الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إجْرَاءُ النُّبُوة
وبهذه المناسبة نريد أن نذكر ههنا عقيدة صوفية خبيثة أخرى ، أخذوها من بعض فرق الشيعة ، من الخطابية ، والخرمية ، والمنصورية وغيرها بأن رسالة الله لا تنقطع أبدا ، وأن النبوة جارية ، ويأتي نبيّ حينا بعد حين (1).
وهم بدورهم أخذوها من اليهودية مثل العقائد الأخرى كما ذكره ولهوزن: (أن النبي الصادق واحد يعود أبدا)(2).
ومعلوم أن هذه العقيدة لم تعتنقها فرق الشيعة إلا للقضاء على الإسلام وهدم كيانه ، وفتح الأبواب على الدجالين والكذابين لترويج نبواتهم الباطلة ودعاويهم الكاذبة ، وإخراج المسلمين عن حظيرة الإسلام ، وإدخالهم في بؤرة الكفر والإرتداد ، وإبعادهم عن محمد الصادق المصدوق الأمين عليه الصلاة والسلام وعن شريعته السماوية السمحاء ، ونشر الفتن والقلاقل بينهم ، وفكّ جمعيتهم ، وتشتيت شملهم ، وتفريق كلمتهم ، وتمزيق جماعتهم ، والقضاء على شأنهم وشوكتهم ، وسدّ سيل النور كي لا يعمّ المعمورة ، ويشمل الكون ، ووضع العراقيل في طريقه ، مخالفين النصوص الصريحة المعارضة في كلام الله المحكم ، وحديث رسول الله الثابت عنه عليه الصلاة والسىلام مثل قوله جل وعلا:
وقوله تبارك وتعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِينًا} (4).
وقوله جلّ من قائل: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (5).
(1) انظر لذلك فرق الشيعة للنوبختي ص 70 وما بعد ، كذلك كتاب المقالات والفرق للأشعري القمي الشيعي ص 46 ، 54 ، 64 ، وأنظر كذلك كتب السنة من مقالات الإسلاميين للأشعري ، والفرق بين الفرق للبغدادي والملل والنحل للشهرستاني وغيرها.
(2)
انظر (الأحزاب المعارضة الدينية والسياسية في صدر الإسلام) لولهوزن ص 249 ترجمة عربية للبدوي.
(3)
الأحزاب 40.
(4)
المائدة 3.
(5)
سبأ 28.
وقوله: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} (1).
وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنا خاتم النبيين لا نبيّ بعدي)(2).
وقوله عليه الصلاة والسلام: إني آخر الأنبياء ومسجدي آخر المساجد) (3).
وقوله صلى الله عليه وسلم: (مثلي ومثل الأنبياء كمثل قصر أحسن بنيانه ، ترك منه موضع لبنة ، فطاف به النظار يتعجبون من حسن بنيانه إلا موضع تلك اللبنة ، فكنت أنا سددت موضع اللبنة ، ختم بي البنيان ، ختم بي الرسل)(4).
وغيرها من الأحاديث الكثيرة الكثيرة في هذا المعنى ولكن القوم يقولون عكس ذلك ، معرضين عن كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم ، متبعين غير سبيل المؤمنين ، فيقول شيخهم الأكبر متفوها الكفر الصريح:
(ويجمع النبوة كلها أم الكتاب ، ومفتاحها: بسم الله الرحمن الرحيم. فالنبوة سارية إلى يوم القيامة في الخلق. وإن كان التشريع قد انقطع ، فالتشريع جزء من أجزاء النبوة ، فإنه يستحيل أن ينقطع خبر الله وأخباره من العالم ، إذ لو انقطع لم يبق للعالم غذاء يتغذى به في بقاء وجوده: قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا ،: ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله ، وقد أخبر الله أنه ما من شيء يريد إيجاده إلا يقول له: كن ، فهذه كلمات الله لا تنقطع ، وهي النداء العام لجميع الموجودات. فهذا جزء واحد من أجزاء النبوة لا ينفد ، فأين أنت من باقي الأجزاء التي لها)(5).
فهذه هي عقيدة القوم بلسان قدّيسهم ، وفي فتوحاته التي يقولون فيها ، وفيه:
فتوحات شيخي غادة مدنية
…
كستها نفيسات العلوم ملابسا
فلا عجب لو تشتهيها نفوسنا
…
وأبحاثها أبدت إلينا نفائسا
فلله دّر الشيخ أكبر عصره
…
بأنفاسه لا زال يحيى المجالسا
(1) الأعراف 158.
(2)
أخرجه أبو داود والترمذي.
(3)
أخرجه مسلم.
(4)
متفق عليه.
(5)
الفتوحات المكية لابن عربي ج 2 ص 90.
وهذه العقيدة هي التي شجعت الكثيرين من المتنبئين والكذابين على الله أن يدّعو النبوة بعد محمد صلوات الله وسلامه عليه ، مثل الغلام القادياني الذي استشهد على تنبئه بكلام ابن عربي هذا (1) ، وغيره من الدجاجلة الآخرين ، مع تصريح رسول الله صلى الله عليه وسلم:(لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون دجالون ، كلهم يزعم أنه رسول الله ، وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي)(2).
ولكن ابن عربي يقول معاكسا لذلك في فتوحاته:
(ويتضمن هذا الباب المسائل التي لا يعلمها إلا الأكابر من عباد الله ، الذين هم في زمانهم بمنزلة الأنبياء في زمان النبوة ، وهي النبوة العامة.
فإن النبوة التي انقطعت بوجود رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما هي نبوة التشريع لا مقامها فلا شرع يكون ناسخا لشرعه صلى الله عليه وسلم ، ولا يزيد في حكمه شرعا آخر ، وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم: إن الرسالة والنبوة انقطعت ، فلا رسول بعدي ولا نبي ، أي لا نبيّ بعدي يكون على شرع يكون مخالفا لشرعي ، بل إذا كان ، يكون تحت حكم شريعتي
…
فهذا هو الذي انقطع وسدّ بابه ، لا مقام النبوة) (3).
فهل يقول المتنبئون الدجالون الكذابون غير هذا؟
فإنهم لا يلتقطون إلا من موائد الصوفية وخوانها ، ولا يستوحون إلا من أمثال شيخهم الأكبر.
ويقول ابن عربي كذلك مجيبا على سؤال الترمذي الملقب بالحكيم: أين مقام الأنبياء من مقام الأولياء؟ يجيب على هذا ويقول:
(وإن كان سؤاله عن مقام الأنبياء من الأولياء ، أي أنبياء الأولياء - وهي النبوة التي قلنا أنها لم تنقطع ، فإنها ليست نبوة الشرائع - وكذلك في السؤال عن مقام الرسل ، الذين هم أنبياء فلنقل في جوابه: أن أنبياء الأولياء ، مقامهم من الحضرات الإلهية الفردانية ، والاسم الإلهي الذي تعبدهم (هو) الفرد ، وهم المسمون الأفراد.
فهذا هو مقام نبوة الولاية ، لا نبوة الشرائع. وأما مقام الرسل ، الذين هم أنبياء فهم الذين لهم خصائص على ما تعبدوا به أتباعهم. كمحمد صلى الله عليه وسلم ، فيما قيل له: (خالصة
(1) انظر جريدة الحكم القاديانية الصادرة 10 ابريل 1930م المنقول من كتابنا (القاديانية دراسات وتحليل) ص 286 الطبعة العشرون ط إدارة ترجمان السنة باكستان.
(2)
رواه أبو داود والترمذي.
(3)
الفتوحات المكية لابن عربي ج 2 ص 3.
لك من دون المؤمنين) في النكاح بدون الهبة. فمن الرسل من لهم خصائص على أمتهم ومنهم من لا يختصه الله بشيء دون أمته.
وكذلك الأولياء: فيهم أنبياء ، أي خصوا بعلم لا يحصل إلا لنبي ، من العلم الإلهي. ويكون حكمهم من الله ، فيما أخبرهم به ، حكم الملائكة. ولهذا قال (تعالى) في نبي الشرائع:(ما لم تحط به خبرا) ، أي ما هو ذوقك ، يا موسى! مع كونه كليم الله. فخرق (الخضر) السفينة ، وقتل الغلام حكماً ، وأقام الجدار - مكارم خلق - عن حكم أمر الإلهي ، (هذا كله) كخسف البلاد على يدي جبريل ومن كان من الملائكة. ولهذا كان الأفراد من البشر بمنزلة المهيمن من الملائكة ، وأنبياؤهم منهم بمنزلة الرسل من الأنبياء) (1).
هذا ويقول الآخرون مثل ما قاله ابن عربي ، فيقول الفرغاني:
(أما الولاية فهي التصرف في الخلق بالحق ، وليست في الحقيقة إلا باطن النبوة ، لأن النبوة ظاهرة الأنباء ، وباطنها التصرف في النفوس بإجراء الأحكام عليها.
والنبوة مختومة من حيث الأنباء ، إذ لا نبيّ بعد محمد صلى الله عليه وسلم ، دائمة من حيث الولاية والتصرف) (2).
وأما السهروردي المقتول فيقول:
(إن اتفق في الوقت متوغل في التأله والبحث فله الرياسة ، وإن لم يتفق فالمتوغل في التأله المتوسط في البحث. وإن لم يتفق فالحكيم المتوغل في التأله عديم البحث ، وهو خليفة الله.
ولا تخلو الأرض من متوغل في التأله أبدا) (3).
فهذه هي عقيدة أخرى منافية للإسلام ومخالفة له ، ومعارضة لأسسه وقواعده ، مناقضة لشرعته وتعاليمه ، متبطنة الكفر أشد الكفر ، ومتضمنة الارتداد كل الارتداد ، مأخوذة من الشيعة واليهودية.
ومعروف أنهم لم يخترعوا هذه العقيدة ولم يختلقوها ليوصلوا المتصوفة إلى مقام النبوة ومكانتها كما وصّل الشيعة إليها أئمتهم ، فوصفوهم بجميع أوصاف النبوة ، واختصاصاتها ، ومن أهمها العصمة.
(1) الجواب المستقيم عما سأل عنه الترمذي الحكيم سؤال رقم 18 ص 167 ، 168 من كتاب ختم الأولياء.
(2)
المقدّمات للفرغاني مخطوط آيا صوفيا رقم 1898 نقلا عن ختم الأولياء للترمذي ص 487 ط بيروت.
(3)
مجموعة في الحكمة المشرقية للسهر وردي ص 23 ، 24.