المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[أدلة من أجاز نظر الوجه والكفين من الأجنبية ومناقشتها] - مجموعة رسائل في الحجاب والسفور

[مجموعة من المؤلفين]

الفصل: ‌[أدلة من أجاز نظر الوجه والكفين من الأجنبية ومناقشتها]

منع النساء من الخروج سافرات الوجوه وبأن النظر مظنة الفتنة ومحرك للشهوة وقد قال الله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور: 30] واللائق بمحاسن الشريعة سد الباب والِإعراض عن تفاصيل الأحوال اهـ كلامه.

(وفى نيل الأوطار شرح المنتقى ذكر اتفاق المسلمين على منع النساء أن يخرجن سافرات الوجوه لا سيما عند كثرة الفساق) .

[أدلة من أجاز نظر الوجه والكفين من الأجنبية ومناقشتها]

ولا أعلم لمن أجاز نظر الوجه والكفين من الأجنبية دليلا من الكتاب والسنة سوى ما يأتي:

الأول: قوله تعالى: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] حيث قال ابن عباس رضي الله عنهما هي وجهها وكفاها والخاتم قاله الأعمش عن سعيد بن جبير عنه وتفسير الصحابي حجة كما تقدم.

الثاني- ما رواه أبو داود في سننه عن عائشة رضي الله عنها أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق فأعرض عنها وقال:

ص: 101

«أسماء إن المرأة إذا بلغت سن المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا وأشار إلى وجهه وكفيه» .

الثالث- ما رواه البخاري وغيره عن ابن عباس رضى الله عنهما «أن أخاه الفضل كان رديفا للنبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع فجاءت امرأة من خثعم فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر» ففي هذا دليل على أن هذه المرأة كاشفة وجهها.

الرابع- ما أخرجه البخاري وغيره من حديث جابر بن عبد الله رضى الله عنه في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالناس صلاة العيد ثم وعظ الناس وذكرهم ثم مضى حتى أتى النساء فوعظهن وذكرهن وقال: «يا معشر النساء تصدقن فإنكن أكثر حطب جهنم فقامت امرأة من سطة النساء سعفاء الخدين» الحديث ولولا أن وجهها مكشوف ما عرف أنها سعفاء الخدين هذا ما أعرفه من الأدلة التي يمكن أن يستدل بها على جواز كشف الوجه للأجانب من المرأة ولكن هذه الأدلة لا تعارض

ص: 102

ما سبق من أدلة وجوب ستره وذلك لوجهين.

أحدهما: أن أدلة وجوب ستره ناقلة عن الأصل وأدلة جواز كشفه مبقية على الأصل والناقل عن الأصل مقدم كما هو معروف عند الأصوليين؛ وذلك لأن الأصل بقاء الشيء على ما كان عليه فإذا وجد الدليل الناقل عن الأصل دل ذلك على طروء الحكم على الأصل وتغييره له ولذلك نقول إن مع الناقل زيادة علم وهو إثبات تغيير الحكم الأصلي والمثبت مقدم على النافي.

وهذا الوجه إجمالي ثابت حتى على تقدير تكافؤ الأدلة ثبوتا ودلالة.

الثاني: أننا إذا تأملنا أدلة جواز كشفه وجدناها لا نكافئ أدلة المنع ويتضح ذلك بالجواب عن كل واحد منها بما يلي:

1 -

عن تفسير ابن عباس من ثلاثة أوجه:

أحدهما: محتمل أن مراده أول الأمرين قبل نزول آية لحجاب كما ذكره شيخ الإسلام ونقلنا كلامه آنفا. .

ص: 103

الثاني: يحتمل أن مراده الزينة التي نهى عن إبدائها كما ذكره ابن كثير في تفسيره ويؤيد هذين الاحتمالين تفسيره رضى الله عنه لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ} [الأحزاب: 59] كما سبق في الدليل الثالث من أدلة القرآن.

الثالث: إذا لم نسلم أن مراده أحد هذين الاحتمالين فإن تفسيره لا يكون حجة يجب قبولها إلا إذا لم يعارضه صحابي آخر فإن عارضه صحابي آخر أخذ بما ترجحه الأدلة الأخرى وابن عباس رضى الله عنهما قد عارض تفسيره ابن مسعود رضي الله عنه حيث فسر قوله إلا ما ظهر منها بالرداء والثياب وما لابد من ظهوره فوجب طلب الترجيح والعمل بما كان راجحا من تفسيريهما.

2 -

وعن حديِث عائشة بأنه ضعيف من وجهين:

أحدهما: الانقطاع بين عائشة، وخالد بن دريك

ص: 104

الذي رواه عنه كما أعله بذلك أبو داود نفسه حيث قال: خالد بن دريك لم يسمع من عائشة وكذلك أعله أبو حاتم الرازي.

الثاني: أن في إسناده سعيد بن بشير النصري نزيل دمشق تركه ابن مهدي وضعفه أحمد، وابن معين، وابن المديني، والنسائي وعلى هذا فالحديث ضعيف لا يقاوم ما تقدم من الأحاديث الصحيحة الدالة على وجوب الحجاب.

وأيضا فإن أسماء بنت أبي بكر رضى الله عنها كان لها حين هجرة النبي صلى الله عليه وسلم سبع وعشرون سنة فهي كبيرة السن، فيبعد أن تدخل على النبي صلى الله عليه وسلم بثياب رقاق تصف منها ما سوى الوجه والكفين والله أعلم ثم على تقدير الصحة يحمل على ما قبل الحجاب؛ لأن نصوص الحجاب ناقلة عن الأصل فتقدم عليه.

3 -

وعن حديث ابن عباس بأنه لا دليل فيه على جواز النظر إلى الأجنبية لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقر الفضل

ص: 105

على ذلك بل حرف وجهه إلى الشق الآخر ولذلك ذكر النووي في شرح صحيح مسلم بأن من فوائد هذا الحديث تحريم نظر الأجنبية وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري في فوائد هذا الحديث: وفيه منع النظر إلى الأجنبيات وغض البصر.

قال عياض وزعم بعضهم أنه غير واجب إلا عند خشية الفتنة. قال: وعندي أن فعله صلى الله عليه وسلم إذ غطى وجه الفضل أبلغ من القول اهـ.

وقوله: غطى وجه الفضل لعله حرف وجه الفضل كما في الرواية، فإن قيل: فلماذا لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم المرأة بتغطية وجهها فالجواب أن الظاهر أنها كانت محرمة والمشروع في حقها أن لا تغطى وجهها إذا لم يكن أحد ينظر إلى وجهها من الأجانب أو يقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها بعد ذلك فإن عدم نقل أمره بذلك لا يدل على عدم الأمر إذ عدم النقل ليس نقلا للعدم.

وروى مسلم، وأبي داود عن جرير بن عبد الله البجلى رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفجاءة فقال: «اصرف بصرك أو قال فأمرني أن أصرف بصري» .

ص: 106

4 -

وعن حديث جابر بأن لم يذكر متى كان ذلك فإما أن تكون هذه المرأة من القواعد اللاتي لا يرجون نكاحا فكشف وجهها مباح، ولا يمنع وجوب الحجاب على غيرها أو يكون قبل نزول آية الحجاب فإنها كانت في سورة الأحزاب سنة خمس أو ست من الهجرة وصلاة العيد شرعت في السنة الثانية من الهجرة، واعلم أننا إنما بسطنا الكلام في ذلك لحاجة الناس إلى معرفة الحكم في هذه المسألة الاجتماعية الكبيرة التي تناولها كثير ممن يريدون السفور فلم يعطوها حقها من البحث والنظر مع أن الواجب على كل باحث أن يتحرى العدل والإنصاف وأن لا يتكلم قبل أن يتعلم وأن يقف بين أدلة الخلاف موقف الحاكم من الخصمين فينظر بعين العدل ويحكم بطريق العلم فلا يرجح أحد الطرفين بلا مرجح بل ينظر في الأدلة من جميع النواحي ولا يحمله اعتقاد أحد القولين على المبالغة والغلو في إثبات حججه والتقصير والإهمال لأدلة خصمه ولذلك قال العلماء:

ص: 107

ينبغي أن يستدل قبل أن يعتقد ليكون اعتقاده تابعا للدليل لا متبوعا لأن من اعتقد قبل أن يستدل قد يحمله اعتقاده على رد النصوص المخالفة لاعتقاده أو تحريفها إذا لم يمكنه ردها، ولقد رأينا ورآى غيرنا ضرر استتباع الاستدلال للاعتقاد حيث حمل صاحبه على تصحيح أحاديث ضعيفة أو تحميل نصوص صحيحة ما لا تتحمله من الدلالة تثبيتا لقوله واحتجاجا له، فلقد قرأت مقالا لكاتب حول عدم وجوب الحجاب احتج بحديث عائشة الذي رواه أبو داود في قصة دخول أسماء بنت أبي بكر على النبي صلى الله عليه وسلم وقوله لها:«إن المرأة إذا بلغت سن المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا وأشار إلى وجهه وكفيه»

وذكر هذا الكاتب أنه حديث صحيح متفق عليه.

فانظر كيف حكم له بالصحة وهو ضعيف أعله أبو داود نفسه بالإرسال والانقطاع وفيه الراوي سعيد بن بشير النصري تقدم الكلام عليه وانظر كيف قال متفق عليه وليس كذلك لأنه إن أراد بمتفق عليه

ص: 108

الاصطلاح المشهور وهو ما رواه البخاري، ومسلم. فالبخاري، ومسلم لم يروياه وإن أراد بمتفق عليه أن العلماء متفقون على صحته فليس كذلك أيضا وكيف يتفقون على صحته وأبو داود راويه أعله بالإرسال وأحد رواته ضعفه الإمام أحمد وغيره من أئمة الحديث ولكن التعصب والجهل يحمل صاحبه على البلاء والهلاك.

قال ابن القيم:

وتعر من ثوبين من يلبسهما

يلقى الردى بمذلة وهوان

ثوب من الجهل المركب فوقه

ثوب التعصب بئست الثوبان

وتحل بالإنصاف أفخر حلة

زينت بها الأعطاف والكتفان

وليحذر الكاتب والمؤلف من التقصير في طلب الأدلة وتمحيصها والتسرع إلى القول بلا علم فيكون ممن قال الله فيهم:

ص: 109

{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [الأنعام: 144] أو يجمع بين التقصير في طلب الدليل والتكذيب بما قام عليه الدليل فيكون منه شر على شر ويدخل في قوله تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ} [الزمر: 32] نسأل الله تعالى أن يرينا الحق حقا ويوفقنا لاتباعه ويرينا الباطل باطلا ويوفقنا لاجتنابه ويهدينا صراطه المستقيم إنه جواد كريم وصلى الله وسلم وبارك على نبيه محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه أجمعين. .

ص: 110