الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(11) من وقاره: أن يستحي منه في الخلوة أعظم مما يستحي من أكابر الناس:
(12) ومن وقاره: أن يكون همه الأول طلب رضا الله:
أخي في الله .. إنني أريد منك الآن أن تأتي بورقة وقلم .. وتبدأ في كتابة همومك الشاغلة .. وتضعها مرتبة حسب الأولويات .. وأنا أقصد الهم الذي يشغل بالك .. وتجري وتتحرك في نطاق هذا الهم.
أريدك أن تصدق مع الله .. لأنه من السهل أن تكتب أنك تحمل هم الاسلام .. ولا يخطر لك هذا على بال أصلا ..
أريدك أن تنفرد بنفسك .. أن تتقي الله عز وجل .. وتنظر فعلا .. ما الذي يهمّك .. ؟
هل ستجد ما يهمك هو هم الاسلام .. هم العقيدة .. هم الدين .. أو أننا سنفاجأ بأن الهموم قد تشعبت .. هم الوظيفة .. هم الزواج .. طلب الرزق .. التعليم
…
لا شك أن الاسلام سيأتي .. ولكن ربما في المرتبة الرابعة .. الخامسة .. وربما بعد ذلك .. هذا إن كنا صادقين.
وكل هذا نتيجة لعدم توقير الله في قلبك حق الوقار وحق التعظيم.
المطلوب أن يكون طلب رضا الله هو الهم الأول والأوسط والأخير ..
بمعنى ان يكون الهم كله .. في كل مناحي الحياة .. هو طلب رضا الملك جل جلاله .. ومن جعل الهموم همّا واحدا كفاه الله همّه.
فهذا أول ما يصح به مطالعتك لجنايتك .. بتعظيم الحق وتوقيره .. فإذا عرفت الله حق معرفته .. بأسمائه وصفاته .. عرفت الله حق معرفته .. بتوحيد ألوهيته وتوحيد ربوبيته .. فإنه حين ذاك يعظم الله في قلبك .. ويقع وقاره في قلبك .. فإذا وقرت الله بقلبك .. عظمت عندك مخالفته .. لأن مخالفة العظيم ليست كمخالفة من دونه .. قال الله تعالى: {وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء، قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون} . [الأنعام: 91] وقال جل وعلا: {وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه، سبحانه وتعالى عمّا يشركون} [الزمر: 67].
وقال سبحانه وتعالى: {وما قدروا الله حق قدره، إنّ الله لقوي عزيز} [الحج: 74].
بعد أن تحداهم ربما جل جلاله في قوله: {يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له، إنّ الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا الذباب ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه، ضعف الطالب والمطلوب} [الحج: 73].
نعم إنك حين تقدر الله حق قدره .. وتعرف أنه أنزل الكتب .. وأرسل الرسل .. وشرع الشرائع .. وخلق الجنة والنار .. أمر أوامر ونهى عن نواه .. وألزم عباده أشياء .. حاكم بالعدل .. قائم بالقسط .. جل جلاله ..
حين تقدر الله حق قدره .. تعرف أنه ما من دابة في الأرض ولا في السماء إلا والله خلقها وعليه رزقها .. ويعلم مستقرها ومستودعها .. فبه سبحانه وتعالى وبإعانته وبإحيائه لها تعيش. أي دابة صغرت أم كبرت. على ظهر الأرض أو في السماء .. سبحانه قائم على كل نفس بما كسبت .. جل جلاله .. قيّوم السموات والأرض .. به يقوم كل شيء .. ولا يحتاج الى شيء .. فهو العزيز .. وهو الغني .. حين تعرف الله وتقدره حق قدره .. تعلم أن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا .. فبه بقاؤهما وبه دورانهما .. وبه حياة ما فيهما .. والمراد إليه جل جلاله .. فهو الأول والآخر .. {كل من عليها فان * ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام} [الرحمن 26 - 27].
إذا كملت عظمة الحق في قلبك .. فإنك تستحيي وتخاف أن تعصيه وهو يراك.
فمطالعة الجناية: بكمال عظمة الله في قلبك .. أن تعرف عظمة من عصيت .. فتعظم المعصية .. فمن كملت عظمت الحق تعالى في قلبه .. عظمت عنده مخالفته ..
ونضرب لذلك مثالا:
عن أنس بن مالك قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بإمرأة تبكي عند قبر .. فقال لها:" إتقي الله واصبري" فقالت: إليك عني فإنك لم تصب بمصيبتي .. ولم تعرفه صلى الله عليه وسلم .. فقيل لها .. إنه النبي صلى الله عليه وسلم فأتت باب النبي صلى الله عليه وسلم فلم تجد عنده بوابين .. فقالت: لم أعرفك .. فقال:" إنما الصّبر عند الصدمة الأولى". (1)
(1) البخاري (1283) كتاب الجنائز.