الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ـ[ما هو
وجه روايتكم
عن الشيخ بدر الدين الحسني وعمن تروون من مشايخ المغرب وهل لكم اتصال أو لقاء بالشيخ عبد الحي الكتاني وما هي كتب الحديث التي سمعتموها على شيوخكم والله يحفظكم ويرعاكم وباحسانه وانعامه يتولاكم والسلام]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد
فإن طرق تلقي الإجازات للطلبة من السادة العلماء المشايخ، كانت وسط القرن الرابع عشر الهجري في دمشق على صور مختلفة. والذي رأيته منها، أو سمعته من المشايخ مثل الشيخ محمد بهجة البيطار، والشيخ علي الطنطاوي، والشيخ ياسين عرفة وغيرهم هي الغالبة، على الصورة الآتية:
كان يحضر طالبوا الإجازة في مجالس الشيخ محمد بدر الدين الحسني، ويسجل أسماء الطلبة الشيخ يحيى المكتبي (المشهور بزميا)، ويعرضها على الشيخ في بيته أو مدرسة دار الحديث الأشرفية، في العصرونية، -حيث للشيخ غرفة بها، بعد أن استخلصها والده محمد يوسف ممن كان يقيم فيها خمَّارة؟ -، ثم يكتب الأسماء على كل إجازة ويأتي صاحبها بعد ذلك فيأخذها!
وأما ما رأيته بنفسي هو:
كانت تقام حفلات بذكرى المولد النبوي في شهري ربيع الأول والآخر، أو مناسبات غيرها، وتقام الدعوات لها، ويدعى العلماء إليها. ومنهم عم والدتي الشيخ أبو ياسين محمود بن بكري رحمون، وكان بيته جوار بيتنا، وكان يحضر إليه الشيخ محمد بدر الدين -وكانت له معه شراكة في عمله بالحبوب-، ومعه العدد الكبير من المشايخ وأذكر منهم:
الشيخ علي الدقَّر، والشيخ راشد القوتلي، والطيب الشيخ رفيق السباعي، والشيخ محمد أمين سويد.
وأحياناً معهم المنشد الضرير الشيخ عمر بن مصطفى العيطة المدني. وكان يسكن بالقرب منَّا، وأصله من المدينة المنوَّرة، وجاء لدمشق بعد دخول الملك عبد العزيز آل سعود إليها.
ونقوم نحن الأولاد وأعمارنا ما بين الخمس سنوات إلى الثانية عشرة بالسلام على المشايخ نقبِّل جميع تلك الأيدي المبسوطة؟!، ثم نجلس بالقرب منهم، ومنّا من يكون قريباً من أهله، أو يقرب من المشايخ.
ويكون الدرس الذي يلقيه أحد المشايخ، ويختم بقصة عن المولد النبوي (وبعد ذلك عرفت أنها قصص لا سند لها ولا خطام)، وبعد ذلك يتولى أحد المشايخ من الحضور، تلاوة الحديث المسلسل بالأولية، أو غيره من المسلسلات (ومنها الكثير المخترع الذي لا يصح فيه حديث)، وكان يسمى الشيخ المكلف بإلقاء الحديث: المعيد، ويذكر في أول السند الشيخ محمد بدر الدين في أول الرواة.
ويدار على الناس الماء المعطر بماء الزهر، وفيه بعض السكر والليمون، وهو ضمن زبادي كبيرة، ثم يدار الشاي، وبعد ذلك يوزع الملبس ضمن صرر محكمة الربط، وفي بيوت الأغنياء يكون العشاء المعد لذلك، وكان عم والدتي منهم، وكنّا نسميه (جدنا) ..
وبعد ذلك يقول الشيخ محمد بدر الدين بصوت منخفض:
أجزتكم والله يبارك بكم، أو كلمات بهذا المعنى.
وقد يقول مثل ذلك الشيخ يوسف النبهاني، ويقدم إذا حضر لمنزلته عندهم، وهو يحضر من بيروت، وهو قاضيها، وله شهرة كبيرة بسبب مؤلفاته وبعضها جيد.
وقد تلقيت الإجازة من الشيخ محمد بدر الدين وغيره من العلماء في اجتماعات متعددة في بيت زوج خالة أبي الشيخ أبو حسين شقير، ولم يكن له ذريَّة، وكانت خالتي تبقيني عندها الأيام ذوات العدد (وهي من بيت عياش)، وكان زوجها يشرف على جامع كريم الدين المشهور بالدقَّاق.
* * *
وكذلك كان يحضر عدد من المشايخ لزيارة المدارس الأهلية، ومنها المدرسة الأموية تقوية لهذه المدارس التي قامت بوجه المدارس الحكومية.
وكانت المدرسة تنظف يوم حضورهم، ويكون فيها عدد من المدرسين المساعدين للمدير الشيخ سعيد الحافظ في ذاك اليوم، وكان يحضر المحامي الكبير الأستاذ وحيد الحكيم، لأن الرخصة كانت باسمه.
ويجمع كل الطلاب في الباحة حول البحرة، ويلقي المدير كلمة ترحيبية، وبعده أحد الطلبة، ثم تكون الإناشيد، ومنها ما لم يكن الشيخ سعيد يوافق عليها، ولكن لا بد منها في مجالس علماء ذاك الزمن؟!، وهي:
يا أبا الزهراء أغثني روحي فدا لك؟؟، و: يا رسول الله خذ بيدي
…
، أو شيء من هذا.
وبعدها -مما أذكره- أن الشيخ يوسف النبهاني، ألقى كلمة وختمها، بأن أجاز جميع الحضور من المدرسين والطلاب بحديث الأولية، وأخذ أسماء المجازين من المدير.
* * *
وأما المشايخ الكبار الأفاضل الأربعة الذين لم أجد منهم أي تشجيع على الإجازة، لا طلباً لها ولا إعطاءها منهم، وهم:
الشيخ مسلم الغنيمي الميداني، والشيخ محمد ناصر الدين الألباني، والدكتور الشيخ مصطفى السباعي، والشيخ علي الطنطاوي.
وسمعت من كل واحد منهم: أنه لا يراها في هذه الأزمان، وكان أبرزهم بذلك الشيخ علي الطنطاوي ومما قاله لي: "يا زهير كانت الإجازات من العلماء لتلاميذهم، الذين هم على أتم الصلة بهم، أو من يأتي للشيخ ويدرس عليه كتابه من أوله إلى آخره. وأما ما نجده -هذه الأيام- بكلمات، أو ورقة مطبوعة، فلا!!
وكنت مثل هؤلاء، ولذلك لم أطلبها -على الصحيح- من أحد، وذكرت ذلك في إجازتي:
"بأنني لم أتطلب الإجازات عن كثير من العلماء، الذين أدركتهم وعاصرتهم، وكان بيني وبينهم صداقة وصلات وكثيراً ما حصلت على الإجازة من أمثالهم مشمول بمن حضر من الراغبين الطالبين لها".
ولكن بفضل الله تجمع لي عدداً كبيراً من الإجازات، رحم لله من تكرَّم عليَّ بها.
وبقيت لا أجيز أحداً، حتى بلغت السبعين، وغلبت على أمري، بعد أن مات كل مشايخي. ولم يبق من زملائي سوى شخصين وبيني وبينهما (مدامجة) حفظهما الله. وهناك أفراد ممن لا يظن الصدق فيهما والله أعلم.
* * *
وهناك طرق أخرى أغلبها فردية حيث يجمع الشيخ المجيز مع الطالب للإجازة في درس، أو بيت، أو مكاتبة، أو مشافهة
…
وفي هذا الزمن كثرت طلبات الإجازات، وهذا أمر لم أكن أعرفه أبداً - وبعضها يجري مشافهةً بالاتصال الهاتفي أو بوسائل الاتصالات الحديثة الأخرى (بريد، فاكس، انترنت)، وبعضها بعد التزكية من العلماء لطالب الإجازة-، وعند بعضهم تشدد، وعند غيرهم تساهل.
* * *
ومن طرائف ما أجزت به:
أنني كنت في مركز الجماعة الجديد في السنجقدار سنة 1365هـ - 1946م في المكتبة أستخرج بعض الأحاديث لجريدة الحائط التي كنت أصدرها في شعبة الميدان باسم: (التوجيه الإسلامي)، وأضع منها نسخ في المركز العام والشعب الأخرى. وكان عندنا: شعبة فيرعانكة، وشعبة المهاجرين، وشعبة القيمرية، وباب الجابية، ونادي الفتيان الرياضي.
وكان بيدي كتاب الجامع الصغير مع الزيادة للإمام السيوطي، وكنت أضع بالقلم الرصاص علامات على الأحاديث التي سوف أنشرها، حتى يكتبها أحد أخواني على الآلة الكاتبة، لأن خطي كان (وما يزال) سيئاً جداً.
وكان ظهري يواجه الداخل للغرفة، وأحسست بمن دخل ووقف ورائي ينظر ما أفعل، والتفت مرحباً، وكان رجلاً معمماً ربعة لا أعرفه، وله لحية قصيرة داخلها الشيب، ومعه أستاذنا محمد المبارك؟! -ثم عرفت أنه العلامة الشيخ محمد راغب الطباخ عالم حلب-، ولم أقف لهما، ولكن قدمت للشيخ أحد الكراسي ليجلس عليه.
فقال الأستاذ المبارك للشيخ الطباخ: هذا سلفي لا يقف لأحد؟!.
غير أن الشيخ أمسك بالكتاب من يدي، ونظر لما أشرت عليه من الأحاديث وسأل: ماذا تفعل.
قلت: أنقل بعض الأحاديث لتوضع في مجلة الحائط.