الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: في التعريف بـ (النظم)
حيث نظم الشيخ السعدي رحمه الله سبعة وأربعين بيتا، ضَمَّنَها أمهات القواعد الفقهية، يقول رحمه الله في مقدمة شرحه لذلك النظم:"فإني وضعت لي ولإخواني منظومة مشتملة على أمهات قواعد الدين، وهي إن كانت قليلة الألفاظ، فهي كثيرة المعاني لمن تأمَّلها"انتهى.
وقد حوى النظم ثلاثا وثلاثين قاعدة على وجه الإجمال، ونحو خمسين قاعدة على وجه التفصيل والتفريع أوأكثر.
لطيفة:
وضع الشيخ السعدي -رحمه الله تعالى- على نظمه السابق شرحا لطيفا، فرغ منه في الثامن عشر من ذي القعدة سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة وألف، وعمره حينئذ لم يتجاوز الرابعة والعشرين.
* * *
قال الناظم- رحمه الله تعالى-:
1-
الحمد لله العلي الأرفق
…
وجامع الأشياء والمفرق
2-
ذي النعم الواسعة الغزيرة
…
والحكم الباهرة الكثيرة
3-
ثم الصلاة مع سلام دائم
…
على الرسول القرشي الخاتم
4-
وآله وصحبه الأبرار
…
الحائزي مراتب الفخار
"الشرح"
بدأ الناظم- رحمه الله تعالى- منظومته النافعة بالثناء على الله وحمده، وثَنَّى بالصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وثَلَّث بذكر الآل والأصحاب ضمن الصلاة والسلام على الرسول محمد صلى الله عليه، ولعله قَدَّم البسملة نطقا أو خطا كما في بعض النسخ، وذلك من المصنف- رحمه الله اتباع لطريقة أهل العلم في أوائل مصنفاتهم، قال الإمام العيني- رحمه الله في:" البناية": (ذكروا- يعني أهل العلم- أنه مما لابد منه في أوائل المصَنَّفَات: الابتداء بالبسملة، ثم بالحمدلة، ثم بالصلاة على النبي صلى الله عليه بصريح اسمه) انتهى.
قوله: [الأرفق] :
قال الناظم- رحمه الله في: " الشرح": (الأرفق: أي الرفيق في أفعاله، فأفعاله كلها رفق، على غاية المصالح والحكمة) انتهى.
والرفيق والرفق صفة ثابتة لله عز وجل، فقد روى مسلم في " صحيحه" عن عائشة-رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه: (إن الله تعالى رفيق يحب الرفق، ويعطى على الرفق مالا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه) .
قوله: [وآله] :
يعني: أتباعه على دينه 'لى يوم القيامة، قال الناظم في:"الشرح". وهذا هو المعنى البعيد العام لكلمة (آل) . وثَمَّ معنى قريب خاص؛ وهو: من حَرُمَت عليهم الصدقة. ومن الأول قول بعضهم:
آلُ النبيِّ هُمُ أتباعُ مِلَّتِهِ
…
مِنَ الأعاجمِ والسُّودانِ والعَربِ
لو لم يكن آلُه إلا أقاربَهَ.. صَلَّى المُصَلِّي على الطاغي أبي لَهَبِ
قوله: [الحائزي مراتب الفخار] :
أي: الرفعة والفضل، والموصوف هم الصحابة رضي الله عنهم، وهم أتباع محمد صلى الله عليه وسلم؛ جاء في:"الصحيحين" مرفوعا: (لا تَسُبُّوا أصحابي فو الذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا، ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه) .
قال في (الدُّرَّة) :
وليس في الأمة كالصحابةْ
…
في الفضل والمعروف والإصابةْ
فإنهم شاهدوا المختارا
…
وعاينوا الأسرار والأنوارا
وجاهدوا في الله حتى بانا
…
دينُ الهدى وقد سَمَا الأديانا
* * *
5-
اعلم هديت أن أفضل المنن
…
علم يزيا الشك عنك والدرن
6-
ويكشف الحق لذي القلوب
…
ويوصل العبد إلى المطلوب
"الشرح"
حاصل معنى هذين البيتين: أن العلم النافع ما أزال عن القلب شيئين هما: الشبهات، والشهوات، وأشار الناظم إلى الأول بقوله:(الشك) ، وإلى الثاني بقوله (الدرن) .
قال ابن القيم -رحمه الله تعالى- ما حاصله: (إن القلب يعترضه مرضان يتواردان عليه، إذا استحكما فيه كان هلاكه وموته، وهما مرض الشهوات، ومرض الشبهات، والثاني أقتل للقلب وأصعب، وهما- الشهوات والشبهات- أصل داء الخلق، ودوائهما العلم؛ لأن ضد ذينك المرضين الإيمان واليقين، وكلاهما متعلق بالعل موجودا وازديادا) .
قوله: [المنن] :
واحدها مِنَّة، كسِدْرَة وسِدَر، والمِنَّة: النعمة.
قوله: [الدرن] :
من دَرَن درنا، كوسخ وسخا؛ وزنا ومعنى.
* * *
7-
فاحرص على فهمك للقواعد
…
جامعة المسائل الشوارد
8-
فترتقي في العلم خير مرتقى
…
وتقتفي سبل الذي قد وفقا
"الشرح"
يشير الناظم رحمه الله في هذين البيتين إلى عظيم فائدة معرفة القواعد، وأن من ذلك: جمع القاعدة مسائل شوارد متفرقة، معرفتها تُغْني عن حفظ كثير من المسائل والفروع، قال القرافي في:"الفروق": (ومن ضَبَط الفقه بقواعده استغنى عن حفظ أكثر الجزئيات؛ لاندراجها في الكليات) انتهى. ولذا قيل: (الفقه معرفة النظائر) .
واعلم -وفقك الله تعالى- أن هناك فوائد أخرى لمعرفة القواعد، أشار إلى طائفة منها الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله في كتابه:"القواعد"؛ حيث قال: (فهذه قواعد مهمة، وفوائد جمة، تضبط للفقيه أصول المذهب، وتُطْلعه من مآخذ الفقه على ما كان عنه قد تَغَيَّب، وتَنْظُم له منثور المسائل في سلك واحد، وتُقَيِّد له الشوارد، وتقرِّب عليه كل متباعد"انتهى.
قوله: [الشوارد] :
أي: المتباعدة المتفرقة؛ لأن أصل مادة (شَرَدَ) يدل على تنافر وتباعد، قاله ابن فارس-رحمه الله.
* * *
9-
هذه قواعد نظمتها
…
من كتب أهل العلم قد حصلتها
10-
جزاهم المولى عظيم الأجر
…
والعفو مع غفرانه والبر
"الشرح"
أفاد رحمه الله أن القواعد الفقهية المنظومة جمعها من كتب أهل العلم؛ فهي مأثورة معروفة، وإنما له من ذلك النظم والتأليف، والضم والتصريف؛ ليسهل تداولها.
ثم ثنى رحمه الله بالدعاء لأهل العلم الذين أخذ عنهم تلك القواعد، وهي سنة مُتَّبَعَة تواضعت عليها الطباع السليمة، قال بعضهم:
إذا أفادك إنسان بفائدة
…
من العلوم فأكثِرْ شكره أبد
وقل فلان جزاه الله صالحة
…
أفادنيها وخل اللؤم والحسد
* * *
الأمور بمقاصدها
11-
النية شرط لسائر العمل
…
بها الصلاح والفساد للعمل
"الشرح"
بهذا النظم استهل الناظم -رحمه الله تعالى- القواعد الفقهية التي ضَمَّنها منظومة هذه؛ لأن هذه القاعدة هي أعم وأوسع القواعد، وهي معدودة -كما سبقت الإشارة إلى ذلك- ضمن كبرى القواعد الكلية العامة.
قوله: [النية] :
قال الجوهري في "الصحاح": نويت نية ونواة إذا عزمت، فالنية في اللغة العربية هي العزم على الشيء، وهذا الذي يقصده جمهور الفقهاء الذين تكلمو في مسائل النية.
وأما في الاصطلاح: فهي مرادفة للإخلاص؛ إذ بينهما عموم وخصوص مطلق، فالنية أعم مطلقاً من الإخلاص، فتشمل نية الرياء والشرك والإخلاص وغيرذالك. والإخلاص أخص من النية؛ لأن معناها إخلاص النية من شوائب الشرك والرياء، وإفراد الله بالقصد والإرادة.
واعلم -رحمك الله- أن الفقهاء ذكروا للنية شروط صحة، لا
تصح إلا بها:
أولها: الإسلام، وضده الكفر بأنواعه وصوره؛ إذ لا يتصور نية التقرب والإخلاص من غير مسلم، إذ سائر الأوامر يُشْتَرط فيها النية والإخلاص.
ثانيها: التمييز، وضده أمران:
أولا: ذهاب العقل للمجنون والمعتوه.
ثانياً: الصبي غير المُمَيِّز، وهو من قَلَّ إدراكه للأشياء، فلا يميز بين أصنافها.
وحَدَّ الحنابلة التمييز بالسابعة، لأمر النبي صلى الله عليه وسلم الناس أن يأمروا صبيانهم لسبع على الصلاة، وذالك لتمييزهم، فكان حَدّاً.
ثالثها: أن لا يجهل المنوي، وذلك بأن يكون معلوما عند الناوي؛ حيث لا يتصور قصد الشيء إلا بعد العلم به.
رابعها: أن لا يحدث مناف بين النية ومنويِّها، كالردة بعد إيمان، فلو نوى المسلم المميز الصلاة، لكن ارتد قبل إيقاعها؛ فإن عمله فاسد.
وفي قول الناظم السابق: (النية شرط لسائر العمل) : دلالة بينة على أن المقصود بذلك كل عمل كانت النية شرطاً له، وهذا أمر متفق عليه، فقد نص على ذلك العز في:"القواعد"، وجعله القرطبي في:"تفسيره"واجبا، وجعله شيخ الإسلام فرضاً.
قال صاحب "الدين الخالص": (لا خلاف بين أهل العلم في اشتراط الإخلاص والنية لسائر العمل، ولا يختلف الفقهاء في أن العمل الذي يُراد به التقرب إلى الله عز وجل لابد من الإخلاص فيه) .
وحكى على هذا الإجماع: ابن المنذر، والموفق في:"المغني"، وغيرهما.
وإنما اختُلِف في الأعمال التي لا يراد بها التقرب، ولا يُرْجَى من ورائها ثواب كالعادات والتروك ونحوها.
وجمهور الفقهاء على عدم اشتراط النية المشار إليها آنفا، وقالوا: لا ينال الإنسان ثواب ترك المحرم، ولا عمل المباح إلا بنية صحيحة.
وأما الترك الصِّرف ومباشرة المباحات: كالأكل، والشرب، والنوم فلا يشترط فيه نية إلا بذاك القصد، أي: بقصد الثواب.
واعلم: أن أهل النظر يفرقون بين نيتين، بين نية صحة وقبول العمل، ونية إيجاد العمل، فأما الأول فسبقت، وأما الثانية وهي التي بمعنى العزم فهي تصحب كل عمل أُرِِيد به التقرب أَوْ لا؛ لأنها في الحقيقة قوة النفس التي تعزم على مباشرة الشيء بالجارحة، وهو ما يسمى بإرادة الفعل، وهي سابقة له.
قوله: [شرط لسائر العمل] :
الشرط بسكون الراء المهملة هو القطع، ومنه سُمِّيت آلة البتر
والقطع مِشْرَطاً، أما في الاصطلاح: فهو ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته، كالطهارة مع الصلاة، فإنها شرط لها، وهذا الحكم نص عليه العز بن عبد السلام سابقا في:"القواعد"، وجعله صاحب:"الدين الخالص" اتفاقا.
وعلى هذا التفصيل السابق من التفريق بين نية إيجاد ونية صحة وقبول، وإرادة التقرب وعدمها.
قوله: [لسائر العمل] :
فيه إشعار بعموم العمل، أي فالنية شرط فيه، ويُقَدَّر فيه: مما تشترط له النية، لتخرج العادات والتروك إذا لم يُرَد بها الثواب.
قوله: [بها الصلاح والفساد والعمل] :
قال مُطَرِّف بن عبد الله: (صلاح القلب بصلاح العمل، وصلاح العمل بصلاح النية) أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب: "الإخلاص".
والمعنى أن الأعمال التي يشترط فيها النية، كجملة العبادات، وما أُرِيد به التقرب لا يكون صالحا إلا بنية صحيحة، ويفسد بفسادها، والأصل في ذلك: الحديث المتفق على صحته، الذي رواه الشيخان في:"صحيحيهما" من طريق عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) .
واعلم أن القاعدة التي أشار إليها المصنف رحمه الله صيغتها عند الفقهاء: الأمور بمقاصدها.
والأمور: واحدها أمر، وهو الشأن والحال، كما قاله أئمة اللسان، والمقاصد: واحدها مقصد، وهو بمعنى النية والعزم، تقول: قصدت كذا إذا عزمتَ ونويت.
وهذه القاعدة اتفق عليها الفقهاء، كما حكى ذلك السيوطي وابن نجيم -رحمهما الله- في:"الأشباه" لهما.
وها هنا مسائل متعلقة بما سبق:
المسألة الأولى: في محل النية والقصد:
اتفق العلماء على أن القلب محل النية وموضعها، وجعلوا ذلك شرطا في النية. قال النووي رحمه الله:(بلا خلاف) ، وكذا قال ابن تيمية وغيرهما، ثم اختلفوا في استحباب التلفظ بها على قولين: هما رواية في مذهب أحمد رحمه الله وغيره، والأكثر على عدم الاستحباب، قاله ابن تيمية رحمه الله.
واحتج القائلون بالاستحباب بالخبر والنظر.
أما الخبر؛ فتلبية النبي صلى الله عليه وسلم لعُمره وحجه، وذلك ثابت عنه صلى الله عليه وسلم، قالوا: في ذلك دلالة على تلفظه بها؛ حيث يقول: (لبيك عمرة) ، أو (لبيك عمرة وحجاً) ، فيقاس على ذلك غير الحج من العبادات المختلفات.
وأما النظر: فقالوا: إن اجتماع جارحتين في عمل النية آكد وأولى من عمل جارحة واحدة، فاجتماع اللسان والقلب بالتلفظ بالنية آكد وأولى من انفراد القلب بها.
ولكن هذه الحجج مردودة، فأما الخبر: ففرق بين التلبية والنية، فالتلبية شعيرة النسك، وهي تحدث بعد نية العمل، فالنبي صلى الله عليه وسلم نوى العمرة والحج، وأحرم بذلك قبل التلبية، والأصل في النية أن تصحب العمل.
ويدل على ذلك ما صح عن ابن عمر-رضي الله عنهما أنه أنكر على رجل قال: اللهم إني أريد حجا أو عمرة، قال ابن رجب في:" شرح الأربعين": (هذا خبر صحيح عنه) .
وأما النظر، فهو إعمال الرأي في غير محله، إذ الأصل في العبادات التوقف، ولو كان الأمر مستحبا لعملت به القرون الفاضلة، قال ابن القيم في "الهدي": لم يأت عن الرسول صلى الله عليه وسلم ولا صحبه -رضوان الله عليهم- ولا التابعين، ولا الأئمة المتبوعين؛ أنهم تلفظوا بالنية أو رأى أحد منهم استحبابها، ولذلك جزم شيخ الإسلام ببدعية ذلك، وقال بذلك جمهرة من المالكية، وهذا الصحيح عن الحنابلة.
المسألة الثانية: في وقت النية:
الأصل أن النية تصحب العمل من أول وقته حكما لا حقيقة،
أما الحقيقة فظاهرا، وأما الحكم فمثاله: كأن ينوي المُكَلَّف صلاة العصر، وهو يتوضأ وضوء صلاة، ولم يحدث بعد هذا الوضوء ما ينافي جنس الصلاة، ثم شرع في صلاة العصر دون حضور الذهن لنية، فإنه نَاوٍ حكما، وهذا كله في العبادات المؤقتة بوقت وكانت مفروضة وواجبة كالصلوات الخمس، وأما النوافل فالأمر فيها واسع، فقد ينوي الصيام النفلَ المُكَلَّفُ من وسط النهار بعد أن كان ممسكا لحاجة أو عذر، لا ينوي بذلك الإمساك صياما، ويدل على ذلك ما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يأتي أهل بيته، فإذا لم يجد عنده طعاما قال:(إني صائم) .
المسألة الثالثة: وهي أن النية تنقض بالمشاركة أو الاشتراك إذا كان يقصد به التقرب أو الثواب، وهذا ما يسمى بمسائل مصاحبة الرياء للعمل:
والحق أن فيه تفصيلاً نص عليه الإمام أحمد، وابن جرير -رحمهما الله تعالى-، وقرره ابن رجب في:"شرح الأربعين"، وحاصله: أن العبادة إما أن ينبني آخرها على أولها، أو تكون منفصلة مُجَزَّأة، مثال الأولى: الصلاة، ومثال الثانية: الحج والصوم.
فأما الأولى: فإما أن ينوي صاحبها بها غير وجه الله، أو مع الله آخر، فهذه باطلة باتفاق ولا يكاد يفعله مؤمن، وإما أن يصحب الرياء أصل العمل، فالصحيح من قولي أهل العلم أن العمل باطل لأن المبني على فاسد فاسدٌ مثله، وإما أن يعرض الرياء للعمل فله
حالتان:
الحالة الأولى: إما أن يُطْرد ولا يُؤْنس به، فلا يضر صاحبه، ويكون العمل صحيحاً غير فاسد.
الحالة الثانية: أن يأنس صاحبه به، فرجح الإمام أحمد، وابن جرير -رحمهما الله- صحة العمل، بدليل ما جاء في مراسيل أبي داود، أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أن بنى فلان يجاهدون ويحبون الجهاد، ومنهم من يريد الدنيا، ومنهم من يريد وجه الله، ومنهم من يريد الغنيمة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(كل ذلك في سبيل الله إذا كان أصل جهاده لله) .
وهذا مرسل، والأصل عند المحدِّثين أنه ضعيف، إلا أن الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- يقدم المراسيل على الرأي إذا لم يجد نصا، كما نص على ذلك ابن القيم في:"إعلام الموقعين" إلا أن ظاهر النصوص كما قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: تدل على فساد عمل من أنس بالرياء وصَحِبَ بقية عمله.
أما القسم الثاني من العبادات: فهو الذي لا ينبني آخره على أوله، بل كان أجزاء مجزئة، فكل جزء منه يعامل معاملة ما سبق من الجزء الأول، فإن قصد العبد وجه الله في بعض تلك العبادة دون غيرها، كان له أجر النية فيما قصد منها وجه الله، وكان عليه وزر فيما قصد به غير الله، كل ذلك ما لم يقصد بالعمل على وجه الجملة غير الله عز وجل، كأن يُحْرِم الله الحاج قاصدا غير الله، وقاصدا التسميع
والرياء، فإن حجه لا ثواب له عليه؛ لأن النية شرط في صلاح العمل هنا، خلافا ما إذا وقع الرياء في بعض المناسك الأخرى مما هو من مفردة هذه العبادة.
المسألة الرابعة: في المقصود من النية:
إذ يقصد منها أمران:
الأول: تمييز العمل.
الثاني: تمييز المقصود من العمل.
فأما الأول، فإن النية يؤتي بها لتمييز العمل، والتمييز نوعان:
النوع الأول: تمييز العبادات من العادات، ومثاله: الصيام، فقد يكون إمساكا عن الأكل والشرب حِمية لداء يُخْشَى نزوله أو يُرجَى برؤه، وقد يكون الإمساك بقصد التعبد لله، والفارق بين هذين العملين النية، فقد ميزت ما بين ما هو من باب العادات، وهو الإمساك حمية، وما هو من باب العبادات، وهو الإمساك بنية التعبد.
النوع الثاني: تمييز العبادات بعضها من بعض كتمييز صلاة من أخرى، ونفقة من مثلها ونحو ذلك، فصلاة الظهر والعصر إذا صلاهما المسافر جمعا بقصر فإن النية هي التي تميز بين الصلاتين مع كونهما أُوْقِعَا في زمنٍ ومحلٍّ واحد، والهيئة واحدة.
وأما الثاني: فهو تحقيق المقصود من العبادة أو العمل
مطلقا، وهذا الذي يتكلم عنه أرباب المعرفة والوعظ، وأكثر كلمات السلف عن النية هو من هذا الباب، كما قال ابن رجب في:"شرح الأربعين".
فهذا الأمر يتعلق بإخلاص التوجه لله عز وجل في العمل إن كان من باب التقرب، وسبق التفريق بين النية والإخلاص، وأن النية أعم.
* * *