المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[ستر العورة في الصلاة وخارجها] - مجموعة رسائل في الحجاب والسفور

[مجموعة من المؤلفين]

الفصل: ‌[ستر العورة في الصلاة وخارجها]

[فصل في ستر النساء عن الرجال وستر الرجال عن الرجال والنساء عن النساء]

[ستر العورة في الصلاة وخارجها]

فصل فهذا ستر النساء عن الرجال، وستر الرجال عن الرجال، والنساء عن النساء في العورة الخاصة، كما قال صلى الله عليه وسلم:«لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، ولا تنظر المرأة إلى عورة المرأة» وقال: «احفظ عورتك إلا عن زوجتك أو ما ملكت يمينك» قلت: فإذا كان القوم بعضهم في بعض؟ قال: «إن استطعت أن لا يرينها أحد فلا يرينها» . قلت: فإذا كان أحدنا خاليا؟ قال: «فالله أحق أن يستحيا منه» و «نهى أن يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد، والمرأة إلى المرأة في ثوب واحد» وقال عن الأولاد: «مروهم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع» .

ص: 12

فهذا نهي عن النظر واللمس لعورة النظير، لما في ذلك من القبح والفحش، وأما الرجال مع النساء، فلأجل شهوة النكاح، فهذان نوعان.

وفي الصلاة نوع ثالث، فإن المرأة لو صلت وحدها، كانت مأمورة بالاختمار، وفي غير الصلاة يجوز لها كشف رأسها في بيتها، فأخذ الزينة في الصلاة لحق الله، فليس لأحد أن يطوف بالبيت عريانا ولو كان وحده بالليل. ولا يصلي عريانا ولو كان وحده، فعلم أن أخذ الزينة في الصلاة لم يكن لتحتجب عن الناس، فهذا نوع، وهذا نوع.

وحينئذ فقد يستر المصلي في الصلاة ما يجوز إبداؤه في غير الصلاة، وقد يبدي في الصلاة ما يستره عن الرجال.

فالأول مثل المنكبين، فإن النبي نهى أن يصلى الرجل في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء فهذا لحق الصلاة، ويجوز له كشف منكبيه للرجال خارج

ص: 13

الصلاة.

وكذلك المرأة الحرة تختمر في الصلاة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:«لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار» وهى لا تختمر عند زوجها ولا عند ذوي محارمها، فقد جاز لها إبداء الزينة الباطنة لهؤلاء، ولا يجوز لها في الصلاة أن تكشف رأسها لا لهؤلاء ولا لغيرهم.

وعكس ذلك الوجه واليدان والقدمان، ليس لها أن تبدي ذلك للأجانب على أصح القولين، بخلاف ما كان قبل النسخ، بل لا تبدي إلا الثياب.

وأما ستر ذلك في الصلاة، فلا يجب باتفاق المسلمين، بل يجوز لها كشف الوجه بالإجماع، وإن كان من الزينة الباطنة. وكذلك اليدان يجوز إبداؤهما في الصلاة عند جمهور العلماء، كأبي حنيفة والشافعي وغيرهما، وهو إحدى الروايتين عن أحمد، وكذلك القدم يجوز إبداؤه عند أبي حنيفة، وهو الأقوى، فإن عائشة جعلته من الزينة الظاهرة. قالت:{وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31](1)

(1) سورة النور آية: 31.

ص: 14

قالت: الفتخ: حلق من فضة تكون في أصابع الرجلين. رواه ابن أبي حاتم، فهذا دليل على أن النساء كن يظهرن أقدامهن أولاً، كما يظهرن الوجه واليدين، فإنهن كن يرخين ذيولهن، فهي إذا مشت قد يظهر قدمها. فإنهن لم يكنّ يمشين في خفاف وأحذية. وتغطية هذا في الصلاة فيه حرج عظيم، وأم سلمة قالت: تصلي المرأة في ثوب سابغ يغطى ظهور قدميها، فهي إذا سجدت قد يبدو باطن القدم.

وبالجملة فقد ثبت بالنص والإجماع أنه ليس عليها في الصلاة أن تلبس الجلباب الذي يسترها إذا كانت في بيتها، وإنما ذلك إذا خرجت، وحينئذ فتصلي في بيتها، وإن بَدا وجهها ويداها وقدماها. كما كن يمشين أولاً قبل الأمر بإدناء الجلابيب عليهن، فليست العورة في الصلاة مرتبطة بعورة النظر، لا طردا ولا عكسا.

ص: 15

وابن مسعود رضي الله عنه لما قال: الزينة الظاهرة هي الثياب، لم يقل: إنها كلها عورة حتى ظفرها. بل هذا قول أحمد، يعني به أنها تستره في الصلاة، فإن الفقهاء يسمون ذلك " باب ستر العورة " وليس هذا من ألفاظ الرسول، ولا في الكتاب والسنة أن ما يستره المصلى فهو عورة، بل قال تعالى:{خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31](1) .

ونهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يطوف بالبيت عريانا فالصلاة أولى. وسئل عن الصلاة في الثوب الواحد، فقال:«أو لِكُلِّكُم ثوبان؟» . وقال في الثوب الواحد: «إن كان واسعا فالتحف به، وإن كان ضيقا فاتزر به» ونهى أن يصلي الرجل في ثوب واحد وليس على عاتقه منه شيء فهذا دليل على أنه يؤمر في الصلاة بستر العورة، الفخذ وغيره، وإن جوزنا للرجل النظر إلى ذلك.

(1) سورة الأعراف: 31.

ص: 16

فإذا قلنا على أحد القولين، وهو إحدى الروايتين عن أحمد: أن العورة هي السوأتان، وأن الفخذ ليس بعورة، فهذا في جواز نظر الرجل إليها، ليس هو في الصلاة والطواف، فلا يجوز أن يصلي الرجل مكشوف الفخذين، سواء قيل: هما عورة أو لا، ولا يطوف عريانا، بل عليه أن يصلى في ثوب واحد، ولا بد من ذلك، إن كان ضيقا اتّزر به، وإن كان واسعا التحف به، كما أنه لو صلى وحده في بيت كان عليه تغطية ذلك باتفاق العلماء.

وأما صلاة الرجل بادي الفخذين مع القدرة على الإزار، فهذا لا يجوز، ولا ينبغي أن يكون في ذلك خلاف، ومن بنى هذا على الروايتين في العورة، كما فعله طائفة فقد غلطوا. ولم يقل أحمد ولا غيره: إن المصلي يصلى على هذه الحال، كيف وأحمد يأمره بستر المنكبين؟ فكيف يبيح له كشف الفخذ؟! فهذا هذا.

ص: 17

وقد اختلف في وجوب ستر العورة إذا كان الرجل خاليا، ولم يختلف في أنه في الصلاة لا بد من اللباس، (وأنه) لا تجوز الصلاة عريانا مع القدرة على اللباس باتفاق العلماء، ولهذا جوز أحمد وغيره للعراة أن يصلوا قعودا ويكون إمامهم وسطهم، بخلاف خارج الصلاة، هذا الستر لحرمة الصلاة، لا لأجل النظر، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده لما قَال:«قلت يا رسول الله، فإذا كان أحدنا خاليا؟ قال: فالله أحقُّ أن يستحيا منه من الناس.»

فإذا كان هذا خارج الصلاة، فهو في الصلاة أحق أن يستحيا منه، فتؤخذ الزينة لمناجاته سبحانه وتعالى، ولهذا قال ابن عمر لغلامه نافع لما رآه يصلي حاسراً:" أرأيت لو خرجت إلى الناس، كنت تخرج هكذا؟ " قال: لا. قال: فالله أحق من يتجمل له.

وفي الحديث الصحيح لما قيل للنبي صلى الله عليه وسلم -

ص: 18

: «الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا؟ فقال: إن الله جميل يحب الجمال.»

وهذا كما أمر المصلي بالطهارة والنظافة والطيب، فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم «أن تتخذ المساجد في البيوت وتنظف وتطيب» وعلى هذا، فيستتر في الصلاة أبلغ مما يستتر الرجل من الرجل، والمرأة من المرأة.

ولهذا أمرت المرأة أن تختمر في الصلاة. وأما وجهها ويداها وقدماها، فهي إنما نهيت عن إبداء ذلك للأجانب، لم تنه عن إبدائه للنساء، ولا لذوي المحارم فعلم أنه ليس من جنس عورة الرجل مع الرجل، والمرأة مع المرأة التي نهى عنها لأجل الفحش وقبح كشف العورة، بل هذا من مقدمات الفاحشة، فكان النهي عن إبدائها نهيا عن مقدمات الفاحشة، كما قال في الآية:{ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ} [النور: 30](1) وقال في آية الحجاب: {ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب: 53](2) فنهى عن هذا

(1) سورة النور آية: 30.

(2)

سورة الأحزاب آية: 53.

ص: 19

سدا للذريعة، لا أنه عورة مطلقة، لا في الصلاة ولا في غيرها، فهذا هذا.

وأمر المرأة في الصلاة بتغطية يديها بعيد جدا، واليدان تسجدان كما يسجد الوجه. والنساء على عهد النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان لهن قمص، وكن يصنعن الصنائع والقمص عليهن، فتبدي المرأة يديها إذا عجنت وطحنت وخبزت، ولو كان ستر اليدين في الصلاة واجبا لبينه النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك القدمان، وإنما أمر بالخمار فقط مع القميص، فكنَّ يصلين في قمصهن وخمرهن.

وأما الثوب الذي كانت المرأة ترخيه، وسألن عن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال:«شبرًا فقلن: إذاً تبدو سوقهن؟ فقال: ذراع لا يزدن عليه» . وقول عمر ابن ربيعة:

كتب القتل والقتال علينا

وعلى الغانيات جر الذيول

فهذا كان إذا خرجن من البيوت، ولهذا سئل عن

ص: 20

المرأة تجر ذيلها على المكان القذر؟ فقال: «يطهره ما بعده» . وأما في نفس البيت فلم تكن تلبس مثل ذلك. كما أن الخفاف اتخذها النساء بعد ذلك لستر السوق إذا خرجن، وهن لا يلبسنها في البيوت، ولهذا قلن: إذاً تبدو سوقهن، وكأن المقصود تغطية السوق، لأن الثوب إذا كان فوق الكعبين بدا الساق عند المشي.

وقد روي: «أعروا النساء يلزمن الحجال» يعنى إذا لم يكن لها ما تلبسه في الخروج لزمت بيتها.

وكنَّ نساء المسلمين يصلين في بيوتهن، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:«لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، وبيوتهن خير لهن» ولم يؤمرن مع القُمُص إلا بالخمر، لم تؤمر بما يغطي رجليها، لا خف ولا جورب. ولا بما يغطي يديها، لا بقفازين ولا غير ذلك.

فدل على أنه لا يجب عليها في الصلاة ستر ذلك إذا لم يكن عندها رجال أجانب. وقد روي أن الملائكة لا تنظر إلى الزينة الباطنة. فإذا وضعت خمارها أو

ص: 21