المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

كانت مصر القديمة في نظر المسلمين مهد علوم الكيمياء والسحر - التصوف - المنشأ والمصادر

[إحسان إلهي ظهير]

فهرس الكتاب

- ‌إهداء

- ‌مقدمة:

- ‌الباب الأولالتّصَوّفُ نشأته ، تَاِريخُه وَتَطَوّرَاته

- ‌الفصل الثانيأصْلُ التّصَوّفِ وَاشْتقاقهِ

- ‌الفصل الثالثتعْرِيفُ التصَوّفِ

- ‌الفصل الرابعبَدْءُ التّصَوّفِ وَظهُوره

- ‌البَابُ الثانيمَصَادِرُ التّصوُّفِ وَمَآخِذُهُ

- ‌الزّاويَةُ وَالملْبَسُ

- ‌المذاهبُ الهنْديّة وَالفَارسيَّة

- ‌الأفلَاطونيّة الحَدِيثَة

- ‌البَابُ الثالثالتّشَيُّع وَالتّصَوُّف

- ‌عَبْدك

- ‌سَلَاسِلُ التّصَوّف

- ‌نُزُولُ الْوَحيِ وإتْيَان المَلَائِكَة

- ‌المسَاوَاة بَيْنَ النَّبِيِّ وَالوَليّ

- ‌تَفْضِيلُ الوَليّ عَلَى النَّبِيِّ

- ‌إجْرَاءُ النُّبُوة

- ‌العِصْمَة

- ‌عَدَمُ خُلُوِّ الأرْضِ مِنَ الْحُجَّةِ

- ‌وُجُوبُ مَعْرِفَةِ الإمَامِ

- ‌الْولَايَة وَالْوصَايَة

- ‌الْحُلُولُ والتَّناسخ

- ‌مَرَاتِبُ الصّوفيَّة

- ‌التقيَة

- ‌الظّاهِرُ وَالبَاطِنُ

- ‌نَسْخ الشّريعَةِ وَرَفع التّكَالِيف

- ‌مصادر الكتاب ومراجعه

- ‌كتب الصوفية:

- ‌كتب غير الصوفية من المسلمين:

- ‌كتب الشيعة والإسماعيلية:

- ‌كتب غير المسلمين:

- ‌الكتب باللغة الإنجليزية:

الفصل: كانت مصر القديمة في نظر المسلمين مهد علوم الكيمياء والسحر

كانت مصر القديمة في نظر المسلمين مهد علوم الكيمياء والسحر وعلوم الأسرار ، وكان هو من أصحاب الكيمياء والسحر مع أن الإسلام حرم السحر ، ولذلك ستره بلباس الكرامات ، ومن هنا بدا تأثير السحر في التصوف ، ويؤيد ذلك استخدام ذي النون الأدعية السحرية واستعماله البخور لذلك كما ذكره القشيري في رسالته) (1).

فهذا هو الرجل الآخر من الثلاثة الأول الذين يقال عنهم بأنهم أول من لقبوا بهذا اللقب ، ووصفوا بهذا الوصف ، وعرفوا بهذا الرسم أو عرّفوا هذا الطريق إلى الناس بادئ ذي بدء.

‌سَلَاسِلُ التّصَوّف

ومن شواهد تأثر التصوف بالتشيع وعلمائها أن سلاسل التصوف كلها ما عدا النادر القليل منها تنتهي إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه دون سائر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي طرق إسنادها إلى علي أسماء أئمة الشيعة المعصومين حسب زعمهم من أولاد علي رضي الله عنه دون غيرهم ، وأن رؤساء هذه العصابة يذكر لهم اتصال وثيق ، وصلات وطيدة مع أئمة القوم كما يذكر في تراجمهم وسيرهم وأحوالهم ، إضافة إلى ذلك أن الخرقة الصوفية لا يبدأ ذكرها أيضا إلا من علي رضي الله عنه أيضا.

فإن علي بن أبي طالب رضي الله عنه مع كونه من سادة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأشرافهم ، ومن العشرة المبشرين بالجنة ، ورابع الأربعة من الخلفاء الراشدين الذين خلفوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاته لقيادة هذه الأمة وتسيير أمورها ولكنه لم يكن أزهد من أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، ولا من عمر الفاروق رضي الله عنه (أبي بكر الصديق السابق بالتصديق الملقب بالعتيق ، المؤيد من الله بالتوفيق ، صاحب النبي صلى الله عليه وسلم في الحضر والأسفار ، ورفيقه الشفيق في جميع الأطوار ، وضجيعه بعد الموت في الروضة المحفوفة بالأنوار ، المخصوص في الذكر الحكيم بمفخر فاق به كافة الأخيار ، وعامة الأبرار ، وبقي له شرفه على كرور الأعصار ، ولم يسم إلى ذروته همم أولي الأيدي والأبصار ، حيث يقول علم الأسرار: ثاني اثنين إذ هما في الغار ، إلى غير ذلك من الآيات والآثار ، ومشهور النصوص الواردة فيه والأخبار ، التي غدت كالشمس في الانتشار ، وفضل كل من فاضل ، وفاق كل من جادل وناضل ، ونزل فيه: لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل ، توحد الصديق ، في الأحوال

(1) المصدر السابق ص 9 وما بعد.

ص: 147

بالتحقيق ، واختار الاختيار من الله دعاه إلى الطريق ، فتجرد من الأموال ، والأغراض ، وانتصب في قيام التوحيد للتهدف والأغراض ، صار للمحن هدفا ، وللبلاء غرضا ، وزهد فيما عزله جوهرا كان أو عرضا) (1).

(ومات ولم يترك دينارا ولا درهما)(2).

(وكفن في ثوبين مستعملين قديمين)(3).

وقال في آخر لحظاته من الحياة موصيا أهله وورثته:

(أما إنّا منذ ولينا أمر المسلمين لم نأكل لهم دينارا ولا درهما ولكنا قد أكلنا من جريش طعامهم في بطوننا ، ولبسنا من خشن ثيابهم على ظهورنا وليس عندنا من فيء المسلمين قليل ولا كثير إلا هذا العبد الحبشي ، وهذا البعير الناضح ، وجرد هذه القطيفة ، فإذا مت فابعثي بهن إلى عمر وأبرئي منهن. ففعلت.

فلما جاء الرسول بكى عمر حتى جعلت دموعه تسيل في الأرض ويقول: رحم الله أبا بكر لقد أتعب من بعده) (4).

وعمر الفاروق رضي الله عنه (ذو المقام الثابت المأنوق ، أعلن الله تعالى به دعوة الصادق المصدوق ، وفرق به بين الفصل والهزل ، وأيد بما قواه به من لوامع الطول ، ومهد له من منائح الفضل شواهد التوحيد ، وبدد به مواد التنديد ، فظهرت الدعوة ، ورسخت الكلمة ، فجمع الله تعالى بما منحه من الصولة ، ما نشأت لهم من الدولة ، فعلت بالتوحيد أصواتهم بعد تخافت ، وتثبتوا في أحوالهم بعد تهافت ، غلب كيد المشركين بما ألزم قلبه من حق اليقين ، لا يلتفت إلى كثرتهم وتواطيهم ، ولا يكترث لممانعتهم وتعاطيهم ، إتكالا ، اتكالا على من هو منشئهم وكافيهم ، واستنصارا بمن هو قاصمهم وشافيهم ، محتملا لما احتمل الرسول ، ومصطبرا على المكاره لما يؤمل من الوصول ، ومفارقا لمن اختار التنعم والترفيه ، ومعانقا لما كلف من التشمر والتوجيه ، المخصوص من بين الصحابة بالمعارضة للمبطلين ، والموافقة في الأحكام لرب العالمين ، السكينة تنطق على لسانه ، والحق يجري الحكمة عن بيانه ، كان للحق مائلا ، وبالحق صائلا ، وللأثقال حاملا ، ولم يخف دون الله طائلا)(5).

و (كان بين كتفيه أربع رقاع ، وإزاره مرقوع بأدم ، وخطب على المنبر وعليه

(1) حلية الأولياء وطبقات الأصفياء للأصفهاني ص 28 ، 29 ط دار الكتاب العربي بيروت.

(2)

طبقات بن سعد ج3 ص 195.

(3)

أيضا.

(4)

أيضا ص 196.

(5)

حلية الأولياء للأصفهاني ج1 ص 38.

ص: 148

إزار فيه اثني عشر رقعة ، وأنفق في حجته ستة عشر دينارا ، وقال لابنه: قد أسرفنا.

وكان لا يستظل بشيء غير أنه كان يلقى كساءه على الشجر ويستظل تحته ، وليس له خيمة ولا فسطاط) (1).

وقال في وصيته التي وصى بها ابنه في آخر لحظة من عمره ، وقد استسلف مالا من بيت مال المسلمين:

(بع فيها أموال عمر ، فإن وفت وإلا فسل بني عدي ، وإن وفت وإلا فسل قريشا ولا تعدهم)(2).

وإلى ذلك أشار شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاجه ردّا على الشيعة الذين قالوا: إن عليا كان أزهد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال:

(أزهد الناس بعد رسول الله الزهد الشرعي أبو بكر وعمر ، وذلك أن أبا بكر كان له مال يكسبه فأنفقه مله في سبيل الله

ولقد تلا أبا بكر عمر في هذا الزهد ، وكان فوق علي في ذلك يعني في إعراضه عن المال واللذات.

وأما علي رضي الله عنه فتوسع في هذا المال من حله ، ومات عن أربع زوجات وتسعة عشر أم ولداً سوى الخدم ، وتوفي عن أربعة وعشرين ولدا من ذكر وأنثى ، وترك لهم من العقار والضياع ما كانوا به أغنياء قومهم ومياسيرهم ، هذا أمر مشهور لا يقدر على إنكاره من له أقل علم بالأخبار

فصح بالبرهان الضروري أن أبا بكر رضي الله عنه أزهد من جميع الصحابة رضي الله عنهم ، ثم عمر) (3).

هذا وكان في أصحاب رسول الله زهاد آخرون ولكن المتصوفة لم ينهوا سلسلة سندهم إلا إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه مثل الشيعة الذين يجعلونه أول إمام لهم. كما نقل الهجويري عن الجنيد أنه قال:

(شيخنا في الأصول والبلاء على المرتضى ، أي أن علي بن أبي طالب هو إمام هذه الطريقة في العلم والمعاملة ، فأهل الطريقة يطلقون على علم الطريقة اسم الأصول ، ويسمون تحمل البلاء فيها بالمعاملات)(4).

وهو الذي نقل عنه العطار أنه قال:

(ولقد وهبه الله تعالى من العلم والحكمة والكرامة ، وماذا كنا نصنع لو لم ينطق المرتضى بهذا القول على سبيل الكرامة)(5).

(1) البداية والنهاية لابن كثير ج7 ص 134 ، 135.

(2)

طبقات ابن سعد ج3 ص 358.

(3)

منهاج السنة النبوية لشيخ الإسلام ابن تيمية ج 4 ص 129 ، 130 ، 131.

(4)

كشف المحجوب للهجويري ترجمة عربية للدكتورة اسعاد عبد الهادي ص 274 ط بيروت 1980.

(5)

انظر تذكرة الأولياء لفريد الدين العطار ص 185 ط باكستان.

ص: 149

ويقول الطوسي أبو نصر السراج:

(ولأمير المؤمنين علي رضي الله عنه خصوصية من بين جميع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بمعاني جليلة ، وإشارات لطيفة ، وألفاظ مفردة ، وعبارة وبيان للتوحيد والمعرفة والإيمان والعلم ، وغير ذلك ، وخصال شريفة تعلق وتخلق به أهل الحقائق من الصوفية)(1).

(وأما علي بن أبي طالب كرم الله وجهه فذاك مدينة العلم ، وأول آخذ لبيعة الطريق - طريق الأولياء - وأول ملقن بالذكر والسر من الرسول صلى الله عليه وسلم (2).

لأن جبريل عليه السلام نزل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أولا بالشريعة ، فلما تقررت ظواهر الشريعة واستقرت نزل إليه بالحقيقة المقصودة والحكمة المرجوه من أعمال الشريعة وهي الإيمان والإحسان فخص رسول الله صلى الله عليه وسلم بباطن الشريعة بعض أصحابه دون البعض.

وكان أول من أظهر علم القوم وتكلم فيه سيدنا على كرم الله وجهه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (3).

فإن عليا رضي الله عنه حسب كلام المتصوفة: (من أصحاب العلم وممن يعلمون من الله ما لم يعلمه غيره)(4).

ولا جبرائيل وميكائيل لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم (لما لقن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وخلع عليه ذلك صار يقول:

عندي من العلم الذي أسرّه إلىّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ليس عند جبريل ولا ميكائيل) (5).

وعلى ذلك نقل الطوسي عن الوجيهي أنه قال:

سمعت أبا علي الروذباري يقول: سمعت جنيدا رحمه الله يقول:

(رضوان الله على أمير المؤمنين علي ، رضي الله عنه ، لولا أنه اشتغل بالحروب لأفادنا من علمنا هذا معاني كثيرة ، ذاك امرؤ أعطى علم اللّدني ، والعلم اللّدني هو العلم الذي خصّ به الخضر عليه السلام ، قال تعالى: {وعلمناه من لدنّا علما})(6).

(1) انظر كتاب اللمع للطوسي ص 179.

(2)

جمهرة الأولياء وأعلام أهل التصوف للمنوفي الحسيني ج1 ص 122.

(3)

أيضا ص 159.

(4)

الفتوحات المكية لابن عربي ج 1 ص 260.

(5)

درر الغواص للشعراني ص 73 بهامش الإبريز للدباغ ط مصر.

(6)

كتاب اللمع للطوسي ص 179.

ص: 150

ورسول الله صلى الله عليه وسلم جعله بمنزله هارون من موسى مع الفضل العظيم لأبي بكر (ولم يشرك الحبيب الرسول المقرب الخليل في مقام الخلّة كما صلح أن يشرك معه في مقام الأخوة عليا كرم الله وجهه فقال: علي مني بمنزلة هارون من موسى)(1).

وكان له مقام ومنزلة عند الصوفية إلى أن نقل الشعراني عن أحد المتصوفين أنه قال:

(إن علي بن أبي طالب رضي الله عنه رفع كما رفع عيسى عليه السلام ، وسينزل كما ينزل عيسى عليه السلام ثم يقول الشعراني: قلت: وبذلك قال سيدي على الخواص رضي الله عنه فسمعته يقول:

إن نوحا عليه السلام أبقى من السفينة لوحا على اسم علي بن أبي طالب رضي الله عنه يرفع عليه إلى السماء فلم يزل محفوظا في صيانة القدرة حتى رفع علي بن أبي طالب رضي الله عنه (2).

فهذا هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومكانته ، ومنزلته ، وشأنه ، وقد نقل باحث شيعي عن جلال الدين الرومي الصوفي الفارسي المشهور أنه قال في أبياته ما تدلّ على رؤيتهم إلى علي وعقيدتهم فيه ، فيقول:

(منذ كانت صورة تركيب العالم

كان عليّ

منذ نقشت الأرض وكان الزمان

كان عليّ

ذلك الفاتح الذي انتزع باب خيبر بحملة واحدة

كان عليّ

كلما تأملت في الآفاق ونظرت

أيقنت بأنه في الموجودات

كان عليّ

إن من كان هو الوجود ، ولولاه

لسرى العدم في العالم الموجود (إياه)

كان عليّ

إن سر العالمين الظاهر والباطن

الذي بدا في شمس تبريز

كان عليّ) (3).

وهذا الغلو في علي بن أبي طالب رضي الله عنه عندما يقارن بالغلو الشيعي فيه ، ليس بأقلّ منه في صورة من الصور.

وإليه تنتسب سلاسل التصوف كلها كما قال محمد معصوم شيرازي الملقب بمعصوم علي شاه:

(1) الفتوحات المكية لابن عربي ج3 ص 315.

(2)

طبقات الشعراني ج2 ص 44.

(3)

غزليات شمس تبريزي ط طهران المنقول من كتاب الصلة بين التصوف والتشيع ص 84 ، 85.

ص: 151

(ولابد لكل سلسلة من سلاسل التصوف من الأزل إلى الأبد ، ومن آدم إلى انقراض الدنيا أن تكون متصلة بسيد العالمين وأمير المؤمنين)(1).

لأنه (أزهد الصحابة عند المتصوفة)(2).

كما هو (رأس الفتوة وقطبها)(3).

فأول وليّ عند المتصوفة هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، ومنه إنتقل الولاية إلى غيره من الأولياء كما أنه أول إمام عند الشيعة ، وتسلسلت منه فورثها غيره ، وكذلك الفتوة والقطبية ، وهو الذي ألبس خرقته الحسن البصري ، وهذه الخرقة التي يلبسها المتصوفة خلفاءهم وورثتهم (4).

وينصّ على تشيع هذا ابن خلدون في مقدمته حيث يقول عند ذكر الصوفية:

(إنهم لما أسندوا لباس خرقة التصوف ليجعلوه أصلا لطريقتهم وتخيّلهم رفعوه إلى عليّ رضي الله عنه وهو من هذا المعنى أيضا ، وإلا فعليّ رضي الله عنه لم يختصّ من بين الصحابة بتخليه ولا طريقة في اللباس ولا الحال ، بل كان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما أزهد الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكثرهم عبادة ، ولم يختصّ أحد منهم في الدين بشيء يؤثر عنه في الخصوص ، بل كان الصحابة كلهم أسوة في الدين والزهد والمجاهدة ، يشهد لذلك من كلام هؤلاء المتصوفة في أمر الفاطمي وما شحنوا كتبهم في ذلك مما ليس لسلف المتصوفة فيه كلام بنفي أو إثبات ، وإنما هو مأخوذ من كلام الشيعة والرافضة ومذاهبهم في كتبهم والله يهدي إلى الحق)(5).

وهذا إضافة إلى أن هذه الخرقة ونسبتها إلى عليّ ، ورواية لبس الحسن البصري كلها باطل ، لا أصل له ، لأنه (لم يثبت لقاء الحسن مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه على القول الصحيح ، لأن عليا رضي الله عنه انتقل من المدينة إلى الكوفة والحسن صغيرا)(6).

(1) انظر طرائق الحقائق لمعصوم علي شاه ج1 ص 251.

(2)

انظر قوت القلوب لأبي طالب المكي ج1 ص 267.

(3)

آئين جوانمردي مقدمة هنري كاربين ص 8 ، أيضا فتوت نامه لعبد الرزاق كاشاني ص 29 ط طهران 1363 شمسي ترجمة فارسية إحسان نراقي ، أيضا طبقات الشعراني ج2 ص 92 ، أيضا جامع الأصول في الأولياء للكمشخانوي ص 7.

(4)

انظر عوارف المعارف للسهروردي ص 98 ، أيضا الرسالة القشيرية ج2 ص 747 ، أيضا فوائح الجمال لنجم الدين الكبرى ص 282 ، أيضا الأنوار القدسية للشعراني ص 49.

(5)

مقدمة ابن خلدون ص 473.

(6)

انظر تهذيب التهذيب لابن حجر ، والتذكرة للذهبي ، الرسائل والمسائل لابن تيمية ، كذلك التصوف لماسينيون.

ص: 152

وعلى كل فإن الصوفية ينهون سند لبس الخرقة إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، كما ينهون إليه سلاسلهم.

ولا يقتصرون على عليّ بن أبي طالب وحده ، بل يقولون مثل ما يقوله الشيعة تماما: (وثامن الفتيان بعد النبوة والرسالة علي بن أبي طالب كرم الله وجهه حيث أسلم صبيا ، وجاهد في سبيل الله مراهقا ، وبوأه الله قطبانية الأولياء رجلا وكهلا.

وعنه أخذ الفتوة ابناه الحسن والحسين وهي أعلى مقامات الولاية عد القطبانية التي هي منها والصديقة التي هي كمالها.

ومن دلائل فتوة الحسن رضي الله عنه أن آثر الخلافة الباطنة على الخلافة الظاهرة ، وتنازل عن الظاهرة حقنا لدماء المسلمين.

ومن دلائل فتوة الحسين أن الشهيد الأعظم في سبيل الله وفي سبيل الأمانة.

ومن الخصائص التي خصّ الله تعالى بها عليا كرم الله وجهه أنه إذا كان الرسول مدينة العلم فعليّ بابها ، وإن كان للفروسية أو الولاية فتيان فهو فتاهما الأول.

فعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه أول فتيان هذه الأمة وفتى أوليائها ، وحسبه في ذلك أن أراد إفتداء الرسول بنفسه) (1).

ويقول أيضا:

(إن علي بن أبي طالب أخذ البيعة الخاصة بطريق الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولقن بها ابنه الحسن ، ثم الحسين)(2).

وكان الصوفي المشهور أبو العباس المرسي تلميذ الشاذلي يقول:

(طريقنا هذه لا تنسب للمشارقة ولا للمغاربة ، بل واحد عن واحد إلى الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وهو أول الأقطاب)(3).

وقالوا:

(وكان من أوائل أهل طريق الله بعد الصحابة علي بن الحسين زين العابدين ، وابنه محمد بن علي الباقر ، وابنه جعفر بن محمد الصادق ، وذلك بعد علي والحسن والحسين رضي الله عنهم جميعا)(4).

ويقول الكلاباذي في الباب الثاني من تعرفة:

(1) جمهرة الأولياء لأبي الفيض المنوفي ج1 ص 89.

(2)

أيضا ص 89 ، 122.

(3)

طبقات الشعراني ج 2 ص 14.

(4)

جمهرة الأولياء ج1 ص 163.

ص: 153

(ممن نطق بعلومهم ، وعبر عن مواجيدهم ، ونشر مقاماتهم ، ووصف أحوالهم قولا وفعلا بعد الصحابة رضوان الله عليهم: علي بن الحسين زين العابدين. وابنه محمد الباقر. وابنه جعفر بن محمد الصادق رضي الله عنهم (1).

فانظر الترتيب ، وهذا نفس ترتيب الشيعة لأئمتهم ، حيث يعدّون الإمام الأول والثاني والثالث عليه وابنه الحسن والحسين ، والرابع والخامس والسادس: زين العابدين ، ومحمد الباقر ، وجعفر بن محمد الباقر.

ثم الإمام السابع والثامن عندهم: موسى بن جعفر الملقب بالكاظم ، وعلي بن موسى الكاظم الملقب بالرضا ، من الأئمة الإثني عشر.

وهاهو الشعراني أيضا يعدهم أئمة ، واثني عشر أيضا ، عندما يذكر من بين الصوفية وأولياء الله موسى بن جعفر ، فيقول:

(ومنهم موسى الكاظم رضي الله عنه أحد الأئمة الإثني عشر ، وهو موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب

وكان يكنّى بالعبد الصالح لكثرة عبادته واجتهاده وقيامه بالليل ، وكان إذا بلغه عن أحد يؤذيه يبعث إليه بالمال) (2).

وأما علي بن موسى الرضا فيقولون عنه: (أن شيخ مشائخ الصوفية معروف الكرخي أسلم على يديه)(3).

ويكتب القشيري عنه: (أبو محفوظ معروف بن فيروز الكرخي كان من المشائخ الكبار ، مجاب الدعوة ، يستشفى بقبره ، يقول البغداديون: قبر معروف ترياق مجرب ، وهو من موالي علي بن موسى الرضا رضي الله عنه (4).

وزاد السلمي في طبقاته ، والجامي في نفحاته أنه كان من حجبه ، فيقول:

(معروف بن فيروز ، ويقال: معروف بن علي ، ويلقب بالزاهد ، وهو من أجلة المشائخ وقدمائهم ، والمعروفين بالورع والفتوة. كان أستاذ سري السقطي ، وصحب داؤد الطائي.

وكان معروف أسلم على يد علي بن موسى الرضا ، وكان بعد إسلامه يحجبه ،

(1) التعرف لمذهب أهل التصوف للكلاباذي ص 36.

(2)

طبقات الشعراني ج 1 ص 37.

(3)

تذكرة العطار ص 150 ط باكستان.

(4)

الرسالة القشيرية ج1 ص 65 بتحقيق الدكتور عبد الحليم محمود ومحمود بن الشريف ط القاهرة ، أيضا طبقات الشعراني ج1 ص 71.

ص: 154

فازدحم الشيعة يوما على باب علي بن موسى ، فكسروا أضلع معروف ، فمات ، ودفن ببغداد ، وقبره ظاهر ، ويتبرك الناس بزيارته) (1).

والجدير بالذكر أن معروف الكرخي أستاذ السري السقطي ، وخال وأستاذ لسيد الطائفة جنيد البغدادي ، ولذلك (يروي الجنيد عن السري السقطي ، وهو عن معروف الكرخي ، وهو عن علي بن موسى الرضا ، عن أبيه موسى الكاظم ، عن أبيه محمد الباقر ، عن أبيه زين العابدين ، عن أبيه الحسين بن علي بن أبي طالب ، عن علي بن أبي طالب)(2).

وكتب عنه شيخ الأزهر السابق والصوفي المعاصر الدكتور عبد الحليم محمود عن الرضا:

(له كرامات كثيرة: منها أنه قال لرجل صحيح سليم: استعد لما لا بدّ منه ، فمات بعد ثلاثة أيام ، وروى الحاكم أن أبا حبيب قال:

رأيت المصطفى عليه الصلاة والسلام في النوم ، في المنزل الذي ينزله الحاج ببلدنا ، فوجدت عنده طبقا من خوص فيه تمر ، فناولني ثماني عشرة تمرة ، وبعد عشرين يوما قدم علي الرضا من المدينة ونزل ذلك المنزل ، وفزع الناس للسلام عليه ، ومضيت نحوه فإذا هو جالس بالموضع الذي رأيت المصطفى جالسا فيه ، وبين يديه طبق فيه تمر صيحاني ، فناولني قبضة فإذا عدتها بعدد ما ناولني المصطفى ، فقلت: زدني. فقال: لو زادك رسول الله لزدناك) (3).

ومن الطرائف أن ذكر الثمانية هؤلاء من أئمة الشيعة الإثني عشر بالتسلسل الشيعي في كتب المتصوفة الكثيرين مثل ما يذكرون عن الرفاعي أحمد الكبير أنه (أخذ العهد والطريق من يد خاله شيخ الشيوخ صاحب الفتح الصمداني سيدنا منصور البطائحي الرباني وهو لبسها من خاله سيدنا الشيخ أبي المنصور الطيب وهو لبسها من ابن عمه الشيخ أبي سعيد يحيى البخاري الأنصاري وهو لبسها من الشيخ أبي الترمذي وهو لبسها من الشيخ أبي القاسم السندوسي الكبير وهو لبسها من الشيخ أبي محمد دويم البغدادي وهو لبسها من خاله الشيخ سري السقطي وهو لبسها من الشيخ معروف الكرخي وهو لبسها من إمام الزمان وحجة أهل العرفان الإمام ابن الإمام علي الرضي وهو لبسها من أبيه نور حدقة العناية والإمامة ونور حديقة الولاية

(1) طبقات الصوفية لأبي عبد الرحمن السلمي ترتيب أحمد الشرباصي ط مطابع الشعب ، أيضا نفحات الأنس للجامي ص 39 الطبعة الفارسية.

(2)

طبقات الأولياء لابن الملقن المتوفى 804 هـ ص 493 ط مكتبة الخانجي القاهرة الطبعة الأولى 1393 هـ.

(3)

انظر الرسالة القشيرية لعبد الكريم القشيري تعليق رقم 3 ص 65 لعبد الحليم محمود ومحمود بن الشريف.

ص: 155

والكرامة ملجأ الأولياء الأعاظم أبي الحسن موسى الكاظم وهو لبسها من أبيه صاحب القدم السابق الإمام جعفر الصادق وهو لبسها من أبيه صاحب السر الطاهر الإمام محمد الباقر وهو لبسها من أبيه كهف المحتاجين وإمام الأفراد أبي محمد الإمام زين العابدين علي السجاد وهو لبسها من أبيه أحد سبطي رسول الله شهيد كربلاء الإمام الحسين أبي عبد الله وهو لبسها من أبيه إمام الأئمة ومجن هذه الأمة صاحب القدر العظيم والشرف الجلي أمير المؤمنين الإمام أبي الحسن علي رضي الله عنه وعنهم أجمعين) (1).

وذكر الرفاعي نفسه بصورة أخرى ، ويقول:

(أكمل التوبة الفورية في مقام البضعية ، من حيث التحلي بحلوة الطينة الذاتيةالأحمدية ، إنما هي توبة السيدة البتول العذراء ، سيدتنا وقرة أعيننا فاطمة أم السبطين الزهراء سلام الله ورضوانه عليها ، وقام عنها بنوبة الجزء الأزهري بعلها المأمون المنوه على جلالة قدره وعظيم مكانته بطالعه (علي مني بمنزلة هارون من موسى) الحديث. فأدرع بدرع الخلافة البضعية متحكما في مشهد الخلافة الأمرية ، إصالة في مشهد الخلافة البضعية وكالة حتى لقي الله ، فأدرع بمطرها النوراني السبطان السعيدان الشهيدان الحسن والحسين سلام الله وتحياته عليهما ، ودارت هذه التوبة الجامعة المحمدية في الأسباط الطاهرين سبطاً بعد سبط إلى أن صينت في مقام الكنزية المضمرة إلى ولي الله المهدي الخلق الصالح سلام الله عليه ، فتلقاها عنه من مقام الألباس النواب الجامعون المحمدون ، فهم إلى عهدنا هذا من بني الإمام الحسين السبط شهيد كربلاء عليه وعليهم نوافح السلام والرضوان) (2).

ولذلك كتب محمد معصوم شيرازي:

أن علي بن أبي طالب خاتم الولاية المحمدية ، فكميل بن زياد النخعي ، والحسن البصري ، وأويس القرني أخذوا عن عليّ بن أبي طالب عليه السلام.

والشقيق البلخي أخذ عن الكاظم عليه السلام.

والشيخ أبو زيد أخذ عن جعفر الصادق.

والشيخ معروف أخذ عن الرضا ، والشيخ سري أخذ عنه ، والشيخ جنيد أخذ عن السري ،

وهو ومن الغرائب أن المتصوفة يعتقدون للحسن العسكري ابنا ، كالشيعة

(1)(قلادة الجواهر في ذكر الرفاعي وأتباعه الأكابر) لمحمد أبي الهدى الرفاعي ص 375 ، أيضا (المنهج الموصل إلى الطريق الأنهج) لمصطفى الصاد في مخطوط ورقة 32.

(2)

المجالس الرفاعية لأحمد الرفاعي ص 108 ط مطبعة الإرشاد بغداد 1971 م.

ص: 156

الإثني عشرية ، مع إتفاق أهل السنة والمؤرخين ، وشهادة الشيعة ونقيب الأشراف وأخوه العسكري وأمه بأنه لم يولد له ولد ، وأثبت رواية فيه وأقوم حجة ما رواه الكليني بنفسه ، والآخرين من مؤرخي الشيعة وأعلامهم أن الحسن العسكري لما دفن (أخذ السلطان والناس في طلب ولده ، وكثر التفتيش في المنازل والدور ، وتوقفوا عن قسمة ميراثه ، ولم يزل الذين وكلوا بحفظ الجارية التي توهم عليها الحمل ملازمين حتى تبيّن بطلان الحمل ، فلما بطل الحمل قسم ميراثه بين أمه وأخيه جعفر ، وادعت أمه وصيته وثبت ذلك عند القاضي)(1).

وذكر هذا الخبر جميع مؤرخي الشيعة ومؤلفيهم ومحدثيهم من المفيد في الإرشاد (2).

والطبرسي في إعلام الورى (3).

والأربلي في كشف الغمة (4).

والملا باقر المجلسي في جلاء العيون (5).

وصاحب الفصول في الفصول المهمة (6).

والعباس القمي في منتهى الآمال (7).

وقال النوبختي الشيعي المشهور في فرقه:

(أن الحسن توفى ولم يوله أثر ، ولم يعرف له ولد ظاهر ، فاقتسم ميراثه أخوه جعفر وأمه)(8).

لكن المتصوفة يقولون أنه ولد للحسن العسكري ولد ، وهو الذي سيخرج مهديا ، كعقيدة الشيعة تماما بدون أدنى تغيير ، فاسمع ماذا يقولون:

(فهناك بترقب خروج المهدي عليه السلام ، وهو من أولاد حسن العسكري ، ومولده عليه السلام ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين وهو باق إلى أن يجتمع بعيسى بن مريم عليه السلام ، فيكون عمره إلى وقتنا هذا ، وهو سنة ثمان وخمسين وتسعمائه سبعمائة سنة وست سنين. هكذا أخبرني الشيخ حسن العراقي

(1) كتاب الحجة الكافي ص 505 ط طهران.

(2)

انظر ص 339.

(3)

انظر ص 377 ، 378.

(4)

ج3 ص 198 ، 199.

(5)

تحت ذكر المهدي.

(6)

أيضا.

(7)

أيضا.

(8)

فرق الشيعة للنوبختي ص 118 ، 119 ط كربلاء العراق.

ص: 157

المدفون فوق كوم الرئيس المطل على بركة الرطل بمصر المحروسة على الإمام المهدي حين اجتمع به.

ووافقه على ذلك شيخنا سيدي علي الخواص رحمهما الله تعالى.

وعبارة الشيخ محيي الدين في الباب السادس والستين وثلاثمائة من الفتوحات ك

وأعلموا أنه لابد من خروج المهدي عليه السلام لكن لا يخرج حتى تمتلئ الأرض جورا وظلما فيملؤها قسطا وعدلا ولو لم يكن من الدنيا إلا يوم واحد طوّل الله تعالى ذلك اليوم حتى يلي ذلك الخليفة وهو من عترة رسول الله صلى الله عليه وسلم من ولد فاطمة رضي الله عنها جده الحسين بن علي بن أبي طالب ، ووالده حسن العسكري بن الإمام النقي بالنون ابن محمد التقي بالتاء ابن الإمام على الرضا ابن الإمام موسى الكاظم ابن الإمام جعفر الصادق ابن الإمام محمد الباقر ابن الإمام زين العابدين علي بن الإمام الحسين ابن الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه (1).

وكذلك الرفاعيون ، حيث يعدّون الرفاعي الإمام الثالث عشر بعد الثاني عشر الموهوم الذي لم يولد (2).

فهذه هي عقائد المتصوفة في علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وأئمة الشيعة من أولاده ، فإليهم ينتسبون ، وبمسلكهم يسلكون ، وبخرافاتهم يتمسكون.

وهذا وحده كاف لبيان تأثر التشيع في التصوف.

ونختم كلامنا في هذا على مقولة صوفي كبير وهو أبو الظفر ظهير الدين القادري حيث يقول: القطبية كانت للأئمة الإثني عشر بطريق الاستقلال ، ولمن بعدهم بطريق النيابة (3).

(1) انظر اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر ج2 ص 143.

(2)

انظر المجالس الرفاعية المقدمة للسيد خاشع الراوي الرفاعي ص 6.

(3)

الفتح المبين لظهير الدين القادري ص 18.

ص: 158