الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كشف المرأة وجهها في غير المحارم
…
فضيلة الشيخ: نعلم أن كشف المرأة لوجهها أمام الأجانب لا يجوز، لكن ما هو جوابكم ـ حفظكم الله ـ على حديث العروسة التي قدمت لخطيبها مشروبا كاشفة عن وجهها بحضور النبي صلى الله عليه وسلم مع العلم بأن الحديث في صحيح مسلم؟
هذا الحديث وأمثاله مما ظاهره أن نساء الصحابة رضى الله عنهن يكشفن وجوههن ينزل على ما قبل الحجاب، لأن الآيات الدالة على وجوب الحجاب للمرأة كانت متأخرة في السنة السادسة للهجرة، وكان النساء قبل ذلك لا يجب عليهن ستر وجوههن وأيديهن، فكل النصوص التي ظاهرها جواز الكشف عند الأجانب محمولة على ما قبل نزول الحجاب.
ولكن قد ترد أحاديث فيها ما يدل على أنها بعد الحجاب، فهذه هي التي تحتاج إلي جواب.
مثل: حديث المرأة الخثعمية التي جاءت تسأل النبي صلى الله عليه وسلم وكان الفضل بن العباس رديفا له في حجة الوداع، فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل إلي الشق الآخر1، فقد استدل
1 رواه البخاري، كتاب الحج، باب وجوب الحج وفضله رقم 1513 ومسلم، كتاب الحج، باب الحج عن العاجز رقم 1334.
بهذا من يرى أن المرأة يجوز لها كشف الوجه، وهذا الحديث بلا شك من الأحاديث المتشابهة التي فيها احتمال الجواز واحتمال عدم الجواز.
أما احتمال الجواز فظاهر، وأما احتمال عدم الدلالة على الجواز فإننا نقول: هذه المرأة محرمة، والمشروع في حق المحرمة أن يكون وجهها مكشوفا، ولا نعلم أن أحد من الناس يرى إليها سوى النبي صلى الله عليه وسلم والفضل بن العباس، فأما النبي صلى الله عليه وسلم فإن الحافظ بن حجر رحمه الله ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم يجوز له من النظر إلي المرأة أو الخلوة بها ما لا يجوز لغيره. كما جاز له أن يتزوج المرأة بدون مهر، وبدون ولي، وأن يتزوج أكثر من أربع، والله عز وجل، قد فسح له بعض الشي في
هذه الأمور، لأنه أكمل الناس عفة، ولا يمكن أن يرد على النبي صلى الله عليه وسلم ما يرد على غيره من الناس من احتمال ما لاينبغي أن يكون في حق ذوي المروءة.
وعلى هذا فأن القاعدة عند أهل العلم أنه إذا وجد الاحتمال بطل الاستدلال، فيكون هذا الحديث من المتشابه، والواجب علينا في النصوص المتشابهة أن نردها إلي النصوص المحكمة الدالة دلالة واضحة على أنه لا يجوز للمرأة أن تكشف وجهها عند غير الزوج والمحارم، وأن كشف المرأة وجهها من أسباب الفتنة والشر، والأمر كما تعلمون ظاهر الآن في البلاد التي رخص لهن بكشف الوجوه، فهل اقتصرت النساء على الوجه؟ الجواب لا، بل كشفن الوجه والرأس والرقبة والنحر والذراع والساق والصدر أحيانا، وعجز هؤلاء أن يمنعوا نساءهم مما يعترفون بأنه منكر ومحرم، وإذا فتح باب
الشر للناس فثق أنك إذا فتحت مصراعا فسوف يكون أبوابا كثيرة، وإذا فتحت مصراعا فسوف أدنى شي فسيتسع حتى لا يستطيع الراقع أن يرقعه، فالنصوص الشرعية والمعقولات العقلية كله تدل على وجوب ستر المرأة وجهها.
وإني لأعجب من قوم يقولون: إنه يجب على المرأة أن تستر قدمها، ويجوز لها أن تكشف كفيها، فأيهما أولى بالستر؟ أليس الكفان لأن رقة الكف وحسن أصابع المرأة وأناملها في اليدين أشد جاذبية من ذلك في الرجلين.
وأعجب أيضا من قوم يقولون: إنه يجب على المرأة أن تستر قدميها، ويجوز لها أن تكشف عن وجهها، فأيهما أولى بالستر؟ هل من المعقول أن نقول: إن الشريعة الإسلامية الكاملة التي جاءت من لدن حكيم خبير توجب على المرأة أن تستر القدم، وتبيح لها أن تكشف الوجه؟
الجواب: أبدا هذا خلاف الحكمة، لأن تعلق الرجال بالوجوه أكثر بكثير من تعلقهم بالأقدام، وما أظن أحدا يقول للخطيب الذي أوصاه أن يخطب له امرأة: يا أخي، ابحث عن قدميها أهي جميلة أو غير جميلة، ويترك الوجه فهذا مستحيل، بل أول ما يوصيه به هو البحث عن الوجه فهذا مستحيل، بل أول ما يوصيه به هو البحث عن الوجه، كيف الشفتان، كيف العينان؟ وهكذا أما أن يبحث عن القدم ويدع الوجه، فهذا مستحيل، فإذن محل الفتنة هو الوجه.
وكلمة "عورة" لا تعني أنه كالفرج يستحي من إخراجه أو من كشفه، وإنما المعني أنه يجب أن يستر، لأنع يعور المرأة بالفتنة بالتعلق بها.
وإني لأعجب من قوم يقولون: إنه لا يجوز للمرأة أن تخرج ثلاث شعرات أو أقل من شعر رأسها، ثم يقولون: يجوز أن تخرج الحواجب الرقيقة الجميلة والأهداب الظليلة السوداء ولا مانع من إظهارها؟ ثم
ليت الأمر يقتصر على إخراج هذا الجمال وهذه الزينة، بل في الوقت الحاضر يجمل بشتى أنواع المكياج من أحمر وغيره.
أنا أعتقد أن أي انسان يعرف مواضع الفتن ورغبات الرجال لا يمكنه إطلاقا أن يبيح كشف الوجه مع وجوب ستر القدمين، وينسب ذلك إلي شريعة هي أكمل الشرائع وأحكمها.
ولهذا رأيت لبعض المتأخرين القول بأن علماء المسلمين اتفقوا على وجوب ستر الوجه لعظم الفتنة، كما ذكره صاحب نيل الأوطار عن ابن رسلان قال: لأن الناس عندهم الآن عندهم ضعف إيمان، والنساء عند كثير منهم عدم العفاف، فكان الواجب أن يستر هذا الوجه حتى لو قلنا بإباحته، فإن حال المسلمين اليوم تقتضي القول بوجوب ستره، لأن المباح إذا كان وسيلة إلي محرم صار محرما تحريم الوسائل.
وإني لأعجب أيضا من دعاة السفور بأقلامهم وما يدعون إليه اليوم وكأنه أمر واجب تركه الناس، فكيف نسوغ لأنفسنا أن ندعو إليه ونحن نرى عواقبه الوخيمة؟
والإنسان يجب عليه أن يتقي الله قبل أن يتكلم بما يقتضيه النظر، وهذه من المسائل التي تفوت كثيرا من طلبة العلم، يكون عند الإنسان علم نظري، ويحكم بما يقتضيه هذا العلم النظري دون أن يراعي أحوال الناس ونتائج القول.
وكان عمر رضى الله عنه أحيانا يمنع شي أباحه الشارع جلبا للمصلحة، وكان الطلاق في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وفي عهد أبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاثة واحدة، أي أن الرجل إذا طلق زوجته ثلاثا بكلمة واحدة جعلوا ذلك واحدة، أو بكلمات متعاقبات على ما اختار شيخ الإسلام ابن تميمة وهو الراجح، فإن هذا الطلاق يعتبر واحدة، لكن لما