المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

لك المجد، فالأبطال عندك خشّع … وخير عقول الناس منك - مختارات من أجمل الشعر في مدح الرسول

[محمد سعيد البوطي]

الفصل: لك المجد، فالأبطال عندك خشّع … وخير عقول الناس منك

لك المجد، فالأبطال عندك خشّع

وخير عقول الناس منك بمرفد

«شكوى»

شكوت لك الجلى، وكم من مدامع

أذرّفها في إثر عان ومقعد

وفوق خدود صيّر الذّلّ وردها

هشيما، وكانت كالرّجاء المورّد

وعند ربوع كم أطافت سعودها

وكم نفحت من صادح ومغرّد

سطا الشّرّ في أرض، تبارك ربّها،

فأعمل فيها حدّ ناب ومبرد

وسيّرها دهماء، لا تعرف الونى،

تصول على دنيا العلى والتّعبّد

فما تركت للآمنين مناعما

ولا وجلت من هتك غيد وخرّد

ولا أجفلت من قتل شيخ، ولا عفت

عن الرّضّع الأطهار، والناحل الصّدي

ونحن على حال من الهمّ مفجع

نسام فلا نأبى، فنرمى بأنكد

شربنا القذى، حتّى استخفّ بنا القذى

وهان على هاماتنا وطء معتد

ولم تتلهّب في الضّمائر نخوة

لمحو هوان في الرّؤوس معرّد

يعزّ على الاسلام يا سيّد الورى

نفوس تلقّى الذّلّ في خير معبد

أدرها على الأكوان صرخة أروع

أضاع كريم المجد، في الله منجد

لعلّ ضمير العرب، في حالك الدّجى

يثور فيستعلي، ويزهى بأيّد

نفخت به سالف الدهر فانبرى

يشيد ويبني، والممالك تقتدي

فأحي به ميت العزائم ينتفض

لرجع يهزّ الكبرياء وسدّد

عليك سلام الله ما ضاء كوكب

وما لاح نور في خلود مؤبّد

ص: 61

لمحة

(عمر أو ريشة)

أوقفي الركب يا رمال البيد

إنه تاه في مداك البعيد

ظمئت نوقه وجفّ فم الحا

دي وغصّت لهاته بالنشيد

والأشدّاء يلهثون كخيل ال

غزو عادت من يومها المشهود

عصفت في جفونهم ريحك الهو

جاء والشمس عربدت في الخدود

والصبايا من الهوادج ينظر

ن الى الأفق نظرة المفؤود

ليس يبصرن منك غير هضاب

في هضاب مبعثرات الحدود!

غابت الشمس يا رمال.. وهذا ال

ركب في قبضة العياء الشديد

وحبا الليل يا رمال وهذا ال

ركب أضنته وطأة التسهيد

فهوى فاقد الرجاء يرى المو

ت مشيحا بمنجل من حديد

فتراءت اليه نار على البع

د فكانت ايماءة للشريد

فسرى في سنائها فأطلت

خلفها مكة الفخار التليد

يا عروس الرمال يا قبس التا

ئه في مهمه الضلال المبيد

أمن الركب في حماك فردّيه

إلى ذكريات تلك العهود

يوم أرخى على جوانيك الوحي

جناحين من سماء الخلود

حاملا آية النبوة ما بين

شفاه علوية التأييد!!

صبها قبلة على فم طفل

قرشي النجار سامي الجدود!

وحواليه من حمام الفرادي

س حسان مرنحات القدود

ساحبات بيض البرود كما لو

جمد النور فوق تلك البرود

يتزاحمن واثبات ويلثم

ن من الشوق مبسم المولود!

ص: 62

فاذا بالسماء تهمي تسابيح

وتدوي أصداؤها في الوجود

وإذا الكون بعد عيسى تعرّى

نصب عيني محمد من جديد!!

درج الطفل والهداية تحبو

هـ بتاج من السناء فريد

«وبحيرا» في الدير يضرب في ال

ناقوس بشرى بالسيد المنشود

والذؤآبات من قريش سكارى

في هوى الجاهلية العربيد!

هتكت كبرياؤهم سنن العق

ل وصالت بشرعها المردود

كم بنات لم تنفطم وأدتها

كفّ باغ على القضاء عتيد

كم وراء الجدران في الكعبة العص

ماء من عابد ومن معبود

جلجلت صرخة النبيّ فردّت

رجع أصدائها أعالي النجود

وأشاحت يسراه بالمعول الصل

د ويمناه بالكتاب المجيد!!

فتهاوت تلك الصفوف من الأص

نام عن أوج عرشها المعقود

وتبارت- الله أكبر تعلو

من شفاه المؤذن الغريد!!

أخذت غضبة البداوة تخبو

بعد إعنات ضلة وجحود

إنها النفس لا تبدل طبعا

ألفته فكيف نفس الحقود

ومن الصعب أن يشاهد أعمى

قبس الحق في الليالي السود

يوم «بدر» فضّ النزاع وبث ال

رعب في كل أشهب صنديد

«فقريش» مغلوبة وأبو سف

يان في شبه رجفة الرعديد

والميامين في المدينة يطوو

ن سيوف السلام طي الغمود

فأتم النبي آيته الكبرى

على شعبه الكريم الودود

وانطوت بعدها الهيولى فثارت

فتنة في النفوس ذات وقود

وتلاشت كأنها حلم الذعر

بجفن المسهد المكدود!!

الفجاءآت كم تزلزل عزما

وترد الرشيد غير رشيد!!

ص: 63

دفقت موجة الهدى تغسل الشر

ك وتروي النفوس بالتوحيد

وتبث الوئام والحب والرح

مة ما بين سيد ومسود

مذهب ضجت الأعاجم منه

وتعاموا عن شرعه المحمود

ورأوا فيه ما يدكّ عروشا

شيدوها بالظلم والتهديد

فرمت بالكتائب الخرس «روما»

وبأبطالها الغزاة الصيد

وطغى الهول والكتائب ماجت

في خضم من القنا والبنود

فأطلت تلك الفلول من العر

ب بعزم النبوة المشدود

وانحنت فوق ضمّر تعلك اللج

م وتنزو مجنونة في الصعيد!

وأغارت ترمي الفوارس رميا

وتحز الوريد أثر الوريد

كلما انهار حائط من جنود

اتبعته بحائط من جنود

وضفاف «اليرموك» ترسل منها

زمزمات الحداء لابن الوليد!!

جولة ترعف الصورام فيها

وتصيح الأكف هل من مزيد

جولة كفّنت بها الروم حلما

بين أنقاض صرحها المهدود!

وكأن اندحارها لم يرد «ال

فرس» عن نشر بغيها المعهود

سخرّت كلّ فيلق كسروي

لم يذق قبل نكبة التشريد!

مزقته في القادسية تلك ال

بيض والسمر في أكف الأسود

إن طود الرمال تحمله الريح

وتذريه في الفضاء المديد

بسطت كفها الهداية والشر

ق تفيّا بظلها الممدود

رافعا مشعل الحضارة والغر

ب صريع في غفوة من جمود

إن في الشام من معاوية

السمح بقايا من الدهاء السديد

وببغداد مسحة من نعيم

تتغنى بذكريات «الرشيد»

وبغرناطة من الملك النا

صر آثار روعة «التشييد»

أمة يعربية تركت في

مسمع الدهر آية التمجيد؟

ص: 64

إنما عقبّها البنون فزجوا

بالمروآت في بطون اللحود

أسكرتهم لذائذ الترف الأه

وج عن يقظة القضاء العنيد

وتلوّت ما بينهم تنفث الس

م أفاعي حفائظ وحقود!

وتناسوا ما بثه السيد الأع

ظم من سنة الوئام الأكيد

وخبت نارهم وصبت عليهم

عاصفات التعذيب والتنكيد

فاذا جبهة الشموخ لطيم

تتنزى بالجرح عند السجود

وانتهت سيرة الجدود الينا

فجررنا القيود أثر القيود!

والتفتنا فلم نجد غير ملك

مزقته أصابع التبديد

ونهدنا للذود عنه ولكن

ما حملنا غير الاباء الحميد!

ورجعنا فكم جريح كئيب

يتلوّى وكم قتيل شهيد!!

يا عروس الرمال يا قبس التا

ئه في مهمه الضلال المبيد

نحن في هذه البلاد كذاك

الركب نمشي في طالع منكود

انظري فالجموع شاخصة الأب

صار ترنو الى ضياك الوحيد

فامددي الكف للكرام فغبن

أن تعيش الكرام عيش العبيد!

ص: 65

الدرارى واللآل لمدح محمد والآل

(صالح طه)(مدح الرسول صلى الله عليه وسلم بقصيدة فيها 99 بيتا من النوع المهمل (الكلمات ذات الأحرف غير المنقطة فقط) جاء فيها:)

اسر الأسود هلال سلع والحمى

لمّا رعى آل اللّوى ولهم حمى

وسرى هواه الى المعالم كلّها

ووصاله امر محال واللّمى

اسما وسلمى وعدهم وسراهموا

واللى اعلم ما المراد له! ما

عسسّا له ملك الهصور مدرعا

وهوارم المرأى رموه مكلّما

ووسامه ملك الكمال وأهله

وله سواحر مهمهم سحر الدّمى

راح السرور وماله راح الكرو

م سلامه وأرى اللّواحى حصرما

امّا هواه للودود مواصل

ولكم دعى الى المدائح هوّما

ومحمّد لولا الهدى وكلومه

ما هام صالح لا ولا همل الدما

ص: 66

صحراء يثرب

(جورج صيدح)

لا يعجز الله الذي

إن قال كن للشيء كان

أمر الرمال فاطلعت

صحراء يثرب أقحوان

للرسل آيات وهذا ال

طفل آيته البيان

الروح يملي ما يتر

جمه ونعم الترجمان

بالضاد آذن ربه

فتخلدت لغة الأذان

يا صاحبي بأي آلا

ء الرسول تكذبان؟

شرفا حراء الغار هل

كحراء في الدنيا مكان

أخذ الشهادة من شفا

هـ المصطفىء أخذ البنان

في صدره ضم النجى

وصان معجزة الزمان

وتنزلت أم الكتا

ب على اليتيم مع اللبان

فهدى الأعارب ذلك

الأمي بالسور الحسان

أضحوا وفي الدنيا لهم

شأن وعند الله شان

يا صاحبي بأي آلا

ءالنبي تكذبان؟

يا من سريت على البرا

ق وجزت أشواط العنان

آن الأوان لأن تجد

د ليلة المعراج.. آن

عرج على القدس الشر

يف ففيه أقداس تهان

ص: 67

ضج الحجيج به ور

يع ضريحه والمسجدان

والقوم ألسنة

مبللة كأن الحشر حان

هذي «سدوم» تصاعد

النيران منها والدخان

والذعر يحدو الشاردين

كأنهم قطعان ضان

ماذا دهاهم هل عصو

ك فأصبح الغازي جبان

أنت الذي علمتهم

دفع المهانة بالسنان

ونذرت للشهداء

جنات وخيرات حسان

يا صاحبي بأي آلا

ء النبي تكذبان؟

ص: 68

من القلب

(صالح جودت)

يا حبيبا لست أخشى فيه عين الرقباء

أتمناه، ولا يمنعني عنه حيائي

هو في البأساء عوني، وهو في الليالي ضيائي

وعليه صلواتي

ولمغناه دعائي

يا حبيب الله والناس

ويا نور السماء

يا مجيري من مصيري، يا أمير الأنبياء

يا شفيعي، يوم لا يسأل عني شفعائي

يا ثرائي يوم ألقى عرض الدنيا ورائي

أنا غنّيت بذكراك صباحي ومسائي

وبذكراك انتشت روحي فأبدعت غنائي

وبنجواك ازدهت نفسي وتاهت خيلائي

وعلى بابك يا أحمد ألقيت رجائي

كلما عانيت ناديتك فانداح عنائي

يا بشير المسلمين المؤمنين الأتقياء

إن تكن عني رضيا فأنا في السعداء

يا حبيب الله والناس

ويا نور السماء

ص: 69

قصيدة إلى محمّد في ذكرى مولد الرّسول العربيّ الكريم مثل الإنسان الأعلى على مرّ العصور

(يوسف الخطيب)

إني لحاسر رأسي، غير منتعل

حاد لك التوق، لم أرجع، ولم أصل

مسافر فيك، غاد عنك في سفر

حلّي لديك، على الآفاق، مرتحلي

مطيتي خيل أحلامي أسابقها

وصاحباي زمير الريح في الأسل

أدني الى الأرض أذني، أقتفي اثرا

لو يصهل الرمل بالخيالة الأول

لكنني جثّني التاريخ ناحية

لما عقدت زؤان الصيف في السّبل

فها أنا، ميت حي، تنازعني

يدي اليك، وأيد جمة الغيل

ص: 70

مذ متّ جذري بأسباب الى حجر

فانبتّ، خذني الى بستانك الخضل

إني لحاسر رأسي، غير منتعل

حاد لك التوق، لم أرجع، ولم أصل

آنست نارك في الظلماء آن خبت

على مدار الدجى كذابة الشعل

أهلي على جبل الزيتون مطغاة

جراحهم، من أضان الكون من جبل

زيتونة الله حسبي دون شعلتها

لو حلم مشكاتها في جفني السّمل

آتيك أنت، أنادي خلف أزمنة

ما بيننا، وسواف وعرة السبل

ورائي الشمس ليل في هجيرتها

وسدت الأرض، من خلفي، ومن قبلي

وجزت أهلي بأرض الطور، أعينهم

مقروحة في دخان الجن والخبل

خلّفت جلدة وجهي فوق توسجة

ورايتي في عجاج الرمل، والرّمل

وعارض لي بالأحقاف خاتلني

عن وابل الأفق، في أفق من الوبل

مزقت في اللات صدري أستغيث به

فما تغيّثت من لات ولا هبل

ص: 71

ولا الغرانيق أغنتها شفاعتها

في يوم أبرهة، عنها، فتشفع لي

صماء، معوجة أنفا، وأعرفها

واغيرة النّصب الأزلام إن أقل

بلى أقول، إله التمر ألعنه

والنافحين بخور القات والبصل

أعلى العليين من فيهم، فأنبئه

أحقّ والله في جنبيك سيف علي

هم أمنع الصخر أن تندى جباههمو

وأطيع العير متن العار، والذّلل

من أعطو الذئب سلطانا ومقدرة

فانظر قرونهمو في ربقّة الحمل

آتيك أنت، وما خليت من افق

الا استطالت عليه راية الفشل

آتيك، أهمز خيلا غير مسرجة

لما تعليت آلامي إلى أملي

كن عودتي في خيام الحزن انشرها

حمراء الوية خفاقة الجذل

كن شعلتي في ضلوع الليل اغمدها

كن غيمتي فوق قحط الروح وانهمل

كن همتي عندهم الحق اطلبه

كن امتي، بعد، من جلت على الجلل

كن في ربيعك عودا خالدا، وعلى

نقع الميادين، رفد النور والامل

ص: 72

أم اليتيم يتيم الدهر، لا عقب

رحماك يا أمة وحمى بلا حبل

وما أنبيّك، لا الاقصى بذي سبب

ولا الى الملأ الأعلى بذي رسل

تبدلت سحن، أخرى، بساحته

الا عمائم رمز النسك والوجل

الا النقوش على التيجان من ذهب

حال النهار على الدنيا، ولم تحل

حتى الإمام غدا بيّاع احجبة

ألن يكيل إليّ اللص إن أكل

وفي المغارة، طفل الله شاخصة

عيناه في موعد باك على الطّفل

أمّاه، يا أمّة، حبا ومرحمة

صوغي لفوديه تاج الشمس والقبل

واحثي رمادك يا كنعان نازعة

في الله من جدل أعلى، إلى جدل

لكنني عدت، يوحنا بلا وبر

على الصحارى، قشيب الخفّ والحلل

آتيك أنت، بلا درب، يخاتلني

عنك السراب، وموج الزيغ والزلل

ولو تناوبت درب القدس في عمر

ما كان عبدي قضى نحبا، ولا جملي

ص: 73

لكن، أنخت بوادي الصخر راحلتي

واد من السلف الأنباط يرجع لي

خزائني فيه صوان، وآلهتي

اهش من رنة الفخار في القلل

عدت الشقيّ على رسم اماحكه

وعاج غيري على زوّادتي بدلي

ضيّعت في إرم الفا أضيّعها

برية السمن، والتاريخ، والعسل

ضيّعت، ضيّعت، للأحصي نثار يدي

طائيّ قفر أداري قيلة البخل

ضيّعت، عن غنمي بالأمس، أدعيتي

وانجمي في بهيم الليل، عن ابلي

بي، بعد، ذاك الذي هدّمت خيمته

الوائد النسوة، الباكي على ظلل

الضائع، الأشعث، المغبّر من سفر

في غير ما سفر يوما، ولا نزل

آتيك أنت، وبي غلّ، وأجنحة

فصام حد الردى، والبعث، في رجل

ولو تقرّيتني ألفيت في جسدي

غيري، وخلت بثغري ذات منتحل

ما أعلم النبض في صدري، أدفق دمي

أم داب ناعورة دوّارة الملل

تقطّعت بي عرى، من أين اوصلها

إن لم أصل بك أشلائي، ولم تصل

ص: 74

بي منك، أعلم، هام غير خافضة

فلا تقل بك مني لفتة الخجل

يتيم مكّة، ما يتمي تراب أب

يتمي تراب المدى ذي السهل والجبل

إخال لي وطن الدنيا وجنّتها

وليس لي فيه حتى حفرة الأجل

وما عدوت بلا وجه على أحد

حتى عدا قبلي المنحوت في بطل

قد جانب السيف لحمي في الوغي ودمي

وحزني السيف في روحي وفي مثلي

قم داوني كرمة علويّة، ورؤى

إني سئمت حواة السيف والعذل

هميّ لديك ثمالات معتقة

يرعشن في جنان الغائب الثمل

أفض خوابي حراء من عرائشها

وصبّ في الليل، ضوء الله في المقل

ص: 75

مع الهجرة على مشارف القرن الخامس عشر

( «محمد منذر لطفي» )(مهداة إلى الرسول العربي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بمناسبة انقضاء «1400» سنة على هجرته الشريفة من مكة إلى المدينة المنورة.)

نجمان من غرر الأصول

نجم الرسالة.. والرسول

هذا شفاء للنفوس..

وذاك هدي للعقول

قد كان في «أم القرى»

ليلان.. ظلهما ثقيل

شرك وجهل مطبقان..

فهل إلى برء سبيل..؟

حتى تجلى النيران..

فأزهر الليل الطويل

يا موسم الفجر الندي..

وموسم الصبح الخضيل

ما انتما إلا الشروق،

أطلّ يجتاح الأفول

ما أنتما إلا الخميل

أظل صحراء الطلول

ما أنتما إلا الشباب

يضوع في كل الفصول

ما أنتما في «مكة»

إلا الرسالة والرسول

يا من أضاء دجى الدروب.

.. فأشرقت كل الدروب

الحق شرعك

فامضي فيه.

. فأنت رائدنا الحبيب

عميت عقول الناس دهرا.

.. والضمائر والقلوب

ص: 76

فانشر مصابيح الضياء

على المدائن والشعوب

ضاقت «قريش» بنورك

الوضاء

بالدوح الرطيب

فمضت تدبر في الخفاء

... وفي الضحى أمرا عصيب

لكنّ من حفظ الإله

فليس ندركه الخطوب

«فاصدع بما تؤمر» وهاجر

... إن مولاك «الحسيب»

خرج «الرسول» وراح يحس

والترب في كل العيون

ويمر

فالحراس في سن

ة عن الكنز الثمين

حتى إذا طلع الصباح..

. ووشح البيت الحزين

دخلت «قريش» فهالها «اللا

شيء» والصمت المبين

لم تلق في البيت الرسول

... ولم تجد إلا الخدين

حارت

وحار دليلها الأ

شقى

وحاديها اللعين

حتى إذا لاحت له

آثار أقدام «الأمين»

ثارت حفيظته.. وراح

يدق ناقوس المنون

قصد الرسول «الغار» و «الصديق» في جنح الظلام

والقوم

يا للقوم كانوا غارقين مع النيام

!

وبنية سمراء يعمر قلبها النور التمام

راحت تشق نطاقها تخفي عن القوم الطعام

تسعى إلى الغار الذي قد ضم آمال الأنام

نسجت عناكبه الخيوط

وباض بالباب الحمام

حتى إذا وصلت «قريش» الغار.. واحتدم الكلام

أوحى إليه الله أن القوم قد ضلوا المرام

ص: 77

فرنا إلى «الصديق» في بشر يزف له السلام

ويقول: إن الله ثالثنا.. فلا تخشى اللئام

مرت ثلاث

ثم لما أعقب الليل.. النهار

حضر الغلام يقود راحلة.. فضاء الانتظار

هيا

وراحا ينهبان السهل والبيد القفار

ومضت «قريش» ببحثها المحموم تسأل كل دار

هذا الكمي «سراقة» أغرته جائزة الحرار «1»

لكنّ من حفظ الإله فليس يدركه العشار

حتى إذا لاحت لهم واحات «يثرب» والجدار

راحت مواكبها تموج.. وزين اللقيا انتصار

وطلعت بدرا «من ثنيات الوداع» على الديار

من كل مثلك يا «محمد» لن يضل ولن يخيب

ما كان أحوجنا إليك.. وقد تكاثرت الخطوب

ما كان أحوجنا لمن نشر الأخوة في الشعوب

لا فرق في جنس

وفي لون

وفي حسب قريب

الفرق بالأعمال.. فاصنع دولة.. تأبى الغروب

إن صوّحت جناتها

فغدا تماوج بالطيوب

ولئن خبت نيرانها

فغدا يباركنا اللهيب

أكبرت شرعك أن يغيبه زمان

أو يغيب

أكبرته.. أكبرت مكة، والمدينة، والحبيب

أدعو الإله بأن تكون لي الشفيع من الذنوب

أدعوه

وهو هو السميع.. هو الغفور.. هو المجيب

(1) جمع حرة

وهي الناقة الكريمة.

ص: 78

صفات الرّسول

(إلياس قنصل)(حلم الشاعر أنه في أرض النبوة فكانت هذه القصيدة)

حباك رضاء الله ما كنت تطلب

فهل لك بعد الآن يا قلب ما رب؟

أنا اليوم في أرض النبوة والتقى

يجللني من هالة الوحي كوكب

انطلق عهد الحق من جنباتها

فضاء الهدى وانجاب للبطل غيهب

وعز بما فيه من الخير مشرق

وأحرز منه رحمة الصفح مغرب

وزعزع دنيا بالحقود كئيبة

وركز دنيا بالتساهل تطرب

على صخرة الإيمان قام أساسها

فعي عن التهديم فيها المخرب

ووطد عدلا أفقه ليس ينتهي

وركن آمنا بدره ليس يحجب

وسنرى فما في الناس يشمخ سيد

تذل كما تهوي الرقاب وتضرب

ولا لاتقاء السوط جنس مصفد

ولا لاحتمال اللطم شعب معذب

وليس للون المرء أية قيمة

إذا لم يميّزه صنيع مطيب

ولا فضل للإنسان يغزر كسبه

إذا لم يكن للفضل ما هو يكسب

لمن رام أن يحظى بنعمة ربه

فما بسوى التقوى إلى الله يقرب

وخطط للدارين نهجا مسددا

أماني من يجري به لا تخيب

وفك عن الأفهام أطواق غلها

وكانت بصحراء الفدامة تغرب

نعست كما شاء الخيال طليقة

طرائفها الغراء تنمو وتثقب

وأبعد خوفا لا يبرره غد

وما الخوف إلا النزاع أو هو أصعب

وزلزل عدوان القوي تشده

وجاهة مال من يد الفقر تسلب

وحض على المعروف من غير منة

يزول بها الأجر الذي كان يرقب

وهيأ للأجيال شرعا محددا

يسدد ما تحتاجه ويدرب

ص: 79

وثبت آلاء الأخوة جاليا

مآثر يهديها الولا والتحبب

وقوم أسباب التعاون فاغتدى

نظاما على فوضى الجفا يتغلب

وقائعها للباحثين خوارق

وتفسير ما فيها من الفوز أغرب

وما انتصر الفولاذ في ساحة الوغى

رماحا إلى صدر العدو تصوب

بل انتصر العزم الذي شد أزره

وفاء لما أوحاه طبع مهذب

وما اندحر الجيش الذي عاش خائفا

وباغته جيش جريء مدرب

بل اندحر العهد الذي كان أمره

مشيئة من يردي ويطغو ويغصب

لئن شاءت الدنيا من العرب همة

إذا جارت الأرزاء تعلو وتصلب

فما نشر الإسلام سيف مجرد

ولا عمم الإسلام عزم مرتب

ولكن كتاب لم ير الناس مثله

مناهله للخير تنمو وتعذب

يشع على هام الدهور بيانه

ويخلد ملك الضاد منه ويقشب

شرائعه في كل عصر وبيئة

مثال لما يلي الرشاد ويوجب

لو اتبعت أهدت إلى العالم المنى

وبات على زهر الصفا يتقلب

وأمسى التراضي سنة مستحبة

وزال التجافي واضمحل التحزب

فلست تلاقي من يجور ويعتدي

ولست تلاقي من يخاف ويكأب

وما نشر الإسلام جيش مرتب

عليم بأسرار الوقائع محرب

ولكن صفات في الرسول كريمة

ببوتقة، الأحداث تسمو وتنجب

تجلى بها «الإنسان» يدنو بخلقه

إلى قمة فيها الكمال المنصب

يقابل بالصبر الجميل ضغائنا

تمادى بها وغد يسب ويثلب

ويعفو عن الأسرى وكان وعيدهم

بما في نواياهم من الثأر يلهب

ويطلب رأي الآخرين ورأيه

متى بدت الآراء أعلى وأصوب

ويوصي بإسعاف الفقير وإن يكن

عدوا لدودا في الوقيعة يدأب

إذا جاءه الملهوف فهو له أخ

وإن جاءه المحروم فهو له أب

وإن عاد ذو إثم عن الإثم نادما

يغض عن الماضي ولا يتعتب

ويحنو على الشيخ الذي جف عزمه

ويحبو مع الطفل البريء ويلعب

ص: 80

ويرفض إلا الصدق في كل موقف

ولو كان فيه ما يضر وينكب

ويمعن في صوغ المديح لمحسن

ويحبس عنه عذله حين يذنب

تواضعه، والنبل فيه فضيلة

وليس كلالا خلفه الضعف يسرب

صفات نبي أحسن الله خلقه

نفوس الورى من رفدها تتهذب

ص: 81

هذان أنت

(مصطفى عكرمة)

ضمنت للحق عمر الدهر ما يجب

يا من بك الحق يزهى حين ينتسب

وعشت للحق لا ترضى به بدلا

وإن اصابتك في تأييده النوب

ما اثاقلت نفسك المثلى بفطرتها

ولا صبوت لما لم يرتضى الأدب

عرفت ربك قبل الوحي في خلد

ما داخلته، ولا مرت به الريب

فكنت أكمل من تمت خلائقه

وعز في مثلها أن تفخر العرب

هذان أنت.. قبيل الوحي خير فتى

ويوم أرسلت نالت عزها الحقب

دعوت قومك للتوحيد يعصمهم

فما استجابوا. ولكن رأسهم ركبوا

أنت الحريص عليهم والرؤوف بهم

وما يزال رحيما قلبك الحدب

يزداد حلمك فيهم عند كل أذى

فأنت أم لهم، رغم الأذى وأب

وأنت وحدك في إنقاذهم سبب

وكي يزيلوك كل عنده سبب

أغروك بالمال. بالدنيا. بما ملكت

يد الزمان.. وكان الموقف العجب

لله كوكبة قد آمنت رغبا

وياله رغبا ما مثله رغب!!

سموا بهديك عما نالهم.. ورأوا

جنات ربك تدعوهم، وتقترب

هم المشوقون.. وهي الشوق برحها

ما ضر من أجلها لو أنهم صلبوا

عذبا رأوا كل تعذيب، وكم صبروا

وزاد ما عذبوا الإيمان والدأب

الصدق إن عاهدوا يزهى وإن بذلوا

حسبت أن أياديهم هي السحب

يستكثر الناس منهم بعض ما وهبوا

وهم يرون قليلا كل ما وهبوا

جيل سيبقى فريدا في عقيدته

وأعجب الأمر ما في أمرهم كذب

هل كان مثل (أبي بكر) أخو ورع

وأين من بأسه إما دهت نوب!!

وأين من (عمر) عدلا؟! وأين ترى

في الزهد مثل (أبي ذر) إذا نسبوا

ص: 82

وأين مثل (بلال) في الثبات؟! وهل

(كآل ياسر) صبرا تعرف الكتب!!

لله أنت.. ولله الذي فعلت

آيات ربك فيهم حيثما طلبوا!

بوركت قائدهم.. بوركت صاحبهم

وبوركوا صحبة وفوا لمن صحبوا

أدنى الأقارب صار الأبعدون، وما

أغنى مع الكفر لا قرب ولا نسب

يدا (أبي لهب) تبت، وتب بها

والزوج تبت، وتب المال والحطب

ما كان أغناه وهو العم لو لمست

كف الهدى قلبه.. واستبرد اللهب

ضاقت قوى الشر بالحق الذي ظهرت

آياته.. وتنزى الحقد والغضب

وأجمعوا الأمر في سر، وقد جعلوا

لقاتليك نياقا دونها الذهب

في كل نفس أثاروا الحقد فارتفعت

كل السيوف. وأنت القصد والطلب

تجمعوا زمرا بالباب واحتشدوا

مدججين

وموج الحقد يصطخب

وظل روحك في قدسي رفرفة

وأنت تبسم لا حقد ولا رهب

ما كان همك إلا أن ترد لهم

ما أمنوك عليه رغم ما ارتكبوا

هذا هو الدين.. هذا ما بعثت به

وتلك اخلاق من عن دينهم رغبوا

أوحى لك الله هاجر للأولى صدقوا

فالمؤمنون هم الأوطان والنسب

ولا ترعك حشود الأرض أجمعها

فانما الأمر بعد الصبر ينقلب

خرجت من بعد أن أبقيت مؤتمنا

على ودائعهم.. تعطى متى طلبوا

أقام ربك سدا فوق أعينهم

وقد أحسوا وكل رأسه ترب

شاهت وجوه ولولا ما دعوت لما

شاهت.. فأحقادهم في وجههم تثب

تركت (مكة) خير الأرض قاطبة

ورحت عنها برب البيت تحتسب

وما التفت إلى أهل، ولا نشب

فدون ما تبتغيه الأهل والنشب

صاحبت في الرحلة الكبرى أخا ثقة

من مثل صاحبك (الصديق) يصطحب

أقمت في (الغار) أياما على سغب

وفي رضى الله كم يحلو لك السغب

من قاب قوسين أو أدنى قد اقتربوا

وما رأوك ومنك النور ينكسب

إرادة الله أعمتهم، ونلت بها

برد اليقين، وعانوا الذل وانسحبوا

طلعت من غارك المحروس شمس ضحى

والكون صعد شكرا قلبه الطرب

ص: 83

من ذا الذي هب مثل الريح يسبقه

حقد.. ويحمله من قومه الغضب؟!

هذا (سراقة) يرجو نيل ما وعدوا

وكاد يظفر لولا (غارت الركب)

وعدته بسوار الملك يلبسه

أملك كسرى وأنت اللائذ التعب؟!

وارتد عنك كمن بالكف يمسكه

حتى بوعدك هذا دونك الكذب

يا شوق (طيبة) والبشرى تظللها

ما مثل ما ارتقبت في الدهر مرتقب

بدر بدا من (ثنيات الوداع) لها

إلا له لا يليق الشوق والطرب

كأن تربتها تبرا قد انقلبت

كأنما هي ثراها أمست الشهب

هي الجنان وأهلوها ملائكة

لو كان في الأرض أملاك لها انتسبوا

المال، والنفس، والأهلون إن طلبت

فداء دين الذي ما كان منسحب

الدين تممت الأنصار نصرته

ولم يحل دونها بذل ولا تعب

وكل شرك تولى. وامحى، وغدت

رايات جندك تعلو أينما ركبوا

وعدت للبيت عودا لا أعز، وها

أنت القدير عليهم أينما ذهبوا

وجاءك القوم في ذل، وقد نكسوا

رؤوسهم.. وعليهم سيطر الرعب

(ماذا تظنون إني فاعل بكم)

ساءلتهم.. وقلوب القوم تضطرب

قالوا: وأدنى أذى منهم أتاك إذا

عدلت فيهم أبيدوا.. بعد أن غلبوا

أخ كريم علينا أنت، وابن أخ

وران صمت.. وكل قلبه يجب

قلت: اذهوا انتم الطّلقاء. فانقلبوا

لكن على ما مضى منهم قد انقلبوا

قلت اذهبوا؟! يا له الرحمن من خلق

هو الرسالة شقت دونها الحجب!!

وجاءك النصر. نصر الله واكتملت

بك الرسالات وانقادت لك الحقب

يا أكمل الناس في قول، وفي عمل

أمسى لهجرتك التاريخ ينتسب

تمضي القرون وتبقى أنت قدوتها

فأنت من بهداه تمت الكتب

ص: 84