الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رمضان وما فعل فيه من نفل فهو أفضل مما فعل في غيره من نفل وقد اختلف عمر وعلي رضي الله عنهما في قضاء رمضان في عشر ذي الحجة فكان عمر يحتسبه أفضل أيامه فيكون قضاء رمضان فيه أفضل من غيره وهذا يدل على مضاعفة الفرض فيه على النفل وكان علي ينهي عنه وعن أحمد في ذلك روايتان وقد علل قول علي: بأن القضاء فيه يفوت به فضل صيامه تطوعا وبهذا علله الإمام أحمد وغيره وقد قيل: إنه يحصل به فضيلة صيام التطوع بها وهذا على قول من يقول: إن نذر صيام شهر فصام رمضان أجزاءه عن فرضه ونذره متوجه وقد علل بغير ذلك وأما قيام لياليه وتفضيل قيامه على قيام عشر رمضان فيأتي الكلام فيه إن شاء الله.
الفصل الثاني: في فضل عشر ذي الحجة على غيره من أعشار الشهور
.
قد سبق حديث ابن عمر المرفوع: "ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر" وفي صحيح ابن حيان عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من أيام أفضل عند الله من أيام عشر ذي الحجة" وقد تقدم ورويناه من وجه آخر بزيادة وهي: "ولا ليالي أفضل من ليالهين" قيل: يا رسول الله هي أفضل من عدتهن جهادا في سبيل الله؟ قال: " هي أفضل من عدتهن جهادا في سبيل الله إلا من عُفّرَ وجهه تعفيرا وما من يوم أفضل من يوم عرفة" خرجه الحافظ أبو موسى المديني من جهة أبي نعيم الحافظ بالإسناد الذي خرجه به ابن حبان وخرج البزار وغيره من حديث جابر أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أفضل أيام الدنيا أيام العشر" قالوا: يا رسول الله ولا مثلهن في سبيل الله؟ قال: "ولا مثلهن في سبيل الله إلا من عُفّرَ وجهه بالتراب" وروي مرسلا وقيل: إنه أصح وقد سبق ما روي عن ابن عمر قال: ليس يوم أعظم عند الله من يوم الجمعة ليس العشر ويدل على أن أيام العشر أفضل من أيام الجمعة الذي هو أفضل الأيام.
وقال سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن كعب قال: اختار الله الزمان وأحب الزمان إلى الله الأشهر الحرم وأحب الأشهر الحرم إلى الله ذو الحجة وأحب ذي الحجة إلى الله العشر الأول ورواه بعضهم عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة ورفعه ولا يصح ذلك وقال مسروق في قوله تعالى: {وَلَيَالٍ عَشْرٍ} [الفجر:2] هي أفضل أيام السنة خرجه عبد الرزاق وغيره وأيضا فأيام هذا العشر يشتمل على يوم عرفة وقد روي أنه أفضل أيام الدنيا كما جاء في حديث جابر الذي ذكرناه وفيه يوم النحر وفي حديث عبد الله بن قرط عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أعظم الأيام عند الله يوم النحر ثم يوم النفر" خرجه الإمام أحمد وأبو دواد وغيرهما وهذا كله يدل على أن عشر ذي الحجة أفضل من غيره من الأيام من غير استثناء هذا في أيامه.
فأما لياليه فمن المتأخرين من زعم أن ليالي عشر رمضان أفضل من لياليه لاشتمالها على ليلة القدر وهذا بعيد جدا.
ولو صح حديث أبي هريرة "قيام كل ليلة منها بقيام ليلة القدر" لكان صريحا في تفصيل لياليه على ليالي عشر رمضان فإن عشر رمضان فضل بليلة واحدة فيه وهذا جميع لياليه متساوية لها في القيام على هذا الحديث ولكن حديث جابر الذي خرجه أبو موسى صرح في تفضيل لياليه كتفضيل أيامه أيضا والأيام إذا أطلقت دخلت فيها الليالي تبعا وكذلك الليالي تدخل أيامها تبعا.
وقد أقسم الله تعالى بلياليه فقال {وَالْفَجْرِ، وَلَيَالٍ عَشْرٍ} [الفجر: 1، 2] وهذا يدل على فضيلة لياليه لكن لم يثبت أن لياليه ولا شيئا منها يعدل ليلة القدر.
وقد زعم طوائف من أصحابنا أن ليلة الجمعة أفضل من ليلة القدر ولكن لا يصح ذلك عن أحمد فعلى قول هؤلاء لا يستبعد تفضيل هذا العشر على ليلة القدر.
والتحقيق ما قاله بعض أعيان المتأخرين من العلماء أن يقال مجموع هذا العشر أفضل من مجموع عشر رمضان وإن كان في عشر رمضان ليلة لا يفضل عليها غيرها والله أعلم.
وما تقدم عن كعب يدل على أن شهر ذي الحجة أفضل الأشهر الحرم الأربعة وكذا قال سعيد بن جبير راوي الحديث عن ابن عباس "ما من الشهور أعظم حرمة من ذي الحجة".
وفي مسند البزار عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سيد الشهور رمضان وأعظمها حرمة ذو الحجة" وفي إسناد ضعف.
وفي مسند الإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حجة الوداع في خطبته يوم النحر "ألا إن أحرم الأيام يومكم هذا ألا وإن أحرم الشهور شهركم هذا ألا وإن أحرم البلاد بلدكم هذا".
رورى ذلك أيضا عن جابر ووابصة بن معبد ونبيط بن شريط وغيرهم عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا كله يدل على أن شهر ذي الحجة أفضل الأشهر الحرم حيث كان أشدها حرمة وقد روى عن الحسن أن أفضلها المحرم وسنذكره عند ذكر شهر المحرم إن شاء الله تعالى.
وأما من قال أفضلها رجب فقوله مردود.
ولعشر ذي الحجة فضائل أخر غير ما تقدم فمن فضائله أن الله تعالى أقسم به جملة وببعضه خصوصا قال تعالى {وَالْفَجْرِ، وَلَيَالٍ عَشْرٍ} [الفجر: 1، 2] فأما الفجر فقيل إنه أراد جنس الفجر وقيل: المراد طلوع الفجر أو صلاة الفجر أوالنهار كله فيه اختلاف بين المفسرين وقيل بل أريد فجر معين ثم قيل إنه أريد به فجر أول يوم من عشر ذي الحجة وقيل: بل أريد به فجر آخر يوم منه وهو يوم النحر وعلى جميع هذه الأقوال فالعشر يشتمل على الفجر الذي أقسم الله به.
وأما الليالي العشر فهي عشر ذي الحجة هذا الصحيح الذي عليه جمهور المفسرين من السلف وغيرهم وهو الصحيح عن ابن عباس روي عنه من غير وجه والرواية عنه "انه عشر رمضان" إسنادها ضعيف.
وفيه حديث مرفوع خرجه الإمام أحمد والنسائي في التفسير من رواية زيد بن الحباب حدثنا عياش بن عقبة حدثنا خير بن نعيم عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "العشر عشر الضحى والوتر يوم عرفة والشفع يوم النحر" وهو إسناد حسن.
وكذا فسر الشفع والوتر ابن عباس في رواية عكرمة وغيره وفسرهما أيضا بذلك عكرمة والضحاك وغير واحد وقد قيل في الشفع والوتر أقوال كثيرة وأكثرها لا يخرج عن أن يكون العشر أو بعضه مشتملا على الشفع والوتر أو أحدهما كقول من قال: هي الصلاة منها شفع ومنها وتر وقد خرجه الإمام أحمد والترمذي من حديث عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقول
من قال هي المخلوقات منها شفع ومنها وتر يدخل فيها أيام العشر وقول من قال: الشفع الخلق كله والوتر الله فإن أيام العشر من جملة المخلوقات.
ومن فضائله ايضا: أنه من جملة الأربعين التي واعدها الله عز وجل لموسى عليه السلام قال الله تعالى {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} [الأعراف: 142] لكن هل عشر ذي الحجة خاتمة الأربعين فيكون هو العشر الذي أتم به الثلاثون أم هو الأول الأربعين فيكون من جملة الثلاثين التي أتمت بعشر فيه اختلاف بين المفسرين.
روى عبد الرزاق عن معمر عن يزيد بن أبي زياد عن مجاهد قال: ما من عمل في أيام السنة أفضل منه في العشر من ذي الحجة وهي العشر التي اتمها الله لموسى عليه السلام.
ومن فضائله: انه خاتمة الأشهر المعلومات اشهر الحج التي قال الله فيها {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] وهي شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة وروي عن عمر وابنه عبد الله وعلي وابن مسعود وابن عباس وابن الزبير وغيرهم وهو قول أكثر التابعين ومذهب الشافعين وأحمد وابي حنيفة وأبي يوسف وأبي ثور وغيرهم لكن الشافعي وطائفة أخرجوا منه يوم النحر وأخله فيه الأكثرون لأنه يوم الحج الأكبر وفيه يقع أكثر أفعال مناسك الحج وقالت طائفة: ذو الحجة كله من اشهر الحج وهو قول مالك والشافعي في القديم ورواه عن ابن عمر أيضا وروي عن طائفة من السلف وفيه حديث مرفوع خرجه الطراني لكنه لا يصح والكلام في هذه المسألة يطول وليس هذا موضعه.
ومن فضائله: أنه الأيام المعلومات التي شرع الله ذكره فيها على ما رزق من بهيمة الأنعام قال الله تعالى {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ، لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} [الحج: 27، 28] .
وجمهور العلماء على أن هذه الأيام المعلومات هي عشر ذي الحجة منهم ابن عمر وابن عباس والحسن وعطاء ومجاهد وعكرمة وقتادة والنخعي وهو قول أبي حنيفة والشافعي وأحمد في المشهور عنه.
وروي عن أبي موسى الأشعري أي الأيام المعلومات هي تسع ذي الحجة غير يوم النحر وأنه قال لا يرد فيهن الدعاء خرجه جعفر الفريابي وغيره.
وقالت طائفة: هي أيام الذبح وروي عن طائفة من السلف وهو قول مالك وأبي يوسف وجعلوا ذكر الله فيها ذكره على الذبح وهو قول ابن عمر رضي الله عنهما ونقل المروذي عن أحمد أنه استحسنه والقول الأول أظهر.
وذكر الله على بهيمة الأنعام لا يختص بحال ذبحها كما قال تعالى {كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [الحج: 37] وقال تعالى {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} [الحج: 34] وأيضا فقد قال الله تعالى بعد هذا {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ، ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 28، 29] فجعل هذا كله بعد ذكره في الأيام المعلومات وقضاء التفث وهو شعث الحج وغباره ونصبه والطواف بالبيت إنما يكون في يوم النحر وما بعده ولا يكون قبله وقد جعل الله يبحانه هذا مرتبا على ذكره في الأيام المعلومات بلفظة "ثم" فدل على أن المراد بالأيام المعلومات ما قبل يوم النحر وهو عشر ذي الحجة.
وأما قوله تعالى {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} [الحج: 28] فقيل إن المراد ذكره عند ذبحها وهو حاصل بذكره في يوم النحر فإنه أفضل أيام النحر والأصح أنه إنما أريد ذكره شكرا على نعمة تسخير بهيمة الأنعام لعباده فإن الله تعالى على عباده في بهيمة الأنعام نعما كثيرة قد عدد بعضها في مواضع من القرآن والحاج لهم خصوصية في ذلك عن غيرهم فإنهم يسيرون عليها إلى الحرم لقضاء نسكهم كما قال تعالى {وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} [الحج: 27] وقال تعالى {وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ} [النحل: 7] ويأكلون من لحومها ويشربون من ألبانها وينتفعون بأصوافها واوبارها وأشعارها.
ويختص عشر ذي الحجة في حق الحاج بأنه زمن سوقهم للهدي الذي به يكمل فضل الحج ويأكلون من لحومه آخر العشر وهو يوم النحر وأفضل سوق الهدي من الميقات ويشعر ويقلد عند الإحرام وتقارنه التلبية وهي من الذكر لله في الأيام المعلومات.
وفي الحديث "أفضل الحج العج والثج" وفي حديث آخر "عجوا التكبير عجا وثجوا الإبل ثجا".
فيكون كثرة ذكر الله في أيام العشر شكرا على هذه النعمة المختصة ببهيمة الأنعام التي بعضها يتعلق بدين الحاج وبعضها بدنياهم وأفضل الأعمال ما كثر
ذكر الله تعالى منها خصوصا الحج وقد أمر الله تعالى بذكره كثيرا في أيام الحج قال تعالى {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ، ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 198، 199] فهذا الذكر يكون في عشر ذي الحجة ثم قال تعالى {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً} [البقرة: 200] وهذا يقع في يوم النحر وهو خاتمة العشر أيضا ثم أمر بذكره بعد العشر في الأيام المعدودات وهي أيام التشريق.
وفي السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنما جعل الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله عز وجل".
وفي مسند الإمام أحمد عن معاذ بن أنس أن رجلا قال: يا رسول الله أي الجهاد أعظم أجرا؟ قال: "أكثرهم لله ذكرا" قال فأي الصائمين أعظم أجرا؟ قال: "أكثرهم لله ذكرا" قال: ثم ذكر الصلاة والزكاة والحج والصدقة كل [ذلك] ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اكثرهم لله ذكرا" فقال أبو بكر يا ابا حفص ذهب الذاكرون بكل خير فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أجل".
وقد خرجه ابن المبارك وابن أبي الدنيا من وجوه أخر مرسلة وفي بعضها: أي الحجاج خير؟ قال "أكثرهم ذكرا لله" وفي بعضها أي الحجاج أعظم جرا؟ قال: "أكثرهم لله ذكرا" وذكر بقية الأعمال بمعنى ما تقدم فهذا كله بالنسبة إلى الحاج.
فأما أهل الأمصار فإنهم يشاركون الحاج في عشر ذي الحجة في الذكر وإعداد الهدي فأما إعداد الهدي فإنه العشر تعد فيه الأضاحي كما يسوق أهل الموسم الهدي ويشاركونهم في بعض إحرامهم فإن من دخل عليه العشر وأراد أن يضحي فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئا كما روت ذلك أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم خرج حديها مسلم وأخذ بذلك الشافعي وأحمد وعامة فقهاء الحديث.
ومنهم من شرط أن يكون قد اشترى هديه قبل العشر وأكثرهم لم يشرطوا ذلك.
وخالف فيه مالك وأبو حنيفة وكثير من الفقهاء وقالوا: لا يكره شيء من ذلك واستدلوا بحديث عائشة كنت أفتل قلائد الهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يحرم عليه شيء أحله الله له.
وأجاب كثير من أهل القول الأول: بأنه يجمع بين الحديثين فيؤخذ بحديث أم سلمة فيمن يريد أن يضحي في مصره ويبحديث عائشة فيمن أرسل بهديه مع غيره وأقام في بلده وكان ابن عمر إذا ضحى يوم النحر حلق رأسه ونص أحمد على ذلك.
واختلف العلماء في التعريف بالأمصار عشية عرفة وكان الإمام أحمد لا يفعله ولا ينكر على من فعله لأنه روي عن ابن عباس وغيره من الصحابة وأما مشاركتهم لهم في الذاكرة في الأيام المعلومات فإنه يشرع للناس كلهم الإكثار من ذكر الله في أيام العشر خصوصا وقد سبق حديث ابن عمر المرفوع: "فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد" واختلف العلماء هل يشرع إظهار التكبير والجهر به في الأسواق في العشر؟ فأنكره طائفة واستحبه أحمد والشافعي لكن الشافعي خصه بحال رؤية بهيمة الأنعام وأحمد يستحبه مطلقا.
وقد ذكر البخاري في صحيحه عن ابن عمر وأبي هريرة أنهما كانا يخرجان إلى السوق في العشر فيكبران ويكبر الناس بتكبيرهما ورواه أبو داود حدثنا سلام أبو المنذر عن حميد الأعرج عن مجاهد قال كان أبي هريرة وابن عمر يأتيان السوق أيام العشر فيكبران ويكبر الناس معهما ولا يأتيان لشيء إلا لذلك وروى جعفر الفريابي في كتاب العيدين: حدثنا إسحاق بن راهويه أخبرنا جرير عن يزيد بن أبي زياد قال رأيت سعيد بن جبير ومجاهدا وعبد الرحمن بن أبي ليلى أو اثنين من هؤلاء الثلاثة وما رأينا من فقهاء الناس يقولون في أيام العشر: الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
لما كان الله سبحانه وتعالى قد وضع في نفوس المؤمنين حنينا إلى مشاهدة بيته الحرام وليس كل أحد قادرا على مشاهدته في كل عام فرض على المستطيع الحج مرة واحدة في عمره وجعل موسم العشر مشتركا بين السائرين والقاعدين فمن عجز عن الحج في عام قدر في العشر على عمل يعمله في بيته يكون أفضل من الجهاد الذي هو أفضل من الحج.
"ليالي العشر أوقات الإجابة
…
فبادر رغبة تلحق ثوابه
ألا لا وقت للعمال فيه
…
ثواب الخير أقرب للإصابة
من أوقات الليالي العشر حقا
…
فشمر واطلبن فيها الإنابة
احذروا المعاصي فإنها تحرم المغفرة في مواسم الرحمة وروى المروذي في
كتاب الورع بإسناده عن عبد الملك بن عمير عن رجل ـ إما من الصحابة أو من التابعين ـ: أن آتيا أتاه في منامه في العشر من ذي الحجة فقال: ما من مسلم إلا يغفر له في هذه الأيام كل يوم خمس مرارا إلا أصحاب الشاء يقولون: مات ما موته يعني أصحاب الشطرنج فإذا كان اللعب بالشطرنج مانعا من المغفرة فما الظن بالإصرار على الكبائر المجمع عليها.
طاعة الله خير ما لزم العبـ
…
ـد فكن طائعا ولا تعصينه
ما هلاك النفوس إلا المعاصي
…
فاجتنب ما نهاك لا تقربنه
إن شيئا هلاك نفسك فيه
…
ينبغي أن تصون نفسك عنه
المعاصي سبب البعد والطرد كما أن الطاعات أسباب القرب والود.
أيضمن لي فتى ترك المعاصي
…
وأرهنه الكفالة بالخلاص
أطاع الله قوم فاستراحوا
…
ولم يتجرعوا غصص المعاصي
إخوانكم في هذه الأيام قد عقدوا الإحرام وقصدوا البيت الحرام وملؤا الفضاء بالتلبية والتكبير والتهليل والتحميد والإعظام لقد ساروا وقعدنا وقربوا وبعدنا فإن كان لنا معهم نصيب سعدنا.
أتراكم في النقا والمنحنى
…
أهل سلع تذكرونا ذكرنا
انقطعنا ووصلتم فاعلموا
…
واشكروا المنعم يا أهل منى
قد خسرنا وربحتم فصلوا
…
بفضول الريح من قد غبنا
سار قلبي خلف أحمالكم
…
غير أن العذر عاق البدنا
ما قطعتم واديا إلا وقد
…
جئته أسعى بأقدام المنى
أنا مذ غبتم على تذكاركم
…
أترى عندكمو ما عندنا
القاعد لعذر شريك للسائر وربما سبق السائر بقلبه السائرين بأبدانهم رأى بعضهم في المنام عشية عرفة في الموقف قائلا يقول له: أترى هذا الزحام على هذا الموقف فإنه لم يحج منهم أحد إلا رجل تخلف عن الموقف فحج بهمته فوهب له أهل الموقف.
يا سائرين إلى البيت العتيق
…
لقد سرتم جسوما وسرنا نحن أرواحا
إنا أقمنا على عذر وقد رحلوا
…
ومن أقام على عذر كمن راحا