الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[حكم السفور والحجاب]
[الأمر بالحجاب والنهي عن السفور]
حكم السفور والحجاب لسماحة الشيخ
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى من يراه من المسلمين سلك الله بي وبهم سبيل الاستقامة وأعاذني وإياهم من أسباب الخزي والندامة آمين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد: فلا يخفى عليكم أيها المسلمون ما عمت به البلوى في كثير من البلدان من تبرج الكثير من النساء وسفورهن وعدم تحجبهن من الرجال وإبداء الكثير من زينتهن التي حرم الله عليهن إبداءها، ولا شك أن ذلك من المنكرات العظيمة والمعاصي الظاهرة ومن أعظم أسباب حلول العقوبات ونزول النقمات لما يترتب على التبرج والسفور من ظهور الفواحش وارتكاب الجرائم وقلة الحياء وعموم الفساد.
فاتقوا الله أيها المسلمون وخذوا على أيدي سفهائكم وامنعوا نساءكم مما حرم الله عليهن وألزموهن
التحجب والتستر واحذروا غضب الله سبحانه وعظيم عقوبته فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقابه» وقد قال الله سبحانه فيِ كتابه الكريم {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ - كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة: 78 - 79](1) وفي المسند وغيره عن ابن مسعود رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم «تلا هذه الآية ثم قال: والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد السفيه ولتأطرنه على الحق أطراً أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض ثم يلعنكم كما لعنهم» وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك
(1) المائدة آية 78- 79.
أضعف الإيمان» وقد أمر الله سبحانه في كتابه الكريم بتحجب النساء ولزومهن البيوت وحذر من التبرج والخضوع بالقول للرجال صيانة لهنً عن الفساد وتحذيرا لهن من أسباب الفتنة فقال تعالى {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلا مَعْرُوفًا - وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [الأحزاب: 32 - 33](1) .
نهى سبحانه في هذه الآيات نساء النبي الكريم أمهات المؤمنين وهن من خير النساء وأطهرهن عن الخضوع بالقول للرجال وهو تليين القول لئلا يطمع فيهن من في قلبه مرض شهوة الزنا يوافقنه على ذلك وأمر بلزومهن البيوت ونهاهن عن تبرج الجاهلية وهو إظهار الزينة والمحاسن كالرأس
(1) الأحزاب آية 32 - 33.
والوجه والعنق والصدر والذراع والساق ونحو ذلك من الزينة لما في ذلك من الفساد العظيم والفتنة الكبيرة وتحريك قلوب الرجال إلى تعاطي أسباب الزنا، وإذا كان الله سبحانه يحذر أمهات المؤمنين من هذه الأشياء المنكرة مع صلاحهن وإيمانهن وطهارتهن فغيرهن أولى وأولى بالتحذير والإنكار والخوف عليهن من أسباب الفتنة عصمنا الله وإياكم من مضلات الفتن. ويدل على عموم الحكم لهن ولغيرهن قوله سبحانه في هذه الآية {وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [الأحزاب: 33] فإن هذه الأوامر أحكام عامة لنساء النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهن وقال عز وجل {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب: 53](1) فهذه الآية الكريمة نص واضح في وجوب تحجب النساء عن الرجال وتسترهن منهم وقد أوضح الله سبحانه في هذه الآية
(1) الأحزاب آية 53.
أن التحجب أطهر لقلوب الرجال والنساء وأبعد عن الفاحشة وأسبابها وأشار سبحانه إلى أن السفور وعدم التحجب خبث ونجاسة وأن التحجب طهارة وسلامة.
فيا معشر المسلمين تأدبوا بتأديب الله وامتثلوا أمر الله وألزموا نساءكم بالتحجب الذي هو سبب الطهارة ووسيلة النجاة والسلامة. وقال عز وجل {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ (1) ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الأحزاب: 59](2) .
أمر الله سبحانه جميع نساء المؤمنين بإدناء جلابيبهن على محاسنهن من الشعور والوجه وغير ذلك حتى يعرفن بالعفة فلا يفتتن ولا يفتن غيرهن فيؤذيهن. قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن
(1) جمع جلباب وهو ما تضعه المرأة على رأسها للتحجب والتستر به.
(2)
الأحزاب آية 59.
يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب ويبدين عينا واحدة. وقال محمد بن سيرين: سألت عبيدة السلماني عن قول الله عز وجل {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} [الأحزاب: 59] فغطى وجهه ورأسه وأبرز عينه اليسرى. . ثم أخبر الله سبحانه أنه غفور رحيم عما سلف من التقصير في ذلك قبل النهي والتحذير منه سبحانه. وقال تعالى {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [النور: 60](1) يخبر سبحانه أن القواعد من النساء - وهن العجائز اللاتي لا يرجون نكاحا - لا جناح عليهن أن يضعن ثيابهن عن وجوههن وأيديهن إذا كن غير متبرجات بزينة، فعلم بذلك أن المتبرجة الزينة ليس لها أن تضع ثوبها عن وجهها ويديها وغير ذلك من زينتها، وأن عليها جناحا في ذلك ولو كانت
(1) النور آية 60.
عجوزاً، لأن كل ساقطة لها لاقطة، ولأن التبرج يفضي إلى الفتنة بالمتبرجة ولو كانت عجوزاً
فكيف يكون الحال بالشابة والجميلة إذا تبرجت؟
لا شك أن إثمهما أعظم والجناح عليها أشد والفتنة بها أكبر وشرط سبحانه في حق العجوز أن لا تكون ممن يرجو النكاح وما ذلك - والله أعلم - إلا لأن رجاءها النكاح يدعوها إلى التجمل والتبرج بالزينة طمعا في الأزواج فنهيت عن وضع ثيابها عن محاسنها لها ولغيرها من الفتنة. ثم ختم الآية سبحانه بتحريض القواعد على الاستعفاف، وأوضح أنه خير لهن، وإن لم يتبرجن. فظهر بذلك فضل التحجب والتستر بالثياب، ولو من العجائز وأنه خير لهن من وضع الثياب، فوجب أن يكون التحجب والاستعفاف عن إظهار الزينة خير للشابات من باب أولي وأبعد لهن عن أسباب الفتنة. وقال تعالى:
{قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ - وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور: 30 - 31](1) أمر الله سبحانه في هاتين الآيتين الكريمتين المؤمنين والمؤمنات بغض الأبصار وحفظ الفروج وما ذاك إلا لعظم فاحشة الزنا وما يترتب عليها من الفساد الكبير بين المسلمين ولأن إطلاق البصر من وسائل مرض القلب ووقوع الفاحشة وغض البصر من أسباب
(1) النور آية 30 - 31.
السلامة من ذلك ولهذا قال سبحانه: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [النور: 30] فغض البصر وحفظ الفرج أزكى للمؤمن في الدنيا والآخرة، وإطلاق البصر والفرج من أعظم أسباب العطب والعذاب في الدنيا والآخرة. نسأل الله العافية من ذلك.
وأخبر عز وجل أنه خبير بما يصنعه الناس وأنه لا يخفى عليه خافية، وفى ذلك تحذير للمؤمنين من ركوب ما حرم الله عليهم، والإعراض عما شرع الله لهم وتذكير لهم بأن الله سبحانه يراهم ويعلم أفعالهم الطيبة وغيرها كما قال تعالى:{يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر: 19](1) .
(1) غافر آية 19.
وقال تعالى: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ} [يونس: 61](1) فالواجب على العبد أن يحذَرَ ربه وأن يستحي منه أن يراه على معصيته أو يفقده من طاعته التي أوجب عليه ثم قال سبحانه {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [النور: 31] فأمر المؤمنات بغض البصر وحفظ الفرج كما أمر المؤمنين بذلك صيانة لهن من أسباب الفتنة وتحريضا لهن على أسباب العفة والسلامة ثم قال سبحانه {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] قال ابن مسعود رضى الله عنه: (مَا ظَهَرَ مِنْهَا) يعني بذلك ما ظهر من اللباس فإن ذلك معفو عنه ومراده بذلك رضي الله عنه الملابس التي ليس فيها تبرج وفتنة. وأما ما يروى عن ابن عباس - رضى الله عنهما - أنه فسر (مَا ظَهَرَ مِنْهَا) بالوجه والكفين فهو
(1) يونس آية 61.
محمول على حالة النساء قبل نزول آية الحجاب. وأما بعد ذلك فقد أوجب الله عليهن ستر الجميع كما سبق في الآيات الكريمات من سورة الأحزاب وغيرها. ويدل على أن ابن عباس أراد ذلك ما رواه علي بن أبي طلحة عنه أنه قال: أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فرق رؤوسهن بالجلابيب، ويبدين عينا واحدة. وقد نبه على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من أهل العلم، والتحقيق. وهو الحق الذي لا ريب فيه. وأما ما رواه أبو داود في سننه عن عائشة - رضى الله عنها - «أن أسماء بنت أبي بكر - رضى الله عنهما - دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق فأعرض عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال:"يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا " وأشار إلى وجهه وكفيه.» فهو حديث ضعيف الإسناد لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم لأنه من رواية خالد بن دريك عن عائشة وهو لم يسمع منها فهو منقطع ولهذا قال أبو داود