الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كلمة: معالي الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي
الأستاذ / سيد شريف الدين بيرزاده
الحمد لله رب العالمين. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
بعد شكر المنعم الحميد المجيد على ما أولى، واستمناحه التوفيق والتسديد فيما دعا إليه وهدى، يشرفني أن أقدم للأمة الإسلامية جمعاء الثمرة الأولى من أعمال مجمع الفقه الإسلامي الذي كان وليد قرار القمة الثالثة لمؤتمر الملوك والرؤساء للعالم الإسلامي، والذي يترجم عن اهتمام قادة هذه الأمة بمختلف قضايا المسلمين، وعن حرصهم على دراستها حسب المنهج القويم الذي يعتمد الاجتهاد الجماعي، ويرتكز على البحث والنظر ومراعاة الأصلح والأقوم والسير في طلب الحلول الناجحة الإسلامية العملية على أساس من روح الشريعة ومقاصدها، ووفق مصدريها الأساسيين: كتاب الله الكريم والسنة النبوية الشريفة.
وإنه ليسعدني في المحل الأول أن أرفع هذه الثمرة دانية قطوفها لواضع اللبنة الأولى لهذا المجمع وراعيه حضرة صاحب الجلالة الملك المعظم فهد بن عبد العزيز الذي تولى في المؤتمر التأسيسي لهذا المجمع تحديد هدفه وبيان وظيفته في كلمته الخالدة حيث قال:
(إن الدعوة إلى إنشاء مجمع عالمي للفقه الإسلامي تشكل ضرورة حتمية في هذه المرحلة من مراحل تطور الأمة الإسلامية، حيث تجد فيها الإجابة الإسلامية الأصلية لكل سؤال تطرحه أمامها تحديات الحياة المعاصرة من أجل إسعاد البشرية عامة والمسلمين خاصة، وذلك يقتضي حشد جهود فقهاء وعلماء وحكماء ومفكري العالم الإسلامي للإجابة على الأسئلة التي تطرحها تحديات العصر من واقع شريعتنا السمحة لأنه لا فلاح لنا إلا بالتمسك بها والتزام حكمها {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} . [المائدة: 50]
وإني لأنوه هنا بالجهود العظيمة التي يضطلع بها المجمع. وبما تعاقب لديه وتوافر من أعمال ودراسات وبحوث ومناقشات وآراء وقرارات في الدورة التأسيسية والدورتين العلميتين الأولى والثانية، وفي اجتماعات مكتب المجلس وشعبه على انفراد ومجتمعة، وأرجو له من الله حسن الأيد وكمال العون ، لمجلسه وشعبه بلوغ القصد في خدمة الملة وهداية الأمة وتنويرها وتبصيرها معالم الطريق باتباع المحجة البيضاء التي ليلها كنهارها، كما أرجو أن تتاح له من الإمكانات ما يعينه على القيام بمشاريعه الطموحة العلمية، وعلى النهوض بالفقه الإسلامي بحثاُ ونظراً وتجريحاً واستنباطاً واجتهاداً فيساير تطورات الزمان ويواكبها، ويعالج ما جد ويجد من قضايا العصر في مختلف البلاد وفي كل مجالات الحياة.
والله الموفق إلى سواء السبيل، وبه الاعتداد، وعليه التكلان، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
أيها الإخوة أعضاء المؤتمر:
إننا نشهد في وقتنا هذا أجزاء من جسد الأمة الإسلامية في فلسطين والأراضي العربية المحتلة وأفغانستان وهي تئن تحت وطأة الظلم والبغي والعدوان، كما أن مقدساتنا في القدس يدنسها الغاصب المحتل الذي سفك الدماء، واستحل الحرمات وشرد الملايين من إخواننا المسلمين، إن ما أصاب الأمة الإسلامية من ضعف ووهن ما كان يصيبها لو أنها تمسكت بهدي كتابها الكريم وسنة نبيها الهادي الأمين، لكن الابتعاد عن صعيد الإسلام كان العامل الأول والفاعل المؤثر لما تقاسي منه أمة الإسلام اليوم من تحديات شرسة من جانب أعدائها الذي يعملون باستمرار وإصرار على انتزاع الأمة الإسلامية من أحضان عقيدتها، لأن الخصوم يدركون أن لا قوة للمسلمين إلا بتمسكهم بمعطيات هذه العقيدة. إن عدم التمسك بالعقيدة هو مصدر الخطر الذي يتهدد اليوم ديار الإسلام ويحيط بأمة محمد صلى الله عليه وسلم.
وإنني أعتقد أن البداية السليمة لبناء وحدتنا تتمثل في نبذ الخلافات بين المسلمين وتصفيتها بروح الأخوة الإسلامية عملاً بقوله تعالى {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103] وقوله تعالى: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} . [الأنفال: 46] كما أن البداية الحقيقية لقوتنا تعتمد على قدرتنا على مواجهة المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية العالمية بحلول إسلامية مستلهمة من روح الشريعة السمحة ومتجاوبة مع احتياجات العصر.
أيها الإخوة الكرام:
قبل أكثر من نصف قرن تمت الدعوة لعقد أول مؤتمر اسلامي لبحث أمور الأمة والتشاور فيما يحقق مصالحها وذلك على أثر توحيد هذه البلاد تحت راية التوحيد بقيادة الملك الراحل عبد العزيز طيب الله ثراه. ثم تتابعت الجهود إلى أن تم إنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي وانطلقت في بلاد المسلمين صحوة إسلامية مباركة تستهدف الرجوع إلى الإسلام: إلى تعاليم القرآن الكريم وهدي السنة الشريفة. لقد أعادت الصحوة إلى كل مسلم اعتزازه بدينه الحنيف. وانتماءه الحضاري المشرف، وماضيه المشرق المجيد.
إن هذه الصحوة تعبر عن نفسها بأشكال تختلف باختلاف المجتمعات الإسلامية، ولكن مضمونها الأساسي واحد وهو الاقتناع بضرورة إيجاد حلول إسلامية لمشكلات العصر. إن بعض النظم الأخرى قد تستطيع إيجاد بعض الحلول لبعض المشكلات في بعض الأحيان، ولكن قيمة عقيدتنا الإسلامية ليست في كونها تمدنا بالحلول الشاملة فحسب، وإنما قيمتها في أنها تقدم لنا هذه الحلول وتقدم معها أيضاً القوة الكفيلة بتحقيقها وحمايتها. ونحن نرجو أن يواكب الفكر الإسلامي هذه الصحوة لضبط حركتها على حكم الله في كافة المجالات.
إننا نلحظ أن تفرق المسلمين قد أدى إلى تورع العلماء عن مواجهة ما جد من مشكلات الحياة برأي يجتمع عليه علماء المسلمين. واليوم ترون - أيها الإخوة – كثرة الأحداث وكثرة السؤال، وقد تراكمت المشكلات، ورغم وفرة العلماء والفقهاء المجتهدين في كل زمان ومكان إلا أن الخطب جلل والمسئولية أمام الله أكبر من اجتهاد إنسان فرد فيما يجد من الحوادث حتى يدعم هذا الاجتهاد قبول العلماء بعد استقصاء البحث والنظر في الفقه القديم والجديد. وفي هذا الصدد فإن الدعوة لإنشاء مجمع عالمي للفقه الإسلامي تشكل ضرورة حتمية في هذه المرحلة من مراحل تطور الأمة الإسلامية حيث تجد فيها الإجابة الإسلامية الأصيلة لكل سؤال تطرحه أمامها تحديات الحياة المعاصرة من أجل إسعاد البشرية عامة والمسلمين خاصة وذلك يقتضي حشد جهود فقهاء وعلماء وحكماء ومفكري العالم الإسلامي للإجابة على الأسئلة التي تطرحها تحديات هذا العصر من واقع شريعتنا السمحة لأنه لا فلاح لنا إلا بالتمسك بها والتزام حكمها {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} . [المائدة: 50]
إن بيان حكم الله ووجوب الخضوع له حكاماً ومحكومين سوف يؤدي إلى حقن الدماء وحفظ الأموال وصيانة الأعراض، كما أن بيان حكم الله سوف يجعل المسلمين دعاة رحمة وأمن ولسوف يوجه جهودهم ضد عدوهم في وقت تتداعي فيه الأمم على حضارتنا وتراثنا وأمتنا.
إن روح التعصب أبعد شيء عن الإسلام، إذ أن التعصب من مثارات البغضاء، ومن أسباب التفرق والتمزق الفكري، وقد حرم الله علينا ما يثير البغضاء والعداوة بين المسلمين. والحقيقة أن التعصب لا معنى له في الإسلام. لأن المسلم إنما يلزم بحكم الله، والعبرة في استظهار الحكم بدليله من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم طبقاً لضوابط الاستنباط وأصوله الشرعية التي يعرفها العلماء والفقهاء.
ولقد التزمت المملكة العربية السعودية هذه الروح في تنظيمها القضائي اقتداء بالسلف الصالح من أئمة المسلمين، وصدرت بذلك تعليمات محددة من جلالة المغفور له الملك عبد العزيز تقضي بأن المسائل الخلافية بين المذاهب الإسلامية المعتمدة يوحد الحكم فيها بقرار يصدر من هيئة علمية وفقاً لأقوى المذاهب دليلاً من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وإننا – أيها الإخوة الكرام - لمطالبون جميعاً بالعمل على توحيد الأحكام في البلاد الإسلامية في كل شئون الحياة على مقتضى أحكام الشريعة الإسلامية، فذلك هو السبيل الأوحد لتحقيق الوحدة الإسلامية بين الشعوب المسلمة.
وإننا لنعلم أن المهمة شاقة وأن الأمانة ثقيلة ولكن الأمل فيكم كبير.
فسيروا على بركة الله، واحملوا أمانتكم. واستمدوا العون من الله.
وإنني أحمد الله الذي أسعدني بأن أشهد اجتماعكم في هذا اليوم الذي تحقق فيه أمنية غالية طالما تمنيناها ويتمناها كل مسلم صادق الإيمان.
وفي الختام أتوجه إلى الله العلي القدير ومن جوار بيته العتيق بالدعاء أن يرزق الجميع الفقه في دينه والعمل بشريعته وأن يكون مستقبل أمتنا الإسلامية خيراً من حاضرها، وأن يلهمنا سبيل الصواب وطريق الرشاد وألا يزيغ قلوبنا بعد إذا هدانا إنه سميع مجيب. والله الهادي إلى سواء السبيل.
وفقكم الله وسدد خطاكم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.