الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[رسالة الحجاب]
[أدلة القرآن على وجوب احتجاب المرأة عن الرجال الأجانب وتغطية وجهها]
رسالة الحجاب تأليف فضيلة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد: فلقد بعث اللَه تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم ودين الحق ليخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد، بعثه الله لتحقيق عبادة الله تعالى وذلك بتمام الذل والخضوع له تبارك وتعالى بامتثال أوامره واجتناب نواهيه وتقديم ذلك على هوى النفس وشهواتها.
وبعثه الله متمما لمكارم الأخلاق، داعيا إليها بكل وسيلة وهادما لمساوئ الأخلاق محذرا عنها بكل وسيلة، فجاءت شريعته صلى الله عليه وسلم كاملة من جميع الوجوه لا تحتاج إلى مخلوق في تكميلها أو
تنظيمها فإنها من لدن حكيم خبير عليم بما يصلح عباده رحيم بهم.
وإن من مكارم الأخلاق التي بعث بها محمد صلى الله عليه وسلم ذلك الخلق الكريم خلق الحياء الذي جعله النبي صلى الله عليه وسلم من الإيمان وشعبة من شعبه، ولا ينكر أحد أن من الحياء المأمور به شرعا وعرفا احتشام المرأة وتخلقها بالأخلاق التي تبعدها عن مواقع الفتن ومواضع الريب، وإن مما لا شك فيه أن احتجابها بتغطية وجهها ومواضع الفتنة منها لهو من أكبر احتشام تفعله وتتحلى به لما فيه من صونها وإبعادها عن الفتنة.
ولقد كان الناس في هذه البلاد المباركة بلاد الوحي والرسالة والحياء والحشمة كانوا على طريق الاستقامة في ذلك، فكان النساء يخرجن متحجبات متجلببات بالعباءة أو نحوها بعيدات عن مخالطة الرجال الأجانب، ولا تزال الحال كذلك في كثير من بلدان المملكة ولله الحمد، لكن لما حصل ما حصل من الكلام حول الحجاب ورؤية من لا
يفعلونه ولا يرون بأسا بالسفور صار عند بعض الناس شك في الحجاب وتغطية الوجه هل هو واجب أو مستحب أو شيء يتبع العادات والتقاليد ولا يحكم عليه بوجوب ولا استحباب في حد ذاته، ولإزالة هذا الشك وجلاء حقيقة الأمر أحببت أن أكتب ما تيسر لبيان حكمه راجيا من الله تعالى أن يتضح به الحق وأن يجعلنا من الهداة المهتدين الذين رأوا الحق واتبعوه ورأوا الباطل باطلا فاجتنبوه فأقول وبالله التوفيق.
اعلم أيها المسلم أن احتجاب المرأة عن الرجال الأجانب وتغطية وجهها أمر واجب دل على وجوبه كتاب ربك تعالى وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم والاعتبار الصحيح والقياس المطرد.
فمن أدلة القرآن:
الدليل الأول: قوله تعالى:
وبيان دلالة هذه الآية على وجوب الحجاب على المرأة عن الرجال الأجانب من وجوه:
1 -
أن الله تعالى أمر المؤمنات بحفظ فروجهن والأمر بحفظ الفرج أمر به وبما يكون وسيلة إليه ولا يرتاب عاقل أن من وسائله تغطية الوجه لأن كشفه سبب للنظر إليها وتأمل محاسنها والتلذذ بذلك
(1) سورة النور آية 31.
وبالتالي إلى الوصول والاتصال، وفي الحديث:«العينان تزنيان وزناهما النظر» إلى أن قال: «والفرج يصدق ذلك أو يكذبه» فإذا كان تغطية الوجه من وسائل حفظ الفرج كان مأمورا به لأن الوسائل لها أحكام المقاصد.
2 -
قوله تعالى: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور: 31] فإن الخمار ما تخمر به المرأة رأسها وتغطيه به كالغدفة فإذا كانت مأمورة بأن تضرب بالخمار على جيبها كانت مأمورة بستر وجهها أما لأنه من لازم ذلك أو بالقياس فإنه إذا وجب ستر النحر والصدر كان وجوب ستر الوجه من باب أولى لأنه موضع الجمال والفتنة فإن الناس الذين يتطلبون جمال الصورة لا يسألون إلا عن الوجه فإذا كان جميلا لم ينظروا إلى ما سواه نظرا ذا أهمية ولذلك إذا قالوا فلانة جميلة لم يفهم من هذا الكلام إلا جمال الوجه فتبين أن الوجه هو موضع الجمال طلبا وخبرا فإذا كان كذلك فكيف يفهم أن هذه الشريعة الحكيمة تأمر بستر
الصدر والنحر ثم ترخص في كشف الوجه.
3 -
إن الله تعالى نهى عن إبداء الزينة مطلقا إلا ما ظهر منها وهى التي لا بد من أن تظهر كظاهر الثياب؛ ولذلك قال إلا ما ظهر منها لم يقل إلا ما أظهرن منها ثم نهى مرة أخرى عن إبداء الزينة إلا لمن استثناهم، فدل هذا على أن الزينة الثانية غير الزينة الأولى؛ فالزينة الأولى هي الزينة الظاهرة التي تظهر لكل أحد ولا يمكن إخفاؤها، والزينة الثانية هي الزينة الباطنة التي لا يجوز إبداؤها إلا لأناس مخصوصين سواء كانت من صنع الله تعالى كالوجه أم من صنع الآدميين كثياب الجمال الباطنة التي يتزين بها، ولو كانت هذه الزينة جائزة لكل أحد لم يكن للتعميم في الأولى والاستثناء في الثانية فائدة معلومة.
4 -
إن الله تعالى يرخص بإبداء الزينة الباطنة للتابعين غير أولى الإربة من الرجال وهم الخدم الذين لا شهوة لهم وللطفل الصغير الذي لم يبلغ الشهوة ولم
يطلع على عورات النساء فدل هذا على أمرين.
أحدهما: أن إبداء الزينة الباطنة لا يحل لأحد من الأجانب إلا لهذين الصنفين.
الثاني: أن علة الحكم ومداره على خوف الفتنة بالمرأة والتعلق بها، ولا ريب أن الوجه مجمع الحسن وموضع الفتنة فيكون ستره واجبا لئلا يفتتن به أولو الإربة من الرجال.
5 -
قوله تعالى: {وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} [النور: 31]
يعنى لا تضرب المرأة برجلها فيعلم ما تخفيه من الخلاخيل ونحوها مما تتحلى به للرجل، فإذا كانت المرأة منهية عن الضرب بالأرجل خوفا من افتتان الرجل بما يسمع من صوت خلخالها ونحوه فكيف بكشف الوجه.
فأيهما أعظم فتنة أن يسمع الرجل خلخالا بقدم
امرأة لا يدري ما هي وما جمالها لا يدرى أشابة هي أم عجوز ولا يدري أشوهاء هي أم حسناء أيهما أعظم فتنة هذا أو أن ينظر إلى وجه سافر جميل ممتلئ شبابا ونضارة وحسنا وجمالا وتجميلا بما يجلب الفتنة ويدعو إلى النظر إليها إن كل إنسان له إربة في النساء ليعلم أي الفتنتين أعظم وأحق بالستر والإخفاء.
الدليل الثاني: قوله تعالى: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [النور: 60]
وجه الدلالة من هذه الآية الكريمة أن الله تعالى نفى الجناح وهو الإثم عن القواعد وهن العجائز اللاتي لا يرجون نكاحا لعدم رغبة الرجال بهن لكبر سنهن نفى الله الجناح عن هذه العجائز في وضع ثيابهن بشرط أن لا يكون الغرض من ذلك التبرج بالزينة ومن المعلوم بالبداهة أنه ليس المراد بوضع الثياب أن يبقين عاريات، وإنما المراد وضع الثياب التي تكون فوق الدرع ونحوه مما لا يستر ما يظهر غالبا
كالوجه والكفين فالثياب المذكورة المرخص لهذه العجائز في وضعها هي الثياب السابغة التي تستر جميع البدن وتخصيص الحكم بهؤلاء العجائز دليل على أن الشواب اللاتي يرجون النكاح يخالفنهن في الحكم، ولو كان الحكم شاملا للجميع في جواز وضع الثياب ولبس درع ونحره لم يكن لتخصيص القواعد فائدة، ومن قوله تعالى:{غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ} [النور: 60] دليل آخر على وجوب الحجاب على الشابة التي ترجو النكاح لأن الغالب عليها إذا كشفت وجهها أنها تريد التبرج بالزينة وإظهار جمالها وتطلع الرجال لها ومدحهم إياها ونحو ذلك ومن سوى هذه نادرة والنادر لا حكم له.
الدليل الثالث: قوله تعالي: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الأحزاب: 59](1) .
(1) الأحزاب- آية 59.
قال ابن عباس رضى الله عنهما: أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب ويبدين عينا واحدة.
وتفسير الصحابي حجة بل قال بعض العلماء: إنه في حكم المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وقوله رضى الله عنه ويبدين عينا واحدة إنما رخص في ذلك لأجل الضرورة والحاجة إلى نظر الطريق فأما إذا لم يكن حاجة فلا موجب لكشف العين.
والجلباب هو الرداء فوق الخمار بمنزلة العباءة قالت أم سلمة رضي الله عنها: لما نزلت هذه الآية خرج نساء الأنصار كأن على رؤوسهن الغربان من السكينة وعليهن أكسية سود يلبسنها.
وقد ذكر أبو عبيدة السلماني وغيره أن نساء المؤمنين كن يدنين عليهن الجلابيب من فوق رؤوسهن حتى لا يظهر إلا عيونهن من أجل رؤية الطريق.
الدليل الرابع: قوله تعالى