المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌محمد الإنسان الكبير: - مختارات من أجمل الشعر في مدح الرسول

[محمد سعيد البوطي]

الفصل: ‌محمد الإنسان الكبير:

‌مقدمة

(محمد الرسول العربي الكريم مثل الله الأعلى للإنسان الكامل)

‌محمد الإنسان الكبير:

لا بد للباحث المنصف من الإعتراف بعظمة النبي العربي محمد صلى الله عليه وسلم؛ الذي حمل وبشّر برسالة الإسلام، وتحمّل ما تحمل في سبيل نشرها من تعذيب ومشقة من قريش وباقي القبائل العربية، التي رأت فيه مزاحما لها بالقيادة والزعامة، فجاهرته العداء وحاربته ولم يكن معه، آنذاك، إلا النذر اليسير من أصحابه وعلى رأسهم عمه أبو طالب الذي شجعه على المضي برسالته بعد أن رأى التصميم والإرادة القوية عند ابن أخيه «محمد» الذي قال له مقولته الخالدة:«يا عمّ، والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته»

ص: 9

قال محمد هذا قول العظيم الواثق من صدق دعوته، المطمئن إلى بلوغ غايته.

فقال عمه: (اذهب يا ابن أخي، وقل ما شئت، فو الله لا أسلمك لشيء أبدا) .

ثم تجلت في الرسول العربي محمد صلى الله عليه وسلم «مواهب الكمال الإنساني فحشد للخصومة قوى النفس وقوى الحس، فجاهد بالصدق، وجالد بالصبر، وجادل بالمنطق، وصاول بالرأي، وأثر باللسان، فكان رسولا في الدين، وعلما في البلاغة، ودستورا في السياسة، وإماما في التشريع، وقائدا في الحرب، زد على ذلك خلقه الحسن كما وصفة ربه «وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ» .

إذن حامل هذه الرسالة السماوية السمحاء مؤهل لها قادر على تحمل مشاقها من جميع جوانبها المعنوية والجسمية والخلقية فهو المثل الأعلى للإنسان الكامل؛ ولله درّ شاعر الرسول حسان بن ثابت الأنصاري حينما وصف شخصية الرسول العربي محمد صلى الله عليه وسلم ببيتين من الشعر يدلان على كمال صاحبها إذ قال مادحا رسول الله صلى الله عليه وسلم:

وأحسن منك لم تر قط عيني

وأجمل منك لم تلد النساء

خلقت مبرّءا من كل عيب

كأنك قد خلقت كما تشاء

إذن فلا عجب وإذا رأينا صاحب هذه الرسالة يقلب المجتمع الجاهلي رأسا على عقب، ليكون منهم مجتمعا آخر يختلف عن المجتمع الأول الذي يقوم على العصبية، والأثرة والأنانية والثأر، إلى مجتمع جديد بفضل الرسول الكريم، الذي بعث رحمة للعالمين، إذ بعث الحرية من قبرها، وأطلق العقول من أسرها، وجعل التنافس في الخير، والتعاون على البر، والتفاضل بالتقوى، ثم وصل بين القلوب بالمؤاخاة، وعدل بين الحقوق بالمساواة، ثم محا الفروق بين أجناس الإنسان، وأزال الحدود بين مختلف الأوطان،

ص: 10

فأصبح العالم كله أسرة متحدة، ليس فيها بين المرء والخليقة حجاب، ولا بين العبد وربه واسطة..

ثم جعل لهم من كتاب الله نورا

ومن سنته دستورا، ورمى بهم فساد الدنيا، فأصلحوا الأرض ومدنوا العالم، وهذبوا الناس.

«هذا ولا تقاس أهمية النبي محمد صلى الله عليه وسلم وعظمته بالانجازات التي تمت في عصره فقط، ولكن بما نتج عن هذه الإنجازات، وما تحقق بعده، بقيام الفتوحات الكبرى، وتأسيس دولة الإسلام العظمى الممتدة من داخل الصين وحتى خليج عمان، ومن شواطىء المتوسط في الشام حتى جنوب فرنسة ومشارف روما» «1» .

لكل ذلك أحبه الجميع وقدّر عمله وعظمته المستشرقون، وآمن برسالته الكثير من أبناء الديانات السماوية الأخرى، يقول «توماس كارلايل» مؤلف كتاب الأبطال عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم:

«لقد كان رجلا عظيما بفطرته، لم تثقفه مدرسة، ولا هذبه معلم، فأدى عمله وحده في أعماق الصحراء» . كما يقول «توماس كارلايل» : إن الرسالة التي أداها الرسول محمد، ما زالت السراج المنير. ثم يأتي الدكتور «مايكل هارت» فيضعه على رأس قائمة بالمائة الأوائل من عظماء العالم، اعترافا بعظمة وعبقرية النبي العربي صلى الله عليه وسلم! ما معنى ذلك؟

ان هذا الرسول العربي عظيم «ولا يمكن أن نوفيه حقه من التكريم، ولو جعلنا ماء البحر مدادا لكلماتنا؛

هذه الشخصية المعجزة التي استطاعت في سنوات معدودة، أن تتغلب على فوارق اجتماعية، وعصبيات قبلية» ومعتقدات دينية وثنية، واعراف وعادات متوارثة، ضربت جذورها جميعا في أعماق المجتمع القبلي الجاهلي منذ مئات السنين» «2» .

(1) د. سهيل زكار، مائة أوائل من تراثنا ص 20.

(2)

من مقدمة كتاب «رسالة الاسلام» الرسول العربي، العماد مصطفى طلاس ص 13- دار الشورى- بيروت.

ص: 11