الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَفْضِيلُ الوَليّ عَلَى النَّبِيِّ
ولم يقتصر القوم على مثل هذه السخافات والأباطيل ، بل زادوا في غلوائهم حيث فضلوا الولاية على النبوة والرسالة ، والأولياء على الأنبياء والمرسلين ، فقالوا:
(خضنا بحورا وقفت الأنبياء بسواحلها)(1).
و (معاشر الأنبياء ، أو تيتم اللقب ، وأوتينا ما لم تؤتوه)(2).
ونقلوا عن البسطامي أنه قال:
(تالله أن لوائي أعظم من لواء محمد صلى الله عليه وسلم ، لوائي من نور تحته الجان والجن والإنس ، كلهم من النبيين)(3).
وهذا ما صرّح به بعضهم:
(مقام النبوة في برزخ
…
فويق الرسول ودون الوليّ) (4).
لأن (الولاية: هي الفلك الأقصى ، من سبح فيه اطلع ، ومن اطلع علم ، ومن علم تحول في صورة ما علم. فذلك الوليّ المجهول الذي لا يعرف ، والنكرة التي لا تتعرّف ، لا يتقيد بصورة ، ولا تعرف له سريرة ، يلبس لكل حالة لبوسها ، أما نعيمها وإمّا بؤسها.
يوماً يمان إذا لاقيت ذا يمن
…
وإن لاقيت معديا فعدنان
إمعة ، لما في فلكه من السعة) (5).
و (إن الولاية هي المحيطة العامة ، وهي الدائرة الكبرى ، فمن حكمها أن يتولى الله من شاء من عباده بنبوة وهي من أحكام الولاية ، وقد يتولاه بالرسالة وهي
(1) الإبريز للدباغ ص 276 نقلا عن أبي يزيد البسطامي ، أيضا جمهرة الأولياء للمنوفي ج 1 ص 266 ، طبقات الشعراني ج2 ص 16 ، الفتوحات الإلهية لابن عجيبة ص 261 ، كذلك الإنسان الكامل للجيلي نقلا عن أبي الغيث ج 1 ص 124.
(2)
الإنسان الكامل للجيلي ج1 ص 124 ، كذلك الجواهر والدرر ص 286 بهامش الإبريز ، الجواب المستقيم لابن عربي ص 247 نقلا عن الجيلي.
(3)
لطائف المنن والأخلاق للشعراني ج1 ص 125 ، أيضا شرح شطحيات (فارسي) روزبهان بقلي شيراري ص 132 بتصحيح هنري كربين ط طهران 1981 م.
(4)
انظر طبقات الشعراني ج1 ص 68 ط دار العلم للجميع.
(5)
كتاب التجليات ص 20 من رسائل ابن عربي ط الهند.
من أحكام الولاية أيضا. فكل رسول لابد أن يكون نبيا ، وكل نبيّ لابد أن يكون وليا ، فكل رسول لابد أن يكون وليا. فالرسالة بخصوص مقام في الولاية ، والرسالة في الملائكة دنيا وآخرة ، لأنهم سفراء الحق لبعضهم
…
والرسالة في البشر لا تكون إلا في الدنيا ، وينقطع حكمها في الآخرة ، وكذلك تنقطع في الآخرة بعد دخول الجنة والنار نبوة التشريع ، لا نبوة العامة.
وأصل الرسالة في الأسماء الإلهية. وحقيقة الرسالة إبلاغ كلام من متكلم إلى سامع. فهي حال لا مقام ، ولا بقاء لها بعد انقضاء التبليغ ، وهي تتجدد) (1).
بخلاف الولاية فإنها لا تنقطع أبدا ، ولا تحدّ ، لا بالزمان ولا بالمكان ، ولها الإنباء العام (والله لم يتسمّ بنبي ولا برسول ، وتسمّى بالوليّ ، واتصف بهذا الاسم ، فقال: الله ولي الذين آمنوا ، وقال: هو الوليّ الحميد ، وهذا الاسم باق جار على عباد الله دنيا وآخرة)(2).
وأن الولي يعلم علمين: علم الشريعة ، وعلم الحقيقة ، أي الظاهر والباطن ، والتنزيل والتأويل ، حيث أن الرسول من حيث هو رسول ليس له علم إلا بالظاهر والتنزيل والشريعة (فإذا رأيت النبي يتكلم بكلام خارج عن التشريع فمن حيث هو وليّ عارف ، ولهذا مقامه من حيث هو عارف أتمّ وأكمل من حيث هو رسول أو ذو تشريع وشرع)(3).
وأن النبي والرسول يستمدّ بالعلم والمعرفة من الملك الذي يبلغه الوحي الإلهي بواسطته ، ولا يمكنه الأخذ من الله مباشرة ، والوليّ يستمد المعرفة من حيث يأخذها الملك الذي يؤدي بدوره إلى الأنبياء والرسل (فمرجع الرسول والنبي المشرع إلى الولاية والعلم)(4).
فلذلك قال ابن عربي بصراحة لا تحتمل التأويل:
(وما يراه أحد من الأنبياء والرسل إلا من مشكاة الرسول الخاتم ، ولا يراه أحد من الأولياء إلا من مشكاة الوليّ الخاتم ، حتى أن الرسل لا يرونه - متى رأوه - إلا من
(1) الفتوحات المكية لابن عربي ج 2 ص 256 ، 257.
(2)
فصوص الحكم لابن عربي بتعليقات الدكتور أبي العلاء العفيفي ج 1 ص 135 ط دار الكتاب العربي بيروت.
(3)
أيضا فصّ حكمة قدرية في كلمة عزيرية ص 135.
(4)
أيضا الفصّ العزيري.
مشكاة خاتم الأولياء: فإن الرسالة والنبوة - أعني نبوة التشريع ورسالته - تنقطعان ، والولاية لا تنقطع أبداً. فالمرسلون ، من كونهم أولياء ، لا يرون ما ذكرناه إلا من مشكاة خاتم الأولياء ، فكيف من دونهم من الأولياء؟ وإن كان خاتم الأولياء تابعا في الحكم لما جاء به خاتم الرسل من التشريع ، فذلك لا يقدح في مقامه ولا يناقض ما ذهبنا إليه ، فإنه من وجه يكون أنزل كما أنه من وجه يكون أعلى
…
لما مثل النبي صلى الله عليه وسلم النبوة بالحائط من اللبّن وقد كَمُلَ سوى موضع لبِنَة ، فكان صلى الله عليه وسلم تلك اللبنة. غير أنه صلى الله عليه وسلم لا يراها كما قال لبِنَة واحدة. وأما خاتم الأولياء فلا بد له من هذه الرؤيا ، فيرى ما مثله به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويرى في الحائط موضع لبِنَتين ، واللبن من ذهب وفضة. فيرى اللبنتين اللتين تنقص الحائط عنهما وتكمل بهما ، لبنة ذهب ولبنة فضة ، فلا بد أن يرى نفسه تنطبع في موضع تينك اللبنتين ، فيكون خاتم الأولياء تينك اللبنتين. فيكمل الحائط. والسبب الموجب لكونه رآها لبنتين أنه تابع لشرع خاتم الرسل في الظاهر وهو موضع اللبنة الفضة ، وهو ظاهره وما يتبعه فيه من الأحكام ، كما هو آخذ عن الله في السر ما هو موضع اللبنة الذهبية في الباطن ، فإنه أخذ من المعدن الذي يأخذ من الملك الذي يوحى به إلى الرسول .. فإن فهمت ما أشرت به فقد حصل لك العلم النافع بكل شيء. فكل نبي من لدن آدم إلى آخر نبي ما منهم أحد يأخذ إلا من مشكاة خاتم النبيين ، وإن تأخر وجود طينته ، فإنه بحقيقته موجود ، وهو قوله صلى الله عليه وسلم:(كنت نبياً وآدم بين الماء والطين). وغيره من الأنبياء ما كان نبيا إلا حين بُعثَ ، وكذلك خاتم الأولياء كان وليا وآدم بين الماء والطين ، وغيره من الأولياء ما كان ولياً إلا بعد تحصيله شرائط الولاية من الأخلاق الإلهية في الاتصاف بها من كون الله تعالى تسمى (بالولي الحميد). خاتم الرسل من حيث ولايته ، نسبته مع الخاتم للولاية نسبة الأنبياء والرسل معه ، فإنه الولي الرسول النبي. وخاتم الأولياء الولي الوارث الآخذ عن ألأصل المشاهد للمراتب) (1).
ولا أدري كيف يدافع من يدافع عن ابن عربي بأنه لا يفضل الولي على النبي ، وبعد هذه التصريحات كلها؟ حيث يجعل خاتم الأولياء منبع العلوم ، ومصدر الفيض لجميع الأنبياء والرسل ، وأنهم لا يستمدون إلا منه ، ولا يستقون إلا من ذلك
(1) فصوص الحكم لابن عربي فصّ حكمة نفثية في كلمة شيشية ص 62 ، 63 ، 64.
المنهل والمورد ، ولا يستضيئون إلا من مشكاته ، وهذا الفيض الشيثي والعزيري نص في القضية.
ولذلك ردّ شيخ الإسلام ابن تيمية في رسائله بشدّة عليه ، وعلى من نهج منهجه وسلك مسلكه ، في رسائله وكتبه ، ونسب كلامه إلى الكفر الذي تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدّا (1).
وقال شيخ الإسلام في فتاواه:
(وكذا لفظ (خاتم الأولياء) لفظ باطل لا أصل له ، وأول من ذكره محمد بن علي الحكيم الترمذي ، وقد انتحله طائفة كل منهم يدعي أنه خاتم الأولياء: كابن حمويه وابن عربي وبعض الشيوخ الضالين بدمشق وغيرها ، وكل منهم يدعي أنه أفضل من النبي عليه السلام من بعض الوجوه ، إلى غير ذلك من الكفر والبهتان ، وكل ذلك طمعاً في رياسة خاتم الأولياء لما فاتتهم رياسة خاتم الأنبياء ، وقد غلطوا ، فإن خاتم الأنبياء إنما كان أفضلهم للأدلة الدالة على ذلك ، وليس كذلك خاتم الأولياء. فإن أفضل أولياء هذه الأمة السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار ، وخير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر رضي الله عنه ، ثم عمر رضي الله عنه وثم عثمان رضي الله عنه ، ثم علي رضي الله عنه ، وخير قرونها القرن الذي بعث فيه النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ، وخاتم الأولياء في الحقيقة آخر مؤمن تقي يكون في الناس ، وليس ذلك بخير الأولياء ، ولا أفضلهم بل خيرهم وأفضلهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه تعالى عنه ، ثم عمر: اللذان ما طلعت شمس ولا غربت على أحد بعد النبيين والمرسلين أفضل منهما) (2).
وقبل أن نورد نصوصا أخرى من القوم ممن خلف ابن عربي في مثل هذه المقولات وسبقوه نودّ أن نلفت أنظار القراء والباحثين إلى أن خاتم الأولياء الذي صعد وارتقى تلك المنزلة الكبرى ، وحاز ذلك المنصب العظيم حتى ازداد على أنبياء الله ورسله ، لم يكن عند ابن عربي إلا هو نفسه كما يقول في فتوحاته:
(أنا ختم الولاية دون شك
…
لورثي الهاشمي مع المسيح
كما أني أبو بكر عتيق
…
(1) انظر مجموعة الرسائل والمسائل لابن تيمية ج 4 ص 57 ط دار الكتب العلمية بيروت لبنان.
(2)
فتاوى شيخ الإسلام ج 11 ص 444 جمع وترتيب عبد الرحمن بن محمد بن قاسم وابنه.
أجاهل كلّ ذي جسم وروح
بأرواح مثقفة طوال
…
وترجمة بقرآن فصيح
أشدّ على كتيبة كل عقل
…
تنازعني على الوحي الصريح
لي الورع الذي يسمو اعتلاء
…
على الأحوال بالنبأ الصحيح
وساعدني عليه رجال صدق
…
من الورعين من أهل الفتوح
يوالون الوجوب وكلّ ندب
…
ويستثنون سلطنة المبيح) (1).
وهناك تصريحات أخرى منه ومن أتباعه ، نذكرها في ترجمته في باب مستقل في الجزء الثاني من هذا الكتاب ، تحت تراجم كبراء المتصوفين - إن شاء الرحمن -.
وأما الحكيم الترمذي الذي منه أخذ ابن عربي تلك الفكرة في أخذ النبي العلم والمعرفة من الملك ، وأخذ الوليّ بدون واسطة ، فيقول في جواب سؤال: ما الفرق بين النبوة والولاية؟:
(الفرق بين النبوة والولاية أن النبوة كلام ينفصل من الله وحيا ، ومعه روح من الله فيقضي الوحي ويختم بالروح
…
والولاية لمن ولى الله حديثه على طريق أخرى ، فأوصله إليه فله الحديث ، وينفصل ذلك الحديث من الله عز وجل ، على لسان الحق معه السكينة ، تتلقاه السكينة في قلب المحدّث ، فيقبله ويسكن إليه) (2).
ثم يذكر خاتم الأولياء فيقول:
(لما قبض الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم صيّر في أمته أربعين صديقا بهم تقوم الأرض ، وهم آل بيته ، فكلما مات واحد منهم خلفه من يقوم مقامه ، حتى إذا انقرض عددهم وأتى وقت زوال الدنيا إبتعث الله وليا اصطفاه واجتباه ، وقرّبه وأدناه ، وأعطاه ما أعطى الأولياء ، وخصّه بخاتم الولاية ، فيكون حجة الله يوم القيامة على سائر
(1) الفتوحات المكية لابن عربي ج 4 الباب الثالث والأربعون ص 71 بتحقيق عثمان إبراهيم يحيى مدكور ط الهيئة المصرية العامة للكتاب 1975 م.
(2)
كتاب ختم الولاية الفصل العاشر علامات الأولياء ص 346 ، 347.
الأولياء فيوجد عنده بذلك الختم صدق الولاية على سبيل ما وجد عند محمد صلى الله عليه وسلم من صدق النبوة فلم ينله العدو ، ولا وجدت النفس إليه سبيلا إلى الأخذ بحظها من الولاية.
فإذا برز الأولياء يوم القيامة واقتضوا صدق الولاية والعبودية وجد الوفاء عند هذا الذي ختم الولاية تماما ، فكان حجة الله عليهم وعلى سائر الموحدين من بعدهم ، وكان شفيعهم يوم القيامة ، فهو سيدهم ، ساد الأولياء ، كما ساد الأنبياء ، فينصب له مقام الشفاعة ، ويثني على الله تعالى ثناء ويحمده بمحامد يقرّ الأولياء بفضله عليهم في العلم بالله تعالى.
فلم يزل هذا الولي مذكورا في البدء ، أولا في الذكر ، وأولا في العلم ، ثم هو الأول في المشيئة ، ثم هو الأول في اللوح المحفوظ ، ثم الأول في الميثاق ، ثم الأول في المحشر ، ثم الأول في الجوار ، ثم الأول في الخطاب ، ثم الأول في الوفادة ، ثم الأول في الشفاعة ، ثم الأول في دخول الدار ، ثم الأول في الزيارة ، فهو في كل مكان أول الأولياء) (1).
وقد سئل: أين مقامه؟ فقال:
(في أعلى منازل الأولياء ، في ملك الفردانية ، وقد انفرد في وحدانيته ، ومناجاته كفاحا في مجالس الملك ، وهداياه من خزائن السعي.
قال: وما خزائن السعي؟
قال: إنما هي ثلاث خزائن: المنن للأولياء ، وخزائن السعي لهذا الإمام القائد ، وخزائن القرب للأنبياء عليهم السلام ، فهذا (خاتم الأولياء) مقامه من خزائن المنن ، ومتناوله من خزائن القرب ، فهو في السعي أبدا ، فمرتبته هنا ، ومتناوله من خزائن الأنبياء عليهم السلام ، قد انكشفت له الغطاء عن مقام الأنبياء ومراتبهم وتحفهم) (2).
ويقول أيضا:
(وقد يكون في الأولياء من هو أرفع درجة ، وذاك عبد قد ولى الله استعماله ، فهو في قبضته يتقلب ، به ينطق ، وبه يسمع ، وبه يبصر ، وبه يبطش ، وبه يعقل ، شهره في
(1) ختم الولاية للترمذي الحكيم الفصل التاسع ص 344 ، 345.
(2)
أيضا ص 367.
أرضه ، وجعله إمام خلقه ووصاحب لواء الأولياء ، وأمان أهل الأرض ، ومنظر أهل السماء ، وريحانة الجنان ، وخاصة الله ، وموضع نظره ، ومعدن سره ، وسوطه في أرضه ، يؤدب به خلقه ، ويحيي القلوب الميتة برؤيته ، ويرد الخلق إلى طريقه ، وينعش به حقوقه ، مفتاح الهدى ، وسراج الأرض ، وأمين صحيفة الأولياء ، وقائدهم ، والقائم بالثناء على ربه ، بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم! ، يباهي به الرسول في ذلك الموقف ، وينوه الله باسمه في ذلك المقام ، ويقر عين رسول الله صلى الله عليه وسلم! ، قد أخذ الله بقلبه أيام الدنيا ، ونحله حكمته العليا ، وأهدى إليه توحيده ، ونزه طريقه عن رؤية النفس ، وظل الهوى ، وأئتمنه على صحيفة الأولياء ، وعرّفه مقاماتهم ، وأطلعه على منازلهم. فهو سيد النجباء ، وصالح الحكماء ، وشفاء الأدواء ، وإمام الأطباء. كلامه قيد القلوب ، ورؤيته شفاء النفوس ، وإقباله قهر الأهواء ، وقربه طهر الأدناس ، فهو ربيع يزهر نوره أبداً ، وخريف يجنى ثماره دأبا ، وكهف يلجأ إليه ، ومعدن يؤمل ما لديه ، وفصل بين الحق والباطل. وهو الصديق والفاروق والولي والعارف والمحدّث. هو واحد الله في أرضه) (1).
وأما ما قاله المتأخرون فهو أظهر وأصرح ، فيقول داود القيصري:
(فالنبوة دائرة تامة مشتملة على دوائر متباينة متفاوتة في الحيطة ، وقد علمت أن الظاهر لا يأخذ التأييد والقوة والتصرف والعلوم ، وجميع ما يفيض من الحق تعالى عليه إلا بالباطن: وهو مقام الولاية ، المأخوذ من الولي ، وهو القرب ، والوليّ بمعنى الحبيب أيضا منه.
فباطن النبوة الولاية ، وهي تنقسم بالعامة والخاصة. فلأولى تشتمل على كل من آمن بالله وعمل صالحا ، على حسب مراتبهم كما قال الله تعالى:{الله وليّ الذين آمنوا} .
والثانية تشتمل على الواصلين من السالكين فقط ، عند فنائهم فيه وبقائهم به في الولاية الخاصة ، عبارة عن فناء العبد في الحق. فالوليّ هو الفاني فيه الباقي به.
. وهذا الفناء موجب لأن يتعين العبد بتعيّنات حقانية وصفات ربانية مرة أخرى ، وهو البقاء بالحق ، فلا يرتفع التعين منه مطلقا ، وهذا المقام دايرة أتمّ وأكبر من دايرة النبوة ، لذلك انختمت النبوة ، والولاية دائمة ، وجعل الوليّ ، اسما من أسماء الله
(1) نوادر الأصول للترمذي ص 157 ، 158 ط الآستانا.
تعالى دون النبي ، ولما كانت الولاية أكبر حيطة من النبوة وباطنا لها ، شملت الأنبياء والأولياء. فالأنبياء هم أولياء فانون بالحق ، باقون به ، منبئون عن الغيب وأسراره .... ولا نهاية لكمال الولاية ، فمراتب الأولياء غير متناهية) (1).
هذا ومثل هذا كثير عنده.
وهناك تلميذ آخر لابن عربي شيعي ، فقال مثل ما قاله القيصري:
(وفي الحقيقة: الولاية هي باطن النبوة ، والفرق بين النبي والرسول والوليّ أن النبي والرسول لهما التصرف في الخلق بحسب الظاهر والشريعة ، والولي له التصرف فيهم بحسب الباطن والحقيقة ومن هذا قالوا: النبوة تنقطع ، والولاية لا تنقطع أبدا)(2).
وقال النسفي عزيز الدين بن محمد المتوفى 671 هـ في كتابه (زبدة الحقائق):
(إن طائفة من الصوفية ذهبت إلى تفضيل الولاية على النبوة ، وقالوا: أن النبوة باطنها الولاية ، وأما الولاية فباطنها عالم الإله)(3).
هذا ما ذكره في كتابه (زبدة الحقائق) ، وبمثل ذلك ذكر في كتابه (الإنسان الكامل)(4).
وأما ما قاله في كتابه (كشف الحقائق) فهو:
(أيها العارف ، إن العارفين عند أهل الوحدة ثلاثة طوائف: حكماء وأنبياء وأولياء ، فالحكيم من يكون عارفا بطبائع الأشياء ، والنبي من يكون عارفا بطبائع الأشياء وخواصّها ، والولي من يكون عارفا بطبائع الأشياء وخواصّها وحقائقها ، فظهر أنه لا يوجد في العالم أحد يضاهي الوليّ في العلم والقدرة ، لأن الله له تجليّان: تجلي عام ، تجلي خاص.
فالتجلي العام عبارة عن أفراد الموجودات ، والتجلي الخاص عبارة عن الوليّ ، وهذا هو معنى قول الله عز وجل: {فالله هو الوليّ وهو يحيي الموتى وهو على كل شيء
(1) مقدمة شرح الفصوص للقيصري مخطوط ص 86 وما بعد المنقول من كتاب ختم الأولياء ص 491.
(2)
كتاب نص النصوص لحيدر الآملي مخطوط ص 91 وما بعد.
(3)
زبدة الحقائق للنسفي طبعة فارسية ص 59 بتصحيح تعليق حق وردي ناصري ط إيران 1405هـ قمري.
(4)
انظر ص 110.
قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما}) (1).
ويقول في موضع آخر من كتابه:
(المعرفة تنقسم إلى ثلاثة أقسام: الأول معرفة طبيعة كل شيء ، وهذه رتبة الحكماء ، والثاني معرفة خاصية كل شيء ، وهذه رتبة الأنبياء ، والثالث معرفة حقيقة كل شيء ، وهذه رتبة الأولياء ، وأعلم أن أهل الوحدة فضّلوا النبي على الحكيم ، والوليّ على النبيّ ، فإن كل نبي حكيم ، وكل وليّ نبيّ ، وليس كل نبي وليّ)(2).
وأما الصوفي آخر سعد الدين حمويه فيقول في مثنويّه:
(واو الولاية أقرب إلى الحضرة الإلهية من نون النبوة ، فلأجل هذا التقرب تعتبر الولاية أفضل من النبوة ، ثم يبيّن ذلك في أبياته قائلا:
الحرف الأول من كلمة الولاية هو الواو
والواو في وسطها ألف أيها المريد
والحرف الأول من كلمة النبوة هو النون
والنون في وسطها حرف الواو
فإذن الوليّ قلب النبي وروحه
وروح الوليّ هو ذات الله ونفسه) (3).
فهذه هي عقيدة المتصوفة في الأولياء ، والولاية ، عين تلك العقيدة الشيعية الشنيعة التي ذكرناها من قبل ، وهي تتضمن تفضيل الأولياء على أنبياء الله ورسله ، والبعض الآخر كتموها عملا بالتقية التي لم يأخذوها أيضا إلا من الشيعة كما سنذكرها.
فإن الوليّ عندهم فوق الرسول والنبي ، ودون الله قليلا ، وأحيانا يحذفون هذا الفرق البسيط أيضا بينه وبين الله ، ويجعلونه ذات الله وعينه ، سواء اتحد به ، أو ذلك اتحد به ، وعلى ذلك قالوا:
(لو كشف عن حقيقة الوليّ لعبد)(4).
(1) كشف الحقائق لعزيز الدين النسفي بتصحيح وتعليق دكتور أحمد مهدوي طبعة فارسية ص 59 ط طهران 1359 هجري قمري.
(2)
كشف الحقائق للنسفي طبعة فارسية ص 102.
(3)
انظر جهل مجلس لعلاء الدين سمناني بتصحيح عبد الرفيع حقيقت ص 45 ، 46.
(4)
غيث المواهب العلية للنفزي الرندي ج1 ص 235 بتحقيق الدكتور عبد الحليم محمود.