الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نفحت في هذه اليام نفحة من نفحات الأنس من رياض القدس على كل قلب أجاب إلى ما دعى يا همم العارفين بغير الله لا تقنعي يا عزائم الناسكين لجمع أنساك السالكين اجمعي لحب مولاك أفردي وبين خوفه ورجائه اقرني وبذكره تمتعي.
يا أسرار المحبين بكعبة الحب طوفي واركعي وبين صفاء الصفا ومروة المروى اسعي واسرعي وفي عرفات الغرفات قفي وتضرعي ثم إلى مزدلفة الزلفى فادفعي ثم إلى منى نيل المنى فارجعي فإذا قرب القرابين فقربي الأرواح ولا تمنعي لقد وضح الطريق ولكن قل السالك على التحقيق وكثر المدعي.
لئن لم أحج البيت أوشط ربعه
…
حججت إلى من لا يغيب عن الذكر
فأحرمت من وقتي بخلع نقائصي
…
أطوف وأسعى في اللطائف والبر
صفاي صفائي عن صفاتي ومروتي
…
مروءة قلبي عن سوى حبه فقر
وفي عرفات الأنس بالله موقفي
…
ومزدلفى الزلفى لديه إلى الحشر
وبت المنى مني مبيتي في منا
…
ورمي جماري جمر شوقي في صدري
وأشعار هدي ذبح نفسي بقهرها
…
وخلعي بمحو الكائنات عن السر
ومن رام نفرا بعد نسك فإنني
…
مقيم على نسكي بلا نفر
المجلس الثالث في أيام التشريق
.
خرج مسلم في صحيحه من حديث نبيشة الهذلي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أيام منى أيام أكل وشرب وذكر الله عز وجل" وخرجه أهل السنن والمسانيد من طرق متعددة عن النبي صلى الله عليه وسلم وفي بعضها: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث في أيام منى مناديا ينادي: "لا تصوموا هذه الأيام فإنها أيام أكل وشرب وذكر الله عز وجل" وفي رواية للنسائي: "أيام أكل وشرب وصلاة" وفي رواية للدارقطني بإسناد فيه ضعف: "أيام أكل وشرب وبعال" وفي رواية للإمام أحمد: "من كان صائما فليفطر فإنها أيام أكل وشرب" وفي رواية: أنها ليست أيام صيام.
أيام منى هي الأيام المعدودات التي قال الله عز وجل فيها: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ
فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 203] وهي ثلاثة أيام بعد يوم النحر وهي أيام التشريق هذا قول ابن عمر واكثر العلماء وروي عن ابن عباس وعطاء أنها أربعة أيام: يوم النحر وثلاثة أيام بعده وسماها عطاء أيام التشريق والأول أظهر وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم "أيام منى ثلاثة: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 203] " خرجه أهل السنن الأربعة من حديث عبد الرحمن بن يعمر عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا صريح في أنها أيام التشريق.
وأفضلها أولها يوم القر لأن أهل منى يستقرون فيه ولا يجوز فيه النفر وفي حديث عبد الله بن قرط عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أعظم الأيام عند الله يوم النحر ثم يوم القر" وقد روي عن سعيد بن المسيب: أن يوم الحج الأكبر هو يوم القر وهو غريب ثم يوم النفر الأول وهو أوسطها ثم يوم النفر الثاني وهو آخرها قال الله تعالى: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 203] قال كثير من السلف: يريد أن المتعجل والمتأخر يغفر له ويذهب عنه الإثم الذي كان عليه قبل حجه إذا حج فلم يرفث ولم يفسق ورجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه ولهذا قال تعالى: {لِمَنِ اتَّقَى} [البقرة: 203] فتكون التقوى شرطا لذهاب الإثم على هذا التقدير وتصير الآية دالة على ما صرح به قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه" وقد أمر الله تعالى بذكره في هذه الأيام المعدودات كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنها أيام أكل وشرب وذكر الله عز وجل".
وذكر الله عز وجل المأمور به في أيامك التشريق أنواع متعددة:
منها: ذكر الله عز وجل عقب الصلوات المكتوبات بالتكبير في أدبارها وهو مشروع إلى آخر أيام التشريق عند جمهور العلماء وقد روي عن عمر وعلي وابن عباس وفيه حديث مرفوع في إسناده ضعف.
ومنها: ذكره بالتسمية والتكبير عند ذبح النسك فإن وقت ذبح الهدايا والأضاحي يمتد إلى آخر أيام التشريق عند جماعة من العلماء وهو قول الشافعي ورواية عن الإمام أحمد وفيه حديث مرفوع: "كل أيام منى ذبح" وفي إسناده مقال وأكثر الصحابة على أن الذبح يختص بيومين من أيام التشريق مع يوم النحر وهو المشهور عن أحمد وقول مالك وأبي حنيفة والأكثرين.
ومنها: ذكر الله عز وجل على الأكل والشرب فإن المشروع في الأكل والشرب أن يسمي الله في أوله ويحمده في آخره وفي الحديث عن النبي الله صلى الله عليه وسلم:
"أن الله عز وجل يرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها ويشرب الشربة فيحمده عليها" وقد روي: أن من سمى على أول طعامه وحمد الله على آخره فقد أدى ثمنه ولم يسأل بعد عن شكره.
ومنها: ذكره بالتكبير عند رمي الجمار في أيام التشريق وهذا يختص به أهل الموسم.
ومنها: ذكر الله تعالى المطلق فإنه يستحب الإكثار منه في أيام التشريق وقد كان عمر يكبر بمنى في قبته فيسمعه الناس فيكبرون فترتج منى تكبيرا وقد قال الله تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً} [البقرة: 200] إلى آخر الآية وقد استحب كثير من السلف كثرة الدعاء بهذا في أيام التشريق.
قال عكرمة: كان يستحب أن يقال في أيام التشريق: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: 201] وعن عطاء قال: ينبغي لكل من نفر أن يقول حين ينفر متوجها إلى أهله: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: 201] خرجهما عبد بن حميد في تفسيره وهذا الدعاء من أجمع الأدعية للخير وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر منه وروي: أنه كان أكثر دعائه وكان إذا دعا بدعاء جعله معه فإنه يجمع خير الدنيا والآخرة قال الحسن: الحسنة في الدنيا: العلم والعبادة وفي الآخرة: الجنة وقال سفيان: الحسنة في الدنيا: العلم والرزق الطيب وفي الآخرة: الجنة والدعاء من أفضل أنواع ذكر الله عز وجل وقد روى زياد الجصاص عن أبي كنانة القرشي أنه سمع أبا موسى الأشعري يقول في خطبته يوم النحر بعد يوم النحر ثلاثة أيام التي ذكر الله الأيام المعدودات لا يرد فيهن الدعاء فارفعوا رغبتكم إلى الله عز وجل.
وفي الأمر بالذكر عند انقضاء النسك معنى وهو أن سائر العبادات تنقضي ويفرغ منها وذكر الله باق لا ينقضي ولا يفرغ منه بل هو مستمر للمؤمنين في الدنيا والآخرة وقد أمر الله تعالى بذكره عند انقضاء الصلاة قال الله تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ} [النساء: 103] وقال في صلاة الجمعة: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً} [الجمعة: 10] وقال تعالى: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ*وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} [الشرح: 7، 8] روي عن ابن مسعود قال كان فإذا فرغت.
من الفرائض فانصب وعنه قوله: {وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} [الشرح: 8] قال: في المسألة وأنت جالس وقال الحسن: أمره إذا فرغ من غزوة أن يجتهد في الدعاء والعبادة فالأعمال كلها يفرغ منها والذكر لا فراغ له ولا انقضاء والأعمال تنقطع بانقطاع الدنيا ولا يبقى منها شيء في الآخرة والذكر لا ينقطع المؤمن يعيش على الذكر ويموت عليه وعليه يبعث.
أحسبتموا أن الليالي غيرت
…
عهد الهوى لا كان من يتغير
يفنى الزمان وليس يفنى ذكركم
…
وعلى محبتكم أموت وأحشر
قال ذو النون: ما طابت الدنيا إلا بذكره ولا الآخرة إلا بعفوه ولا الجنة إلا برؤيته.
بذكر الله ترتاح القلوب
…
ودنيانا بذكراه تطيب
إذا ذكر المحبوب عند حبيبه
…
ترنح نشوان وحن طروب
فأيام التشريق يجتمع فيها للمؤمنين نعيم أبدانهم بالأكل والشرب ونعيم قلوبهم بالذكر والشكر وبذلك تتم النعم وكلما أحدثوا شكرا على النعمة كان شكرهم نعمة أخرى إلى شكر آخر ولا ينتهي الشكر أبدا.
إذا كان شكري نعمة الله نعمة
…
علي له في مثلها يجب الشكر
فكيف بلوغ الشكر إلا بفضله
…
وإن طالت الأيام واتصل العمر
في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنها أيام أكل وشرب وذكر الله عز وجل" إشارة إلى أن الأكل في أيام الأعياد والشرب إنما يستعان به على ذكر الله تعالى وطاعته وذلك من تمام شكر النعمة أن يستعان بها على الطاعات وقد أمر الله تعالى في كتابه بالأكل من الطيبات والشكر له فمن استعان بنعم الله على معاصيه فقد كفر نعمة الله وبدلها كفرا وهو جدير أن يسلبها كما قيل:
إذا كنت في نعمة فارعها
…
فإن المعاصي تزيل النعم
وداوم عليها بشكر الإله
…
فشكر الإله يزيل النقم
وخصوصا نعمة الأكل من لحوم بهيمة الأنعام كما في أيام التشريق فإن هذه البهائم مطيعة وهي مسبحة له قانتة كما قال تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} [الاسراء: 44] وإنها تسجد له كما أخبر بذلك في سورة النحل وسورة الحج وربما كانت أكثر ذكرا لله من بعض بني آدم وفي المسند مرفوعا:
"رب بهيمة خير من راكبها واكثر له منه ذكرا" وقد أخبر الله تعالى في كتابه أن كثيرا من الجن والإنس كالأنعام بل هم أضل.
فأباح الله عز وجل ذبح هذه البهائم المطيعة الذاكرة له لعباده المؤمنين حتى تتقوى بها أبدانهم وتكمل لذاتهم في أكلهم اللحوم فإنها من أجل الأغذية وألذها مع أن الأبدان تقوم بغير اللحم من النباتات وغيرها لكن لا تكمل القوة والعقل واللذة إلا باللحم فأباح للمؤمنين قتل هذه البهائم والأكل من لحومها ليكمل بذلك قوة عباده وعقولهم فيكون ذلك عونا لهم على علوم نافعة وأعمال صالحة يمتاز بها بنو آدم على البهائم وعلى ذكر الله عز وجل وهو أكثر من ذكر البهائم فلا يليق بالمؤمن مع هذا إلا مقابلة هذه النعم بالشكر عليها والإستعانة بها على طاعة الله عز وجل وذكره حيث فضل الله ابن آدم على كثير من المخلوقات وسخر له هذه الحيوانات قال الله تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [الحج: 36] فأما من قتل هذه البهيمة المطيعة الذاكرة لله عز وجل ثم استعان بأكل لحومها على معاصي الله عز وجل ونسي ذكر الله عز وجل فقد قلب الأمر وكفر النعمة فلا كان من كانت البهائم خيرا منه وأطوع.
نهارك يا مغرور سهو وغفلة
…
وليلك نوم والردى لك لازم
وتتعب فيما سوف تكره غبه
…
كذلك في الدنيا تعيش البهائم
وإنما نهى عن صيام أيام التشريق لأنها أعياد للمسلمين مع يوم النحر فلا تصام بمنى ولا غيرها عند جمهور العلماء خلافا لعطاء في قوله: إن النهي يختص بأهل منى وإنما نهي عن التطوع بصيامها سواء وافق عادة أو لم يوافق فأما صيامها عن قضاء فرض أو نذر أو صيامها بمنى للمتمتع إذا لم يجد الهدي ففيه اختلاف مشهور بين العلماء ولا فرق بين يوم منها ويوم عند الأكثرين إلا عند مالك فإنه قال في اليوم الثالث منها: يجوز صيامه عن نذر خاصة.
وفي النهي عن صيام هذه الأيام والأمر بالأكل فيها والشرب سر حسن وهو لله تعالى لما علم ما يلاقي الوافدون إلى بيته من مشاق السفر وتعب الإحرام وجهاد النفوس على قضاء المناسك شرع لهم الإستراحة عقب ذلك بالإقامة بمنى يوم النحر وثلاثة أيام بعده وأمرهم بالأكل فيها من لحوم نسكهم فهم في ضيافة الله عز وجل فيها لطفا من الله بهم ورأفة ورحمة وشاركهم أيضا أهل الأمصار في ذلك لأن أهل الأمصار شاركوهم في حصول المغفرة والنصب لله،
والإجتهاد في عشر ذي الحجة بالصوم والذكر والإجتهاد في العبادات وشاركوهم في حصول المغفرة وفي التقرب إلى الله تعالى بإراقة دماء الأضاحي فشاركوهم في أعيادهم واشترك الجميع في الراحة في أيام الأعياد بالأكل والشرب كما اشتركوا جميعا في أيام العشر في الإجتهاد في الطاعة والنصب وصار المسلمون كلهم في ضيافة الله عز وجل في هذه الأيام يأكلون من رزقه ويشكرونه على فضله.
ونهوا عن صيامهم لأن الكريم لا يليق به أن يجيع أضيافه فكأنه قيل للمؤمنين في هذه الأيام قد فرغ عملكم الذي عملتموه فما بقي لكم إلا الراحة فهذه الراحة بهذا كالتعب كما أريح الصائمون لله شهر رمضان بأمرهم بإفطار يوم عيد الفطر ويؤخذ من هذا إشارة إلى حال المؤمنين في الدنيا فإن الدنيا كلها أيام سفر كأيام الحج وهو زمان إحرام المؤمن عما حرم عليه من الشهوات فمن صبر في مدة سفره على إحرامه وكف عن الهوى فإذا انتهى سفر عمره ووصل إلى منى المنى فقد قضى تفثه ووفى نذره فصارت أيامه كلها كأيام منى أيام أكل وشرب وذكر الله عز وجل وصار في ضيافة الله عز وجل في جواره أبد الأبد ولهذا يقال لأهل الجنة: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الطور:19]{كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة:24] وقد قيل: إنها نزلت في الصوام في الدنيا.
وقد صمت عن لذات دهري كلها
…
ويوم لقاكم ذاك فطر صيامي
قال بعض السلف: صم عن الدنيا وليكن فطرك الموت.
فصم يومك الأدنى لعلك في غد
…
تفوز الفطر والناس صوم
من صام اليوم عن شهواته أفطر عليها غدا بعد وفاته ومن تعجل ما حرم عليه من لذاته عوقب بحرمان نصيبه من الجنة وفواته شاهد ذلك من شرب الخمر في الدنيا لم يشربها في الآخرة ومن لبس الحرير لم يلبسه في الآخرة.
أنت في دار شتات
…
فتأهب لشتاتك
واجعل الدنيا كيوم
…
صمته عن شهواتك
وليكن فطرك عند الله
…
في يوم وفاتك
قال الله تعالى: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [يونس:25] الجنة ضيافة الله أعدها للمؤمنين نزلا فيها ما لا عين رأت ولا أذن.
سمعت ولا خطر على قلب بشر فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو إليها بالإيمان والإسلام والإحسان فمن أجابه دخل الجنة وأكل من تلك الضيافة ومن لم يجب حرم.
خرج الترمذي عن جابر قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فقال: "رأيت في المنام كأن جبريل عند رأسي وميكائيل عند رجلي فقال أحدهما لصاحبه: اضرب له مثلا فقال: اسمع سمعت أذناك واعقل عقل قلبك: إنما مثلك ومثل أمتك كمثل ملك اتخذ دارا ثم بنى فيها بناء وجعل فيها مائدة ثم بعث رسولا يدعو الناس إلى طعامه فمنهم من أجاب الرسول ومنهم من تركه فالله تعالى هو الملك والدار هي الإسلام والبيت الجنة وأنت يا محمد رسول الله من أجابك دخل الإسلام ومن دخل الإسلام دخل الجنة ومن دخل الجنة أكل فيها" وخرجه البخاري بمعناه ولفظه: "مثله كمثل رجل بنى دارا وجعل فيها مأدبة وبعث داعيا فمن أجاب الداعي دخل الدار وأكل من المأدبة ومن لم يجب الداعي لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة والدار الجنة والداعي محمد صلى الله عليه وسلم".
في بعض الآثار الإسرائلية يقول الله تعالى: "ابن آدم ما أنصفتني أذكرك وتنساني أدعوك إلى إلي فتفر مني إلى غيري وأذهب عنك البلايا وأنت منعكف على الخطايا ابن آدم ما يكون اعتذارك غدا إذا جئتني" طوبى لمن أجاب مولاه: {يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ} [الاحقاف: 31] .
يا نفس ويحك قد أتاك هواكي
…
أجيبي فداعي الحق قد ناداكي
كم قد دعيت إلى الرشاد فتعرضي
…
وتجيبي داعي الغي حين دعاكي
كل ما في الدنيا يذكر بالآخرة فمواسمها وأعيادها وأفراحها تذكر بمواسم الآخرة وأعيادها وأفراحها صنع عبد الواحد بن زيد طعاما لإخوانه فقام عتبة الغلام على رؤوس الجماعة يخدمهم وهو صائم فجعل عبد الواحد ينظر إليه ويسارقه النظر ودموع عتبة تجري فسأله بعد ذلك عن بكائه حينئذ فقال: ذكرت موائد الجنة والولدان قائمون على رؤوسهم فصعق عبد الواحد: أبدان العارفين في الدنيا وقلوبهم في الآخرة.
جسمي معي غير أن الروح عندكم
…
فالجسم في غربة والروح في وطن
أعياد الناس تنقضي فأما أعياد العارفين فدائمة قال الحسن: كل يوم لا.