الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قميصها، لم ينظر إليها. وروي في ذلك حديث عن خديجة، فهذا القدر - القميص والخمار - وهو المأمور به لحق الصلاة. كما يؤمر الرجل إذا صلى. في ثوب واحد واسع أن يلتحف به، فيغطى عورته ومنكبيه.
والمنكبان في حقه، كالرأس في حق المرأة، لأنه يصلي في قميص، أو ما يقوم مقام القميص. وهو في الإحرام لا يلبس على بدنه ما يقدر له. كالقميص والجبة، كما أن المرأة لا تنتقب، ولا تلبس القفازين، وأما رأسه فلا يخمره.
[الخلاف في وجه المرأة]
ووجه المرأة فيه قولان في مذهب أحمد وغيره:
1 -
قيل: إنه كرأس الرجل فلا يغطى.
2 -
وقيل: إنه كيديه، فلا يغطى بالنقاب، والبرقع ونحو ذلك مما صنع على قدره، وهذا هو الصحيح، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينه إلا عن القفازين والنقاب.
وكن النساء يدنين على وجوههن ما يسترها من الرجال من غير وضع ما يجافيها عن الوجه، فعلم أن وجهها كيدي الرجل ويديها، وذلك أن المرأة كلها عورة كما تقدم، فلها أن تغطى وجهها ويديها، ولكن بغير اللباس المصنوع بقدر العضو، كما أن الرجل لا يلبس السراويل، ويلبس الإزار، والله سبحانه أعلم.
ومن كلامه رحمه الله تعالى- في جوابه واستنباطه من معاني سورة النور - في معنى ما تقدم قوله
المرأة يجب أن تصان وتحفظ بما لا يجب مثله في الرجل ولهذا خصت بالاحتجاب، وترك إبداء الزينة، وترك التبرج.
فيجب في حقها الاستتار باللباس والبيوت ما لا يجب في حق الرجل، لأن ظهور النساء سبب الفتنة، والرجال قوامون عليهن.
قال تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ} [النور: 30]
الآية إلى قوله: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور: 31](1) فأمر الله سبحانه الرجال والنساء بالغض من البصر، وحفظ الفرج، كما أمرهم جميعا بالتوبة.
وأمر النساء خصوصا بالاستتار، وأن لا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن، ومن استثناه الله تعالى في الآية، فما ظهر من الزينة هو الثياب الظاهرة. فهذا لا جناح عليها في إبدائها. إذا لم يكن في ذلك محذور آخر، فإن هذه لا بد من إبدائها. وهذا قول ابن مسعود وغيره، وهو المشهور عن أحمد.
وقال ابن عباس: الوجه واليدان من الزينة الظاهرة. وهي الرواية الثانية عن أحمد، وهو قول طائفة من العلماء، كالشافعي وغيره.
وأمر سبحانه وتعالى بإرخاء الجلابيب لئلا يعرفن ولا يؤذين، وهذا دليل على القول الأول. وقد ذكر
(1) سورة النور 30 - 31.
عبيدة السلماني وغيره: أن نساء المؤمنين كن يدنين عليهن الجلابيب من فوق رؤوسهن حتى لا يظهر إلا عيونهن لأجل رؤية الطريق.
وثبت في " الصحيح " أن المرأة المحرمة تنهى عن الانتقاب والقفازين، وهذا مما يدل على أن النقاب والقفازين كانا معروفين في النساء اللائي لم يحرمن، وذلك يقتضي ستر وجوههن وأيديهن.
وقد نهى الله تعالى عما يوجب العلم بالزينة الخفية بالسمع أو غيره. فقال: {وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} [النور: 31] وقال: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور: 31](1) فلما نزل ذلك عمد نساء المؤمنين إلى خمرهن، فشققنهن وأرخينها على أعناقهن.
والجيب: هو شق في طول القميص، فإذا ضربت
(1) سورة النور آية 31.
المرأة بالخمار على الجيب، سترت عنقها.
وأمرت بعد ذلك أن ترخي من جلبابها. والإرخاء إنما يكون إذا خرجت من البيت، فأما إذا كانت في البيت فلا تؤمر بذلك.
وقد ثبت في " الصحيح " أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل بصفية، قال أصحابه: إن رخى عليها الحجاب فهي مما ملكت يمينه. فضرب عليها الحجاب.
وإنما ضرب الحجاب على النساء لئلا تُرى وجوههن وأيديهن.
والحجاب مختص بالحرائر دون الإماء، كما كانت سنة المؤمنين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه، إن الحرة تحتجب، والأمة تبرز، وكان عمر رضي الله عنه إذا رأى أمة مختمرة ضربها وقال: أتتشبهين بالحرائر أي لكاع! فيظهر من الأمة رأسها ويداها ووجهها.
وقال تعالى:
{وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ} [النور: 60](1) فرخص للعجوز التي لا تطمع في النكاح أن تضع ثيابها، فلا تلقي عليها جلبابها ولا تحتجب، وإن كانت مستثناة من الحرائر لزوال المفسدة الموجودة في غيرها، كما استثنى التابعين غير أولي الإربة من الرجال في إظهار الزينة لهم في عدم الشهوة التي تتولد من الفتنة.
وكذلك الأمة إذا كان يخاف بها الفتنة، كان عليها أن ترخي من جلبابها وتحتجب، ووجب غض البصر عنها ومنها.
وليس في الكتاب والسنة إباحة النظر إلى عامة الإماء، ولا ترك احتجابهن وإبداء زينتهن، ولكن القرآن لم يأمرهن بما أمر الحرائر.
والسنة فرقت بالفعل بينهن وبين الحرائر ولم تفرق بينهن وبين الحرائر بلفظ عام. بل كانت عادة المؤمنين، أن تحتجب منهم الحرائر دون
(1) سورة النور آية 60.
الإماء. واستثنى القرآن من النساء الحرائر القواعد، فلم يجعل عليهن احتجابا. واستثنى بعض الرجال، وهم غير أولي الإربة، فلم يمنع من إبداء الزينة الخفية لهم لعدم الشهوة في هؤلاء وهؤلاء. فأن يستثنى بعض الإماء أولى وأحرى، وهن من كانت الشهوة والفتنة حاصلة بترك احتجابها وإبداء زينتها، وكما أن المحارم أبناء أزواجهن ونحوه ممن فيهن شهوة وشغف لم يجز إبداء الزينة الخفية له.
فالخطاب خرج عاما على العادة، فما خرج به عن العادة خرج به عن نظائره. فإذا كان في ظهور الأمة والنظر إليها فتنة، وجب المنع من ذلك، كما لو كانت في غير ذلك.
وهكذا الرجل مع الرجال، والمرأة مع النساء. لو كان في المرأة فتنة للنساء، وفي الرجل فتنة للرجال، لكان الأمر بالغض للناظر من بصره متوجها، كما يتوجه إليه الأمر بحفظ فرجه.
فالإماء والصبيان إذا كن حسانا تخشى الفتنة بالنظر
إليهم، كان حكمهم كذلك، كما ذكر ذلك العلماء. قال المروذي: قلت لأبي عبد الله - يعنى أحمد بن حنبل: - الرجل ينظر إلى المملوك؟ قال: إذا خاف الفتنة لم ينظر إليه، كم نظرة ألقت في قلب صاحبها البلاء.
وقال المروذي: قلت لأبي عبد الله: الرجل تاب وقال: لو ضرب ظهري بالسياط ما دخلت في معصية، إلا أنه لا يدع النظر. فقال: أي توبة هذه؟!
قال جرير: «سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفجأة. فقال: اصرف بصرك» .
وقال ابن أبي الدنيا: حدثني أبي وسويد، قالا: حدثنا إبراهيم بن هراسة، عن عثمان بن صالح، عن الحسن، عن ذكوان قال: لا تجالسوا أولاد الأغنياء، فإن لهم صورا كصور النساء، وهم أشد فتنة من العذارى. وهذا الاستدلال والقياس، والتنبيه بالأدنى على الأعلى. . . إلى أن قال: كذلك المرأة مع المرأة،
وكذلك محارم المرأة مع ابن زوجها، وابنه، وابن أخيها، وابن أختها، ومملوكها عند من يجعله محرما متى كان يخاف عليه الفتنة أو عليها، توجه الاحتجاب، بل وجب.
وهذه المواضع التي أمر الله بالاحتجاب فيها، مظنة الفتنة، ولهذا قال تعالى:{ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ} [النور: 30] فقد تحصل الزكاة والطهارة بدون ذلك، لكن هذا أزكى. وإذا كان النظر والبروز قد انتفى فيه الزكاة والطهارة لما يوجد في ذلك من شهوة القلب واللذة بالنظر. كان ترك النظر والاحتجاب أولى بالوجوب.
وروى الجماعة إلا مسلما، أن النبي صلى الله عليه وسلم «لعن المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء وقال: أخرجوهم من بيوتكم، وأخرجوا فلانا وفلانا يعني المخنثين» ، وقد ذكر بعضهم أنهم كانوا ثلاثة، بيم، وهيت، وماتع على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يكونوا يرمون بالفاحشة الكبرى. إنما كان تخنيثهم وتأنيثهم ليناً في
القول، وخضابا في الأيدي، والأرجل، كخضاب النساء، ولعبا كلعبهن. وفي " سنن أبي داود " عن أبي يسار القرشي عن أم هاشم، عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم «أتى بمخنث وقد خضب رجليه ويديه بالحناء، فقال: ما بال هذا؟ فقيل: يا رسول الله يتشبه بالنساء فأمر به فنفي إلى النقيع فقيل: يا رسول الله؟ ألا تقتله؟ فقال: إني نهيت عن قتل المصلين» .
فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر بإخراج مثل هؤلاء من البيوت، فمعلوم أن الذي يمكن الرجال من نفسه، والاستمتاع به، وبما يشاهدونه من محاسنه، وفعل الفاحشة الكبرى به، شر من هؤلاء، وهذا أحق بالنفي من بين أظهر المسلمين وإخراجه عنهم.
فإن المخنث فيه إفساد للرجال والنساء، لأنه تشبه بالنساء، فقد تعاشره النساء ويتعلمن منه، وهو رجل فيفسدهن، ولأن الرجال إذا مالوا إليه، فقد يعرضون عن