المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المجلس الأول: في صيام شوال كله وإتباع رمضان بصيام ستة أيام من شوال - لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف - ط ابن حزم

[ابن رجب الحنبلي]

فهرس الكتاب

- ‌مجلس في فضل التذكير بالله تعالى ومجالس الوعظ

- ‌وظائف شهر الله المحرم

- ‌المجلس الأول: في فضل شهر الله المحرم وعشره الأول

- ‌الفصل الأول: في أفضل التطوع بالصيام

- ‌الفصل الثاني: في فضل قيام الليل

- ‌المجلس الثاني في يوم عاشوراء

- ‌المجلس الثالث في قدوم الحاج

- ‌وظيفة شهر صفر

- ‌وظائف شهر ربيع الأول

- ‌المجلس الأول في ذكر مولد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌المجلس الثاني في ذكر المولد أيضا

- ‌المجلس الثالث في ذكر وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌وظيفة شهر رجب

- ‌وظائف شهر شعبان

- ‌المجلس الأول: في صيامه

- ‌المجلس الثاني في نصف شعبان

- ‌المجلس الثالث في صيام آخر شعبان

- ‌وظائف شهر رمضان المعظم

- ‌المجلس الأول: في فضل الصيام

- ‌المجلس الثاني في فضل الجود في رمضان وتلاوة القرآن

- ‌المجلس الثالث في ذكر العشر الأوسط من شهر رمضان وذكر نصف الشهر الأخير

- ‌المجلس الرابع في ذكر العشر الأواخر من رمضان

- ‌المجلس الخامس في ذكر السبع الأواخر من رمضان

- ‌المجلس السادس في وداع رمضان

- ‌وظائف شوال

- ‌المجلس الأول: في صيام شوال كله وإتباع رمضان بصيام ستة أيام من شوال

- ‌المجلس الثاني في ذكر الحج وفضله والحث عليه

- ‌المجلس الثالث فيما يقوم مقام الحج والعمرة عند العجز عنهما

- ‌وظيفة شهر ذي القعدة

- ‌وظائف شهر ذي الحجة

- ‌المجلس الأول: في فضل عشر ذي الحجة

- ‌الفصل الأول: في فضل العمل فيه

- ‌الفصل الثاني: في فضل عشر ذي الحجة على غيره من أعشار الشهور

- ‌المجلس الثاني في يوم عرفة مع عيد النحر

- ‌المجلس الثالث في أيام التشريق

- ‌المجلس الرابع في ختام العام

- ‌فصل ـ ويلتحق بوظائف شهور السنة الهلالية وظائف فصول السنة الشمسية

- ‌المجلس الأول: في ذكر فصل الربيع

- ‌المجلس الثاني في ذكر فصل الصيف

- ‌المجلس الثالث في ذكر فصل الشتاء

- ‌مجلس في ذكر التوبة والحث عليها قبل الموت وختم العمر بها والتوبة وظيفة العمر وهي خاتمة مجالس الكتاب

الفصل: ‌المجلس الأول: في صيام شوال كله وإتباع رمضان بصيام ستة أيام من شوال

‌وظائف شوال

‌المجلس الأول: في صيام شوال كله وإتباع رمضان بصيام ستة أيام من شوال

وظائف شوال.

وفيه مجالس:

المجلس الأول في صيام شوال كله وإتباع رمضان بصيام ستة أيام من شوال.

خرج مسلم من حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر" ثم اختلف في هذا الحديث وفي العمل به: فمنهم من صححه ومنهم من قال: هو موقوف قاله: ابن عيينة وغيره وإليه يميل الإمام أحمد ومنهم من تكلم في إسناده وأما العمل به فاستحب صيام ستة من شوال أكثر العلماء روي ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما وطاوس والشعبي وميمون بن مهران وهو قول ابن المبارك والشافعي وأحمد واسحاق وأنكر ذلك آخرون.

وروي عن الحسن أنه كان إذا ذكر عنده صيام هذه الستة قال: لقد رضي الله بهذا الشهر لسنة كلها ولعله إنما أنكر على من اعتقد وجوب صيامها وأنه لا يكتفي بصيام رمضان عنها في الوجوب وظاهر كلامه يدل على هذا وكرهها الثوري وأبو حنيفة وأبو يوسف وعلل أصحابهما ذلك مشابهة أهل الكتاب يعنون في الزيادة في صيامه المفروض عليهم ما ليس منه وأكثر المتأخرين من مشايخهم قالوا: لا بأس به وعللوا أن الفطر قد حصل بفطر يوم العيد حكى ذلك صاحب الكافي منهم وكان مهدي يكرهها ولا ينهى عنها وكرهها أيضا مالك وذكر في الموطأ: أنه لم ير أحدا من أهل العلم يفعل ذلك وقد قيل: إنه كان يصومها في نفسه وإنما كرهها على وجه يخشى منه أن يعتقد فريضتها لئلا يزاد في رمضان ما ليس منه.

وأما الذين استحبوا صيامها فاختلفوا في صيامها على ثلاثة أقوال:

أحدها: أنه يستحب صيامها من أول الشهر متتابعة وهو قول الشافعي وابن

ص: 218

المبارك وقد روي في حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا: "من صام ستة أيام بعد الفطر متتابعة فكأنما صام السنة" خرجه الطبراني وغيره من طرق ضعيفة وروي مرفوعا وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما من قوله بمعناه بإسناد ضعيف أيضا.

والثاني: إنه لا فرق بين أن يتابعها أو يفرقها من الشهر كله وهما سواء وهو قول وكيع وأحمد.

والثالث: أنها لا تصام عقب يوم الفطر فإنها أيام أكل وشرب ولكن يصام ثلاثة أيام قبل أيام البيض وأيام البيض أو بعدها وهذا قول معمر وعبد الرزاق وروي عن عطاء حتى روي عنه أنه كره لمن عليه صيام من قضاء رمضان أن يصومه ثم يصله بصيام تطوع وأمر بالفطر بينهما وهو قول شاذ.

وأكثر العلماء على: أنه لا يكره صيام ثاني يوما لفطر وقد دل عليه حديث عمران بن حصين رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لرجل: "إذا أفطرت فصم" وقد ذكرناه في صيام آخر شعبان وقد سرد طائفة من الصحابة والتابعين الصوم إلا يوم الفطر والأضحى وقد روي عن أم سلمة أنها كانت تقول لأهلها من كان عليه رمضان فليصمه الغد من يوم الفطر فمن صام الغد من يوم الفطر فكأنما صام رمضان وفي إسناده ضعف وعن الشعبي قال: لإن أصوم يوما بعد رمضان أحب إلي من أن أصوم الدهر كله ويروى بإسناد ضعيف عن أين عمر مرفوعا: "من صام بعد الفطر يوما فكأنما صام السنة" وبإسناده ضعف عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا: "الصائم بعد رمضان كالكار بعد الفار".

وأما صيام شوال كله: ففي حديث رجل من قريش سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من صام رمضان وشوالا والأربعاء والخميس دخل الجنة" وخرجه الإمام أحمد والنسائي وخرج الإمام أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي من حديث مسلم القرشي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن صيام الدهر؟ فقال: "إن لأهلك عليك حقا فصم رمضان والذي يليه وكل أربعة وخميس فإذا أنت قد صمت الدهر وأفطرت" وخرج ابن ماجه بإسناد منقطع أن أسامة بن زيد كان يصوم الأشهر الحرم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صم شوالا" فترك الأشهر الحرم لم يزل يصوم شوالا حتى مات وخرجه أبو يعلى الموصلي بإسناد متصل عن أسامة قال كنت أصوم شهرا من السنة فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم "أين أنت من شوال" فكان أسامة إذا أفطر أصبح الغد صائما من شوال حتى يأتي على آخره وصيام شوال كصيام شعبان لأن كلا الشهرين حريم لشهر رمضان وهما يليانه وقد ذكرنا في فضل

ص: 219

صيام شعبان أن الأظهر أن صيامهما أفضل من صيام الأشهر الحرم والإختلاف في ذلك وإنما كان صيام رمضان واتباعه بست من شوال يعدل صيام الدهر لأن الحسنة بعشر أمثالها وقد جاء ذلك مفسرا من حديث ثوبان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "صيام رمضان بعشرة أشهر وصيام ستة أيام بشهرين فذلك صيام سنة" يعني رمضان وستة أيام من شوال بعده خرجه الإمام أحمد والنسائي وهذا لفظه وابن حبان في صحيحه وصححه أبو حاتم الرازي.

وقال الإمام أحمد: ليس في حديث الرازي أصح منه وتوقف فيه في رواية أخرى ولا فرق في ذلك بين أن يكون شهر رمضان ثلاثين أو تسعا وعشرين وعلى هذا حمل بعضهم قول النبي صلى الله عليه وسلم "شهرا عيد لا ينقصان رمضان وذو الحجة" وقال: المراد كمال آخره سواء كان ثلاثين أو تسعا وعشرين وأنه اتبع بستة أيام من شوال فإنه يعدل صيام الدهر على كل حال.

وكره إسحاق ابن راهويه أن يقال لشهر رمضان: أنه ناقص وإن كان تسعا وعشرين لهذا المعنى فإن قال قائل: فلو صام هذه الستة أيام من غير شوال يحصل له هذا الفضل؟ فكيف خص صيامها من شوال؟ قيل: صيامها من شوال يلتحق بصيام رمضان في الفضل فيكون له أجر صيام الدهر فرضا ذكر ذلك ابن المبارك وذكر: أنه في بعض الحديث حكاه الترمذي في جامعه ولعله أشار إلى ما روي عن أم سلمة رضي الله عنها: أن من صام الغد من يوم الفطر فكأنما صام رمضان.

وفي معاودة الصيام بعد رمضان فوائد عديدة:

منها: أن صيام ستة أيام من شوال بعد رمضان يستكمل بها أجر صيام الدهر كله كما سبق.

ومنها: أن صيام شوال وشعبان كصلاة السنن الرواتب قبل الصلاة المفروضة وبعدها فيكمل بذلك ما حصل في الفرض من خلل ونقص فإن الفرائض تجبر أو تكمل بالنوافل يوم القيامة كما ورد ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه متعددة وأكثر الناس في صيامه للفرض نقص وخلل فيحتاج إلى ما يجبره ويكمله من الأعمال ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم: أن يقول الرجل صمت رمضان كله أو قمته كله قال الصحابي فلا أدري أكره التزكية أم لا بد من الغفلة وكان عمر بن عبد العزيز رحمه الله يقول: من لم يجد ما يتصدق به فليصم يعني من لم يجد ما يخرجه صدقة الفطر في آخر رمضان فليصم بعد الفطر فإن الصيام يقوم مقام

ص: 220

الإطعام في التكفير للسيئات كما يقوم مقامه في كفارات الإيمان وغيرها من الكفارات في مثل كفارات القتل والوطء في رمضان والظهار.

ومنها: أن معاودة الصيام بعد صيام رمضان علامة على قبول صوم رمضان فإن الله إذا تقبل عمل عبد وفقه لعمل صالح بعده كما قال بعضهم: ثواب الحسنة الحسنة بعدها فمن عمل حسنة ثم اتبعها بعد بحسنة كان ذلك علامة على قبول الحسنة الأولى كما أن من عمل حسنة ثم اتبعها بسيئة كان ذلك علامة رد الحسنة وعدم قبولها.

ومنها: أن صيام رمضان يوجب مغفرة ما تقدم من الذنوب كما سبق ذكره وأن الصائمين لرمضان يوفون أجورهم في يوم الفطر وهو يوم الجوائز فيكون معاودة الصيام بعد الفطر شكرا لهذه النعمة فلا نعمة أعظم من مغفرة الذنوب كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم حتى تتورم قدماه فيقال له: أتفعل هذا وقد غفر الله لك ماتقدم من ذنبك وما تأخر؟ فيقول: "أفلا أكون عبدا شكورا".

وقد أمر الله سبحانه وتعالى عباده بشكر نعمة صيام رمضان بإظهار ذكره وغير ذلك من أنواع شكره فقال: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة: 185] فمن جملة شكر العبد لربه على توقيفه لصيام رمضان وإعانته عليه ومغفرة ذنوبه أن يصوم له شكرا عقب ذلك كان بعض السلف إذا وفق لقيام ليلة من الليالي أصبح في نهاره صائما ويجعل صيامه شكرا للتوفيق للقيام وكان وهب بن الورد يسئل عن ثواب شيء من الأعمال كالطواف ونحوه؟ فيقول: لا تسألوا عن ثوابه ولكن اسألوا ما الذي على من وفق لهذا العمل من الشكر للتوفيق والإعانة عليه.

إذا أنت لم تزدد على كل نعمة

لموليكها شكرا فلست بشاكر

على كل نعمة على العبد من الله في دين أو دنيا يحتاج إلى شكر عليها ثم للتوفيق للشكر عليها نعمة أخرى تحتاج إلى شكر ثان ثم التوفيق للشكر الثاني نعمة أخرى يحتاج إلى شكر أخر وهكذا أبدا فلا يقدر العبد غلى القيام بشكر النعم وحقيقة الشكر الإعتراف بالعجز عن الشكر كما قيل:

إذا كان شكري نعمة الله نعمة

علي له في مثلها يجب الشكر

فكيف بلوغ الشكر إلا بفضله

وإن طالت الأيام واتصل العمر

قال أبو عمر الشيباني: قال موسى عليه السلام يوم الطور: يا رب إن أنا.

ص: 221

صليت فمن قبلك وإن أنا تصدقت فمن قبلك وإن بلغت رسالاتك فمن قبلك فكيف أشكرك؟ قال: يا موسى الآن شكرتني فأما مقابلة نعمة التوفيق كصيام شهر رمضان بارتكاب المعاصي بعده فهو من فعل من بدل نعمة الله كفرا فإن كان قد عزم في صيامه على معاودة المعاصي بعد انقضاء الصيام فصيامه عليه مردود وباب الرحمة في وجهه مسدود قال كعب: من صام رمضان وهو يحدث نفسه إذا أفطر من رمضان لم يعص الله دخل الجنة بغير مسألة ولا حساب ومن صام رمضان وهو يحدث نفسه إذا أفطر عصى ربه فصيامه عليه مردود.

ومنها أن الأعمال التي كان العبد يتقرب بها إلى ربه في شهر رمضان لا تنقطع بانقضاء رمضان بل هي باقية بعد انقضائه ما دام العبد حيا وهذا معنى الحديث المتقدم: أن الصائم بعد رمضان كالكار بعد الفار يعني كالذي يفر من القتال في سبيل الله ثم يعود إليه وذلك لأن كثيرا من الناس يفرح بانقضاء شهر رمضان لاستثقال الصيام وملله وطوله عليه ومن كان كذلك فلا يكاد يعود إلى الصيام سريعا فالعائد إلى الصيام بعد فطره يوم الفطر يدل عوده على رغبته في الصيام وأنه لم يمله ولم يستثقله ولا تكره به.

وفي حديث خرجه الترمذي مرفوعا: "أحب الأعمال إلى الله الحال المرتحل" وفسر بصاحب القرآن يضرب من أوله إلى آخره ومن آخره إلى أوله كلما حل ارتحل والعائد إلى الصيام سريعا بعد فراغ صيامه شبيه بقارىء القرآن إذا فرغ من قراءته ثم عاد في المعنى والله أعلم وقيل لبشر: إن قوما يتعبدون ويجتهدون في رمضان فقال: بئس القوم لا يعرفون لله حقا إلا في شهر رمضان إن الصالح الذي يتعبد ويجتهد السنة كلها سئل الشبلي: أيما أفضل رجب أم شعبان؟ فقال: كن ربانيا ولا تكن شعبانيا كان النبي صلى الله عليه وسلم عمله ديمة وسئلت عائشة رضي الله عنها: هل كان يخص يوما من الأيام؟ فقالت: لا كان عمله ديمة وقالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقضي ما فاته من أوراده في رمضان في شوال فترك في عام اعتكاف العشر الأواخر من رمضان ثم قضاه في شوال فاعتكف العشر الأول منه وسأل رجل أهل صام من شهر شعبان في شوال وقد تقدم عن أم سلمة أنها كانت تأمر أهلها من كان عليه قضاء من شهر رمضان فليبدأ أن يقضيه الغد من يوم الفطر فمن كان عليه قضاء من شهر رمضان فليبدأ بقضائه في شوال فإنه أسرع

ص: 222

لبراءة ذمته وهو أولى من التطوع بصيام ستة من شوال فإن العلماء اختلفوا فيمن عليه صيام مفروض هل يجوز أن يتطوع قبله أو لا وعلى قول من جوز التطوع قبل القضاء فلا يحصل مقصود صيام ستة أيام من شوال إلا لمن أكمل صيام رمضان ثم أتبعه بست من شوال فمن كان عليه قضاء من رمضان ثم بدأ بصيام ست من شوال حيث لم يكمل عدة رمضان لم يحصل له ثواب من صام رمضان ثم أتبعه بست من شوال كما لا يحصل لمن أفطر رمضان لعذر بصيام ستة من شوال آخر صيام السنة بغير إشكال ومن بدأ بالقضاء في شوال ثم أراد أن يتبع ذلك بصيام ستة من شوال بعد تكمله قضاء رمضان كان حسنا لأنه يصير حينئذ قد صام رمضان وأتبعه بست من شوال ولا يحصل له فضل صيام ست من شوال بصوم قضاء رمضان لأن صيام الست من شوال إنما تكون بعد إكمال عدة رمضان.

عمل المؤمن لا ينقضي حتى يأتيه أجله قال الحسن: إن الله لم يجعل لعمل المؤمن أجلا دون الموت ثم قرأ: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:99] هذه الشهور والأعوام والليالي والأيام كلها مقادير الآجال ومواقيت الأعمال ثم تنقضي سريعا وتمضي جميعا والذي أوجدها وابتدعها وخصها بالفضائل وأودعها باق لا يزول ودائم لا يحول هو في جميع الأوقات إله واحد ولأعمال عباده رقيب مشاهد فسبحان من قلب عباده في اختلاف الأوقات بين وظائف الخدم يسبغ عليهم فيها فواضل النعم ويعاملهم بنهاية الجود والكرم لما انقضت الأشهر الحرم الثلاثة الكرام التي أولها الشهر الحرام وآخر شهر الصيام أقبلت الأشهر الثلاثة أشهر الحج إلى بيت الله الحرام فكما أن من صام رمضان وقامه غفر له ما تقدم من ذنبه فمن حج البيت ولم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه فما يمضي من عمر المؤمن ساعة من الساعات إلا والله فيها عليه وظيفة من وظائف الطاعات فالمؤمن يتقلب بين هذه الوظائف ويتقرب بها إلى مولاه وهو راج خائف المحب لا يمل من التقرب بالنوافل إلى مولاه ولا يأمل إلا قربه ورضاه.

ما للمحب سوى إرادة حبه

إن المحب بكل أمر يضرع

كل وقت يخيله العبد من طاعة مولاه فقد خسره وكل ساعة يغفل فيها عن ذكر الله تكون عليه يوم القيامة ترة فوا أسفاه على زمان ضاع في غير طاعته وواحسرتاه على قلب بات في غير خدمته.

ص: 223

من فاته أن يراك يوما

فكل أوقاته فوات

وحيثما كنت من بلاد

فلى إلى وجهك التفات

إليكم هجرتي وقصدي

وأنتم الموت والحياة

أمنت أن توحشوا فؤادي

فآنسوا مقتلي ولات

من عمل طاعة من الطاعات وفرغ منها فعلامة قبولها أن يصلها بطاعة أخرى وعلامة ردها أن يعقب تلك الطاعة بمعصية ما أحسن الحسنة بعد السيئة تمحوها وأحسن منها بعد الحسنة تتلوها وما أقبح السيئة بعد الحسنة تمحقها وتعفوها ذنب واحد بعد التوبة أقبح من سبعين ذنبا قبلها النكسة أصعب من الضعفة وربما أهلكت سلوا الله الثبات على الطاعات إلى الممات وتعوذوا به من تقلب لقلوب ومن الحور بعد الكور وما أوحش ذل المعصية بعد عز الطاعة وأوحش منه فقر الطمع بعد غنى القناعة ارحموا عزيز قوم بالمعاصي ذل وغني قوم بالذنوب افتقر.

ترى الحي الأولى بانوا

على العهد كما كانوا

أم الدهر بهم خانوا

ودهر المرء خوان

إذا عز بغير الله

يوما شر هانوا

يا شبان التوبة لاترجعوا إلى ارتضاع ثدي الهوى من بعد الفطام فالرضاع إنما يصلح للأطفال لا للرجال ولكن لا بد من الصبر على مرارة الفطام فإن صبرتم تعوضتم عن لذة الهوى بحلاوة الإيمان في القلوب من ترك شيئا لله لم يجد فقده عوضه الله خيرا منه: {إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ} [الأنفال: 70] وفي الحديث: "النظر سهم مسموم من سهام إبليس من تركه من خوف الله أعطاه إيمانا يجد حلاوته في قلبه" خرجه الإمام أحمد وهذا الخطاب للشباب فأما الشيخ إذا عاود المعاصي بعد انقضاء رمضان فهو أقبح وأقبح لأن الشباب يؤمل معاودة التوبة في آخر عمره وهو مخاطر فإن الموت قد يعاجله وقد يطرقه بغتة وأما الشيخ فقد شارف مركبه على ساحل بحر المنون فماذا يؤمل.

نعى لك ظل الشباب المشيب

ونادتك باسم سواك الخطوب

فكن مستعدا لداعي الفناء

فكل الذي هو آت قريب

ص: 224