الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكعبة الزهراء
(بدوي الجبل)(مهداة إلى أعتاب أبي الزهراء صلوات الله عليه)
بنور على أم القرى وبطيب
…
غسلت فؤادي من أسى ولهيب
لثمت الثّرى سبعا وكحّلت مقلتي
…
بحسن كأسرار السماء مهيب
وأمسكت قلبي لا يطير إلى (منى)
…
بأعبائه من لهفة ووجيب
فيا مهجتي: وادي الأمين محمد
…
خصيب الهدى: والزرع غير خصيب
هنا الكعبة الزهراء. والوحي والشذا
…
هنا النور. فافني في هواه وذوبي
ويا مهجتي: بين الحطيم وزمزم
…
تركت دموعي شافعا لذنوبي
وفي الكعبة الزهراء زيّنت لوعتي
…
وعطّر أبواب السماء نحيبي
مواكب كالأمواج، عجّ دعاؤها
…
ونار الضحى حمراء ذات شبوب
وردّدت الصحراء شرقا ومغربا
…
صدى نغم من لوعة ورتوب
تلاقوا عليها، من غني ومعدم
…
ومن صبية زغب الجناح وشيب
نظائر فيها: بردهم برد محرم
…
يضوع شذا: والقلب قلب منيب
أناخوا الذنوب المثقلات لواغبا
…
بأفيح- من عفو الإله- رحيب
وذلّ لعزّ الله كلّ مسوّد
…
ورقّ لخوف الله كل صليب
ولو أنّ عندي للشّباب بقيّة
…
خففت إليها فوق ظهر نجيب
أنام على الكثبان يؤنس وحدتي
…
بغام مهاة أو هماهم ذيب
ولي غفوة في كل ظلّ لقيته
…
ووقفة سقيا عند كل قليب
هتكت حجاب الصمت بيني وبينها
…
(بشبّابة) سكرى الحنين خلوب
حبست بها جنّيّة (معبدية)«1»
…
وفرّجت عن غمّائها بثقوب
(1) نسبة الى شيخ المغنين معبد قال الشاعر القديم: وما قصبات السبق الا لمعبد.
وركب عليها، وسم أخفاف عيسهم
…
وهام تهاوت للكرى وجنوب
وألف سراب ما كفرت بحسنها
…
وإن فاجأت غدرانها بنضوب
وضجّة صمت جلجلت. ثمّ وادعت
…
ورقّت، كأخفى همسة ودبيب
وأطياف جنّ في بحار رمالها
…
تصارع حالي طفوة ورسوب
وتعطفني الأرام فيها نوافرا
…
إلى رشأ في الغوطتين ربيب
يعلّلني- والصدق فيه سجية
…
بوعد مطول باللقاء كذوب
وبدّلت حسنا ضاحك الدلّ ناعما
…
بحسن عنيف في الرمال كئيب
ومن صحب الصحراء هام بعالم
…
من السحر جنّي الطيوف رهيب
وللفلك الأسمى، فضول لسرها
…
ففي كلّ نجم منه عين رقيب
أرى بخيال السحب- خطو محمد
…
على مخصب من بيدها وجديب
وسمر خيام مزّق الصمت عندها
…
حماحم خيل بشّرت بركوب
ونارا على نجد من الرمل أوقدت
…
لنجدة محروم وغوث حريب
وتكبيرة في الفجر سالت مع الصّبا
…
نعيم فياف واخضلال سهوب
أشمّ الرمال السمر: في كل حفنة
…
من الرّمل، دنيا من هوى وطيوب
على كل نجد منه نفح ملائك
…
وفي كل واد منه سرّ غيوب
توحّدت بالصحراء. حتّى مغيبها
…
ومشهدها من مشهدي ومغيبي
ومن هذه الصحراء، أنوار مرسل
…
ورايات منصور. وبدع خطيب
ومن هذه الصحراء، شعر تبرّجت
…
به كل سكرى بالدلال عروب
تعطّر في أنغامه ورحيقه
…
وريّاه: عطري مبسم وسبيب «1»
ترشّ النجوم النور فيها ممسّكا
…
فأترع أحلامي وأهرق كوبي
وما أكرم الصحراء
…
تصدى
…
ونمنمت
…
لنا برد ظل كالنعيم رطيب
ويغفو بها التاريخ، حتى ترجّه
…
بداهية صلب القناة أريب
شكا الدهر مما أتعبته رمالها
…
ولم تشك فيه من وفى ولغوب
(1) السبيب- خصلة الشعر.
وصبر من الصحراء، أحكمت نسجه
…
سموت به عن محنتي وكروبي
ومن هذه الصحراء.. صيغت سجيّتي
…
فكل عجيب الدهر غير عجيب
يرنّح شعري باللوى كلّ بانة
…
ويندى بشعري فيه كل كثيب
ولولا الجراح الداميات بمهجتي
…
لأسكر نجدا والحجاز نسيبي
وهيهات ما لوّم الكريم سجيّتي
…
ولا بغضه عند الجفاء نصيبي
نقلت إلى قلبي حياء وعفّة
…
أسارير وجهي من أسى وقطوب
وعرّتني الأيام ممن أحبهم
…
كأيك- تحاماه الربيع- سليب
وربّ بعيد عنك أحلى من المنى
…
وربّ قريب الدار غير قريب
وويح الغواني: ما أمنت خطوبها
…
وقد أمنت بعد المشيب خطوبي
وكيف وثوبي للزّمان وأهله
…
وللشيب أصفاد يعقن وثوبي
أفي كل يوم لوعة بعد لوعة
…
لغربة أهل أو لفقد حبيب
ويا رب: في قلبي ندوب جديدة
…
تريد القرى من سالفات ندوب
يريد حسابي ظالم بعد ظالم
…
وما غير جبّار السماء حسيبي
ويا رب: صن بالحب قومي مؤلّفا
…
شتات قلوب لا شتات دروب
ويا رب: لا تقبل صفاء بشاشة
…
إذا لم يصاحبه صفاء قلوب
تداووا من الجلى بجلى
…
وخلّفوا
…
وراءهم الإسلام خير طبيب
ويا رب: في الإسلام نور ورحمة
…
وشوق نسيب نازح لنسيب
فألّف على الإسلام دنيا تمزّقت
…
إلى أمم مقهورة وشعوب
وكلّ بعيد حجّ للبيت أوهفا
…
إليه- وإن شطّ المزار- قريبي
سجايا من الإسلام: سمح حنانها
…
فلا شعب عن نعمائها بغريب
وآمنت أنّ الحب خير ونعمة
…
ولا خير عندي في وغى وحروب
وكل خضيب الكف فتحا وصولة
…
فداء لكف بالعبير خضيب
وآمنت أنّ الحب والنور واحد
…
ويكفر باللألاء كل مريب
ولو كان في وسعي حنانا ورحمة
…
لجنّبت أعدائي لقاء شعوب «1»
ويا رب: لم أشرك ولم أعرف الأذى
…
وصنت شبابي عنهما ومشيبي
وإني- وإن جاوزت هذين سالما
…
لأكبر لولا جود عفوك حوبي «2»
وأهرب كبرا أو حياء لزلتي
…
ومنك، نعم، لكن إليك هروبي
وأجلو عيوبي نادمات حواسرا
…
وأستر إلّا في حماك عيوبي
وأيّ ذنوب ليس تمحى لشاعر
…
معنّى بألوان الجمال طروب
ولو شهدت حور الجنان مدامعي
…
ترشّفن في هول الحساب غروبي «3»
وأنزلت أحزاني على قبر أحمد
…
ضيوف كريم النبعتين وهوب
مدحت رسول الله أرجو ثوابه
…
وحاشا الندى أن لا يكون مثيبي
(1) شعوب بفتح الشين: الموت.
(2)
الحوب- الذنب.
(3)
الغروب- الدموع.
وقفت بباب الله ثمّ ببابه
…
وقوف ملحّ بالسؤال دؤوب
صفاء على اسم الله غير مكدّر
…
وحبّ لذات الله غير مشوب
وأزهى بتظليل الغمام لأحمد
…
وعذب برود من يديه سروب
فإن كان سرّ الله فوق غمامة
…
تظل وماء سائغ لشروب «1»
ففي معجز القرآن والدولة التي
…
بناها عليه مقنع للبيب
ويا رب، عند القبر قبر محمد
…
دعاء قريح المقلتين سليب
بجمر هوى عند الحجيج لمكة
…
ودمع على طهر (المقام) سكوب
بشوق على نعماه، ضمّ جوانح
…
ووجد على ريّاه زرّ جيوب
ترفّق بقومي واحمهم من ملمّة
…
لقد نشبت أو آذنت بنشوب
وردّ الحلوم العازبات إلى الهدى
…
فقد ترجع الأحلام بعد عزوب
وردّ القلوب الحاقدات إلى ند
…
من الحبّ فوّاح الظلال عشيب
(1) شروب بضم الشين والراء (جمع شارب) .
تدفقت الأمواج والليل كافر
…
وهبّ جنون الريح كلّ هبوب
رمى اليمّ أنضاء السفين بمارد
…
من اليمّ تيّاه الحتوف غضوب
يزلزلها يمنى ويسرى مزمجرا
…
ويضغمها من هوله بنيوب
يرقّصها حينا وحينا يرجّها
…
ويوجز حالي هدأة ووثوب
وترفعها عجلى وعجلى تحطها
…
لعوب من الأمواج جدّ لعوب
وأيقن أنضاء السفينة بالردى
…
يطالعهم في جيئة وذهوب
ولما استطال اليأس يكسو وجوههم
…
بألوانه من صفرة وشحوب
دعوا يا أبا الزهراء والحتف زاحف
…
عليهم: لقد وفّقتم بمجيب
وأسلست الريح القياد كأنها
…
نسيم هفا من شمأل وجنوب
وباده لطف الله من يمن أحمد
…
ببرد على غري الرجاء- قشيب
وأقعدني عنك الضّنى فبعثتها
…
شوارد شعر لم ترع بضريب
أقمت وآمالي إليك مجدّة
…
تلفّ شروقا معتما بغروب
وترشدها أطياب قبرك في الدجى
…
فتعصمها من حيرة ونكوب
وعند أبي الزهراء حطّت رحالها
…
بساح جواد للثناء كسوب
جلوت على وادي العقيق فريدتي
…
ففاز حسيب منهما بحسيب
تتيه حضارات الشعوب بشاعر
…
وتكمل أسباب العلى بأديب