المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثاني: دواعي التصنيف في هذه الفترة الزمنية - التصنيف في السنة النبوية

[خلدون الأحدب]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة:

- ‌المبحث الأول:‌‌ التصنيف في اللغةوالاصطلاح

- ‌ التصنيف في اللغة

- ‌التصنيف في الاصطلاح:

- ‌المبحث الثاني: دواعي التصنيف في هذه الفترة الزمنية

- ‌المبحث الثالث: جوانب التصنيف في السُّنَّة النبوية وعلومها في الفترة الزمنية (1351 -1424هـ) وذِكْرُ أهمِّ ما صُنِّف في كلِّ جانبٍ منها

- ‌مدخل

- ‌الجانب الأول: حجيَّة السنة النبوية ومكانتها، ودفع الشبه عنها

- ‌الجانب الثاني: تاريخ السُّنَّة النبوية وعلومها

- ‌مدخل

- ‌القسم الأول: مصنَّفات تاريخ السُّنَّة وعلومها العامّة

- ‌القسم الثاني: مصنَّفات تاريخ السُّنَّة وعلومها الخاصة ببلدان مخصوصة

- ‌القسم الثالث: المصنَّفات الخاصة بتاريخ جهود المرأة في السنة النبوية

- ‌الجانب الثالث: علوم الحديث

- ‌الجانب الرابع: دراسات في أئمة الحديث وآثارهم، وبيان أثرهم في الحديث وعلومه

- ‌الجانب الخامس: المجاميع الحديثية

- ‌الجانب السادس: كتب التخريج

- ‌الجانب السابع: كتب الزوائد

- ‌الجانب الثامن: ترتيب كتب الحديث

- ‌الجانب التاسع: الفهرسة

- ‌الجانب العاشر: شروح الحديث النبوي

- ‌الجانب الحادي عشر: فقه السنة النبوية

- ‌الجانب الثاني عشر: الدراسة المعرفية والحضارية في السنة النبوية

- ‌الجانب الثالث عشر: الدراسة اللغوية والأدبية في الحديث النبوي

- ‌الجانب الرابع عشر: الإعجاز العلمي في السنة النبوية

- ‌الجانب الخامس عشر: الجمع والتهذيب والاختصار

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌المبحث الثاني: دواعي التصنيف في هذه الفترة الزمنية

‌المبحث الثاني: دواعي التصنيف في هذه الفترة الزمنية

إنّ موقع التصنيف والاشتغال به من أجل النهضة والعمران، والإحياء والتجديد، في المحل الذي لا يُجْهَل؛ ومن ثَمَّ فإنَّ الأمم والشعوب - وعلى مدار التاريخ الإنساني -، قد أَوْلَت هذا الجانب بالغ اهتمامها وعنايتها وتوجهها.

حيث إنَّ البناء والدفع والتميز الحضاري - في بعض أصوله ومعالمه - يرتبط بموقع التصنيف ونوعه وتطبيقاتها منها.

ومن نظر في دواعي التصنيف ومقاصده بعامة، يجد أنها في أصولها واحدة، ثم إنها تصطبغ بصبغة المصنَّفين الزمانية والمكانية والتخصصية بأبعادها النفسية والثقافية والتاريخية.

وقد ذكر الإمام ابن حزم الأندلسي – علي بن محمد (ت456هـ) – في كتابه: " التقريب لِحَدَّ المنطق"(1) دواعي التصنيف ومقاصده، وحصرها في رؤوس سبعة، جاء على بسطها ومَدَّ أطنابها العلامة ابن خلدون - عبد الرحمن بن محمد (ت 808هـ) - في " مقدمته"(2)، فقال رحمه الله:

" إنَّ النَّاس حصروا مقاصد التأليف التي ينبغي اعتمادها وإلغاء ما سواها فعدوها سبعة:

أولها: استنباط العلم بموضوعه، وتقويم أبوابه وفصوله، وتتبع مسائله، أو

(1)(4 / 103) . والكتاب مطبوع ضمن"رسائل ابن حزم الأندلسي"بتحقيق الدكتور إحسان عباس.

(2)

(3 / 1237 - 1239) بتحقيق الدكتور علي عبد الواحد وافي رحمه الله.

ص: 6

استنباط مسائل ومباحث تعرض للعالم المحقق يحرص على إيصالها لغيره لتعمَّ المنفعة به، فيودع ذلك بالكتاب في الصحف، لعل المتأخر يظهر على تلك الفائدة. كما وقع في الأصول في الفقه، تكلَّم الشافعي أوَّلاً في الأدلة الشرعية اللفظية ولخصها، ثم جاء الحنفية فاستنبطوا مسائل القياس واستوعبوها، وانتفع بذلك من بعدهم إلى الأبد.

وثانيها: أن يقف على كلام الأولين وتواليفهم، فيجدها مستغلقةً على الأفهام، ويفتح الله له في فهمها. فيحرص على إبانة ذلك لغيره ممن عساه يستغلق عليه، لتصل الفائدة لمستحقها. وهذه طريقة البيان لكتب المعقول والمنقول، وهو فصل شريف.

وثالثها: أن يعثر المتأخر على غلط أو خطأ في كلام المتقدمين ممن اشتهر فضله، وبَعُدَ في الإفادة صيته، ويستوثق من ذلك بالبرهان الواضح الذي لا مدخل للشك فيه، ويحرص على إيصال ذلك لمن بعده، إذ قد تعذَّر محوه ونزعه بانتشار التأليف في الآفاق والأعصار وشهرة المؤلف ووثوق الناس بمعارفه؛ فيودع ذلك الكتاب ليقف الناظر على بيان ذلك.

ورابعها: أن يكون الفن الواحد قد نقصت منه مسائل أو فصول بحسب انقسام موضوعه، فيقصد المطلع على ذلك أن يتمم ما نقص من تلك المسائل؛ ليكمل الفن بكمال مسائله وفصوله، ولا يبقى للنقص فيه مجال.

وخامسها: أن تكون مسائل العلم قد وقعت غير مرتبة في أبوابها ولا منتظمة؛ فيقصد المطلع على ذلك أن يرتبها ويهذبها، ويجعل كل مسألة في بابها، كما وقع في " المدونة " من رواية سحنون عن أبي

ص: 7

القاسم، وفي " العُتْبِيَّة " من رواية العُتْبِيّ عن أصحاب مالك.

فإن مسائل كثيرة من أبواب الفقه منها قد وقعت في غير بابها، فهذَّب ابن أبي زيد " المدونة "، وبقيت " العُتْبِيَّة " غير مهذَّبة، فنجد في كل باب مسائل من غيره، واستغنوا بـ " المدونة " وما فعله ابن أبي زيد فيها والبَرَادِعي (1) من بعده.

وسادسها: أن تكون مسائل العلم مفرقة في أبوابها من علوم أخرى، فيتنبه بعض الفضلاء لموضوع ذلك الفن وجمع مسائله، فيفعل ذلك، ويظهر به فن ينظمه في جملة العلوم التي ينتحلها البشر بأفكارهم، كما وقع في "علم البيان"، فإنَّ عبد القاهر الجُرْجَاني وأبا يوسف السَّكَّاكي وجدا مسائله متفرقة في كتب "النحو"، وقد جمع منها الجاحظ في كتاب "البيان والتبيين" مسائل كثيرة تنبه الناس فيها لموضوع ذلك العلم وانفراده عن سائر العلوم، فَكُتبت في ذلك تواليفهم المشهورة، وصارت أصولاً لفن "البيان"، ولقنها المتأخرون فأربوا فيها على كلّ متقدَّم.

وسابعها: أن يكون الشيء من التواليف التي هي أمهات للفنون مطوَّلاً مسهباً، فيقصد بالتأليف تلخيص ذلك بالاختصار والإيجاز وحذف المتكرر إن وقع، مع الحذر من حذف الضروري لئلا يخلّ بمقصد المؤلَّف الأول " انتهى.

وهذه المقاصد السبعة التي انتهت إلى العقلاء والحكماء الأقدمين، قد

(1) ويقال: "البراذعي" بالذال المعجمة، وهو أبو سعيد خلف بن أبي القاسم (من علماء القرن الرابع الهجري) ، وقد طبع المجلد الأول من كتابه " التهذيب في اختصار المدونة " بتحقيق محمد الأمين ولد محمد، عام (1420هـ) ، وصدر عن دار البحوث للدراسات الإسلامية وإحياء التراث في دبي.

ص: 8

لخصها القاضي أبوبكر بن العربي-محمد بن عبد الله (ت543هـ) -، في غرضين اثنين، فقال في استفتاحه لكتابه " عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي" (1) :

"ولا ينبغي لحصيف أن يتصدى إلى تصنيف، أن يعدل عن غرضين:

إمَّا يخترع معنى.

أو يبتدع وضعاً ومبنى....

وما سوى هذين الوجهين، فهو تسويد الورق، والتحلَّي بحلية السرق".

وللإمام النووي - محيي الدين يحيى بن شرف (ت676هـ) - رحمه الله تعالى كلام متين في فائدة التصنيف وما يتطلب، حيث يقول في مقدَّمات كتابه " المجموع شرح المهذَّب" (2) :

"ينبغي أن يعتني بالتصنيف إذا تأهل له، فبه يطلع على حقائق العلم ودقائقه ويثبت معه، لأنه يضطره إلى كثرة التفتيش والمطالعة والتحقيق والمراجعة، والاطلاع على مختلِف كلام الأئمة ومُتَّفِقِه، وواضحه من مُشْكِلِه، وصحيحه من ضعيفه، وجزله من ركيكه، وما لا اعتراض عليه من غيره، وبه يتصف المحقق بصفة المجتهد.

وليحذر كل الحذر أن يشرع في تصنيف ما لم يتأهل له، فإن ذلك يضره في دينه وعلمه وعِرْضِهِ.

وليحذر أيضاً من إخراج تصنيفه من يده إلاّ بعد تهذيبه وترداد نظره فيه وتكريره.

وليحرص على إيضاح العبارة وإيجازها، فلا يوضح إيضاحاً ينتهي إلى

(1)(1 / 4) مصحَّحاً ما وقع فيه من تصحيف وتحريف.

(2)

(1 / 29 - 30) .

ص: 9

الركاكة، ولا يوجز إيجازاً يفضي إلى المحق والاستغلاق.

وينبغي أن يكون اعتناؤه من التصنيف بما لم يُسْبَق إليه أكثر.

والمراد بهذا ألا يكون هناك مصنَّف يغني عن مُصَنَّفِه في جميع أساليبه، فإنْ أغنى عن بعضها فليصنَّف مِنْ جنسه ما يزيد زيادات يحتفل بها، مع ضم ما فاته من الأساليب، وليكن تصنيفه فيما يعمّ الانتفاع به، ويكثر الاحتياج إليه". انتهى.

وإذا أتينا إلى دواعي التصنيف ومقاصده في السنة النبوية وعلومها في الفترة الزمنية للدراسة، نجد أنها لا تخرج - في جملتها - عمّا ذُكِرَ، مع تفاوت في مراتب هذه الدواعي والمقاصد يقتضيها اختلاف الزمان والمكان

والعِلْم المصنَّف فيه وموضوعاته.

وكُلِّيات هذه الدواعي في هذه الفترة الزمنية لا تخرج عن:

أولاً: تأكيد مكانة السنة النبوية وإثبات حجيتها، ودفع الشُّبَه عنها.

ثانياً: الاهتمام بالدراسات النقدية والمقارنة التي تتناول السنة النبوية: تاريخاً، وعلوماًَ، ومناهج، ومصنَّفين.

ثالثاً: التيسير والتقريب للسنة النبوية وعلومها: عَرْضاً، واختصاراً، وجمعاً، وترتيباً، وتصنيفاً، وفهرسةً.

رابعاً: تخريج الأحاديث النبوية ونقدها وتمييزها، والتقعيد لعلم التخريج.

خامساً: بيان معالم وضوابط التعامل مع السنة النبوية فهماً وتنزيلاً.

سادساً: ربط المعارف والعلوم الإنسانية والاجتماعية بالسنة النبوية، وتأكيد دورها في إعادة بناء الحضارة الإسلامية.

سابعاً: إبراز دور السنة النبوية في معالجة مشكلات الأُمَّة.

ثامناً: العناية بـ "الشرح الموضوعي" للحديث النبوي.

ص: 10