف الظرف، فقال: في شهر رمضان لم يجز، كما لو قال في سنة كذا.

وقال [أبو] علي بن أبي هريرة: يحمل على أول الشهر، كما لو قال لزوجته أنت طالق في شهر رمضان، فإنها تطلق بأول جزء منه، وقياس هذا أن يطرد في السنة، وقد

ص: 350

وافق على أنه لو قال: في سنة كذا لم يحمل على أول جزء منها كما حكاه الماوردي. وفي التتمة طرده في السنة أيضاً.

وفرق الأصحاب بين هذا وبين الطلاق، بأن الطلاق يقبل التعليق بالمجهول، وبالغرر بخلاف العقود.

قال ابن الصباغ وهذا الفرق ليس بصحيح عندي؛ لأنه لو كان مجهولاً لوجب أن يصح ولا يتعلق بأوله بل يتعلق بوقت منه يقف على بيانه، فإذا فات جميعه وقع فلما تعلق الطلاق بأوله اقتضى ذلك أن الإطلاق يقتضيه.

ولو قال في يوم كذا، فمن أصحابنا من ألحقه بالشهر.

قال الماوردي: والصحيح جوازه في اليوم لقرب ما بين طرفيه، فإن في تحديد [الوقت في اليوم] ضيقاً بلحق الناس، والتأجيل إلى اليوم يحل الأجل بطلوع فجر ذلك اليوم، وكذا في التأجيل إلى النهار على أحد الوجهين.

والثاني: يحل بطلوع شمسه، ولو جعل الأجل عقيب شعبان أو عجزه لم يصح، قاله الماوردي.

وكذا لو جعله إلى أول الشهر، أو إلى آخره.

وقال الإمام وصاحب التهذيب: وجب أن يصح ويحمل على الجزء الأول من كل نصف، قياسه: مسألة النفر، وهذا ما ذكره الجيلي، وهو خلاف المذهب.

ولو أجل بالحصاد، أو القطاف، أو الميسرة لم يصح.

وي كتاب ابن كج: أن ابن خزيمة جوز السلم إلى الميسرة؛ لأنه عليه السلام اشترى شيئاً إلى الميسرة.

[ولو أجل إلى الوقت الذي يصلح فيه الحصاد والدياس، والجذاذ فلا يقع تأجيل الثمن إليه.

وفي جواز تأجيل الضمان إليه قولان، ذكرهما الماوردي عن أبي العباس في كتاب الضمان].

ولو أجل بالنيروز، أو المهرجان، او إلى شهر من شهور الروم، أو الفرس- جاز

ص: 351

على ما أطلقه ابن الصباغ والبندنيجي، وفصل الماوردي [هنا] فقال:

إن كان المتعاقدان من العرب لا يعرفان قدر ذلك من الأشهر الهلالية لم يصح، وإن عرفا ذلك [أو كانا من الفرس] فهل يصح؟ فيه وجهان:

مذهب البغداديين: الجواز.

ومذهب البصريين: عدمه.

[وقال في كتاب الضمان: إنه لا يجوز الأثمان بهما، وفي جواز تأجيل الضمان قولان حكاهما ابن سريج].

ووجه الإمام المنع في النيروز والمهرجان بأنهما يطلقان على الوقتين اللذين تنتهي الشمس فيهما إلىوائل برج الحمل والميزان، وقد يتفق ذلك ليلاً وقد ينحبس مسير الشمس كل سنة بمقدار ربع يوم وليلة، وهكذا الخلاف فيما لو أجل بفطر اليهود. وفصح النصارى إذا عرف المسلمون ذلك، قاله المارودي، وظاهر ما حكاه ابن الصباغ عن النص من التعليل يقتضي الجواز؛ لأنه علل المنع بأنه لا يعرفه المسلمون، وعلله الأصحاب بأنه يحتاج فيه إلى الرجوع إلى قولهم.

قال ابن الصباغ: وهذا إنما يتصور إذا كان منهم عدد [يسير] فأما الكبير في البلاد الكبار، فلا يجوز عليهم التواطؤ على الكذب، في الأخبار عن أعيادهم، ولو لم يعرفه إلا المتعاقدان، فالأصح أنه يكفي، وقيل، لابد من معرفة عدلين مسلمين، حكاه الرافعي.

ولو قال: إلى نفر الحجيج الأول، وهو الاثني عشر من ذي الحجة، أو الثاني وهو اليوم الذي يليه صح من أهل مكة لمعرفة عوامهم به، وفي جوازه لغير أهل مكة وجهان ولو قال: إلى يوم القر، وهو الحادي عشر من ذي الحجة، وسمي بذلك لاستقرار الحجيج فيه بمنى، أو يوم الخلاء وهو الثالث عشر من ذي الحجة، وسمي بذلك لخلو منيّ فيه من أهلها – لم يجز لغير أهل مكة، وفي جواز لهل مكة وجهان: كذا قال الماوردي، واستبعده الرافعي، ولو أطلق التأجيل بنفر الحجيج او

ص: 352

ربيع أو جمادى أو العيد ففي الصحة وجهان، ومن صحح تركه على الأول، ويحكي ذلك عن النص، ولم يحك ابن الصباغ سواه.

قال: وإن أسلم في جنسٍ إلى أجلين.

أي: كما إذا قال أسلمت إليك في عشرة أرادب من كذا مائة درهم مثلاً خمسة مؤجلة إلى شهر، وخمسة إلى شهرين أو في جنسين إلى أجل أي بأن يقول أسلمت إليك خمسين درهماً في خمسة أرادب قمح، وخمسة أرادب شعير إلى شهر جاز في أصح القولين؛ لعموم الخبر.

فإنه لم يفرق فيه وبالقياس، على ما لو باع بثمن مؤجل بنجمين أو بجنسين.

والثاني: لا يجوز؛ لأنه ربما يتعذر التسليم في بعض الأجلين، أو بعض الجنسين، فيرتفع العقد فيه، فلا ندري ماذا يقابله من رأس المال، وذلك غرر.

وهذا القول، قال المتولي: إنه مخرج من أصلين:

أحدهما: أن المسلم فيه إذا انقطع ينفسخ العقد.

والثاني: أن الصفقة لا تفرق.

وبنى ابن الصباغ والماوردي [القولين على] القولين في أن رأس المال هل يشترط أن يكون معلوم المقدار؟

قال: وإن أسلم حالاً لم يفتقر إلى بيان الموضع ويستحق التسليم في موضع العقد كالبيع.

فإن قيل: هلَاّ فصل الشيخ بين أن يكون السلم في موضع يصلح للتسلمي فيكون الحكم، كما ذكره أولاً [يكون] في موضع يصلح للتسليم فيجب تعينه؟

قلنا: الذي يظهر من كلام الأئمة أن السلم الحال في موضع لا يصلح للتسليم بالمعنى الذي سنبينه لا يصح؛ لأن من شرط الصحة في العقود القدرة على التسليم عند المحل، وهو حال وقد عجز عنه في الحال، ويرشد إلى ذلك أن الماوردي صرح بأنهما إذا كانا في موضع لا يتمكن من قبضه فيه بأن كانا في سفر أن العقد باطل [لكن قد حكينا عن رواية الرافعي في أواخر ما يتم به البيع، أنه إذا عين مكاناً لتسليم

ص: 353

السلم الحال فيه غير موضع العقد صح وتعين، وعلى هذا يتعين حمل كلام الماوردي السالف على ما إذا أطلق العقد ولم يبين موضعاً يصلح للتسليم].

قال: وإن أسلم مؤجلاً في موضع لا يصلح للتسليم كالبادية والصحراء، وجب بيان موضع التسليم؛ [لأنه لا يمكن حمله علىموضع العقد لتعذره، والغرض يختلف باختلاف غيره، فوجب البيان لنفي الجهالة والغرر.

وفي الرافعي: ما يفهم حكايةقول عن رواية القاضي أبي حامد، وصاحب الإفصاح أن القولين الآتيين جاريان في هذه الصورة أيضاً، وادعى القاضي الحسين في تعليقه نفي الخلاف فيها على وفق ما ذكره الشيخ.

وفي التتمة: حكاية وجه أنه يحمل على أقرب موضع صالح للتسليم.

قال: وإن كان في موضع يصلح للتسليم، فقد قيل لا يجب بيانه ويجب التسليم في موضع العقد كالبيع بثمن مطلق في موضع فيه نقد متعارف.

وهذه طريقة أبي إسحاق، وعليها حمل ما نقل عن الشافعي، في عدم اشتراط بيان الموضع، ونصه على الاشتراط، على ما إذا كان في موضع لا يصلح للتسليم.

قال الجيلي وهذا هو الأصح.

قال: وقيل فيه قولان:

أحدهما: لا يجب؛ لما ذكرناه.

والثاني: يجب؛ لاختلاف الأغراض في المواضع فكان التعيين واجباً؛ كما لو باع بثمن مطلق في موضع ليس فيه نقد غالب وقد اختلف الأصحاب في محل القولين.

فمنهم من قال: محلهما إذا لم يكن للنقل مؤنة.

أما إذا كان فيجب البيان قولاً واحداً، وهذا أصح الطرق عند الإمام.

وفي تعليق القاضي الحسين ويروي عن اختيار القفال.

ومنهم من قال: محلهما إذا كان للنقل مؤنة، أما إذا لم يكن فلا يجب قولاً واحداً.

ومنهم من قال: لا فرق في جريانهما بين أن يكون للنقل مؤنة أم لا.

ص: 354

وذهب ابن القاص إلى ان المسألة ليست على قولين، كما ذهب إليه أبو إسحاق لكنه حمل [نص الوجوب] على ما إذا كان للحمل مؤنة، والنص بعدم الوجوب على ما إذا لم يكن له مؤنة، وهذا ما اختاره القاضي أبو الطيب.

وقال الرافعي: إن الفتوى عليه.

واعلمأن البيان يحصل بأن يقول: تسلمه إليّ في موضع كذا، أو بلد كذا، وإذا أحضره في أول البلد لزمه قبضه منه، ولو قال على أن تسلمه إليَّ في أي موضع شئت من بلد كذا، نظر: إن كان كبيراً لم يجز، وإن كان [صغيراً كجدة] جاز؛ لقرب أماكنه.

ولو قال على أن تسلمه إليَّ ببلد كذا، أو بلد كذا فوجهان:

أحدهما: البطلان.

والثاني: أنهي صح، وينزل على تسليم الشطر في كل بلد صرح بذلك [جميعه] الماوردي.

وقد يشكل الفرق بين ما إذا قال: [تسلمه إليَّ في بلد كذا، وبين ما إذا قال:] تسلمه إليّ في شهر كذا على المذهب، خصوصاً إذا كان للبلد أبواب.

فرع: لو عين مكاناً للتسليم فخرب وخرج عن صلاحية التسليم فثلاثة أوجه:

أحدها: أن ذلك يتعين.

والثاني: لا وللمشتري الخيار.

والثالث: يتعين أقرب موضع صالح.

ولو لم يخرب، ولكنه صار مخوفاً لفتنة فيه، ففي الحاوي أنه لو أحضره إليه فيه لم يجب قبوله وليس للمسلم أن يكلفه نقله إلى موضع آخر، بل يتخير بين أن يصبر إلى أن تزول الفتنة، أو [إلى أخذه] فيه.

قال: ولا يصح إلا فيما يعم وجوده أي في الحال [إن كان السلم حالاً]، أو

ص: 355

عند المحل إن كان السلم مؤجلاً؛ ليتيسر التسليم، [قال]: ويؤمن انقطاعه، لنأمن الغائلة.

قال: فإن أسلم فيما لا يعم، كالصيد في موضع لا يكثرفيه، أو في جارية وأختها، أي: لندرة اتفاقهما في الصفات المشروطة، أو أسلم فيما لايؤمن انقطاعه كثمرة قرية بعينها، أو على مكيال بعينه، أي لا يعتاد الكيل بمثله، كالكوز، أو زنة صخرة بعينها لم يصح.

أما فيما لا يعم وجوده؛ فلأن القدرة على التسليم متعذرة فأشبه بيع العبد الآبق، وأما في ثمرة القرية؛ فلأنه لا يؤمن فيها تسليم المبيع؛ لتعرضها للتلف فأشبه بيع المبيع قبل القبض.

ووجهه الغزالي: بأن التعيين ينافي الدينية، من حيث إن التعيين يضيق محل التحصيل، والمسلم فيه ينبغي أن يكون ديناً مرسلاً في الذمة لتيسير أداؤه، ومقتضى هذه العلة ألا يجوز فيما إذا عين قرية كبيرة، لكن الأصح من الوجهين فيها الجواز، ولا نزاع في أنه لو أضاف إلى [ناحية، أو قرية كبيرة] وأفاد ذلك تنويعاً، كمعقلي البصرة أنه يجوز، وأما في الباقي؛ لأن ذلك مجهول؛ ولأن المعين قد يتلف فلا يدري ماذا يرجع به عند المحل، وعقد السلم يصان عن الغرر بقدر الإمكان؛ خشية من تكثيره.

ورأيت في الحاوي أن بعض أصحابنا أنكر أن السلم عقد غرر، وألحقه ببيوع الأعيان. وعلىلعلتين يخرج البيع، فإن عللنا بالجهل لم يصح أن يبيعه من الصبرة ملء هذا الكوز، وإن عللنا بالثانية صح، وهو الأصح، وعليه يدل نص الشافعي، فيما إذا أصدقها ملء ههذ الجرة خلا أنه لا يجوز؛ لأنها قد تنكسر والسلم الحال هل يلحق بالبيع، أو بالسلم المؤجل؟ فيه وجهان، اختيار الشيخ أبي حامد منهما أنه كالمؤجل.

ص: 356

وفي النهاية: أن الصيد لو كان يوجد في بلد آخر، فينظر: إن كان قريباً منه صح، وإن كان بعيداً لم يصح، ولا تعتبر مسافة القصر وإنما القريب [هو] الذي يعتاد نقل مثله منه إلى البلد الآخر في غرض المعاملة لا في معرض التحف.

وفي الوسيط: أنه لو أسلم في الجارية الخادمة وولدها جاز؛ ولأن ذلك لا يعز في الحاضنات دون الأمة التي تراد للتسري.

وفي الحاوي: أن المكيال الذي عينه إذا كان مساوياً لكيل البلد ففي صحة السلم وجهان، ينبنيان على أنه هل يلزم التعيين؟ فإن لزم بطل كما لو كان مجهولاً، وهي صورة مسألة الكتاب وإلا صح، وجاز أن يكال له بغيره وهذا هو الأصح في الرافعي.

وكذا الكلام في الوزن والذرع، وحكى فيما إذا شرط الذرع بذراع يده وعينه أنَّ من أصحابنا من أجازه لتعينه، وانتفاء الجهالة عنه، والصحيح أنه لا يجوز؛ لأنه قديموت فلا يمكن الاستيفاء بذراعه.

فرع: لو أسلم في قدر كبير من الحنطة أو غيرها في وقت الباكورة بحيث يغلب على الظن وجوده لكن لا يحصل إلا بمشقة عظيمة، ففيه وجهان:

أقربهما إلىكلام الأكثرين وبه قطع القاضي الحسين: البطلان، وأقيسهما عند الإمام: الصحة؛ لأن التحصيل ممكن، وقد التزمه، وهذا قريب من بيع الطير في الدار الفيحاء، والسمك في البركة الواسعة.

قال: وإن أسلم فيما يؤمن انقطاع كالرطب، ثم انقطع في محله [أي بأن مضى الأجل وهو مفقود أو مات المسلم إليه قبل أوانه فحلَّ عليه الحق، كما صرح به البندنيجي] ففيه قولان:

أصحهما: أن المشتري بالخيار بين أن يفسخ وبين أن يصبر إلى أن يوجد؛ لأن العقد ورد على مقدور عليه في الظاهر، فعروض التعذر لا يقتضي فسخ العقد،

ص: 357

ويقتضي ثبوت الخيار للتضرر بالتأخير، كما لو أبق العبد المبيع قبل القبض، ولأن المعقود عليه في الذمة، فلم يقتض التعذر فيه انفساخ العقد، وأثبت الخيار كما إذا أفلس المشتري بالثمن.

قال: والثاني أنه ينفسخ العقد؛ لأنه لما كان تلف العين المبيعة عند استحقاق القبض مبطلاً للعقد، [وجب أن يكون عدم الموصوف في الذمة عند حلول الحق مبطلاً للعقد]، ولأنه سلم في معدوم فار كما لو علما عند العقد أنه معدوم، فعلى الأول في مدة الخيار ثلاثة أوجه:

أحدها: أنه على الفور؛ كخيار العيب.

والثاني: أنه يمتد إلى ثلاثة أيام، حكاهما الماوردي.

وإذا أخر الرد على الوجهين لزمه الصبر إلى العام الآتي، ولم يكن له الفسخ قبله، وإذا جاء العام الآتي والثمرة أيضاً معدومة، فله الخيار أيضاً؛ لعدم لثمرة في العام الثاني، وهكذا.

والثالث: ولم يحك الغزالي سواه أنه على التراخي؛ كخيار المرأة في الإيلاء؛ لأنه نتيجة حق المطالبة بالمستحق، وهو قائم متجدد في كل حال.

فعلى هذا لو صرح بالإسقاط هل يسقط؟ فيه وجهان:

[الذي أجاب به الماوردي منهما في كتاب الغصب، قبيل قوله: وإن للعبد المغصوب ثبات السقوط].

والأصح أنه لا يسقط، كما لا يسقط بالتأخير، ووجهه الإمام بأن هذه الإجازة إنظار، والإنظار تأجيل، والأجل لا يلحق العقد بعد لزومه.

قلت: والذي يَظْهر ترجيحُ ما حكاه الماوردي أولاً، فإن ماقاله الغزالي فيه نظر من حيث إنه يقتضي تجدد حق الفسخ أولاً فأولاً؛ لأن الثابت من الخيار أولاً مستمر إلى الأبد بل في كل زمان تجدد ما يقتضي ثبوت الخيار، وذلك يقتضي الفور، لكن يخلفه ما يقتضي خيار آخر، ثم الفرق بين ما نحن فيه ومسألة المولى، أن الزوج قادر على الوطء في كل زمان، فالطلبة متجددة فلذلك تجدد حق الخيار، وهاهنا عند

ص: 358

انقطاع الثمرة المسلم فيها المسلم إليه غير قادر على التسليم، فلا يتجدد الطلب عليه بما هو عاجز عنه، ولا يرد علينا مسألةالعبد الآبق، فإنا نورد عليها مثل هذا السؤال ثم إذا ثبت سقوط الخيار عند السكوت فعند الإجازة من طريق الأولى وما قاله الإمام قد يتوقف فيه، ويقال ليس الأمر كذلك بل هو إسقاط حق متحقق كما في رضا امرأة العنين. والله أعلم.

والقولان يجريان عند العراقيين فيما إذا لم يوجد المسلم فيه؛ بسبب جائحة أصابته أو لتأخر القبض حتى نفذ.

وحكى الرافعي عن بعض الأصحاب: أن القولين في الحالة الأولى، فأما في الحالة الثانية، فلا ينفسخ العقد بحال، ولا فرق على القولين بثبوت حق الفسخ، بين أن يكون رأس المال باقياً أو تالفاً، ويخالف الفسخ بسبب الإفلاس، فإنه يشترط فيه أن يكون المبيع – الذي هو وزان رأس المال – باقياً.

والفرق أن الفسخ في الفلس جوز؛ حتى لا يلحق البائع ضرر المقاسمة، وإذا كانت العين تالفة، فالضررلاحقٌ به، فلا فائدة في الفسخ، وهاهنا أبت له حق الفسخ؛ لتأخير الحق، وذلك موجود عند التلف.

فإن قيل: بم يحصل الانقطاع؟

قلنا بألا يوجد أصلا، وفي معناه: ما إذا كان يوجد في غير تلك البلدة التي يستحق القبض فيها، ولكن لو نقل إليها لفسد، وما إذا لم يوجد إلا عند قوم مخصوصين، وامتنعوا من بيعه ولو كانوا يبيعونه بثمن غالٍ – وجب تحصيله، ولم يكن ذلك انقطاعاً، وإن أمكن نقل المسلم فيه إلى البلد التي يستحق القبض فيها – وجب نقله إن كانت في حد القرب.

ولا انقطاع، وبم يضبط؟

قال في التهذيب وغيره: يه وجهان: أقربهما: ما دون مسافة القصر.

والثاني: مسافة العدو.

وفي النهاية: إن النقل إن أمكن، ولو على عسر، فالأصح أن السلم لا ينفسخ أصلاً، ومنهم من طرد فيه القولين.

ص: 359

فرع: لو أسلم في شيء عام الوجود عند المحل، ثم عرضت آفة، علم بها انقطاع الجنس عند المحل، فينجز حكم الانقطاع في الحال، أو يتأخر إلى المحل؟ فيه وجهان:

أظهرهما: الثاني، وهو مأخوذ (مما) إذا حلف ليأكل هذا الطعام غداً فتلف في يومه.

آخر: إذا فسخ العقد أو انفسخ وجب رد رأس المال، إن كان باقياً وقد ورد العقد على عينه، وكذا إن ورد على ما في الذمة، وعين في المجلس على أحد الوجهين.

وعلى الثاني: هو مخير إن شاء رده، وإن شاء رد بدله وبنى الإمام الوجهين على أن المسلم فيه إذا رد بالعيب هل يكون نقضاً للملك من أصله تبينا، أو هو نقض في الحال؟ وفيه خلاف، فإن قلنا بالأول وجب رده، وألا فللمسلم إليه الإبدال.

وفي التتمة حكاية هذا الخلاف فيما إذا كان رأس المال من ذوات الأمثال.

أما إذا كان من ذوات القيم، فيتعين رده وطرد هذا الحكم فيما إذا أقبض المسلِم المسلَم فيه ثم وجد المسلَم إليه برأس المال المعين في العقد عيباً ورده، وإن كان رأس المال تالفاً، رجع ببدله، من مثل أو قيمة.

قال: ولا يجوز بيع المسلم فيه قبل القبض، ولا التولية، ولا الشركة لما روي عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه سلم قال:"مَنْ أَسْلَفَ في شَيْءٍ فَلَا يَصْرِفْهُ إِلَى غَيْرِه" ولأن المبيع مع تعيينه لا يجوز بيعه قبل القبض، فالمسلم فهي مع كونه مرسلاً في الذمة أولا، ولو صالح من المسلم فهي على رأس المال قبل القبض.

قال ابن سريج: يجوز ويكون سخاً للعقد بلفظ الصلح، حكاه عنه المتولي وغيره، وقد مضى الفرق بين الثمن، إذا كان في الذمة، وبين المثمن في باب "ما يتم به البيع"، وكذلك تقدم الكلام في باب "بيع المصراة" في أن الإقالة هل تجوز في المسلم فيه؟

ص: 360

وتقدم [في] آخر باب المرابحة، بيان التولية والشركة، وأنهما بيع في الحقيقة.

قال: وإذا أحضر المسلم فهي، أي في محل قبضه، من زمان وكان، على الصفة التي يتناولها العقد أو أجود منه، وجب قبوله.

أما إذا أتى به على الصفة؛ فلأنه المسلم فيه وله غرض في براءة ذمته، وأما إذا كان أجود منه؛ فلأنه أتاه بحقه وزيادة غير متميزة، ولا مخلة بمقصوده فكان الامتناع من القبض محض إضرار، وهذا هو الأصح في تعليق البندنيجي.

ولا فرق فيه بين زيادة الصفة مثل أن يعطيه الجيد عن الردئ، أو الأجود عن الجيد وبين زيادة النوع.

قال: وقيل إن كان الأجودمن نوع آخر، كالمعقلي عن البرني.

أي وكالزيت الأسود عن الأبيض، والثوب المروي عن القزويني، لم يجب قبوله لاختلاف الأغراض باختلاف الأنواع، وهذا ما قال به القاضي أبو الطيب، وجعله المتولي المذهب، ورجحه ابن الصباغ، وإيراد الرافعي يقتضي ترجيحه.

فعلى هذا هل يجوز القبول؟ فيه وجهان:

أظهرهما عند الرافعي وقال: إن الشيخ أبا حامد قال به [لا]؛ لأنه يشبه الاعتياض، كما لو اختلف الجنس.

والثاني: نعم، كام لو اختلفت الصفة.

وحكى الماوردي هذا الخلاف ابتداء، وعزا الأول إلى أبي إسحاق.

والثاني إلى ابن أبي هريرة، وصححه ثم ال: فإن قلنا بهذا أجبر المسلم إليه على القبول، وقد حكى الإمام في وجوب الإجبار، عند إتيانه بالأجود في الصفة وجها: أنه لا يجب؛ لمكان المنة، والتفاوت بين التركي والهندي من العبيد، تفاوت نوع لا تفاوت جنس، على الأصح، والتفاوت بين الرطب والتمر، وبين ماي سقىبماء السماء وما يسقى بغيره، تفاوت نوع لا تفاوت وصف، على الأشبه من الوجهين.

ص: 361

التفريع:

حيث قلنا يجب القبول، فإذا امتنع من القبض قيل له إما أن تقبض أو تبرأ من الحق، فإن فعل وإلا قبضه الحاكم عنه، وبرئ المسلم إليه؛ لأنه حق وجب عليه يمكن أن ينوب الحاكم عنه فيه فقام مقامه فيه.

وفي النهاية وغيرها من كتب المراوزة، حكاية طريقة أخرى: أنه لا يجبر على قبوله على أحد القولين، إذا لميكن للدافع غرض سوى البراءة، كما سنذكره في الدين المؤجل، أما إذا كان له غرض، من فك رهن أو براءة ضامن، أجبر قولاً واحداً.

تنبيه: إطلاق الشيخ يقتضي مع قرينة التفصيل من بعد، أنه لا فرق في وجوب القبول عند الإتيان به على الصفة، بين أن يكون على المسلم فيه ضرر أم لا.

وفي الحاوي: أنه لو أسلم إليه في جارية بصفة، فأتاه بها على تلك الصفة وهي زوجته لم يلزمه قبولها لأنه لو قبلها، بطل نكاحه فيدخل عليه بقبولها نقص وكذلك المرأة إذا أسلمت في عبد فأحضر إليها زوجها لميلزمها القبول، لما فيه من فسخ النكاح، ولو أسلم في عبد بصفة فأتاه بعبد على تلك الصفة فكان ابن المسلم أو جده، لم يلزمه قبوله أيضاً؛ لأنه يعتق عليه فلا يستمر له عليه ملك فصار عيباً؛ لأنه أسلم فيما يمملكه، فإن قبضه وهو لا يعلم أنه أبوه ثم علم فوجهان:

أحدهما: أن القبض فاسد، فلا يعتق عليه، وله رده؛ لأنه ممنلا يوجب عقد السلم إقباضه، والثاني: أن القبض صحيح، والعتق نافذ، ولا أرش له؛ لأن كونه أبا المسلم ليس بعيب في الأسواق، يوجب نقص الثمن.

ولو كان المأتي به أخا المسلم أو عمه، فهل له الامتناع من قبوله؟ على وجهين: أحدهما: له ذلك؛ لأن من جملة الحكام، من يعتقه عليه ويمنعه من بيعه انتهى.

فإن قيل: ما ذكره من عدم وجوب قبول الزوج والزوجة ليس لما يلحقه من الضرر بفسخ النكاح بل؛ لأن الزواج عيب في الأمة والعبد عند عامة الناس، والمسلم فهي لا يجب قبوله معيباً.

ص: 362

قلت: لما كان القبض يرفع النكاح قدر عدمه، وإن كان عيباً، ويشهد لذلك أمران:

أحدهما: ما قدمناه فيما إذا اشترىجارية وزوجها، وقال لها الزوج: إن ردك سيدك بعيب فأنت طالق، وكان قبل الدخول، فإن للمشتري رده بما اطلع عليه من عيبها؛ لأن الزوجية تزول بالرد، فقدرت كالمعدومة.

الثاني: ما حكاه الإمام في ضمن فصل مذكور في نكاح الغرور أنه لو قتل أمة مزوجة يلزمه قيمتها خلية عن الزوج وإن كان تقدير النكاح فيهما ممكناً لو بقيت؛ لأن القتل يزيله فجعلنا المحقق فيه كالواقع، والله أعلم.

فرع: لو أسلم في عبد فأتاه بخنثى، لم يلزمه قبوله، فإن تراضيا على قبوله، لم يجز لاحتمال أن يكون بضد ما أسلم فيه، وبيع المسلم فيه قبل القبض لا يجوز، نعم لو بان إشكاله جاز له قبوله، وله الخيار إن وجده يبول من الفرجين، وإن كان يبول من أحدهما فلا خيار.

قال: وإن أحضره قبل المحل، ولم يكن عليه ضرر في قبضه لزمه قبوله؛ لما فيه

ص: 363

من تبرئة ذمة صاحبه من غير ضرر يلحقه، فالامتناع منه نوع من التعنت فيمنع [منه].

أما إذا كان عليه [فيه] ضرر فلا يجب عليه القبول؛ لقوله صلى الله عليه وسلم "لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَار".

ص: 364

ووراء ما ذكره الشيخ للأصحاب تفصيل آخر، فقالوا: إن كان للمتنع من القبض

ص: 365

غرض بأن كان في وقت نهب، أو كان المسلم فيه حيواناً يحذر من [علفه أوثمرة أو لحماً]، يريد أكله عند المحل طريًّا أو كان مما يحتاج إلى مكان له مؤنة كالقطن والحنطة الكثيرين، فلا يجبر، اللهم إلا ان يكون النهب والغارة يوجدان عند العقد فإن ذلك هل يجعل النهب الموجود عند الإقباض كالمعدوم؟ فيه وجهان في "الإبانة".

وإن لم يكن له غرض وكان للمؤدي غرض من فك رهن أو براءة ضامن أو كان عليه في حفظه كلفة، كما قال المتولي، أجبر على القبول.

وفي النهاية: أن من أصحابنا من قال بطرد القولين، في الدين المؤجل، وإن كان للمعجل غرض كيف ما فرض الأمر، ومراده القولين الآتيين في الصورة الثالثة.

ص: 366

وهذا يوهم طرد الخلاف في الصورة الأولى أيضاً، وهل يلتحق بهذه الأعذار خوفه من انقطاع المسلم فيه قبل الحلول؟ فيه وجهان.

وإن لم يكن له غرض سوى براءة الذمة ففيه قولان:

أصحهما في الرافعي وهو المنصوص [عليه في المختصر: أنه يجب لما ذكرناه، وهذا كله لا يأباه كلام الشيخ.

ووجه الإمام] بأن الأجل حق من عليه الدين، فإذا أسقطه لم يكن لمستحق الحق أن يمتنع، وإذا كان أصل الحق يسقط بإبراء مستحقه من غير شرط القبول على الأصح، فينبغي أن يسقط حق الأجل، من غير حاجة إلى قبول من يستحق أصل الدين، وما قاله هنا قد يظهر أنه مخالف لما حكاه متصلاً بباب تجارة الوصي بمال اليتيم، فإنه قال: من عليه الحق المؤجل إذا أسقط الأجل لم يسقط في حق مستحق الدين، حتى لو أتى به قبل حلول الأجل المذكور لم يجبر مستحق الدين علىلقبول على القول الصحيح، وهل يسقط الأجل في حق من عليه الدين، حتى لو اراد مستحق الدين مطالبته قبل الحلول يكون له ذلك؟ فيه وجهان انتهى.

ولو كان للمتنع غرض وللمؤدي غرض غير براءة الذمة، ففيه طريقان في النهاية:

أحدهما: أنهما يتساقطان، ويجري القولان.

وأصحهما: أن المرعي جانب المستحق، وعلى هذه الطريقة ينبغي أن يحمل إطلاقه التصحيح قبيل تجارة الوصي، وسلك الغزالي في التفصيل طريقاً آخر فقال: إن كان له غرض في التعجيل أجبر الممتنع على القبول، وإن لم يكن له غرض سوى البراءة – نظر: فإن كان للمتنع غرض فلا يجبر، وإن لم يكن له غرض في الامتناع فقولان.

قال الرافعي: فإن ذكر هذا عن ثبت فهو منفرد بما نقل وألا فقد التبس الأمر عليه، وحكم سائر الديون فيما ذكرناه حكم المسلم فيه.

ولو أتى بالمسلم فيه في غير المكان الذي استحق قبضه فيه، فإن كان لنقله مؤنة

ص: 367

لم يجبر على القبول، وإن لم يكن لنقله مؤنة، كالدراهم والدنانير وما في معناهما، ففي الإجبار على القبض القولان المتقدمان، فيما إذا أتى بالحق قبل حلول الأجل، فإن التفاوت المكاني في الحكم الذي ذكرناه كالتفاوت الزماني، صرح به القاضي الحسين، والإمام في أواخر الباب، [وإن كان قد جزم بقولٍ بعدم الإجبار في أثناء الباب].

فرع: إذا وضع المسلم فيه بين يدي المسلم، هل يكون قبضاً؟

قال القاضي الحسين: ذلك ينبني على أن ذلك هل يحصل به القبض في بيع العين؟

وفيه وجهان:

فإن قلنا: لا يحصل به، فهاهنا كذلك.

وإن قلنا: إنه يحصل، فهاهنا وجهان:

والفرق أن هناك عين ماله أتى بها فأشبه الغاصب، بخلاف ما نحن فيه؛ لأنه يريد أن يجعل مال نفسه ملكاً للمسلم، فأشبه المستقرض إذا أتى بمال القرض، ووضعه بين يدي المقرض لا يخرج عن ضمانه.

[آخر إذا قلنا بإجبار من له الدين على قبضه، فلو كان غائباً فهل يجب على القاضي قبوله إذا أحضر إليه؟ فيه وجهان مذكوران في الرافعي في الوديعة.

آخر: إذا ادعى من عليه الدين ان الدين حال، وأراد إجبار رب الدين على قبضه. فقال: بل هو مؤجل، وكان في صورة لا يجب فيها قبض المؤجل، فهل القول قول المديون أو رب الدين؟

حكى الروياني في البحر في آخر الضمان أن والده، قال: يحتمل وجهين، وأصلهما ما إذا عقب الإقرار بالتأجيل].

قال: وإن قبض، ثم ادعى أنه غلط عليه في الكيل، أو الوزن لم يقبل في أصح القولين؛ لأن الأصل السلامة من لغلط، مع أن العادة فيمن يقبض حقه

ص: 368

بالكيل أو الوزن أن يقبضه جميعه.

والقول الثاني: أن القول قول المسلم؛ لأن الأصل عدم قبض الجميع وبقاء الحق في ذمة المسلم إليه.

وهذا الخلاف قد حكى الشيخ [في المهذب]، في باب اختلاف المتبايعين مثله فيما إذا باع منه عشرة أقفزة من صبرة، وسلمها إليه بالكيل، ثم وقع الاختلاف بينهما، كما ذكرناه.

وقال في كتاب السلم: إن كان ما يدعيه قليلاً قبل، وإن كان كثيراً لم يقبل؛ لأنه لا يبخس بالكثير والقليل، كالواحد من العشرة، والكثير كالثلث والربع، [وحكم الثمن إذا وقع الاختلاف فيه كما ذكرنا، وقد قبضه بالوزن حكم المسلم فيه، صرح به البندنيجي في باب بيع الطعام].

قال: وإن دفع إليه جزافاً، فادعى أنه أنقص من حقه، فالقول قوله: مع يمينه صورة المسألة: أن يحضر المسلم إليه، المسلم فيه، ويقول للمسلم إنه قدر حقه فيقبضه منه من غير كيل ولا وزن، اعتماداً علىقوله أنه قدر حقه، ثم يتلف ويقع الاختلاف بعده فالقبض فاسد، وهكذا الحكم فيما لو [لم] يقل له المسلم إليه أنه قد رحقه.

ووجه فساده [الجهل بمقدار حقه.

قال البندنيجي، والمحاملي في باب بيع الطعام، ومعنى فساده]، أن القول قول القابض في قدر نقصانه قليلاً كان النقصان، أو كثيراً؛ لأنه لم يعترف بشيء حتى يؤاخذ بموجبه، والأصل عدم قبض القدر الزائد، وهذا هو تعليل ما قاله الشيخ.

أما إذا كان المقبوض باقياً واتفقا عليه اعتبرناه، فإن خرج قدر حقه فذاك، وإن زاد استرجعنا الفاضل، وإن نقص كمل له ولا يملك المسلم التصرف في جميعه

ص: 369

قبل اعتباره وهل يملكه فيما يستيقن أنه له؟ فيه وجهان، حكاهما المحاملي، قول أبي إسحاق منهما: أنه يصح، وهو الذي صححه المحاملي، وقول ابن أبي هريرة لا، وبه جزم الماوردي لعدم القبض المستحق بالعقد، وادعى الرافعي، أن الجمهور ساعدوا ابن أبي هريرة، لكنه حكى الوجهين فيما إذا باعه طعاماً مكايلة فقبضه جزافاً، وهما عند صاحب حلية الشاشي هما، وفي الحاوي حكاية الوجهين فيما لو كان المقبوض بدلاص عن قرض؛ فإن الأصح الصحة؛ لأن ملك القرض مستقر بخلاف البيع.

وقال: إن الشافعي أشار إليه في الأم.

وقال الإمام في باب بيع الطعام: إن الخلاف المذكور لا يجري فيما إذا كان الحق في الذمة؛ لأن في مسألة بيع الطعام جزافاً، الملك يثبت في معين، فالقبض جرى في المملوك، وخالف ما في الذمة، فإنه إذا لم يصح القبض لم يملك المقبوض ولم يتعين حقه فيه إذا لم يسبق له حق في العين، ومقتضى هذا أنه لا بد من تجديد القبض بعد الكيل أو الوزن، إن كان المقبوض باقياً، وإن كان تالفاً فقد ثبت لكل منهما في ذمة الآخر شيء فلا يجيء أقوال التقاص؛ لأنه نوع اعتياض عن المسلم فيه، وذلك لا يجوز.

[تنبيه: الجزاف بكسر الجيم وضمها وفتحها.

قال صاحب المحكم: وهو الجزافة أيضاً.

قال الجوهري: أخذته مجازفة وجزافاً].

قال: وإن وجد بما قبض عيباً رده؛ لأن الإطلاق يقتضي السلامة كما في بيع الأعيان، وهل ذلك نقض للملك من أصله، أو من حين الرد؟ فيه وجهان تقدما، تظهر فائدتهما فيما لو كان المقبوض جارية في وجوب الاستبراء، قال: ويطالب بالبدل؛ لأن حقه ثابت في الذمة، وهذا إذا لم يرض به، أما إذا رضي به فله إمساكه.

قال: فإن حدث عنده عيب آخر طالب بالأرش، كما في البيع.

ص: 370

قال في التتمة: وفيه وجه آخر، أنه يرده، ويرد معه الأرش، ويطالب بحقه، وطرده فيما لو اطلع على العيب بعد تلفه، وقال: برد بدله من مثل أو قيمة ويطالب بالمسلم [فيه].

قال: فإن أنكر المسلم إليه، وقال: الذي أسلمت إليك غيره، فالقول قول المسلم إليه، مع يمينه.

لأنهما قد اتفقا علىجريان القبض المبرئ في الظاهر، والمسلم يعي مرجعاً على المسلم إليه، والأصل عدمه، وصار هذا كما لو أحضر المشتري عبداً بعينه وادعى أنه المبيع، وأنه معيب، فأنكر البائع أنه المبيع، فإن القول قوله.

وفي النهاية حكاية وجه [آخر]، قبيل كتاب السلم أن القول قول المسلم، فإنهما اتفقا على اشتغال ذمة المسلم إليه، والمسلم إليه يدعي براءة ذمته، والأصل اشتغالها، وليس كذلك العبد المعين، فإنهما اتفقا على أن المشتري قبض ما اشتراه، ثم اختلفا في أن العقد هل ينفسخ بعد ذلك، أم لا؟

والأصل بقاء العقد، وهذا موافق لما حكى عن القاضي أبي الطيب في شرح المولدات.

والخلاف يجري في الثمن الواقع في الذمة والمثمن.

وذكر ابن سريج وجهاً ثالثاً في الثمن، أنه لو قال البائع: الدراهم التي تسلمتها زيواً، وليست ورقاً، فالقول قوله، فإنه منكر أصل القبض، وإن قال: هي معيبة، فالقولقول المشتري حينئذ، فإن أصل القبض ثابت بدليل أنه لو رضي القابض به عد ثمناً وجرى عوضاً، وهذا ما حكاه الماوردي قبيل "باب بيع اللحم باللحم".

فروع:

لا يجب على المسلم في التمر قبوله إلا جافاً، ولا يلزمه قبوله إذا أتى به وقد

ص: 371

انتهى إلى غاية الجفاف، بحيث لم يبق فيه نداوة؛ لأن ذلك نقص، وإذا أسلم في الرطب لم يقبل بسراً، ولا مذنباً ولا منصفاً، حتى يكون رطباً [كله]، وإذا كان رطباً لم يقبل مشدخاً.

قال الشافعي: ولا محلقاً وهو إذا ذهب من كل رطبة بعضها بأكل أو غيره، ولا يقبل منه ناشفاً، قاله [القاضي] البندنيجي.

وليس عليه أن يأخذ من الحبوب، ما اختلط بغيره من جنس آخر، وكذا من قصل أو زوان، وكذا من تراب إن كان السلم فيه بالوزن، وإن كان بالكيل فيغتفر فيه من التراب والتبن، ما لا يظهر له أثر في المكيال.

ص: 372