الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من ذكرياتي مع الداعية الشيخ عبد الله بن إبراهيم الأنصاري
بقلم: زهير الشاويش
لست أدري ما الذي يدفعني اليوم لتذكر مواقف كانت لي مع أخي العالم الجليل الداعية المنفتح على جميع الناس والمذاهب في كل القضايا الفقهية والاجتماعية والتربوية، الشيخ عبد الله الأنصاري ابن قاضي مدينة الخور في قطر الشيخ إبراهيم الأنصاري. أذكرها لتكون عبرة للناس في زماننا هذا الذي وجدنا فيه التشدد في الدين ممن قلَّ علمهم، وضاعت معارفهم، وساقوا الناس إلى التشدد، وورطوا بعضهم إلى السجون والمعتقلات. كما وجدنا ممن قلَّ تمسكهم بالدين، وتورط مع غيرهم بالسير وراء العولمة، والانشغال بما لا ينفع، وغير ذلك من الأمور التافهة، واتباع الخط (الإفرنجي، بزعم أنه البرنجي، يعني الأول)، وهو في حقيقته الأخير
…
وإنني أسأل الله سبحانه تعالى: أن يعيد المسلمين إلى دينهم الحق، والتمسك بالوسط الذي جعله الله لنا شرعة ومنهاجا، بقوله تعالى:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: 143].
ومنذ مدة مرَّ بخاطري عدد من أخواني الأفاضل، ومنهم الشيخ الأنصاري، وفي أثناء ذلك، تكرم واتصل بي الأخ الأستاذ عمر ناجي، وسألني عن الشيخ عبد الله، بعد أن اطلع على ما كتبت عن الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود، وسمو حاكم قطر الشيخ علي بن عبد الله آل ثاني، والشيخ محمد نصيف، وغيرهم من الأفاضل. فأجيبه وأقول:
عملي في قطر
ذهبت إلى قطر أوائل سنة 1360 هـ، وبعد تكليفي بإدارة إحدى مدارس الدوحة، الروضة القديمة، اتفق أن تعرف عليَّ في اليوم الثاني مباشرة صاحب السمو الشيخ علي بن عبد الله آل ثاني -حاكم البلاد- وهو الرجل العالم. ووزير المعارف الشيخ قاسم بن درويش فخرو، وبتدخل مدير المعارف الأستاذ عبد البديع صقر رحمهم الله، لأنني اعترضت على الكتب المقررة لدروس الدين، وامتناعي عن تدريسها في مدرستي أولاً، ونصحي بعدم تدريسها في كل المدارس ثانياً، لأنها مؤلفة حسب طريقة بعيدة عن الأساليب العلمية المناسبة، في بلد يُنشأ فيه التعليم لأول مرة، وتعطى لطلاب الروضة والابتدائي؟، بعد أن يطلب من كل تلميذ أن يختار المذهب الذي عليه أهله مثلاً؟ أهو المالكي أو الشافعي!، مع أن الأساتذة الذين جاءوا للتعليم، من طلاب مدارس علمانية، وأكثرهم من فلسطين، ولا يعرفون الفارق بين المذهبين، إن لم أقل غير ذلك.
وعدّلت الكتب بعد الاجتماع مع سمو حاكم البلاد، وفضيلة القاضي الشرعي العلامة الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود، وكان أن كلفت المستشارية بطبع الكتب المصححة مني في البحرين، ووزعت على المدارس.
وهذا الموضوع أوجد لي عند سمو الحاكم منزلة، حيث أُدعى أكثر من مرة في الأسبوع للجلوس مع سموه، حتى أصبحت شبه مستشار له في أمور كثيرة، (والكلام عن ذلك يطول).
زيارة الخور وفتح المدارس
وفي تلك الأيام ذهبت لزيارة مدرسة بلدة الخور مع الأخ الأستاذ موسى بن الشيخ حسن أبو السعود مستشار المعارف، وكان مديرها السيد روحي الخطيب الفلسطيني، وهو رجل طيب، ومدرس الديانه العالم الفاضل الشيخ عبد الله الخليفي (1).
(1) والذي طلب نقله إلى مدرسة الروضة القديمة التي بجوار بيته في حي المرقاب، بناء على طلب قريبه عضو لجنة المعارف الشيخ صالح الخليفي جاري في البيت -حفظه الله.
وكان في مدينة الخور قاضيها الشيخ إبراهيم الأنصاري، وهو رجل مسن ملئ علماً وفضلاً، وكان شافعي المذهب. ودارت الأبحاث معه (وكنت على معرفة بسيطة بمذهب إمامنا الشافعي)، فوجد في كلامي بعض ما أعجبه، وأخبرني أن ابنه يدرس في دارين (من بلاد المملكة السعودية)، وأنه سيحضر خلال أيام ليكون في التعليم معكم في قطر.
ولم يمض سوى أسابيع حتى حضر الشيخ عبد الله وزارنا في إدارة المعارف، وسأل عني، وقمت بواجب تعريفه بسعادة مدير المعارف الشيخ عبد البديع صقر، والمفتش الأستاذ موسى أبو السعود، وباقي الموظفين، وتقرر أن يكون موظفاً في المعارف، تحت اسم: مدير الشؤون الدينية في المعارف.
وكان يومها شاباً (أصغر سناً مني)، وله نشاط كبير، ودعوة للخير واضحة. وجرئ على أشياء لم يكن أحد يقدر على التعرض لها.
الأمر بالمعروف
من ذلك أنه طالب يومها بمنع تقبيل ولمس الأنف، الأمر المعتاد في بلاد الخليج!، مكتفياً بالعناق السائد بين الناس في أكثر البلاد الإسلامية.
وكان لا يقوم بتقبيل أحد على أنفه سواء كان الحاكم أو العلماء الكبار، مما جعله موضع الإعجاب عند الكثيرين الذين لم يعتادوا ذلك.
ولم يكتف بذلك، بل أظنه ألَّف رسالة في الموضوع (ولم أجدها عندي الآن). وكنا ندخل معه بجدل (لطيف)، وأذكر أنني نقلت له يومها ما كان معروفاً عند بعض السلف، ويمثله الشعر الذي كان متداولاً عند التابعين وقبلهم، وتمثل به سيدنا عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما عن ابنه سالم:
يُديرونَني عَن سالِمٍ وَأُديرُهُم
…
وَجِلدَةُ بَينَ العَينِ وَالأَنفِ سالِمُ
واعتبر هذا منه، مع غيره من التصرفات الكثيرة، دليل خير منه عند الكثير من الأهالي، وموظفي الدولة في المعارف، وغيرها من الدوائر.
وكانت تصرفاته هذه مدار الحديث في مجالس القوم في البيوت والأسواق، في بلد ليس فيه صحف ولا مجلات.
وفي إحدى المرات قامت دائرة الأشغال بنقل الماء المبتذل المتجمع من الأبنية، ويصب حولها في حفر متَّسعة، ونقل ذاك الماء لسقي الحدائق ذات المروج بين الشوارع والممرات، ووراء المساجد.
وكان الناس يصلون عليها، فأصدر بياناً باسم (إعلان هام)، وطالب الناس باتخاذ حواجر للطهارة لتصح صلاتهم، وقوله هو الموافق لمذهب الشافعية الذي كان الأنصاري يتبعه. وإن كان هناك أمامه قول آخر عند الإمام أحمد بن محمد بن حنبل، وقول عند السادة الأحناف يبيح تلك الصلاة مع الرطوبة، وهذا من أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر [انظر المرفق رقم: 7].
تدريس العلوم الدينية في المدرسة الثانوية
واقترحت على مدير المعارف: أن يقوم الشيخ عبد الله بتدريس علوم الدين في المدرسة الابتدائية الثانوية (الوحيدة)، وأن يؤم الطلاب ظهراً في المدرسة إضافة لعمله، فوافق على القسم الأول، واعتذر عن القسم الثاني لارتباطه بإمامته في مسجد وسط البلد قرب بيته، وأظنه كان مسجد الأمير الشيخ خليفة بن حمد.
طلب العشائر فتح المدارس
وجاءت وفود العشائر من أطراف قطر، وكل شيخ يطلب فتح مدرسة عند بيوته (ونصف البيوت كانت مضارب شعر)، والإقامة فيها غير تامة كل السنة، وإنما يذهب الأهل إلى البادية مع أغنامهم، وأولادهم. وطبعاً يراد أن يذهب المعلم معهم في خيمة تأمنها له إدارة المعارف، وأن تصلهم كل يوم سيارة ماء (صهريج)، من قبل متعهد ينقلها من مكان بعيد، ويدفع للطلاب مبالغ يومية!!.
وكلفت بزيارة هذه المضارب، والاجتماع بأهل القرى مع فضيلة الشيخ عبد الله، وفي السنة الثانية كان معنا (بل يرئس بعثتنا) الأخ الدكتور عز الدين إبراهيم (المفتش العام).
وكانت الرحلات متعبة جداً، والسيارات من دائرة الأشغال التي تعطى لنا (مع غنى الحكومة) ولكنها من النوع المقيد سرعتها بـ 60 كيلوامتراً في الساعة، وطبعاً لم تكن مكيفة، ونحمل فيها الطعام والشراب وبعض الحوائج. وكان الكثير منها يعد في بيت الشيخ عبد الله، وأكثر الأحيان لا نأكل ما أعددنا، بل نتركه للعربان في الطريق، لأن أهل الشمال كانوا أهل كرم وضيافة.
وأما في بلدة الخور حيث كنا نقيم فيها ساعات في الذهاب وفي العودة، وهي في منتصف الطريق بين الدوحة وقرية الرويس آخر قطر، وسكانها من سادة آل البيت النبوي صلى الله عليه وسلم. فكان الطعام الأول عند والده الشيخ إبراهيم، وكان رئيس المحاكم الشرعية الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود عينه بعد عودته من بارين في منطقة الخور، وهي أكبر تجمع سكاني في قطر بعد الدوحة، للحكم في كل القضايا المستعجلة، من تحرير الإقرارات، وتثبيت الشهادات، وإبرام عقود الزواج، وهذه كانت تسجل في قطر للمرة الأولى.
وبعد ساعات عند الصديق الوفي لنا جميعاً الشيخ عبد الله المسند شيخ قبيلة المهاندة، وبيته كان مفتوحاً لكل الناس، فضلاً عن بعثة المعارف.
وحدثت صلات قوية بيني وبينه (حتى أنه كان يترك شرب النرجيلة (الكدو) بحضوري، ومع أولاده الشيخ ناصر، والشيخ أحمد، واستمرت الصلة معهم يوم هاجروا إلى الكويت (لبعض الخلافات العشائرية)، وتكرموا بزيارتنا في سورية ولبنان، وتعرفوا على القيادات الإسلامية في سورية، مثل: الشيخ محمد الأشمر، والدكتور مصطفى السباعي، والأستاذ عصام العطار، ووالدي مصطفى الشاويش رحم الله الجميع.
وأنشأنا المدارس في كل القرى الشمالية، وجمعنا بعض المضارب مع بعضها، وتم نقل الطلاب بواسطة السيارات.
وصادفنا بعض التعنت خصوصاً من الشيخ محمد بن جاسم آل ثاني شيخ (قرية أم صلال محمد) بإدخال كل الأطفال في مدرسة أوجدها قرب بحيرة حفرها هناك، وأقام حولها مزارع من النخيل والثمار، حتى أنشأ معملاً لألياف النخيل يصدر الفراشي لتنظيف الخيل والحيوانات وطرش البيوت، ومما يستعمله عمال الدهان، ويصدّر ذلك للسعودية وغيرها.
وكان رجلاً يقارب التسعين من عمره، ولكنه كان قوي البنية والإرادة، وحججت معه ومع الشيخ عبد الله الأنصاري في إحدى السنوات مع سمو الشيخ علي، ووجدت منه عبادة مستمرة مع السؤال عن العلم والفقه رحمه الله.
ووجدنا كل التسهيلات من رجل الفضل الشيخ علي بن جاسم آل ثاني وأولاده في قريتهم (أم صلال علي).
تسلمه شؤون القرى
وبعد ذلك تسلم الشيخ عبد الله إدارة شؤون القرى بما يخص دائرة المعارف وغيرها من دوائر الدولة، ونجح في ذلك نجاحاً واضحاً سنة 1385=1965، وفي الرسالة إلي منه [انظر المرفق رقم: 6].
شكواه من الملحدين في التربية
وفي نهاية السنة الثانية تركت ومدير المعارف الأستاذ عبد البديع صقر العمل في المعارف، لخلاف دبَّ في العائلة الحاكمة، واعتبرت والأستاذ المدير أننا مع أحد الأطراف، (وأنا والله لم أكن مع أي واحد منهما، ولكن اعتبرت عند الطرف الذي تسلم المعارف -مدير المعارف غير المتوج-).
وصادف ذلك أن المدير الجديد للمعارف كان من حزب قومي من بلدي، وله خصومة معنا شخصية، وعنده روح تربية علمانية.
ندوة المعارف
وقد أقامت دائرة المعارف ندوة إسبوعية، وكلفت بإدارتها، وحاضر فيها عدد كبير من علماء البلاد، وكان منهم الشيخ عبد الله الأنصاري، ومدير الجوازات علي الأنصاري، ومدير المعارف الأستاذ عبد البديع صقر، والدكتور عز الدين إبراهيم، ومن كان يزور قطر من العلماء، مثل: الشيخ محمد سالم البيحاني، والشيخ محمد بن عبد الله آل عبد القادر، وعلماء آل المبارك، وعبد الحكيم عابدين، ومحمد سعيد الطنطاوي، وغيرهم.
وصادف أن اعترض على بعض ما يلقى فيها أحد وجوه قطر، ورددت عليه مخالفاً لرأيه المبني على العصبية، فما كان من الشيخ الأنصاري إلا أن قام ورد عليه مباشرة رداً مفحماً.
وقد استمر الشيخ عبد الله بعد ذلك في إقامة ندوات مماثلة لها أسبوعية في المساجد، أو المدارس، أو في بيته بصورة مستمرة.
وعندي دعوة منه لحفلة أقامها للشيخ ضياء الدين رئيس الإدارة الدينية في طشقند أيام الاتحاد السوفييتي سنة 1392هـ.
ولكن بقيت صلتي مع سمو حاكم البلاد الشيخ علي آل ثاني قوية جداً، وعند تركي العمل طلبني أن أذهب إليه في الحج بالبر (ولم يكن هناك طيران بين قطر والسعودية) إلا عن طريق البحرين بواسطة طيران الخليج بطائرات صغيرة جداً، وأن أرجع معه من مكة، ولم يكن الطريق معبداً بعد إلى الدوحة، وعدنا بسيارته الخاصة (1).
تسلمه إدارة الشؤون الدينية
وبعد ذلك تسلم الشيخ عبد الله المراكز الكبيرة في دولة قطر، ومنها إدارة الشؤون الدينية في وزارة التربية والتعليم، وأحياناً كان يقوم بأعمال مدير المعارف لأشهر من السنة، وأصبح الرجل الأول عند سمو الحاكم الجديد الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني، وعند إخوانه الأمراء، ومنهم معالي وزير الداخلية الأخ الشيخ خالد بن حمد آل ثاني حفظه الله.
وتسلم بعدها مركز (إدارة الشؤون الدينية في دولة قطر، وقد توسعت كثيراً وزاد من نشاطها ما جعلها أهم مراكز وزارة المعارف. وانبثق عن ذلك "إدارة إحياء التراث الإسلامي" التي تولى إدارتها حتى وفاته رحمه الله، والتي تولت إحياء ما كان سابقاً في عهد سمو الشيخ علي بن عبد الله، بتوزيع الكتب الإسلامية على الدنيا، كما كنت المستشار لسمو الشيخ علي في ذلك وغيره. ويقوم العالم الجليل الشيخ محمد بن عبد العزيز بن مانع باقتراح الكتب التي تطبع على نفقة سموه.
(1) مع وجود خط سكة حديد من الدمام إلى الرياض فقط.
وقام الشيخ عبد الله بطبع وتصوير العشرات من الكتب وتوزيعها، وقمت بمساعدته في طبع ذلك في المكتب الإسلامي.
وكان بيني وبينه تعاون جزئي في ذلك، وتوقف هذا التعاون فترات لأسباب ليست بدافع مني ولا منه، وإنما لظروف متعددة أصابتنا جميعاً، مع بقاء الأخوة عامرة بفضل الله علينا. ثم لتوسعه في الخلق الجميل المحمود، ولعل في بعض الرسائل التي أنشر بعضها آخر المقال، ما يدل على ذلك.
دعوته إلى المؤتمرات في قطر
وقد قام بالدعوة إلى عدد من المؤتمرات في قطر تخص العالم الإسلامي، ومنها المؤتمر الثالث للسيرة والسنة النبوية في شهر محرم 1400 - تشرين الثاني 1979، وكان يشرفني بدعوتي لحضورها، وقد حضرت أكثرها، واعتذرت عن بعضها لأسباب قاهرة، خارجة عن إرادتي.
ومرة دعينا لقطر في أحد تلك المؤتمرات، وأيامها قامت فتنة (جماعة جهيمان في مكة المكرَّمة)، وكان إمام الحرم والمسؤول عن الحرمين الشريفين صديقي العلامة الشيخ حمد الراشد، الذي كان المسؤول عن تعليم البنات في السعودية سابقاً، وهي الآن أضيفت لوزارة التربية أيام الوزير الحالي العالم الدكتور محمد أحمد الرشيد.
وتكلم أثناء حصار البيت الحرام العلامة الشيخ عبد الله بن زيد المحمود، وبيّن أن ليس هناك مهدي ينزل أو يحضر، والذي لخصه في رسالته (لا مهدي ينتظر بعد محمد خير البشر).
وتكلم الشيخ الأنصاري بما يماثل ذلك.
ويومها انتخب الشيخ عبد الله الأنصاري رئيساً للمؤتمر لتلك السنة في المؤتمر الخامس عشر للسيرة والسنة النبوية.
وقد جمع هذا المؤتمر بعض من ليس لهم في السنة والسيرة قول ولا فعل، وذلك بتأثير بعض من حول الشيخ يومها ممن لا همَّ لهم سوى الاستفادة المادية والدعائية من هذا العمل الكبير، وهم من موظفي المعارف الذين لا يعرفون شيئاً عن السنة والسيرة، وحرم من الدعوة له الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، والأستاذ عبد الرحمن الباني، والدكتور عمر سليمان الأشقر، والشيخ محمد إبراهيم شقرة، والدكتور محمد لطفي الصباغ، وعدد من الذين يخدمون السنة النبوية!، مع أنني اقترحت دعوتهم وغبرهم للحضور، وكان ذلك من عجائب الأمور.
ويومها ذهب مجموعة (اختارها الذين أحاطوا بالشيخ) لزيارة سمو أمير البلاد الشيخ خليفة بن حمد. ولما لم يجدني معهم سألهم أين الشيخ زهير؟، وأين الشيخ الألباني؟، وسبق أن زارانا وهما يعملان في خدمة السيرة والسنة النبوية. والشيخ زهير ممن أسس العلم في قطر؟.
فقال له الشيخ الأنصاري: "الشيخ زهير موجود غير أنه لم يحضر معنا الآن، والشيخ ناصر دعي ولكنه مرتبط بأعمال حالت دون حضوره (وهذا الكلام كان من ادعاء الذين عملوا معه، ولم يصدقوه القول).
وقال الشيخ خليفة: "نحب الاجتماع بالشيخ زهير قبل سفره"، وفعلاً كان لي لقاء خاص معه بحضور الشيخ الأنصاري.
وفي تلك الاجتماعات جرى بحث بيني وبين بعض الحاضرين المتأثرين بالمذهب الحنفي، وقال أحدهم:"صحاح السنن الستة؟، وقدّم بحثاً بذلك".
فقلت له: "لا يقال الكتب الستة صحاحاً، وإنما هذا يقال: عن الصحيحين البخاري ومسلم فقط، وأما الأربعة الباقية فيقال لها: السنن الأربعة".
وطلبت منع إلقاء البحث الذي عنوانه يدل على خطأ، وحاول أحد أهل الشام الدفاع عن البحث، عصبيةً لمذهبه الحنفي!!، ولم يفلح.
وانتصر لي الشيخ الأنصاري، ولكن سمح بعد ذلك لمداخلات بطبع بحث ذاك الرجل الهندي ليوزع فقط من غير إضاعة الوقت في قراءته في اللقاءات.
إمارة الحج
وقد تولى إمارة الحج القطري سنوات متعددة، وأمَّن للحجَّاج التطبيب والأدوية، والنقل، والأماكن المناسبة في الحجاز، ويحمل معه الكتب والأموال للمساعدة، ثم أنشأ مسجداً ومعه دائرة لتوزيع المصاحف والكتب الإسلامية، ومازال المسجد والمركز حتى الآن في مكة المكرّمة، والحمد لله.
وحججت مرة بعد وفاة الشيخ علي آل ثاني، ولم أكن مدعواً للحج من قبل إدارة الحرمين الشريفين، حيث كنت أدعى من قبل سماحة مدير الحرمين الشريفين العلامة الشيخ سليمان بن عبيد، أو من رابطة العالم الإسلامي، التي كنت أُدعى مرات متعددة للنزول في مركزها، لأنني كنت من المؤسسين لها. ونزلت في فندق، وزارني الشيخ عبد الله الأنصاري رحمه الله وأصر عليَّ أن أنزل في مركز حملتهم القطرية، لأنني مازلت أعتبر قطري الجنسية!.
غير أنني اعتذرت لارتباطي مع مجموعة أحج معهم.
وفي السنة الثانية وقبل الحج بثلاثة أشهر وصلتني دعوة من فضيلته، أن أحج -أنا ومن أحب- وأنزل في مراكزهم، وكتبت له شاكراً معتذراً.
ولما زرت قطر مع سماحة الشهيد الشيخ حسن خالد رحمه الله، وأخي فضيلة الشيخ طه الصابونجي، استقبلنا الشيخ عبد الله في بيته (الجديد يومها)، الذي يقيم به دروس القرآن الكريم، وأقام لنا حفلاً كبيراً جمع العدد الكثير من أهل قطر والموظفين من الخارج، وفيهم الأخوة الأكارم فضيلة العلامة الشيخ يوسف القرضاوي، والشيخ محمد الغزالي رحمه الله، وفضيلة الشيخ علي الخشان، والأستاذ خليل حمد، والداعية الشيخ إسماعيل الكيلاني، والأستاذ عمر عبيد حسنه مدير مكتبة الشيخ علي، ومدير مركز البحوث والدراسات، والأستاذ محمد الشافعي، والأستاذ فاروق عرب، والشيخ عبد الله الدباغ، وغيرهم.
وكذلك عندما زرت قطر ومعي أستاذنا الشيخ محمد ناصر الدين الألباني في طريقنا إلى نجد والحجاز، أقام لنا احتفالاً كبيراً جداً.
صبره على المصائب
ومما أذكر من صبره وتوكله على الله سبحانه:
أنه يوم أن مرض والده الشيخ إبراهيم ونقل إلى مستشفى صغير كان في الدوحة قرب وزارة المالية الحالي، وكنت أزوره كثيراً، وأجد الشيخ عبد الله عنده يقوم بخدمته شبه الكاملة بِراً بوالده تأسياً بقوله تعالى:{وَقَضَى رَبُّكَ أَلَاّ تَعْبُدُوا إِلَاّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا} [الإسراء 23]، مع أن المستشفى على صغره، هيَّأ عدداً من الأطباء والممرضين لذلك.
ولما توفي والده الشيخ إبراهيم -تغمده الله برحمته- وجدته محتسباً عند الله بمصابهم الأليم، وحضرت مع سمو الشيخ علي حاكم البلاد للتعزية به، ومعنا العديد من العلماء، مثل: الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود، والشيخ محمد بن عبد العزيز المانع، ووجوه البلد، وكان صابراً.
ولما أصيب بنكبة وفاة زوجته الشهيدة السعيدة -إن شاء الله- رحمها الله بحادث بيتي أليم، تلقى ذلك أيضاً بصبر المؤمن المتمكن بما عند الله تعالى.
الموسوعة الفلسطينية
وعندما صدرت "الموسوعة الفلسطينية"، والتي نالت من الحكومات العربية الكثير من الأموال، وصرفت بدعوى الدفاع عن حق المسلمين العرب في فلسطين.
ولكنها صدرت على غير ذلك تماماً، وكتبت بفضحها كتابي:
"الملحوظات على الموسوعة الفلسطينية"
فقام رحمه الله بشن حملة على "الموسوعة" معتمداً على ما في كتابي "الملحوظات"، وقابل حاكم البلاد، وناقش الأخوة في وزارة التربية، ومنهم الأستاذ كمال ناجي، ومنع توزيع "الموسوعة" على المدارس.
وبعد أن وزعتُ الطبعتين من "الملحوظات" كتبَ إليّ راغباً بأن أطبعها مرة ثالثة (وهذا توافق مع عدّة طلبات كريمة من الجهات الإسلامية الأخرى"، وفعلاً تم طبعها للمرة الثالثة.
مما أدى -بفضل الله- إلى إلغاء "الموسوعة" وتأليف لجنة جديدة فيها عدد ممن عرفت فضلهم، للنظر بما فيها من أخطاء، وأجرت إصلاحات لها (غير أنها لم تطبع بعد أن مضى على تأليفها أكثر من سنتين، وكانت هذه اللجنة تكرمت واتصلت بي لمعرفة ما عندي مما لم أنشره لينشروه).
توقيت الصلوات
كانوا في قطر وتقريباً كل بلاد الخليج يستعينون بتوقيت الصلوات الذي يصنعه آل العجيري في البحرين. فقمت بطبع توقيت للصلاة أوزعه شهرياً في سورية ولبنان، ثم طلب إليَّ سمو الشيخ علي آل ثاني رحمه الله أن أطبع كميات كبيرة توزع في قطر شهرياً، فطلبت من الشيخ عبد الله بن إبراهيم أن يبعث إليَّ بالتوقيت مع العناية بالذي يهتم به أهل الخليج.
فتكرم وبعث إليّ بما طلبت، ولما وجدت أن توقيتي متناسب مع توقيته الدقيق، وما وضعت معه من خطوط شيخ خطاطي الشام الشيخ بدوي الديراني، وما أضفت إليه من مواعظ جانبية كتبتها، فرغب أن أعينه على إصدار توقيت لقطر يطبع باسمه، ومازال حتى اليوم 1425 - 2004 يطبع والحمد لله.
وفي رسالة تفضل وطلب مني ذلك بشكل موسع، وفيها ما يفيد [انظر المرفق رقم: 5].
الشكوى من إدارة المعارف الجديدة
وقبل ذلك كتب إليّ بعد أن وجد ممن عين مديراً للمعارف بعد الأستاذ عبد البديع صقر ما يلي:
"فقد مضت الأيام التي كانت جميلة بحضوركم عندنا في قطر. وقدّر الله أن تتغير بالذين لم نحبهم، لأننا وجدنا منهم ما نستعيذ بالله منه. وعلى الأخص المدير الذي قدِم لنا بدلاً من الأخ الشيخ عبد البديع.
وهذا قدِم إلينا على أنه ابن عالم جليل من حمص، وأنه مدير تربية، ومتخرج بلقب (دكتوراه)، غير أننا وجدناه، بعد طول الخبرة، فاسد الخلق في دينه، حزبي في معتقده، بل متحزب لكل فاسد صعلوك.
وقد استعان بمن أظهروا ما كانوا يخفوه علينا من شيوعية، وبعثية، ومذاهب لا نعرف عنها والله شيئاً، والآن ظهر الخفاء، وعرفنا منهم كل شر.
وأنا بفضل الله لم ينالني منهم سوء أبداً، ولكنني أهتم بإخواني المؤمنين الذين صاروا بعدك كالأيتام على موائد اللئام، وانتصرت ما أمكن لعدد منهم عند الشيوخ الحكام، وفرَّج الله عن أكثرهم. ".
اهتمامه بالأخبار الطيبة
وكتب إلي مرة ثانية بما يلي:
"حضر إلى قطر الشيخ محمد سالم البيحاني، ولما سأل عنك أخبرته أنك في الشام، وبعث إليك بالتحيات العطرات، وتذكر أنه أملى على الشيخ محمد بن علي المحمود إجازته لك بالحديث النبوي الشريف، الذي وجدك أهلاً لحمله، وأنه شملني والشيخ عبد البديع تبعاً لك، فجزاك الله وإياه كل خير.
ومن عندنا الجميع يسلمون عليك، وأذكر منهم الشيخ مبارك الناخي، وآل محمود (أهل الشارقة)، وجمعنا الله بكم على أحسن حال. ".
تهنئته لي بالنجاح في الانتخابات النيابية السورية
ولما نجحت بدخول المجلس النيابي السوري، وأعلن ذلك في 9 شعبان 1381 الموافق 15/ 1/1962، كتب إلي الرسالة الآتية:
"فضيلة شيخنا الواعي المكرم زهير الشاويش عضو مجلس النواب السوري
السلام عليكم وعلى إخوانكم نواب الحركة الإسلامية في دمشق.
لقد علمنا بفوزكم الكبير من الأخوة والإذاعات والصحف، بما أدخل السرور على المشايخ وإخوانكم الأحباب في قطر، الذين عرفوا ما لكم من فضائل عليهم وعلى بلدهم، بل على العالم الإسلامي.
فلكم التهنئات، وننتظر أن يجري الله على يدكم الخير للبلاد والعباد.
ولن أسمي من كلفني بحمل التحيات لكم، فإنهم أكثر من أن يتسع لهم كتابي هذا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. "
منع الربا في المجلس النيابي
ولما علم بأنني -بفضل الله- انتصرت على دعاة الربا في المجلس النيابي، كتب إلي بما معناه:
"فقد تلقينا من العزيز الأستاذ عبد البديع صقر، والعم الشيخ قاسم بن درويش، وما جاءنا من الجرائد: الأخبار السارة عن انتصاركم على رئيس الوزراء، ووزير العدلية، وبعض من انحرفوا عن الإسلام، ومنهم مع الأسف أحد المشايخ!!، حيث أرادوا إقرار الربا، ونجاحكم بتحريم الربا في مجلس الشعب السوري.
وكان لموقفكم الذي كان محل الشجاعة التي عرفناها منكم في كل مواقفكم، الأثر الكبير عندنا وعند إخوانكم أهل العلم في قطر والسعودية، وكل الخليج. ".
صلته الاجتماعية معي
وكان رحمه الله يبلغني إذا توفي أحد من أصحابنا في الخليج، وكنت أكتب له التعزية بهم، وكان ممن أخبرني عن وفاته: الشيخ اليماني الشاعر الضرير، والذي أملى لنا الإجازة الشيخ محمد سالم البيحاني -العدني- مع عدد من المشايخ ومنهم: الشيخ عبد الله العلي المحمود، والشيخ عبد الله بن تركي السبيعي، والشيخ مبارك الناخي، والشيخ عبد الله المسند، وغيرهم.
وكان ابني بلال خلال زياراته للدوحة يجتمع به ويجد منه كل اهتمام وسؤال عن أحوالنا -جزاه الله خيراً.
وبعد وفاته زرت قطر في رمضان 1419 فما كان من أولاده إلا التكرم بالاحتفاء بي وبمن معي بما ذكرني بالأيام الجميلة التي أمضيتها في قطر بحضور كل من عرفت من أهل البلاد من الأمراء والعلماء والأخوان، رحم الله تعالى من سبقنا، وحفظ من بقي بفضله وكرمه.
وكذلك وجدت زوجتي أم بلال من أهله وزوجات أولاده، ومنهم بنات عائلة الدرويش كل عناية وإكرام.
جزى الله الجميع الخير، وحفظ الأبناء والحفدة، ورحم بفضله وكرمه الآباء والأجداد.
وفي الرسائل الملحقة بمقالي هذا، والتي بلغ عددها 10 رسائل، ما يدل على فضله في التعامل معي بأخوة حميمة واهتمام بالغ.
تغمده الله برحمته، وإننا نحتسبه عند الله جلَّ شأنه.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.