المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الكعبة الزهراء (بدوي الجبل) (مهداة إلى أعتاب أبي الزهراء صلوات الله - مختارات من أجمل الشعر في مدح الرسول

[محمد سعيد البوطي]

الفصل: ‌ ‌الكعبة الزهراء (بدوي الجبل) (مهداة إلى أعتاب أبي الزهراء صلوات الله

‌الكعبة الزهراء

(بدوي الجبل)(مهداة إلى أعتاب أبي الزهراء صلوات الله عليه)

بنور على أم القرى وبطيب

غسلت فؤادي من أسى ولهيب

لثمت الثّرى سبعا وكحّلت مقلتي

بحسن كأسرار السماء مهيب

وأمسكت قلبي لا يطير إلى (منى)

بأعبائه من لهفة ووجيب

فيا مهجتي: وادي الأمين محمد

خصيب الهدى: والزرع غير خصيب

هنا الكعبة الزهراء. والوحي والشذا

هنا النور. فافني في هواه وذوبي

ويا مهجتي: بين الحطيم وزمزم

تركت دموعي شافعا لذنوبي

وفي الكعبة الزهراء زيّنت لوعتي

وعطّر أبواب السماء نحيبي

مواكب كالأمواج، عجّ دعاؤها

ونار الضحى حمراء ذات شبوب

ص: 48

وردّدت الصحراء شرقا ومغربا

صدى نغم من لوعة ورتوب

تلاقوا عليها، من غني ومعدم

ومن صبية زغب الجناح وشيب

نظائر فيها: بردهم برد محرم

يضوع شذا: والقلب قلب منيب

أناخوا الذنوب المثقلات لواغبا

بأفيح- من عفو الإله- رحيب

وذلّ لعزّ الله كلّ مسوّد

ورقّ لخوف الله كل صليب

ولو أنّ عندي للشّباب بقيّة

خففت إليها فوق ظهر نجيب

أنام على الكثبان يؤنس وحدتي

بغام مهاة أو هماهم ذيب

ولي غفوة في كل ظلّ لقيته

ووقفة سقيا عند كل قليب

هتكت حجاب الصمت بيني وبينها

(بشبّابة) سكرى الحنين خلوب

حبست بها جنّيّة (معبدية)«1»

وفرّجت عن غمّائها بثقوب

(1) نسبة الى شيخ المغنين معبد قال الشاعر القديم: وما قصبات السبق الا لمعبد.

ص: 49

وركب عليها، وسم أخفاف عيسهم

وهام تهاوت للكرى وجنوب

وألف سراب ما كفرت بحسنها

وإن فاجأت غدرانها بنضوب

وضجّة صمت جلجلت. ثمّ وادعت

ورقّت، كأخفى همسة ودبيب

وأطياف جنّ في بحار رمالها

تصارع حالي طفوة ورسوب

وتعطفني الأرام فيها نوافرا

إلى رشأ في الغوطتين ربيب

يعلّلني- والصدق فيه سجية

بوعد مطول باللقاء كذوب

وبدّلت حسنا ضاحك الدلّ ناعما

بحسن عنيف في الرمال كئيب

ومن صحب الصحراء هام بعالم

من السحر جنّي الطيوف رهيب

وللفلك الأسمى، فضول لسرها

ففي كلّ نجم منه عين رقيب

أرى بخيال السحب- خطو محمد

على مخصب من بيدها وجديب

وسمر خيام مزّق الصمت عندها

حماحم خيل بشّرت بركوب

ص: 50

ونارا على نجد من الرمل أوقدت

لنجدة محروم وغوث حريب

وتكبيرة في الفجر سالت مع الصّبا

نعيم فياف واخضلال سهوب

أشمّ الرمال السمر: في كل حفنة

من الرّمل، دنيا من هوى وطيوب

على كل نجد منه نفح ملائك

وفي كل واد منه سرّ غيوب

توحّدت بالصحراء. حتّى مغيبها

ومشهدها من مشهدي ومغيبي

ومن هذه الصحراء، أنوار مرسل

ورايات منصور. وبدع خطيب

ومن هذه الصحراء، شعر تبرّجت

به كل سكرى بالدلال عروب

تعطّر في أنغامه ورحيقه

وريّاه: عطري مبسم وسبيب «1»

ترشّ النجوم النور فيها ممسّكا

فأترع أحلامي وأهرق كوبي

وما أكرم الصحراء

تصدى

ونمنمت

لنا برد ظل كالنعيم رطيب

ويغفو بها التاريخ، حتى ترجّه

بداهية صلب القناة أريب

شكا الدهر مما أتعبته رمالها

ولم تشك فيه من وفى ولغوب

(1) السبيب- خصلة الشعر.

ص: 51

وصبر من الصحراء، أحكمت نسجه

سموت به عن محنتي وكروبي

ومن هذه الصحراء.. صيغت سجيّتي

فكل عجيب الدهر غير عجيب

يرنّح شعري باللوى كلّ بانة

ويندى بشعري فيه كل كثيب

ولولا الجراح الداميات بمهجتي

لأسكر نجدا والحجاز نسيبي

وهيهات ما لوّم الكريم سجيّتي

ولا بغضه عند الجفاء نصيبي

نقلت إلى قلبي حياء وعفّة

أسارير وجهي من أسى وقطوب

وعرّتني الأيام ممن أحبهم

كأيك- تحاماه الربيع- سليب

وربّ بعيد عنك أحلى من المنى

وربّ قريب الدار غير قريب

وويح الغواني: ما أمنت خطوبها

وقد أمنت بعد المشيب خطوبي

وكيف وثوبي للزّمان وأهله

وللشيب أصفاد يعقن وثوبي

أفي كل يوم لوعة بعد لوعة

لغربة أهل أو لفقد حبيب

ويا رب: في قلبي ندوب جديدة

تريد القرى من سالفات ندوب

ص: 52

يريد حسابي ظالم بعد ظالم

وما غير جبّار السماء حسيبي

ويا رب: صن بالحب قومي مؤلّفا

شتات قلوب لا شتات دروب

ويا رب: لا تقبل صفاء بشاشة

إذا لم يصاحبه صفاء قلوب

تداووا من الجلى بجلى

وخلّفوا

وراءهم الإسلام خير طبيب

ويا رب: في الإسلام نور ورحمة

وشوق نسيب نازح لنسيب

فألّف على الإسلام دنيا تمزّقت

إلى أمم مقهورة وشعوب

وكلّ بعيد حجّ للبيت أوهفا

إليه- وإن شطّ المزار- قريبي

سجايا من الإسلام: سمح حنانها

فلا شعب عن نعمائها بغريب

وآمنت أنّ الحب خير ونعمة

ولا خير عندي في وغى وحروب

وكل خضيب الكف فتحا وصولة

فداء لكف بالعبير خضيب

وآمنت أنّ الحب والنور واحد

ويكفر باللألاء كل مريب

ص: 53

ولو كان في وسعي حنانا ورحمة

لجنّبت أعدائي لقاء شعوب «1»

ويا رب: لم أشرك ولم أعرف الأذى

وصنت شبابي عنهما ومشيبي

وإني- وإن جاوزت هذين سالما

لأكبر لولا جود عفوك حوبي «2»

وأهرب كبرا أو حياء لزلتي

ومنك، نعم، لكن إليك هروبي

وأجلو عيوبي نادمات حواسرا

وأستر إلّا في حماك عيوبي

وأيّ ذنوب ليس تمحى لشاعر

معنّى بألوان الجمال طروب

ولو شهدت حور الجنان مدامعي

ترشّفن في هول الحساب غروبي «3»

وأنزلت أحزاني على قبر أحمد

ضيوف كريم النبعتين وهوب

مدحت رسول الله أرجو ثوابه

وحاشا الندى أن لا يكون مثيبي

(1) شعوب بفتح الشين: الموت.

(2)

الحوب- الذنب.

(3)

الغروب- الدموع.

ص: 54

وقفت بباب الله ثمّ ببابه

وقوف ملحّ بالسؤال دؤوب

صفاء على اسم الله غير مكدّر

وحبّ لذات الله غير مشوب

وأزهى بتظليل الغمام لأحمد

وعذب برود من يديه سروب

فإن كان سرّ الله فوق غمامة

تظل وماء سائغ لشروب «1»

ففي معجز القرآن والدولة التي

بناها عليه مقنع للبيب

ويا رب، عند القبر قبر محمد

دعاء قريح المقلتين سليب

بجمر هوى عند الحجيج لمكة

ودمع على طهر (المقام) سكوب

بشوق على نعماه، ضمّ جوانح

ووجد على ريّاه زرّ جيوب

ترفّق بقومي واحمهم من ملمّة

لقد نشبت أو آذنت بنشوب

وردّ الحلوم العازبات إلى الهدى

فقد ترجع الأحلام بعد عزوب

وردّ القلوب الحاقدات إلى ند

من الحبّ فوّاح الظلال عشيب

(1) شروب بضم الشين والراء (جمع شارب) .

ص: 55

تدفقت الأمواج والليل كافر

وهبّ جنون الريح كلّ هبوب

رمى اليمّ أنضاء السفين بمارد

من اليمّ تيّاه الحتوف غضوب

يزلزلها يمنى ويسرى مزمجرا

ويضغمها من هوله بنيوب

يرقّصها حينا وحينا يرجّها

ويوجز حالي هدأة ووثوب

وترفعها عجلى وعجلى تحطها

لعوب من الأمواج جدّ لعوب

وأيقن أنضاء السفينة بالردى

يطالعهم في جيئة وذهوب

ولما استطال اليأس يكسو وجوههم

بألوانه من صفرة وشحوب

دعوا يا أبا الزهراء والحتف زاحف

عليهم: لقد وفّقتم بمجيب

وأسلست الريح القياد كأنها

نسيم هفا من شمأل وجنوب

وباده لطف الله من يمن أحمد

ببرد على غري الرجاء- قشيب

وأقعدني عنك الضّنى فبعثتها

شوارد شعر لم ترع بضريب

ص: 56

أقمت وآمالي إليك مجدّة

تلفّ شروقا معتما بغروب

وترشدها أطياب قبرك في الدجى

فتعصمها من حيرة ونكوب

وعند أبي الزهراء حطّت رحالها

بساح جواد للثناء كسوب

جلوت على وادي العقيق فريدتي

ففاز حسيب منهما بحسيب

تتيه حضارات الشعوب بشاعر

وتكمل أسباب العلى بأديب

ص: 57