الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الهمزية النبوية
(أحمد شوقي)
ولد الهدى، فالكائنات ضياء
…
وفم الزّمان تبسّم وثناء
الرّوح والملأ الملائك حوله
…
للدّين والدنيا به بشراء «1»
والعرش يزهو، والحظيرة تزدهى
…
والمنتهى، والسّدرة العصماء «2»
وحديقة الفرقان ضاحكة الربا
…
بالترجمان، شذيّة، غنّاء «3»
والوحى يقطر سلسلا من سلسل
…
واللوح والقلم البديع رواء «4»
نظمت أسامى الرّسل فهي صحيفة
…
في اللوح، واسم محمد طغراء «5»
اسم الجلالة في بديع حروفه
…
ألف هنالك، واسم (طه) الباء
يا خير من جاء الوجود، تحية
…
من مرسلين إلى الهدى بك جاءوا
بيت النبيّين الذي لا يلتقى
…
إلا الحنائف فيه والحنفاء «6»
خير الأبوة حازهم لك (آدم)
…
دون الأنام، وأحرزت حوّاء
هم أدركوا عزّ النبوّة وانتهت
…
فيها إليك العزّة القعساء «7»
خلقت لبيتك، وهو مخلوق لها
…
إن العظائم كفؤها العظماء
بك بشّر الله السماء فزيّنت
…
وتضوّعت مسكا بك الغبراء «8»
(1) الروح الأمين: لقب جبريل. الملأ: الأشراف. الملائك: الملائكة. بشراء: جمع بشير-
(2)
يزهو: يشرق. سدرة المنتهى: يقال أنها شجرة نبق على يمين العرش-
(3)
الربا: جمع ربوة. وهي ما ارتفع من الأرض-
(4)
الرواء ماء الوجه وحسن المنظر-
(5)
الطغراء: ما يسميه العامة «طرة» وأصلها طغرى بالقصر، وهي التي تكتب بالقلم الغليظ في صدر الأوامر-
(6)
الحنيف: الصحيح الميل الى الاسلام وكل من كان على دين ابراهيم عليه السلام، والجمع حنفاء، والمؤنث حنيفة، وجمعها حنائف-
(7)
القعساء: المنيعة الثابتة-
(8)
تضوع المسك: انتشرت رائحته. الغبراء: الأرض.
وبدا محيّاك الذي قسماته
…
حق، وغرّته هدى وحياء «1»
وعليه من نور النّبوّة رونق
…
ومن الخليل وهديه سيماء «2»
أثنى (المسيح) عليه خلف سمائه
…
وتهلّلت واهتزّت (العذراء)«3»
يوم يتيه على الزمان صباحه
…
ومساؤه (بمحمد) وضّاء
الحقّ عالى الركن فيه، مظفّر
…
في الملك، لا يعلو عليه لواء
ذعرت عروش الظالمين، فزلزلت
…
وعلت على تيجانهم أصداء
والنار خاوية الجوانب حولهم
…
خمدت ذوائبها، وغاض الماء «4»
والآى تترى، والخوارق جمّة
…
(جبريل) روّاح بها غدّاء «5»
نعم اليتيم بدت مخايل فضله
…
واليتيم رزق بعضه وذكاء «6»
في المهد يستسقى الحيا برجائه
…
وبقصده تستدفع البأساء «7»
بسوى الأمانة في الصّبا والصدق لم
…
يعرفه أهل الصدق والأمناء
يا من له الأخلاق ما تهوى العلا
…
منها وما يتعشّق الكبراء
لو لم تقم دينا؛ لقامت وحدها
…
دينا تضىء بنوره الآناء
زانتك في الخلق العظيم شمائل
…
يغرى بهنّ ويولع الكرماء
أما الجمال؛ فأنت شمس سمائه
…
وملاحة (الصّدّيق) منك أياء «8»
والحسن من كرم الوجوه، وخيره
…
ما أوتى القوّاد والزعماء
فإذا سخوت بلغت بالجود المدى
…
وفعلت ما لا تفعل الأنواء «9»
وإذا عفوت فقادرا، ومقدّرا
…
لا يستهين بعفوك الجهلاء
وإذا رحمت فأنت أم، أو أب
…
هذان في الدنيا هما الرّحماء
(1) القسمة ما بين الوجنتين والأنف، وجمعها قسمات-
(2)
الخليل: ابراهيم عليه السلام
(3)
العذراء: السيدة مريم-
(4)
خمدت النار: سكن لهيبها. الذوائب: جمع ذؤابة، وهي أعلى كل شىء والمراد بالذوائب هنا ألسنة اللهيب-
(5)
تترى: تتوالى رواح غداء: أي يروح ويغدو-
(6)
المخيلة: المظنة-
(7)
استسقى: طلب السقي. الحيا: المطر-
(8)
أياء الشمس واياتها نورها وحسنها-
(9)
النوء: المطر.
وإذا غضبت فإنما هي غضبة
…
في الحق، لا ضغن ولا بغضاء «1»
وإذا رضيت فذاك في مرضاته
…
ورضى الكثير تحلّم ورياء «2»
وإذا خطبت فللمنابر هزّة
…
تعرو النّدىّ، وللقلوب بكاء «3»
وإذا قضيت فلا ارتياب، كأنما
…
جاء الخصوم من السماء قضاء
وإذا حميت الماء لم يورد، ولو
…
أن القياصر والملوك ظماء
وإذا أجرت فأنت بيت الله، لم
…
يدخل عليه المستجير عداء
وإذا ملكت النفس قمت ببرّها
…
ولو أن ما ملكت يداك الشاء
وإذا بنيت فخير زوج عشرة
…
وإذا ابتنيت فدونك الآباء «4»
وإذا صحبت رأى الوفاء مجسّما
…
في بردك الأصحاب والخلطاء
وإذا أخذت العهد، أو أعطيته
…
فجميع عهدك ذمّة ووفاء
وإذا مشيت إلى العدا فغضنفر
…
وإذا جريت فإنك النكباء «5»
وتمدّ حلمك للسفيه مداريا
…
حتى يضيف بعرضك السفهاء
في كل نفس من سطاك مهابة
…
ولكل نفس في نداك رجاء «6»
والرأى لم ينض المهنّد دونه
…
كالسيف لم تضرب به الآراء «7»
يأيها الأمّى، حسبك رتبة
…
في العلم أن دانت بك العلماء «8»
(1) الضغن: الحقد-
(2)
التحلم: تكلف الحلم-
(3)
الندى: النادي-
(4)
بنى بأهله: زف اليهم، ابتنى: صار له بنون-
(5)
غضنفر: أسد والنكباء: ريح بين ريحيت-
(6)
سطا: جمع سطوة-
(7)
نضا السيف من غمده: سله. المهند: السيف المطبوع من حديد-
(8)
دان به: اتخذه دينا.
الذكر آية ربّك الكبرى التي
…
فيها لباغى المعجزات غناء «1»
صدر البيان له إذا التقت اللّغى
…
وتقدّم البلغاء والفصحاء «2»
نسخت به التوراة وهي وضيئة
…
وتخلّف الإنجيل وهو ذكاء «3»
لما تمشّى في (الحجاز) حكيمه
…
فضّت (عكاظ) به، وقام حراء «4»
أزرى بمنطق أهله وبيانهم
…
وحي يقصّر دونه البلغاء «5»
حسدوا، فقالوا: شاعر، أو ساحر
…
ومن الحسود يكون الاستهزاء
قد نال (بالهادى) الكريم و (بالهدى)
…
ما لم تنل من سؤدد سيناء
أمسى كأنك من جلالك أمّة
…
وكأنه من أنسه بيداء
يوحى إليك الفوز في ظلماته
…
متتابعا، تجلى به الظلماء
دين يشيّد آية في آية
…
لبناته السّورات والأضواء
الحقّ فيه هو الأساس، وكيف لا
…
والله جل جلاله البنّاء؟
أما حديثك في العقول فمشرع «6»
…
والعلم والحكم الغوالى الماء
هو صبغة الفرقان، نفحة قدسه
…
والسين من سوراته والراء «7»
جرت الفصاحة من ينابيع النّهى
…
من دوحه، وتفجّر الإنشاء «8»
في بحره للسابحين به على
…
أدب الحياة وعلمها إرساء
أتت الدّهور على سلافته، ولم
…
تفن السّلاف، ولا سلا النّدماء «9»
(1) الباغي: الطالب الغناء: ما يغنى-
(2)
اللغى: جمع لغة-
(3)
ذكاء: من أسماء الشمس-
(4)
حراء: الغار الذي كان يتعبد فيه النبي ونزل عليه فيه الوحي-
(5)
ازرى به: عابه-
(6)
مورد-
(7)
الصبغة: النوع-
(8)
الدوح: الشجر العظيم المتسع-
(9)
السلاف والسلافة: أفضل الخمر.
بك يا ابن عبد الله قامت سمحة
…
بالحقّ من ملل الهدى غرّاء «1»
بنيت على التوحيد، وهي حقيقة
…
نادى بها سقراط والقدماء
وجد الزّعاف من السّموم لأجلها
…
كالشّهد، ثم تتابع الشّهداء
ومشى على وجه الزمان بنورها
…
كهّان وادي النيل والعرفاء «2»
إيزيس ذات الملك حين توحّدت
…
أخذت قوام أمورها الأشياء «3»
لما دعوت الناس لبّى عاقل
…
وأصمّ منك الجاهلين نداء
أبوا الخروج إليك من أوهامهم
…
والناس في أوهامهم سجناء
ومن العقول جداول وجلامد
…
ومن النفوس حرائر وإماء «4»
داء الجماعة من أرسطاليس لم
…
يوصف له حتى أتيت دواء
فرسمت بعدك للعباد حكومة
…
لا سوقة فيها ولا أمراء
الله فوق الخلق فيها وحده
…
والناس تحت لوائها أكفاء
والدّين يسر، والخلافة بيعة
…
والأمر شورى، والحقوق قضاء
الإشتراكيون أنت إمامهم
…
لولا دعاوى القوم والغلواء «5»
دوايت متّئدا، وداووا ظفرة
…
وأخفّ من بعض الدواء الداء «6»
الحرب في حقّ لديك شريعة
…
ومن السّموم الناقعات دواء «7»
والبرّ عندك ذمّة وفريضة
…
لا منّة ممنونة وجباء «8»
جاءت فوحّدت الزكاة سبيله
…
حتى التقى الكرماء والبخلاء
(1) السمحة: الملة التي ليس فيها ضيق-
(2)
العراف: المنجم، والجمع عرفاء-
(3)
ايزيس: من آلهة المصريين القدماء-
(4)
الجدول: النهر الصغير، الجلمود: الصخر-
(5)
الغلواء: الغلو-
(6)
متئدا: متأنيا. ظفر: ونب-
(7)
الناقعات: القاتلات-
(8)
البر: الاحسان- ذمة: عهد. المنة: العطية، والممنونة: المتبوعة بالمن.
أنصفت أهل الفقر من أهل الغنى
…
فالكلّ في حقّ الحياة سواء
فلو انّ إنسانا تخيّر ملّة
…
ما اختار إلا دينك الفقراء
يأيها المسرى به شرفا إلى
…
ما لا تنال الشمس والجوزاء «1»
يتساءلون- وأنت أطهر هيكل-
…
: بالروح أم بالهيكل الإسراء؟ «2»
بهما سموت مطهّرين، كلاهما
…
نور، وريحانيّة، وبهاء
فضل عليك لذى الجلال ومنّة
…
والله يفعل ما يرى ويشاء
تغشى الغيوب من العوالم، كلّما
…
طويت سماء قلّدتك سماء «3»
في كل منطقة حواشى نورها
…
نون، وأنت النقطة الزهراء
أنت الجمال، وأنت المجتلى
…
والكفّ، والمرآه، والحسناء
الله هيّأ من حظيرة قدسه
…
نزلا لذاتك لم يجزه علاء
العرش تحتك سدّة وقوائما
…
ومناكب الروح الأمين وطاء
والرّسل دون العرش لم يؤذن لهم
…
حاشا لغيرك موعد ولقاء
الخيل تأبى غير (أحمد) حاميا
…
وبها إذا ذكر اسمه خيلاء
شيخ الفوارس يعلمون مكانه
…
إن هيّجت آسادها الهيجاء
وإذا تصدّى للظّبى فمهنّد
…
أو للرّماح فصعدة سمراء «4»
وإذا رمى عن قوسه فيمينه
…
قدر، وما ترمى اليمين قضاء
(1) الاسراء: السير ليلا-
(2)
الهيكل: الجسم والصورة والشخص-
(3)
غشى المكان يغشاه: أتاه-
(4)
الظبى: جمع ظبية، وهي حد السيف- الصعدة: القناة المستوية.
من كل داعى الحق همّة سيفه
…
فلسيفه في الراسيات مضاء «1»
ساقى الجريح ومطعم الأسرى. ومن
…
أمنت سنابك خيله الأشلاء
إن الشجاعة في الرجال غلاظة
…
ما لم تزنها رأفة وسخاء
والحرب من شرف الشعوب، فإن بغوا
…
فالمجد مما يدّعون براء
والحرب يبعثها القويّ تجبّرا
…
وينوء تحت بلائها الضعفاء
كم من غزاة للرسول كريمة
…
فيها رضى للحقّ أو إعلاء
كانت لجند الله فيها شدّة
…
في إثرها للعالمين رخاء
ضربوا الضلالة ضربة ذهبت بها
…
فعلى الجهالة والضلال عفاء
دعموا على الحرب السلام، وطالما
…
حقنت دماء في الزمان دماء
الحقّ عرض الله، كلّ أبيّة
…
بين النفوس حمى له ووقاء
هل كان حول محمد من قومه
…
إلا صبىّ واحد ونساء؟
فدعا، فلبّى في القبائل عصبة
…
مستضعفون، قلائل أنضاء «2»
ردّوا ببأس العزم عنه من الأذى
…
ما لا تردّ الصخرة الصماء
والحقّ والإيمان إن صبّا على
…
برد ففيه كتيبة خرساء «3»
نسفوا بناء الشّرك، فهو خرائب
…
واستأصلوا الأصنام، فهي هباء «4»
يمشون تغضى الأرض منهم هيبة
…
وبهم حيال نعيمها إعصاء
حتى إذا فتحت لهم أطرافها
…
لم يطغهم ترف ولا نعماء
يا من له عزّ الشفاعة وحده
…
وهو المنّزه، ما له شفعاء
عرش القيامة أنت تحت لوائه
…
والحوض أنت حياله السّقاء
(1) مضى السيف مضاء: قطع-
(2)
النضو: المهزول من الأبل وغيرها-
(3)
الكتيبة الخرساء: التي لا يسمع فيها صوت-
(4)
الهباء: الغبار.
تروي وتسقي الصالحين ثوابهم
…
والصالحات ذخائر وجزاء
ألمثل هذا ذقت في الدنيا الطّوى
…
وانشقّ من خلق عليك رداء؟
لي في مديحك يا رسول عرائس
…
تيّمن فيك، وشاقهنّ جلاء «1»
هنّ الحسان، فإن قبلت تكرّما
…
فمهورهن شفاعة حسناء
أنت الذي نظم البريّة دينه
…
ماذا يقول وينظم الشّعراء؟
المصلحون أصابع جمعت يدا
…
هي أنت، بل أنت اليد البيضاء
ما جئت بابك مادحا، بل داعيا
…
ومن المديح تضرّع ودعاء
أدعوك عن قومى الضّعاف لأزمة
…
في مثلها يلقى عليك رجاء
أدرى رسول الله أنّ نفوسهم
…
ركبت هواها، والقلوب هواء؟
متفكّكون، فما تضمّ نفوسهم
…
ثقة، ولا جمع القلوب صفاء
رقدوا، وغرّهم نعيم باطل
…
ونعيم قوم في القيود بلاء
ظلموا شريعتك التي نلنا بها
…
ما لم ينل في رومة الفقهاء
مشت الحضارة في سناها، واهتدى
…
في الدّين والدّنيا بها السعداء
صلى عليك الله ما صحب الدّجى
…
حاد، وحنّت بالفلا وجناء «2»
واستقبل الرّضوان في غرفاتهم
…
بجنان عدن آلك السّمحاء
خير الوسائل، من يقع منهم على
…
سبب إليك فحسبى (الزّهراء)
(1) شاقه الحب: هاجه-
(2)
الوجناء: الناقة الشديدة.