الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مرتاعا:" أومخرجيّ هم"؟ قال: نهم .. لم يأت رجل قط بما جئت إلا عودي (1).
هذا هو محمد الصادق الأمين .. اما عن قوم صالح فقد قالوا: {ياصالح قد كنت فينا مرجوّا من قبل هذا} [هود:62] .. كنا نحبك .. ماذا جرى لك لترافق المتطرفين .. أجننت .. فحين يرى العداء يفاجأ بأن الدنيا قد اشتعلت من حوله فيعود من حيث أتى .. ولكن اعلم قول الله تعالى: {ولينصرنّ الله من ينصره} [الحج:40]. هذه سنّة الله التكوينية أن يكون العداء في البداية ثم يكون ظهور الحق، قال الامام الشافعي:" لا تمكين حتى تبتلى" الكل سيعلم أنك على حق .. واعلم إنك إما ستكون شهادة حق للاسلام وإما أن تكون شهادة زور ضد الاسلام حين تعود لتلك الشرور والمعاصي ..
قلنا مرارا وتكرارا إنّ إنتصار المسلمين يوم حورصروا فيالشعب ثلاث سنين لم يكن أقل من انتصارهم في غزوة بدر لأن المشركين حين رأوا الثبات قالوا إن المسلمين على حق .. وكذلك فعندما يرون منك الثبات سيقولون إنّ الملتزمين على حق .. فإياك أن ترجع، واستعن بالله واثبت.
العائق الأخير: العصرة التي تصيب قلب التائب:
يقول ابن القيّم (2):
ها هنا دقيقة قلّ من من يتفطن لها إلا فقيه في هذا الشأن .. رحم الله ابن القيّم ورضي عنه .. قال وهي أن كل تائب لا بد له في أول توبته من عصرة وضغطة في قلبه .. من همّ أو غم .. من ضيق أو حزن ..
(1) أخرجه البخاري (4) كتاب بدء الوحي، ومسلم (160) كتاب الايمان.
(2)
في كتاب " طريق الهجرتين" ص 340 دار الحديث.
يجب أن تشعر بهذه العصرة عندما تتوب .. الخوف من أن تكون قد ضللت الطريق .. فأنت لا تعرف جوانب الطريق .. لا تدري أوله ولا تعلم الى أين يفضي بك آخره .. ويقول ابن القيّم: ولو لم يكن إلا تألمه بفراق محبوبه .. فقد كانت الذنوب محبوباته .. أنيسته في وحشته .. فعندما يتوب سوف يفقد هذا الأنيس .. سوف يفقد أشياء كان يحبها .. سيتألم لفراق عيوبه التي لازمته ردحا من الزمان .. فينضغط قلبه وينعصر لذلك ويضيق صدره .. فأكثر الخلق يتوبون ثم ينكثون على أعقابهم ويعودوا الى المعاصي لأجل هذه المحبة للمعاصي .. والعالم الموفق يعلم أن الفرحة والسرور واللذة الحاصلة عقيب التوبة تكون على قدر هذه العصرة أقوى وأشد كانت الفرحة واللذة أكمل وأتم ..
إنّ هذه العصرة دليل على حياة قلبك وقوة استعداده .. لو كان قلبك ميتا واستعدادك ضعيفا لما انعصر .. واعلم أن الشيطان لص الإيمان .. واللص إنما يقصد المكان المعمور .. بمعنى أن يحاول سرقة الايمان من القلب المعمور بالإيمان .. إنه لا يذهب الى المقهى أو الى الملهى .. فمن يجلس هناك ليس في قلبه ما يسرق .. إنما يقصد المكان المعمور من اجل السرقة ..
لما قيل لإبن عباس إنّ اليهود يقولون نحن لا نوسوس في الصلاة .. قال: سبحان الله كيف يوسوس الشيطان لشيطان .. هم الشياطين .. والشيطان لص الإيمان .. والشيطان إنما يقصد المكان المعمور أما المكان الخرب فلا يرجو أن يظفر منه بشيء .. فإذا قويت المعارضات الشيطانية .. قويت العصرة .. فيوسوس لمن لبست النقاب .. ما الذي دفعك لهذه الفعلة الشنعاء .. أما انتظرت حتى تتزوجين .. ويوسوس لمن التزم وأعفى اللحية أما كنت انتظرت قليلا قبل الالتزام حتى كونت مستقبلك من السرقة .. المقصود أن هذه العصرة وسوسة الشيطان إذا دخل الشيطان ليوسوس دل على أن في قلبك من الخير ما يشتد حرص الشيطان على نزعه منه ..
إنّ قوة المعارض والمضاد تدل على قوة معارضته وضده ..
الإنسان القوي إما أن يكون رأسا في الخير أو رأسا في الشر.
إنّ النفوس الأبية القوية إذا كانت خيرة صارت رأسا في الخير وإن كانت شريرة صارت رأسا في الشر ولما كانت رأسا في الشر حرص الشيطان على ألا تبقى في الخير فتحصل قوة مجاذبة بينك وبين الشيطان.
فإنه بحسب موافقته لهذا العارض وصبره عليه يثمر له ذلك من اليقين والثبات والعزم ما يوجب زيادة انشراحه وطمأنينته دليل على حرص الشيطان عليك ..
وهذا دليل قوة إيمان لذلك ينعصر قلبك لأنه لو لم يكن فيه إيمان كان فورا قد عاد من حيث أتى
فلذلك ينبغي أن تعلم أن ثباتك وعزمك سيوجب لك بعد النصر انشراحا وطمأنينة ..
كلما عظم المطلوب كثرت العوارض وهذه سنة الله في الخلق وانظر الى الجنة وعظمها .. انظر في المقابل الى الموانع والقواطع التي حالت دونها .. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" حفّت الجنة بالمكاره"(1). حتى أوجبت أن ذهب من كلّ ألف رجل واحد يدخل الجنة وقول الله سبحانه وتعالى في الحديث القدسي " يا آدم اخرج بعث النار فيقول آدم وما بعث النار يا رب يقول الله سبحانه وتعالى من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون الى النار وواحد الى الجنة" ..
فما السبب؟؟
السبب أن الجنة قد حفت بالموانع والقواطع .. انظر الى محبة الله سبحانه وتعالى والانقطاع اليه والتبتل اليه وحدع والأنس به وحده .. انظر الى محبته واتخاذه وايا ووكيلا وكافيا وحسيبا .. هل يكتسب العبد أشرف من هذا .. انظر الى القواطع والحوائل المانعة دون ذلك .... هل الطرق الموصلة الى محبة الله سبحانه وتعالى بهذه السهولة .. إنّ هذا غير ممكن .. إنّ هذه الطرق تحتاج الى الكثير من المجاهدة لذا ينبغي أن تنتبه الى هذا الأمر .. انتبه الى تلك العصرة الحادثة بالتوبة ..
(1) مسلم (2723) كتاب الجنة وصفة نعيمها، والترمذي (2559) كتاب صفة الجنة.