الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
«من نظر إلى محاسن امرأة ثم غض بصره، أورث الله قلبه حلاوة عبادة يجدها إلى يوم القيامة» أو كما قال.
[فوائد غض البصر]
ولهذا يقال: إن غض البصر عن الصورة التي ينهى عن النظر إليها، كالمرأة والأمرد الحسن، يورث ذلك ثلاث فوائد جليلة القدر: -
إحداها: حلاوة الإيمان ولذته التي هي أحلى وأطيب مما تركه لله فإن " «من ترك شيئا لله، عوضه الله خيرا منه» ".
وأما الفائدة الثانية من غض البصر: فهو يورث نور القلب والفراسة قال تعالى عن قوم لوط: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الحجر: 72](1) فالتعلق بالصور يوجب فساد العقل، وعمى البصيرة، وسكر القلب، بل جنونه.
وذكر الله سبحانه آية النور عقيب آيات غض
(1) الحجر: 72.
البصر فقال: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [النور: 35](1) وكان شاه بن شجاع الكرماني لا تخطئ له فراسة. وكان يقول: " من عمر ظاهره باتباع السنة، وباطنه بدوام المراقبة، وغض بصره من المحارم، وكف نفسه عن الشهوات، وذكر خصلة خامسة- أظنه- هو أكل الحلال، لم تخطئ له فراسة ".
والله تعالى يجزي العبد على عمله بما هو من جنس عمله، فيطلق نور بصيرته، ويفتح عليه باب العلم والمعرفة، والكشوف، ونحو ذلك مما ينال ببصيرة القلب. الفائدة الثالثة: قوة القلب وثباته وشجاعته، فيجعل الله له سلطان البصيرة مع سلطان الحجة، فإن الرجل الذكي يخالف هواه، يفرق الشيطان من ظله. ولهذا يوجد في المتبع هواه من ذل النفس وضعفها ومهانتها ما جعله الله لمن عصاه.
(1) سورة النور آية: 35.
وإن الله جعل العزة لمن أطاعه، والذلة لمن عصاه.
قال الله تعالى: {يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقون: 8](1) وقال تعالى: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 139](2) .
ولهذا كان من كلام الشيوخ: الناس يطلبون العز بأبواب الملوك، ولا يجدونه إلا في طاعة الله.
وكان الحسن البصري يقول: وإن هملجت بهما البراذين، وطقطقت بهم البغال، فإن ذل المعصية في رقابهم، أبى الله إلا أن يذل من عصاه، ومن أطاع الله فقد والاه فيما أطاعه فيه، ومن عصاه ففيه قسط من فعل من عاداه بمعصيته.
وفي دعاء القنوت: " «إنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت» ".
وأما أهل الفواحش الذين لا يغضون أبصارهم، ولا
(1) سورة المنافقون آية 8.
(2)
سورة آل عمران آية 139.
يحفظون فروجهم، فقد وصفهم الله بضد ذلك، من السكرة، والعمه، والجهالة، وعدم العقل، وعدم الرشد، والبغض، وطمس الأبصار. هذا مع ما وصفهم به من الخبث، والفسوق، والعدوان، والإسراف، والسوء، والفحش، والفساد، والإجرام. فقال عن قوم لوط:{بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} [النمل: 55](1) فوصفهم بالجهل وقال: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الحجر: 72](2) وقال: {أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ} [هود: 78](3) وقال: {لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ} [يس: 66](4) وقال: {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ} [يس: 19](5) وقال: {فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ} [الأعراف: 84](6) وقال: {إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ} [الأنبياء: 74](7) وقال: {أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ} [العنكبوت: 29]
(1) سورة النمل آية 55.
(2)
سورة الحجر آية 72.
(3)
سورة هود آية 78.
(4)
سورة يس آية 66.
(5)
سورة يس آية 19.
(6)
سورة الأعراف آية 84.
(7)
سورة الأنبياء آية 74.
(1)
إلى قوله: {انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ} [العنكبوت: 30](2) إلى قوله: {بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} [العنكبوت: 34](3) وقوله: {مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ} [الذاريات: 34](4) .
بل قد ينتهي النظر والمباشرة بالرجل إلى الشرك، كما قال تعالى:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ} [البقرة: 165](5) .
ولهذا لا يكون عشق الصور إلا من ضعف محبة الله، وضعف الإيمان. والله تعالى إنما ذكره في القرآن عن امرأة العزيز المشركة، وعن قوم لوط المشركين. والعاشق المتيم يصير عبداً لمعشوقه، منقاداً إليه، أسير القلب له.
والله أعلم، وصلى الله على محمد.
(1) سورة العنكبوت آية 29.
(2)
سورة العنكبوت آية 30.
(3)
سورة العنكبوت آية 34.
(4)
سورة الذاريات آية 34.
(5)
سورة البقرة آية 165.