المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فائدة:يدخل في الخطأ صنفان آخران: - مجموعة الفوائد البهية على منظومة القواعد الفقهية

[صالح الأسمري]

الفصل: ‌فائدة:يدخل في الخطأ صنفان آخران:

عن أحمد، قاله ابن رجب رحمه الله في:"شرح الأربعين"، وذهب الحسن البصري، والأوزاعي، وسحنون -من المالكية-، وهي رواية عن أحمد؛ أن مَوْرِدَ الإكراه هو الأقوال، ودليلهم: سبب نزول الآية؛ حيث إنها نزلت في عمار، وهو إنما أُكْرِه على قول الكفر لا على فعله.

والصحيح هو ما عليه الجمهور لعموم الآية؛ ولأن العبرة بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب، في أصح قولي أهل العلم، قاله الشوكاني في:"فتح القدير"، وهو اختيار شيخ الإسلام والأكثر.

مسألة:

إذا هُدِّد المرء بأحد أولاده بأن يُقْتَل أو يُعَذَّب ونحو ذلك، فهل يدخل في الإكراه أم لا؟

خلاف، اختار الموفق في:"المغني" أنه يدخل في الإكراه، وهو الذي عليه الجمهور.

‌فائدة:

يدخل في الخطأ صنفان آخران:

الأول: المجتهد المخطأ، لما جاء في:"الصحيحين" أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إذا حكم الحاكم ثم اجتهد فأصاب فله أجران، وإذا حكم واجتهد فأخطأ فله أجر} .

ولا يرد هنا ما يذكره بعض الفقهاء من أن هذا المجتهد

ص: 86

المخطئ غير داخل في مطلق العفو، لعدم قبول خطئه؛ لأن الأمر كما قال الخطيب البغدادي في:"الفقيه والمتفقه" إنما يتعلق بالأجر على الاجتهاد، لا الأجر على الخطأ؛ إذ أن الأجر المذكور في الحديث إنما هو على اجتهاده فحسب.

ويشترط في المجتهد المخطئ الذي يُؤْجَر على اجتهاده شروط، ذكرها الأصوليون، كأبي المعالي في:"البرهان"، والغزَّالي في:"المستصفى":

أولها: أن يقصد الحق.

ثانيها: أن يجتهد وُسْعَه، قال شيخ الإسلام في:"اقتضاء الصراط المستقيم": (اجتهاد الوسع هو أن لا يكون له وراء ذلك قوة) .

وثالثها: أن يكون في ما يسوغ فيه الاجتهاد، فمسائل الإجماع ومحالّ النص لا يسوغ فيها الاجتهاد اتفاقا، قال بدر الدين الزركشي في:"البحر المحيط".

والثاني: الواقفية الذين يجتهدون، فلا يترجح لديهم شيء في مسائل الاجتهاد.

ولا ريب أن التوقف المطلق خطأ، قال شيخ الإسلام في:"مجموع الفتاوي"، ومن ثم يدخل في الخطأ.

ص: 87

لطيفة:

سبق أن الخطأ يُطْلَق على العمد وما بصحبه تأثيم، وعلى غير العمد مما لا تأثيم يترتب عليه، إلا أن المشهور هو استعماله في غير العمد، قاله شيخ الإسلام في:"مجموع الفتاوي"، وقال:(وإذا جُمِع بينه -يعني الخطأ- والنسيان، فإنه نص في أخذ الخطأ معنى غير العمد) .

* * *

ص: 88

26-

لكن معَ الإتلافِ يَثْبُتُ البدلْ

ويَنْتَفِي التأثيمُ عنه والزَّلَلْ

"الشرح"

قوله: [الإتلاف] :

من التلف، وهو فساد الشيء، قاله الأزهري في:"تهذيب اللغة".

قوله: [البدل] :

يعني العِوَض، كما عليه عامة الفقهاء، وأصل البدل في اللغة: هو تغيير الشيء، يقال: بَدَّلتُ الشيء إذا غيَّرتَه، كما في:"القاموس".

وحاصل كلام الناظم رحمه الله أن المخطئ والناسي والمكرَه إذا وقعوا في إتلاف شيء فإنه يلزمهم بدله وعِوَضه؛ لأن العوض والبدل من جنس الأحكام الوضعية المتعلِّقة بمجرد الفعل دون نظر إلى المقاصد والعوارض الأهلية وما إلى ذلك، وهذا الحكم متفق عليه، قاله الموفق في:"المغني"، والقرافي في:"الفروق"، -رحمهما الله تعالى-.

ومثال ذلك: لو أن مكلَّفاً عرض له النسيان، ففوَّت الصلاة المفروضة عن وقتها حتى خرج، فإنه يلزمه حينئذ بدل الصلاة في وقتها، بأن يأتي بها عند ذِكْرها، دل على ذلك أحاديث منها: قوله صلى الله عليه وسلم: {إذا نام أحدكم عن صلاة أو نسيها فَلْيُصَلِّها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك} رواه أحمد وغيره.

ص: 89

التابع إذا استقل أخذ غير حكم أصله

27-

ومن مسائلِ الأحكامِ في اتَّبَعْ

يَثْبُتُ لا إذا استقلَّ فوقعْ

"الشرح"

قوله: [اتبع] :

بتثقيل المثناة من فوق مع فتح، وفتح الباء الموحَّدة بعدها، من التابع، أي أنه تابعٌ لغيره آخذٌ حكمه.

قوله: [استقل فوقع] :

أي: إذا خرج عن التبعية بحيث كان منفردا عن أصله مستقلا عنه.

وهذه القاعدة الفقهية هي التي يعَبِّر عنها الفقهاء بقولهم: (التابع تابعٌ)، وبقولهم:(التابع لا يستقل)، وبقولهم:(التابع إذا استقل أخذ غير حكم أصله) .

يقول ابن سعدي رحمه الله في: "القواعد والأصول الجامعة": (وذلك أن المسائل والصور التابعة لغيرها يشملها حكم متبوعها، فلا تفرد بحكم فلو أفردت بحكم لثبت لها حكم آخر. وهذا هو الْمُوْجِب لكون كثير من التوابع تخالف غيرها، فيقال فيها: إنها ثابتة على وجه التبع) .

ومثال ذلك: أن الجنين في بطن أمَة تابع لها عند البيع والشراء

ص: 90

ونحوهما، فالأمَة إذا كانت حاملا فجنينها تابع لها بأخذ حكمها، ما لم يكن ثَمَّ شرط عرفي أو نطقي عند المبايعة.

ومثال استقلال التابع عن أصله؛ كما في المثال السابق: أن يقول السيد لأمَته الحامل بجنين: إن ولدت فمولودك مُعْتَقٌ، فالعتق هنا للتابع دون أصله، فالأمَة غير خارجة من العبودية لسيدها، خلافا لجنينها إذا ولدته.

وهذه القاعدة متفق عليها بين الفقهاء، فقد حكى الاتفاق غير واحد، ومنهم السيوطي رحمه الله في:"الأشباه والنظائر"، والنووي في:"المجموع شرح المهذب"، والماوردي في:"الحاوي الكبير".

* * *

ص: 91

العرف محكم

28-

والعرفُ معمولٌ به إذا وَرَدْ

حُكْمٌ من الشرعِ الشريفِ لم يُحَدّْ

"الشرح"

قوله: [العرف] :

هو في اللغة يرجع إلى معنيين اثنين، قاله ابن فارس في:"معجم مقاييس اللغة":

الأول: هو إدراك الشيء على حقيقته وهو ما يقال له: المعرفة، فتقول: عرفت الشيء، وهو أخص من العلم، على ما ذكره جمهرة من فقهاء اللغة.

والثاني: هو تتابع الشيء، كما يقال للضَبُع: عَرْفاء، لتتابع شعر رقبتها مع طولها، ومنه قول الشنفرى في:"لاميته":

ولي دونكم أهلون سيد عَمَلَّسٌ (1)

وأرقطُ (2) زُهلولٌ (3) وعَرْفاءُ (4) جيألُ (5)

(1) سيد عملس: الذئاب القوية.

(2)

أرقط: أغبر.

(3)

زهلول: أملس.

(4)

عرفاء: تتابع شعر الرقبة.

(5)

جيألُ: أنثى الضبع.

ص: 92

وأما تعريف العرف في الاصطلاح؛ فاختلفت فيه أقوال الفقهاء، ومنها قول بعضهم:(هو كل قول وفعل وترك اعتاد عليه الناس)، وهذا هو مقتضى صنيع ابن رجب رحمه الله في:"القواعد"، وأشار إليه القرافي رحمه الله في "الأحكام".

ومن ثم يبين أن هناك فرقا بين العادة -وسبقت-، وبين العرف؛ إذ بينهما عمومٌ وخصوصٌ مطلق، ووجه خصوص العرف أنه يتعلق بما اعتاده جمهور الناس، ووجه عموم العادة أنه يتعلق بما اعتاده الإنسان مع نفسه، وما اعتاده الجمهور من الناس، وما كان من حركات طبيعية عند جنس بني آدم.

وليُعلَمْ أن العرف يؤخذ به في أمرين:

الأول: إذا جاء حكمٌ من الشرع، أو اسمٌ عُلِّق به حكم شرعي، ولم يُحَدّ، لا في الشرع، ولا في اللغة؛ فإنه يُرْجَع حينئذ إلى العرف ويكون مُحَكَّما، وهو ما يشير إليه الفقهاء بقولهم:(العرف مُحَكَّمٌ) .

ومثاله: الإسراف والتبذير، فلم يرد حد في ذلك لا في الشرع، ولا في اللغة، وتختلف أعراف الناس من حيث بلدانهم وأماكنهم، فَيُرجع فيه إلى عرف كل ذي بلد، كلٌّ بحسبه، فما عُدَّ إسرافا عند جمهور بلد معين كان كذلك، وهكذا.

والثاني: أنه قيدٌ -يعني العرف- للمعاملات التي تقع بين الناس من بيع وشراء وعقد نكاح ونحو ذلك.

ص: 93

ومثاله في البيع والشراء: أن المرء لو باع أرضا؛ فإن العرف يدل على ما بيع ما داخلها وما فوقها، ما لم يشترط المتعاقدان.

ومثاله في عقد النكاح: هو ما يذكره بعض الفقهاء من أنه لو شاع في قُطْر أن المهر مُجَزَّأ، فمنه ما هو حاضر، ومنه ما هو آجل؛ فإن ذلك يكون قيدا عند العقد ولو لم يُذْكَر، ما لم يُسْتَثْنَ من المتعاقدين.

وحجية العرف يدل عليها الخبر والإجماع.

فأما الخبر، فالكتاب والأثر.

فأما الكتاب؛ فقوله سبحانه: {وأمر بالعرف} ؛ حيث أخرج البخاري في: "صحيحه" عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه أنه قال: (نزلت هذه الآية في أخلاق الناس) . قال ابن الفرس في كتابه: "أحكام القرآن": (المقصود بقوله: {وأمر بالمعروف} أي: المعروف عند الناس، الذي لا يخالف الشرع)، وبه جزم ابن عطية رحمه الله في:"المحرر الوجيز"، وقال السيوطي في:"الإكليل": (وهذه الآية قاعدة شرعية، تدل على اعتبار العرف الذي لا يخالف أصلا شرعيا) .

وأما الأثر؛ فما أخرجه الإمام أحمد في: "مسنده" عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: (ما رآه المسلمون حسنا فهو حسن)، قال الحاكم:(إسناده صحيح) ، ووافقه عليه الذهبي، وقال ابن القيم في:"الفروسية": (وهو جزء ثابت عن عبد الله بن

ص: 94

مسعود) ، وحسَّنه الحافظ ابن حجر في كتابه:"موافقة الْخُبْر الْخَبَر"، وهو يدل على حجية العرف، لأنه صَحَّح استحسان الناس، وجعله دليلا على حسن الشيء، قاله القرافي في:"شرح التنقيح".

وأما الإجماع؛ فحكاه غير واحد، ومنهم: الجلال المحَلي رحمه الله في: "شرحه على جمع الجوامع"، وكذلك الْبُناني في:"حاشيته على شرح المحلي لجمع الجوامع".

ثم إن هناك شروطا للاحتجاج بالعرف:

أولها: أن يكون مطَّردا أو أغلبيا، وهذا متفق عليه بين الفقهاء، قاله السيوطي في:"الأشباه والنظائر"، قال ابن نُجَيم في:"الأشباه": (فلا عبرة بالعرف غير المطَّرد أو الأغلبي)، وبهذا جزم الشاطبي رحمه الله في:"الموافقات" وقال: (العرف غير الأغلبي أو الْمُطَّرد لا يُعَوَّل عليه) .

وثانيها: أن يكون عند مجيء الخطاب لا قبله بحيث يكون منقطعا عنه، ولا بعده بحيث يكون طارئا، قال ابن نجيم في:"الأشباه": (فلا عبرة بالعرف الطارئ)، وحكى الشاطبي الاتفاق على ذلك في:"الموافقات".

وثالثها: أن يكون ظاهرا غير خفي، لتنقاس به الأمور، قاله القرافي في:"الأحكام".

ورابعها: أن لا يكون مخالفا لدليل شرعي كقرآن أو سنة صحيحة

ص: 95

أو إجماع معتبر، وهذا أمر مجمع عليه، قاله شيخ الإسلام في:"مجموع الفتاوي"، وابن قيم الجوزية في:"إعلام الموقعين".

فائدة:

يُقَسِّم جمهرة من الأصوليين والفقهاء العرف إلى قسمين: إلى عرف قولي، وإلى عرف فعلي، ويقسِّمونه من حيثية أخرى إلى عرف عام، وإلى عرف خاص.

ومثال العام: ما اشترك فيه جمهور الناس من قول أو فعل.

ومثال الخاص: ما اشترك فيه جمهور بلد.

* * *

ص: 96

من تعجل شيئا قبل أوانه عوقب بحرمانه

29-

مُعاجِلُ المحظورِ قبل آنِهْ

قد باء بالخسران مَعْ حِرمانهْ

"الشرح"

قوله: [معاجل] :

من العَجَل، والعجلة هي السرعة، قاله في:"القاموس"، والعجلة كما قال الأصفهاني رحمه الله في:"ألفاظ القرآن": (هي استباق الشيء وتحرِّيه قبل وقته)، قال:(وهذا مقتضى الشهوة، ولذا جاء ذكر العجلة في عامة القرآن على وجه الذم) .

ويدل عليه ما أخرجه الترمذي في: "سننه" من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه مرفوعا: {الأناة من الله، والعجلة من الشيطان} قال الترمذي: (حسن غريب)، وقال الهيثمي في:"مجمع الزوائد": رجاله رجال الصحيح.

قوله: [المحظور] :

اسم مفعول من الحظر، وهو ضد الإباحة، قاله ابن منظور في:"لسان العرب"، وقال:(كل ما حال بينك وبين الشيء فهو حاظر لك عنه)، ومن معاني الحظر: المنع والتحريم، قال في:"اللسان": (المحظور هو المحرَّم) .

ص: 97

قوله: [آنه] :

يعني: وقته وزمنه المحدَّد له.

قوله: [باء] :

قال الأخفش: (هو بمعنى: رجع) فعليه يكون المعنى: قد رجع بالخسران.

وليُعْلمْ أن هذه القاعدة من القواعد الكلية التي ذكرها الفقهاء وغيرهم. ويذكرها بعض الفقهاء كابن رجب رحمه الله في: "القواعد" بصيغة: (من تعجَّل الشيء قبل أوانه عوقِب بحرمانه) .

ويتفرَّع عن هذه القاعدة أمثلة كثيرة، منها: جَعْل الوارث القاتل عمدا محروما من الميراث، وهذا عليه الاتفاق سوى ما يُحكى عن بعض الفقهاء، وهو على خلاف المعمول به، قال أبو الخطاب الكَلْوَذَاني رحمه الله في كتابه:"التهذيب في علم الفرائض والوصايا": (اتفق أهل العلم على أن الوارث القاتل -يعني عمدا- محرومٌ من الميراث، سوى ما يُحكى عن سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير والخوارج) . وأما ما يُذكر عن سعيد بن جبير وابن المسيب فقد ذكر بعض الفقهاء، كأبي الخطاب في كتابه السابق ضعفه عنهما.

ويدل على القول السابق ما رواه ابن ماجه والترمذي في: "سننهما": أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (القاتل لا يرث)، قال الترمذي:

ص: 98

(وهذا الحديث لا يصح، ولكن العمل عليه) .

تنبيه:

القاعدة السابقة قد تدخل في الأمور الدنيوية، كما نص على ذلك الإمام ابن تيمية رحمه الله في:"مجموع الفتاوي"، فإن هناك من الأمور ما لو عَاجَلَه المرء قبل وقته لَحُرِمَه.

* * *

ص: 99

النهي يقتضي الفساد

30-

وإن أتى التحريمُ في نفسِ العملْ

أو شرطِهِ، فذو فسادٍ وخَللْ

"الشرح"

قوله: [نفس العمل] :

يعني: أركانه وواجباته، وهذا عليه عامة الفقهاء، على تفريقٍ عندهم بين الفرض والواجب.

والمذهب كما في: "الإنصاف" أن الركن إذا جاء فيه الخلل، فإن العمل يفسد، وأن الواجب فيه تفصيلٌ: إن كان لسهو ونسيان صَحَّ العمل، خلافا للعَمْد في الصلاة. قال شيخ الإسلام في:"شرح العمدة": (وهذا هو المشهور في المذهب، والْمُعْتَمَد في الصحيح) .

قوله: [شرطه] :

سبق معناه لغة واصطلاحا.

ومثال الشرط في الصلاة: الطهارة من الحدث والخبث، واستقبال القبلة ونحوهما.

وحاصل كلام الناظم رحمه الله أن الخلل الواقع في العمل التعبدي قسمان:

ص: 100

الأول: أن يقع الخلل في أركان العمل وواجباته، فهذا يقتضي فساد العمل سواء أكان بعمد أو سهو، وفي الواجب تفصيلٌ سبقت الإشارة إليه كما في الصلاة.

ويدخل في ذلك ما كان من بناء العمل، وإن لم يُسَمَّ ركنا أو واجبا قاله الشاطبي في: الموافقات"، غير أن الغالب أن الفقهاء يَسِمُون ذلك بكونه فرضا أو ركنا أو واجبا، إلى غير ذلك من الأسماء الاصطلاحية.

والثاني: أن يقع الخلل في شرط العمل، فهذا مفسد له.

ومثاله: ما لو صلى المكلَّف الفرضَ على غير طهارة؛ فإن صلاته باطلة ولو كان ناسيا، وهذا أمر مجمع عليه، قاله النووي في:"المجموع"، وابن المنذر في:"الأوسط".

ويدل عليه أحاديث وآثار كثيرة، كنحو ما رواه أحمد في:"المسند" مرفوعا: {لا صلاة لمن لا وضوء له} ، وما رواه عبد الرزاق في:"مصنفه" عن عمر بن الخطاب: (أنه صلى الفجر بالناس وهو جنب فأعادها ولم يُعيدوا) .

فائدة:

إذا وقع الخلل في غير الأركان والواجبات والشروط، كالخلل في المستحبَّات والسنن؛ فإنه لا يوجب فساد العمل، ولكنه يوجب نقصان ثوابه بقدر الخلل الموجود، قاله ابن رجب رحمه الله في:"الفتح" وفي: "شرح الأربعين". وكلامه رحمه الله محمولٌ على العمد والعلم، لا على الجهل والنسيان؛ فقد سبق أنهما من العفو.

* * *

ص: 101

من أتلف شيئا لدفع أذاه فلا ضمان عليه

31-

ومُتْلِفُ مؤذيه ليس يَضمنُ

بعد الدفاعِ بالتي هي أحسنُ

"الشرح"

قوله: [متلف] :

من التلف، وهو إفساد الشيء وإزهاقه، قاله الزبيدي في:"شرح القاموس".

قوله: [مؤذيه] :

أي على وجه الاضطرار؛ بحيث يخشى على نفسه الهلاك، أو تلف بعض بدنه ونحو ذلك.

ومعنى كلام الناظم رحمه الله: أن المكلَّف إذا أوذي من قِبَل إنسان أو حيوان إيذاء على الوصف السابق، فإذا قتله أو أتلف بعض أعضائه دفاعا فلا ضمان عليه، قال الموفق في:"المغني": (وهذا الذي عليه أكثر الفقهاء) وهي مبنية على قاعدة سبقت، وهي: أن الضرورة تبيح المحظور، ونحوها.

ومثال ذلك: لو صال على الْمُحْرِم حيوانٌ يخشى أن يتلفه أو يتلف بعضا منه فلو قتله فلا فدية عليه ولا ضمان، لو كان ذلك الحيوان مُمْتَلَكا.

* * *

ص: 102

ألفاظ العموم

32-

وَأَلْ تُفيدُ الكلَّ في العمومِ

في الجمعِ والإفرادِ كالعَليمِ

33-

والنكراتُ في سِياقِ النفي

تُعطي العموم - أوسياق النهي

34-

كذاك "مَنْ" و "ما" تُفيدان مَعَا

كل العموم يا أخي فاسمعا

35-

ومثله المفرد إذ يضاف

فافهم هُدِيتَ الرشد ما يضاف

"الشرح"

هذه الأبيات تتعلق بذكر ألفاظ العموم، والناس في القول بوجود العموم ضربان:

الأول: جماعة لا يقولون بوجوده، ويقولون: ليس هناك لفظ يدل على العموم، وهذا القول محكي عن أبي الحسن الأشعري، كما يذكره عنه أصحاب المقالات، إلا أن العلائي رحمه الله كما في كتابه:"تلقيح الفهوم في تنقيح صيغ العموم" ذكر أن هذا الإطلاق لا يصح عن أبي الحسن، ولكنه لا يوافق الجمهور -يعني أبا الحسن- فيما ذهبوا إليه.

والثاني: ما ذهب إليه جمهور الأصوليين والفقهاء واللغويين من أن للعموم صيغا وألفاظا، وقد ذَكر أنه قول الجمهور غيرُ واحد، كأبي المعالي الجويني في كتابه:"البرهان"، والغزَّالي في كتابه:"المستصفى"، والقرافي في كتاب له عن ألفاظ العموم، وغيرهم.

ص: 103

واقتصر الموفق ابن قدامة رحمه الله في "الروضة" على خمس صيغ تبعه الناظم هنا فذكرها:

أولها: "أل" الاستغراقية؛ فإنها إذا دخلت على اسم أفادت العموم، سواء أكان الاسم مفردا، أم كان جمعا، ومثال المفرد: كلمة "العليم" فإنها تعم جميع جنس المعلوم، إذ أن الله يعلم الشيء قبل كينونيته وبعد ذلك، فعلمه أزلي أبدي شامل عام، يعلم السر وأخفى، ومثال الجمع: المؤمنون والمؤمنات والمسلمون والمسلمات ونحوها، فهو يشمل جمع السلامة وجمع التكسير.

والقول بأن "أل" الاستغراقية من ألفاظ العموم هو الذي أطبق عليه القائلون بالعموم، قاله أبو المعالي في "البرهان"، وقطع به الغزَّالي في:"المستصفى".

لطيفة: إذا كانت الكلمة مكوَّنة من حرف؛ ذُكِرَت باسمها، كالحروف الهجائية، فيقال: همزة وكاف ونون، ونحو ذلك. وإذا كانت مكونة من حرفين أو أكثر؛ ذكرت بمسماها، لا باسمها، نحو:"أل". ذَكَر هذه القاعدة اللغوية ابن هشام رحمه الله في: "مغني اللبيب".

وثانيها: النكرة في سياق النفي تفيد العموم، وهذا عليه أئمة الأصوليين، قاله أبو المعالي في:"البرهان"، وبنحوه قال العلائي في:"تلقيح الفهوم"، ومثاله:"لا إله إلا الله"؛ فإن كلمة "إله": نكرة تسلَّط عليها النفي فأفاد العموم ليشمل جميع الآلهة، فيكون

ص: 104

المعنى: لا إله في الوجود يستحق العبادة سوى الله.

ويتبع ذلك النكرة في سياق النهي، وهو ما عليه جمهور الأصوليين، ويدخل فيه جميع الأحاديث النبوية التي ابتدأها النبي صلى الله عليه وسلم بالنهي، وكان بعدها اسمٌ نكرة، ويدخل في ذلك على ما ذكره شيخ الإسلام وغيره: النكرة في سياق الشرط، وفي سياق الامتنان؛ فإنها تَعُمُّ على أصح أقوال أهل العلم.

وثالثها: "من" و "ما".

و"من" لا تكون إلا اسمية، ولها معان:

الأول: الجزاء والشرطية قال العلائي: (اتفق الأصوليون الذين يقولون بالعموم على أن "من" إذا أتت بمعنى الشرطية والجزاء؛ فإنها تفيد العموم، كقوله سبحانه:{فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره} ونحوها.

الثاني: الموصولية، أي بمعنى: الذي، فجمهور القائلين بالعموم على أنها تفيد العموم إذا أتت بهذا المعنى، قاله العلائي في:"تلقيح الفهوم".

الثالث: بمعنى النكرة الموصوفة، وهي تفيد العموم كذلك؛ لأنها تشبه حينئذ النكرة في سياق النفي ونحوها.

وأما "ما" فإما أن تكون حرفية أو اسمية، فلا تفيد العموم إذا كانت حرفية إلا إذا كانت بمعنى النكرة الموصوفة أو الشرطية،

ص: 105

والمقصود بكونها تفيد النكرة الموصوفة أو الوصف هو ما ذكره ابن عصفور بقوله: (أن تكون بمعنى الدوام والاستمرار، كقولك: لا أكلمك ما دامت السموات والأرض) وهذا الذي عليه جمهور القائلين بالعموم، كما ذكره ابن الساعاتي، وقطع به العلائي في كتابه السابق. وأما إذا كانت اسمية فتأتي عليها معاني "مَن" السابقة، وتأخذ حكمها سِيَّان.

ورابعها: الاسم المفرد إذا أضيف؛ فإنه يفيد العموم وبهذا قطع الموفق في: "الروضة"، وجزم به ابن القيم في:"إعلام الموقعين"، ومثاله: قوله سبحانه: {وأما بنعمة ربك فحدث} ؛ حيث أضيفت النعمة وهي مفرد فتعم جميع النعم الدنيوية والدينية.

وخامسها: لفظة "كل"، قال أبو المعالي الجويني في:"البرهان": (وهي أقوى ألفاظ العموم في الدلالة على العموم) . وقد صنَّف تقي الدين السبكي رحمه الله مصَنَّفا في: "كل" ومشتقاتها، وأطال الكلام حولها، ولخصه العلائي رحمه الله في:"تلقيح الفهوم". وقد حكى غير واحد من الأصوليين كالغزَّالي في: "المستصفى" اتفاقَ الأصوليين من القائلين بالعموم على أن "كل" تفيد العموم. وهي تفيد العموم سواء أكانت مستقلة أم مؤكِّدة: مستقلة نحو قوله سبحانه: {كل نفس ذائقة الموت} ، ومؤكَّدة نحو قولك:(هذا البيت كله) .

ص: 106

فائدة:

ألَّف الإمام القرافي كتابا في ألفاظ العموم، أوصلها إلى خمسين ومئتي لفظ، غير أن العلائي في:"تلقيح الفهوم" قال: (وهي ترجع إلى ثلاثة أقسام:

الأول: إلى ما هو متفق عليه من ألفاظ العموم ك "كل" و "من" و "ما الشرطية") ونحوهما.

الثاني: أنه يذكر -يعني القرافي- الألفاظ ومشتقاتها واللغات الواردة في تلك الألفاظ بكسرٍ أو فتحٍ أو غير ذلك، ويَعُدُّ كل شيء من ذلك لفظا مستقلا كأجمع وجمعاء وأجمعون ومشتقاتها، فإن كل لفظة من ذلك هي لفظ مستقل عنده، يدل على العموم.

الثالث: أنه يذكر أشياء كثيرة لا تصح مما يذكره بعض الفقهاء والأصوليين.

* * *

ص: 107

لابد في الحكم من استكمال الشروط وانتفاء الموانع

36-

ولا يتم الحكمُ حتى تجتمعْ

كلُّ الشروط والموانع تُرْتَفَعْ

"الشرح"

قوله: [الحكم] :

أصله في اللغة المنع، ومنه قول جرير الكلبي:

أَبَنَيْ حنيفةَ أَحْكِمُوا سُفَهَاءَكم

إِنِّي أخافُ عليكُمُ أن أغضَبا

والحكم نوعان:

الأول: حكم شرعي سواء أكان تكليفيا أم وضعيا، وهو المقصود في كلام الناظم رحمه الله.

والثاني: حكم عقلي، وهو غير مقصود هنا، كالأحكام العددية وغيرها.

ويذكر بعض الأصوليين حكما ثالثا، ويسَمُّونه بالحكم العرفي، وهو تعارف جماعة من الخلق على أمر ما.

قوله: [الشروط] :

واحدها شَرْط، وسبق.

قوله: [الموانع] :

واحدها مانع، وهو اسم فاعل من المنع، وأما في الاصطلاح فله

ص: 108

تعريفات وحدود منها: ما يلزم من وجوده العدم، ولا يلزم من عدمه وجود ولا عدم لذاته كالحيض مع الصلاة فهو مانع منها.

وحاصل كلام الناظم رحمه الله هو تقرير قاعدة كلية، وهي:(أن الحكم الشرعي لا يتم إلا باستكمال شروطه وانتفاء موانعه) . قال شيخ الإسلام في: "المجموع": (اتفق على ذلك أهل العلم، ولا خلاف بينهم في ذلك، ولكنهم اختلفوا في تنزيلها على بعض القضايا الشرعية والعقلية) . وحكى الاتفاق غير واحد، كالغزَّالي في "المستصفى"، والآمدي في:"الإحكام".

وهذه القاعدة الكلية لابد من مراعاتها عند تنزيل الأحكام الشرعية، كالتكفير مثلا، فلا يكفَّر المعيَّن إلا إذا توفرت الشروط، ومنها: كونه مكلفا عالما بالحكم مختارا، وانتفت الموانع، ومنها: التأويل السائغ والجهل والإكراه. قال شيخ الإسلام في: "مجموع الفتاوي": (اتفق على ذلك عامة السلف وفقهاء الملة) .

* * *

ص: 109

(ما ترتب على المأذون فيه يأخذ حكمه)

(إذا أدى ما عليه: وجب له ما جعل له عليه)

37-

ومن أتى بما عليه من عمل

وهي التي قد استحق ماله على العمل

"الشرح"

قوله: [استحق] :

استفعل من الحقوق، أي: استوجب حقا له أو عليه، ومعنى هذا النظم هو ما أبان عنه الناظم رحمه الله في "شرحه"؛ حيث قال ما حاصله:(إذا كان العمل في أصله مأذونا فيه؛ فما ترتب عليه يأخذ حكمه، والعكس بالعكس، كالضمان ونحوه) .

وهذه القاعدة عليها جمهور الفقهاء، قاله الموفق في:"المغني"، والنووي في:"المجموع"، وفي بعض فروعها تفصيلٌ عندهم -أعني الفقهاء-.

ومن أمثلة القاعدة: إذا قطع مكلفٌ يدَ معصوم النفس، فأدى ذلك إلى إزهاق نفسه، فهل يُعفى عنه أم يؤخذ بالقَوَدِ منه؟

في المسألة تفصيل بحسب القاعدة، فإن كان قطعه ليد معصوم النفس مأذونا فيه؛ فلا ضمان عليه ولا قَوَد منه إن أُزْهِقَت نفسه، كمسلم سرق سرقة تستوجب الحد فقُطِعت، فأدى ذلك إلى نزيف

ص: 110

للدم مستمر كان فيه هلاكه، فلا ضمان ولا قَوَد على قاطع يده، وأما إن كان غير مأذون له في قطع يده، فعليه الضمان، ويؤخذ منه القَوَد، كالجناية على معصوم النفس بقطع يده مما أدى إلى هلاكه.

* * *

ص: 111

الحكم يدور مع علته وجودا وعدما

38-

وكلُّ حُكمٍ دائر مع علتهْ

وهي التي قد أوجبتْ لشرعيَّتِهْ

"الشرح"

حاصل هذا النظم هي قاعدة أشار إليها الفقهاء بقولهم: (الحكم يدور مع علته نفيا وإثباتا، وجودا وعدما)

والعلة في اللغة: هي المرض الْمُشْغِل، قاله الفيومي في:"المصباح"، وجمعه عِلَل، كسِدْرَة وسِدَر، وأما في الاصطلاح فهو الوصف المشتمل على الحكمة الباعثة على تشريع الحكم، قاله الباجي في:"الحدود"، وبه قطع الآمدي وابن الحاجب -رحمهما الله-.

وليُعْلَمْ أن العلة نوعان: علة شرعية -وسبقت-، وعلة عقلية، كالحركة من الجسم توجب وصفه بكونه متحرِّكا.

وهذه القاعدة المشار إليها قاعدة أغلبية لا مُطَّرِدة، وقد اتفق عليها الفقهاء، قاله ابن النجار في:"شرح مختصر التحرير"، وبنحوه قال الشاطبي في "الموافقات"، ومثالها: ما جاء في: "الصحيحين" أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إنما نهيتكم من أجل الدَّافَّة التي دَفَّت، فكلوا وادخروا وتصدقوا} ، والدَّافَّة هم الأعراب الفقراء

ص: 112

الذين دَفَّوا -والدف نوع من أنواع المشي- إلى المدينة وقت عيد الأضحى، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث حتى يتصدقوا على هؤلاء الفقراء ويعطوهم شيئا من اللحم والزاد. فكانت علة النهي عن الادخار هو ما سبق، فلما ذهبت ذهب الحكم، فجوز النبي صلى الله عليه وسلم الادخار بعد ثلاث.

وإنما قيل: إن القاعدة السابقة أغلبية؛ لأن لها استثناءات، وهي ترجع إلى مجموعة أمور:

أولها: ما كان له -يعني الحكم- أكثر من علة؛ فإن انتفاء بعض تلك العلل لا يوجب انتفاء الحكم، كالحدث ببول وغائط؛ فإنه يوجب عدم الصلاة حتى يرتفع الحدث، فلو انتفت علة البول، فلا يعني ذلك جواز مباشرة الصلاة وصحتها؛ لأنه قد يوجد علة أخرى -وهي الغائط- تمنع من الصلاة.

وثانيها: هو الحكم الذي بقي مع انتفاء علته، ومثاله: الرَّمَل، فإن علته إظهار النشاط للكفار، وأن حُمَّى يثرب لم تصب النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، غير أن هذه العلة انتفت وبقي الحكم، ويدل عليه فعل النبي صلى الله عليه وسلم للرَّمَل في حجة الوداع.

وثالثها: ما كان الحكم مبنيا على علة ظنية، ومثاله الرخص المتعلِّقة بالسفر، لأنه مظنة المشقة، فإن أحكام الرخص تستمر ولو لم توجد تلك العلة، وهي المشقة لكونها ظنية، قاله شيخ الإسلام رحمه الله في "مجموع الفتاوي".

ص: 113

الأصل في الشروط: اللزوم

39-

وكل شرط لازمٍ للعاقد

في البيع والنكاح والمقاصدِ

40-

إلا شروطاً حَلَّلَتْ مُحَرَّماً

أو عكسِه فباطلاتٌ فاعْلَمَا

"الشرح"

قوله: [للعاقد] :

اسم فاعل من العقد، وهو من أَبرمَ عقدا ما في الأنكحة أو البيوع ونحوهما من المعاملات.

وحاصل كلام الناظم رحمه الله يرجع إلى قاعدتين ذكرهما الفقهاء:

الأولى: أن الشرط لازم في العقد.

والثانية: أن كل شرط باطل لا يصح.

وهاتان القاعدتان مبنيتان على حديثين مشهورين:

فأما الأول: فهو ما رواه الطبراني رحمه الله في "معجمه الكبير" أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل} ، صححه السيوطي وغيره.

والثاني: هو ما رواه الترمذي وحسَّنه من حديث بريرة -مولاة عائشة- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {المسلمون على شروطهم} .

ص: 114

وليعلم أن الشرط قسمان:

الأول: شرط صحيح، وهو نوعان: إما أن يكون مطلوبا شرعا أو لا، فالأول كالمهر في عقد النكاح، والثاني كشراء بيت للزوجة عند عقد النكاح، وضابطه -أعني الثاني-: أن لا يخالف أصلا شرعيا، أو دليلا صحيحا.

والثاني: هو شرط باطل، ومثاله: كل شرط خالف الشرع، وهو ما عناه النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الأول السابق. وهذا الشرط إما أن يكون مبطلا للشرط نفسه أو مبطلا له وللعقد، فأما إبطاله للشرط نفسه؛ فكأن يشترط في عقد النكاح عدم الدخول على الزوجة، وأما الشرط الباطل للعقد؛ فمثاله الاشتراط في عقد النكاح أن الزوجة لا تحل لزوجها، أو أن يشترط البائع على المشتري في عقد البيع أن لا يتمَلَّك السلعة، وإنما كان ذلك الشرط الباطل مبطلا للعقد؛ لأنه يناقض ركنه ومقصده الذي لأجله شُرع العقد.

* * *

ص: 115

تستعمل القرعة عند التزاحم ولا مميز لأحدهما

41-

تُستعمَل القرعةُ عند الْمُبْهَمِ

من الحقوقِ أو لدى التَّزَاحُمِ

"الشرح"

قوله: [القرعة] :

ترجع إلى مادة (قَرَعَ) ، ولها معان مذكورة في كتب المعجمات، كـ "الصحاح" للجوهري، و"القاموس" للفيروز آبادي، غير أن المقصود هنا في صفة معروفة تستعمل عند إرادة اختيار شيء دون قصد التعيين الْمُسْبَق، قاله القرافي في:"الفروق".

قوله: [المبهم] :

اسم مفعول من الإبهام، وهو ضد التعيين للشيء.

قوله: [التزاحم] :

من الازدحام، وهو ضد السَّعَة، وفيه معنى التضايق والتحاشر.

والمقصود من كلام الناظم رحمه الله هو أن القرعة تستعمل في حالتين اثنتين:

الأولى: عند انبهام شيء من الحقوق، ومثالها: إذا طَلَّق الزوج زوجة مبهمة وله زوجات، فإنه يقرع بينهن، وهذا هو المذهب،

ص: 116

وعليه جمهور الأصحاب، قاله في:"الإنصاف".

والثانية: عند تزاحم بعض المكلفين على شيء، ومثالها: إذا ازدحم اثنان على الأذان أو الإقامة، فإنه يُقْرَع بينهما، وشرط القرعة هنا أن يستويا، بحيث لا يكون لأحدهما فضل على الآخر من الجهة الشرعية، وهذا قطع به جمهور الفقهاء، وهو اختيار أكثر الأصوليين، قاله بدر الدين الزركشي في:"البحر المحيط".

* * *

ص: 117

إذا اجتمع عبادتان من جنس واحد يجوز إدخال إحداهما في الأخرى

42-

وإن تساوى العملان اجتمعا

وفُعِل إحداهما فاستَمِعا

"الشرح"

أي أن العملين من العبادات إذا اجتمعا في كيفيتهما وصفة كلٍّ منهما، فإنه يجوز إدخال بعضهما في بعض بفعل أحدهما.

وهذا هو المذهب، وعليه جمهور الأصحاب، قاله في "الإنصاف"، وبه قطع جماعة كالموفق في:"المغني"، وشيخ الإسلام في:"شرح العمدة" وغيرهما.

ومثاله: اجتماع السنة الراتبة القبلية للفجر مع تحية المسجد، فإنه يكتفى بالراتبة عن تحية المسجد، خلافا للشافعية، وعليه يدل صنيع الصحابة في زمن التشريع دون نكير.

* * *

ص: 118

المشغول لا يشغل

43-

وكلُّ مشغولٍ فلا يُشَغَّلُ

مثالُه المرهونُ والْمُسَبَّلُ

"الشرح"

قوله: [المرهون] :

من الرهن، قال ابن سِيْدَه:(الرهن هو إيداع شيء عند إنسان لإرجاع حق له) .

قوله: [المسبَّل] :

اسم مفعول من السبيل، والمقصود ما جُعِل في سبيل الله تعالى كالوقف.

وحاصل كلام الناظم رحمه الله أنه أشار إلى قاعدة اتفق عليها أولو النظر والفقه، وهي أن المشغول لا يشغل، ومثاله في الفقه: إذا كان الشيء قد رُهِن -كبيت مثلا- فإنه لا يُستعمَل في بيع وتأجير ونحو ذلك، لأنه مشغول بالرهن، ومثاله أيضا: المكان الذي وضع في سبيل الله تعالى كالوقف، فإنه لا يباع، لأنه مشغول بالوقف.

* * *

ص: 119