المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب الرهن الرهن في اللغة: الثبوت، ومنه الحالة الراهنة، أي الثابتة. وقال - كفاية النبيه في شرح التنبيه - جـ ٩

[ابن الرفعة]

الفصل: ‌ ‌باب الرهن الرهن في اللغة: الثبوت، ومنه الحالة الراهنة، أي الثابتة. وقال

‌باب الرهن

الرهن في اللغة: الثبوت، ومنه الحالة الراهنة، أي الثابتة.

وقال الماوردي: الاحتباس؛ ومنه قوله تعالى: - كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر: 83] أي: محتبسة.

وفي الشرع: جعل عين المال وثيقة بدين يستوفي منها، عند تعذر استيفائه ممن عليه.

وجمع الرهن: رهان؛ كحبل، وحبال.

ويقال: رُهُن بضم الهاء.

قال الأكثرون: جمع رهان.

وقال أبو عمرو بن العلاء: جمع رهن؛ كسقف، وسقف.

ويقال: رهنت الشيء وأرهنته، والأول أفصح وأشهر، ومنهم من منع الثانية.

ويقال: رهنته الشيء، وأرهنته إياه، والراهن دافع الرهن، والمرتهن آخذه.

والشيء رهن ورهين، والأنثى رهينة.

والأصل فيه من الكتاب، قوله تعالى: - فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] وقرئ: فرهان، وفي تأويل هذه القراءة وجهان:

أحدهما: أنها جمع رهن.

والثاني: أنها مستعملة في السبق والنضال، وقوله: فرهن مستعمل في المعاملات؛ وهو مصدر أقيم جزاء للشرط بحرف التعقيب، فقام مقام الأمر؛ فإن الشرط والجزاء لا يعتقبان إلا على الأفعال فجرى مجرى الأمر، كقوله تعالى: - فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: 92]، وقوله: - فَضَرْبَ الرِّقَابِ} [محمد: 4]، وقوله تعالى: - فَفِدْيَةٌ} [البقرة: 196]، وقوله تعالى: - فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ} [البقرة: 185]، أي: فحرروا واضربوا، وافدوا، وصوموا.

ومن السنة: ما روى الشافعي عن عبد العزيز بن محمد، عن جعفر بن محمد، عن أبيه قال: رهن رسول الله صلى الله عليه وسلم درعه عند أبي الشحم اليهودي، وهذا مرسل، لكنه روي مسنداً، عن عكرمة، عن ابن عباس والأسود، عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم رهن درعه عند

ص: 394

يهودي، وأخذ منه شعيراً لأهله.

[وقد روى البخاري ومسلم عن عائشة معناه].

ويقال: إنه – عليه السلام –عدل عن أصحابه مخافة أن يحابوه.

قال الماوردي: واختلف الناس هل مات رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل فكاك درعه؟ فقال قوم: افتكه قبل موته؛ لأنه – عليه السلام – يقول: "نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضي" وهذه صفة تنتفي عنه صلى الله عليه وسلم.

وقال آخرون، وهو الصحيح: إنه مات قبل فكاكه؛ لرواية عكرمة عن ابن عباس قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند [رجل من اليهود]، بثلاثين صاعاً من شعير، فعلى هذا يكون قوله:"نَفْسُ الْمُؤْمِنِ [مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى] " محمولاً على من مات، ولم يترك وفاء، وقد أجمع المسلمون على جواز الرهن في الجملة.

قال: لا يصح الرهن إلا من مطلق التصرف، أي: في العين المرهونة؛ لأنه عقد على مال، فلم يجز من غير مطلق التصرف، كالبيع، وهذا يشمل الولي وغيره؛ لأن الولي يصح تصرفه بالرهن؛ حيث يكون فيه غبطة المولى عليه، كما سنذكره، وحيث لا يكون فلا؛ لأنه غير مطلق التصرف فيها؛ لأنه مأمور له بالحظ والمصلحة.

قال: ولا يصح على دين لم يجب، ولم يوجد سبب وجوبه، مثل أن يرهنه على

ص: 395

ما يقرضه غداً، أي وعلى [ثمن] ما يشتريه منه؛ لأنه وثيقة، يمكن أن يستوفي بها [عند] منع الحق، فلم يصح قبل ثبوت الحق، كالشهادة.

وفي النهاية: أن الرهن يجاري الضمان، في محل الوفاق والخلاف، في القديم والجديد، كما سنذكره في أول الضمان، إلا في إمساك ضمان العهدة فإن الرهن ينفصل عن الضمان في ظاهر المذهب، ويجري وجه مطرد للقفال من تنزيل الرهن منزلة الضمان وفيها [في كتاب الضمان] حكاية عن القديم أن ضمان ما لم يجب ولم يجز سب وجوبه صحيح، وكذا ضمان المجهول، إذا أمكن تقدير الإحاطة [به]، بأن قال: ما بعت من فلان فأنا ضامن لثمنه [أما إذا لم يمكن الإحاطة به كما إذا كان له عند شخص ديون فقال له شخص: ضمنت لك شيئاً منها، لم يصح فإنه ليس متعلقاً بضبط].

وفي الرافعي أن القاضي ابن كج حكى وجهاً في صحة الرهن، [في مسألة الكتاب] إذا عين ما يستقرضه [وأن] من الأصحاب من قال: إذا ارتهنا بالثمن ثم لم يتفرقا حتى تبايعا، صح الرهن فتحصل لنا في كل من المسألتين ثلاث مقالات، فإن فرعنا على ما حكاه الإمام، فلو أراد الراهن فك الرهن قبل الاستقراض أو البيع، فهل له ذلك؟ يجيء فيه ما حكاه في الضمان، بمقتضى ما قرره أولاً، والمحكي في الضمان [عن ابن سريج] أن له ذلك، قال الإمام: وقد خالفه في جواز فسخ الضمان مخالفون، وقالوا: الضامن وإن كان لا يطالب قبل الوجوب ولا يتمكن من قطع الضمان، وإن فرعنا على المذهب الجديد، [وهو عدم الصحة] فإذا وجد الرهن وإقباضه، كان مأخوذاً على جهة سوم الرهن، فإذا استقرض أو اشترى بعد ذلك لم يصر رهناً إلا بعقد جديد، وفيه وجه أنه يصير رهناً.

وقد احترز الشيخ بقوله: "ولم يوجد سبب وجوبه" عما إذا لم يجب، وجرى سبب

ص: 396

وجوبه مثل أن تقول: أقرضتك هذه الدراهم وارتهنت بها عبدك فيقول: استقرضتك ورهنته، أو بعتك هذا العبد بألف، وارتهنت هذا الثوب به، فيقول: اشتريت ورهنت، فإنه يصح الرهن على ظاهر النص وهو الصحيح [وبه جزم الماوردي]؛ لأن شرط الرهن في القرض والبيع جائز؛ لحاجة التوثق من عدَّيُهما.

وقال أبو إسحاق: القياس أن الرهن فاسد؛ لأن أحد شقي الرهن مقدم على ثبوت الدين فبطل، كما لو قال لعبده كاتبتك وبعتك، فقال: قبلت الكتابة والبيع، فإن البيع لا يصح لما ذكرناه.

وأجيب عن ذلك – أن سلم الحكم [فيه] – بفرقين:

أحدهما: أن العبد لا صير أهلاً للمعاملة مع مولاه، حتى يتم الكتابة.

والثاني: أن الرهن من مصالح القرض والبيع، وليس البيع من مصالح الكتابة، ويجوز أن يكون ذكره؛ ليخرج الرهن المختلف فيه، فإن الإمام حكى وجهين [أو قولين] في صحة ضمان ما لم يجب، وجرى سبب وجوبه بناء على الجديد.

[ومقتضى ما حكاه الإمام والبندنيجي، من أن حكم الضمان وفاقاً، وخلافاً حكم الرهن مثله أن نجري الوجهين في الرهن] ولذلك صور؛ منها:

نفقة الزوجة في الزمن المستقبل، فإن النكاح سبب وجوبها [وهو ناجز].

وقال الماوردي: إن فرعنا على القديم، جاز ضمان النفقة.

وهل يجوز أخذ الرهن [عليها]؟ فيه وجهان وقاس وجه المنع على الدرك.

ومنها: إذا ضمن شخص عن شخص ديناً في صورة يرجع عليه [به] إذا غرم، [فقبل أن يغرم]، للأصحاب خلاف، في أن الضامن هل يملك أخذ الدين من المضمون عليه؟

فإن قلنا: ليس له ذلك، فقد حكى الإمام في صحة ضمانه القولين، وهما يجريان

ص: 397

[في] الرهن [بمقتضى ما تقرر].

ومنها: الجعل في الجعالة.

حكى الإمام عن شيخه في كتاب الضمان، أنه إن كان يلحق ضمانه قبل عمل المجعول له بضمان ما لم يجب، وجرى سبب وجوبه من قبل أن الجعل مصيره إلى الوجوب، عند فرض العمل، وهو غير واجب قبله، وإن طوائف من أصحابنا منعوا ضمان الجعل في الجديد، وإن جوز ضمان ما وجد سبب وجوبه.

ثم قال: وهذا متجه عندي من قبل أن نفقة العبد في النكاح، وإن لم تكن واجبة في الحال، فسبب النفقة النكاح، وهو لازم في الحال، فكان في قول الجواز يقيم ما يتنجز من وجود السبب مقام وجود المسبب.

والجعل قبل العمل غير واجب، والجعالة في نفسها على الجواز، فلم يتحقق وجود سبب ولا مسبب، ومقتضى [كلام الإمام] جريان مثل هذا في الرهن.

وعلى ذلك جرى الرافعي، وحكى أن الصحيح من الوجهين: عدم الصحة.

وقال الماوردي: إنه المنصوص عليه، وصور البندنيجي محل الخلاف، بما إذا قال: من جاء بعبدي فله دينار، فقال له رجل: أعطني به رهناً، وأنا آتيك به، والقاضي الحسين، والرافعي بما إذا شرع في العمل [قبل تمامه]، فإنه لا ثبوت للجعل قبل الشروع بحال.

قال الرافعي: وكيف يتخيل ذلك، وليس [له] هو مستحقًّا معيناً.

ولنا: أن نبني الوجهين على الوجهين في جواز رجوع المالك بعد الشروع في العمل، ونقول: إن لم نجوز الرجوع؛ فقد لزم الجعل [من قبله]؛ فيصح الرهن به، وإن جوزناه لم يصح الرهن به، انتهى.

وكلام الإمام في باب الضمان والرهن أقرب إلى كلام البندنيجي، وهو الذي صرح به في المهذب، حيث قال:"قبل العمل".

قال: ولا يصح إلا بدين لازم، كثمن المبيع أي: بعد قبضه أو قبله، و"دين السلم"

ص: 398

أي: من عين ومنفعة "وأرش الجناية"، أو يئول إلى اللزوم؛ كثمن المبيع بشرط الخيار"، أما صحته في ذلك؛ فلعموم قوله تعالى: - إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ} إلى قوله: - فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة:283] ولما تقدم من أنه عليه السلام: "رَهَنَ دِرْعَهُ عِنْدَ الْيَهُودِي عَلَى طَعَامٍ [لأِهْلِهِ] "، كما رواه البخاري.

واعلم أن كلام الشيخ في ثمن المبيع يدل على أن ذلك مفرع على الصحيح في انتقال الملك، [فإنه أثبت فيه الملك وجعله غير لازم، أما إذا قلنا بعدم انتقال الملك]، فلا دين؛ فيكون من القسم قبله، وقد صرح الإمام بأن الظاهر على هذا منع الرهن، ولا شك أنه لا يباع المرهون بالثمن في زمن الخيار، ويشترط في الدين اللازم أن يكون معلوماً لهما، فلو لم يعلمه أحدهما لم يصح، كما صرح به في الاستقصاء، في مواضع منها عند الكلام في قوله:"ألق متاعك في البحر وعليَّ ضمانه" من هذا الباب.

قال: فأما ما لا يلزم بحال مال الكتابة فلا يجوز الرهن به؛ لأن الرهن للتوثيق، والمكاتب بسبيل من إسقاط النجوم متى شاء؛ فلا معنى لتوثيقها؛ ولأن الرهن إنما جعل ليحفظ عوض ما زال الملك عنه، والعوض في الكتابة هو الرقبة، وهي باقية على ملكه لا يزول ملكه عنها إلا بالأداء، فلا حاجة به إلى الرهن، وقد حكى الإمام عن ابن سريج: أنه جوز ضمان نجوم الكتابة تخريجاً على جواز ضمان ما لم يجب، وقد جرى سبب وجوبه، ومقتضى ما حكيناه عن الإمام جريانه في الرهن.

تنبيه: قول الشيخ: "ولا يصح إلا بدين" يخرج الرهن على الأعيان المضمونة، كما هو الصحيح، خلافاً للقفال، كما حكيناه من قبل.

والفرق بينه وبين الضمان أن الضرر في الرهن، لو صح يدوم في حبس العين لا إلى غاية وهو منتفٍ في الضمان، ويخرج الرهن على العمل المعين؛ لتعذر استيفائه من المرهون، ويدخل العمل إذا ألزم في الذمة بلفظ الإجارة، وقد حكى

ص: 399

الماوردي في صحته به تفصيلاً فقال: إن لم يكن الآخر قبض الأجرة، لمي صح الرهن به؛ لأنه وثيقة في الحق المستحق، والعمل قبل دفع الأجرة [غير مستحق].

[قلت: وهذا منه تفريع على أن عقد الإجارة، إذا ورد على منفعة في الذمة، يعتبر فيه قبض الأجرة في المجلس؛ كالسلم، وألا فلا فرق بينه وبين المرهن بثمن المبيع قبل القبض].

وإن كان [قد] قبض الأجرة، ففي جواز أخذ الرهن على العمل الملتزم في الذمة وجهان:

وجه المنع: أن استيفاء العمل في الرهن غير الممكن.

ووجه الجواز: أنه حق في الذمة له قيمة يمكن استيفاؤها من الرهن، فجاز كالدين.

قال: ولا يصحَ إلا بالإيجاب والقبول؛ لأنه عقد بين اثنين على مال، فافتقر إلى الإيجاب والقبول كالبيع.

ويجيء فيه الخلاف السابق في انعقاد البيع بالمعاطاة، والاستيجاب، والإيجاب، وهل يقوم اشتراط الرهن في عقد البيع، مثل أن يقول: بعتك بكذا، على أن ترهنني دارك بكاذ، فيقول المشتري: قبلت، ورهنت – مقام القبول؟ فيه خلاف، وظاهر النص –على ما حكاه المتولي – الاكتفاء به.

وقال القاضي الحسين: لا يتم به، بل يشترط أن يقول بعده: ارتهنت أو قبلت؛ لأن الذي وجد منه شرط إيجاب الرهن لا استيجابه، وهذا أصح عند صاحب التهذيب، والإمام، وحكى أنه الذي ارتضاه المحققون.

قال: ولا يلزم أي: من جهة الراهن – إلا بالقبض [خلافاً لأبي ثور] لقوله تعالى: - فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] ووجه الدلالة [منه] على ما حكاه الماوردي من ثلاثة أوجه.

أحدها: أنه وصف الرهن بالقبض، فوجب أن يكون شرطاً في صحته، كوصف الرقبة بالإيمان، والاعتكاف بالمسجد، والشهادة بالعدالة.

ص: 400

والثاني: أنه ذكر غير الرهن من العقود [ولم يصفه] بالقبض، وذكر الراهن ووصفه بالقبض، [فلا يخلو أن يكون وصف الرهن بالقبض]، إما لاختصاصه به، أو يكون تنبيهاً على غيره، وأيهما كان فهو دليل على لزومه فيه.

والثالث: إن ذكر القبض يوجب فائدة شرعية لا تستفاد؛ لحذف ذكره، ولا فائدة في ذكره، إن لم نجعل القبض شرطاً في صحته.

وأما من جهة المرتهن، فلا يلزم بحال.

فرع: لو دفع الراهن الرهن إلى المرتهن بعد العقد، ونوى أن يكون وديعة [عنده]، ثم اختلفا فقال المرتهن: أقبضنيه عن الرهن، وقال:[الراهن]:بل وديعة، فمن المقبول قوله؟ [فيه] وجهان:

[في النهاية في الرهن] ويشترط في القبض أن يكون بإذن الراهن، وإن كان الرهن مشروطاً في البيع؛ لأن به يبطل حق الراهن من التصرف في العين، فلا يجوز بغير إذنه، ولا فرق في ذلك، بين ألا يكون المرهون في يد المرتهن أو في يده وديعة أو عارية أو إجارة أو غصباً، على النص وسيأتي في كتاب الهبة حاكية نصه في كتاب الإقرار والمواهب: أنه إذا وهب له هبة في يده فقبلها تمت، وأن من الأصحاب من طرد في كل من المسألتين قولين وهو [قول] أبي إسحاق وأن منهم من جرى على ظاهر النصين، وأن منهم من قطع بأنه لابد من الإذن لهما على ما حكاه ابن كج [وتوجيه] ذلك - إن شاء الله تعالى،

وفي النهاية أن القول المخرج في المرهون من الهبة، لا يجيء على رأي في المغصوب، بخلاف المودع؛ لأن يد المودع صدرت عن حكم المال، فإذا صادفها الرهن كان دوام اليد بمثابة ابتدائها، وهذا لا يتحقق في يد العدوان، وهذا ما جزم به الماوردي، والأول أصح عند الإمام، ثم على كلا القولين لا يلزم العقد ما لم

ص: 401

يمض زمان تتأتى فيه صورة القبض، لكن إذا شرطنا الإذن، فابتداء الزمان يكون من وقت الإذن، وإلا فمن وقت الرهن، وحكى العراقيون عن حرملة على قول عدم اشتراط الإذن أنه لا حاجة إلى مضي زمان، ويلزم العقد بنفسه.

قال الإمام: ومقتضى نقلهم عنه، أنا إذا اعتبرنا الإذن، فلابد من مضي الزمان، وقياس مذهبه إسقاط اعتبار الزمان بعد الإذن، كما يسقط اعتباره بعد العقد، إذا لم يشترط الإذن، وعلى المذهب، هل يشترط المسير إليه ومشاهدته؟ فيه وجهان: ظاهر النص منهما نعم، وأصحهما: لا.

وبعضهم حكى وجهاً ثالثاً، وحمل النص عليه، فقال: إن كان المرهون يتردد في بقائه كالحيوان الذي لا يؤمن انفلاته، فلابد من المشاهدة، وألا فلا يشترط، وبهذا قال أبو إسحاق، ومن أصحابنا من قال: إن أخبره ثقة "أنه باق على صفته بعد مضي الزمان" صار مقبوضاً، ثم على القول بالاشتراط فهل يعتبر معه النقل؟ فيه وجهان:

أصحهما- وبه قطع طوائف -: أنه لا يشترط، وإذا شرطنا وراء مضي المدة الرجوع إلى مكان الرهن، فلو وكل وكيلاً حتى يرجع، ويشاهد وينوب عنه، فهل يصح التوكيل في ذلك، أم لابد من رجوع المرتهن بنفسه؟ فيه وجهان حكاهما الإمام، وأصحهما: الجواز، كما في أصل القبض.

ولو ذهب المرتهن إلى الموضع الذي فيه الرهن، فوجده قد خرج من يده قبل الرهن، نظر، فإن كان قد أذن له في القبض أخذه حيث وجده، وإن لم يكن قد أذن له، فلابد من أن يقبضه إياه الراهن، وإن كان قد خرج بعد الرهن.

فإن قلنا: لابد من الإذن فالحكم كما تقدم، وإن لم نشترط تجدد الإذن، فله أخذه حيث وجده.

ثم القبض المعتبر – فيما إذا لم يكن المرهون في يد المرتهن – مذكور في كتاب البيع.

قال القاضي الحسين: ويستثني من ذلك التخلية، إذا جعلناها قبضاً في المنقول؛ لان القبض ثَمَّ مستحق فقوي.

قال الإمام: وما ذكره حسن، ولكن صرح الأصحاب بذكر قول التخلية في الهبة

ص: 402

والرهن مصيراً إلى أن القبوض صور، ولا تختلف باختلاف المحال، ولا نزاع في أن الغاصب لا يبرأ من [ضمان الغصب] وإن أذن له في القبض، كما سيأتي في الكتاب، وهل يبرأ منه بالإبراء؟ فيه وجهان، الظاهر منهما في الشامل، وهو المذكور في الحاوي: أنه يبرأ.

وأما المستعير فهل يبرأ بالرهن منه؟ ينظر: إن لم يمنعه من الانتفاع بها – لم يبرأ، وإن منعه فوجهان، في الشامل، وغيره أطلق حكاية الوجهين، [وبناهما الماوردي على أن الرهن هل يبطل العارية أو لا؟ فيه وجهان، إن أبطلها برئ، وإلا فلا يبرأ].

فرع: لو رجع الراهن في الإذن قبل مضى الزمان، إذا اعتبرناهما صح رجوعه، وإن لم نعتبر الإذن، واعتبرنا مضي الزمان، فرجع قبل انقضائه، فهل يصح؟ فيه وجهان، صرح بهام صاحب التقريب، وأشار إليهما الشيخ أبو محمد.

آخر: هل يبطل الرهن بموت أحد المتعاقدين قبل القبض؟ فيه ثلاث طرق.

أظهرها: طرد قولين، وأصحهما عدم البطلان.

والثانية: القطع بعدم البطلان.

والثالثة: أنه يبطل بموت الراهن، دون المرتهن، وبهذا قال أبو إسحاق، والفرق أن بعد موت الراهن، إن لم [يكن] هناك دين لغير المرتهن، فجميع التركة سواء في وجوب قضاء دينه منها في الحال، وإن كان هناك دين لغيره، فقد تعلق حق ذلك الغير بعين الرهن، كتعلق حق المرتهن، فلا يحصل بتسلم الوارث الرهن الغرض فيما قبض فلا حاجة إلى بقاء الرهن، وفي صورة موت المرتهن يبقى الرهن كما كان، وإنما ينتقل الاستحقاق فيه إلى الورثة وهم يحتاجون إلى الوثيقة حاجة مورثهم، ولا فرق في جريان الطرق بين الرهن المشروط في البيع، وغير المشروط على المشهور، وبه قال أبو الطيب ببن سلمة.

وقال ابن أبي هريرة: محلهما في المتبرع به، أما في المشروط فلا يبطل وجهاً واحداً؛ لتأكده بالشرط السابق، وإقرانه بالبيع اللازم.

ص: 403

والجنون، والإغماء قبل القبض يترتب على الموت، إن قلنا: إن الموت يؤثر، ففي الجنون وجهان:

والأصح في الحاوي: أنه لا يؤثر، فعلى هذا إذا جن المرتهن، قبض له الرهن من ينصبه القاضي ناظراً في ماله، وإن جن الراهن فالوالي ينظر في الرهن، فإن لم يكن في تسليمه حظ [له لم يكن له تسليمه]، وإن كان في [تسليمه] حظ [له] بأن يكون مشروطاً في بيع فيه فضل، إن لم يسلم الرهن، فسخ البائع البيع، فهل يجوز [له] تسليمه [أم لا]؟ فيه وجهان في الحاوي.

وكذا لو مات المرتهن، والورثة محجور عليهم، وكان الرهن مشروطاً في بيع، وقد امتنع الراهن من الإقباض، وكان الحظ للورثة في البقاء، فإن كان الراهن أميناً موسراً، فهل على الولي أن يفسخ البيع؟ فيه وجهان، وطريان الحجر؛ بسبب السفه أو الفلس، كطريان الجنون.

قال: فإن اتفقا على أن يكون في يد المرتهن، جاز [أي: إذا لم يكن الرهن جارية ولا كراعاً، ولا سلاحاً، والمرتهن كافر، وصححناه؛ لأن الحق لهما، فجاز ما اتفقا عليه من ذلك.

أما إذا كان جارية، فينظر إن كانت محرماً له، أو صغيرة لا يشتهي مثلها، أو المرتهن امرأة أو أجنبيًّا ثقة، عنده زوجة، أو أمة يؤمن معها من الإلمام بها، فالحك كذلك، وإن عدم ذلك، لم يجز أن توضع على يده، وتوضع عند محرم لها، أو امرأة ثقة، أو عدل على الصفة المذكورة فإن شرط وضعها عنده؛ قال القاضي أبو الطيب [وغيره]: كان الشرط فاسداً، والرهن صحيحاً، ولو كان الرهن خنثى، فإن كان صغيراً جاز أن يكون في يد المرتهن، وعلى يد عدل وعند امرأة ثقة، وإن كان كبيراً، وضع على يد محرم له، ولا يجعل على يد أجنبي ولا أجنبية، صرح به

ص: 404

العمراني، وإن كان كراعاً، أو سلاحاً جعل على يد عدل مسلم، صرح به ابن الصباغ.

قال: وإن اتفقا على أن يكون عدل جاز لما ذكرناه.

وإن تشاحا أي: تمانعا، فيمن يكون تحت يده، وكان الرهن مشروطاً في بيع، كما نبه عليه الإمام، والرافعي، في الباب الثالث من كتاب البيع سلمه الحاكم إلى عدل؛ لأنه العدل.

وقيل: إذا أطلق العقد، ولم يتبين من الذي يكون الرهن في يده، بطل.

قال الإمام: وظاهر النص معه، [وبه جزم المحاملي إذا كان الرهن عبداً، دون ما إذا كان أمة، فإنه لا جهة لها إلا جهة واحدة، كما حكاه عنه في الزاوئد، وكذا الخلاف فيما إذا عقد الرهن من غير شرط، ولم يتبين من يكون تحت يده].

والعدل نائب عن المرتهن، وليس له أن يسلمه لأحدهما من غير إذن الآخر، فإن فعل ضمن، وإذا فوضا للعدل البيع عند حلول الحق جاز [وهو وكيل فيه عن الراهن وأمين عن المرتهن]، ولكن هل يحتاج إلى إذن الراهن عند البيع أيضاً؟ فيه وجهان:

أصحهما: لا، وبه قال أبو إسحاق.

قال الإمام: ولا خلاف أنه لا يحتاج ثانياً إلى إذن المرتهن.

وفي الشامل [وغيره من كتب العراقيين]: أنه لابد من مطالبة المرتهن ببيعه.

[وفي الحاوي: أنه لا يحتاج إلى تجديد إذنهما، ويكفي استمرارهما على الإذن، وسنذكر في آخر الباب فرعاً يتعلق بهذا]؟

أما إذا وقع التشاحح فيمن يقبض الرهن غير المشروط ابتداء، فالذي يظهر أنه لا يسلم إلى العدل إلا برضا الراهن؛ لأن له الامتناع من أصل الإقباض.

ص: 405

ولو اتفقا قبل القبض على أن يقبضه للمرتهن الراهن من نفسه لم يصح، وقبض عبده القن.

وأم ولده ومدبره كقبضه، ويجوز أن يستنيب مكاتبه.

وفي جواز استنابة عبده الماذون وجهان.

وقال الشيخ أبو علي وجها ثالثاً: إن ركبته الديون جاز، وألا فلا يجوز وجهاً واحداً، والأصح المنع مطلقاً.

[فرع: إذا مات المرتهن والرهن في يده فقال الراهن: لا أرضى بيد الورثة، فله ذلك على النص، كما حكاه الإمام عن العراقيين، قوال: إنه الأصح ورفع الأمر إلى الحاكم ليضعه على يد عدل، ولا فرق بين أن يكون الورثة عدولاً أم لا.

وقال بعض أئمتنا: لا يزيل القاضي يد الورثة، نعم له أن يضم إليهم يداً إذا استدعاها الرهن].

قال: وكل عين جاز بيعها جاز رهنها؛ لأن المقصود من الرهن البيع؛ ليستوفي المرتهن حقه منه وذلك يحصل مما يجوز رهنها، وإن قلنا بجواز بيع المستأجر].

وعلى المذهب لا يحتاج لفظ الشيخ إلى استثناء شيء منه كما نبه عليه ابن يونس في استثناء المواضع التي تذكر في الكتاب؛ لأن ذكر قول ثانٍ في المدبر لا يمنع من

ص: 406

صحة الإطلاق الأول، ثم المشتري يجوز له رهنه وإن لم يجز للبائع المدبر كما اعتذر به الماوردي، وكذلك ذكر طريق في عدم صحة رهن الجاني وقول في المعلق عتقه بصفة، وما يتسارع إليه الفساد [لا يرد لما ذكرناه أولاً وأيضاً فإن المعلق عتقه وما يتسارع إليه الفساد] يصح رهنهما بالدين الحال، وليس في كلام الشيخ ما يقتضي تعميم الأحوال لأنه عام في الأعيان، والعام في الأعيان مطلق في الأحوال والأزمان والأمكنة، وإذا كان كذلك صح تفسيره بما ذكرناه.

وبهذا رد البندنيجي على ابن القاص حيث قال: من الأشياء ما يجوز بيعه قولاً واحداً، وفي رهنه قولان، وهو الطعام الرطب وبه يحسن الجواب أيضاً عما ذكره الماوردي، وصاحب الاستقصاء من أن العبد إذا تزوج امرأة بإذن مولاه بصداق مبلغه ألف درهم، ثم إن السيد ضمنه فإنه لا يصح أن يرهن العبد عند الزوجة على الصداق؛ لأن الدَّين مضمون على العبد، فلم يجز أن يجعل رهناً في الدين؛ لأن الوثيقة غير الموثوق فيه، على أن في عدم الصحة في هذه الصورة نظر، إذا قلنا إن المهر لا يتعلق برقبته، نعم قد يحتاج إلى استثناء المرهون فإنه يجوز بيعه من المرتهن ولا يصح رهنه منه بدين آخر على الجديد، اللهم إلا أن يقال المراد ما يصح بيعه من كل أحد فيندفع ذلك.

قال: وقيل إن المدبر لا يجوز رهنه؛ لأن المدبر إما أن يكون غير الذي عليه الدين، أو هو الذي عليه الدين.

فإن كان الأول كما إذا دبر [زيد] مملوكه، ثم رهنه عند عمرو، على دين له على خالد، وذلك جائز كما صرح به المتولي، غيره وكما إذا أعاره المدبر لمن يرهنه بدين؛ فلأن الرهن ليس برجوع عن التدبير.

فإن قلنا إن التدبير عتق بصفة كما هو الجديد [لم يحصل الرجوع فيه إلا بما يزيل الملك وإن قلنا إنه وصية كما هو القديم وبعض الجديد]، قلنا: في أن الرجوع في الوصية هل يحصل بالرهن؟

ص: 407

وجهان، فإن قلنا: لا يكون رجوعاً فكذلك هاهنا، وإن قلنا يكون رجوعاً، فالفرق أن التدبير أقوى بدليل نفوذه بعد الموت من غير قبول بخلاف الوصية، وإذا ظهرت قوته وضعف الوصية عنه لم يحسن القياس عليها، وإذا لم يكن رجوعاً احتمل أن يموت المدبر فجأة فيبطل مقصود الرهن وذلك غرر من غير حاجة فأبطل الرهن في الابتداء.

والصورة الأولى هي التي يقتضيها كلام المزني في المختصر، فإنه قال: ولو دبره ثم رهنه كان الرهن مفسوخاً؛ لأنه أثبت له عتقاً قد يقع قبل حلول الرهن ولا يتصور أن يقع قبل حلول الرهن إذا كان المدبر هو الذي عليه الدين [إن أجرى اللفظ على ظاهره]، فإن الدين يحل في الوقت الذي يعتق فيه المدبر لا بعده، نعم إن أول مجمل قوله حلول الرهن على انفكاكه لم يختص بالصورة المذكورة، ولم أر في كلام الأصحاب ما يقتضي صريحاً أن الخلاف في غير هذه الصورة إلا في كلام الإمام.

وإن كان المدبر من عليه الدين فالمنع من رهنه ليس كخشية موته فجأة، وعتق المدبر به كما يقتضيه إطلاق الأصحاب؛ لأن المدبر إنما يعتق من الثلث ووفاء الدين من رأس المال، فهو مقدم على ما يعتبر من الثلث؛ بل لأن سقوط الأجل بالموت أو الحلول يقتضي الإجبار على بيع المرهون في وفاء الدين على الفور إذا امتنع من تعين عليه وفاء الدين من إيفائه، والمدبر بعد الموت لو صح رهنه لا يباع في الحال بل ينظر: إن وفت التركة بالديون سواه لم يبع، وعتق إن خرج من الثلث، وإن لم توف بيع منه ما يوفى بها إذ ذاك، وفي حال الحياة إذا انقضى الأجل لا يجبر على الرجوع في التدبير، وإذا لم يرجع فيه لا يبادر إلى بيع المدبر لو صح رهنه ما وجدنا له مالا غيره كما سنذكره عن الأصحاب من بعد، وفي ذلك تغيير لمقتضى العقد فلم صح معه.

وأيضاً فإن المرتهن ينحصر حقه في عين المرهون؛ حتى لا يتمكن من إجبار الراهن على الدفع من غيره، كما صرح به الإمام قبل باب الرهن، والحميل بخمس عشرة ورقة، وإن كان قادراً على تحصيله من غيره، وأشار إليه أيضاً بقوله في الأصل

ص: 408

الثاني في أوائل كتاب الضمان: أن المرتهن وإن قصر بالارتهان حصر حقه في العين المرهونة فليس له الانفراد ببيعها، وإذا كان كذلك فقد خالفنا هذا المقتضى بإيجابنا بيع غير المرهون في وفاء دين الرهن، وهذا القول منصوص في الأم أيضاً.

فإنه قال: لو دبره ثم رهنه كان الرهن مفسوخاً، ولو قال: رجعت عن التدبير ثم رهنه ففيه قولان، وإليه مال الأكثرون.

قال: وقيل يجوز أي: ويكون التدبير بحاله؛ لأنه لما جاز أن يطرأ التدبير على الرهن ولا يبطل الرهن، وإن أبطله العتق لجواز بيعه جاز أن [يطرأ الرهن] على التدبير، ويكون الرهن جائزاً؛ لجواز بيعه، وليس ما يطرأ من جواز أن يعتق بموت السيد قبل حلول الحق [بمانع من صحة الرهن، كما أن الحيوان قد يجوز أن يموت قبل حلول الحق]، وليس ذلك بمانع من صحة الرهن، هكذا قال المارودي.

وفي قوله: "وليس ما يطرأ من جواز أن يعتق بموت السيد قبل حلول الحق" إشارة إلى أن الراهن غير المدبر كما صورناه من قبل، وهذا الطريق هو الذي رجحه الغزالي، وإمامه من جهة أن عتق المدبر متأخرعن وفاء الدين، فيؤمن معه تلف

ص: 409

المرهون بسبب العتق، ومقتضى هذا تخصيص التصحيح بما إذا كان المدبر هو المديون وعلى هذا الطريق.

قال أبو إسحاق المروزي: إذا حل الحق فإن قضى من جهة أخرى سقط حكم الرهن وبقي العبد على تدبيره، وإن لم يقض قيل له ارجع في التدبير، فإن اختار الرجوع فيه بيع في الدين، وإن لم يختر: فإن كان له مال غيره [قضى منه الدين ويبقى العبد مدبراً وإن لم يكن له مال غيره]، ففيه وجهان:

أحدهما: أنه يحكم بفساد الرهن، وعلى هذا الحال يحمل كلام الشافعي أن الرهن مفسوخ.

والثاني: أنه يباع، وهو الصحيح عملاً بمقتضى صحة الرهن.

قال: وقيل على قولين القائل بهذا الطريق ابن سريج، وقد بنى الخلاف على أن التدبير وصية، أو عتق بصفة.

فإن قلنا بالأول جاز رهنه؛ لأنه يجوز الرجوع فيها بالقول فجعل الرهن رجوعاً كما لو وصى به ثم رهنه.

وإن قلنا بالثاني لم يجز رهنه، لما ذكرناه من قبل.

قال القاضي الحسين في تعيقه: وقيل إنه يجوز تفريعاً على هذا أيضاً كما سيأتي مثله في رهن المعلق عتقه بالصفة.

وهذا الطريق أصح الطرق عند الماوردي، وأقرب إلى القياس عند ابن الصباغ.

واعلم أن النواوي قال: قول الشيخ، وقيل: يجوز – تكرارٌ لا حاجة إليه.

قال قوله: "كل عين جاز بيعها جاز رهنها" مغنٍ عن ذلك؛ لأنه يجوز بيعه.

وجوابه: أن ذلك خص بالذكر؛ ليقام عليه دليل خاص به، إذ لا يمكن دفع حجة المنازع بما يضمنه دليل القاعدة المذكورة.

وتقييد الشيخ الكلام بالعين يخرج المنافع؛ فإنه لايصح رهنها، كما صرح به ابن الصباغ وغيره والدين أيضاً.

وإن قلنا بجواز بيعه، وفي الدين المستقر وجه أنه يصح رهنه حكاه الشيخ في

ص: 410

المهذب [وغيره من العراقيين] والغزالي في كتاب الهبة.

قال في البيان: وعلى هذا يلزم بنفس العقد، و [قد] حكى في البسيط في هبة الدين وجهين عن حكاية صاحب التقريب، وأنا إذا صححناها ففي اللزوم بمجرد العقد وجهان، فإن قلنا لا يلزم وهو القياس فوجهان، أحدهما: لابد من قبض الدين، والثاني: يكتفي بتسليط وراء الإيجاب وهو أن يقول استوفى الدين، ينزل ذلك منزلة التخلية في العقار؛ فإنه غير قابل للقبض في صورته كالعقار.

قلت: ولم يحك جريان مثل ذلك في رهنه.

[قال الرافعي: لأن الرهن لا يفيد انتقال الملك والاستحقاق].

وفي الاستقصاء: أنه لو رهن الدين ممن هو عليه صح وجهاً واحداً؛ لأنه يجوز بيعه منه [فكذلك الرهن].

فإن قيل: قد حكى [القاضي] أبو الطيب وغيره عن نص الشافعي في ضبط ما يرهن به أن ما جاز بيعه جاز رهنه، وذلك يقتضي جواز رهن المنافع والدين إذا قلنا بجواز بيعه؟

قلنا: لم يذكر الشافعي ذلك إلا في معرض منازعة الخصم [في] أن رهن المشاع غير صحيح، وإقامة الحجة عليه، فإن عندنا رهنه صحيح، ولا فرق فيه بين أن يرهن نصيبه من جملة الدار أو في بيت منها والباقي مشترك بينهما، وفي رهن نصيبه من بيت من الدار مشاعاً وجه أنه لا يصح؛ لأنه ربما تقاسم الشريك فيقع الجميع في حصته، ولا يبقى للرهن مقر.

ووجهه الشيخ في المهذب، والمحاملي بأن فيه إضراراً للشريك بأن يقتسما، فيقع البيت في صحته فيكون بعضه مرهوناً.

قال المحاملي: ومحله إذا كان [الرهن] بغير إذن الشريك، أما إذا كان بإذنه، فإنه يصح؛ لأنه رضي بما يلحقه من الضرر، وهذا الوجه صححه مجلي، والأول صححه المتولي، وصاحب المرشد.

ص: 411

ثم إذا صححنا الرهن ووقع البيت في نصيب الشريك.

قال الغزالي: احتمل أن يقال هو تلف، واحتمل أن يقال الراهن ضامن، والتفويت منسوب إليه، ومقتضى ما ذكرناه من تعليل الشيخ والمحاملي، أنه يبقى مرهوناً.

قال: والمعتق [صفة تتقدمي على حلول الحق لا يجوز رهنه أي: من غير أن يشترط بيعه قبل وجود الصفة؛ لأنه رهن ما لا يمكن استيفاء الحق منه، الذي هو مقصود العقد.

قال: وقيل فيه قول آخر أنه يجوز هذا القول خرجه أبو الطيب من رهن ما يتسارع إليه الفساد، وسنذكر تعليله.

قال الإمام: وإنما ينتظم التخريج إذا قلنا بنفوذ العتق المعلق قبل الرهن عند وجود الصفة بعد الرهن، كما سنذكره، أما إذا لم يقل به فلا يخاف تسارع الفساد إليه وفوات الوثيقة، والصحيح الأول، وبه قطع الماوردي وغيره؛ لأن الظاهر فيما يسرع إليه الفساد من جهة الراهن بيعه إذا خشي تلفه وجعل ثمنه رهناً، وهاهنا الظاهر من جهته بقاؤه على الوفاء بذلك لغرضه في حصول العتق.

أما إذا شرط بيعه قبل وجود الصفة، صح الرهن، كما في نظير ذلك مما يتسارع إليه الفساد، صرح به في المرشد.

ووراء صورة الكتاب صورتان:

إحداهما: أن يرهنه بدين حال، أو بدين يحل قبل وجود الصفة فلا خلاف في صحة الرهن للقدرة على تحصيل المقصود.

نعم لو تأخر بيعه حتى وجدت الصفة، انبنى أمره كما قال القاضي الحسين، على أن العبرة في التعليقات بحال التعليق أو بحال وجود الصفة، وفيه قولان، فإن فرعنا على الأول عتق، وإلا انبنى على جواز عتق المرهون.

ص: 412

الثانية: أن يرهنه بدين يحتمل حلوله قبل وجود الصفة أو بعدها، كما إذا كانت الصفة وجود زيد مثلاً، وفي صحة الرهن والحالة هذه قولان، تفريعاً على المذهب في مسألة الكتاب أصحهما، وبه قطع بعضهم المنع، وقول الجواز.

قال القاضي أبو الطيب: إنه مخرج من جواز رهن المدبر فإن التدبير عتق بصفة.

أما إذا فرعنا على قول أبي علي الطبري فيها جاز هاهنا وجهاً واحداً، كما قال القاضي الحسين وفيه نظر؛ لأن أبا علي في مسألة تحقق الصفة قبل حلول الأجل يأمر ببيعه قبل وجود الصفة، كما يباع ما يسرع إليه الفساد قبل إشرافه عليه.

وهاهنا لا يتحقق حال وجود الصفة حتى يباع قبلها، نعم إن أمكن معرفة وقت وجود الصفة اتجه ذلك، ويبيعه قبل ذلك كما قال صاحب التقريب، فيما إذا كان العتق ارتفع بعَتَهٍ.

قال: وما يسرع إليه الفساد، أي: كالأطعمة والفواكه الرطبة التي لا يمكن تجفيفها، لا يصح رهنه بدين مؤجل، أي: بوقت يفسد قبل مجيئه من غير شرط بيعه عند خوف الفساد، في أصح القولين؛ لأنه لا يمكن إجبار الراهن على إزالة ملكه قبل حلول الدين؛ لكونه خلاف مقتضى العقد، وإذا كان كذلك تعذر استيفاء الحق من ثمنه؛ فلا يصح رهنه [كأم الولد]، وكما لو شرط ألا يباع عند إشرافه على الفساد.

قال: ويصح في الآخر أي: ويجبر على بيعه عند خوف الفساد، ويكون ثمنه رهناً؛ لأن العقد المطلق يحمل على المتعارف، والمتعارف فيما يفسد أن يباع قبل فساده، فيصير كما لو شرط ذلك، ولو شرط ذلك جاز وجهاً واحداً، فكذلك عند الإطلاق، وهذا القول مال غير العراقيين إليه، وهو الموافق لظاهر نصه في المختصر.

[وفي الحاوي: إذا صححنا رهنه لا نلزم الراهن ببيعه عند فساده] ولا خلاف في جواز رهنه بالدين الحال، ويباع عند الإشراف على الفساد، أما إذا كان المرهون مما يمكن تجفيفه كالرطب والعنب، وكذا اللحم جاز رهنه وجهاً واحداً، من غير

ص: 413

شرط، ووجب على الراهن ذلك، كما يجب عليه نفقة الحيوان؛ لأنه من مؤنة حفظه.

فرع: إذا قلنا لا يصح رهنه فأخذه المرتهن وتركه حتى فسد.

قال في التهذيب: إن أذن له الراهن في بيعه ضمن وإلا لم يضمن.

وفي الجيلي في آخر هذا الباب: لو أذن الراهن [للمرتهن في بيع الرهن] عند حلول الدين، فلم يبع حتى مر على ذلك زمان، وتلف لم يلزمه ضمانه؛ لأن البيع لم يكن واجباً عليه فهو كالوكيل المأذون بالبيع مطلقاً، وهذا يطرد في كثير من السائل، فما لا يجب عليه فعله لا ضمان عليه بتركه إذا فرط في ذلك، حتى تلف بخلاف الولي [والوصي]، وما قاله فيه دليل على أن المرتهن له البيع، وليس ذلك رأي العراقيين كما سنذكره.

فرع: إذا كان المرهون لا يقطع ببقائه ولا بفساده، وتردد الاحتمال، ففي جواز الرهن المطلق من غير تقييد بالبيع عند الإشراف على التلف قولان مرتبان على القولين في الصورة السابقة، وأولى بالصحة.

فرع: إذا رهن ما لا يسرع إليه الفساد، ثم طرأ عليه ما يقتضي فساده، قبل حلول الدين لم يبطل الرهن.

وهل يجبر على بيعه ليكون الثمن رهناً مكانه؟ فيه قولان في الحاوي.

قال: والفرق على أحد القولين بينه وبين ما يسرع إليه الفساد، إذا قلنا بصحة رهنه حيث لا يجبر الراهن على البيع، أن البيع يمنع الفساد في هذه الصورة، فوجب [وفاءً] مما اقتضاه الرهن في الابتداء، وليس كذلك ما كان فاسداً وقت العقد؛ لأنه في الانتهاء على ما كان عليه في الابتداء، ولا خيار للبائع، إذا كان هذا الرهن مشروطاً في بيع؛ لأن فساده قد كان معلوماً له، ولو طرأ ما يقتضي الفساد بعد العقد وقبل القبض، فهل يحكم بانفساخ الرهن؟

فيه وجهان في الرافعي، وهما مبنيان على القول: بأن رهن ما يتسارع إليه الفساد باطل، ويجري الوجهان كما حكاه الإمام فيما لو قتل العبد المرهون بعد العقد، وقبل

ص: 414

القبض في أن حق الوثيقة، هل تتعلق بالقيمة الواجبة على المتلف؟

قال: وما لا يجوز بيعه أي: وفاقاً كالموقوف، والمرهون ونحو ذلك، أو على رأي كالجاني والغائب ونحوهما كما تقدم، خلا ما سنبينه وما في معناه.

[قال:] لا يجوز رهنه؛ لأنه لا يحصل مقصود العقد، وهو اسيتفاء الحق من ثمنه عند التعذر.

قال: وما لا يجوز في البيع من الغرر لا يجوز في الرهن؛ لاشتراكهما في قصد المالية.

فإن قيل: الكلام الأول يغني عن هذا، فإن عدم جواز البيع تارة يكون لفقد شرط، وتارة لوجود مانع، والغرر أحدهما فلا معنى لذكره.

فالجواب: أن ذلك صحيح في المبيع بالنظر إلى ذاته لكن كلام الشيخ ثانياً يرجع إلى نفس العقد لا إلى المبيع، فلم يكن كلام الشيخ شاملاً له لو اقتصر على الأول.

قال: فإن رهن المبيع قبل القبض جاز.

[رهن المبيع قبل القبض له حالتان:

الأولى: أن يرهنه من البائع فهو صحيح، وإن كان لا يجوز بيعه منه على الأصح، كما قدمناه؛ لأن الرهن غير مضمون على المرتهن، وما لا يقتضي نقل الضمان فليس من [شرط صحته] قبضه، وهذا ما نص عليه الشافعي، كما حكاه ابن الصباغ، قبيل باب المصراة، وحكى أن من أصحابنا من قال أنه لا يصح؛ لأنه عقد يفتقر إلى القبض فأشبه الهبة].

وهذا منه يدل على أن الهبة منه ممتنعة جزماً، وقد صرح بذلك البندنيجي من قبل، وأجرى الرافعي الوجه الأول فيها أيضاً، وصحح منهما المنع وحكى عن بعضهم الجزم به، وعلى ذلك جرى المتولي [في الرهن] في كتاب الرهن، ووجهه بأن الثمن إن كان حالاًّ فهو محبوس به، إن قلنا: إن البداية بالمشتري فلا يجوز رهنه كالمرهون، وإن كان مؤجلاً [أو حالاً،] وقلنا البداية بالبائع، ففيه تغيير لمقتضى

ص: 415

العقد في التسليم، وما قاله من أنه كرهن المرهون تفريع منه على أن رهن المرهون من الراهن لا يجوز، ويجيء هاهنا طريقة قاطعة بأنه يجوز كما حكاها في الاستقصاء، فيما إذا رهن العبد الجاني من المجني [عليه]؛ لأن رهنه بالجناية ليس رهناً حقيقة [كذلك جنس المبيع على الثمن ليس رهناً حقيقة].

الثانية: أن يرهنه من غير البائع، فالصحيح عند عامة الأصحاب على ما حكاه الرافعي، وبه جزم ابن الصباغ والبندنيجي في أوائل باب بيع الطعام، المنع لضعف الملك كما أن المكاتب لا يصح بيعه، ولا يصح رهنه، وفيه وجه أنها يصح إذا لم يكن للبائع حق الحبس؛ نظراً إلى أن المانع من صحة البيع توالي الضمانين، [وهذا ما رجحه الغزالي].

وكلام البندنيجي في كتاب الرهن يوهم الجزم به فإنه قال: وإن اشترى شيئاً فرهنه قبل القبض – نظرت: فإن كان قبل تسليم الثمن إلى البائع لم يصح.

[وقال] وإن كان بعد أن أسلم ثمنه إلى البائع فقد نص في [باب الرهن] على جواز ذلك؛ لأنه قد استحق قبضه على وجه لا يملك منعه منه كالميراث سواء، وجعله صاحب الاستقصاء المذهب، وجزم به القاضي الحسين، في التعليق وادعى نفي الخلاف فيه، وقد ذكرناه عنه من قبل.

إذا عرفت ذلك كان لك أن تحمل كلام الشيخ على العموم من غير فرق بين أن يرهنه من البائع، أو من غيره، والله أعلم.

فرع: إذا صححنا الرهن من البائع وأذن له في القبض ففعل لزم، ولا يزول ضمان البيع، بل إذا تلف ينفسخ العقد، وليس لنا رهن إذا تلف في يد المرتهن يكون من ضمانه من غير تعدَّ إلا هذا، وحكم قبض غير البائع إذا جوزنا الرهن منه، قد تقدم في أول كتاب البيع.

قال: وإن رهنه بثمنه لم يجز أي: إذا كان للبائع حق الحبس؛ لأنه محبوس به، فلا يجوز كرهن المرهون.

ولقائل أن يقول: ينبغي أن يصح ويتقوى أحد الجنسين بالآخر، ويعضده ما سيأتي

ص: 416

حكايته عن الإمام من بعد، أما إذا لم يكن له حق الحبس، بأن كان الثمن مؤجلاً، أو حالاًّ، وقلنا البداية بالتسليم، يجبر عليها البائع فهو كما لو رهنه منه بدين غير الثمن وقد تقدم، وهذا إذا لم يكن الرهن مشروطاً في البيع.

أما لو شرط في البيع [بأن يكون المبيع مرهوناً بالثمن] لم يصح البيع؛ لأن المرهون غير مملوك له بعد؛ ولأن الثمن إما مؤجل أو حال، وأيما كان امتنع رهنه؛ لما ذكرناه من تعليل المتولي؛ ولأن ذلك يؤدي إلى تناقض الأحكام، فإن قضية الرهن كون المال أمانة، وإن تسليم الدين أولى وقضية الدين بخلافه، وفي ذلك أيضاً استثناء منفعة الاستيثاق، ولا يجوز أن يستثني البائع بعض منافع المبيع لنفسه.

وفي النهاية: حكاية وجه مفرع على القول بأن البداية بالمشتري أنه يصح، هذا الشرط لموافقته مقتضى العقد، ولو شرط أن يرهنه بالثمن بعد القبض ويرده إليه، فالبيع باطل أيضاً؛ لبعض المعاني المذكورة.

قال: وإن رهن الثمرة أي: التي يمكن تجفيفها عبد بدو الصلاح قبل بدو الصلاح من غير شرط القطع جاز في أصح القولين؛ لأن الدَّين إن كان حالاًّ- بيعت في الحال فلا عذر، وإن كان مؤجلاً، فعذره يسير وبتقدير العاهة التي علل بها النبي صلى الله عليه وسلم منع البيع لا يَسقُط من دينه شيء بخلاف البيع؛ فإنه لو جوز لتضرر المشتري بفوات الثمن.

والقول الثاني: أنه لا يجوز، وإن كان الدين حالاًّ؛ لأنه عقد لا يصح فيما لا يقدر على تسليمه، فلم يجز في الثمرة قبل بدو الصلاح من غير شرط القطع كالبيع.

وفيه احتراز من العتق، والوصية، ومحل تصحيح القول الأول عند الرافعي، إذا كان الدين حالاًّ أو يحل مع بدو الصلاح أوب عده، أما إذا كان يحل قبل بدو الصلاح، فالأصح من القولين عنده عدم الصحة، ولا نزاع في أنه إذا شرط في الرهن على الدين الحال القطع – جاز.

ولو شرط في الدين الذي يحل قبل بدو الصلاح القطع عند المحل فطريقان: منهم من خرجه على القولين، ومنهم من قطع بالجواز، وإليه أشار الشيخ أبو

ص: 417

حامد، وصاحب التهذيب.

أما الثمرة التي لا يمكن تجفيفها حكمها حكم رهن ما يتسارع إليه الفساد، [و] هذا كله إذا رهن الثمرة وحدها.

أما لو رهنها مع الأشجار، فإن كانت مما يمكن تجفيفها، صح مطلقاً، وإن لم يمكن تجفيفها، ولم نصحح رهن ما يتسارع إليه الفساد، فطريقان.

أشبههما: أنه لا يصح في الثمار، وفي الأشجار قولاً تفريق الصفقة.

والثاني: يصح فيهما قولاً واحداً، وتكون الثمار تابعة للأشجار.

فرع: إذا رهن زرعاً قبل أن يشتد حبه من غير شرط القطع.

قال في الاستقصاء هو على القولين، يعني في مسألة الكتاب.

وروى غيره عن صاحب التلخيص، أنه لا يجوز قولاً واحداً إذا كان الدين مؤجلاً، وإن صرح بشرط القطع عند المحل؛ لأنه لا يجوز بيعه إذا سنبل، وقد يتفق الحلول في تلك الحالة.

ومن جملة المستثنيات أيضاً: رهن الجارية دون ولدها، الذي لا يجوز بيعها دونه، فإنه صحيح كما يجوز إجارتها دونه؛ لبقاء ملك الرقبة، وإن زال ملك المنفعة؛ ولأن الجارية لو ولدت في يد المرتهن، لم يدخل الولد في الرهن، فلا يمنع ابتداء الرهن، لكن إذا دعت الحاجة إلى البيع والولد بعد صغير، بحيث لا يجوز التفرقة بينهما، فهل تباع منفردة، ويقع التفريق ضرورة، أو يباعان معاً؟ فيه وجهان حكاهما ابن أبي هريرة.

وأصحهما في الطريقين، وذكر في الزوائد للعمراني أن المنصوص الثاني، وبه جزم ابن الصباغ، ويعضده أن القاضي الحسين حكى أن الشافعي نص في الجنايات على أن الجارية لو جنت، ولها ولد صغير يباعان، وهاهنا أولى.

وفي زوائد العمراني أن الوجه الآخر يجري فيما إذا جنت أيضاً، وعلى الصحيح إذا بعناهما، قومت الجارية ذات ولد دون ولدها، فإذا كانت قيمتها مائة، قوم الولد دون أمه، فإذا كانت قيمته خمسين، كان للمرتهن من ثمنها الثلثان، وهذا ما حكاه ابن الصباغ.

ص: 418

وحكى الماوردي، أنا نقول كم قيمة الجارية وحدها، إذا بيعت مع الولد، وكم قيمة الولد إذا بيع مع الأم، وبين العبارتين فرق.

وحكى أمام وجهين كالوجهين فيما إذا رهن أرضاً بيضاء، وكان فيها نوى فقبض الرهن ثم أنبت النوى أشجاراً وبعناها مع الأشجار، فأحد الوجهين في الأرض: أن تقوم بيضاء فإذا قيمتها مائة، ثم يقومها مع الغراس فإذا قيمتها [مع الغراس] مائة وعشرون، فيكون للمرتهن من ثمنها خمسة أسداسه وهكذا، ونظيره من مسألتنا أن تقوم الأم وحدها فإذا قيمتها مائة، ثم يقومها مع الولد فإذا قيمتها مائة وعشرون، فيكون للمرتهن من ثمنها خمسة أسداسه وهكذا.

الوجه الثاني في الأرض، أنا نقومها بيضاء فإذا قيمتها مائة، ثم نقوم الغراس [في الأرض متفرداً فإذا قيمته خمسون، فيكون للمرتهن من منها الثلثان، ونظيره من مسألتنا أن تقوم الأم وحدها فإذا قيمتها مائة، ويقوم الولد وحده مضموماً إلى الأم كما قدرنا الأشجار ثابتة، فإذا قيمته خمسون، فيكون للمرتهن من ثمنها الثلثان، ثم قال: واختيار الشيخ أبي علي والقاضي هذه الطريقة.

وذكر صاحب التقريب معها طريقة أخرى واختارها، أنا نقوم الأم مع الولد وهي حاضنته، ونقوم الولد مع الأم، ولا يفرد واحد منهما بالتقويم على تقدير الانفراد، بخلاف مسألة الغراس.

والفرق: أن الجارية رهنت وهي ذات ولد، فاستحق المرتهن بيعها على نعت الضم، والأرض رهنت ولا غرس فيها، ثم حدث الغراس [من بعد، فلا جرم قدرنا الأرض بيضاً في الوجهين جميعاً، ورجعت ثمرة الخلاف إلى قيمة الغراس]، نعم نظير مسألة الغراس أن تعلق الجارية بولد بعد الرهن.

قلت: وما حكاه صاحب التقريب من الحكم مقارب لما حكيته عن الماوردي، وما قاله من الفرق فيه نظر: من حيث إنه جعل نظير مسألة الغراس، ما إذا حملت بعد الرهن وليس كذلك؛ لأن مسألة الغراس مصورة ما إذا رهنت،

ص: 419

والنوى فيها فهو بمنزلة العلوق بل نظيرها ما إذا علقت ثم رهنها، [وكذلك جزم المحاملي في المجموع بأنه إذا كان فيها النوى وعلم به المرتهن، إما قبل عقد الرهن أو بعده ورضي به ثم نبت نخلاً، أنا إذا بعناهما دفعنا للمرتهن قيمة أرض فيها نخل؛ لأنه لما علم بذلك ورضي به صار راضياً بارتهان أرض ذات نخل، فاستحق قيمتها على تلك الحال].

ثم مقتضى قوله أنها إذا علقت بعد الرهن، يجيء فيها الوجهان في كيفية التقويم، والمنقول في الرافعي أن للمرتهن من الثمن قيمة الجارية ولا ولد لها.

وإذا تأملت ما حكيناه انتظم لك من أربعة أوجه:

فرع: هل يثبت للمشتري إذا كان جاهلاً بأن لها ولداً، وكان الرهن مشروطاً في بيع [الخيار؟].

قال الماوردي: إن قلنا تباع دون ولدها فلا خيار له، وإلا فوجهان، أحدهما – وهو ما جزم به القاضي أبو الطيب في تعليقه [وغيره]: - الثبوت لما يلحقه من النقص في قيمتها.

آخر: إذا رهن بهيمة ذات ولد يرضع، وقلنا لا تباع الجارية دون ولدها، فهل تباع البهيمة دون ولدها؟ فيه وجهان في الاستقصاء.

قال: وإن رهن نخلاً وعليه ثمرة غير مؤبرة لم تدخل الثمرة في الرهن في أصح القولين، ما لا تدخل الثمرة الحادثة بعد الرهن، وهذا هو الجديد وبه جزم بعضهم، كما حكاه ابن الصباغ "ويدخل في الآخر" كما يدخل في البيع، وهذا هو القديم.

وحكم أغصان الخلاف، وورق الآس، والفرصاد حكم الثمرة غير المؤبرة، وأما الأغصان [التي] لا تقصد، والجريد، وكذا الورق الذي ينزل إلى أن يتساقط فإنه داخل في الرهن، وإذا سقط الورق واجتمع منه شيء، كان كما يسقط من الدار المرهونة، قال الإمام: ومن أصحابنا من قال إذا انبترت أو بترت، لم يتعلق

ص: 420

استحقاق المرتهن بها [وجزم في الشامل وتعليق أبي الطيب في الجريد الموجود حالة الرهن بعدم الدخول].

وإذا جرى الخلاف في اندراج الثمرة مع إمكانها بيعها دون النخيل العكس، ففي اندراج الحمل فيه من طريق الأولى، وقد صرح [به] الأصحاب، فإن قلنا بعدم الاندراج، فلو قال رهنتك الجارية وحملها، فهل يكون الحمل مرهوناً؟ فيه تردد للأصحاب قال الإمام: والظاهر أنه لا يندرج، وفي اندراج اللبن الكائن في الضرع حالة العقد طريقان.

أحدهما: القطع بأنه لا يدخل.

والمشهور أنه على الخلاف، ثم هو عند بعضهم بمنزلة الثمار، وعند آخرين بمنزلة الجنين.

وفي الصوف على ظهر الحيوان طريقان:

أحدهما: القطع بدخوله [كالأغصان،] حكاه في التتمة.

وأظهرهما: أنه على القولين في الثمار وزاد بعضهم قولاً ثالثاً فارقاً، بين ما قصر بحيث لا يعتاد جزه، فيدخل دون ما يعتاد جزه فلا يدخل.

فرع: إذا رهن الأشجار فيه وجهان، وكذا في دخول الأساس تحت اسم الجدار، الذي جزم به القاضي أبو الطيب في المغارس عدم الدخول، ولا يدخل البناء بين الأشجار في الرهن عند رهن الأشجار إن أمكن الانتفاع به منفرداً، وإلا فهو على الخلاف في المغارس عند صاحب التقريب، والشيخ أبي محمد، والأشهر عدم الدخول.

قال: وإن شرط في الرهن شرطاً ينافي مقتضى الرهن فإن كان ينفع الراهن أي مثل إن شرط ألا يباع في الدين، أو ألا يباع إلا بأكثر من ثمنه، أو ألا [يتقدم] به عند ازدحام الديون أو أن يكون مضموناً على المرتهن بطل الرهن؛ لأن ذلك مخالف لمقصود الرهن فمنع الصحة كما لو قال بعتك بشرط ألا تملكه.

ص: 421

وفي كتاب القاضي ابن كج أن ابن خيران حكى في إفساد الرهن فيما عدا الصورة الأخيرة القولين الآتيين فيما إذا كان ينفع المرتهن، وحكاهما أبو علي في الإفصاح في الأخيرة أيضاً.

قال ابن الصباغ فيها: والأول أصح.

قال: وإن كان ينفع المرتهن أي مثل أن يشترط أن يباع بأي ثمن كان، وإن قل، أو قبل حلول الحق، أو أن ما يحدث من ثمرة ونتاج وكسب يكون مرهوناً أيضاً، ففيه قولان:

أصحهما: أنه يبطل؛ لأنه شرط باطل، قارن العقد فأبطله، كالشرط المضر بالمرتهن.

والثاني: لا يبطل؛ لأن هذه الشروط لا تقدح في الوثيقة فلغت، وبقي الرهن بحالة بخلاف الشرط الذي ينفع الراهن؛ ولأن الرهن ينزع من الراهن وهذا الشرط فيه تبرع آخر، وأحد التبرعين لا يبطل ببطلان الثاني كما لو أقرضه الصحاح، وشرط رد المكسر، و [قد] حكى عن القديم صحة الشرط، بأن ما يحدث من الثمار أو النتاج يكون مرهوناً، ووجه في صحة شرط ما يحدث من الكسب.

فرع: لو شرط المرتهن أن يبيع الرهن؛ لوفاء الدين، كان الشرط فاسداً، فإن شرط زيادة فاسدة في حق المرتهن، ويبطل بذلك البيع المشروط- فيه ذلك.

[وإن لم يكن الرهن مشروطاً في بيع فهل يفسد الرهن؟ فيه قولان:

ووجه فساد الشرط أن توكيل المرتهن في بيع المرهون لوفاء الدين فاسد، كما سنذكره عن العراقيين وفي النهاية ما يخالفه كما سنذكره في آخر الباب، ويجيء عليه أن يكون الشرط صحيحاً قال: وإن شرط الرهن في بيع، فامتنع [الراهن] من الإقباض، أي بعد عقد الرهن أو أقبضه، ثم وجد به عيباً، ثبت له الخيار في فسخ البيع، أي بعد رد الرهن لأنه لم يرضَ بذمته إلا بتوثيقه، فإذا لم يحصل له كان ذلك نقصاناً وعيباً، فثبت له الخيار، فإن قيل: لما لا يجبر الراهن على الإقباض وفاءً بالشرط عملاً بقوله: صلى الله عليه وسلم "الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِم"؟

ص: 422

قال ابن الصباغ: لان الرهن لا يلزم إلا بالقبض، كما دللنا عليه من قبل، وهكذا الحكم فيما لو شرط في البيع كفيلاً، فامتنع من الضمان لا يجبر، ويثبت للبائع الخيار، ثم الخيار في الرهن يثبت على الفور بعد الامتناع؛ لأنه خيار نقص، والامتناع يكون بعد الطلب، صرح به الماوردي، أما إذا لم يطلع على عيب المرهون إلا بعد تلفه في يده، لم يكن له خيار في فسخ البيع ولا طلب الأرش، وكذا لو شرط في الرهن رهن عبدين فأقبضه أحدهما، وتلف عنده أو تعيب، ثم امتنع الراهن من تسليم الآخر لم يثبت للمرتهن خيار.

قال في الاستقصاء: لأن الخيار يثبت إذا رد المأخوذ على الوجه الذي أخذه، وقد تعذر الرد [لذلك].

وفي النهاية حكاية وجه في ثبوت الخيار أيضاً، وادعى ميل النص إليه.

فرع: إذا خلَّى الراهن بين المرتهن وبين الرهن المشروط في البيع فامتنع من قبضه فهل يجبره القاضي على قبضه؟ فيه وجهان عن رواية صاحب التقريب.

فإن قلنا: لا يجبره أبطل القاضي خياره في فسخ البيع.

[مسألة]: قال: وإن شرط البيع رهناً فاسداً أي: مثل أن قال بعتك عبدي هذا بألف على أن ترهنني به دارك هذه بشرط ألا تباع في الدين، أو بشرط أن تكون منفعة المرهون لي مدة بقاء الرهن، أو يكون مبيعاً منك بعد شهر بالدين، [وما] جانس ذلك بطل في أحد القولين؛ لأن الرهن ينزل في مقابلته جزءٌ من الثمن، فإذا لم يصح اقتضى ضم ذلك الجزء إلى الثمن وه ومجهول فتصير جملة الثمن مجهولاً فبطل لذلك، وهذا هو الصحيح في الاستقصاء وغيره.

قال: دون الآخر؛ لأن الرهن ينعقد منفرداً عن البيع فلم يفسد بفساده؛ كالصداق مع النكاح.

قال أبو إسحاق: ولا يجوز أن يقال الرهن مقابلة جزء من الثمن؛ لجواز اشتراطه في القرض الذي لا تجوز الزيادة عليه بالشرط، وهذه طريقة الشيخ أبي حامد، وقال

ص: 423

القاضي أبو الطيب: فيما إذا شرط أن تكون منافع المرهون للمرتهن إن كانت المنفعة مجهولة: بطل الرهن والبيع، وإن كانت معلومة فقد اشتمل هذا العقد على بيع وإجارة؛ لأنه جعل المبيع في مقابلة الثمن ومنفعة الرهن فيجيء في صحة ذلك القولان السابقان وهذا ما حكاه الماوردي في هذه الصورة.

وقال: أما إذا شرط كون المنافع للمرتهن في نفس الرهن لا في عقد البيع كان الشرط باطلاً، وفي بطلان الرهن قولان، فإن أبطلناه كان في بطلان البيع القولان.

وقال ابن الصباغ: ظاهر كلام الشافعي ما قاله الشيخ أبو حامد.

فرع: لو قال: بعني عبدك بألف على أن أعطيك بها وبالألف التي لك عليَّ داري رهناً [فيه] ففعل كان البيع والرهن باطلين.

أما البيع فلأنه شرط فيه رهناً فيما لا يستحق رهناً فيه فبطل، وإذا بطل جر جهالة إلى الثمن.

وأما الرهن في ثمن المبيع فلبطلان البيع، وفي الألف الآخر؛ لأن الرهن فيه كان بشرط البيع.

وقال ابن أبي هريرة: هذا فساد من جهة الشرط في الرهن وهو شرط ينتفع به المرتهن فكان باطلاً، وفي بطلان الرهن به قولان، فإن صححناه صح البيع، وإلا كان في صحة البيع القولان.

[و] قال الماوردي: والصحيح التعليل الأول وقد حكى عن الشيخ أبي محمد وغيره [في] صحة الرهن بالألف القديم أن كان عالماً بفساد الشرط، أو لم يعلم إذا قلنا بجواز تفريق الصفقة فيه.

ورأى القاضي الحسين عدم صحة الرهن بالألف القديم عند الجهل بالفساد.

قال: ولا ينفك من الرهن شيء حتى يقضي جميع الدين؛ [لأنه قد] تعلق به حق فكان متعلقاً به وبكل جزء منه كرقبة المكاتب، وتركة المديون ولا فرق في قضاء الدين المحصل لفكاك الرهن بين أن يكون يدفع نفس الحق أو بدله، والعبارة الوافية بالمقصود في هذا أن يقال:

ص: 424

ولا ينفك من الرهن شيء حتى يبرأ من عليه الدين من جميع الدين المرتهن به؛ لأنها تشمل ما ينفك به الرهن من القضاء والإبراء والحوالة [على المديون أو منه كما صرح به المتولي في الحوالة] والإقالة والمعاضة.

وكلام الشيخ يقتضي الحصر في القضاء، ولا خلاف في أن العين التي اعتاضها عن الدين لو تلفت قبل القبض عادت وثيقة الرهن كما كانت، كذا لو تقايلا عقد المعاوضة كما صرح به القاضي أبو الطيب وغيره.

ثم هذا كله إذا كان الرهن في عقد واحد من شخص واحد عند واحد والمديون واحد، وكذلك مالك الرهن أو من انتقل إليه بالإرث، فلو رهن نصف العين بعشرة، والنصف الآخر بعشرة فلكل نصف حكم الرهن الكامل.

ولو رهن العين من شخصين على عشرين لهما بالسوية، ثم برئ من دين أحدهما انفك نصيبه بلا خلاف، اللهم إلا أن يتحد جهة الدينين كما إذا أتلف عليهما مالاً أو ابتاع منهما شيئاً، فإنه لا ينفك إلا أن يبرأ من جميع دين الآخر، على وجه غريب رواه صاحب التقريب.

ولو تعدد المدين والراهن وكيل فالأصح التعدد كما لو باشر من عليه الدين بنفسه. ولو تعدد مالك الرهن في صورة الاستعارة والراهن واحد وقصد فك نصيب أحدهما بدفع ما عليه، فالأظهر من القولين في عيون المسائل الانفكاك.

وروى المحاملي وغيره قولاً ثالثاً: أن المرتهن إن كان عالماً بأنه لمالكين فللراهن فك نصيب أحدهما بأداء نصف الدين، وإن كان جاهلاً فلا.

قال الإمام: ولا يعرف لهذا وجهاً.

ولو اتحد الراهن والمدين، وكان المرهون عبدين متماثلي القيمة استعار كلا منهما من مالك فأدى نصف الدين ليخرج أحدهما عن الرهن ففيه طريقان:

أحدهما: القطع بانفكاكه لانضمام تعدد المحل إلى تعدد المالك.

والأظهر طرد القولين [كما حاكه ابن الصباغ. عن الرهن الصغير] وإذا قلنا

ص: 425

بالانفكاك فلو كان الرهن مشروطاً في بيع، فهل للمرتهن الخيار إذا كان جاهلاً بأن المرهون لمالكين؟ فيه وجهان [أو قولان] أصحهما أن له الخيار.

ولو مات الراهن وخلف ولدين فأدى أحدهما نصف الدين، لا ينفك نصف المرهون على أصح القولين، وبه قطع قاطعون.

وقول الانفكاك رواه صاحب التقريب، واستبعده الإمام وقال: إنما ينقدح في فك قدر نصيبه من التركة إذا أدى قدر حصته من الدين؛ بناء على أنه لو أقر بدين على مورثه وأنكر الآخر لا يلزمه إلا قدر حصته، ومقتضى هذا البيان أن يكون هذا القول هوا لصحيح، فإن الجديد أنه لا يلزم المقر من الورثة إلا قدر حصته من الدين، وأيده الرافعي بأن تعلق الدين بالتركة هل هو كتعلق الرهن أو الجناية؟ وفيه خلاف، فإن كان الأول فهو كتعدد الراهن، وإن كان الثاني فهو كما لو جنى العبد المشترك فأدى أحد الشريكين نصيبه فإنه ينقطع عنه التعلق، لكنه خص ذلك بما إذا لم يسبق الموت مرض، وقال فيما إذا سبق الموت مرض: إن التعلق يكون سابقاً على ملك الورثة، لأن للدين أثراً بيناً في الحجر على المريض، فيشبه أن يكون القول في انفكاك نصيبه كما في السورة السابقة يعني في الرهن، وما قاله أخيراً فيه نظر: فإن تصرف المريض في ماله لايختلف على المذهب بين أن يكون عليه دين أم لا.

نعم حكى وجه: أنه إذا وفى بعض ديونه في المرض بجميع ماله أن لمن بقي من أرباب الديون مقاسمته بعد الموت، فإن أراد هذا فهو صحيح لكن لا يعكر [على] هذا على المذهب.

قال: ولا ينصرف الراهن في الرهن بما يبطل به حق المرتهن كالبيع والهبة ولا ينقص به قيمة الرهن كلبس الثوب وتزويج الأمة ووطئها إن كانت ممن تحبل) أي أو كانت بكراً، لقوله صلى الله عليه وسلم "لا ضَرَرَ، وَلا ضِرَارَ فِي الإِسْلامِ" ولما ذكرنا في أوائل باب ما يجوز بيعه، وقد تقدم ثم حكاية ما أبداه الإمام في بيعه، ولو كانت ذات زوج لم يمنع من وطئها لسبق حقه، ولا من صيرورتها أم ولد، وكذا لو طلقها طلاقاً رجعياً لا يمنع من المراجعة.

ص: 426

قال الماوردي: لأنه مع الرجعية مقيم عليها بالنكاح.

قلت: وسنقف في باب الرجعة على خلاف في أن الرجعة في حكم ابتداء النكاح، أو في حكم استدامته؛ حتى أجرى خلاف: في أن العبد هل له المراجعة بغير إذن سيده أم لا؟ فقد يظن جريان مثل ذلك هاهنا [وليس كذلك؛ لأن رضا الحرة غير معتبر في رجعها فلسيد الأمة أولى، وإنما جرى الخلاف ثم؛ لأن رضا الزوج هو المعتبر في الارتجاع؛ فلذلك تبينا ابتداء النكاح].

قال: [وإن كانت ممن لا يحبل أي لصغر، أو كبر وهي ثيب جاز وطؤها كسائر الانتفاعات التي لا تضر بالمرتهن، وهذا قول أبي إسحاق واختاره ابن كج.

وقيل: لا يجوز؛ إذ العلوق ليس له وقت معلوم فإن الطباع مختلفة فيمنع حسماً للباب، كما قلنا في شرب الخمر لما لم يتميز ما يسكر منه مما لا يسكر مع اختلاف الطباع في السكر حرم الجميع، وعلى الوجه الثاني – وهو الذي قال به ابن أبي هريرة والأكثرون- لا يجوز له استخدامها بنفسه؛ حذاراً من وطئه لها.

ويجري الوجهان فيما إذا كانت الأمة حاملاً من زنا وجوزنا وطأها [ويتجه جريان مثل هذا الخلاف فيما لو كانت الجارية لصغير، انتقلت إليه مرهونة بالإرث، وغير ذلك].

تنبيه: إنما مثل الشيخ التصرف المبطل لحق المرتهن بالبيع والهبة؛ ليخرج إبطال حق المرتهن من الرهن باستيفاء القصاص منه كما سنذكره، وتمثيله بما ينقص قيمته باللبس ونحوه؛ ليخرج ما إذا نقص حقه بالمقاسمة، كما إذا رهن من شخصين شيئاً

ص: 427

وقضى دين أحدهما وأراد أن يقاسم المرتهن في المرهون، وكان ينقص بذلك، فإن له المقاسمة على أحد الوجهين كما حكاه في المهذب، والخلاف يجري فيما إذا رهن ما يخصه من شيء مشاع، وأراد الشريك والراهن القسمة، والأظهر أن المرتهن لا يجبر على ذلك.

وحكى الإمام في جواز القسمة خلافاً، وإن كان المرهون مكيلاً أو موزوناً، أو ما يجبر الشريك على قسمته وبناه على أن القسمة بيع أو إفراز حق، ومقتضى هذا البناء ألا تجوز القسمة وإن رضي المرتهن إذا قلنا: إن القسمة بيع ولم نجوز نقل الوثيقة من العين إلى عين أخرى، كما هو أصح الوجهين، أما إذا جوزنا نقل الوثيقة فينبغي أن نجوز، وبالمنع أجاب الإمام، وإن جوزنا نقل الوثيقة؛ لأن هذا تبادل بصيغة البيع، ولا خلاف فيه.

قال الرافعي: والمفهوم من كلام المعظم صحتها.

قلت: وعندي في دعوى الإمام نفي الخلاف في منع التبادل بصيغة البيع نظر، من حيث إن كتب المذهب مشحونة بحكاية قولين فيما إذا أذن المرتهن للراهن في بيع المرهون على دين مؤجل، بشرط أن يكون الثمن رهناً مكانه، فأحد القولين أن البيع والشرط صحيحان، وهذا عين التبادل بصيغة البيع الصريحة.

فإن قيل: الإمام قد وجه هذا القول بأن المرهون إذا هلك، تعلق حق المرتهن بالقيمة، وما يقع لا يمتنع شرطه وليس يقع مثل ذلك فيما ذكرتم؟

قلت: الإمام عمم الحكم بالمنع في المكيلات والموزونات من ذوات الأمثال مع وجود ما علل به قول صحة الشرط والبيع [في المثليات]؛ لأنه إذا تلف الرهن وكان مثليًّا تعلق حق الوثيقة بمثله فاندفع الجواب.

وجعل الشيخ أبو إسحاق – رحمه الله ونفعني به – وطء الجارية مما ينقص القيمة، تفريعاً منه على أن إحباله لا ينفذ فإنه يتوقع من الوطء العلوق، المفضي إلى الطلق وكل منهما منقص للمالية.

أما إذا قلنا بنفوذ الاستيلاد فيحسن إلحاقه بما يزيل الرهن، [ولا يقال] الأحسن

ص: 428

أن يجعل قسماً ثالثاً؛ فإن الأول لو صح أزال الرهن في الحال، وهذا يتوقع به الزوال؛ لأنا نقول سبب الزوال قد يقام مقام الزوال، ألا ترى أن الوطء منعنا منه، وإن قلنا: بعدم نفوذ الاستيلاد مع أنه لا ينقص في الحال، لكنه سبب النقص في المال.

وقوله: بما يبطل به حق المرتهن: فيه إشارة إلى أن محل هذا الكلام بعد القبض إذ به يتعلق الحق له، أما قبل القبض فيصح منه سائر التصرفات من البيع والهبة وغيرهما؛ لفقد المانع منهما، كما صرح به الأصحاب، لكن هل يكون تصرفه رجوعاً عن الرهن؟ ينظر فيه، فإن كان بيعاً أو هبة أو رهناً واتصل بهما القبض أو إصداقاً أو عتقاً أو كتابة أو وطئاً حصل منه إحبال كان رجوعاً، والوطء من غير إحبال والتزويج لا يكون رجوعاً، وكذا الإيجار إن جوزنا بيع المستأجر، وإن لم نجوزه فالأصح أنه رجوع والتدبير رجوع على المنصوص.

وخرج الربيع قولاً أنه ليس برجوع.

وقال الإمام: وهو منقاس إذ بيع المدبر جائز عندنا.

واعلم أن اللغة الفصيحة في قول الشيخ بما ينقص أن تفتح الياء وتسكن النون وتضم القاف المخففة، وبها جاء القرآن العزيز، ويجوز ضم الياء، وفتح النون، وكسر القاف المشددة.

قال: ويجوز أن ينتفع به فيما لا ضرر [فيه] على المرتهن، كالركوب والاستخدام أي والسكنى، وزراعة ما لا يبقى بعد حلول الدين، ولا ينقص قيمة الأرض.

قال: وله أن [بعير و] يؤجر أي: من ثقة إن كانت مدة الإجارة دون محل الدين؛ لأن المنافع ملكه كما سنبينه، ولا ضرر على المرتهن في استيفائها، فكان له الاستيفاء بنفسه، وبمن بينا كما في غير المرهون، وقد حكى عن القديم قولان:

أحدهما: أنه ليس له استيفاء المنفعة بنفسه، ولم يطرده الماوردي في الانتفاع بالأرض [في الزراعة] بل جزم القول بجوازه، وفرق بين الزراعة، والسكنى: بأن يد

ص: 429

الساكن على الدار، وليس للزارع يد على الأرض، وإنما يده على الزرع فلم يمنع منه، ومنع بعض الأصحاب الخلاف في المسألة، وحمل الأول على ما إذا كان ثقة، والثاني على غير الثقة؛ حذاراً من الجحود، وهذا ما صححه الماوردي، والثاني، رواه صاحب التقريب: أن الرهن لا يخرج من يد المرتهن بحال، وعلى المشهور إذا أراد الراهن أخذه، فإن كان غرضه منفعة يدام استيفاؤها؛ كالسكنى فتبقى في يده، وإن كان منفعة تستوفي في بعض الأوقات، كالاستخدام والركوب فتستوفي نهاراً وترد ليلاً.

وهل يجب الإشهاد عند كل أخذ؟ ينظر: إن وثق المرتهن بالتسليم فلا، وإلا أشهد عليه شاهدين أن يأخذه للانتفاع، وإن كان مشهور العدالة موثوقاً به عند الناس فوجهان أشبههما أنه يكتفي بظهور حاله، ولا يكلف الإشهاد لما فيه من المشقة، ومحل ما ذكرناه إذا أراد الراهن شيئاً من الانتفاعات التي يحوج استيفاؤها إلى إخراج الرهن عن يد العدل كالركوب والاستخدام، أما إذا لم يرد ذلك، وكان المرهون مكسباً وتيسر اكتسابه في يد المرتهن، لم يخرج من يده، كذا قال الرافعي.

ثم قال من بعد: وكلام الغزالي في الوسيط، والوجيز يدل على أن العبد لا ينزع من يد المرتهن إذا أمكن اكتسابه، وإن طلب الراهن منه الخدمة والأكثرون لم يتعرضوا لذلك.

وقضية كلامهم: أن له أن يستخدمه مع إمكان الاكتساب، ولا خلاف أن الراهن ليس له المسافرة بالمرهون لحاجة الخدمة والاكتساب، وإن كان السفر قصيراً؛ لما فيه من الخطر، والحيلولة القوية من غير ضرورة، أما السفر لحاجة الرعي ففيه كلام يأتي.

ولو أراد أن يزرع ما لا يستحصد إلا بعد حلول الدين فهل يمنع منه؟ فيه قولان أو وجهان، بناهما الماوردي على جواز بيع الأرض المزروعة، فإن جوزنا البيع جاز له أن يزرع، وإلا فلا، فعلى هذا، لو زرع لا يكلف القلع، قبل حلول الحق، وإذا حل الحق كلف ذلك، إلا أن يختار المرتهن الصبر إلى أوان الحصاد.

وقيل: يجبر على القلع في الحال، وعلى الأول إذا حل الحق، بأن وفي بيع

ص: 430

الأرض به فلا كلام، وإلا كلف قلع الزرع إذ ذاك، إن لم يكن محجوراً عليه، أو بيع الأرض مع الزرع، ودفع المرتهن قيمة الأرض.

وكيف تقوم؟ يتجه أن يكون الحكم فيه أن تقوم الأرض بيضاء، ولا زرع فيها، فما قومت به تعلق حق المرتهن به كما حكاه في الاستقصاء عن نص الشافعي، فيما إذا نبت في الأرض شجر بعد الرهن.

ولو أجر المرهون مدة تنقضي بعد حلول الدين، أو كان حالاً، فعن بعض الأصحاب فيما رواه ابن القطان بناء صحة الإجارة على القولين، في جواز بيع المستأجر، إن لم نجوزه لم تصح وألا صحت.

وزاد الماوردي: إذا لم توكس الإجارة ثمن المرهون.

وفي المهذب: أن أبا علي الطبري، قال: المسألة على القولين في زراعة ما لا يستحصد قبل محل الدين، والمشهور بطلانها قطعاً، أما إذا لم نجوز بيع المستأجر فظاهر، وأما إذا جوزناه؛ فلأن الإجارة الحق فيها للمستأجر، فلا يقدر الراهن على إزالته بخلاف الزرع، ثم القائلون بالمنع لم يفصل الجمهور [منهم].

وفي الحاوي والتتمة في المسألة الأولى: أن الإجارة تبطل فيما زاد على مدة الأجل، وفي الباقي قولا تفريق الصفقة.

قال الماوردي: سواء رضي بذلك المرتهن [يما بعد] أو لم يرض، وحكم إجارته قدر مدة الدين حكم إجارته دون مدة الدين.

ولو مات الراهن في أثناء المدة التي جوزنا العقد عليها، ففي قطع الإجارة وجهان، فإن قلنا لا ينقطع ضارب المرتهن مع الغرماء بحقه في الحال، ثم إذا انقضت مدة الإجارة بيع الرهن في حقه، فإن فضل منه شيء أخذه الغرماء، ثم هذا كله فيما إذا وقع عقد الإجارة من غير المرتهن، أما إذا صدر معه فيصح وجهاً واحداً، ولا يبطل بذلك الرهن، وإن صدرت الإجارة قبل تسليم الرهن [ويتسلمه عنهما]، وهاذ لو كان مستأجراً ثم رهنه من المستأجر [صح].

ص: 431

قال: وإن رهنه بدين آخر، أي: من جنس الأول عند المرتهن ففيه قولان أصحهما: أنه لا يجوز، وهذا هو الجديد؛ لأنه رهن مستحق بدين، فلا يجوز رهنه بغيره كرهنه عند آخر.

والثاني – وهو القديم واختاره المزني -: أنه يجوز؛ لأنه وثيقة على حق ليس عوضاً عنه فجازت الزيادة فيه كالضمان والشهادة]، وقد قيل إن هذا القول محكي في الجديد أيضاً وأيده المزني بأن الشافعي نص في المختصر على أن المرهون إذا جنى، ولم يفده السيد، فاختار المرتهن أن يفديه؛ ليكون رهناً بحاله بالحق الأول، وبما فداه به من الأرش بإذن الراهن صح.

قال الإمام: ومن بدائع الأمور اختيار المزني جواز ذلك مع ميله إلى القياس في اختياراته، وقد أجاب الأصحاب عن الأول بأنه يجوز أن يضمن الضامن دين غيره، ولا كلك الرهن، فإنه لا يجوز أن يجعل على دين غيره، [وحكم المشاهد] يتسع لحقوق كثيرة، وحملوا النص على حكاية القول القديم، ومنهم من حمله على الجديد، وهو الظاهر.

وفرق بأن الذي نص عليه الشافعي إنما جاز؛ لأن الأرش متعلق بالرقبة مع بقاء الرهن، فإذا رهنه به فقد علق بالرقبة ما كان متعلقاً بها، وغيره من الديون لم يكن متعلقاً بها، فلم يجز رهنه به. ولأن المجني عليه يملك استيفاء الحق من رقبته، وإن بطل الرهن به فصار بذلك في معنى الرهن الجائز، ويجوز أن يلحق بالعقد الجائز ما لا يلحق باللازم؛ ولأن ذلك من مصلحة الرهن وحفظه على المرتهن والمالك، بخلاف مسألتنا، ومثار الخلاف في المسألة المستشهد بها عند بعض من أثبته، أن المشرف على الزوال إذا استُدْرِكَ وصِينَ عنه يكون استدراكه كإزالته وعادته، وهو حض استدامة وفيه قولان مأخوذان كما قال الإمام من معاني كلام الشافعي، فإن قلنا بالأول فكأنهما يوافقا على فكاك الرهن، واستأنفاه بالدينين، وإن قلنا بالثاني ففيه القولان، أما إذا كان الدين الأول دراهم والثاني دنانير، وقلنا أنه يجوز، فهل يجوز هاهنا؟ فيه وجهان: أقيسهما في الاستقصاء أنه يجوز، ويجري الطريقان فيما إذا أنفق

ص: 432

المرتهن على الرهن عند عجز المالك على النفقة بإذن الحاكم، وشرطا أن يكون مرهوناً بهما، كما صرح به القاضي أبو الطيب.

فروع:

لو اعترف الراهن بأن المرهون مرهون بعشرين، ثم ادعى أنه رهنه أولاً بعشرة، ثم بعشرة ونازعه المرتهن فعلى القديم لا ثمرة لهذا الاختلاف، وعلى الجديد القول قول المرتهن مع يمينه.

وفي الحاوي حكاية وجه: أن القول قوله من غير يمين، ولو قال المرتهن في جوابه فسخنا الأول واستأنفاه بالعشرين، فالقول قول المرتهن أيضاً؛ لاعتضاد جانبه بإقرار صاحبه، أو قول الراهن؛ لأن الأصل عدم الفسخ؛ فيه وجهان مذكوران في تعليق البندنيجي وغيره، وميل الصيدلاني إلى الأول.

وعن صاحب التهذيب الأصح الثاني.

ومما يترتب على ذلك: أنه لو قال لشاهدين: كان هذا رهناً بألف، فجعلته رهناً بألفين [فيقبل]، [ما لم يصرح] الشاهدان بأن الثاني كان بعد فسخ الأول.

وفي النهاية حكاية وجه عن صاحب التقريب: أنه يلزمه الحكم بكونه رهناً، فإنه يجب على الحاكم حمل ما ينقله الشهود على الصحة، وهذا إذا لم يطلع الشاهدان على شرح الحال، فلو أقر الراهن عندهما بأن [هذا] العبد رهنته عند فلان بألف، [ثم] رهنته بألف أخرى أو جرى الرهن بحضورهما، ثم ترافع المتراهنان إلى الحاكم وجب على الشاهدين أن يشهدا بما تحملاه مفصلاً، إن لم يكونا من أهل الاجتهاد وإن كانا فهل فهما الاجتهاد في ذلك؟ فيه وجهان:

أحدهما: نعم فإن كانا يعتقدان أن القول القديم كان لهما أن يشهدا أنه مرهون بألفين، وألا فيشهدا أنه مرهون بألف.

والثاني: لا، وهو قول أبي إسحاق المروزي.

والأصح في الحاوي: بل حالهما كما لو لم يكونا من أهل الاجتهاد، وهكذا

ص: 433

الحكم في كل شهادة طريقها الاجتهاد، صرح به الماوردي.

وفي النهاية: أن الشاهدين إذا كانا يعتقدان أن ذلك لا يجوز، وأرادا أن يشهدا مطلقاً وينقلا لفظ الراهن: إني جعلت هذا رهناً بألفين، فهل لهما ذلك؟

قال صاحب التقريب: هذا ينبني على أن القاضي هل يقبل ذلك؟

فإن قلنا: لا يقبله، فلا نظر إلى إطلاقهما.

وإن قلنا: القاضي يقضي بالمطلق من شاهدتهما من غير [بحث، ففيه] وجهان، الأصح: أنه لا يجوز الإطلاق.

وقال: وإن أعتقه ففيه ثلاثة أقوال:

أحدهما: يعتق أي موسراً كان أو معسراً، لقوله صلى الله عليه وسلم:"لا عِتْقَ إِلا فِيمَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَم" أثبت العتق في المملوك، والرهن مملوك للراهن، فوجب أن ينفذ عتقه فيه.

وأيضاً فإنه عتق محبوسة لا استيفاء حق، فوجب أن ينفذ فيها عتق المالك، أصله: العبد المبيع في يد البائع والعبد المستأجر والزوجة.

قال: والثاني لا يعتق أي: معسراً كان أو موسراً؛ ولأن العتق معنى يبطل به حق الوثيقة، من عين الرهن مع بقائه؛ فوجب ألا يصح من الراهن بغير إذن المرتهن كالبيع.

قال: والثالث إن كان معسراً لم يعتق، وإن كان موسراً عتق، وأخذت منه

ص: 434

القيمة، وجعلت رهناً مكانه؛ لأنه عتق في ملكه يبطل به حق الغير، فاختلف فيه الموسر والمعسر كالعتق في العبد المشترك بينه وبين غيره، وهذا هوا لصحيح والمنصوص عليه في المختصر، والأولان أخذا من نصه في الجامع الصغير، وهو من الكتب القديمة على عدم النفوذ، فيما إذا كان معسراً، وأن في نفوذه مع اليسار قولين، ومن نصه في الأم على النفوذ إذا كان موسراً، وعلى قولين فيما إذا كان معسراً، فانتظم من ذلك ما ذكره الشيخ.

التفريع:

إن قلنا بالنفوذ مطلقاً فعلى الراهن قيمته يوم الإعتاق، صرح به الأصحاب. وكان يتجه أن يتخرج على الخلاف في وقت النفوذ، وإليه أشار ابن يونس بقوله على الصحيح.

ثم إن كان موسراً أخذت منه في الحال وجعلت رهناً مكانه، قاله في المهذب، ولا يفتقر إلى تجديد عقد الرهن، كما صرح به الرافعي وغيره، ويتجه أن يجيء فيه ما سنذكره في بدل الجناية من بعد.

وفي النهاية: أنه لا يتم ذلك ما لم يقصد المعتق التسليم عن جهة الغرم، وأنه جاز في كل مال في الذمة، حتى لو قال قصدت الإيداع عندك، وقع وديعة.

قلت: وكان يتجه أن يجيء فيه الوجه الذي تقدم، فيما إذا دفع الراهن الرهن إلى المرتهن، وقال قصدت الإيداع، وقال المرتهن: بل قصدت الإقباض عن الرهن، أن القول قول المرتهن لقرينة الحال.

ويمكن أن يفرق بينهما بأن العقد ثم على العين قوى القرينة في جانب المرتهن، وفي تعليق القاضي [أبي الطيب:] أن القيمة تجعل رهناً، إن كان الدين مؤجلاً، وإن

ص: 435

كان حالاً وفي منها الدين، إلا أن يقول الراهن: أقضي من غير هذه القيمة؛ فيكون له ذلك، وإن كان معسراً انتظر يساره، ثم إذا أيسر كان الحكم كما تقدم.

يفرق فيه بين أن يكون الدين حالاً أو على نعت ما قاله أبو الطيب، وكلام الشيخ في المهذب موافق له؛ [فإنه قال: إذا أيسر وقد حل الحق] يطالب به، ولا معنى للرهن.

قال الرافعي: ولك أن تقول: كما أن ابتداء الرهن قد يكون بالحال، وقد يكون بالمؤجل؛ فلذلك قد تقتضي المصلحة أخذ القيمة رهناً، وإن حل الحق إلى أن يتيسر استيفاؤه وبتقدير صحة التفصيل، وجب أن نجري مثله في القيمة التي تؤخذ من الموسر؛ يعني في الابتداء، وهذا سؤال على ما في المهذب كما ذكرناه من قبل.

وإن قلنا بعدم النفوذ مطلقاً، فالرهن باقٍ بحاله، فلو انفك بالبراءة من الدين فقولان أو وجهان.

أظهرهما: أنه لا يحكم بنفوذه أيضاً.

والثاني: وبه قطع قاطعون: أنه ينفذ؛ لأن المانع قد زال. وإن قلنا بالقول الثالث؛ فالحكم في حال الإعسار كالقول الثاني، وفي حال اليسار حكى الإمام عن العراقيين خلافاً في كيفية نفوذ العتق؛ منهم من يخرج في وقت نفوذه ثلاثة أقوال، كما في عتق الشريك.

أحدها: يتعجل نفوذه، وبعده يتوجه الغرم.

والثاني: أن نفوذ العتق بيع مع غرامة القيمة للمرتهن.

والثالث: أن الأمر موقوف على أداء الدين أو قيمته رهنا مكانه.

وهذا الثالث حكاه ابن الصباغ في كتاب الطهارة عن أبي إسحاق.

ومنهم من قطع بالنفوذ في الحال، وفرق بأن عتق الراهن صادف ملكه، والعتق الذي يسريه في العبد المشترك ينفذ في نملك الغير، فيجوز أن يتوقف انتقال الملك فيه إلى المعتق على تقدير ملك الشريك على العوض وإنما يستقر الملك على عوض المتلف إذا بدل وتثبت يد المتلف عليه على ذلك العوض، وهذا هو الأظهر في الرافعي.

واختيار الشيخ أبي حامد كما حكاه ابن الصباغ [عنه] في كتاب الطهارة، وقال

ص: 436

إن ما صار إليه أبو إسحاق من زلاته، وأن القاضي أبا الطيب نَصَرَ أبا إسحاق، وقال: هو نص الشافعي، وأجراه مجرى الشريك إذا أعتق، وبهذا الطريق جزم القاضي ابن كج، ومثل الطريقين يجري على ما حكاه الرافعي وغيره، فيما إذا كان الراهن موسراً، وفرعنا على القول [الأول].

وفي هذا نظر؛ لأنه لو كان معسراً لنفذنا عتقه على هذا القول، فكيف يتوقف مع اليسار.

قال: وإن كانت جارية فأحبلها فعلى الأقوال: أي في أنها هل تصير أم ولد في الحال، [أم لا] وقد تقدم توجيهها، وكلام الشيخ يقتضي التسوية بين العتق والإحبال، وهي طريقة الشيخ أبي حامد، وغيره جعل الخلاف في الاستيلاد مرتباً على العتق، ثم اختلفوا، فمنهم من جعل الاستيلاد أولى بعدم النفوذ؛ لأنه [لا] يفيد حقيقة العتق، وإنما يثبت به [حق] العتق، وجعل أبو إسحاق [والأكثرون] الاستيلاد أولى بالنفوذ؛ لأنه فعل، والأفعال أقوى وأشد نفوذاً، ولهذا ينفذ استيلاد المجنون والمحجور عليهن ولا ينفذ إعتقاهما، وينفذ استيلاد المريض من رأس المال، وإعتاقه من الثلث.

التفريع:

إن قلنا: لا تصير أم ولد لم تبع، إلا بعد وضعها وسقيها الولد اللبأ الذي لا يعيش إلا به، واستغنائه بلبن غيرها وقد تقدم في البيع حكاية وجه في جواز بيع الأمة الحامل بالحر، ولا يباع منها إلا بقدر الدين، وإن نقص قيمة الباقي بخلاف ما إذا اتفق ذلك في العبد، وكانت قيمته مائة وهو مرهون [بخمسين] وكان لا يشتري نصفه إلا بأربعين، ويشتري الكل بمائة؛ حيث يباع الكل دفعاً للضرر عن المالك؛ اللهم إلا أن يوجد من يشتري البعض فيباع الكل دفعاً للضرر عن المالك؛ اللهم إلا أن يوجد من يشتري البعض فيباع الكل للضرورة، وإذا بيع البعض وقبض ثمنه المرتهن انفك الرهن عن الباقي واستقر الاستيلاد فيه، وإذا ماتت الأمة من الطلق

ص: 437

غرم الراهن قيمتها، وعن أبي علي الطبري وغيره أنه لا يجب القيمة؛ لأن إضافة الهلاك إلى الوطء بعيد وإضافته إلى علل وعوارض [تقتضي] شدة الطلق أقرب.

قال الإمام: ولا خير في هذا الوجه فلا تغتروا به، وعلى المذهب بأي وقت تعتبر القيمة؟ فيه ثلاثة أوجه:

أصحها: وقت الإحبال.

والثاني: وقت التلف.

والثالث: أكثر ما كانت من وقت الإحبال إلى وقت التلف.

ولو نقصت بسبب الولادة ضمن أرش النقص، ويفعل به ما ذكرناه في قيمة المعتق.

قال: إلا أنها إذا بيعت بعدما أحبلها ثم ملكها، ثبت حكم الاستيلاد وإن بيعت بعدما أعتقها ثم ملكها لم يثبت العتق.

والفرق: أن الإعتاق قول يقتضي العتق في الحال فإذا رد لغي بالكلية، والاستيلاد فعل لا يمكن رده، وإنما منع حكمه لحق الغير، فإذا زال عمل عمله، وهذا هو الصحيح في الطرفين فقد حكى أن الحكم في الاستيلاد يخرج على القولين، فيما إذا أحبل جارية الغير بشبهة ثم ملكها، وإن اختيار المزني منهما: عدم النفوذ، وهذه الطريقة أظهر عند الرافعي، وحكي وجه آخر في نفوذ حكم الرهن.

تنبيه: إذا عرفت من كلام الشيخ أن حكم الاستيلاد ينفذ إذا ملكها بعد البيع، مع أنه ملك جديد على رأي [نفوذه]، عرفت [نفوذه] من طريق الأولى إذا زال الرهن، والملك باقٍ، وقد جزم بهذا بعضهم، [وبعضهم] خرجه على الخلاف أيضاً.

فروع:

لو علق عتق عبده المرهون بفكاكه صح، وإن علقه بصفة أخرى ووجدت قبل

ص: 438

الفكاك بعتقه على الأقوال، وإن وجدت بعد الفكاك فوجهان:

أصحهما: النفوذ، فلو رهن نصف عبدهن ثم أعتق النصف الآخر، أو أعتق نصفه مطلقاً عتق ما ليس بمرهون، وهل يسري إلى المرهون إن منعنا عتق الراهن؟ فيه وجهان:

أصحهما: أن يسري كملك الغير، وعلى هذا يفرق بين الموسر والمعسر، صرح به الإمام عن المحققين، وفي التتمة أنه يسري بكل حال؛ لأنه ملكه.

ولو دبر المرهون جاز ثم ينظر إذا حل الدين، ولم يكن له مال غيره بيع في الدين وإن كان له مال غيره، وامتنع من بيعه ومن الرجوع في التدبير.

قال في الاستقصاء: قضى الدين من ماله، وبقي على التدبير، وإن مات الراهن قبل الحلول وخلف تركة؛ يخرج المدبر من ثلثها قضى دينه وعتق، وإن لم يخلف سواه واستغرق الدين قيمته بيع فيه، وإن لم يستغرق [قيمته] بيع منه بقدر الدين، ولا يخفى الحكم في باقيه، وقيل: إن التدبير كالعتق، وهذا ما حكاه البندنيجي فيكون فيه قولان، والمنصوص منهما في الأم: أنه يفسخ، ولو وقف المرهون ففي صحته طريقان:

أحدهما: أنه كالعتق؛ لما فيه من القربة.

وأظهرهما: القطع بالمنع، ويفارق العتق؛ لقوته بالسراية وغيرها.

وقال المتولي: إن قلنا إن الوقف لا يحتاج إلى القبول فهو كالعتق، إن قلنا يحتاج إليه فتقطع بالمنع.

واعلم أن جميع ما منع منه الراهن مفروض فيما إذا صدر من غير إذن المرتهن، أما إذا أذن فيه فلا منع منه، ولا غرم بعده، نعم لكيفية إذنه في البيع صور منها: أن يأذن فيه بعد حلول الدين لأجل الوفاء، أو يطلق فالثمن يتعلق حق المرتهن [به]، ولا يملك الراهن البيع لأجل الوفاء، إلا بإذن المرتهن أو نائبه أو الحاكم إن تعذر إذنهما، وإذا أذن فلبيعه شرطان متفق عليهما: وهو ألا يبيع بمؤجل، ولا بما

ص: 439

يتغابن بمثله إلا بإذن المرتهن، فإن خالف بطل العقد، وثالث مختلف فيه: وهو جواز شرط الخيار ثلاثاً من غير إذن، والأصح أنه يجوز، وعليه ألا يسلم المبيع إلا بعد قبض الثمن، [فإن سلمه قبل قبضه ضمن، صرح به الماوردي].

فرع: لو كان نصف الدين حالاً والنصف مؤجلاً، فإن باع الكل في عقد واحد اعتبرت الشرائط المذكورة، وإن باعه في عقدين اعتبرت في أحدهما دون الآخر.

ومنها: أن يكون الدين بعد مؤجلاً، فيأذن في البيع ليعجل له، فالإذن فاسد على المنصوص فلا يستفيد به البيع؛ لفساد الشرط.

وعن أبي إسحاق تخريج قول أنه يصح ويجعل الثمن مرهوناً، مما إذا أذن في البيع بشرط أن يجعل الثمن رهناً، فإن في ذلك قولين سواء كان الدين حالاً أو مؤجلاً.

أصحهما عند المحاملي، والغزالين والماوردي: فساد الإذن فلا يصح البيع، وهو المنصوص عليه في الأم ومقابله في الإملاء وقد قدح قادحون في تخريج أبي إسحاق، من حيث إن الشرط في هذه المسألة صحيح على قول، فصح الإذن المقابل له بخلاف مسألة التخريج، وبعضهم قدح في صحة النقل.

وقال المعتمد فيما روي عن أبي إسحاق على ما يوجد في شرحه ولم يوجد هذا في شرحه، كذا حكاه الإمام عن العراقيين ومثل الخلاف في المسألة المخرج منها، يجري فيما لو أذن في الإعتاق، بشرط أن تكون القيمة رهناً أو في الوطء بهذا الشرط إن اختل.

ولا نزاع في أنه إذا رجع قبل التصرف المأذون فيه صار كما لو لم يأذن، وكذا لو كان أذن في الهبة والرهن والإقباض، ثم رجع قبل الإقباض، ولو رجع بعد البيع في زمن الخيار [و] لم يؤثر رجوعه على أصح الوجهين، ولو رجع ولم يعلم الراهن حتى تصرف ففيه خلاف، ولو اختلفا في الإذن بعد التصرف فالقول قول المرتهن مع يمينه، وهل يثبت إذنه برجل وامرأتين؟ فيه وجهان، والقياس: المنع، ولو نكل عن اليمين حلف الراهن، فإن نكل فهل ترد اليمين على العبد إذا كان التصرف عتقاً أو الجارية إن كان قد أحبلها؟ فيه طريقان:

ص: 440

أحدهما وبه قال ابن القطان: فيه قولان كما لو نكل الوارث عن يمين الرد هل يحلف الغرماء؟

والأصح منهما على ما حكاه الإمام عن العراقيين عدم الرد، وأشبه الطريقين وبه قال أبو إسحاق، والقاضي أبو حامد: القطع بالرد.

ولو اختلفا في صفة الإذن فقال: أذنت بشرط أن يكون الثمن رهناً، وقال الراهن: بل أذنت مطلقاً.

قال الراعي: القول قول المرتهن مع يمينه، ثم إن كان الاختلاف قبل البيع امتنع، وإلا فإن صححنا الإذن فعلى الراهن رهن الثمن، وإن أفسدنا الإذن فإن صدق المشتري المرتهن، فالبيع مردود والرهن باقٍ وإن كذبه مع اعترافه بأصل الرهن فعليه رد المبيع وإن أنكر الرهن حلف، [وتم البيع] وعلى الراهن أن يرهن قيمته.

قلت: وكان يتجه على القول بفساد الإذن، أن يكون القول قول الراهن على قول بناء على ما إذا اختلفا في شرط يفسد العقد؛ لأنهما اختلفا في شرط يفسد الإذن، وقد حكاه الإمام عن بعض أصحابنا، لكنه جعل مادته أن أصل الإذن متفق عليه والمرتهن يدعي ضم زيادة إلى الإذن والأصل عدمها، وهذا يطرد على قول صحة الشرط ومقابله، وما أبديته خاص بقول الفساد.

ولو اتفقا على الإذن وعلى صورة الرجوع فيه، واختلفا هل حصل التصرف قبل الرجوع أو بعده؟ فالقول قول المرتهن على الصحيح.

وقيل: قول الراهن لقوة جانبه بالإذن الذي سلمه المرتهن.

وفي التهذيب: أن الراهن إن قال أولاً: تصرفت بإذنك، ثم قال المرتهن: كنت رجعت قبله فالقول قول الراهن مع يمينه، [وإن قال المرتهن: رجعت، فقال الراهن: كنت تصرفت قبله فالقول قول المرتهن مع يمينه]، ولو أنكر الراهن أصل الرجوع فالقول قوله مع يمينه، وعلى الصحيح إذا تعذر رد الرهن، كان على الراهن غرم قيمته يكون رهناً مكانه أو قصاصا. ً

فرع: لو أذن المرتهن للراهن في الوطء، وأتت الأمة بولد، وادعى الراهن أنه

ص: 441

من الوطء المأذون فيه، وأنكر المرتهن صدور الوطء، فثلاثة أوجه:

أحدها: أن [يكون] القول قول الراهن؛ لأنه مأذون له في أمر يقدر على إنشائه، فيقبل منه الإقرار به.

والثاني: القول قول المرتهن؛ [لأن الأصل عدم الوطء، فصار] كما لو علق طلاق زوجته على زناها، فادعته فإنه لا يقع الطلاق على المذهب، وفرق القائل الأول بأن الراهن سلط على التصرف بالوطء، فقبل إقراره [في] زمن تسليطه، وهذا المعنى لا يتحقق في تعليق الطلاق، وإن كان بدخول الدار، فإنه ليس فيه تسليط على أمر وتولية في شيء.

والثالث: إن كان الراهن ابتدأ بدعوى الوطء فالقول قوله، وإن كان المرتهن ابتدأ بدعوى عدم الوطء فالقول قوله، وهذا ما اختاره القاضي الحسين، وهو ضعيف عند الإمام.

ولا خلاف في أن المرتهن إذا اعترف بالوطء، وأن الولد منها، وأنكر أن يكون من وطء السيد في نفوذ الاستيلاد.

قال: وإن جنى – أي: المرهون – عمداً يوجب القصاص؛ اقتص منه؛ لقوله تعالى: - وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا} [المائدة: 45] إلى آخرها، ولأن القصاص موضوع للانتقام والردع وحراسة النفوس، قال الله تعالى: - وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة:179] وذلك يستوي فيه المرهون وغيره، ولا فرق في ذلك بين أن تكون الجناية على أجنبي، أو على المالك الراهن في نفس أو طرف؛ لأن المالك إلى الانتقام من عبده أحوج من غيره؛ لأن العبد يحصل في نفسه على سيده حقد في استخدامه وتأديبه.

لكن هل للسيد أن يستوفي منه القصاص بنفسه إذا استحقه أو السلطان يستوفيه له؟ فيه وجهان في الحاوي.

قال: وإن جنى خطأ، أي على أجنبي، أو عمداً وعفا عنه على مال، أو أطلق العفو، وقلنا: مطلقه يقتضي المال قال: بيع في الجناية أي: بجملته إن كان أرشها يستغرق

ص: 442

قيمته، أو بقدره إن نقص عنها وأمكن لأن حق المجني عليه يقدم على حق المالك؛ فلأن يقدم على حق المستوثق كان أولى، ولا يبطل حق المرتهن بالجناية، بل بالبيع فيها حتى لو عفا مستحق الأرش عنه؛ بقى حق المرتهن بحاله، ثم هذا إذا كانت الجناية بغير إذن السيد، ولم يختر السيد ولا المرتهن الفداء.

فلو كانت بإذن السيد؛ نظر: إن كان العبد يعتقد وجوب طاعة السيد في ذلك كالأعجمي، فالجاني هو السيد وعليه القصاص أوالضمان، لكن هل يتعلق الأرض برقبته؟ فيه وجهان منقولان في الرافعي وغيره.

وأظهرهما: المنع، وعلى مقابله إذا بيع في الجناية، فعلى السيد أن يغرم قيمته؛ ليكون رهناً مكانه، ومقتضى هذا الإطلاق أنا على قول التعلُّق بيع العبد، موسراً، كان السيد أو معسراً.

وفي الشامل وغيره من كتب العراقيين بعد حكاية، أن العبد لا يتعلق به شيء، أن من أصحابنا من قال: يباع العبد في الجناية، إذا كان السيد معسراً لا مال له غيره، فإن لم ينك الإطلاق محمولاً على هذا؛ كان ذلك وجهاً ثالثاً، وإن كان يعرف أن طاعة السيد في ذلك لا تجوز، فهو كما لو لم يأذن له السيد. ويستوي في ذلك البائع وغيره، ولو اختار الراهن أو المرتهن الفداء امتنع البيع، وبكم يفدي؟ فيه قولان:

أحدهما: أقل الأمرين من أرش الجناية وقيمته.

والثاني: أرش الجناية.

إما إذا جنى على السيد، أو من يتعلق به فينظر: إن جنى على طرف السيد فلا أرش له، وإن كان عمداً وعفا على مال؛ لأن السيد لا يثبت له على عبده مال، ويبقى الرهن كما كان.

وحكى المحاملي، [والبندنيجي]، والشيخ في المهذب عن ابن سريج رواية قول أنه يثبت له الأرش، ويتوسل ببيعه إلى فك الرهن، وغيرهم حكاه وجهاً عن ابن سريج.

وإن جنى على نفس السيد؛ ففي ثبوت الأرش، إذا كانت الجناية خطأ أو عمداً،

ص: 443

وقد عفا الوارث على مال، قولان، حكاهما المحاملي وغيره عن نصه في الأم.

وأصحهما في تعليق أبي الطيب وغيره: أنه لا يثبت، وقد بنى أبو علي بن أبي هريرة والشيخ أبو حامد، وتابعهما الماوردي – القولين على أن الدية تبت للوارث ابتداء أم تلقيا، فإن قلنا بالأول ثبت المال؛ لاستفادته من جنايته على الغير.

قال الماوردي: وعلى هذا يباع العبد وينضاف ثمنه إلىلتركة؛ ليقضي منها ديون السيد الراهن، وتنفذ منه وصاياه، ويكون المرتهن [في ثمنه]،وجميع الغرماء أسوة، كما يكونون في جميع التركة أسوة، وإن قلنا بالثاني؛ لم يثبت؛ [لأنه لم يثبت] للقتيل حتى يتلقى عنه.

وحكى الفوراني عن القفال أنه قال في كرة: هذا البناء وأنا إذا قلنا: إن الدية تثبت للوارث ابتداء؛ انبنى على ما لو جنى عليه عبده، ثم ملكه هل يستدام الأرش عليه إلى أن يعتق أو يسقط؟ وفيه خلاف سنذكره، وأنه قال فيكرة أخرى: لا يثبت له الأرش؛ إذ لو ثبت بعد موت المورث [فهو] عقيب موته يدخل في ملكه، وهذا ما اختاره القاضي الحسين، وجزم به، وحكى ابن الصباغ عن الأصحاب أن خلافه ليس بصحيح، وعلى ذلك جرى الغزالي في البسيط، وزاد فادعى نفي الخلاف [فيه]، وأنه لم يخرج على أن الدية تثبت للوارث ابتداء أم تلقيا.

ووجهه بأمر آخر: وهو أنا، وإن قلنا: إن الدية تثبت للوارث ابتداء، فلابد من إمكان الملك للمورث ولا إمكان هاهنا.

ولو جنى على ابن السيد أو أبيه أو مكاتبه نظر:

إن كان على طرفه؛ فلكل منهم الأرش والعفو على مال، إذا كانت الجناية عمداً، فلو مات القريب أو عجز المكاتب قبل الاستيفاء، وانتقل حقه إلى السيد الراهن؛ كان له بيعه في حقه كما كان للمورث، ويحتمل في الاستدامة ما لايحتمل في الابتداء.

وحكى الإمام مع هذا وجهاً آخر وصححه موافقاً فيه الصيدلاني: أنه لما انتقل إليه سقط حقه، ولا يجوز أن يثبت له عند استدامة الدين، كما لا يجوز أن يثبت له ابتداء،

ص: 444

وشبه الخلاف بالخلاف فيما إذا ثبت له عند غيره مال، ثم ملكه، هل يسقط أو يبقى حتى يبيعه به بعد العتق؟

والأقيس في تعليق القاضي الحسين السقوط، وهو الصحيح في شرح فروع ابن الحداد [في باب الحوالة، وفي الرافعي في الفصل الخامس في تزويج العبيد أن الصحيح: انه لا يسقط، وكلام ابن الصباغ في الحوالة يرشد إليه].

قال الإمام: وهذا ما اشتملت عليه الطرق – يعني: التشبيه – واتفق عليه الأصحاب، وكانهم تواصوا فيه، وهو في نهاية الإشكال من جهة أن الملك في العبد مستدام، والإرث إن أثبت له ملكاً أثبته جديداً [على مملوكه] فكيف يكون الاستحقاق الطارئ على الملك بمثابة الملك الطارئ على الاستحقاق؟

ثم أجاب بأن الدَّين إذا ثبت لغيره، فنقله إليه بالإرث إدامة لما كان، كما أن إبقاء الدين الذي كان له على عبد الغير بعدما ملكه إدامة لما كان؛ فانتظم التشبيه من هذا الوجه.

ولهذا المعنى أشار الغزالي بقوله: والإرث دوام.

[هذا إن كانت جناية العبد على طرف ابن السيد، أو أبيه، أو مكاتبه، أما إن كانت] على نفسه ففي الحاوي حكاية عن النص في الأم: أن له أن يعفو على الدية.

وفي الرافعي بناء ذلك على أن الدية تثبت للوارث ابتداء أم تلقيا؟ فعلى الأول: لا يثبت على المذهب.

وعلى الثاني: يكون على الوجهين في قطع الطرف.

ولو جنى على عبد آخر للمرتهن [نظر: إن] لم يكن مرهوناً؛ فالحكم كما لو جنى على السيد والحكم في القن والمدبر وأم الولد سواء. وإن كان مرهوناً نظر: فإن كان عند أجنبي؛ فللراهن القصاص إن كان عمداً، والعفو على مال لحق

ص: 445

المرتهن ويتعلق برقبته، وكذا لو كانت خطأ.

ولو عفا [بغير مال [وكانت الجناية عمْداً:]

فإن قلنا: موجب العمد احد الأمرين [، أي: القصاص أو الأرش؛] وجب المال، ولم يصح عفوه عنه إلا برضا المرتهن.

وإن قلنا: موجبه القود عيناً، فإن قلنا: إن مطلق العفو لا يوجب المال، صح العفو، ولم يجب المال.

وإن قلنا: يوجبه [فوجهان:

أصحهما: أنه لا يثبت؛ لأن القتل لم يوجبه، وإنما يجب بعفوه المطلق أو بعفوه على مال، وذلك نوع اكتساب، وليس عليه اكتساب للمرتهن.

وإن عفا مطلقاً، فإن قلنا: مطلق العفو يوجب المال، ثبت إما على الجديد أو على القديم.

وإن قلنا: لا يوجبه صح العفو، بناء على القديم، وبطل رهن مرتهن القتيل، وبقي القاتل رهناً كما كان.

ولو امتنع من القصاص والعفو في الحال، ففي الإجبار عليه طريقان:

أحدهما: يجبر؛ لكون المرتهن على ثبت من أمره.

والثاني: إن قلنا: موجب العمد أحد الأمرين أجبر، وإن قلنا: موجبه القود، فلا، وهذه الأبحاث بعينها تجري فيما لو جنى على العبد المرهون أجنبي عمداً.

ثم مهما وجب المال في مسألتنا، وكان أكثر من قيمة القاتل أومثلها، فوجهان:

أحدهما: أن القاتل يصير مرهوناً عند مرتهن المقتول.

وأظهرهما، وهو اختيار القاضي الحسين: بأنه يباع ويجعل الثمن رهناً عنده؛ لأن حقه في مالية العبد لا في العين، وقد يرغب راغب بزيادة، فيتوثق المرتهن للقاتل بتلك الزيادة، وقد وافق الماوردي على تصحيحه، إلا أن يقطع بنفي الزيادة، وإن كان أقل فعلى الأول: ينتقل إليه من القاتل بقدر الواجب، وعلى الثاني: يباع منه بقدره إلا أن يتعذر بعي البعض، أو ينقص قيمة الباقي، فيباع الكل، ويكون الفاضل مرهوناً عند

ص: 446

مرتهن القاتل، وهذا ما حكاه الماوردي وابن الصباغ والمحاملي مع حكايتهم الوجهين في الصورتين المتقدمتين.

والوجهان محلهما إذا طلب الراهن نقل الوثيقة إلى القاتل، والمرتهن بيع القاتل.

أما إذا انعكس الحال، فالمجاب الراهن.

ولو اتفقا على أحد الطريقين، فليس لمرتهن القاتل المناقشة وطلب البيع.

قال الرافعي: وقضية التوجيه الثاني لأظهر الوجهين، أن له ذلك، وإن كان القاتل مرهوناً عند مرتهن المقتول، فإن كان بذلك الدين فلا مستدرك، وإن كان بدين آخر نظر [فإن استويا في الحلول والتأجيل، والجنس، والاستقرار أو عدمه، والقدر، واستوت قيمة العبدين كانت الجناية هدراً؛ إذ لا فائدة في نقل الوثيقة.

وإن اختلفا في الحلول والتأجيل، أو قدره، فله أن يتوثق بالقاتل في الدين الذي كان المقتول مرهوناً به، وألحق الغزالي اختلاف الجنس بالاختلاف في الحلول والتأجيل، وهو الراجح، والنص بخلافه، وبه قال عامة الأصحاب.

والاختلاف في الاستقرار [لا غير] ينظر فيه:

إن كان المستقر مارهن به القاتل، فلا معنى للنقل.

وإن كان ما رهن به المقتول، ففي الشامل حكاية وجهين عن رواية أبي إسحاق.

وإن اختلفا في القدر لا غير نظر: فإن كان المقتول مرهوناً بأكثرهما، فللمرتهن حق نقل الوثيقة، وإن كان بأقلهما، فالجناية هدر.

وإن اختلفت قيمة العبدين لا غير، فإن كانت قيمة المقتول أكثر، فالجناية هدر، وإن كانت أقل، نقل القدر الزائد، وبقي الباقي رهناً بما كان.

وحيث قلنا بنقل الوثيقة، فيقام ثمنه مقام القتيل، إذ عينه فيه الوجهان السابقان، وإن قلنا لا ينقل الوثيقة فلو قال المرتهن: إني لا آمنه، وقد جنى فبيعوه، وضعوا ثمنه مكانه فهل يجاب إليه؟

روى الإمام فيه وجهين.

قال: وإن أقر عليه السيد بجناية الخطأ أي: منسوبة إلى ما قبل الرهن،

ص: 447

وصدقه المقر له وكذبه المرتهن، قال: قبل في أحد القولين؛ لأنه أقر في ملكه بما لا تهمة تلحقه، فنفذ كما في غير المرهون؛ ولأن الرهن يوجب حجراً لحق الغير؛ فلا يمنع من نفوذ الإقرار في العين كالمريض إذا أقر بجناية في رقبة عبده، قال:[ولا يقبل في] الآخر؛ لأنه محجور عليه في التصرف فيه فلا ينفذ إقراره فيه كالسفيه، وهذا هوا لصحيح، واختاره المزني.

قال ابن الصباغ: وما قاله الأول من عدم التهمة فغير مسلم؛ لأن التهمة تلحقه في إبطال الرهن، ومواطأة المقر له، فلم يقبل قوله، كما لو باع ثم أقر بأنه كان مغصوباً أو جانياً، ويجري الخلاف فيما لو أقر بأنه رهنه وأقبضه كما حكاه البندنيجي، أو أعتق العبد أو غصبه أو اشتراه شراء فاسداً، أو باعه قبل الرهن.

[وفي تعليق أبي الطيب في باب التفليس حكاية قولين، فيما إذا أقر المفلس بعد الحجر بدين قبل الحجر، كان في مشاركة المقر له للغرماء قولان: أصحهما: المشاركة، ثم قال: وهما بعينهما جاريان فيما لو رهن شيئاً ثم أقر بأنه ملك غيره، وهذا يقتضي أن الصحيح فيها قبول الإقرار].

وقال ابن الصباغ [فيما نحن فيه: كان] ينبغي أن يكون لنا قول آخر، أنه إن كان معسراً لم ينفذ إقراره [بالعتق]، وإن كان موسراً نفذ، ويجري مجرى الإعتاق، وهذا قد أبداه غيره قولاً، ونقله الإمام في الصور كلها، وجعلها ثلاثة أقوال وأن على الثالث يلزمه أن يغرم قيمة المرهون؛ لتوضع رهناً، فإنه تسبب بقوله إلى بطلانه.

وحكى أن بعض الأصحاب أجرى الخلاف فيما لو باع ثم أقر بما يبطله، وأن شيخه رمز إليه ويعضده أن الرافعي حكى أيضاً في أواخر التحالف أن المشتري إذا رد المبيع بعيب، ثم قال بعد ذلك: كنت أعتقته يرد الفسخ ويحكم بالعتق، ومع هذا فقد قال الإمام: إنه هفوة ولا يعتد به؛ فإنه أقر بما هو خارج عن ملكه بخلاف إقرار الراهن، ثم قال: وقد يعترض للناظر أن الراهن إذا أقر بكونه غاصباً، فليس إقراره في محل ملكه على زعمه، وفيه الأقوال.

ص: 448

ويجري الخلاف فيما لو أقر باستيلاد سابق على الرهن، وفيما لو أتت الجارية بولد فأقر أنه [منه] من وطء قبل الرهن، ولم يقر بأنها علقت ولم يكن ثَمَّ بينة على الوطء، وحكى الإمام في هذه الصورة وجهاً فارقاً بين أن تأتي بالولد لستة أشهر، فما دونها من وقت الإقباض، وبين أن تأتي به لأكثر من ذلك، وإن كانت ثَمَ بينة على الوطء. حكم بالاستيلاد إذا أقامها أو أقامتها الأمة، ولا نظر إلى أن إقامة البينة على الوطء لا يلزم منها الشهادة بالعلوق؛ لأن العلوق عيب فلا شيء يدار عليه الحكم إلا الوطء، وكذلك إذا اعترف بوطء مملوكته لحقه الولد في زمن الإمكان، وإن لم يكن منه إقرار بالعلوق.

واعلم أن الخلاف في قبول الإقرار بالعتق والاستيلاد مفرع على القول بأن عتقه واستيلاده نافذ، إذا صدر في حالة الرهن، من حيث إنه قادر عليه حساً وممنوع منه شرعاً، كما جرى الخلاف في قبول إقرار السفيه بالإتلاف كذلك، أما إذا قلنا عتقه واستيلاده لا ينفذ فلا يقبل إقراره وجهاً واحداً، أشار إلى ذلك الإمام.

التفريع:

إن قلنا بالأول فهل يحلف الراهن؟ فيه قولان في الحاوي، ووجهان في الشامل، وجه عدم التحليف وهو اختيار القاضي أبي الطيب، أنه لو رجع عن إقراره لم يقبل رجوعه، ومقابله، هو اختيار الشيخ أبي حامد، وعلى الوجهين إذا حلف حكمنا ببطلان الرهن على الصحيح من المذهب، في أن رهن العبد الجاني جناية خطأ لا يجوز حتى لو فداه السيد، أو بيع في الجناية، وفضل من قيمته شيء لا يتعلق به [حق] المرتهن.

وفي الحاوي وغيره حاكية قول آخر معزي إلى الإمام، أن على المذهب حق المرتهن يتعين فيما فضل، وفي العبد إذا فداه السيد.

وإذا نكل الراهن عن اليمين، فهل ترد على المجني عليه أو على المرتهن؟ فيه وجهان في الحاوي، والمشهور منهما فيه جزم أكثرهم أنها ترد على المرتهن، فإن رددناها على المجني عليه فحلف، [فكان كحلف الراهن فإن نكل بقي الرهن، وإن رددناها على المرتهن فحلف] استمر الرهن.

ص: 449

وحكى الرافعي وغيره أن فائدة حلفه على قول حكاه الصيدلاني وغيره: أن يغرم الراهن قيمته ليكون رهناً مكانه ويباع العبد في الجناية بإقرار الراهن.

وعلى الأول وهو الصحيح: هل يستحق المجني عليه على الراهن أرش الجناية؟ فيه قولان، وإن نكل فهل ترد على المجني عليه؟ فيه وجهان، وعلى القول الثاني: يحلف المرتهن على نفي العلم بالجناية، وإذا حلف استمر الرهن.

وهل يغرم الراهن للمجني عليه شيئاً؟ فيه قولان، أصحهما وهو اختيار المزني: نعم.

وإن نكل عن اليمين، فهل ترد على المجني عليه، أو على الراهن؟ فيه قولان، أصحهما في الشامل: الأول؛ فإن رددناها على المجني علي، فنكل فلا شيء له على الراهن؛ لأنه قادر على حقه بيمينه.

لكن العبد إذا عاد إليه تعلق حقه برقبته.

وهل يحلف الراهن؟ فيه وجهان: وإن رددناها على الراهن، وحلف بيع العبد في الجناية.

وإن نكل فهل ترد على المجني عليه؟ فيه وجهان مخرجان من غرماء المفلس، فإن لم يدها عليه ففي تغريم الراهن شيئاً للمجني عليه، فيه القولان.

وفي قدر ذلك المغروم طريقان:

أحدهما: حكاية القولين في فداء العبد الجاني.

والثاني: القطع بأنه لا يغرم إلا أقل الأمرين، كما في أم الولد، وهذا ما قال [به] الأكثرون.

أما إذا أقر عليه بجناية صدرت بعد لزوم الرهن قال الرافعي: فالقول قول المرتهن، ولا غرم عليه، وحكى ابن كج وجهاً آخر: أنه يقبل.

وفي الجيلي إجراء ما ذكرناه من القولين في هذه الصورة أيضاً [وسيأتي في باب الفلس، حكاية طريقة مثل هذه فيما إذا أقر المفلس بدين] وقد أبدى القاضي الحسين في تعليقه في هذه الصورة احتمالين:

ص: 450

أحدهما: إلحاقها بالصورة الأولى.

والثاني: أنه يقبل في الحال؛ لأن الجناية تقدم على الرهن.

ورأيت في كلام الإمام ما يقتضي أن يكون الخلاف في هذه الصورة مرتباً على الخلاف في الصورة السابقة، إن قلناه ثَمَّ، فهاهنا أولى وإن لم نقبله ثَمَّ، فهاهنا وجهان، فإنه قال بعد ما حكيناه من التفريع في الصورة الأولى، وهذا كله إذا قلنا: إن رهن العبد الجاني لا يصح، أما إذا قلنا: إن رهنه صحيح فقد تردد الأئمة في ذلك؛ بناءً على أنه لا يقبل إقراره في الصورة الأولى، فقال بعضهم: إقراره مقبول بتقدم الجناية، وإنه لا منافاة بين تصحيح إقراره بتقدم الجناية وبين الرهن، وهو مطلق أقر بأمر ممكن في ماله وليس كما إذا فرعنا على أن رهن الجاني مردود فإنه إذا رهن واقتص ثم أقر، فإقراره يتضمن مناقضة ما قدمه من عقده وإقباضه فلم يقبل منه، وذهب بعضهم إلى رد إقراره هذا أيضاً؛ فإن قبول إقراره يتضمن نقض يد المرتهن، والرهن إذا انبرم بالقبض فمقتضاه لزوم حق المرتهن، فإذا أتى بما يناقض قوله ومضمون فعله رد. انتهى.

وما ذكره دليل على ما قدمناه للمشاركة في المعنى المذكور، وإذا كذب المقر له المقر فيما أقر به، بقي الرهن بحاله بلا خلاف.

فرع: لو أقر بجناية ينقص أرشها عن قيمة العبد ومبلغ الدين فالقول في مقدار الأرش على الخلاف السابق، ولا يقبل فيما زاد على ذلك لظهور التهمة.

وقيل: يطرد الخلاف فيه.

واعلم أن الشيخ احترز بقوله: وإن أقر عليه بجناية الخطأ؛ عما إذا أقر عليه بجناية العمد، فإنه لا يقبل وجهاً واحداً، نعم إقرار العبد بها مقبول مع تكذيب السيد وإن أضر به لنفي التهمة، واستحق القصاص أن يعفو على مال، ويثبت في رقبة العبد يباع فيه، ويقدم على حق المرتهن إلا أن يفدى كما تقدم.

وفي تعليق القاضي الحسين: إن عفو ولي الدم ينبني على أن موجب العمد القود، والدية أحدهما لا بعينه أو القود عيناً.

ص: 451

فإن قلنا بالأول ففيه خلاف مرتب على ما إذا أقر بسرقة مال، وأولى بأن ينفذ الصلح من حيث إنه في السرقة أقر بشيئين: القطع والمال، فلم يقبل في المال في الحال لحق المولى، وفي مسألتنا الإقرار بأحد الأمرين لا بعينه، ولم يكن في علمه أنه يأخذ المال دون القصاص، فكان أبعد عن التهمة.

وإن قلنا بالثاني انبنى على أن مطلق العفو على هذا، هل يقتضي المال؟

فإن قلنا: يقتضيه صح وتعلق برقبته، وإن قلنا لا يقتضيه، فهو مرتب على قولنا: الواجب أحد الأمرين وأولى بالثبوت.

والفرق أن أصل القتل ما أوجب المال.

قال: وإن جنى عليه تعلق حق المرتهن بالأرش أي: إذا ثبت إما في صورة الخطأ، أو عمد الخطأ، وقتل من لا يكافئه، أو عند وجوب القصاص، وعفا السيد فواً يوجب المال، كما قدمناه، ووجهه: أن الأرش بدل عن الفائت، فقام مقامه في تعلق الحق به، والقابض لذلك من كان الرهن تحت يده.

قال الماوردي: وليس للراهن قبضه، وهل يحتاج إلى استئناف رهن فيه ظاهر كلام الأصحاب أنه لا يحتاج.

وفي الرافعي في كتاب الوقف حكاية خلاف فيه، وعلى الأول هل يوصف قبل الأخذ بأنه مرهون؟ فيه خلاف فمن منع قال: لأنه دين والدين لا يرهن، ومن جوز هذا الإطلاق قال: هو مال.

قلت: ويشبه أن تكون مادة الخلاف في أن رهن الدين ابتداء هل يجوز؟ ويجوز أن يكون هذا بناء على المذهب في منع رهن الدين، ويغتفر في الاستصحاب ما لا يغتفر في الابتداء ولا فرق في الجناية بين أن تذهب قيمة المرهون أو تنقصها، فلو أذهبت حرًّا ولم تنقص من القيمة شيء، كما إذا قطع ذكر العبد، ففي الحاوي أن القيمة الواجبة بهذه الجناية تختص بالراهن ولا يتعلق بها حق المرتهن كالنماء.

فروع:

أحدها: لو ضرب الجارية المرهونة [ضارب]، فألقت جنيناً ميتاً فعلى الضارب

ص: 452

عشر قيمة الأم؛ لأنه يكون مرهوناً؛ لأنه بدل الولد، فإن دخلها نقص لم يجب بسببه شيء آخر ولكن قدر أرش النقصان من العشر يكون مرهوناً، قاله الرافعي، وكلام صاحب الاستقصاء والقاضي [أبي الطيب] يفهم أنه لا يكون شيء منه مرهوناً في هذه الحالة أيضاً وقد حكاه الإمام عن العراقيين صريحاً، قبيل باب الرهن والحميل: فيما إذا نقصت نقصاناً عائداً إلى صفتها زائداً على مزايلة الولد، وأنهم وجهوا ذلك بأن الولد ليس مرهوناً ونقصانها يندرج تحت بدل الجنين، وصير نقصانها بمثابة نقصان بآفة سماوية ثم قال: وهذا حسن لطيف.

الثاني: لو ألقته حيًّا ومات ففيما على الجاني؟ قولان:

أصحهما: قيمة الجنين حيًّا وأرش نقص الأم إن نقصت، ويتعلق حق المرتهن بالأرش.

والثاني: أكثر الأمرين من [أرش النقص] أو قيمة الجنين.

فعلى هذا إن كان الأكثر قيمة الجنين فقدر الأرش من المأخوذ حق المرتهن متعلق به، وإن كان الأكثر الأرش، كان حق المرتهن يتعلق بجميعه [حتى لو عفا الراهن عن الأرش لا يصح وفيه قول: أن العفو موقوف ويؤخذ المال في الحال فإن انفك الرهن بغيره فك رد الجاني، وبان صحة العفو ولا تأتي بطلانه].

كذا حكى الرافعي، [وقول وقف العفو هو الذي حكاه البندنيجي].

وفي الاستقصاء وتعليق القاضي أبي الطيب حكاية القولين [في الأصل]، على غير هذا الوجه.

أحدهما: أن الواجب قيمة الولد، ولا يجب أرش النقص؛ لأنه يدخل فيه، ولا يتعلق حق المرتهن بذلك.

والثاني: يجب أكثر الأمرين من قيمة الولد حيًّا، وما نقص من قيمة الأم، فإن كانت قيمته حيًّا أكثر وجبت للراهن، ولا يتعلق بها حق المرتهن، ويصح عفوه عنه، وإن كان ما نقص أكثر كان رهناً.

قال الإمام: والوجه أن يتخرج ذلك على أن الحمل الموجود يوم الرهن هل يدخل

ص: 453

تحت الرهن؟ فإن قلنا: إنه داخل؛ فيجب أن يكون المأخوذ من الجاني رهناً كيف كان، وإن قلنا: لا يدخل فإن أوجبنا قيمة الجنين لم يكن رهناً، وإن أوجبنا نقصان الولادة، فالمسألة محتملة.

والأصح عندي: أنه لا يكون رهناً.

وقد ظهر لك من مجموع ما حكيناه أن في المسألة خارجاً عما أبداه الإمام من عند نفسه أربعة أقوال [لكن في حال تظهر لك من بعد،].

فإن قال قائل ليس في المسألة إلا قولان، وما ذكرته من الاختلاف محمول على حالين يرشد إليهما كلام الإمام، فإنه حكى عن العراقيين القولين اللذين حكيناهما عن رواية أبي الطيب، ثم قال: والذي يجب الاعتناء به فهم صورة المسألة فإذا كانت وهي ماخض تساوي مائة، وإذا ولدت صارت تساوي تسعين، ولم يظهر فيها نقص إلا أن الولد زايلها، فنقصت لذلك لا لعيب أحدثته الولادة، ثم انفصل الولد حيًّا وعليه أثر الجناية فمات، فالذي حكاه أبو الطيب وغيره محمول على هذه المصورة، والذي حكاه الرافعي محمول على ما إذا نقصت نقصاناً زائداً على مزايلة الولد.

قلت: كلام الإمام في الفرع قبله حكاية عن العراقيين يأبى تصوير العراقيين هذه المسألة بما ذكره، [بل يقتضي التصوير بما حملت عليه كلام الرافعي]، فإنه حكى عنهم أن نقصانها [الزائد عن مزايلة الولد يندرج تحت بدل الجنين، ويصير نقصانها بمثابة نقصان] بآفة سماوية، وإذا كان هذا مقتضى مذهبهم انتظم لك فيما إذا كان النقصان زائداً على مزايلة الولد الأقوال الأربعة، والله أعلم.

ثم من مقتضى ما ذكره الإمام أن يجب في هذه الصورة على الجاني قيمة الولد، ونقصان الولادة؛ لأنه علل عدم الجمع بين الأرش وما نقص فيما حمل عليه صورة مسألة القولين بأنه يؤدي إلى تضعيف الغرامة، وهاهنا لا تضعيف بل المقابل متعدد.

[وهو الذي حكاه الرافعي قولاً أولا].

وحكم الحيوان إذا ضرب فألقى الجنين حيًّا ثم مات، حكم الأمة فيما ذكرناه،

ص: 454

صرح بذلك الإمام، ولم يفرض الخلاف المذكور إلا فيه.

الثالث: لو أبرأ المرتهن الجاني لم يبرأ، وهل يسقط حقه من الوثيقة؟ فيه وجهان، أصحهما: لا، والمذكور في الحاوي مقابله.

واعلم أن حق المخاصمة في الجناية على المرهون للراهن؛ لأنه المالك وللمرتهن حضور ذلك؛ لتعلق حقه بالبدل، وكذا حق المخاصمة في العين المستأجرة إذا غصبت، وفي الوديعة والمستعار [للمالك]، فلو امتنع الراهن من المخاصمة فهل للمرتهن المخاصمة؟ فيه قولان:

قال في التهذيب: أصحهما عند الأصحاب، وبه قال القفال: أنه لا يخاصم [وهو ما جعله في البحر في الإجارة أصلاً، وقاس عليه كلام الإمام في آخر باب التحالف يقتضي أن له المخاصمة، ولم يمتنع الراهن من المخاصمة، فإنه قال: إذا أتلف الأجنبي العين المرهونة، توجهت عليه الطلبة من الراهن لحق الملك، وتوجهت عليه الطلبة من المرتهن لحق الوثيقة، وهذا متفق عليه].

وقد أجري هذا الخلاف في أن المستأجر هل يخاصم أم لا؟ والمحكي عن النص في المستأجر أنه لا يخاصم إذا امتنع الآخر، [كما حكاه في البحر وغيره].

ورأى الإمام وطائفة المخاصمة له أقرب إلى القياس.

وقال في البحر: إنه الأصح عندي؛ لأن المنفعة له، ومراد الشافعي أنه لا يخاصم في الرقبة، ورأيته عن القفال، وقال الزبيلي في أدب القضاء [له]: إنه مخرج من نص الشافعي على أن الأمة المزوجة لزوجا أن يتكلم عنها، وإن القائلين بتقرير النص فرقوا بأن التزويج المبتغى منه الأبد بخلاف الإجارة.

[ألا ترى أنها] لو ماتت قبل الدخول استقر المهر، ولو هدمت الدار قبل [أن] تقضي المدة لم يستحق تمام أجرتها، ولما رأى الإمام مخاصمة المستأجر أظهر، جزم بمخاصمة المرتهن في كتاب الرهن، ولو ردت اليمين على الراهن فنكل

ص: 455

عنها، فهل يحلف المرتهن؟ فيه قولان كما إذا نكل المفلس والوارث هل يحلف الغرماء؟

قال: وإن حصل من عين الرهن فائدة لم تكن حالة العقد كالولد، والثمرة فهو خارج عن الرهن؛ لما روى البخاري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الظَّهْرُ يُرْكَبُ بِنَفَقَتِهِ إِذَا كَانَ مَرْهُوناً، وَلَبَنُ الدَّرُّ يُشْرَبُ بِنَفَقَتِهِ إِذَا كَانَ مَرْهُوناً، وَعَلَى الَّذِي يَرْكَبُ وَيَشْرَبُ النَّفَقَةُ".

وعن قاسم بن أصبغ عن سعيد بن المسيب [وأبي سلمة] عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَا يُغْلَقُ الرَّهْنُ، الرَّهْنُ لِمَنْ رُهِنَهُ، لَهُ غُنْمُهُ، وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ"

ص: 456

وقد روي مرسلاً عن سعيد، ورفع عنه في هذا الإسناد وغيره، قال عبد الحق: ورفعه صحيح.

ص: 457

ولأن الرهن عقد لا يزيل الملك عن الرقبة فلم يسر إلى الولد، [كالثمرة، والإجارة].

وفي النهاية: حكاية وجه أن الاعتبار فيما يتبع المرهون في دخوله في الرهن، وما لا يتبعه بحالة القبض، فيلزم منه أن الثمرة إذا حدثت بعد العقد وقبل القبض يكون في دخولها في الرهن الخلاف السابق، وكذا فيما ذكرناه [معه] من قبل وهو غير

ص: 458

سديد، وله أن ينزي على الحيوان لطلب الولد، إن كان محل المال قبل ظهور الحمل، أو يلد قبل حلول الدين، وإن كان يحل بعد ظهور الحمل وقبل الولادة، فإن قلنا: الحمل لا يعرف جاز أيضاً لأنها تباع معه، وإن قلنا: يعرف وهو الصحيح لم يجز؛ لأنه لا يمكن بيعها دون الحمل، والحمل غير مرهون ولا يجوز مثل ذلك في الأمة؛ لأن الحمل فيها نقص.

نعم، لو اتفق أنها حملت، ودعت الحاجة إلى بيعها، فإن قلنا:[الحمل] لا يعلم بيعت، وكان كالوصف، وإن قلنا يعلم لم يكن مرهوناً، وتعذر بيعها، كذا قاله الأصحاب.

وقد يعترض على قولهم بجواز الإنزاء، إذا كان الدين يحل بعد ظهور الحمل، من حيث إن الأظهر من الوجهين، كما حكاه الرافعي في "كتاب الصداق": أن الحمل في البهيمة نقص.

وحكى عن بعضهم في الموانع من الرد بالعيب: إطلاق القول بأن الحمل الحادث نقص؛ لأنه في الحيوان المأكول ينقص اللحم وفي غير المأكول يخل بالحمل، وإذا كان كذلك وجب أن يمنع منه؟

وقد يجاب عن ذلك: بأن هذا القول مفرع على أن الحمل لا يعرف، وإذا لم يعرف لا يحسن أن يقول: إنه عيب قبل معرفته، وقد اختلف الأصحاب فيما إذا رهن نخلاً، ثم أطلعت – على طريقين:

أحدهما: أن بيعها مع الطلع على قولين كما ذكرنا في الحمل.

والثاني: القطع بأن الطلع غير مرهون فيباع النخل، وستثنى الطلع. والجريد الحادث بعد الرهن، حكمه حكم الثمرة.

قال: وما يلزم [على] الرهن من مؤنة أي: مثل النفقة والعلف وسقي الأشجار ومؤنة الجذاذ وكراء اصطبل والبيت الذي يحفظ فيه وكذا نقله إلى المرتهن، أو إلى من يوضع تحت يده فهو على الراهن؛ للخبر الذي ذكرناه، وقد روى البخاري أيضاً

ص: 459

عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الظَّهْرُ يُرْكَبُ بِنَفَقَتِهِ إِذَا كَانَ مَرْهُونَا، وَلَبَنُ الدَّرِّ يُشْرَبْ بِنَفَقَتِهِ إِذَ كَانَ مَرْهُوناً، وَعَلَى الَّذِي يَرْكَبُ وَيَشْرَبُ النَّفَقَةُ".

ثم ما المراد بكونها على الراهن؟ فيه وجهان:

أصحهما – وهو مذهب العراقيين- أنه يجب عليه أن يقوم بها من غير المرهون؛ استيفاء لوثيقة الرهن.

والثاني: ويحكي عن الشيخ أبي محمد وغيره: أنه لا يجبر عند الامتناع لكن يبيع القاضي جزءاً من المرهون بحسب الحاجة، إلا أن يعلم أن النفقة تأكل المرهون قبل حلول الحق، فيلحق بما يفسد قبل الأجل فيباع، ويجعل ثمنه رهناً وهذا ما حكاه الغزالي عن قول المراوزة معبراً عنه بأن الإنفاق على الحيوان لا يلزمه إلا لحق الله تعالى، فإنه لم يرهن منه إلا ذاك، وضعف الرافعي هذا الوجه، بأن ذلك يفضي إلى إجراء الخلاف المذكور في رهن ما يتسارع إليه الفساد؛ إذ الاحتياج إلى هذه المؤنات محقق وهو بعيد، وعلى الأصح إذا لم يكن للراهن شيء أو لم يكن حاضراً باع الحاكم جزءاً من المرهون، وأكرى به بيتاً يحفظ فيه الرهن، وكذلك يفعل في مؤنة السقي والجذاذ والتجفيف، كذا حكاه الرافعي.

وفي تعليق [القاضي] أبي الطيب أن الحكم كذلك فيما إذا لم يكن له مال، أما إذا كان غائباً فإن الحاكم يكري من ماله، فإن لم يجد مالاً أكرى من الثمرة، فإن قال المرتهن: أنا أعطي مقدار الأجرة من مالي، وأرجع عليه بها، وكذا لو قال ذلك فيما إذا لم يكن له مال، وأذن له الحاكم في الإنفاق، جاز، وإن لم يجد حاكماً أو أنفق بهذا الغرض، وأشهد؛ ففي الرجوع عليه وجهان؛ بناء على القولين في هرب الجمال.

وأما المؤنات الدائرة فقد قال الرافعي: يشبه أن يقال: يحكمها حكم ما لو هرب الجمال، وترك الجمال المكراة أو عجز عن الإنفاق عليها، وهذا إذا لم يكن المرهون ماشية، أما إذا كان ماشية فللراهن أن يرعاها بالنهار ويأوي بالليل إلى الموضوعة على

ص: 460

يده، وإن أراد الراهن أن ينتجع بها، فإن كان في موضع مخصب يكفي الماشية؛ لم يكن له الانتجاع، وإن أجدبت الأرض، ولم يكن فيها ما يكفي الماشية بحيث [أن] تتماسك، كان له أن ينتجع بها، وليس للمرتهن منعه.

لكن يوضع على يد عدل تأوي إليه، وإن لم ينتجع الراهن وانتجع المرتهن؛ كان له ذلك، ولا يمنعه الراهن منه، وإن أرادا جميعاً النجعة إلى موضعين، فالمتبع الراهن، [قاله أبو الطيب،] وجعلت على يد عدل.

أما المؤنات التي تتعلق بالمداواة؛ كالقصد والحجامة وتوديج الدابة، وتبزيغها، والتغريب، والمعالجة بالأدوية والمراهم فلا تجب عليه؛ [وأجرى المتولي الوجهين السابقين في المداواة،].

ومعنى التوديج: فتح الودجين؛ حتى يسيل الدم، وهو في الدابة بمنزلة الفصد من الآدميين.

وأما التبزيغ فهو فتح الرَّهْصة. والماء إذا نزل في الحافر.

يقال: بزغ البيطار الرهصة، وأصله من الشق؛ ولهذا يقال بزغت الشمس إذا طلعت.

ومعنى التغريب: أن يشرط أشعار الدابة شرطاً خفيفاً لا يضر بالعصب، ثم يعالج وأشعار الدابة فوق الحافر؛ كذا حكاه أبو الطيب.

ولا نزاع في أن للراهن فعل ذلك، إذا كان بحيث لا يخاف منه غائلة.

وإن كان يخاف؛ فعن أبي إسحاق أن للمرتهن المنع منه، وقال أبو علي الطبري: لا منع منه، ويكتفي بأن الغالب منه السلامة واختاره القاضي أبو الطيب، وقد أجرى الخلاف في قطع اليد المتآكلة إذا كان في قطعها وتركها خطر، فإن كان الخطر في الترك دون القطع فله القطع، وليس له قطع سلعة وإصبع لا خطر في تركها، إذا خيف منه ضرر وإن كان الغالب السلامة ففيه الخلاف، وله أن يختن العبد والأمة في وقت اعتدال الهواء إن كان يندمل قبل حلول الأجل، وإن لم يندمل وكان فيه نقص لم يجز، وكذا لو كان به عارض يخاف معه من الختان.

ص: 461

فرع: مؤنة رد المرهون بعد فكاكه على من تكون؟ فيه وجهان في الحاوي.

أحدهما: على الراهن.

والثاني: على المرتهن.

قال: والرهن أمانة في يد المرتهن فإن هلك أي من غير تفريط لم يسقط من الدين شيء وجهه قوله تعالى: - وَلَمْ تجِدُوا كَاتِباً فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283]، فجعل الرهن بدلاً من الكاتب، والإبدال في غالب أحكامها في حكم ميدلاتها؛ كالصيام في الكفارة والتيمم في الطهارة؛ لما كان أصلها واجباً لذلك كانا واجبين، وإذا وجب أن يكون حكم البدل حكم المبدل وجب أن يكون حكم الرهن حكم الكتاب، وتلف الكتاب لا يسقط الدين فكذلك الرهن، وما روى معمر وابن أبي ذئب وإسحاق بن راشد وابن أبي أنيسة، عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا يُغْلَقُ الرَّهْنُ، الرَّهْنُ مِنْ صَاحِبِهِ الَّذِي رَهَنَهُ؛ لَهُ غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ".

وجه الدلالة: قوله: من صاحبه، يعني: من ضمان صاحبه، فإنه لا يصح حمله على أنه من ملك صاحبه؛ لأن حرف التمليك هوا للام، فلو أراد الملك لقال الرهن لصاحبه.

ولفظة من تستعمل في الضمان.

وأيضاً قوله: [له] غنمه وعليه غرمه.

فالغنم: الزيادة والنماء، والغرم: العطب والنقص.

ومن جهة المعنى: أنه وثيقة في دين ليس بعوض فيه، فوجب ألا يسقط بتلفه؛ كالضامن والشاهد.

وفيه احتراز من تلف المبيع في يد البائع، وإذا ثبت لنا في هذه الصورة أنه غير مضمون [مع أن المرتهن قبض العين لغرض نفسه] فهو إذا كان في يد العدل من طريق الأولى.

وحكم ثمن المرهون إذا ضاع في يد العدل بعد أن باعه بالإذن، حكم تلف المرهون، وحكم المرهون بعد زوال الرهن في يد المرتهن في كونه غير مضمون

ص: 462

كما قبل زواله.

وقال ابن الصباغ: [ينبغي أن] يكون بعد الإبراء [في الغنيمة]، كمن طير الريح ثوباً إلى داره؛ حتى يعلم الراهن به أو يرده؛ لأنه لم يرض بيده إلا على سبيل الوثيقة، [بخلاف ما إذا علم؛ لأنه قد يرضى بتركه عنده].

فرع: إذا خرج الرهن مستحقاً، وقد تلف في يد المرتهن، فهل للمالك مطالبته ببدله؟

فيه وجهان: أصحهما: نعم، وعلى هذا إذا غرم هل يرجع على الراهن؟ فيه وجهان:

أظهرهما: نعم، وقد قطع المراوزة بالمطالبة والرجوع، وهذا الخلاف يجري في المستأجر من الغاصب والمودع منه، والمضارب والوكيل في بيعه.

قال: فإن اختلفا في رده فالقول قول الراهن؛ لأن يد المرتهن على العين لغرض نفسه وهو متمكن من إقامة البينة على ما ادعاه، فلم يقبل قوله كالمستعير وهكذا الحكم عند العراقيين في دعوى المستأجر رد العين، واختلفوا في الوكيل بجُعل، وعامل القراض والأجير المشترك إذا لم يضمنه، إذا ادعى الرد على وجهين، [لأن يد هؤلاء نيابة عن المالك، وإنما تعلق لهم بها حق فلذلك جرى الخلاف.

وقال] ابن الصباغ وغيره: [و] الفرق بين هؤلاء والمرتهن أنه قبض العين للانتفاع بها بخلاف هؤلاء؛ لان الانتفاع بالأجرة لا بالعين، ومذهب المراوزة قبول قول المرتهن في دعوى الرد، وطردوه في كل يد هي أمانة في حق من صدر منه إثبات اليد كالرهن والإجارة والوكيل بالجُعل.

وفي الوسيط في كتاب الوكالة: أن العراقيين ذكروا في كل ذلك وجهين.

ص: 463

ولو اختلف الراهن والمرتهن في تلف الرهن فالقول قول المرتهن، [توافق عليه المراوزة والعراقيون كما حكاه ابن الصباغ وغيره؛] لأنه لا يتعلق بالاختيار، فلا يساعده فيه البينة فكان القول قوله [فيه] لدفع الضرر، وإيراد الغزالي في الوسيط وغيره يوهم أن العراقيين خالفوا في ذلك وألحقوه بدعوى الرد، ومستنده فيه ما قاله الإمام أن القياس يقتضي أن ينزل دعوى التلف منزلة دعوى الرد في كل تفصيل، والله أعلم.

ولنختم الباب مسائل تتعلق به، وقد وعدنا من قبل بذكرها فمنها:

إذا سلم الراهن الرهن للمرتهن ووكله في بيعه عند المحل، كانت الوكالة فاسدة، ولو باعه لم يصح بيعه؛ لأنه توكيل فيما ينافيه الغرضان، فلم يصح كما لو وكل وكيله في بيع شيء من نفسه، وينافي الغرض أن الراهن يريد الزيادة في الثمن، والمهل على البيع؛ حتى لا تفوته الزيادة والمرتهن يريد تعجيل الحق وإنجاز البيع، ويفارق غير المرتهن فإن حق المرتهن لا يتعين فيه، وهذا ما يقتضيه نص الشافعي فإنه قال: لو شرط للمرتهن إذا حل الحق أن يبيعه لم يجز له أن يبيع لنفسه إلا بأن يحضر رب الرهن.

فإن قيل: ألستم ذكرتم في الوكالات الفاسدة أن بيع الوكيل يصح فيها فلم لا يصح البيع هنا؟ قيل: الفرق بينهما أن الوكالة الفاسدة من حيث فساد عوضها لا تمنع ذلك الإذن في البيع، والإذن المجرد يصح معه البيع، وهاهنا الفساد من ناحية الإذن، فانتفى ما يصحح البيع، ثم هذا إذا لم يكن الراهن حاضراً، [أما إذا كان حاضراً]، فقد انتفت التهمة فيصح البيع وهذا ظاهر نص الشافعي. ومن أصحابنا من قال: لا يصح بيعه؛ لأنه يكون وكيلاً فيما يتعلق بحق نفسه.

قال ابن الصباغ: والأول أصح، هذا ما حكاه العراقيون وجزم الإمام في النهاية بصحة بيع المرتهن إذا قال له الراهن: بع الرهن [لي] واقبض الثمن لي، ثم استوفه لنفسك، وحكى في صحة استيفائه لنفسه إذا حدد وزنه وجهين:

ص: 464

أما إذا لم يحدده فلا يحصل القبض، وليس كما لو رهن الوديعة عند المودع؛ لأن الاستيفاء إنما يصح بناء على إذن الراهن ولفظه في الإذن: ثم استوف منه حقك، وهذا تصريح بإحداث أمر.

ولو قال: بعه لي واستوف الثمن لي ثم أمسكه لنفسك؛ فالظاهر أيضاً أنه لابد من فعل في القبض.

ومن أصحابنا من أقام الإمساك على قول صحة [القبض] مقام الاستيفاء، وإذا لم نصححه ولم يوجد منه سوى مجرد نية الاستيفاء، فلا يدخل في ضمانه انتهى.

وحمل ما قاله العراقيون من فساد الإذن والبيع وحكوه عن النص على ما إذا قال بعه لنفسك فباع، وان القاضي وافقهم على اختيار ذلك؛ لأنه لا يتصور أن يبيع الإنسان مال الغير لنفسه.

[وحكى عن صاحب التقريب رواية قول، وأنه ارتضاه لنفسه] أن البيع صحيح.

وحكى فيما إذا قال: بعه، ولم يقل: لي ولا: لنفسك، في أنه على أيهما يحمل؟ وجهين، والقائلون بالمنع عللوه بعلتين:

أحداهما: أن البيع بعد حلول الدين مستحق للمرتهن، فإذا أقرن به الإذن المطلق حمل عليه، فكأنه قال بعه لنفسك.

والثانية: ما حكيناها عن العراقيين من قبل، وعليهما يخرج ما إذا كان المرتهن حاضراً البيع أو أذن في البيع بثمن معين، أو كان الدين مؤجلاً، فإن عللنا بالأول بطل في الأولى والثانية وصح في الثالثة إذ لا استحقاق، وإن عللنا بالثانية صح في الأولى والثانية. وبطل في الثالثة.

ومنها: أن الراهن والمرتهن لو أذنا للعدل في بيع الرهن ثم عزلاه عنه امتنع عليه البيع وانفسخت الوكالة، وكذا لو فسخ الراهن الوكالة انفسخت، وهل للمرتهن فسخ الوكالة؟

قال المحاملي: ظاهر كلام الشافعي يدل على أن فسخه يصح؛ لأنه قال [في

ص: 465

المختصر] ما لم يفسخا أو أحدهما.

وقال أبو إسحاق: لا يصح من المرتهن فسخ الوكالة؛ لأن العدل ليس بوكيله، وإنما هو وكيل الراهن، وقول الشافعي:"ما لم يفسخا أو أحدهما" تعني: أن العدل يجوز له البيع ما لم يمنع الراهن أو المرتهن من ذلك، وهذا ما رجحه القاضي أبو الطيب في تعليقه، ونسب الأول إلى قول بعض الأصحاب، وقال: إنه ليس بصحيح؛ لأن العدل ليس بوكيل للمرتهن بالإجماع، وهذا يدل على أن الخلاف في [أن] الوكالة من جهة الراهن هل ترتفع بعزل المرتهن حتى يفتقر الراهن إلى تجديد وكالته إذا أريد بيعه، وقد صرح به الإمام.

وفي الحاوي: أن الذي عليه الجمهور من أصحابنا، وهو قول البصريين أن الوكالة ارتفعت، وما حكى عن أبي إسحاق لا يتحصل منه شيء وبعضه يناقض بعضاً؛ لأن الوكالة إنما هي إذن بالبيع فإذا منعه برجوع المرتهن عن البيع فقد زال موجب الوكالة.

وهذا صريح الشيخ إلا أن وكالة الراهن [لا] تنفسخ برجوع المرتهن كما لا تنفسخ وكالة المرتهن برجوع الراهن. انتهى.

وهذا منه يدل على أن وكالة الراهن لاترتفع على القولين معاً، وهوا لذي يقتضيه إيراد الغزالي في الوسيط فإنه قال: لو رجع أحدهما عن الإذن امتنع عليه البيع، ورجوع الراهن عزل فإنه الموكل، وإذن المرتهن شرط وليس بتوكيل، ولذلك لو عاد المرتهن، واذن بعد رجوعه جاز، ولم يجب تجديد التوكيل من الراهن.

ثم قال: ومساق هذا الكلام من الأصحاب مشعر بأنه لو عزله الراهن، ثم عاد ووكله افتقر إلى تجديد الإذن، وعليه يلزم لو قبل به ألَاّ يعتد بإذنه، للعدل قبل توكيل الراهن فلبؤخر عنه، ويلزم عليه الحكم ببطلان رضا المرأة في التوكيل بالنكاح قبل توكيل الولي، وكل ذلك محتمل، ووجه المساهلة إقامة دوام الإذن مقام الابتداء تعلقاً بعمومه فإنه إن لم يعمل في الحال فليقدر مضافاً إلى وقت التوكيل، وإذا احتملت الوكالة التأقيت والتعليق كان الإذن أولى بالاحتمال.

قلت: ووجه إشعار كلام الأصحاب بما ذكره أنهم لما استدلوا على أن إذن

ص: 466

المرتهن شرط وليس بتوكيل، بأنه لو عاد وأذن جاز، ولم يجب تجديد التوكيل، اقتضى أن الراهن لو عاد بعد عزله ووكل، افتقر المرتهن إلى تجديد الإذن وإلا لم يحسن الاستدلال، وما قاله من الإلزامين: الأول منهما صحيح؛ لأن زوال توكيل الراهن لما أبطل إذن المرتهن بعد الحكم [بصحة الراهن، لما أبطل إذن المرتهن بعد الحكم] بصحته بعدم التوكيل أولى أن يمنع؛ لأنه يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء.

وأما الثاني: فسياق كلام الأصحاب يقتضي خلافه من حيث إن رضا المرأة بالتوكيل إذا اعتبرناه كرضا المرتهن ببيع العدل؛ [لأن المرأة لا يصح توكيلها في النكاح] ولما كان إذن المرتهن شرطاً في صحة بيع العدل، ويفتقر إلى تقدمه على البيع، لزم أن يكون إذن المرأة بالتوكيل شرطاً في صحة التوكيل ومتقدماً عليه.

نعم، لو كان إذن المرتهن شرطاً في صحة توكيل الراهن لا في بيع العدل، وقد اقتضى مساق كلامهم ما ذكر، لزم منه ألا يعتد برضا المرأة بالتوكيل قبله؛ لأنه حينئذ يكون الوزان وحيث هو منتف انتفى الإلزام.

وقوله: ووجه المساهلة، يعني: مساهلة الأصحاب في رضا المرأة بالتوكيل متقدماً عليه، وإن كان مخالفاً لمساق كلامهم إلى آخره – جواب على اعتقاده صحة الإلزام، وقد يثبت أنه مساق كلامهم، فلا مساهلة.

ويؤيد ما ادعيت أن الغزالي عنها بقوله من بعد: فليقدر مضافاً إلى وقت التوكيل، وهذا ما حضرني من البحث في ذلك وكان شيخي السيد الشريف عماد الدين العباسي –رحمه الله – يستشكل كلام الغزالي في هذا، وكتب لي ورقة بخطه فيما وقع له منه، وسأذكر صورة المكتوب فيها ثم أبدي ما ظهر لي عليه، وصورته: الذي زعم الشيخ أنه مساق كلام الأصحاب ليس مساقاً لكلامهم، ووقع الغلط في هذا الفرع في ثلاث عشرة كلمة، وهأنا أرسمها بالحمرة بين الأسطر ليتبينه الناظر، وأكتب بالحمرة المسألة التي ذكرها الإمام، أعني الوجه الذي نقله الإمام عن

ص: 467

الأصحاب؛ إذ كان الشيخ أراد أن يفرع عليه لكن كان الأمر أشبه عليه، فعكس الصواب في تفريعه عليه، ونقل حكم إذن المرتهن إلى توكيل الراهن بالعكس.

فأقول بعد أن أعلمك أن المكتتب بالسواد هو نفس كلام الشيخ، والمكتتب بالحمرة فوق الكلمات بعد مسألة الأصحاب هو صوابه.

قال: فروع أربعة: الأول: أنه لو رجع أحدهما عن الإذن امتنع البيع ورجوع الراهن عزل، فإنه الموكل، وإذن المرتهن شرط وليس بتوكيل، ولذلك لو عاد المرتهن وأذن بعد رجوعه جاز، ولم يجب تجديد التوكيل من الراهن.

وذهب بعض الأصحاب إلى أن رجوع المرتهن يوجب رفع الوكالة، ومساق هذا الكلام من الأصحاب مشعر بأنه لو:

رجع المرتهن وأذن الراهن التوكيل.

عزل الراهن، ثم عاد ووكل – افتقر المرتهن إلى تجديد الإذن، وعليه يلزم لو قيل به أنه لا يعتد بإذنه؛ للعدل قبل توكيل الراهن؛ فليؤخر عنه، ويلزم عليه الحكم ببطلان رضا المرأة بالتوكيل في النكاح قبل توكيل الولي، وكل ذلك محتمل، ووجه المساهلة: إقامة دوام الإذن مقام الابتداء؛ تعلقاً بعمومه، وأنه إن لم يعمل في الحال فليقدر مضافاً إلى وقت التوكيل.

هذا آخر ترتيبه، والذي وقع لي عليه، أن هذا الوجه الذي بني الشيخ عليه هذا الكلام نسبه الإمام إلى بعض الضعفة، فكيف يمكن إلزام الأصحاب بمقتضاه؟ ثم لو صححناه؛ لم يكن مساقه مشعراً بما ذكره بل مصرحاً به؛ لأن الوكالة إذا ارتفعت علم بالقطع أنها لا تعود إلا بتوكيل جديد، وإذا كان كذلك لم يحسن [حمل] كلام الغزالي على ذلك.

ص: 468

نعم ما ذكره صحيح بناء على اختيار هذا الوجه.

ومنها: أن المرتهن بعد حلول الحق له مطالبة الراهن بوفائه كما سنذكره، فإن امتنع من الوفاء طولب ببيع الرهن في الدين، فإن امتنع فهل يبيعه الحاكم عليه أو يجبره على البيع؟ فيه كلام نذكره في باب التفليس، كذا قال المحاملي: وليس للراهن مطالبته بإحضار الرهن، حتى يقع قضاء الدين، واسترداد المرهون معاً، وكذا لو أدى الدين لا يلزمه إحضاره أيضاً بل عليه التخلية بينه وبينه، ومقتضى ما حكيته عن الماوردي من أن مؤنة الرد بعد الفكاك تجب على المرتهن على وجه، [وهو ما حكاه القاضي الحسين في كتاب القراض عن العراقيين] أن الرد واجب على ذلك الوجه.

ولو امتنع الراهن من وفاء الحق بتعذر أو غيبة، فإن كان للمرتهن بينة، رفع الأمر إلى القاضي، وإن لم يكن له بينة أو لم يكن في البلد حاكم؛ كان حكمه حكم من ظفر بغير جنس حقه.

قال الإمام: وفائدة الرهن أن الراهن لو مات أو أفلس اختص بثمنه، وفي مسألة الظفر لا يختص بما ظفر به، بل شارك فيه.

ص: 469