الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد اتفق العلماء على تحريم ذلك، كما اتفقوا على تحريم النظر للأجنبية وذوات المحارم بشهوة. . إلى أن قال:
[النظر إلى المردان ثلاثة أقسام]
فصار النظر إلى المردان ثلاثة أقسام:
أحدها: ما تقترن به الشهوة، فهو محرم بالاتفاق.
والثاني: ما يجزم أنه لا شهوة معه، كنظر الرجل الورع إلى ابنه الحسن، وابنته الحسنة، وأمه الحسنة، فهذا لا تقترن به شهوة، إلا أن يكون الرجل من أفجر الناس، ومتى اقترن به الشهوة، حرم.
وعلى هذا نظر من لا يميل قلبه إلى المردان، كما كان الصحابة، وكالأمم الذين لا يعرفون هذه الفاحشة، فإن الواحد من هؤلاء لا يفرق من هذا الوجه بين نظره إلى ابنه، وابن جاره، وصبي أجنبي، لا يخطر بقلبه شيء من الشهوة، لأنه لم يعتد ذلك، وهو سليم القلب من قبل ذلك. وقد كانت الإماء على عهد الصحابة يمشين في الطرقات متكشفات الرؤوس، ويخدمن الرجال مع
سلامة القلوب. فلو أراد الرجل أن يترك الإماء التركيات الحسان يمشين بين الناس في مثل هذه البلاد والأوقات، كما كان أولئك الإماء يمشين، كان هذا من باب الفساد.
وكذلك المرد الحسان لا يصلح أن يخرجوا في الأمكنة والأزقة التي يخاف فيها الفتنة بهم، إلا بقدر الحاجة، فلا يمكن الأمرد الحسن من التبرج، ولا من الجلوس في الحمام بين الأجانب، ولا من رقصه بين الرجال، ونحو ذلك مما فيه فتنة للناس، والنظر إليه كذلك.
وإنما وقع النزاع بين العلماء في القسم الثالث من النظر، وهو النظر إليه بغير شهوة، لكن مع خوف ثورانها، ففيه وجهان في مذهب أحمد: أصحهما وهو المحكي عن نص الشافعي وغيره: أنه لا يجوز. والثاني: يجوز، لأن الأصل عدم ثورانها، فلا يحرم بالشك، بل قد يكره. والأول هو الراجح، كما أن الراجح في مذهب الشافعي وأحمد: أن النظر إلى وجه الأجنبية من غير
حاجة لا يجوز، وإن كانت الشهوة منتفية، لكن لأنه نخاف ثورانها، ولهذا حرم الخلوة بالأجنبية، لأنها مظنة الفتنة. والأصل أن ما كان سببا للفتنة فإنه لا يجوز. فإن الذريعة إلى الفساد يجب سدها إذا لم يعارضها مصلحة راجحة.
ولهذا كان النظر الذي قد يفضي إلى الفتنة محرما، إلا إذا كان لحاجة راجحة، مثل نظر الخاطب والطبيب وغيرهما. فإنه يباح النظر للحاجة، لكن مع عدم الشهوة. وأما النظر لغير حاجة إلى محيط الفتنة، فلا يجوز.
وأما الأبصار فلا بد من فتحها والنظر بها، وقد يفجأ الإنسان ما ينظر إليه بغير قصد فلا يمكن غضها مطلقا، ولهذا أمر تعالى عباده بالغض منها، كما أمر لقمان ابنه بالغض من صوته.
وأما قوله: {إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ} [الحجرات: 3]
(1)
الآية، فإنه مدحهم على غض الصوت عند رسوله مطلقا. فهم مأمورون بذلك، ينهون عن رفع الصوت عنده صلى الله عليه وسلم وأما غض الصوت مطلقا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو غض خاص ممدوح، ويمكن العبد أن يغض صوته مطلقا في كل حال، ولم يؤمر العبد به، بل يؤمر برفع الصوت في مواضع. إما أمر إيجاب، أو استحباب.
فلهذا قال: {وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ} [لقمان: 19](2) فإن الغض في الصوت والبصر: جماع ما يدخل إلى القلب ويخرج منه. فبالسمع يدخل القلب، وبالصوت يخرج منه، كما جمع العضوين في قوله:{أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ - وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ} [البلد: 8 - 9](3) فبالعين والنظر يعرف القلب الأمور. واللسان والصوت يخرجان من عند القلب الأمور، هذا رائد القلب وصاحب خبره
(1) سورة الحجرات آية 3.
(2)
سورة لقمان آية 19.
(3)
سورة البلد آية 8-9.
وجاسوسه، وهذا ترجمانه.
ثم قال تعالى: {ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ} [النور: 30](1) وقال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103](2) وقال: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33](3) وقال في آية الاستئذان: {وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ} [النور: 28](4) وقال: {فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب: 53](5) وقال: {فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ} [المجادلة: 12](6) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم طهر قلبي من خطاياي
(1) سورة النور آية 30.
(2)
سورة التوبة آية: 103.
(3)
سورة الأحزاب آية: 33.
(4)
سورة النور آية: 28.
(5)
سورة الأحزاب آية: 53.
(6)
سورة المجادلة آية: 12.
بالماء والثلج والبرد» وقال في دعاء الجنازة: «واغسله بماء وثلج وبرد، ونقه من خطاياه كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس» .
فالطهارة - والله أعلم - هي من الذنوب التي هي رجس.
والزكاة تتضمن معنى الطهارة التي هي عدم الذنوب. ومعنى النماء بالأعمال الصالحة، مثل المغفرة والرحمة، ومثل النجاة من العذاب، والفوز بالثواب، ومثل عدم الشر وحصول الخير.
وأما نظرة الفجأة، فهو عفو إذا صرف بصره، كما ثبت في " الصحاح " عن جرير قال:«سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفجأة فقال: اصرف بصرك» وفي " السنن " أنه قال لعلي رضي الله عنه: «يا علي لا تتبع النظرة النظرة، فإنما لك الأولى وليست لك الثانية» وفي الحديث الذي في " المسند " وغيره: «النظر سهم مسموم من سهام إبليس» وفيه: