الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بين يدي الكتاب
هذا الكتاب يحتوي على ثلاثة رسائل حديثية من رسائل السيوطي النادرة في بابها.
أما الرسالة الأولى فهي تدور حول ما جاء عن العلماء الثقات، أو بعبارة السيوطي نفسه: ما رواه الأساطين في ذم المجيء إلى الأمراء والسلاطين. فمن الأمور التي ذمتها الأحاديث النبوية، والآثار السلفية الدخول إلى قصور الأمراء والسلاطين، لما يفضي بالمرء من ازدراء نعمة الله تعالى عليه، والسكوت عن منكراتهم هيبة لهم، والسعي في إرضائهم على حساب نصوص الشرع.
ولقد جلا هذا الأمر خير جلاء العلامة المناوي رحمه الله بقوله: إنما كان كذلك لأن من لازمها -يعني أبواب الأمراء- لم يسلم من النفاق، ولم يصب من دنياهم شيئاً إلا أصابوا من دينه أغلى منه، وهذه فتنة عظيمة للعلماء، وذريعة صعبة للشيطان عليهم، سيما مَنْ له لهجة مقبولة، وكلام عذب، وتفاصح، وتشدق، إذ لا يزال الشيطان يلقي إليه: أن في دخولك لهم، ووعظهم ما يزجرهم عن الظلم، ويقيم الشرع، ثم إذا دخل لم يلبث أن يداهن ويطري، وينافق هلك ويهلك (1).
لذا فقد اشتهر عند السلف الصالح أن علماء السلطان على خطر عظيم، وفي وبالٍ شديد.
ولقد أحسن محمود الوراق بقوله:
ركبوا المراكب واغتدوا
…
زمراً إلى باب الخليفه
وصلوا البكور إلى الرواح
…
ليبلغوا الرتب الشريفه
حتى إذا ظفروا بما
…
طلبوا من الحال اللطيفه
(1) فيض القدير (3/ 121).
وغدا الموالي منهم
…
فرحاً بما تحوي الصحيفه
وتعسفوا من تحتهم
…
بالظلم والسير العنيفه
باعوا الأمانة بالخيانة
…
واشتروا بالأمن الجيفه
لم ينتفع بالعلم إذ
…
شغفته دنياه الشغوفه
نسى الإله ولاذ في الد
…
نيا بأسباب ضعيفه (1).
لذا يقف العلامة السيوطي في هذا الكتاب ناصحاً لأهل العلم بأن يصونوا علمهم عن أبواب السلاطين، ولا يشتروا الحياة الدنيا بالآخرة، ويبيعوا الهدى بالضلال.
أما الرسالة الثانية فهي في التحذير من تولي القضاء؛ والأحكام بين العباد، ولعل هذا التحذير يبدو جلياً في الحديث النبوي الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من جُعل على القضاء فكأنما ذبح بغير سكين"(2).
فمعنى هذا الحديث التحذير من طلب القضاء، وفى هذا إيضاح أن القضاء محنة وليست منحة، واختبار، وليس اختيار.
ولقد عرف السلف الصالح خطر القضاء، فكانوا يفرون من توليته خوفاً من الوقوع فيما يغضب الله تعالى.
فهذا عمر بن عبد العزيز رحمه الله بعد أن ولاه سليمان بن عبد الملك قبل وفاته، يقف عمر خطيباً في الناس، فيقول:
"أيها الناس، إني قد ابتليت بهذا الأمر من غير رأي كان مني، ولا طلبة له، ولا مشورة من السلمين، وإني قد خلعت ما في أعناقكم من بيعتي، فاختاروا بأنفسكم".
(1) جامع بيان العلم وفضله (ص/259) لابن عبد البر.
(2)
حديث صحيح. وسيأتي تخريجه.
والسيوطي في هذه الرسالة ينصح للمسلمين بمعرفة خطر القضاء، وعظم شأنه، فبه قد تضيع الأموال، وتسفك الدماء، وتدنس الأعراض، وبه يكون العدل بين الناس، وإعطاء المظلوم حقه، ورفع الظلم عمن ظلم. فالقضاء أمر عظيم، لذا فالتحذير منه نصيحة غالية لمن يظنون أنه مكسب للسمعة والجاه، ورافع للمنزلة.
وهو إنذار لمن ظنوا أنه كنزٌ قد وقعوا عليه فليغتنموه، وليأخذوا منه ما استطاعوا إليه سبيلاً.
أما الرسالة الأخيرة فتتحدث عن ذم المكس.
وهي نصيحة إلى من يفرضون على الناس من الأموال ما ليس لهم به حق فيأكلون أموال الناس زوراً وبهتاناً.
فالمكس: الجباية، والماكس: العشار، لذا فقد قال ابن سيرين لأنس رضي الله عنه: تستعملني على عُشور الناس فأُماكِسُهُم ويماكسوني ومعناه: تستعملني على ما ينقص ديني، لما يخاف من الزيادة والنقصان في الأخذ والترك.
ولقد رأيت أن الرسائل الثلاث تنتظم في سلك درٍ واحد، فجمعتها معاً لتمام الفائدة.
فذم المجيء إلى أبواب السلاطين، يعقبه البُعد عن تولي القضاء، الذي يكون في الأعم الغالب عن طريق الدخول إلى أبواب الأمراء.
وإذا ابتعد المرء عن القضاء فقد صار بعيداً عن أموال الناس، ودمائهم.
وأسأل الله العظيم أن يجعل هذه الصفحات في ميزان عملي، يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون إلا من أتى الله بقلبٍ سليم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
مجدي فتحي السيد إبراهيم