الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكاتب: أحمد كمال
ال
مقارنة بين
اللغة المصرية القديمة واللغة العربية [*]
(4)
الكلمات المبدوءة بهذا الحرف، وهو نسر يقرأ ألفًا، أو كسرة، أو همزة، أو
واوًا، وهذا الأخير نادر.
أبَّ - أبًّا وأبابَةً وأبابًا: اشتاق إلى الشيء، قالوا:(أبَّ لُبِّي لمئك) أي
اشتاق قلبي إلى رؤيتك (قرطاس رند لوحة 12 سطر 22) ومنها
أبابة - قصد.
أبخَ - يقابلها في العربية عبق؛ لأن الخاء تنوب عن القاف والكاف،
فيقولون خَبٌّ، وكَبٌّ لكف اليد: عبق المكان بالطيب انتشرت رائحته فيه، فيقال
في المصرية (أبَخَ شمَّاماتها) أي عبق وانتشر كل ما يشم من الروائح الطيبة،
عبق به: لزق، وقالوا:(عبق المعبود منتو في حذتك) أي لحمك، و (عبقت
المشاة بالمشاة) أي التصقت والتحمت (عن حجر الملك يعنخي الزنجي) وعبق
بالمكان: أقام، نحو قولهم:(عبق الأرضان في عيشة الملك السليمة) أي بقي
القُطران وهما الوجه القبلي والبحري في عيشة راضية.
أبَخَ - يقابلها في العربية أبَقَ: هرب، قالوا:(تأْبَقُ مُطَوَّل الرِّتْوَة) أي تأبق
حال كونك مطولاً الخطوة في سيرك (عن نقوش الملك تيتي) .
آبدة - ج أوابد، وهي الطير المقيمة بأرض شتاها وصيفها، يكثر ذكرها في
النصوص المصرية، ولا سيما فيما كان على صفائح القبور، ومنه قولهم (آبدة
دئيصة) أي سمينة، و (آبدة مائية) والأثريون يصرفونها إلى جماعة الطير، إذ
وجد بجانبها رسم طيور متنوعة اتباعًا لقاعدة الخط عندهم؛ لأن كل اسم جنس
يرسم بعده بعض أنواعه للدلالة عليه، مثال ذلك كلمة حَمْس - وأصلها في
المصرية حمت؛ لأن التاء تنوب عن السين - واحدته خَمْسة اسم لدواب البحر،
فتراهم يرسمون بعده ثلاث سمكات متنوعة، كما أنهم يرسمون بعد كلمة " أعضاء "
بعض أجزاء الجسم، وبعد كلمة (كراع) - وهو السلاح في اللغتين - بعض أنواع
الأسلحة، وهلم جرّا.
آبي - قيل عنه في كتب اللغة العربية إنه اسم للأسد، وصوابه النمر؛
لوجود صورة هذا الحيوان مرسومة بعد الكلمة في النصوص المصرية.
أتا - عتا عتوًّا: استكبر وجاوز الحد.
أتَّ - وبالعربية أثَّ أثاثًا وأثوثًا وأثاثة: التفّ، وكثر، ويقال لها بالقبطية
أتا.
أتف - وبالعربية عطاف ج عُطُف وأعطفة: السيف (عن العدد 1377)
من الجزء الأول من كتاب الجغرافية) .
أجاب - وبالقبطية أجب - وجب وجوبًا: سقط ومات، وأصل الوجوب
السقوط والوقوع، والوجبة السقطة.
أجاب - إجابة وجاب جوابًا: رد الجواب (عن لوح قبر موجود في متحف
مدينة مِتّرنيخ) .
أجر - وأجراء وأجرية واحده جرو - وهو ولد الكلب.
إجَّانة - ج أجاجين هو مركن من خشب، ومنه قولهم (إجانة ماء تخمد اللوب)
أي الظمأ (عن قرطاس بريس اللوحة 1 والسطر 5) .
آخ أش - مقلوبة ومحرفة عن شيء بالعربية (عن قاموس بروكش الجزء
11 والصفحة 117 والجزء الخامس الصفحة 12) وفي الغالب يقولون: خ - أو
- ش بالإمالة بمعنى شيء.
آخَ - وفي العربية آق عليهم أوْقًا: أتاهم بالشؤم، فيقولون مَعَتْ (أي العدل)
يؤخ عليك لو مشى عن سأوه [1] والمعنى: لو حاد العدل عن وطنه لآق عليك، أي
لأتاك بالشؤم (عن شكاية الفلاح الصحيفة 92) .
أخط - وفي العربية خطا خطوًا واختطى (عن قرطاس في متحف فينا) .
أخط - ويقابله في العربية خطَّ خطًّا: رسم، وخط: كتب، ويقال بالمصرية
خَطَّ أيضًا، وهو الأكثر في آثارهم [2] .
أخُف - قفية: طعام، ومثلها كفية ج كفى.
أدأبهُ - لغة في أتابهُ: أغضبه (عن ورقة بريس اللوحة 6 والسطر
1) .
أدَّ - الرجل في الأرض أدًّا: ذهب وسار سيرًا شديدًا (عن رحلة
أسنوهيت الصحيفة 44) .
أذا - إيذاء: أضر (عن ورقة بريس اللوحة 6 والسطر 1) .
أرُ - ألُو: البعيدة المرعى، ويقال إنها عين واحد العِلّيين، وهو اسم لأعلى
الجنة، وفي المصرية تُكتب بالراء وباللام (عن نقوش هرم أناس السطر
588) .
أرجا - أرجاء جمع رجا، وهو الجانب والناحية، وبالقبطية أفريجو
(راجع قاموس بيّره الصحيفة 3 نقلاً عن كتاب بريس) .
أرض - ج أرضون وأروض وأراضٍ
أرّف - (وتكتب عند المصريين بالعين أيضًا؛ لأن الألف عندهم تنوب عن
العين) عَرّف يقال أرَّف الحبل أي عقده، ويقرب منها في العربية أرَّب العقدة:
شدها لأن الباء تنوب عن الفاء، ويقابلها في القبطية أَرْفٌ أرب (عن نقوش
منتوحُيتِب.
أراق - وريَّق: أسال وأهرق.
أسد - ويقابلها في العربية زأد - فهي مقلوبة وسينها زاي - زأدًا وزؤدًا:
أفزع (عن نقوش هرم أناس السطر 379)، ويقابلها في اللغتين شَئف وجأف:
خاف، هاد في الشيء هيدا أفزع وأكرب، وحذر: أرهب كلها ألفاظ عربية
ومصرية.
أسْ - هي مقلوب ساء سأوا: عدا، وسأي يسأي سأيًا: عدا في المشي
(عن نقوش هرم بيبي السطر 296) .
أسَّ - أسًّا: سلح (عن قرطاس برلين الطبي 19، 2) وسلَحَ أيضًا كلمة
مصرية وعربية كألفاظ أخرى بمعناها.
أَسِىٌّ -: خرثي الدار أي متاعه (عن نقوش إدفو) .
آشى - أوشى المكان: ظهر فيه وشيٌ من النبات.
أشى - وبالعربية عشا وعسى الليل: أظلم وأغشى يغشي: أظلم.
أصِبَ - وبالعربية عَصِبَ عصْبًا: احمرّ في النار (عن كتاب الموتى) .
أطاب - للضيف إطابة: قدم له طعامًا طيبًا (قاموس ليفي الجزء 8 ص12) .
إطلٌ - وإطالٌ. وأيطل: الخاصرة، الجنب، قال امرؤ القيس في وصف ناقته
لها أيطلا ظبي وساقا نعامة
أفا - مقصور، وبالعربية فاء فيئًا: أخذ الغنيمة، واغتنمها (عن جريدة
السيتشرفت لسنة 1872 ص25) .
أفت - أبت الشمس، وآفت لغة في غابت (عن قاموس بروكش الجزء 1 ص
7)
أف - أوفًا: أضر وأفسد.
أفيَه - كثير الأكل، وبالعربية فَيِّه وفُيَّهَةٌ، والفوه النهم الذي لا يشبع،
واستفاه الرجل اشتد أكله بعد قلة يستفيه في الطعام والشراب (راجع قرطاس بريس
اللوح 1ص8) .
أَقح - وبالعربية أوكح: حفر (عن قرطاس إيرس الطبي عدد 2) .
اكهى - حجر لا صدع فيه.
أقس - عكس، قُلبت عينه همزة، وفُخمت كافه فصارت قافًا، يقال بالعربية
عكس البعير إذا شد حبلاً في خطمه إلى رسغ يده لينزل وعكس الخيل أقذعها (عن تابوت سيتي المحفوظ بمتحف لندرة) .
أقّ - عجّ، يقال عجت المرأة صبيها عجًّا لغة في عجته عجوًا، أي أسقته
اللبن، ورسم بعد الكلمة امرأة تُرْضِع ابنها.
أكَنَّ - الشيء وكنه كنًّا وكنُونا وكننه: ستره في كنه وغطاه وأخفاه وصانه،
واكتنى: استتر (عن نقوش الملك بيبي الأول السطر 146) ومنها الكِنّ، وجمعه
أكنان وأكنة.
أكَّ -: ضاق صدره، ومنه قولهم (أك لبُّه وخسّ حُزَّه) أي ضاق صدره،
ونقص لحمه (عن ورقة بريس اللوحة 8 والسطر 12)
ألب - ولبَّ لبًّا أقام (عن ص43 من رحلة سنوهيت لماسبرو) .
ألَّقَ - وتألق: لمع، وفي المصرية تكتب بالراء أيضًا (عن جريدة مجموعة
أعمال العاديات جزء 5 صحيفة 94) .
ألكِةً - وبالقبطية أليكو، وبالعربية عُلَّيْقٌ عُلَّيقَى: نبت يتعلق بالشجر
(عن القرطاس الثاني السحري) .
ألَّ - ألَّة ألاًّ: طعنه بالألة أي الحربة، عن قرطاس أسوريس بمتحف فينا)
أمَأ- (بين القوم) : أفسد، مقلوب مأى مأيًا ومأوًا (واوي يائي بالعربية)
(عن رحلة سنوهيت السطر 1 من الصفحة 2 لماسبرو) .
أمرَّ - الشيء: شده بالمِرار، وهو الحبل، وبالقبطية مُوز.
أماه - ماه الشيء وأماهه: خلطه، كلمة تُذْكَر كثيرًا في قراطيس الطب
القديمة فيقولون: (يُنْخَز ويماه في المروخ) أي يصحن في الهاون [3] .
أمِي - عمي يعمى: ذهب بصره كله من عينيه، قلبت العين همزة.
أنأى - إناء أبعد (عن القرطاس السحري السطر 7 من ظهره) .
أنأى ونأى وانتأى - حفر أو عمل النؤيا أي الحفرة (عن نقوش مقبرة في
الكاب) .
أهَد - وفي العربية هود تهويدًا: رجع الصوت في لين، وغنّى (عن تتمة
قاموس ليفي ج2) .
أهَد - وفي العربية هدَّ البناء هدًّا وهدودًا هدمه: ويقال هدته المصيبة أي
أوهنت ركنه (عن كتاب نافيل في إبادة الجنس البشري بالشمس) .
أهط - وهط وفي العربية وَهط: الأرض المطمئنة التي تزرع (عن نقوش
معبد دندرة)
أهَّ - أهًّا وآهَةً: توجّع (عن نقوش دندرة وقرطاس بريس - السطر 1 من
اللوح 15) .
أوقم - وقم الرجل ووكمه: قهره وأذله، وحزنه أشد الحزن فهو موقوم،
ووكم له: اغتم وجزع (عن جريدة السيشر فت لسنة 1878 الصفحة 49) ومنه
قولهم (أقوال موكمة لاختلال سخت)[4]
آوى (المنزل أو إلى المنزل) وغيره أويًّا نزل به، ولجأ إليه، وتأوّى اجتمع عن
قرطاس برلين اللوح 15 / 16) .
إي حرف جواب بمعنى نعم (يقع قبل القَسَم في العربية) ويقابله في اللغة العامية
(إيوَ) .
أيَا - تأيّا (المتعدي بعلى) : انصرف في تُؤَدة (عن نقوش الملك مر نرع
السطر
748) .
أيِّل - وأيَّلٌ: الأيِّل (وبالقبطية إيول) ، وهو الحيوان المعروف الذي يشبه الوَعْل
((يتبع بمقال تالٍ))
_________
(*) مختارات من معجم أحمد كمال بك الأثري المصري للغة المصرية القديمة فيما وافقت فيه اللغة العربية بالنص، أو بضرب من القلب والإبدال، فالكلمة الأولى من هذه الكلم المرتبة على حروف المعجم هي المستعملة في النصوص المصرية القديمة مما هو عربي، فإن كان فيه قلب أو إبدال يذكر بعده الأصل العربي، وما بعد النقطتين هكذا: تفسير لما قبلهما.
(1)
المنار: في هذه الجملة المصرية ثلاث كلمات عربية، وهي يؤخ المحرف عن يؤق ومشى والسأو وهو الوطن.
(2)
علم من هذه الأمثلة، ومما سيأتي أن معتل العين أو اللام، وكذا الفاء، أو المضاعف بالعربية يقلب حرف العلة، أو المضاعفة فيه بالمصرية همزة، وينقل إلى الفاء إنْ لم يكن هو الفاء.
(3)
نحز الشيء دقه بالمنحاز، وهو الهاون، والمروخ (كصبور) ما يمرخ به البدن من دهن وغيره.
(4)
سخت معبودة من معبوداتهم.
الكاتب: القاسمي
الخطب الدينية
اشتغالنا بانتقادها وإصلاحها:
قد كان مما وفقنا الله تعالى له في أثناء الاشتغال بطلب العلم انتقاد خطباء
المساجد، ودواوينهم التي يحفظون خطبها، ويقرءونها على المنابر غيبًا، أو في
الأوراق المخطوطة أو المطبوعة؛ فإن كل هذه الخطب أو جلها في ذم الدنيا،
والتزهيد فيها، والتذكير بالموت، ومدح الشهور والمواسم حتى المبتدعة منها،
وأكثر ما فيها من الأحاديث ضعيف أو موضوع، وقد عقدت في كتاب (الحكمة
الشرعية) الذي ألفته في ذلك العهد فصلاً طويلاً في الخطابة، بينت فيه حكمتها،
ومنفعتها، وكيفية تحصيل ملكة الارتجال فيها، وما ينبغي أن تشتمل عليه الخطب
الدينية في المساجد، وأنشأت عدة خطب خرجت فيها من المضيق الذي حبس
خطباؤنا فيه أنفسهم، واخترت لأحد الخطباء أحاديث صحيحة وحسنة لديوان أنشأه
عزوتها إلى مخرجيها، فكان أول خطيب سمعناه في بلادنا يلتزم الأحاديث
الصحيحة والحسنة في خطبه معزوة إلى مخرجيها، على أن التزام الأحاديث في
آخر الخطبة غير واجب ولا مسنون، بل هو عادة ينبغي تركها أحيانًا لئلا يظن أنها
مشروعة فيكون الالتزام من البدع التي سماها صاحب الاعتصام البدع الإضافية.
ثم إننا بعد إنشاء المنار نوهنا فيه بهذه المسألة مرارًا، واتفق لنا أن خطبنا في
بعض المساجد خطبًا مرتجلة، مناسبة لحال عصرنا، موافقة لما كان عليه سلفنا
الصالح، فكان هذا وذلك باعثًا لكثير من محبي الإصلاح على مطالبتنا بإنشاء
خطب إصلاحية تُنْشَر في المنار، عسى أن يقتبسها، أو يقتبس منها الخطباء، فلم
نجبهم إلى ذلك؛ لاعتقادنا أن الغرض منه لا يتم إلا إذا جاء من جانب السلطة
الرسمية.
مثال ذلك أننا أنشأنا خطبة في الاقتصاد في المال، وقضاء الدين اقترحها
علينا الشيخ علي يوسف، وأخذها منا، ثم علمنا أنها نُشِرَت في القطر بأمر
الحكومة بعد استحسان شيخ الأزهر، وإجازته.
وكنا قد مهدنا السبيل إلى مثل ذلك في ديوان الأوقاف؛ ولكن علمنا أنه لا ينفذ
إلا إذا اقتنع به الأمير، وأحب تنفيذه، فكنا ننتظر الفرصة لعرض ذلك عليه،
وإقناعه به ولم تسنح لنا، ثم شرعنا فيما هو خير من ذلك إصلاحًا، وهو مدرسة
الدعوة والإرشاد التي يتربى فيها الخطباء المرتجلون، ولا نزال نعاني في هذه
السبيل من تمهيد العقبات، ومكافحة الحساد، وأعداء الإصلاح، ما نرجو أن
ينتصر فيه الحق على الباطل، والإخلاص على النفاق.
***
ديوان خطب المصلح القاسمي
اطلعنا في هذه الأيام على ديوان خطب عالم الشام صديقنا المرحوم الشيخ
جمال الدين القاسمي تغمده الله برحمته، وكان أُهْدِيَ إلينا مطبوعًا منذ أعوام، فلم
يتح لنا التأمل فيه، فرأيناه أفضل ما نُشِر من دواوين الخطب، بخلوه من البدع
والخرافات، ومن الأحاديث الواهية والموضوعات، واشتماله على الموعظة
الحسنة التي يحتاج الناس إليها في جميع الأوقات، ولو كان للخطابة والتأليف حرية
في بلاد الشام أيام إنشائه رحمه الله تعالى لتلك الخطب لَأودعها كثيرًا من المسائل
الاجتماعية والأدبية التي اشتدت الحاجة إليها في هذا العصر، وقد رأينا أن نقتبس
بعض مقدمات هذا الديوان النفيس وخطبه فيما يلي فهاكها بنصها:
المقدمة الأولى في الهدي النبوي في الخطبة:
قال الإمام ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد في هدي خير العباد في هديه
صلى الله عليه وسلم في خطبه: كان صلوات الله عليه إذا خطب احمرت عيناه،
وعلا صوته، واشتد غضبه؛ حتى كأنه منذر جيش، وكان يقصر الخطبة،
ويطيل الصلاة، ويكثر ويقصد الكلمات الجوامع، وكان يعلم أصحابه - في خطبته-
قواعد الإسلام وشرائعه، ويأمرهم وينهاهم في خطبته إذا عرض له أمر أو نهي،
وكان يأمرهم بمقتضى الحال في خطبته، فإذا رأى منهم ذا فاقة وحاجة أمرهم
بالصدقة، وحضهم عليها، وكان يمهل يوم الجمعة حتى يجتمع الناس، فإذا
اجتمعوا خرج إليهم، فإذا دخل المسجد سلم عليهم، فإذا صعد المنبر استقبل الناس
بوجهه وسلم عليهم، ثم يجلس ويأخذ بلال رضي الله عنه في الأذان، فإن فرغ منه
قام النبي صلى الله عليه وسلم فخطب، وكان في الجمعة يعتمد على عصا أو
قوس، وكان منبره صلوات الله عليه ثلاث درجات، وكان يأمر الناس بالدنو منه،
ويأمرهم بالإنصات، وكان صلى الله عليه وسلم إذا صلى الجمعة دخل إلى منزله
فصلى ركعتين، وفي رواية كان إذا صلى في المسجد صلى أربعًا، وإن صلى في
بيته صلى ركعتين. انتهى ملخصًا.
الثانية في سنن الخطبة:
قال الإمام النووي في الروضة في سنن الخطبة: منها أن تكون على منبر،
والسنة أن يكون المنبر على يمين الموضع الذي يصلي فيه الإمام، ويكره المنبر
الكبير الذي يضيق على المصلين إذا لم يكن المسجد متسع الخِطة، فإن لم يكن منبر
خطب على موضع مرتفع، ومنها أن يُسَلِّم على من عند المنبر إذا انتهى إليه،
ومنها إذا بلغ في صعوده الدرجة التي تلي موضع القعود أقبل على الناس بوجهه،
وسَلَّم عليهم، ومنها أن يجلس بعد السلام، ومنها أنه إذا جلس اشتغل المؤذن
بالأذان، ويديم الجلوس إلى فراغ المؤذن، ومنها أن تكون الخطبة بليغة غير مؤلفة
من الكلمات المبتذلة، ولا من الكلمات الوحشية، بل قريبة من الإفهام، ومنها أن لا
يطولها، ولا يمحقها، بل تكون متوسطة، ومنها أن يستدبر القبلة، ويستقبل الناس
في خطبتيه، ولا يلتفت يمينًا، ولا شمالاً، ومنها أنه يُستحب أن يكون جلوسه بين
الخطبتين قد سورة الإخلاص، ومنها أن يعتمد على عصا أو نحوه، ومنها أنه
ينبغي للقوم أن يقبلوا على الخطيب مستمعين لا يشتغلون بشيء آخر، حتى يكره
الشرب للتلذذ، ولا بأس به للعطش لا للخطيب، ولا للقوم ومنها أن يأخذ في
النزول بعد الفراغ، ويأخذ المؤذن في الإقامة، ويبتدر ليبلغ المحراب مع فراغ
المقيم. اهـ.
الثالثة فيما يكره في الخطبة وفروع أخرى:
قال الإمام النووي رحمه الله في الروضة، يُكْرَه في الخطبة أمور
ابتدعها الجهلة، منها التفاتهم في الخطبة الثانية، والدق على درج المنبر في
صعوده، والدعاء إذا انتهى صعوده قبل أن يجلس، ومنها مبالغتهم في الإسراع في
الخطبة الثانية، ويستحب إذا كان المنبر واسعًا أن يقوم على يمينه، ويُكْرَه للخطيب
أن يشير بيده، ويُسْتَحب أن يختم الخطبة بقوله: أستغفر الله لي ولكم، وذكر
بعضهم أن يستحب للخطيب إذا وصل المنبر أن يصلي تحية المسجد، ثم يصعد،
وهو قول غريب وشاذ مردود، فإنه خلاف ظاهر المنقول عن فعل رسول الله -
صلى الله عليه وسلم، والخلفاء الراشدين فمن بعدهم، ولو أغمي على الخطيب
فهل يبني غيره على خطبته، أو يستأنفها؟ قولان. اهـ. ملخصًا.
ويُكْرَه أن يتخطى المصلي رقاب الناس لما فيه من سوء الأدب، والأذى،
ويحرم الكلام في الخطبتين والإمام يخطب، وله الصلاة على النبي - صلى الله
عليه وسلم - إذا سمعها، ويسن سرًّا، ويجوز تأمينه على الدعاء، ورفع الصوت
قدام بعض الخطباء مكروه اتفاقًا كذا في الإقناع [1] .
الرابعة (حكم تعدد الجمعة) :
الحاجة في هذه البلاد في هذه الأوقات تدعو إلى أكثر من جمعة، إذ ليس
للناس جامع واحد يسعهم، ولا يمكنهم جمعة واحدة أصلاً، إلا أن خروجها إلى حد
أن لا فرق بينها وبين بقية الصلوات في كثير من المساجد الصغيرة التي لم تشيد
لمثلها قد هوَّل فيه السبكي في فتاويه؛ لأنه مما تأباه مشروعيتها وما مضى عليه
عمل القرون الثلاثة، بل وتسميتها جمعة؛ فإن صيغة فُعُلة في اللغة للمبالغة،
وبالجملة فالجوامع الكبار التي تؤمها الأفواج يوم الجمعة، ويحتاج لإقامتها فيها
حاجة بينة لمجاوريها، هي التي لا خلاف في جوازها مهما تعددت، والتي لا تعاد
الظهر بعدها، كما أشار له العلامة البجيرمي رحمه الله تعالى، وقد بسطناه في
كتابنا (إصلاح المساجد من البدع والعوائد)
الخامسة: ما يُسن يوم الجُمُعة:
يسن تنظيف يوم الجمعة، وتطيب ولبس أحسن الثياب، وإكثار الصلاة على
النبي صلى الله عليه وسلم ليذكر الرحمة ببعثته، والفضل بهدايته، والمِنَّة
باقتفاء هديه وسنته، والصلاح الأعظم برسالته، والجهاد للحق بسيرته، ومكارم
الأخلاق بحكمته، وسعادة الدارين بدعوته، صلى الله عليه وعلى آله ما ذاق عارف
سر شريعته، وأشرق ضياء الحق على بصيرته، فسعد في دنياه وآخرته. آمين.
***
طلائع الخطب النبوية
(1)
إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات
أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يُضْلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا
الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله رواه الإمام أحمد، ومسلم، عن
ابن عباس.
(2)
الحمد لله نستعينه ونستغفره، ونستهديه ونستنصره، ونعوذ بالله من شرور
أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له،
وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، من يطع الله ورسوله فقد
رشد، ومن يعصْ الله ورسوله فقد غوى، حتى يفيء إلى أمر الله رواه الشافعي،
والبيهقي، عن ابن عباس.
(3)
إن الحمد لله نستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، من يهد الله
فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا
عبده ورسوله، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ
كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} (النساء: 1) ، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا
تَمُوتُنَّ إِلَاّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} (آل عمران: 102) ، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ
وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ
فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} (الأحزاب: 70-71) رواه الإمام أحمد، والترمذي عن ابن
مسعود.
((يتبع بمقال تالٍ))
_________
(1)
المنار: لأهل هذا العصر بدع ومنكرات أخرى كثيرة قبل الخطبة، وبعدها، وفي أثنائها، بعضها من البدع الحقيقية، وبعضها من الإضافية، فمنها التزام ذكر الخطباء الملوك والسلاطين في الخطبة الثانية بالتعظيم، ورفع المؤذنين أصواتهم بالدعاء لهم، وإطالتهم في ذلك، والخطيب مسترسل في خطبته، وفي ذلك منكرات مبتدعة، ومنها أن بعض الحاضرين يقومون في أثناء الخطبة الثانية فيصلون، ومنها الدعاء برفع الأيدي بين الخطبتين، والاستمرار على ذلك بعد شروع الخطيب في الخطبة الثانية، ومنها صياح بعضهم في أثناء الخطبة باسم الله، أو أسماء بعض الصالحين، ومنها المصافحة عقب السلام من الصلاة إلى غير ذلك.